تخطَّ إلى المحتوى

أحاديث الفترة من ٢٠٠٦- ٢٠١٠

١٨٠ - الإنسان يتعلم بما أودع الله فيه من أمانة الحياة التي يمثلها العقل في الإنسان

تاريخ الحديث: ٢٠٠٦/٩/٢٢

إننا حين نتأمل في معني القلم في الآية (… الذي علم بالقلم، علم الإنسان ما لم يعلم) فإنه يوحي لنا بما أنعم الله به علي الإنسان من قدرة علي التذكر والتعلم، والاحتفاظ بالمعارف والمعلومات. فالإنسان عنده قلمه الذي يكتب الله به عليه، فيجعله واعيا، ويجعله متعلما ويجعله متذكرا، وهذا أمر اختص به الإنسان بين الكائنات الأخري. فلإنسان الذي لا يتعلم من تجربته فقد جزء من أمانة الحياة فيه، لذلك قال رسول الله (صلعم)(لا يلدغ المرء من جحر مرتين)، وهذا يدل علي أن الذي به أمانة الحياة يتعلم ويتغير ليصبح أكثر قدرة، وأكثر علما، وأكثر معرفة، وأكثر خبرة، وأكثر تمرسا، وأكثر إدراكا. ندرك أن ما أوجد الله في الإنسان، لا يتعارض مع ما أمر الله به الإنسان، فأمر الله للإنسان موجود في خلقة الإنسان. والعقل هو الأمر الظاهر من هذا الأمر، العقل هو الذي يلعب الدور الأكبر في توجيه الإنسان . هذا الإدراك وهذا الفهم يمكن أن نتعلمه من آيات الله (وعلم آدم الأسماء كلها..). فحين نري حولنا من يصف الإسلام بأنه دين لا يحترم العقل، نجد أن هذا ما أدي إلي ما آل إليه حال المسلمين اليوم من تخلف عن كثير من الأمم. المسلمون يوم أكبروا العقل، ويوم فكروا بعقولهم، ويوم تدبروا آيات الله لهم، عرفوا كيف يبنون حضارة، وكيف يتعلمون من الحضارات الموجودة ، وكيف يضيفون إليها، وكيف يبحثون في آيات الله حولهم (قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق.. ). المسلمون الأوائل مع الأخطاء التي يمكن أن يكونوا قد ارتكبوها، كانوا يدركون المعاني الحقيقية للآيات بمقاصدها، وإستطاعوا أن يقيموا ما يجدوا أنه الحق، وأنه الخير. لم يلتزموا بحرفية الكلمات، وإنما أدركوا القصد وراءها. لم يقولوا كما يقول المعاصرون أن العقل نستخدمه لنثبت الوحي، ثم بعد ذلك نجنبه ولا نستخدمه. كيف يمكن للإنسان أن ينحي العقل جانبا بأي شكل وبأي صورة ،كيف يمكنه أن يفهم النص إذا نحي العقل. كيف ننفذ إقامة الصلاة، ونحن لا نفهم ما الصلاة، كيف نصوم ونحن لا نفهم ما الصوم. لقد درب علماء هذه الأمة، أفراد الأمة أن يكونوا مقلدين؛ فإذا سمعوا الآذان تحركوا وقاموا بحركات معينة وقالوا أن هذه هي الصلاة، وإذا أعلن شهر الصوم بدءوا يمتنعون عن الطعام من وقت إلي وقت معين، فإذا جاء آذان المغرب ذهبوا إلي الطعام، ما هو الصوم ما هي الصلاة لا يهم، المهم أن ننفذ هذه الأوامر كما هي. كيف يكون الإنسان في هذه الحالة مسلما حقا، كيف يكون الإنسان في هذه الحالة مقدرا لما أودع الله فيه من نعمة العقل. بعض الناس لا يجدون فيما أمر به الدين، كما يبلغه من يصفون أنفسهم برجال الدين، أنه معقول، ولكن لا يصارحون أنفسهم بذلك، حتي لا يقال أنهم كفره، ويقال لهم إذا حاولوا أن يسألوا مثل هذه الأسئلة لا تفكروا فإن الفكر يؤدي إلي الكفر. هؤلاء لم يفكروا في كل ما أمر به الدين من منطلق أنه يجب أن يكون لهم مفهوم ينسجم مع ما يقبله العقل. بل أن كل إنسان عليه ألا يقوم في أمر إلا إذا قبله عقله، بشكل ما وبصورة ما. لا نقول أن العقول متساوية أو متكافئة، ولكن نقول أن كل إنسان عنده قدر من الفهم والإدراك عليه أن يقوم بتفعيل هذا الإدراك والفهم فيه. ومن هنا نقول أن الإسلام هو منهج وليس شكل، هو منهج يقوم علي احترام الإنسان وما أعطي الله الإنسان، وما أنعم الله به علي الإنسان. الإنسان الذي يقدر الله، هو الذي يقدر عطاء الله له، وهو الذي يقدر نعم الله عليه، وأول هذه النعم هي عقله. فهو محاسب علي ما يدرك، و الحساب هو القانون الطبيعي الذي كشف الله لنا إياه في رسائله السماوية، من أن الإنسان هو نتيجة عمله، وأنه يكتب علي لوحه بقلمه بما يفكر ويفعل، وبما ينوي ويشعر، بكل خلجة من خلجات صدره، وبكل لمحة من لمحات فكره، وبكل نبضة من نبضات قلبه، ومن كل خطوة تخطوها قدماه، ومن كل فعل تؤديه يداه، ومن كل نظرة تنظر بها عيناه، ومن كل كلمة تسمع لها أذناه. وأعطي الاستغفار والمغفرة، والرجوع والتوبة، حتي يستطيع أن يكمل طريقه. بل علمه أنه يوم يكتشف خطأ فعله، خطأ قوله، فإنه يوم يرجع إلي الله، ويستغفر الله ويصلح ما أفسد، فإن ذلك يكسبه قوة في اتجاه الخير، وأن هذه هي الآلية التي يكسب بها الإنسان، (كل ابن آدم خطاء وخير الخطاءين التوابون)،(إن لم تذنبوا وتستغفروا لأتي الله بقوم آخرين يذنبون ويستغفرون فيغفر الله لهم). الذنب هنا هو التعلم، لأن الذنب هو أن تكتشف خطأك، وأن تكتشف خطأك معناه أنك علمت ما هو الصواب، وهذه هي التجربة، التجربة التي يخطئ فيها الإنسان أو يصيب فيتعلم في كلتا الحالتين. الصواب له ظواهره، والخطأ له ظواهره، ومن ظواهر الصواب والخطأ يتعلم الإنسان له (من أجتهد فأخطأ فله أجر ومن اجتهد فأصاب فله أجران). وهكذا نجد أن ديننا هو دين واقعي يخاطب الإنسان في وجوده، وفي ما أنعم الله به عليه، حتي يكون أفضل، وحتي يكون أحسن وحتي يكون أقوم. نظرية إكبار الله التي يتصورها كثير من الذين يدعون العلم ، بأن يضعونه مكانا عاليا، ويعتقدون أنهم يقدسوه، ويضعون أنفسهم في مكان آخر ويعتقدون أنهم يعبدوه بتنفيذ أوامر لا يفهموها ، وأن هذا هو الإيمان؛ هي نظرية لا تجلب لهم إلا الجهل وإلا الظلام وإلا الغفلة…”

تعليق:

الإنسان يتعلم بما أودع الله فيه من أمانة الحياة التي يمثلها العقل في الإنسان. بعض الذين يدعون العلم يدعون إلي تطبيق أوامر الدين بدون فهم مقاصدها أي بدون إعمال العقل مما يؤدي إلي الغفلة والجهل. نحن في حاجة إلي إصلاح جذري في مفاهيمنا وفي معاملاتنا، وفي إدراك علاقتنا بربنا، وفي إدراك معني حياتنا

مفاهيم دالة :

١٨١ - الدين يكشف للإنسان كيف يتعامل مع نعم الله عليه، كما يتعامل مع ما قدر الله عليه

تاريخ الحديث: ٢٠٠٦/١٠/١٣

”… كل إنسان أودع الله فيه سره وسواه على ما هو عليه (ونفس وما سواها، فألهمها فجورها وتقواها)، فكمل خلقه وأصبح قادرا أن يسلك طريقه، وأن يتخذ قراره. هذه التسوية مستمرة في حياة الإنسان (لله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى إلى أجل مسمى). فالله يتوفى الأنفس في منامها، يكمل تسويتها، ويكمل تدريبها، ويكمل إعدادها، فالذين يتفكرون في خلق السموات والأرض يقولون (ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار ). ولكننا في مجتمعاتنا لا نعترف بهذا، بل أن لسان حالنا يقول إن خلقتنا باطلة، وإن تفكيرنا باطل، وإن إرادتنا باطلة، وإن كل رغباتنا باطلة، وإن الدنيا كلها باطلة، فكيف نكون من الذين يتفكرون وحالنا كذلك . إن نـم هذا عن شيء فإنه ينم على أننا لسنا من الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم، ينم على أن مجتمعاتنا وأمتنا ليسوا من الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلي جنوبهم، وإن كانوا يقومون الليل، وإن كانوا يرتادون المساجد، وإن كانوا يصلون القيام، وإن كانوا يصومون الدهر، فما يجب أن يؤدي بهم ذلك إلا أن يقدروا ما أودع الله فيهم من سره، لا أن يفرطوا فيما أعطاهم الله من سره . الذين يذكرون الله حقا قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والأرض يجب أن يكون راسخا عندهم أن ربهم ما خلق هذا الوجود باطلا، وما خلقهم باطلا، وما أوجد فيهم عقولهم باطلا، وما أوجد فيهم قلوبهم باطلا، وما وهبهم من قدرة على العمل باطلا، وكل ما أعطاهم لم يعطه لهم باطلا، حتى ما أوجد فيهم من رغبات وشهوات ما أوجده فيهم باطلا، إنها حكمته، وإنها إرادته. إن الدين يكشف للإنسان كيف يتعامل مع نعم الله عليه، كما يتعامل مع ما قدر الله عليه. ولكن الإنسان حين يفرط في أمر نفسه، ولا يكون من الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم، فحاله تصفه هذه الآيات ( فأما الإنسان إذا ما ابتلاه ربه فأكرمه ونعمه فيقول ربي أكرمن، وأما إذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه فيقول ربي أهانن…ولا تحاضون على طعام المسكين، وتأكلون التراث أكلا لما، وتحبون المال حبا جما). هذا حاله يوم يكون غير ذاكر، يوم يكون غيرمقدر لنعم الله عليه، ولابتلاء الله له ،غير مقدر لكل هذا العطاء، سواء كان مظهره نعم أو كان مظهره عذاب و نقم. إن أمر الله ليس مفروضا عليكم بمعنى القهر وبمعنى القوة ، وإنما أمر الله لكم هو أمر كاشف لما فيكم من سره. إن كل ما أمر به الله موجود في داخلكم ، إنكم يوم تسمعون كلام الله حقا، ستؤمنون عليه، ستجدونه في قلوبكم، ستجدونه في فطرتكم لأنه كاشف لعطائه لكم، ينفذ إلى أعماقكم. لقد نسيتم ما عاهدتم الله عليه بانشغالكم في أحوالكم، في معيشة أجسادكم على أرضكم، وهذا ما رمزت له الآية (ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي ولم نجد له عزما). إنه القانون الذي يتكرر في كل آدم يوجد على الأرض ، في كل ابن لآدم يوجد على الأرض، فكل ابن لآدم هو آدم لأنه يرث صفات آدم. ولكن لا يجب أن تيأسوا من ذلك فقد تلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه (فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه..) (ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى). فهذا طبيعي أن ينسى الإنسان، ولكن ما فيه من إمكانات وطاقات، وما فيه من نعم وقدرات تمكنه من أن يرجع إلى الطريق القويم، وأن يسلك الطريق المستقيم. لذلك فالأمر الأساسي هو أن تعملوا ما أعطاكم الله، وهذا هو المنهج الحقي (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون). وكلمة “يعبدون” تشمل كل الحياة، كل الفكر، كل العمل، كل الذكر. فأنت تعبد الله يوم تعمل عقلك، وتفكر في آلائه حولك وفي داخلك. وتعلم أن عليك أن تستقيم مع هذه القوانين التي تحكم حياتك. وأنت تعبد الله يوم تسبح باسمه الأعلى (وذكر اسم ربه فصلى)، وهذه هي عبادة الفكر. وما كل العبادات إلا لنذكر أنفسنا بهذه المعاني ، نرددها في قلوبنا وفي داخلنا، مع وعي ونحن نكررها ونرددها، حتى تتحول إلى واقع نعيشه ونقومه، وهذه هي عبادة الذكر. عبادة العمل هي أن تعمل بما ترى أنه الخير، وأنه الحق، وأنه الأفضل، وأن تقيم العدل ( والسماء رفعها ووضع الميزان ألا تطغوا في الميزان وأقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان). وضع الميزان في ضميرك، فانظر كيف تتعامل ومع من تتعامل، انظر ماذا تعطي وماذا تأخذ، انظر في كل ما يصدر عنك، وما يقع عليك. الإيمان هو ما ينبع من الإنسان بعطاء الله له حتى ولو كان بسيطا إنما ينبع من داخله. فالقول بأن “اللهم ارزقنا إيمان العوام” هو قول حكيم، لأن إيمانهم نبع من قلوبهم، ومن عقولهم البسيطة، ولكنه نبع من داخلهم. كثير من العلماء يتحدثون، ولكن ما يتحدثون به لم ينبع من داخلهم، لم ينبع من عقولهم وقلوبهم، إنما هوترديد لأقوال سمعوها وحفظوها وقالوا عنها علم. والذي يردد العلم ليس بعالم. إن من يردد العلم هو ناقل له، إأما العالم هو الذي يصنع العلم، والمؤمن هو الذي يصنع الإيمان، ولا نطلب الكثير فلا يكلف الله نفسا إلا وسعها، وإنما يرشدنا الله أن بالقليل الذي نملكه نستطيع أن نصل إلى الكثير، نصل أن نكون مؤمنين حقا …”

تعليق:

هذا الحديث يوضح أن العلم والإيمان الحقيقيان ينبعان من الإنسان بالذكر والتفكر والعمل وليس بالقول والترديد. وأن الله أوجد في الإنسان ما يمكنه من ذلك بقدر.

مفاهيم دالة :

١٨٢ - إنا نريد قراءة جديدة في أصولنا تربط كل العبادات وكل المعاملات بالإنسان ربطا حقيقيا وأن يركز فقهنا على بناء الإنسان بناء سويا

تاريخ الحديث: ٢٠٠٦/١١/٣

”… الإنسان هو محور التوجيه الإلهي منذ أن خلق الله آدم (..إني جاعل في الأرض خليفة..). فقد أعطاه الله الصلاحيات ليتحرك ، ليبدع ، ليغير ، ليطور ، ليكتشف ، ليتعلم ( وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون). هذا هو جوهر الدين . شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله يعبران عن هذا الجوهر. فشهادة لا إله إلا الله هي تقرير وإقرار وإشهار ألا سيطرة لأحد على الإنسان، و أن الله هوالغيب، ولا إله إلا هذا الغيب الذي تعالى عن الوصف والرسم، ومن ثم لا يصبح للإنسان من وسيلة ومن طريقة لحياته إلا ما هو مشهود له. وشهادة أن محمدا رسول الله هي تعبيرعن هذا الواقع، والإقتداء برسول الله هو الإقتداء بمنهجه صلى الله عليه وسلم، ومنهجه هوالعقل. إعمال العقل (العقل أصل ديني والمعرفة رأس مالي)، وإعمال القلب (استفتي قلبك وإن أفتوك وإن أفتوك وإن أفتوك)، وإعمال الضمير، والعمل الصالح. لذلك فإننا حين نتأمل في سيرة رسول الله صلوات الله وسلامه عليه نجد أنه يوجهنا أن نرجع إلى الأصول، فنتأمل ونتفكر فيها. فإذا لم نجد فعلينا أن نعمل عقولنا، وأن نجتهد حتى نصل إلى الحكم الذي يرضي قلوبنا، فكان القيام في شهادة أن محمدا رسول الله هو إعمال ما أعطانا الله من إمكانات وطاقات بمنتهى الحرية، لأن لا سيطرة لأحد على أحد (قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله). الإنسان فيه سر كبير، فيه سر الله، فيه روح الله، فيه نور الله. الدين هو قضية الإنسان الذي كرمه الله (ولقد كرمنا بني آدم.. )، والذي حمله الأمانة. علينا ألا ننظرإلى أي أمرأمرنا به في الدين بعيدا عن تطبيقه، وعن الواقع المعاش، وإنما ننظر إليه من خلال ممارساتنا له، من خلال عملنا به. ولكننا نرى مجتمعاتنا ونرى أغلب فقهائنا وعلمائنا يتحدثون عن الدين بعيدا عن الإنسان. يتحدثون عن الأعمال الصالحة كأنها أعمال في فراغ، نعملها لمجرد أننا أمرنا بها، دون أن نحاول تطبيقها لنكسب في الله، أوأن يكون لها تأثيرعلينا. فنحن نتعلم من توجيهات رسول الله (صلعم) أن أساس العمل الصالح هو ما ينتجه في الإنسان، ما يغيره إلى الأحسن (من لم تنهه صلاته فلا صلاة له). ومع أن الكثيرين يرددون هذه الأحاديث، إلا أن ترديدهم لها قائم على أساس أن القيام بها هو إرضاء لله دون النظر إلى تأثيرها عليهم، ورضاء الله إذا لم يتحول إلى تجل على الإنسان في أن يكون أفضل وأحسن وأقوم فلا معنى له تجريدا، لأن الله غني عن العالمين، فرضاء الله هو في أن يكون الإنسان أفضل. فأي صفة لله هي في واقع الأمر صفة لتجلياته علينا، بقانونه وبأسبابه وبحكمته وبتقديره…”

تعليق:

إنا نريد قراءة جديدة في أصولنا، قراءة محورها الإنسان وكيف يكون أفضل. وأن نربط كل هذه الأعمال وكل العبادات وكل هذه الأوامر وكل هذه النواهي بالإنسان ربطا حقيقيا، لا أن يكون فقهنا هو فقه الشكل والحرف. هذا الفقه أدى دوره في حفظ الصور، ولكنه إلى الآن لم يؤدي دوره في التركيز على بناء الإنسان بناءا سويا.

مفاهيم دالة :

١٨٣ - أدب الاختلاف في الرأي وإعمال العقل والقلب والضمير في كل ما أمر به الدين وعلاقة ذلك بالإيمان والكفر

تاريخ الحديث: ٢٠٠٦/١١/١٧

”… إنا نعيش في زمان وفي مكان تتكاثر فيه الفتن والصراعات، تتضارب فيه الأفكار، كل يؤيد فكرة ومعتقدا يظن أنه الحق المطلق، وهذه هي الآفة الحقيقية. أن تكون هناك أفكار كثيرة، هذا أمر وارد، وهكذا تكون الحياة (… وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا…) (… ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض)، (ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة…). الخطر الحقيقي الذي يهدد أي أمة، هو أن يعتقد فريق أنه يملك الحقيقة المطلقة، وأن يفرض رأيه بالقوة على الآخرين. حين يقول البعض أن الحقيقة واضحة، وأن الدين واضح، وهو كذا وكذا، هذا نوع آخر من الرأي الذي يريد أن يحصر الدين في مفهومه، وفيما هو واضح لديه. مقولات كثيرة نسمعها تخدع الإنسان في ظاهرها، ولكنها فيها شيء من المغالطة. فالوضوح الذين يتكلمون عنه في الدين، والبساطة التي يتحدثون بها عن الدين، هي في اختزاله إلى مجموعة من الكلمات والشعارات، والشعائر والمناسك، والحركات والأفعال، دون وعي، ودون فهم، لأن الإنسان إذا حاول أن يفهم ما أمر به فهو يحتاج إلى عمق في التفكير، ويحتاج إلى تعلم وإلى إرشاد، وإلى تدبر وتفكر، وإلى ذكر وإلى عمل، حتى يشعر بالمعاني الموجودة فيما أمر به، وهذا ليس ببسيط إنه يحتاج إلى جهاد وإلى اجتهاد. الدين هو الحياة، هو حين تفكر فيما يجب أن تكون عليه، هذا ليس أمرا بسيطا، فيجب أن تشحذ همتك، وفكرك، وقدراتك، لخدمة الناس، ولخدمة مجتمعك. انشغالك بما يمكن أن تقدمه، وبما يمكن أن تفعله، هو الدين في حقيقة الأمر، وهذا ليس أمرا واضحا ولا بسيطا. ونجد كثيرا من المقولات التي تتحدث عن أن وظيفة العقل هي أن تصل إلى الإيمان بالله، فإذا وصلت إلى الإيمان بالله، فعليك بعد ذلك أن تسلم بكل ما قيل دون تفكير. مقولة في ظاهرها تخدع الكثيرين، ويظنوا أن هذا هو الحق المبين. مع أننا لو تأملنا فيها قليلا لوجدنا أنها تلغي وجود الإنسان، وما أعطى الله للإنسان من نعمة العقل، وقد جعلتها محدودة لوظيفة معينة، فلا يصبح الإنسان إنسانا، إنما يصبح آلة تتحرك بأوامر دون وعي ودون فهم، وهذا ليس من الدين في شيء. العقل لازم لك في كل ما تفعله، العقل هو الذي يفسر لك ما تقرأه من أمر وجه إليك، العقل هو الذي يجعلك تميز بين الخبيث والطيب، بين الباطل والحق، بين الظلام والنور، العقل هو الذي يجعلك تسأل، والسؤال هو بداية المعرفة، فكيف أتركه جانبا. إن الله قد أمرك بأن تكون حرا يوم أمرك أن تشهد أن لا إله إلا الله، حريتك أن تسأل عن كل شيء، ليس هناك محظورات لا يمكن أن نفكر فيها، كل شيء يمكن أن نفكر فيه، ولكن السؤال هو هل نستطيع أن نفكر فيه، أم لا نستطيع أن نفكر فيه (.. إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السماوات والأرض فانفذوا لا تنفذون إلا بسلطان). الفكر الإنساني، واستعمال العقل مرتبط بأن تكون هناك معايير يستطيع أن يقيس بها الإنسان الأفضل. كل شيء أستطيع أن أقيسه يمكن أن أفكر فيه وأنا غير مطالب بأن أفكر في شيء لا أستطيع أن أقيسه. لذلك فإيمانك بالغيب هو أمر غير خاضع للقياس، وإنما هو خاضع لإيمان داخلي، لإيمان تجريدي، لتذكر فطري، بما أودع الله في الإنسان من سره. إذا كنت تؤمن بالغيب فهذا هو أمر خاص بك، لا يمكن أن تثبته، ولا يمكن أن تفكر فيه بطريق الإحاطة. هذه قدرة أخرى في الإنسان، قدرة الإيمان، أما أي شيء تقوم به على هذه الأرض، فهو خاضع لأن تحكم عليه، ولأن تستحسنه أو أن تستقبحه، أن تحبه أو أن تكرهه، أن تفهمه بالصورة التي تعتقدها، ولا سلطان عليك إلا ضميرك، وإلا قلبك، وإلا عقلك. تتوالى علينا المقولات التي تخضع الناس، وتجعلهم لا يفكرون خوفا أن يكفروا، وهذا أمر غير صحيح، فالكفر هو الجهل، هو ألا ترى، هو أن تغمض عينيك، هو أن تلغي عقلك، وأن تلغي قلبك. الإيمان هو أن تسأل، أن تتعلم، أن تكون صادقا في طلبك للعلم، ولا تستبق الأحكام دون أن تتعلم، دون أن تسأل، ودون أن تبحث. نحن مطالبون أن نتساءل بأدب طالبي العلم، وإن كنا لا نعرف نقول لا نعرف، ولا نتوقف أبدا عن طلب العلم والمعرفة…”

تعليق:

حديث عن أدب الاختلاف في الرأي وإعمال العقل والقلب والضمير في كل ما أمر به الدين وعلاقة ذلك بالإيمان والكفر. وقد تم تعريف مصطلح الكفر والإيمان في سياق هذا الحديث كالتالي: “الكفر هو الجهل، هو ألا ترى، هو أن تغمض عينيك، هو أن تلغي عقلك، وأن تلغي قلبك”، ” الإيمان هو أن تسأل، أن تتعلم، أن تكون صادقا في طلبك للعلم، ولا تستبق الأحكام دون أن تتعلم، دون أن تسأل، ودون أن تبحث”. ويمكن تعريف الكفر والإيمان بتعريفات أخرى في سياقات مختلفة.

مفاهيم دالة :

١٨٤ - كل إنسان مسئول، وكل عالم مسئول، وكل قادر على أن يتفهم ويتدبر آيات الله مسئول

تاريخ الحديث: ٢٠٠٦/١٢/١

”… إن الإنسان حين يسمع حديثا أو آية فإنه يفهمها من خلال ما تحمله من كلمات، ومن خلال معرفة مسبقة في ذهنه عن علاقات بناها على مر السنين، فإذا نظرنا إلى أمتنا اليوم نجد أنها توارثت هذه المعرفة المسبقة على مر العصور والأجيال بإضافات متعددة، كل يضع طبقة فوق طبقة، حتى توارت الحقيقة وراء هذه الطبقات. حين نقرأ آيات الحق بدون أي تحيز، وأي مفهوم سلفي، قد نصل إلى حقيقة مختلفة تماما عما إذا قرأناها ونحن نعتبر التفكير السلفي. إن كل إنسان مسئول، وأن كل عالم مسئول، وأن كل قادر على أن يتفهم ويتدبر آيات الله مسئول، لذلك قال أحد الصوفية: إن الفقيه الحقيقي هو الفقيه المجتهد، هو الفقيه الذي يصل إلى النتائج بنفسه. ولكننا يا للأسف اليوم لا نرى إلا من يقال عنهم بلغة السلف إنهم فقهاء مذاهب، أي أنهم غير قادرين أن يبحثوا في النصوص الأصلية وأن يصلوا إلى نتائج مختلفة عما وصل إليه السابقون. لا يجرؤ أي فقيه اليوم أن يفعل ذلك، لا لأنه ليس قادرا، ولكن لأنه مكبل بهذا التفكير السلفي. لقد لغا المجتمع عقله، ولغا العلماء عقولهم، وأصبحوا ببغاوات يرددون ما يتوقع أن يسمع. أصبحت السمة العامة في المجتمع أنه إذا طرحت قضية فمعروف إجابتها، وإذا سؤل فقيه فهو متوقع منه أن يجيب بإجابة معروفة مسبقة. فإذا اجتهد إنسان، أو عبر عن رأيه بصورة مختلفة عما هو متوقع، أصبح متهما في دينه، وفي عقيدته، وفي علمه. هذا حال عام ليس فقط في الدين ولكن في كل شيء، لقد أصبحنا أسرى الماضي، وأسرى مفاهيم بائدة، لا نستطيع فكاكا منها وإنما ندور في فلكها. نحن في هذا الحال سواء كان حالا ماديا في دنيانا، أوحالا ثقافيا، أوحالا دينيا. نحن في حاجة أن نخرج من هذا التثاقل إلى الماضي، ومن هذه الحلقة المفرغة التي ندور فيها. في ديننا علينا أن نرجع إلى أصولنا، وأن نتعلم من هذه الأصول، أن نتعلم أولا شهادة أن لا إله إلا الله، وشهادة أن محمدا رسول الله، فلا تكون الشهادة بالنسبة لنا هي مجرد كلمات نلوكها بألسنتنا، وإنما تكون الشهادة بالنسبة لنا هي انطلاق روحي، وانطلاق فكري، انطلاق لا نخشى فيه إلا الله، ولا نعبد فيه إلا الله، ولا نسأل فيه إلا الله، ولا نقصد فيه إلا وجه الله. شهادة لا إله إلا الله تحررنا أن نكون عبادا للسلف (… ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله…) لا نؤله أي رأي، وإنما ننقضه ونضعه تحت المجهر، عن علم وليس عن جهل. إن دين الحق يعلمنا ذلك وهو يحدثنا عن مخاطبة أهل الكتاب (قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله…) كما تعلمنا هذه الآية، أن نتبع هذا الخطاب مع أنفسنا ومع أمتنا. فهو حديث صالح أن نخاطب به بعضنا بعضا. فمعنى “يا أهل الكتاب” يمكن أن تطبق أيضا على أهل القرآن، وأهل الحديث، وعلى من يؤمنون بالله ورسوله، ويكون الخطاب الموجه إليهم “تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا، ولا يتخذ بعضنا بعض أربابا من دون الله”. إن الذي يحكم بيننا ليس هذا الفقيه، وإنما الذي يحكم بيننا ما يقوله هذا الفقيه، ولماذا يقوله، وعلى أي أساس قاله. مقولة “نحن علماء الدين يجب أن تؤخذ كلماتنا، ولا يرد عليها، نحن الذين نفهم الدين فلا يناقشنا أحد فيه”، هذا قول باطل لأن كما قال من هم علماء حقا “كلامنا صواب يحتمل الخطأ وكلام غيرنا خطأ يحتمل الصواب”. إن العالم بما يقول وبما يقدمه من حجة، وبما يقدمه من منطق، وبما يقدمه من قدرة على أن يرى المفاهيم المختلفة التي يمكن أن يقود لها الحديث أو الآية، لا أن يتبنى رأيا واحدا، وهناك أراء أخرى يمكن أن تحتمله. يجب أن يوضح الآراء المختلفة وأن يكون قادرا على أن يتقبلها. قد يفضل رأيا في النهاية بإحساسه وبقلبه، ولكنه لا يخفي الآراء الأخرى عن الآخرين. إنما يقول لهم إنها تحتمل كل تلك المعاني، التي إن اتخذتم أيا منها فهو مقبول من وجهة نظري، والتي قد تكون أيضا خاطئة. فإين تواضع العلماء؟ وأين الصدق فيما يقولون؟ هذا ما نفتقره في مجتمعاتنا. علينا أن نتعلم كيف نقرأ، وكيف نستمع، وكيف نبحث عن الحقيقة، قد لا نكون ملمين بجميع الحقائق أو بجميع الأحداث، وإنما علينا أن نحاول وأن نبحث وأن نطبق منهج الفطرة الذي أودعه الله فينا. وهو منهج أن نحاول، وأن نبحث، وأن نتعلم، وأن نسأل، وأن نستفتي قلوبنا، وأن نعمل عقولنا، وأن نتحرك في أرضنا باحثين عن الحقيقة في كل مكان ومن أي إنسان، وما نصل إليه بعد ذلك هو الحق بالنسبة لنا، فالحق نسبي وليس مطلق. فإذا وجدنا ما هو أحق تركنا ما هو أدنى واتجهنا لما هو أعلى. إن لم تكن إنسانا تفهم وتعقل وتحس وتتذوق وتعمل وتتحرك وتتفاعل، تتحدث وتستمع تناقش وتجادل بالتي هي أحسن، فأنت تفقد إنسانيتك وتفقد أمانة الحياة التي وهبك الله إياها…”

تعليق:

يحث هذا الحديث كل إنسان أن يقرأ كتاب الحق ويستمع إلى كل المفاهيم في أي قضية يتوقف عندها في قراءته ويعرضها على قلبه ليختار ما يستريح له.

مفاهيم دالة :

١٨٥ - الإنسان لا يعرف الغيب كل ما يعرفه هو ما يستطيع أن يعقله

تاريخ الحديث: ٢٠٠٦/١٢/٢٢

“…حين نتدبر في آية (من يهد الله فهو المهتدي ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا)، ونتسآل عن معني من يهد الله، ومن يضلل الله، علينا أن ننظر إلي واقعنا، إلي واقع الناس حولنا، إلي معني الهداية وإلي معني الضلال، إلي معني المهتدي وإلي معني الضال، إلي كيف في واقع حياتنا يهتدي الإنسان، وكيف يضل الإنسان، ماهوالظاهرفي كل هذا؟ الظاهرلنا هو عقل الإنسان، هوتقديرالإنسان، هوما يعتقد الإنسان، نحن لا نري أمامنا إلا الإنسان. فهذه الآية تتحدث عما أودع الله في الإنسان من طاقة، ومن قدرة، ومن سر، يهتدي به الإنسان، ويضل به الإنسان. هذا التأمل يوضح لنا أن علاقة الله بالإنسان هي من خلال ما أوجد فيه وما خلق فيه. فإذا أراد الإنسان أن يعرف الله فعليه أن يعرف الله فيه، أن يعرف سره فيه، أن يعرف ما أودع فيه من قدرة، ما فطره عليه وما صبغه به. الحقيقة بالنسبة للإنسان هي وجوده، هي قيامه، هي عقله، هي قلبه. وهو لن يستطيع أن يخرج من هذه الإرادة الموجودة فيه، وهو كذلك لا يعرف مآله ومقصده النهائي. لا يستطيع مثلا أن يقول أن من أضلني الله، ولا يستطيع أن يقول أن من من هداني الله. هذا هو معني الحجاب، ومعني أن الإنسان لا يعرف الغيب، لا يعرف من هو، وما مصيره، وما مآله. كل ما يعرفه هو ما يستطيع أن يعقله، وأن يعتقده، وأن يؤمن به، لذلك قيل (وفي أنفسكم أفلا تبصرون ). ارجعوا البصر إلي داخلكم، وانظروا ماذا تريدون، وماذا تطلبون، وماذا تقصدون وبماذا تؤمنون؟ إيمانكم هو الذي يدفعكم إلي الطريق الذي تسلكون، وإلي الحياة التي ترغبون، وإلي الأفضل الذي ترجون، وإلي الأحسن الذي تتعلمون، الإيمان ليس كلمة نقولها بألسنتنا، الإيمان هو طاقة تحركنا إلي العمل الصالح (الذين آمنوا وعملوا الصالحات) ، (والعصر، إن الإنسان لفي خسر،إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات). الإيمان بالله ليس مجرد كلمة، والإيمان بكتب الله ليس مجرد كلمة، والإيمان برسل الله ليس مجرد كلمة، والإيمان بملائكة الله ليس مجرد كلمة، والإيمان بعدم التفريق بين رسل الله ليس مجرد كلمة، فلننظرما يترتب علي إيماننا، ماذا يترتب علي إيماننا بالله؟ وما هو معني إيماننا بالله؟ هل إيماننا بالله هو مجرد تصريح وشهادة برئاسة هذا الكون فقط كما نشهد بأي رئاسة في عالمنا ؟ هل إيماننا بالله هو أن نتصور أن الله أمر بكذا وكذا وعلينا أن ننفذ ؟ وما هو الذي يجب أن ننفذه ؟ وكيف ننفذه ؟ فليكن إذا أمرالله وجب أن ننفذ، فأمره قانونه، وقانونه حياتنا، ولكن كيف ننفذ هذا الأمر؟ وما هومعني تنفيذ هذا الأمر؟ وما هي هذه الأوامر؟ كل هذه التساؤلات تجعلنا ندرك أن الإيمان بالله ليس كما يختزله البعض لأشكال وصور، وهل إذا رأيت أنني أقوم شكلا في ظاهر أمر من أوامر الله هل أنا أكون مقتنعا بأني نفذت هذا الأمر. تنفيذ أوامر الله هومن خلال الإنسان، من خلال ما هو قائم وموجود في الإنسان من سر الله، ومن قدرة علي تفهم وتفسير ما جاءت به الرسالات، وما جاء به الرسل. الإيمان بالله هنا هو في إعمال ما أوجد الله فيك، أنت تؤمن بأن الله أوجد فيك سره وأوجد فيك روحه. إيمانك بالله هو في إيمانك بما أودع الله فيك، أن تتحررمن أي قيد يفرض عليك إلا ضميرك وقلبك وعقلك (..ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله). يمكنك أن تسترشد بما يقوله الآخرون، وبما يوضحه من هم أعلم منك بأمور كثيرة، ولكن عليك في النهاية أن تفعل ما أودع الله فيك من طاقات وإمكانات وقدرات. الإيمان بكتب الله هو أنها تكشف قانونه. كتب الله تساعدك أن تتعرف علي الوسائل لتعلم أسباب الحياة ولتخطي العقبات التي تحول بينك وبين مافيك من طاقات روحية. الإيمان برسل الله الذين كانوا قدوة وأسوة لأنهم كانوا مثلك من البشر( “لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم) ، إنهم المثل الحي للإيمان بالله، وللإيمان بكتب الله. رسل الله يفكرون ويجتهدون ويقرؤون ويجاهدون ويخطئون ويصيبون ويستغفرون لنتعلم أن في أمور حياتنا، علينا أن نمارس التجربة، وأن نتبع ما هو أحسن.عصمة رسل الله أن نياتهم لله، وأن مقصودهم وجه الله. إيماننا بملائكة الله يعلمنا أن الله قد جعل أسبابا للوصلة بالغيب، وعلمنا ذلك من خلال ما أخبرنا عن ملائكته وعن علاقتهم بنا (إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون) نتعلم أن لنا علاقة بالغيب، وأن هناك أسبابا لهذه العلاقة وقوانين تحكمها، هذه الأسباب تتفعل من خلال آليات أوجدها الله، ورمز لها بالملائكة في كتابه. والآية التي أشرنا إليها توضح هذه الآليات من الإتجاه إلي الغيب بالدعاء، والإستقامة في الشهادة لنكون أهلا لتواصل الغيب مع الشهادة بما رمزت إليه الآية من تنزل الملائكة ..”

تعليق:

كان هذا الحديث عن التأمل في الآية (… والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله…).

مفاهيم دالة :

١٨٦ - جسد معظم الناس النار والجنة بظن إيمان وآخرون تعمقوا فقصدوا وجه الله واستجابوا لله ولرسوله وهو يدعوهم لما يحييهم

تاريخ الحديث: ٢٠٠٧/٢/٢٣

”… هل فكرت يا إنسان ما معنى ما غرك بربك الكريم ؟ في الآية ( يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم الذي خلقك فسواك فعدلك في أي صورة ما شاء ركبك)، هل جاوبت على هذا السؤال ؟ هل أرجعت البصر إلى داخلك لترى ما أنت مخلوق لأجله ؟ هل قرأت حديثه إليك وهو يخبرك أن السر في مشيئتك (كن كيف شئت فإني كيفما تكون أكون) (قل كونوا حجارة أو حديدا أو خلقا مما يكبر في صدوركم..)، وأنك ملاقيه في كل الأحوال ( يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه ) ، ما تريده ستكونه، أتريد أن تكون حجارة أو حديدا ؟ أتريد أن تحول كل طاقاتك إلى مادة ؟ أتريد أن تعبد الطاغوت فتكونه؟ أم أنك تريد أن تكون فيمن يؤمن بالله، ويكفر بالطاغوت ويستمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها ؟ إن أي بداية تبدأ من الإنسان، تبدأ بأن يسأل ويتساءل، ماذا يريد وماذا يطلب ؟ فإذا قلت أنا لا أعرف وكيف أعرف ماذا أريد، كانت إجابة الحق لك أنه سواك وهداك وألهمك لتعرف (سبح اسم ربك الأعلى الذي خلق فسوى)، (أعطى كل شيء خلقه ثم هدى) ، ( ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها ). ابذل جهدا ، تأمل وتفكر وتدبر وتعلم ، (هو الرحمن فاسأل به خبيرا )، ( فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون). حين ننظر حولنا نجد أن الكثيرين قد وصلوا إلى ظنون مختلفة في الله. الغالبية العظمى كما نراهم حولنا ظنوا في الله أنه يريدهم أن يرددوا كلمات، وأن يؤدوا، دون وعي ودون فهم. هذا ظنهم في الله. وظنهم في رسول الله أنه يريدهم أن يقلدوه في الشكل، وفي الحركة، أن يأخذوا كلماته حرفية شكلية. هذا ظنهم في الله وفي رسوله ، فهل ظن كل المتقين ذلك ؟ حين أجاب القوم عن ذلك قالوا : (جلهم يعبدوك من خوف نار .. ويرون النجاة حظا جزيلا) (ليس لي بالجنان والنار حظ .. أنا لا ابتغي بغير وجه ربي بديلا). جسد معظم الناس النار والجنة بظن إيمان. وآخرون تعمقوا قليلا قالوا : أنا أريد وجه الله، أنا أقصد وجه الله. المقصود قانون الله، المقصود أن أحيا، أن أستجيب لله ولرسوله وهو يدعوني لما يحييني. وأدركوا أن الحياة تكون بالاستجابة لقوانين الحياة ، ظنهم بالله أنه يريد لهم الحياة ، وأن الحياة قد أوجدها فيهم ، كما أوجد الموت فيهم أيضا (فألهمها فجورها وتقواها) ، فجورها الموت، وتقواها الحياة. ماذا تريد أنت ؟ وماذا تطلب أنت ؟ لا تهرب من داخلك ، فلن تكون إلا ما يريده داخلك…”

تعليق:

تأمل في الإجابة عن التساؤل في الآية (يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم…)

مفاهيم دالة :

١٨٧ - معرفة ا الأسلوب المناسب لمخاطبة العالم وتعريفه عن الإسلام كقانون للحياة يمكن أن يحدث تغييرا سريعا في مجتمعاتنا ولكن هذا الخطاب يحتاج إلى قوة روحية تسانده لكثرة التراكمات من التفسيرات في ديننا لقرون كثيرة

تاريخ الحديث: ٢٠٠٧/٤/٢٠

”… إذا نظرنا إلى مجتمعاتنا وتسآلنا عن هذه الصراعات بين المذاهب والشيع المختلفة، لوجدنا أن هذا ناتج من عدم استقامة أفراد هذه المجتمعات، فوجب علينا أن ننظرإلى أنفسنا لا أن نستمر على ما نحن عليه. علينا أن نغير مفاهيمنا، وأن نغير أسلوبنا، فهذه المفاهيم، وهذه الأساليب التي نتبعها هي التي أدت بنا إلى ما نحن عليه، هي التي أدت إلى هذا الجهل بالدين وبمعناه وبهدفه، هي التي أدت - في كل العصور- إلى ما حدث من صراعات وقتال، بين أفراد المجتمع الواحد، وبين أفراد الأمة الواحدة. نحن في حاجة إلى تربية دينية سليمة، والى علم صادق في معنى وجودنا، وفي أن نتعايش في مجتمع واحد. فإذا نظرنا في تاريخنا كيف كان العرب قبل ظهور الإسلام، وكيف أصبحوا بعد أن تربوا في مدرسة النبوة. تغيير كبير، وتغيير سريع. إذاعرفنا الأسلوب السليم الذي يمكن أن نخاطب به الناس، فإن ذلك يمكن أن يحدث تغييرا سريعا في مجتمعاتنا. هذا الخطاب قد يكون مستحيلا اليوم وفي ظل التراكمات من المفاهيم والتفسيرات في ديننا لقرون كثيرة. إننا في حاجة إلى قوة روحية ومعنوية تساند هذه الخطاب حتى يمكن أن يحدث تأثيرا بالغا في مجتمعنا، إننا في حاجة إلى الاتجاه بالدعاء للغيب. كل إنسان عليه أن يحاول بكل ما يستطيع من قوة لتغيير حال المجتمع إلى الأفضل بإستخدام أسباب الحياة. فهذا مطلوب في كل حال. إلا أننا بتحليل أوضاعنا، وبإدراك ما يمكن أن نغيره بأسباب حياتنا، نرى أننا في حاجة إلى قوة غيبية تساند كل الجهود التي تبذل في حياتنا لتغيير هذا الجهل الذي صرنا إليه، والى هذا الظلام الذي أصبحنا عليه، وإلى هذا المفهوم في الدين الذي يردد حولنا في كل وقت وفي كل حين. ظلومات تراكمت على مر العصور دون أن يزيلها أحد، ودون أن يكشفها أحد ( ليس لها من دون الله كاشفة). ومع ذلك فنحن لا نيأس من رحمة الله، وقد جعل الله لكل إنسان نورا فيه، وعلمه أن عليه أن يهدي نفسه، وإذا هدى الله به رجلا واحدا فهذا خير له من الدنيا وما فيها. ليست قضيتنا أن نزيل كل هذه الظلمات، إنها قضية كل إنسان، وليست قضية فرد واحد. نحن نفرق بين هدف تريد أن تصل إليه وتعتقد أنه صلاح الأمة، وهذا أمر مشروع لكل إنسان أن يتصوره، ولكن لا يعني عدم تحقيق هذا الحلم أو هذا المشروع أن الإنسان ييأس من رحمة الله بالنسبة لوجوده وبالنسبة لسلوكه. فقضيته أن يحاول وأن يجتهد وأن يجاهد، وأن يخاطب نفسه، وأن يهدي نفسه، وأن يدعو ربه أن يهدي الناس جميعا، وأن يصلح الأحوال، وأن يرفع الظلمات، وأن ينشر العلم، وأن يرفع الجهل، عليه أن يدفع بذلك حتى وإن ظن أن الظلمات كثيرة ومتراكمة، عليه أن يكون أمله في الله كبير، وأن يؤدي دوره، وأن يزرع شجرة، وأن يضع طوبة في بناء كبير، وأن تكون حياته جهادا في الله، واحتسابا لوجه الله، وتعاملا مع الله، وأن يرجع البصر إلى داخله، والى فطرته، ليتعلم مما فطره الله عليه، ليكون إنسانا صالحا، وإنسانا نافعا …”

تعليق:

التأمل في كثافة الظلام الذي عم في مجتمعاتنا وأنه لايجب أن نيأس من العمل على تغييره بقدر إستطاعتنا و لايشغلنا ذلك عن أن نصلح أنفسنا

مفاهيم دالة :

١٨٨ - الحقيقة واحدة ولكن مفاهيمنا تتعدد، وطرقنا تتعدد وما يصلح لمجتمع سوف يصل له هذا المجتمع بالممارسة وبالبحث، وبتدبر ممارسات المجتمعات الأخرى وتجربتها، وما وصلت إليه

تاريخ الحديث: ٢٠٠٧/٥/١١

”… إنا نتذاكر دائما في الخلط الذي يحدث بين الدين ومفهوم الدين، بين النص ومفهوم النص، بين حديث رسول الله (صلعم) وبين مفهومنا في هذا الحديث. ونحن نرى في عصرنا الحاضر مفاهيما كان أصحابها يروجون لها بأنها أمور لها مفهوم محدد لا يقبل غيره، ثم وجدناهم مع الأيام يغيرون هذا المفهوم . ولنأخذ مثالا على ذلك: فمنذ بضع سنوات كان الذين يدعون للسياسة الشرعية الإسلامية يرون أن الديموقراطية لا محل لها في هذا النظام، لسبب بسيط وهوأن شرع الله موجود وأن حكم الله موجود، وأن من لم يحكم بما أنزل الله فأولـئك هم الكافرون، وأولئك هم الظالمون، فلا داعي إذن لأن يجلس الناس معا ويشرعون لمجتمعهم بقوانين وضعية، فماذا سوف يأتون به والله قد فصل كل شيء؟ بل أنهم سوف يشرعون أشياء ما أنزل الله بها، وفي هذه الحالة يجب أن يقف هذا التشريع، بل أن بعض البلدان قد جعلت هناك رقابة على التشريعات التي تصدر، بحيث يكون هناك ولاية لرجال الدين على كل ما يصدر من تشريعات. نرى اليوم أن كثيرا من الذين كانوا يروجون لهذه المفاهيم بدءوا يقولون بعكس ذلك. بدءوا يقبلون أن يكون هناك ممثلون للشعب يسنون القوانين، ويقولون ألا تعارض بين الديموقراطية والإسلام، وأنه من الطبيعي ألا تصدر التشريعات مخالفة، لأن الذين سوف ينتخبون من الأمة هم مسلمون، بل أن بعضهم قد وصل إلى قول أنه حتى لو كان في نظر رجال الدين أن هذا التشريع مخالف للشريعة فإنه لا سلطان لهم على هذا التشريع، وطالما أن الأمة قد ارتضت ذلك فلتتحمل وزر ذلك، والله هو الذي يحاسب في النهاية، ولا يملك أحد أن يحاسب أحدا. لو أننا توقفنا بالزمن عند اللحظة التي كانوا يروجون فيها لمعنى حكم الله، بظن أن كل حكم على هذه الأرض وارد وواقع ويمكن أن يطبق دونما حاجة إلى تقنين، وظننا أن هذه هي الحقيقة المطلقة، ما وصلنا إلى تفكيراليوم. إن التغيير الذي يحدث هو نتيجة أن هناك من يقول فكروا وتدبروا وانظروا إلى مصلحة الأمة، وانظروا إلى كيف تطبقون ما تقولون، ليست القضية مجرد كلمات وليست مجرد شعارات، وإنما يجب أن تتحول إلى واقع يعيشه الناس ويشعرون بأثره عليهم وبتأثيره فيهم، وأن ما تظنون أنه حكم الله هو مفهومكم في آية أو في حديث أو في واقعة، وهذا المفهوم يمكن أن يتغير كما تغيرت مفاهيم كثيرة. إنا حين نتأمل فيما حدث وفيما يحدث نتعلم أن محاولة البحث، ومحاولة الاجتهاد، ومحاولة نقد كل مفهوم ومراجعته، كما يحدث في هذه الأيام لبعض الجماعات المتطرفة المغالية في مراجعاتها لأفكارها ولمعتقداتها، بنفس المصادر التي كانت تستخدمها لترويج أفكارها المغالية، تستخدم نفس هذه المصادر لطرح رؤيتها الجديدة. كل هذا يجعلنا لا ننساق وراء كلمات باسم الدين أو وراء أفكار باسم الدين، وإنما علينا أن نبحث وأن ندقق في كل فكر وفي كل قول وفي كل اتجاه، وأن نرجع وأن نراجع وأن نسأل وأن نتعلم. إن الحقيقة واحدة ولكن مفاهيمنا تتعدد، وطرقنا تتعدد. ما يصلح لمجتمع سوف يصل له هذا المجتمع بالممارسة وبالبحث، وبتدبرممارسات المجتمعات الأخرى وتجربتها، وما وصلت إليه. نحن في عصر نضجت فيه بعض المفاهيم نتيجة تجارب شعوب ومجتمعات في الشرق وفي الغرب. إذا كان الغرب قد وصل إلى ما وصل إليه من نظام سياسي يسمح بتداول السلطة بصورة سلمية، ويسمح للشعب أن يكون رقيبا على حكامه، حتى ولو كان هناك بعض التجاوزات، فإن الصورة والنظام هناك أفضل كثيرا من مجتمعاتنا ومن بلادنا الإسلامية ومن مجتمعاتنا العربية، سوف تجد أن هذا النظام الذي وصلوا إليه نتيجة تجارب – وفي بعض الأحيان ثورات – هو موجود في رسالة الفطرة (..وأمرهم شورى بينهم..)، (.. ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله..). نحن في مجتمعاتنا بعد الخلافة الرشيدة – كما يقولون بقولهم وبتعبيرهم – أصبحت الأمة الإسلامية تحكم بالملك العضود، وأصبح الحكام هم آلهة من دون الله، بل أن الأدهى من ذلك أن المسلمين تصوروا أن هذه الدكتاتورية وأن هذه الطاغوتية هي جزء من الإسلام. ونحن إذا نظرنا في تاريخ الشعوب كلها نجد أن الحكام جميعا في الشرق والغرب قد حاولوا أن يضفوا على حكمهم وتسلطهم صبغة إلهية، فتظهر بعض الفرق لتقول بأن طالما أن الله قد جعل الحاكم حاكما فعلينا أن نقبله، لأن هذه إرادة الله. وفي الغرب كانوا يروجون لفكرة أن الملك هو من ينطق باسم الإله، وأنه ظل الله على الأرض. الكل يحاول أن يستغل محبة الإنسان للدين وللغيب، ولقبول حياته حتى يستطيع أن يعيش، فيبيعون له هذه الأفكار، وهم كاذبون ويعلمون أنهم كاذبون. وإذا كان الأمر هو الشورى، إذا كان الأمر هو العدل، وإذا كان الأمرهو أن يزهد الحاكم، وأن يفضل قومه، وأن يعيش على قدرأقل واحد فيهم. إذا كانت السنة تدعو إلى ذلك، وإذا كان الخلفاء أيضا الذين تابعوا – مهما كان وضعهم ومهما كان موقفهم من بعض الأمور- كانوا يراعون ذلك، وحين خرج أحدهم عن ذلك، حدثت الفتنة التي قلبت المعايير، وأرجعت المجتمع إلى مجتمع الفرد والملك والدنيا، بعد أن كان الهدف هو هدف أسمى، هو هدف حياة الإنسان الأخروية، وأن كل ما يفعله على هذه الأرض من أجل ذلك بمعنى الشهادة. فالشهادة كانت ترمز إلى أكثرمن أن تكون جهادا في حرب والاستشهاد فيها. إن الإستشهاد يرمز إلى أن الهدف من هذه الحياة كلها هو أن يكسب الإنسان حياته الروحية. الاستشهاد ينقل هذا المفهوم بصورة واضحة مجسدة مكبرة، حتى يكون هذا المفهوم هو المفهوم السائد في الأمة الإسلامية. الإستشهاد ليس القتال من أجل الفتح لنيل المغانم، ولامتلاك الأرض، وإنما هو من أجل أن يقول الإنسان كلمة حق، أن يسمح له بأن بقول كلمة حق. ولكنا للأسف لم نجد في تاريخنا الإسلامي إلا بعض النقاط المضيئة القليلة جدا، بينما أغلب النظم والحكام كانوا خارج هذه المعادلة الحقيقية للتوازن بين ما تريده الأمة وبين ما يريده الحاكم . لم يستطع الحاكم أن يكون خادما لأمته لتحقيق هدفها الأسمى، وهو أن تعمر الأرض بغرض كسب الآخرة . لا يهم من أين نعرف قانون الحياة، ولكن المهم أن نطبق قانون الحياة. إن الذين يطبقون قوانين الحياة وإن لم يحملوا لفظ مسلمين فهم مسلمون. وإن الذين لا يطبقون قوانين الحياة وإن كانوا يحملون لفظ مسلمين فهم غير مسلمين. فالقضية ليست أسماء نتعارف عليها، ولكن ما نؤمن به حقا وما نقوم به فعلا. ما يعتقده بعض رجال الدين اليوم في بعض الأمور لا يعني أنه الحق المطلق، بل إن بعض التشريعات التي يمكن أن تصدر ربما تكون أفضل من مفهومهم، وتكون هي الدين، ويكون مفهومهم ليس كذلك. علينا أن نضع نصب أعيننا المبادئ العامة التي جاء بها ديننا (إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي). كل ما نجد فيه عدل وإحسان وإيتاء ذي القربى فهو خير نسعى إليه، وكل تشريع يؤدي إليه هو خير وهو حق، وهذه قناعتنا لا لمجرد أنها كلمات أوحيت إلى رسوله وقالها لنا، وإنما لأنها تلقى صدى في قلوبنا وفي فطرتنا، وكل أمر يبعدنا عن الفحشاء والمنكر والبغي هو أمر جيد، وهذا أيضا ما يجد صدى في فطرتنا. فالحق يكشف لنا ما في فطرتنا، ويكشف لنا ما ستصل إليه الأمم في مستقبلها. علينا دائما أن نتبع المفهوم الذي نجد له صدى في فطرتنا، أما المفهوم الذي ترفضه فطرتنا فعلينا أن نبحث حتى نعرف مغزاه، وحتى نعرف معناه، فإما أن نصل إلى معنى يتواءم مع ما في قلوبنا، أو أننا لا نقبل هذا المفهوم…”

تعليق:

حديث مطول بعض الشيء عن تجمد الناس في مفاهيم لأوامر جاءت بها الأديان بظن إيمان مع أن هذه الأوامر يمكن أن يكون لها أكثر من مفهوم يؤدي إلى تطبيقات متغيرة تناسب المكان والزمان لمجتمعات مختلفة.

مفاهيم دالة :

١٨٩ - العلم الذي شاء الله أن نطلع عليه وأن يخبرنا به هو ظاهر هذه الحياة التي نتعلم منها كل يوم جديد وما كانت العبادات إلا لتكشف لنا عن جزء من مستقبل حياتنا وكيف نعد أنفسنا له

تاريخ الحديث: ٢٠٠٧/٩/١٤

”… نحن نتذاكر دائما أن كل ما أمرنا به من عبادات هو رسالة دائمة تتجدد بممارستنا لها. العبادات تكشف عن بعض قوانين الحياة التي تحكم وجود الإنسان (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون)، (خلقتك لنفسي ولتصنع على عيني). جاءت الرسالات السماوية لتكشف لنا عن جانب من العلم الذي يحكم وجودنا (لا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء). هذا العلم الذي شاء الله أن نطلع عليه وأن يخبرنا به هو ظاهر هذه الحياة التي نتعلم منها كل يوم جديد. وما كانت العبادات إلا لتكشف لنا عن جزء من مستقبل حياتنا وكيف نعد أنفسنا له. فالإنسان يتساءل بينه وبين نفسه: ماذا أنا فاعل على هذه الأرض؟ لماذا خلقت؟ لماذا خلق الناس بهذه الصور المتعددة؟ لماذا هذه الأحداث التي تحدث في كل بقاع الأرض؟ لماذا ولماذا؟؟ أسئلة كثيرة يسألها الإنسان بينه وبين نفسه، قد يخجل أن يسألها للناس، فماذا يفعل الإنسان؟ الرسالات السماوية تخبره ماذا يفعل، تقول له هو الرحمن فاسأل به خبيرا، إسأل ربك، وها هو إبراهيم عليه السلام يسأل ربه ويقر”لئن لم يهدني ربي لأكونن من القوم الضالين”. إنه يسأل ويريد أن يجد الإجابة ، فلا يجد إجابة على تساؤلاته فيعرف أن الجواب أن يتجه إلى العليم الخبير، فكانت الصلاة تعبيراعن السؤال والدعاء، عن الطلب والرجاء، عن الاتجاه إلى الذي يعلم ليعلمنا، وليطلعنا على ما يجب أن نكون عليه. نحن في حاجة دائمة أن نكون في دعاء مستمر، وأن نكون في صلاة دائمة. فكانت الصلوات بتوقيتها تعبيرا عن أن نكون في صلة مع الله في كل وقت وحين. أنت في حاجة إلى إجابات، ولن تنتهي تساؤلاتك، ولن تنتهي طلباتك، أنت في حاجة دائمة أن تقيم هذه الصلة، فالصلاة نابعة من احتياجك. الدين جاء ليجيب على احتياجاتك وتساؤلاتك. لم يجيء الدين ليفرض عليك فرضا أنت غير محتاج له، جاء ليكشف لك سرا من أسرار الحياة. الصوم هو رسالة من الرسائل الأساسية في سلوكنا على أرضنا (كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم) (فمن شهد منكم الشهر فليصمه). رسالة الصوم تحمل معان كثيرة. أنت في حاجة أن تعيش بما فيك من معنى، ما فيك من روح، ما فيك من سرإلهي تسربل بهذه الذات البشرية. أنت في حاجة أن تعيش لحظات بعيداعن متطلباتك المادية البشرية، أنت في حاجة أن تشعر بهذا الوجود، بهذا السر الإلهي، بهذه الروح المقدسة، بهذا النورالساري، بهذا العقل الواعي، بهذا القلب الحي. أن تشعر بأناك الذي هو سر من الأسرار، أن تهيئ نفسك لنفحات الله ورحماته، أن تدرب نفسك أن تعيش بغير ذات فأنت ستفارق يوما، أن تتخلى عن شهواتك، أن تتخلى عن متطلباتك، أن تتخلى عن كل ذلك بإرادتك لتكون إنسانا روحيا. هذا قانون آخر يكشفه لك دين الحق، وهوأنك في حاجة إلى الصوم حتى تنمو روحيا، وحتى تعد نفسك للآخرة. إن صوم رمضان هو تعبير عن هذه المعاني، وهو حال يمكن أن يقوم فيه الإنسان في أي وقت من الأوقات، يوم يصدق في نيته، ويصدق في طلبه، يكون أهلا لتلقي النفحات والرحمات بصورة كبيرة. وهذا ما تشير إليه الأحاديث التي تتحدث عن فضل الصوم، فالصوم معنى وليس مجرد صوم عن الطعام والشراب في شهر معين. إن كنا نصوم ونقوم في رمضان فهذا لنتذكر الرسالة التي يحملها الصوم، ولنتذكر محتوى هذه الرسالة الإلهية التي تحدثنا أن على الإنسان أن يعرض نفسه لنفحات الله ورحماته…”

تعليق:

هذا العلم الذي شاء الله أن نطلع عليه وأن يخبرنا به هو ظاهر هذه الحياة التي نتعلم منها كل يوم جديد. وما كانت العبادات إلا لتكشف لنا عن جزء من مستقبل حياتنا وكيف نعد أنفسنا له.

مفاهيم دالة :

١٩٠ - الدين كشف لنا عن هدف كلي ليساعدنا في تحديد أهدافنا أكثر، فكان هدفنا أن نشهد أن لا إله إلا الله ونشهد أن محمدا رسول الله، وأخبرنا عن البيت الذي أوجد على أرضنا ليكون قبلتنا في صلاتنا

تاريخ الحديث: ٢٠٠٧/١١/٢

”… إنا نتذاكر دائما في معنى طريقنا وفي معنى جمعنا، ما نهدف إليه، وما نجتمع عليه، وما نرجو أن نصير إليه، وهذا في واقع الأمر هو معنى الدين بالنسبة لنا. فالدين علمنا أن نحدد هدفنا، بل أنه قد كشف لنا عن هدف كلي ليساعدنا في تحديد هدفنا أكثر، فكانت شهادة أن لا إله إلا الله وشهادة أن محمدا رسول الله، وقد عبر القوم عن ذلك بقولهم: “المقصود وجه الله”، بل أن ديننا قد عرفنا أكثر عن ذلك، حين أخبرنا عن البيت الذي أوجد على أرضنا، وعن القبلة التي أمرنا أن نستقبلها في صلاتنا، فكان ذلك تعبيرا عن وجوب اتجاهنا إلى قبلة، والتفافنا حول بيت. هذه الأوامر ما هي إلا رموز وإشارات لمعان أكبر، نجدها في قلوبنا وأفئدتنا وعقولنا يوم نتفاعل مع هذه الرموز، ومع هذه المعاني التي جاء بها ديننا. فهدفنا الذي نجتمع عليه هو أن نكون وجودا أفضل، وأن نكون في طريق الحياة، وأن نحقق لوجودنا معنى شهادة أن لا إله إلا الله، فتكون شهادة لا إله إلا الله ليست مجرد كلمات نلوكها بألسنتنا، وإنما تكون واقعا في حياتنا. كيف تكون شهادة أن لا إله إلا الله واقعا في حياتنا؟ أبسط مفهوم يمكن أن نتعلمه هو في تنـزيه ربنا عن أي صورة وعن أي شكل، فهو الذي ليس كمثله شيء، وهو الأكبر من كل شيء، وهو الأول فليس قبله شيء، وهو الآخر فليس بعده شيء، وهو الباطن فليس دونه شيء، وهو الظاهر فليس فوقه شيء، تعالى عن أي صفة أو شكل (قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد). تنـزيهنا لله ولإرادة الله، ولمراد الله، هو أساس في شهادة أن لا إله إلا الله. فربوبية الله تجعلنا أحرارا فيما نرى أنه الخير، وفيما نرى أنه الحق، لأننا لا نستطيع ببساطة أن نضع شكلا أو صورة أو مفهوم إنسان ما، ونقول إن هذا هو ما يريد الله، الله أكبر عن أي تصور أوعن أي مفهوم إنساني، أو عن أي شكل مادي، أو أي علاقة ظاهرة لنا في حياتنا. وهذا هو الأصل الذي نبني عليه مفهوم حرية الإنسان (.. أعطى كل شيء خلقه ثم هدى)، (ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها). الوجه الآخر لشهادة أن لا إله إلا الله بمعنى التنـزيه ومعنى الإطلاق هو حرية الإنسان. لذلك فإن التصور أن الدين يقيد حرية الإنسان هو تصور خاطئ. الدين يساعد الإنسان أن يكون حرا، وأن يكون مفكرا، وأن يختار طريقه، وأن يحدد وجهته، وأن يحدد قبلته، فهو مسئول عن قبول القبلة التي يتجه إليها، وهو مسئول عن الطريق الذي يسلكه وعن المنهج الذي يتبعه، وإذا كانت المقدمات التي يبني عليها هي مقدمات صلاح وفلاح، فأيا ما يصل إليه سوف يكون صلاح وفلاح. فإن وجد في دين أو في رسالة أو في فلسفة ما يقبله فهذا اختياره، وليس فرضا عليه. فقد اختار ووجد في هذا الاختيار ما يتوافق مع فطرته (… لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا). فهي معان طرحت للتعبير عن قضايا إنسانية تساعد الإنسان في طريقه، في ارتقائه وفي سلوكه. الإنسان هو الذي يختار ويتقبل في النهاية. حتى إذا اختار الإنسان ألا يختار فاتبع من يقولون له افعل ولا تفعل، فهذا أيضا اختيار، وهو مسئول عنه (إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا)، فالمسئولية مسئولية الإنسان ولا تستطيع أن تهرب من مسئوليتك، (كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته). نكبر ما أعطانا الله من طاقات وإمكانات، لأن استخدامنا لها مطلوب في حد ذاته، وإعداد أنفسنا لتلقي رحمات الله ونفحاته هو في ممارستنا التي تعمل ما أعطانا الله من طاقات وإمكانات. إنا نهدف أن نمارس ديننا ممارسة حقية، ممارسة فعلية، ممارسة تفاعلية، نتفاعل مع النصوص، ونتفاعل مع آيات الله حولنا، نبحث عن الحقيقة التي تنفعنا على أرضنا في مشهود قيامنا، ننشغل بما كشف الله لنا، ولا ننشغل بما حجب الله عنا. هكذا يكون طريقنا، وهكذا تكون حياتنا، وهكذا يكون سلوكنا، وما اجتماعنا إلا لنتواصى بالحق والصبر بيننا، ولنشد من أزر بعضنا، وليساعد بعضنا بعضا، بتفاعل صادق، وبمحبة صادقة، نتواصل بالمعاني التي نتعلمها، ونتواصى بالحق والصبر بيننا، سائلين ربنا أن يجعلنا من الذين يتواصوا بالحق ويتواصوا بالصبر حقا…”

تعليق:

حديث عن الهدف من طريقنا وجمعنا وربط ذلك برسائل الدين مع التركيز عل مفهوم أن تشهد أن لا إله إلا الله تنـزيها عن أي صورة وأن تكون حرا في اختياراتك

مفاهيم دالة :

١٩١ - مناسك الحج كما علمنا إياها رسول الله بها عدة مفاهيم تتلاقى في تناغم، وفي ارتباط وثيق، في ترتيبها وبنيانها ومضامينها

تاريخ الحديث: ٢٠٠٧/١٢/٢١

-”… كل ما نقوم به من عبادات هي عترة رسول الله صلوات الله وسلامه عليه، تبيانا لقانون الحق وإظهارا له في حياتنا وفي سلوكنا (تركت فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي، ما إن تمسكتم بهما لا تضلون أبدا، فإنهما لا يفترقان أبدا). علينا أن نقرأ عترة رسول الله ونتعلمها. ومناسك الحج كما علمنا إياها رسول الله بها عدة مفاهيم تتلاقى في تناغم، وفي ارتباط وثيق، في ترتيبها وبنيانها ومضامينها. ونحن نذكر أنفسنا دائما بها خاصة في مواقيتها، وفي أيام ممارساتها. وحين نربط بينها وبين أحداث أخرى فإننا نجد رسالة واضحة. رسالة تعلمنا أن علينا أن نطلب الحق على أرضنا. شد الرحال والاقتراب من البيت هو حركة في بعد أرضي، كما نرى هذه الحركة في الإسراء من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، اللذان يمثلان مركزان للحق على هذه الأرض. كان رسول الله يتجه في صلاته إلى المسجد الأقصى في بداية الدعوة. كان المسجد الأقصى هو المعبر عن مركز الحق قبل الأمر بتغيير القبلة إلى المسجد الحرام لتصبح الكعبة معبرة عن هذا المعنى. واجب على الإنسان أن يسعى إلى الاقتراب من مركز الحق. فيكون اقترابه بذاته تعبيرا عن هذا المعنى ليصبح هذا حاله في كل تعامل دنيوي، فيكون سعيه إلى مركز الحق الظاهر في كل تجمع، وفي كل قضية فكرية، وفي كل بحث علمي، وفي كل عمل دنيوي. وهناك بعد أخروي روحي معنوي فيه صعود إلى الأعلى، تمثل هذا المعنى في ظاهرة المعراج. بعد أن يقترب الإنسان من مركز الحق على الأرض فهناك انطلاقة روحية يكون فيها الإنسان عارجا في مجالات عليا. ويعبر عن هذا في الحج في ركنه الأعظم في صعود عرفة، فهو تعبير عن الصعود وانطلاقة الإنسان الروحية، فهو يلبي الأعلى (سبح اسم ربك الأعلى). وهذا ينعكس في سلوكنا بأن نعلوا بأرواحنا، بقلوبنا وعقولنا. ينعكس في محاولاتنا للتعمق في قضية وجودنا وفي معنى قيامنا. نعيش بأرواحنا وننطلق بأفكارنا وبقلوبنا صاعدين إلى أعلى. عبادة أساسها الدعاء والتلبية والرجاء والفكر والذكر القلبي والتأمل العقلي في إطار هذا القيام المادي. فنحن نعرج في مجال أعلى، بما وهبنا الله من قدرة على تجريد وفهم قضايا حقيه، فلا نشطح بأفكارنا فيما ليس لنا به علم، وليس لنا به قدرة، وإنما تكون انطلاقاتنا من أساس نرتكز عليه في وجودنا، وفي تأملاتنا وفي قراءاتنا لرسائل الله لنا. هاتان الرسالتان اللتان تعبران عن السعي المادي بأجسادنا وعن السعي الروحي بقلوبنا وعقولنا تتمثلان في مناسك الحج. إنا في حاجة إلى الأمرين وإلى الحالين وإلى السعيين، حتى نكون قادرين على مواصلة الحياة بصورة حقيه، وتجعلنا أحياء. لذلك نجد أن المنسك بعد ذلك هو أن نرجع وأن نهبط إلى أرضنا بقوة روحية ومعنوية تمكننا من رجم شياطيننا، تمكننا من أن تكون الغلبة فينا لمعنى الحياة، تمكننا من مواصلة المسير في طريق الله بأجسادنا وبقلوبنا وعقولنا. إن ممارسة قيامنا بالمنسك فيه شق لتوصيل رسالة لمن يلحق بنا، وشق آخر لنقرأه بعمق. وهناك من الناس من يقرأون هذه الرسالة بعقولهم وأرواحهم. القيام الذاتي بالمنسك قد يكون وسيلة فاعلة ليقرأ الإنسان هذه المعاني إن كان هو أهل لذلك. ولكن الكثيرين يا للأسف ليس عندهم المبادئ الأساسية للقراءة فلا يقرأون، مثلهم مثل الذي لا يقرأ ولا يكتب، حين يرى صحفا مكتوبة أمامه لا تعني له شيء، ولا تعبر عن شيء. فنحن في حاجة أن نتعلم كيف نقرأ رسائل الله لنا، وهذا هو العلم النافع الذي يعلمنا كيف نقرأ آيات الله في الآفاق وفي أنفسنا. إن في أصولنا ما يمكننا من أن نتعلم هذه القراءة، ولكننا يا للأسف لا نفعل ذلك، وإنما نعيد رسم الأشكال ونرددها ولا نقرأها، هناك فارق كبير بين أن يردد الإنسان الأشكال والحروف، وبين أن يقرأها قراءة عميقة. الدين ليس مجرد ترديد للكلمات وللشعارات، وإنما هو تعليم للإنسان وتدريب له، حتى يستطيع أن يتفهم ما يقرأه أو ما يردده، فيكون ترديده قراءة وفهما للمضامين، حتى تقوم فيه وتحييه وتجعله أفضل…”

تعليق:

حديث عن التأمل في شد الرحال إلى البيت الحرام للحج وصعود عرفة

مفاهيم دالة :

١٩٢ - العبادة هي محاولة الإنسان أن يكون في منتهى العطاء في عمله، وفي علمه وأن يحاول قدر طاقته، أن يفعل كل أدواته، من أجل أن يتفهم أسباب الحياة وقوانينها ويفعل ما يتفهمه في حياته وفي معاملاته

تاريخ الحديث: ٢٠٠٨/٢/٢٩

”… إنا حين ننظر إلى مجتمعاتنا نجد كثيرا من الأمور لا نرضى عنها، ولا نرضى أن تنسب لديننا، الذي هو مصدر طريقنا، وحياتنا، وسلوكنا. نرى كثيرا من الأمور الملتبسة التي يخوض فيها من يعلم ومن لا يعلم. نجد كثيرا من الناس وهم ينظرون إلى الدين نظرة محدودة مقيدة، تجعلهم لا يستفيدون مما في الدين من معان تحييهم وتقومهم، وتجعلهم أكثر معرفة وعملا وذكرا ونورا. نرى هذه المحدودية في التفكير والتأمل والتدبر، وفي تناول قضايا كثيرة من الدين. هدفنا من الحديث عما نراه ولا نرضاه هو تحفيز عقولنا لنجد الأسباب لعدم رضائنا، ومن ثم نفهم ديننا بصورة أعمق، مما يساعدنا أن نعبر بأسلوب أفضل عن مفهومنا في ديننا. وفي نفس الوقت ندعو الله أن يوفقنا في قولنا ونستغفره أن نقول زورا، أو أن نغشى فجورا، أو أن نكون به مغرورين. إن على كل إنسان أن يقدم ما يؤمن به، وأن يقبل تصحيحا وتصويبا من الآخرين ومن إخوانه، بل من نفسه إذا وجد حقا كان غافلا عنه، يرجع إليه، ويستغفر الله، ويتوب إليه. هذه مقدمة لما نريد أن نقدمه لكيفية تناولنا لقضايا في مجتمعنا بقدر من التأمل والتدبر العميق. قضية الهدف من خلق الإنسان هي واحدة من هذه القضايا. والآية التي توضح هذا الهدف هي (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون). العبادة كما نتدبرها، وكما نتفهمها، هي محاولة الإنسان أن يكون في منتهى العطاء في عمله، وفي علمه. أن يحاول قدر طاقته، أن يفعل كل أدواته، وكل إمكاناته وقدراته، من أجل أن يتعلم، ومن أجل أن يتفهم أسباب الحياة وقوانينها، وأن يفعل ما يتفهمه في حياته وفي معاملاته. إذا تأملنا في هذا المفهوم، نجد أن هذا ما يراه كل إنسان عاقل بفطرته، وما تدفعه إليه احتياجاته من مأكل وملبس ومشفى ومدرسة وجامعة ومزرعة ومصنع وكل وسائل الحياة. إنه هدف واحد، وهو أن يقوم الإنسان في معنى العبودية لله، هو أن يكون أكثر عطاء وأكثر علما وأكثر عملا، كل بإمكاناته وقدراته، فالقدرات تختلف من إنسان لإنسان. وفي نفس الوقت الذي يسعى لذلك، تكشف له كل الرسالات السماوية، أن هناك جانبا آخر في حياته ليكون في معنى العبودية الحقة، وهو الجانب الروحي والمعنوي الذي يساعده في تخطي الأزمات على هذه الأرض، وفي المرور فيها وما أكثرها. وأن يتعلم أنه كإنسان هو كيان له حياة وله مستقبل، وأن كل ما يمر به يمكنه أن يحوله إلى طاقة إيجابية تساعده في انطلاقته الروحية، فلا ينظر لإنسان آخر أو لحال آخر، وإنما يركز فيما أعطاه الله، وفيما وهبه الله، كيف يعظمه؟ كيف يجعل منه وسيلة للتغيير إلى الأفضل؟ والآية تشير (ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم…). اعكس البصر إلى داخلك، وانظر ماذا يمكن أن تفعل وماذا يمكن أن تقدم، واستعن بالله واستعن بالصبر والصلاة (وفي أنفسكم أفلا تبصرون). الإنسان فيه صفات تكشفها الآيات، وتوضح كيف يتعامل مع هذه الأحوال التي يمر بها (إن الإنسان خلق هلوعا إذا مسه الشر جزوعا وإذا مسه الخير منوعا إلا المصلين). فإذا نظرت إلى نفسك فوجدتك جزوعا منوعا هلوعا، فالجأ إلى الصلاة، الجأ إلى الدعاء، الجأ إلى طلب الله وإلى عون الله، حتى تخرج من هذا الهلع ومن هذا الجزع ومن هذا المنع. وإذا نظرت إلى نفسك فوجدتك لربك كنودا، فالعلاج لحال الكنود، أن تتذكر من أنت، وكيف أنت، وإلى ماذا ستصير، وما هو هدفك ومقصودك، وما هو طلبك ومعبودك (إن الإنسان لربه لكنود وإنه على ذلك لشهيد وإنه لحب الخير لشديد أفلا يعلم إذا بعثر ما في القبور وحصل ما في الصدور إن ربهم بهم يومئذ لخبير). قد تظل في حالك الذي أنت عليه فلا تيأس من رحمة الله، واستغفر الله، واستعن بالله. هكذا تكون في جهاد دائم في حياتك، يصاحب هذا الجهاد علم نافع وعمل صالح، لا تتوقف عنه، بل تحاول أيضا بكل قوتك وبكل وجودك، أن تكون نافعا منتجا معطاء خادما لإخوانك في البشرية. رسول الله يوضح لنا ذلك حين يقول له أحدهم إن هذا يصلي ولكن يفعل كذا وكذا، فيقول له لعل صلاته تنهاه يوما. لم يقل له ما فائدة صلاتك؟ أو أوقف هذه الصلاة التي لا فائدة منها، واستقم ثم صلي بعد ذلك، وإنما أمره أن يستمر في محاولته وفي استغفاره وفي ذكره (كل ابن آدم خطاء وخير الخطاءين التوابين)، (إن لم تذنبوا وتستغفروا لأتى بقوم آخرين يذنبون ويستغفرون فيغفر الله لهم). هكذا يعلمنا الحق أن الذنب ليس له شكل محدد، إنما الذنب هو ما تراه صوابا في لحظة، ثم تكتشف خطأك ووقوعك في خطأ فظيع، فعليك أن تلجأ إلى الله، وأن تتغير إلى ما هو أفضل. وقد تعرف أن الذنب أو أن العمل الذي تعمله لا طائل من ورائه، وهذا هو ذنب أيضا، ولكنك لا تستطيع محاربة نفسك الأمارة بالسوء في لحظة ما، فلا تيأس، واستعن بالله، واتجه إلى الله، وأطلب قوة تعينك حتى تخرج مما أنت فيه. إن للذنب أشكالا كثيرة، وأشكالا متنوعة، ليست فقط هذه الذنوب التي نعرفها جميعا، وإنما هي كل عمل لا يؤدي بالإنسان إلى فائدة، أو إلى أن يخدم به آخرين، أو أن يخدم به نفسه، أو أن يطور نفسه، أو أن يعلم نفسه، أو أن يكون به أكثر تقوة، وأكثر طهرا، وأكثر رحمة وتراحما مع خلق الله. إن الإنسان يسير في خطين، خط له علاقة بحياته الدنيوية التي هي وسيلة لكسبه الروحي، والتي أشرنا إليها بمعنى العبودية لله، بأن يفعل الإنسان كل ما في طاقته ليعظم فائدة وجوده. وخط آخر له علاقة بالجانب الروحي والمعنوي في داخله الذي له علاقة بمراقبته لنفسه وما تفعل، وبما يمر به من أحوال وأزمات، وبما فيه من صفات مظلمة قد تؤثر على علاقته بالآخرين، وقد تؤثر على علاقته بنفسه. هذا يحتاج إلى قوة روحية نحصل عليها في صلاتنا، وفي اجتماعنا على ذكر الله، حتى نمر بهذه الأزمات، ونكسب حياتنا، ونخلص في كل ما نقوم به …”

تعليق:

المقصود من هذا الحديث توضيح الهدف مما نقدمه من مفهوم بصورة مختلفة لآيات الله عما هو شائع في المجتمع من مفهوم لها. وقد ركز الحديث على مفهوم عبادة الله وعلاقته بحياة الإنسان المادية والروحية.

مفاهيم دالة :

١٩٣ - نؤمن بكل لأمور الغيبية دون أن نحدد شكلها ونعلم أنها تعبر عن قانون إلهي، لا يقلل من إيماننا أن نجعلها مجردة، ولا يزيد من إيماننا أن نجسدها

تاريخ الحديث: ٢٠٠٨/٤/١١

”… تدبروا في آيات الله، وعيشوها وقوموها، وتفاعلوا معها، وتساءلوا ما هي الرسالة الموجهة إلينا منها. (…ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار) من الذي يقول ذلك؟ (الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والأرض ..). إنهم يقولون ذلك بعد أن كانوا في حيرة من أمرهم، وفي شك في وجودهم، يبحثون عن الحقيقة، يبحثون عن رسالتهم على أرضهم، يبحثون عن دورهم في حياتهم وفي مجتمعهم ولإخوانهم ولكونهم، فما وجدوا إلا الذكر ملجأ لهم يلجأون إليه، فكان الذكر وسيلتهم. وما كان الذكر إلا استحضار معاني وجودهم، ما كان الذكر إلا الرجوع إلى قلوبهم، ما كان الذكر إلا أن يعكسوا النظر إلى داخلهم. يتسآلون ماذا يريدون وماذا يطلبون؟ ماذا يحبون وماذا يكرهون؟ إنهم يتذكرون وجودهم، يتذكرون عهدهم الذي عاهدوا الله عليه في خلقهم، إنهم يرجعون إلى فطرتهم، إلى بذرة الحياة فيهم، إلى سر الله بهم، إلى مصدر الحياة في وجودهم. فإذا ذكروا تذكروا، تذكروا تاريخهم القديم، تذكروا كيف كانوا في قديم وكيف هم الآن (يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم، الذي خلقك فسواك فعدلك، في أي صورة ما شاء ركبك). لم يجدوا إجابات على تساؤلاتهم إلا في هذا الذكر ( يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ) إنه تعبير عن ذكر الله في كل أحوالهم، في معاملاتهم، في عملهم، في نومهم ويقظتهم، في حديثهم وسكونهم، في ركوعهم و سجودهم، في كل حال من أحوال حياتهم، إنهم يوم قاموا في ذلك أصبحوا قادرين أن يتفكروا في خلق السماوات والأرض. وكما نذاكر دائما فإن التفكر في خلق السماوات والأرض هو كل تفكر في أي علم من العلوم، وفي أي سبب من أسباب الحياة، في وجودك وفي وجود الكائنات حولك، في السماء ومجراتها، في النجوم ومداراتها، في الكواكب وسريانها، في الأقمار وسطوعها، في النبات وفي الحيوان وفي الجماد، وفي كل شيء وكل كائن يدب على هذه الأرض، في الفيضانات والأعاصير والبراكين. هذا التفكر المستمر ، والتدبر الدائم في كل حدث وفي كل صغيرة أو كبيرة، بعد الذكر يؤهل الإنسان أن يجد الإجابة على السؤال الذي سأله عن ماهية وجوده، ويخاطب ربه (…ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار)، وما عذاب النار إلا ألا يحقق الإنسان على هذه الأرض معنى الحياة له، فيصبح غير قادر أن يستمر في حياته الأخروية، فيكون كائنا لا قيمة له، ولا استمرار له، ولا بقاء له. فالنار هنا هي تعبير عن هذا الحال الذي يكون فيه الإنسان، مما يستلزم أن يتغير من هذا الحال إلى مفردات أقل شأنا، وهذا هو رمز النار في هذا المقال، كما نفعل في حياتنا حين تصبح المواد غير قابلة للاستخدام بأي شكل من الأشكال، فتحرق. هذا تعبير وتشبيه عن معنى أكبر في قانون الله، رمز له الحق بمعنى النار في كتابه الحكيم . ونحن كما نذاكر دائما فإننا نؤمن بكل هذه الأمور الغيبية دون أن نحدد شكلها أو صورتها، إنما نعلم أنها تعبرعن قانون إلهي، لا يقلل من إيماننا أن نجعلها مجردة دون تحديد أو تشبيه، ولا يزيد من إيماننا أن نحددها أو نجسدها حتى نكون مؤمنين، بل أن تجسيدها ربما هو خروج عن الأدب مع الله ، يوم نفترض شكلا نحن غير قادرين أن نحدده. إن الإنسان يريد أن يكون إنسانا حيا، والحق يعبر عن ذلك يوم يوجه الذين آمنوا ويوجه الجميع، إلى أن يستجيبوا لله ولرسوله وهو يدعوهم لما يحيهم، ويعبر عن معنى الحياة في الذين حققوا رسالتهم على أرضهم (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون). فالحياة هي الهدف الذي نسعى إليه، وهي المعنى الذي نرجوه لوجودنا، أن نكون أحياء. والحياة هي القدرة على مواصلة المسير بعد الخروج من هذه الأرض، ولا نستطيع أن نواصل المسير بعد الخروج من هذه الأرض إلا إذا كان لنا زاداوطاقة وقوة ونورا ووعيا، نستطيع به أن نستمر في حياتنا. ولا يكون ذلك إلا بالإيمان والعمل الصالح، الإيمان بوجودنا وبرسالتنا و بعلاقتنا بالله، والإيمان الذي يتبعه بعد ذلك عمل صالح، نصلح به نفوسنا، ونصلح به أحوال حياتنا، ونصلح به أحوال حياة إخواننا في البشرية…”

تعليق:

تأمل في آية (الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والأرض …)

مفاهيم دالة :

١٩٤ - الحق الذي يجب أن نتواصى به هو أمر نسبي يتناسب مع قدرة الإنسان على الرؤية وتقديره للموقف وإدراكه لما يدور حوله في هذه الحياة ولما يستطيع أن يؤثر فيه على هذه الأرض

تاريخ الحديث: ٢٠٠٨/٨/٢٧

”… كان التوجيه الإلهي للإنسان أن يبحث عن العلم في كل مكان وفي كل زمان (قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق)، (هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون..)، وهل يستوي الذين يعملون والذين لا يعملون (وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون) (إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه) هذا التوجيه الإلهي لكل فرد في المجتمع عليه أن يلتزم به إذا أراد حياة أفضل في الدنيا وفي الآخرة. وهناك توجيه للمجتمع، في علاقة الأفراد بعضها ببعض (وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر)، (وأمرهم شورى بينهم)، ولتكن منكم أمة تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وتؤمن بالله (كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله). فما هو واجب الأمة، وما هو واجب الأفراد في هذه الأمة؟ واجب الأفراد في هذه الأمة أن يتواصوا بالحق وأن يتواصوا بالصبر، فما هو الحق الذي يجب أن يتواصوا به؟ الحق أمر نسبي ومتسع، يتناسب مع قدرة الإنسان على الرؤية، ومع تقديره للموقف، ومع إدراكه لما يدور حوله في هذه الحياة، ولما يستطيع أن يؤثر فيه على هذه الأرض. الحق يرجع إلى قيم الإنسان الموجودة فيه بخلقته، وإلى قيم الإنسان المعطاة له ببيئته، فعنده قيم وهبية وهبها الله له، وعنده قيم كسبية كسبها من بيئته ومن مجتمعه، وعنده قيم تاريخية كسبها من تاريخه ومن تاريخ أمته، وعنده قيم مستقبلية ترجع إلى قدرته على ما يراه هدفا يريد أن يحققه في مستقبل حياته، وهناك قيم مادية، وهناك قيم روحية، وهناك قيم أخلاقية، وهناك قيم ذاتيه. الإنسان جماع كل هذه القيم، إنه نظام معقد متشابك الأطراف، له مدخلات كثيرة تتفاعل في وجوده الإنساني، وتظهر في معاملاته وأفعاله وحركاته وسكناته. إن الناس تتصور أن الحق مجرد كلمات يتواصى بها إنسان لإنسان فيقول له: صم، أو صلي، أولا تكذب، أولا تسرق، أولا تفعل كذا، أو افعل كذا. هذا جزء من التواصي الكلي، إنما هناك ما هو أعمق، إنها التجربة الإنسانية التي يمر بها كل إنسان في حياته، ويصل بها إلى مفاهيم لم تكن واضحة بالنسبة له قبل ذلك، إنها التجارب الإنسانية التي تظهر فيما ينتجه البشر من كتابات مختلفة، ومن تعبيرات مختلفة، ومن أحوال مختلفة، سواء هذه المنتجات والمخرجات تعبر عن نجاحات روحية ومعنوية، أو تعبر عن نجاحات مادية ذاتية، أو تعبر عن فشل روحي، أوعن فشل مادي. إن هذا ليس فقط على مستوى الفرد، وإنما على مستوى المجتمع، في تجاربه، في حياته، وهو يطبق نظاما سياسيا اقتصاديا اجتماعيا، تكون نتيجة هذا التطبيق نجاحا مجتمعيا أو فشلا ذريعا في خدمة المجتمع. إن الذي يظهر نتيجة هذه التجارب هو وجه من وجوه الحقيقة، هو وجه من وجوه الحق، الذي يوضح للإنسان ما هي قوانين هذه الأرض، وكيف تفاعلت، وما أخرجت، وما هي نتائجها، وما هو تأثيرها؟ هذا وجه من وجوه الحق. إن رؤية الإنسان لتجارب الآخرين ولتجارب المجتمعات الأخرى، وتحليلها، والوصول بها إلى نتائج، هو أيضا مظهر من مظاهر الحق والحقيقة. فـالتواصي بالحق هو منهج حياتي، هو أن يحاول الإنسان بكل طاقاته أن يبحث عن الحقيقة فيما يحدث أمامه من أحداث، بتحليلها، وبقياس نتائجها، وبتجاربه الشخصية، وبتجارب مجتمعه، ويتواصى بهذا التحليل والنتائج التي وصل إليها مع إخوانه في المجتمع، ليعرفوا كيف يسيرون وكيف يتقدمون. هذا الأمر يحتاج إلى مداومة وإلى مثابرة وإلى استمرارية وإلى استدامة. والإنسان بطبعه عجول، يريد أن يصل إلى نتائج متسرعة، لا يعطي الوقت الكافي للتحليل والتدبر، ولذلك نجد الدعوة إلى التواصي بالحق والتواصي بالصبر. فالصبر هنا لا يعني فقط أن يصبر الإنسان على مصيبة ألمت به، وإنما يعني عدم التعجل وعدم التسرع في اتجاه لا يعرف حدوده فيه، وإنما يجب أن يعطي وقتا كافيا للتواصي بالحق، وللتواصي بالعلم وللتواصي بالمعرفة حتى يقول الخبراء كلمتهم، مع وجود المعايير والمقاييس التي تمكن المجتمع من مراجعة نفسه إذا أخطأ الطريق. فالصبر هنا هو صفة فيها صدق مع النفس، بحيث لا تأخذ قرارا إلا بعد أن تصبر نفسك في دراسة كل ما يحيط بك. إن ديننا هو دين فيه تفاعل مع الحياة، وليس دينا عقيما، نردده في كلمات ونضعه في كتب جامدة، يرددها جيل بعد جيل، ويسلمها جيل إلى جيل. ديننا هو دين متسع، دين يخاطب الإنسان، ويكبر قدرات الإنسان، ويعظم من شأن الإنسان، لا يقلل من عقله، ولا يقلل من شأن قلبه، ومن شأن ضميره، ومن قدرته على العمل، ولا يضع قيودا على حرية تفكيره، وعلى حرية عمله، وعلى ما يصل إليه، وإنما يضع سقفا لا نهاية له لكل من يريد أن يتحرك (يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السماوات والأرض فانفذوا لا تنفذون إلا بسلطان). لا حدود على العلم ولا حدود على المعرفة، إلا بما يحد الإنسان نفسه، حين يجد أن علما ضارا ربما يضربه في وقته الحالي، أو أن نتائجه الجانبية والسلبية ربما لا يستطيع أن يسيطر عليها بعلمه الحاضر، فهذا تقدير إنساني أما الحق فيقول للإنسان لا حدود على طاقتك، افعل ما تستطيع أن تفعل، وابحث فيما تستطيع أن تبحث ، وكن صادقا فلا تبحث فيما لا تستطيع أن تبحث فيه، تدبروا في آلاء الله وتفكروا في آلاء الله، ولا تفكروا في ذات الله، لا لشيء إلا أنكم لا تستطيعون أن تفكروا في ذات الله، فهي أكبر من أن تذكروها أو أن تعلموها أو أن تفكروا فيها، فكيف تعطون لأنفسكم الحق في أن تجسدوها أو ترسموها، فكن صادقا فيما تفكر فيه وفيما تبحث فيه، لا تتكلم عن أمور لا تستطيع أن تقيسها أو أن تراها أو أن تسمعها، وإن تحدثت عنها فهي أمور مجردة، مثلما تحدث القرآن عما وراء هذه الأرض، هي أمور مجردة لا يمكن أن نتصورها، وإنما تحدث الحق بها لنا ليعطينا إحساسا بجمالها، أو إحساسا بقبح ما يمكن أن نلقي بأنفسنا فيه…”

تعليق:

حديث عن العلم والعمل والتواصي بالحق النسبي، الذي هو نتاج العلم والبحث والتجريب، والصبر وهو عدم استباق تطبيق النتائج قبل وثبوت مصداقيتها بالتجربة.

مفاهيم دالة :

١٩٥ - الدين ليس كلمات جوفاء وليس أشكالا صماء، الدين حياة، الدين معاملة، الدين عمل، الدين فكر، الدين ذكر. الدين ليس صورة لمجتمع في قالب معين، وإنما الدين هو كل الصور التي تؤدي إلى ما هو أفضل

تاريخ الحديث: ٢٠٠٨/١٠/١٠

”… نتدبر آيات الله في الآفاق، وفي أنفسنا حتى يتبين الحق لنا، حتى نعرف طريقنا، حتى نشهد مقصودنا، حتى نكون عبادا لله صالحين متحققين، مقدرين معنى العبودية لله، عبادا أحرارا يدركون أن العبودية لله هي حريتهم، وهي طريقهم، وهي نجاتهم، وهي دينهم، وهي دنياهم. يدركون أن الدين ليس كلمات جوفاء وليس أشكالا صماء، الدين ممارسة، الدين حياة، الدين معاملة، الدين علم ومعرفة، الدين عمل، الدين فكر، الدين ذكر. الدين هو كل الحياة، وكل لحظة نعيشها، وكل نفس نتنفسه، وكل نبضة قلب تنبض بها قلوبنا، وكل لمحة فكر تستطع بها عقولنا. الدين ليس صورة لمجتمع في قالب معين، وإنما الدين هو كل الصور، وكل الإشكال، التي تؤدي إلى ما هو أفضل. إذا كنا نتكلم عن أن الدين هو الحياة، فإن حديثنا لا يعني أن هناك صورة معينة لإقامة هذا الدين (إن الدين لواقع). الذين لا يرون ذلك يتوقعون أو يتصورون أنهم يريدون أن يقيموا الدين، ولكن الدين قائم فيما هو واقع، ولا يملك أحد أن يقول إنني على دين والآخر ليس كذلك، لأن في الواقع الدين لا يملكه أحد، ما ينبغي على الإنسان أن يفكر فيه كيف يكون من أهل النور، من أهل العلم، من أهل الصلاح والفلاح. فالحياة فيها الصالح والطالح، والدين كقانون للحياة يتعامل مع الصالح والطالح، يتعامل مع الخير والشر، وأنت تدرك ذلك يوم تقول الحمد لله رب العالمين، رب الكل، رب كل الكائنات، رب كل العوالم. ماذا تريد من رب العالمين؟ أتريد أن تكون من الضالين، أم تكون من الذين أنعم الله عليهم بالصراط المستقيم؟ أتريد أن يعاملك باسمه الجبار، أم تريد أن يعاملك باسمه الرحمن الرحيم؟ وكيف يعاملك باسمه الرحمن الرحيم إذا كنت شقيا وجبارا ومتكبرا؟ (كن كيف شئت فإني كيفما تكون أكون)، (ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين) (إنهم يكيدون كيدا وأكيد كيدا فمهل الكافرين أمهلهم رويدا). إذا كنت تريد أن تكون أهلا لاسمه الرحمن الرحيم، فعليك أن تكون رحيما بعباده، لتكون أهلا لرحمته. حين جاء الدين بالأحكام والشريعة التي تجلت في صور من معاملات، ومن عبادات، ومن مناسك، كان كل ذلك تعبيرا عن معان، لا يعني حصر هذه المعاني الجامعة في هذه الأشكال المحدودة، خاصة في المعاملات التي تتسع يوما بعد يوم، لذلك فإن القضية هي أن نتعلم من الرسالة والمقصد الموجه لنا من المعاملة، لا أن نركز كل جهودنا على شكلها وصورتها. إن علينا أن نتعلم من ممارسة حياتنا ومن إدارتها ومن تدبيرها ومن إصلاحها، أن نتعلم من المشاكل التي تحيط بنا، ومن الأحداث التي تصيبنا، وأن نحاول جاهدين أن نبحث عن الأصلح والأقوم. إن طريقة بحثنا يجب أن تنبع من مشاكلنا، من واقعنا، من حياتنا، فإذا وجدنا الأصلح فهذا هو ديننا وهذا هو طريقنا. إن الذين يريدون أن يفكروا في حل مشاكلهم من خلال تصور أنما جاء في التاريخ، أو ما جاء في الأصول، أوما جاء به السلف هو الذي سوف يحل المشكلة، يضعون الأمور في غير نصابها. إنك يمكن أن تستلهم المبادئ العامة من هذه الأصول، ولكن الحل على أرض الواقع لا يكون إلا بإعمال ما أعطاك الله من عقل وعلم ومعرفة، وقياس للأمور وإدراك لأبعادها، وتحديد للمشكلة بصورة جيدة قويمة، تمكنك من حلها ومن أن تتعامل معها. إنا نريد أناسا مفكرين عالمين عارفين، يعرفون كيف يتعاملون مع واقع الحياة ومع مستجداتها ومع احتياجات الإنسان على هذه الأرض في هذا الزمن، حتى نكون حقا مقيمين ديننا، الذي هو دين العلم والمعرفة والعمل…”

تعليق:

تأمل في معنى أن الدين لواقع وعلاقة هذا بأن الدين قائم في دوام ولا يحتاج لإنسان أو لجماعة لتقيمه

مفاهيم دالة :

١٩٦ - أدرك القوم أن قبلتهم ليست حجرا، وإنما هي معنى حي في أرضهم، هي تجلي الحق على وجودهم، وأن مطلوبهم من صلاتهم أن يكونوا موصولين بهذه القبلة

تاريخ الحديث: ٢٠٠٨/١١/١٤

”… هكذا عبر القوم حين أدركوا أن كل شيء يفعلوه هو ليتجهوا إلى قبلتهم، فخاطبوا قبلتهم بأن كل وجودهم لها بقولهم: أنتم فروضي ونفلي، أنتم حديثي وشغلي، يا قبلتي في صلاتي، إذا وقفت أصلي، جمالكم نصب عيني، إليه وجهت كلي. أدرك القوم هدفهم ومقصودهم، أدركوا أن كل عباداتهم ليكونوا في معية قبلتهم، ورسول الله لهم، ووجه الله لهم، ونور الله لهم. وأن كل حياتهم وحديثهم هي ليكونوا في هذه المعية. أدركوا أن قبلتهم ليست حجرا، وليست شكلا، وليست صورة، وإنما هي معنى حي، أدركوا أن القبلة هي موجود الحق على أرضهم، هي تجلي الحق على وجودهم، وأن مطلوبهم من صلاتهم أن يكونوا موصولين بهذه القبلة، أدركوا معنى الحق فيهم، أدركوا سر الله بهم، وعرفوا أن هذا السر كان قبل أن يقوموا على هذه الأرض، وهو كائن في قيامهم اليوم، وأنه سوف يكون بعد رحيلهم من هذه الأرض، فعرفوا من هم. عرفوا أن هذه الذات ما هي إلا أداة، ما هي إلا مطية، ما هي إلا جلباب يسيرون به على هذه الأرض لفترة وجيزة، ثم يتركوه ويرحلون. فلم يربطوا وجودهم الحقي بوجود هذه الذات، وإنما ربطوا وجودهم الحقي، بأصل وجودهم، بأصل قيامهم، بأصل حياتهم، بخالقهم، بربهم، بنور ربهم، بوجه ربهم، برسول ربهم. عرفوا أن هذه الذات قيمتها موقوتة، وأن عليهم أن يعرفوا كيف يكسبون من خلال وجودهم في ذواتهم، لكن لا يجب أن يضعوا هدفهم فيما تحب وفيما تشتهي وفيما ترجو هذه الذوات، فهي وسائل ليتحركوا على هذه الأرض ويكسبوا في الله. يستعملوها لأداء رسالة، ولأداء مهمة أرادها الله بهم من خلقهم، ولم يربطوا حقيقتهم بذواتهم، إنما جعلوا هناك بعدا بين معنى الحق فيهم وبين ذواتهم، نظروا إلى هذه الذوات وهم متعالون عليها، فلم يجعلوها تجذبهم إلى أسفل، وإنما ارتفعوا هم بها إلى أعلى. أدركوا أن كسبهم الحقيقي هو في لحظات يعيشونها في ذكر الله، في تعامل مع الله، في تركيز على كل جوانب الكمال والجمال التي يتجلى بها الله على خلقه، فنظروا إلى هذا الجمال والكمال وركزوا عليه، ووجهوا كلهم إليه، فشهدوا أن المقصود وجه الله، فكانوا بذلك هم المسلمون حقا، هم المؤمنون حقا، هم المحسنون حقا. أدركوا أن قيامهم في هذه المعاني هو معنى الحب في الله، لأن قيامهم في ذلك الأمر، جعلهم يخرجون من محدود قيامهم إلى حياة أبدية، خرجوا من قيد إلى حرية، إلى انطلاقة ربانية، إلى حالة روحية معنوية، شعروا فيها بالجمال، فأحبوا الله في حالهم، فيما صاروا إليه وفيما أصبحوا عليه. هكذا نتعلم مما جاء به القوم من أحوال، ومن أحداث ومن أقوال عرفوها وخبروها، وعبروا عنها بقولهم وشعرهم وحديثهم، وأحوالهم وسلوكهم، لينقلوا إلينا معنى من معاني الحياة، معاني الحب في الله، معاني الرقي في الله، معاني أن يعيش الإنسان بسر الله فيه، وأن يتواصل مع ذاته من خلال هدف حياته وهدف وجوده. يعلم أنه كان، وأنه كائن، وأنه سيكون، فلا يخشى مغادرة هذه الأرض، لأنها كانت قبل أن يكون على هذه الأرض، ولأنها قائمة من خلال هذه الذات على هذه الأرض، لها كيانها ولها وجودها الذي يسمع ويرى، والذي هو أناه الحقي، وهو الذي سيبقى بعد مغادرته لهذا العالم…”

تعليق:

تأمل في الشعر الصوفي “يا قبلتي في صلاتي إذا وقفت أصلي

مفاهيم دالة :

١٩٧ - كل إنسان عنده الأهلية لأن يرتقي في الله بدرجات متفاوتة

تاريخ الحديث: ٢٠٠٨/١٢/٢٦

”… الله يعبر عن خلق الإنسان في قصة آدم (.. إني جاعل في الأرض خليفة..) (وعلم آدم الأسماء كلها..) حمله الأمانة، وبلغه الرسالة، وأودع فيه سره، وظهر فيه بعظمته (ما ظهر الله في شيء مثل ظهوره في الإنسان). فكان الإنسان كلمة الله، وخليفة الله، وكان الإنسان بهذا عنده الأهلية لأن يرتقي في الله، ولأن يعرج في الله، ولأن يكون أعلي في الله (ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات)، (الله يصطفي من الملائكة رسلا ومن الناس). وتعلمنا أن (.. وفوق كل ذي علم عليم) وأن ما من كمال إلا وعند الله أكمل منه (.. هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون..). تعلمنا أن كل إنسان يحمل بين جوانحه سر الله، إلا أن هذا لا يعني أن الكل في مقام واحد، وفي درجة واحدة، هناك تباين وهناك فروق، إلا أن الجميع يحمل بين جوانحه قدرا من الحقيقة، مما يمكنه من أن يعرج إلي أعلي. الفارق بين إنسان وإنسان هو القدر الذي استطاع سر الله فيه أن ينيره وأن يغيره، فالإنسان كلما تقدم في طريق الله، كلما ازداد نورا علي نور (أو من كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها..). فكان الدين هو المنهج الذي يوضح للإنسان كيف يتغير إلي الأفضل، وكيف يعرج إلي الأعلى، وكيف يزداد نوره، وكيف تصفو نفسه، وكيف يحيا قلبه، وكيف ينير عقله، وكيف تنطلق روحه، كيف لا يكون متثاقلا إلي الأرض (ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم إلي الأرض). إن الذي خطا خطوات في الطريق لا يخشي الموت، لا يضع أصابعه في آذانه حذر الموت، لأنه يدرك أن الحياة ممتدة، ويؤمن بهذا إيمانا راسخا. فإذا نظرنا حولنا سوف نجد علي هذا المقياس من هو في أول خطوة ومن هو متقدم، الذي في بداية طريقه يخشي الموت، والذي تقدم خطوات إلي الأمام تراجعت هذه الخشية عنده. وهكذا في مقاييس كثيرة سوف نري الناس في درجات مختلفة، فإذا كان الجميع يحمل بين جوانحه سر الله وسر الحياة وسر الكسب وسر النجاة، إلا أن كل إنسان له مقامه وله درجته، وكل إنسان متاح له أن يتقدم خطوات إلي الأمام. ومن هنا كان الإنسان هو كيان متكامل، فيه سر بقائه وفيه سر فنائه، فيه سر حياته وفيه سر موته، فيه سر ارتقائه وفيه سر تراجعه. إن الحقيقة الوحيدة التي يملكها الإنسان هي ما فيه من سر الله، هي ما فيه من جوهر الحياة، هي قلبه، هي فطرته، هي صبغة الله، هي نور الله. لا يستطيع إنسان أن يتقدم في الطريق إلا إذا عرف كيف يقوم بهذا النور فيه، كيف يعرض كل شيء علي قلبه؟ كيف يكون الدين هو ما يراه في داخله، يوم يقرأ كتابه، يوم يرجع بصره إلي داخله (وفي أنفسكم أفلا تبصرون)، يعرض كل أمر علي داخله، ليعرف كيف يتعامل معه. إن أي فعل تقوم به من داخلك وأنت في كامل الاقتناع به، عمل له تأثير، أما أن تؤدي مقلدا دون أن تعرف ما تقوم به، فهو عمل لا أثر له. لذلك كان إكبار ما في الإنسان من طاقة، ومن علم، ومن معرفة، ومن قدرة، ومن إحساس، ومن تذوق، ومن ضمير، هو أمر أساسي، لأن هذا هو الباقي. فكان الدين منهجا لإحياء الإنسان من داخله، لإكبار عقله، وإكبار قلبه، وإكبار ضميره، بحيث ينبع كل شيء من أعماق قلبه. إنا نستمع إلي أحاديث كثيرة، ونقرأ كتاب الله، وحديث رسول الله، إذا تفاعلنا مع هذه القراءة في داخلنا بعمق حيينا، أما إذا أخذناها بظاهرها دون أن تتخطي حاجز أجسادنا إلي قلوبنا، فلن تؤثر فينا تأثيرا حقيقيا. لا يمكن أن تسري هذه الكلمات فينا إذا لم نقتنع بدلالاتها وبحقيقتها، وأن تكون جزءا من اعتقادنا، لا بالقهر ولا بالفرض ولا بالقوة، وإنما بالحب وبالإدراك وبالفهم.” ٢٦/١٢/٢٠٠٨

تعليق:

كل إنسان يحمل بين جوانحه سر الله، إلا أن هذا لا يعني أن الكل في مقام واحد، وفي درجة واحدة، هناك تباين وهناك فروق، إلا أن الجميع يحمل بين جوانحه ما يمكنه أن يعرج إلي أعلي

مفاهيم دالة :

١٩٨ - الإنسان يعيش بين ما يعلم، وبين ما لا يعلم، فليقرأ حتى يعلم وليأخذ ما يقرأه إلى قلبه، ليقوم فيما يقرأه فيتحرك خطوة إلى أعلى

تاريخ الحديث: ٢٠٠٩/٧/٣

”… كل منكم سوف يقرأ كتابه، سوف يقرأ فطرته، سوف يقرأ سر الله فيه، فقد خلق كل إنسان خلقا متفردا، له خصوصيته، له قدراته وإمكاناته، له طبيعته (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت). إن من عبادي من لوأغنيته لفسد حاله، وإن من عبادي من لو أفقرته لفسد حاله (فإذا قرأناه فاتبع قرآنه ثم إن علينا بيانه). كل يقرأ، أما البيان فيجيء من الداخل، بقدر تطهر القلب، (لا يمسه إلا المطهرون). والمطهرون درجات، والمعاني التي تمس القلوب، تتناسب مع طهرها، ومع نقائها، ومع صفائها . إن الإسلام برسالة محمد (صلعم) جاءت لتوضح ذلك، جاءت لتقول للإنسان أن فيه سرالله، وأن فيه نورالله، وأن عليه أن يفعل هذا النور فيه، وأن يفعل هذا السر فيه، أن يتحرك، أن يسير في الأرض، أن يتأمل، فلينظر كيف بدأ الله الخلق، أن يقرأ باسم ربه الذي خلق ( اقرأ باسم ربك الذي خلق ، خلق الإنسان من علق ، اقرأ وربك الأكرم ، الذي علم بالقلم ، علم الإنسان ما لم يعلم ). إنك يا إنسان تعيش بين ما تعلم، وبين ما لا تعلم، فاقرأ حتى تعلم، فتتحرك خطوة إلى أعلى، إقرأ وخذ ما تقرأه إلى داخلك، إلى فطرتك، إلى قلبك، لتقوم فيما تقرأه. فإذا وجدت ترانما بين ما تقرأه، وبين ما هو في قلبك، فسيجعلك ذلك تزداد رسوخا فيما أنت قائم عليه. وإذا وجدت تنافرا وتضادا بين ما تقرأه وبين ما في قلبك، ففي هذه الحالة عليك أن تتفكر أكثر، وأن تتعمق أكثر ، فقد يكون هذا التضاد وهذا التنافر ، نتيجة ظلام في قلبك ، ونتيجة هوى في نفسك، وقد يكون هذا التضاد لسوء فهم فيما قرأته، وأن قدرتك على تفسيره والتأمل فيه، لم تسعفك لتكون متناغما معه، مرتبطا به، فهنا يجب أن تتوقف، ولا تصدرحكما قاطعا، وإنما تطلب علما، وتتجه إلى الله أن يعلمك، أو أن يوجهك لمن يعلمك (…فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون)، وقد يسوق لك أهل الذكر، ليوضحوا لك ما غم عليك، وقد يفتح الله عليك، فترى ما لم تكن ترى، وتفهم ما لم تكن تفهم (… واتقوا الله ويعلمكم الله …). إن الإسلام هو دين الحرية، دين الإنسان، دين الفكر، دين الذكر، دين العمل، دين الجهاد والاجتهاد، دين الصدق، دين الرحمة، دين احترام الإنسان لأخيه الإنسان، دين احترام الإنسان لكل كائنات الله التي خلق. الإسلام دين يقبل الجميع، يقبل كل سالك ، كل مجاهد، كل مجتهد، كل طالب علم، كل عامل، كل مفكر، كل ذاكر، يريد الأحسن والأقوم، يقصد وجه الله، ينزه الله عن الشكل والصورة، ينزه معنى الربوبية عليه عن أي قيام مادي ( …لا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله). أين ديننا ؟ أين الإسلام بيننا ؟ أين هذه المعاني السامية ؟ لقد حولنا الإسلام من صورة عالية تقبل الجميع، إلى صورة محدودة تقبل جزءا وترفض الآخر. وما كانت دعوة الإسلام، إلا لتوضح لكل إنسان على هذه الأرض، ما هو عليه، سواء ما كان عليه فيه صدق أم فيه افتراء على الحقيقة. ما جاءت رسالة الإسلام، لتضع أصناما جديدة في الفهم، وإنما جاءت لتقول لكل إنسان في كل دين أوفي كل عقيدة، أنظر إلى ما أنت عليه، أنظر إلى كتابك الذي أنت عليه، وكن صادقا فيما تقبله منه، فإذا كانت هناك أمور لا قبل لك بها، لأنها تخرج عن نطاق حكمك وتقديرك، لمحدودي قيامك، فلا تجعلها سببا لاختلافك مع بني جنسك، مع إخوانك في الإنسانية والبشرية، لا تجعل منها صنما جديدا تعبده، وإنما قم في معني أن الله أكبر، وأن الله أعلم، وأن الله أعظم . فكل الرسائل السماوية دعت الإنسان لأن يكون في مقام أعلى، بادئة من قيم يجتمع كل إنسان عليها: من الخير للناس أجمعين، ومن المحبة لكل كائن على هذه الأرض، ومن التعاون والتكافل لخدمة كل إنسان على هذه الأرض. فإذا كان إنسان في دين ما، يحب رسول هذا الدين، ويرى فيه مخلصة، فكل الرسل يخلصون الناس جميعا، وتخليصهم لهم، هم بأن يروا فيهم مثلا أعلى يقتدوا به، ويرغبوا أن يكونوا مثله. فالذي يحب عيسى ليخلصه، هو أن يكون متخذا طريقه، أن يكون خادما للرب في مخلوقاته، وأن يكون متسامحا، وأن يكون محبا، وألا يجمد الأمورعند أشكال وصور، لا أن يقول بلسانه أن عيسى إله أو رب، وأن هذا هو الذي سوف يخلصه، الذي يخلصه هو محبته لعيسى، ومحبته لعيسى أن يرى فيه مثلا أعلى، يريد أن يكون عليه. وهكذا مع كل الرسل . ورسول الله يعلمنا ذلك (لن تؤمن يا عمر حتى أكون أحب إليك من مالك وولدك ونفسك التي بين جنبيك). فكيف يكون الإنسان محبا لرسول الله؟ هل بمجرد ترديد أحاديث، قد لا يكون فاهما لها، وقد لا يكون مدركا لها؟ هل بأن يقوم بأشكال وصور ليس لها إلا الصورة المادية؟ أم أن محبة رسول الله هو أن يكون الإنسان مقتديا بسلوكه، الذي هو مبني على الأفضل والأيسر للإنسان؟ ( أمرت أن أخاطب الناس على قدر عقولهم)، وقدر عقولهم هنا لا تعني أن يكون مستوى الحديث متواضعا، وإنما هو يتناسب مع كل عقل، فهو يخاطب العقول المجتهدة، والعقول العالية، كما يخاطب العقول المتواضعة أيضا، فحديثه يتناسب مع كل عقل، فكل عقل يأخذ من حديث رسول الله ما هو له أهل. كان الرسول في سلوكه يبحث عن الأفضل، والأكثر حكمة، والأكثر معقولية في أموره وأمورالمسلمين المادية (..وشاورهم في الأمر..)، ما هوالأحسن، ما هوالموقف الذي يجب أن نتخذه في أي معضلة نقابلها. الصدق في كل كلمة تصدرعن الإنسان فيما يراه في واقعه (لا تفكروا في ذات الله ولكن فكروا في آلاء الله)، هذا ما نستطيع أن نفكر فيه، أما أن ندخل في أمور لا قبل لنا بها، وأن نتصور أشكالا، وصورا، لإله من صنعنا ومن تفكيرنا، فهذا لا يليق، بل يخرجنا عن الجادة، وهذا ما نتأمله دائما في شهادة أن لا إله إلا الله. فمحبتك لرسول الله، أن ترجع البصرإلى داخلك، في كل ما تعمل ، وتسأل نفسك: ماذا لو كان رسول الله في هذا الوضع، ماذا يفعل، ما هو الأفضل ؟ هذه هي المحبة الحقيقية، لا أن تتبع صورا وأشكالا وكلاما، ربما لا تفهمه ولا تعرفه. لذلك كانت الدعوة لكل إنسان على هذه الأرض، لا أن يتحول عما هو عليه كلية، وإنما ليصحح ما هوعليه، فإن صحح ما هو عليه، فهو في دين الإسلام. وكما نرى في آيات كتاب الله، أن كل الأنبياء والرسل قد وصفوا بالإسلام وبالمسلمين (ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولٰكن كان حنيفا مسلما …) لأن معنى الإسلام موجود في أصول اليهودية والنصرانية، الإسلام بمفهومه العام الحق الذي هو أحق أن يتبع، المسلك والمنهج الذي إن سرت عليه تصبح في حال أفضل، وفي حال أقوم. هكذا جاء الإسلام، كما نفهم وكما نتأمل، فهل نحن اليوم على هذه المعاني قائمون؟ هل نحن مدركون لهذا البعد في دعوة الإسلام؟ هل نحن مدركون حقا لمعنى (يا أهل الكتاب تعالوا إلىٰ كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله..)؟ إن تمسك كل فريق بهذا القول، وطبقه على ما بين يديه، وأدرك أن هناك أمورا كثيرة قد تداخلت وركزت على أمورلا يمكن البت فيها، واعتبروها معان مقدسة، لا يمكن المساس بها، وأصبحت هي أساس بالنسبة لكل فريق، مع أنها في واقع الأمر ليست كذلك، لو أنهم رجعوا إلى المعنى الشامل لهذه الآية لحلت مسائل كثيرة …”

تعليق:

كل الرسائل السماوية دعت الإنسان لأن يكون في مقام أعلى، وأن يتمسك بقيم يجتمع كل الناس عليها: من الخير للناس أجمعين، ومن المحبة لكل كائن على هذه الأرض، ومن التعاون والتكافل لخدمة كل إنسان على هذه الأرض.

مفاهيم دالة :

١٩٩ - الإسلام دين الواقع، دين الحياة، دين ما تستطيع أن تراه وتتعامل معه، هذا محل فكرك وعملك، أما علاقتك بالغيب، فهي علاقة إيمان

تاريخ الحديث: ٢٠٠٩/٩/١٨

”… ها قد قارب شهر الصوم على الانتهاء، وإن كان سوف ينتهي زمنيا، إلا أن آثاره ومعانيه يجب أن تظل قائمة فينا، وأن نحاول أن نستعمل هذه الطاقة التي حصلنا عليها في هذا الشهر، لمواصلة المسيرة الحقية، فهكذا نتعلم دائما من مناسكنا ومن عباداتنا، أنها تحمل معان، يجب أن نحافظ عليها في كل حياتنا. إن الإنسان إذا استطاع أن يحافظ على ما كسبه في هذا الشهر، يكون بذلك قد قام في ليلة القدر، فليلة القدر وهي خير من ألف شهر، إنما تعبرعن قيام الإنسان في كيان متعرض لنفحات الله، غير ما فيه من ظلمات، واستبدلها بنورالحق (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا…)، (إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون). إنا حين نقول أن ليلة القدر أنزل فيها القرآن، فإنما هي بذلك تعبر عن هذا المعنى الذي نتحدث فيه. فرسول الله كان مجاهدا متعبدا متعرضا لرحمات الله ونفحاته قبل البعثة، فهو قد اتجه إلى ربه سائلا طالبا، أن يهديه سواء السبيل (ووجدك ضالا فهدىٰ). فكانت ليلة القدرهي تعبير عن استجابة الحق لهذا العبد الذي سأل، والذي طلب، والذي جاهد واجتهد، ليكون أهلا لنفحات الله، ولكلمات الله، ولأنوار الله، بنزول القرآن إليه (اقرأ باسم ربك الذي خلق، خلق الإنسان من علق، اقرأ وربك الأكرم، الذي علم بالقلم، علم الإنسان ما لم يعلم)، فكان الإنسان بتعرضه لكرم الله وجوده، أهلا لأن يعلمه الله. إننا ونحن نمارس عبادة الصوم كل عام، فإنا نحاول من خلال هذا الشهر أن نعبر عن هذه القضية، نعبرعن أننا نجاهد أنفسنا، ونتجه إلى ربنا، آملين أن نكون بذلك أهلا لليلة القدر، وأن تقوم فينا هذه المعاني، لا بأن نتصور شكلا معينا، أو صورة معينة لهذه الليلة، وإنما لتقوم فينا معانيها، ولنكون أهلا لعلم الله، ولكرم الله، ولرحمة الله، ولنورالله. إن ما نشهده حولنا من فهم سطحي لأمور ديننا في كل قضية طرحت، إنما يعبرعن الحال الذي وصلنا إليه، من ضحالة في التأمل والتفكر والتدبر، ومن حال من التخلف في التعامل مع قوانين الحياة، ومع فهم آيات الله. نرى تسطيحا زائدا لمفاهيم حقية، فتختزل ليلة القدر في شكل أو في صورة يرسمها البعض، وينسى الناس وعلماؤهم أن يتفهموا ويتفكروا ويتدبروا في معنى ليلة القدر، كوسيلة للتعليم فيما يمكن أن يكون عليه الإنسان، وفيما يمكن أن يصبح عليه، من تواجد نوراني حقي، فيه أهلية للتواصل مع السماء ولتلقي نفحاتها. علينا أن ندرك أننا مهما حاولنا أن نصل إلى أعماق الآيات، فإنها محاولة لنخطو خطوة في طريق الحق، أما الحق فهو لا نهائي، لا نستطيع أن نصل إليه بقيامنا البشري المحدود. الإسلام دين الواقع، دين ما تستطيع أن تراه وتتعامل معه، هذا محل فكرك وعملك، أما علاقتك بالغيب، فهي علاقة إيمان ، (ذٰلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين، الذين يؤمنون بالغيب…)، أما في الشهادة فإنهم (…ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون). إن الذين يتحدثون أن الدين لا يفهم بالعقل، إنما يتحدثون عن أمور محددة، فحين نقرأ تاريخنا، نجد أن الأمثال التي ضربت للتدليل على أن الدين لا يفهم بالعقل محدودة، في إطار يعقل أيضا. فإذا قيل مثلا أن الدين قد أمر بعدد معين من الركعات في كل صلاة، وعلينا أن نقبل ذلك، وليس هناك إعمال للعقل في قبول ذلك، نقول: أن العقل كل العقل في قبول ذلك، لأن القضية ليست في أن نناقش بالعقل عدد الركعات، ولكننا يمكن أن نفهم أن هذه الأمورتوقيفية. فالإنسان في قيام مقيد، يريد أن يمارس الصلاة، التي أمر بها في آيات كثيرة تعبيراعن علاقة له بالله بصورة مقيدة، يجئ له التوجيه من رسول الله (صلوا كما رأيتموني أصلي) ليعلم الذين آمنوا بوجوبية الصلاة في حياتهم كيف يعبرون عن مقصدها بأجسادهم. هذا أمر توقيفي لأنه لو لم يكن بهذه الصورة التي نقوم بها لكان هناك شكل آخر. وليست القضية هنا أن نناقش هذا الشكل، بأن نقول أن ثلاث ركعات أفضل من أربع، أو أربع ركعات أفضل من ثلاث. هذا ليس بعقل، إنما العقل هو أن تقبلها بهذه الصورة، لأنها تعطيك وسيلة يمكنك أن تمارسها بها. فإذا أسرفت بشدة في مناقشة الشكل، تدخل في دائرة لا تستطيع أن تخرج منها، وهذا ما حدث في تاريخنا، حين إهتم الفقهاء كثيرا بالأشكال، حتى النادرة منها، وأفردوا لها من الكتب الكثير، مما جعل الأمة تنحرف إلى هذا الإتجاه الذي لا نهاية له، وتنسى الصلاة كصلاة. أما الصلاة كقضية فهي تعقل، لأن الإنسان في حاجة إلى طاقة من الغيب، وممارسته لأي صورة من الصورالتي تجعله يتجه إلى الغيب، هي التي تجعله في صلاة، ومن هنا فحين نؤمر بالصلاة فالأمر مقبول عقلا، والعقل يستطيع أن يجد في الصلاة وسيلة لممارسة هذا الارتباط بالغيب. ويكون لكل إنسان مفهوم وهو يمارسها، وهذه هي النية التي هي أساس العبادة. النية لا تكون إلا بأن يكون هناك فهم وراء ما تقوم به، وإذا لم يكن هناك فهم وراء ما تقوم به ، فكيف تستقيم النية ؟…”

تعليق:

إن الإنسان إذا استطاع أن يحافظ على ما كسبه في شهرالصوم، يكون قد قام في ليلة القدرالتي تعبرعن قيامه في كيان متعرض لنفحات الله، كيان غيرما فيه من ظلمات، واستبدلها بنورالحق ونورالحياة

مفاهيم دالة :

٢٠٠ - الديانات السماوية تكشف قانون الحياة، الذي يمكننا من التعامل مع ما فينا من ظلام وما فينا من نور

تاريخ الحديث: ٢٠٠٩/١٠/٢٣

”… وما كانت الديانات السماوية، إلا كشف لقانون الحياة، الذي يمكننا من التعامل مع ما فينا من ظلام وما فينا من نور، وخاطب الله الإنسان بما في الإنسان من سره، فكان هذا السر في الإنسان فوق الظلام وفوق النور، هوالأنا الذي استمع لقول الحق (وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم عليٰ أنفسهم ألست بربكم قالوا بليٰ شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هٰذا غافلين)، الذي شهد هذه الشهادة هو معني الحق في الإنسان، هو سر الله في الإنسان، هوالمعني الإلهي الذي استوي علي عرش هذا الوجود الإنساني. فالإنسان حين ينظرإلي ما يفعله ظلامه، يجد التوجيه الإلهي الذي يناسب هذا الفعل. فحين نتأمل في آيات الله، وهي تتحدث عن الإنسان في ظلامه ( إن الإنسان لربه لكنود ، وإنه عليٰ ذٰلك لشهيد، وإنه لحب الخير لشديد)، تذكرنا الآية بهذا الجانب من مادي قيام الإنسان حين يركز في هذه الدنيا، ويجعل كل همه أن يتفاعل معها، وأن يسيطرعليها، وأن يأخذ منها الكثير. سرالله في الإنسان يقوم في هذه الحالة بتوجيه رسالة إلي هذا الظلام : (أفلا يعلم إذا بعثر ما في القبور، وحصل ما في الصدور، إن ربهم بهم يومئذ لخبير). أنظر يا إنسان إلي حياتك القصيرة علي هذه الأرض، فلا تجعلها تسيطر عليك كل السيطرة، وإنما خذ منها ما ينفعك في علاقتك بالله، ( إن الإنسان خلق هلوعا، إذا مسه الشر جزوعا، وإذا مسه الخير منوعا إلا المصلين)، الرسالة التي توجه للإنسان في هذه الحالة أن يدعو الله ويقيم الصلاة، ليساعده ذلك ألا يكون هلوعا ؤألا يكون منوعا، (فأما الإنسان إذا ما ابتلاه ربه فأكرمه ونعمه فيقول ربي أكرمن، وأما إذا ما ابتلاه فقدرعليه رزقه فيقول ربي أهانن)، كيف يتخلص الإنسان من هذا الحال، و يعرف أن العلاقة هي علاقة في الله، ليست القضية في نعمة أو في نقمة، المهم أن تعرف كيف تتفاعل مع هذا الحال الذي أنت فيه. (كلا بل لا تكرمون اليتيم، ولا تحاضون عليٰ طعام المسكين)، والعلاج في هذا الحال هو في محاولتك أن تري الآخرين، وأن تكون أداة خير لهم، لا أن تنظر فيما تملك فقط، أوفي ما لا تملك، وإنما انظر فيما يمكنك أن تقدمه للناس، حتي تتخلص من هذا الحال، الحال الذي يجعل كل همك في علاقتك بالله هو قيامك في الدنيا، هو مقياس دنيوي، أنظرإلي ما يمكن أن تقدمه للناس بديلا لهذا المقياس، (أحسن الناس أنفعهم للناس). وهكذا نجد الكثير من الآيات لو قرأناها بعمق، لتعلمنا كيف نتعامل في هذا الحال، الذي نجد أنفسنا عليه في ظلامها. الإنسان يمكن أن يقوم في حال فيه استقامة، يمكن أن يكون مصليا مزكيا، لكن عليه أن يأخذ حذره. هناك توجيه إلهي حتي تكون حقا في معني المصلين، يجب أن تتفاعل بصورة معينة مع الأحداث حولك، ولا تكون عن صلاتك ساهيا، ( فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون ، الذين هم يراءون ، ويمنعون الماعون) واجب عليك وأنت في صلاتك أن تدرك هذا المعني. واجب عليك إن تصدقت ألا تمن بصدقتك ( قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذي …). حين نتحدث عن الدين وعن الطريق، نقول أنه التفاعل بين الإنسان وما يحيط به من أحوال وأعمال، بل ومن طبيعة ومن بيئة، ومن مجتمع كامل بكل ما فيه، في ظلامه وفي نوره، في علمه وفي جهله، في تقدمه وتأخره، كيف سيتفاعل مع كل شئ، وسر الله في الإنسان قائم علي الإنسان. فإذا كان الإنسان واعيا لهذا السر فيه، راقب نفسه في سيئاته وفي حسناته، في أفعاله التي تتخذ مظهرا سيئا، وفي أفعاله التي تتخذ مظهرا حسنا، فكان مراقبا لنفسه، حسيبا علي نفسه: (حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا)، ( بل الإنسان عليٰ نفسه بصيرة ) . نحن نريد لهذا الإنسان فينا أن يستيقظ، لأن كثرة الظلمات قد تجعل هذا المعني يخمد فينا…”

تعليق:

ما كانت الديانات السماوية، إلا كشف لقانون الحياة، الذي يمكننا من التعامل مع ما فينا من ظلام وما فينا من نور، وخاطب الله الإنسان بما في الإنسان من سره، فكان هذا السر في الإنسان فوق الظلام وفوق النور.

مفاهيم دالة :

٢٠١ - العبادة هي تجربة روحية مستمرة يعيش الإنسان فيها بقلبه وروحه وعلى الإنسان أن يتأمل في وجوبها ونتائجها بعد ممارسته لها وليس قبل ذلك

تاريخ الحديث: ٢٠٠٩/١١/٢٠

”… إن جميع خلق الله، إن جميع الكائنات على هذه الأرض، تخضع لقانون الله في طاعتها أو في معصيتها، لأنها تتبع قانونه، وهذا معنى (إن كل من في السماوات والأرض إلا آتي الرحمٰن عبدا). المهم أن تكون في معنى العبودية لقانون الحياة الذي يرفعك، والذي تعرج به إلى أعلى عليين، ولا يكون هذا إلا بأن ترضى عن الله، برضائك عما أعطاك الله من نعم في خارجك وفي داخلك، وتتفاعل مع هذه النعم، لتكون في علاقة ثابتة مستمرة معه، تدور في دائرة الحياة، مركز هذه الدائرة هو قبلة الله، هو بيت الله، هو نور الله، هو رسول الله، هو حق الله، هو كلمة الله، هو روح الله، هو كل شيء جميل من الله، هو لا إله إلا الله. نحن نرى كثيرا من الناس يتصورون أنهم بطاعتهم العمياء يكونون مؤمنين، وكثيرون يرددون: أن إذا فعلنا أو أتينا منسكا لا نفكر في هذا المنسك، وإنما ننفذه لأنه أمر الله . وهذا إن كان فيه جزء من الحقيقة، إلا أن هناك جزءا غائبا وهو أن شرط قيامك في هذه الطاعة، هو أن تتبعه بتأمل فيما تقوم فيه، حتى تكتمل طاعتك، فتسأل ربك أن يهديك لأن تقوم في هذه العبادة بحق وصدق، ولأن يكون لها أثر في حياتي، وفي سلوكي، وفي تغييري، وفي أن أكون متسقا مع قانونك ومع حكمتك، وأن تكون في طريق الحق والحياة. فالشرط لاحق للطاعة وليس سابقا لها، ومطلوب أن يتبع هذه الطاعة. لا تستطيع أن تقف عند أمر أو عند طاعة أمرك الله بها، وألا تفعلها حتى تدرك حكمتها، لسبب بسيط، هوأن حكمتها لها أبعاد كثيرة وعميقة، وقدرتك في بداية طريقك قليلة وصغيرة، لذلك ففهمك للعبادة يسير جنبا إلى جنب مع إتيانك لها، ومع قيامك فيها، فليس مطلوبا أن تتوقف عنها حتى تفهم الحكمة منها. في واقع الأمرلا وجود لمثل هذه الحكمة الأساسية، إنما هي حكم كثيرة، حكم لها أبعاد عميقة، أنت تأخذ جزءا منها بقدر طاقتك. فجنوح بعض الناس إلى رفض هذه الطاعة كلية هو غير مقبول، حتى بنفس منطقهم، فالإنسان في كثير من الأحيان ـ حتى في العلوم الظاهرية ـ لا يبدأ تجربة وهو مدرك لها كل الإدراك، وإنما قد يفهمها من خلال ممارسته لها، ومن خلال تجارب كثيرة. والعبادة هي تجربة، تجربة روحية، أن يعيش الإنسان بقلبه وروحه، فالإدراك يلازم هذه التجربة، ليس شرطا أساسيا أن تفهم النتيجة قبل أن تمارس، ولكن الشرط الأساسي هو أن تتأمل في نتيجة هذه التجربة، وتحلل نتائجها، وتحلل حالك، هل أنت في حالة مستقيمة، أم أنك في حال غفلة؟ هل أثرت عليك سلبا أم إيجابا ؟ ما هو المراد منها وأنت تمارسها؟ تسأل نفسك وتسأل ربك. إن الطاعة في حد ذاتها هي سؤال ودعاء، ليكشف الله لك عن سر قيامك، وعن سر علاقتك به. ومن هنا نجد تلازم الطاعة مع التأمل والتفكر والتدبر والدعاء، هذا ما يجعل الإنسان معملا لما أعطاه الله من نعم، لأنه يقيس بقلبه، ويقيس بعقله، ويقيس بضميره، فيما يفعله وفيما يقوم به، هكذا يكون الحال. أما إذا توقف الإنسان عند الطاعة دون ان يلازمها تفكر وتدبر وإحساس، فإنه يفقد جزءا كبيرا من حياته، بل إن هذه الطاعة ربما تؤدي إلى عكس ما يرجوه. ونحن نرى أمثلة كثيرة في تاريخنا، فيمن قتلوا الأولياء وقتلوا الخلفاء وقتلوا الصحابة والأتقياء، كانوا في ظاهرهم ملتزمين، يصومون الدهر ويقومون الليل، ثم يقتلون الأولياء. هذا ما حدث في مقتل الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وما حدث في عصور كثيرة، وما يحدث الآن في عصرنا، من جماعات تأتي بهذه الأفعال، وهي تدعي أنها قمة الإسلام وقمة الإيمان …”

تعليق:

إذا لم يتلازم التفكر والتدبر مع الطاعة، وأن يتبع ذلك تفاعل مع أحداث الحياة، فإن الإنسان يفقد وصلته ويفقد إتجاهه، ويصير في حال يعتقد في نفسه أنه إله، فيفعل ما يفعل بظن أنه الأعلى وأنه الأقدر وأنه الأفضل .

مفاهيم دالة :

٢٠٢ - ذبح الأضحية هو تعبير عن محاولتنا للتخلص من ظلام نفوسنا، حتى نرى الحقيقة في قلوبنا

تاريخ الحديث: ٢٠٠٩/١١/٢٧

”… نحن في حاجة دائما أن نقترب من الحقيقة في أنفسنا، وهذا يتطلب أن نجاهد ما فينا من ظلام الدنيا، وما فينا من معنى متثاقل إلى الأرض. وما ذبح الأضحية إلا تعبيرعن محاولتنا للتخلص من ظلام نفوسنا، حتى نرى الحقيقة في قلوبنا. جاء هذا اليوم ليعبرعن معنى التضحية والفداء، معنى أن يقدم الإنسان نفسه ووجوده لله، وهو يعبر عن ذلك بما يقدمه من قربان . هذه الشعيرة تكون بعد قيامنا في عرفة، في معرفة عن معنى وجودنا، وعن معنى حياتنا، فلا يقدم القربان، إلا ممن كان على معرفة بمعنى حياته، وبمعنى وجوده (واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحق إذ قربا قربانا فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الآخر)، فالذي يتقبل منه، هو الذي أدرك معنى حياته ومعنى تقديمه للقربان، أما الذي لم يدرك معنى حياته، ولم يدرك معنى تقديمه للقربان، فما تقبل منه. وإن كل مناسكنا هي قربان إلى الله، هي محاولة للقرب من الحقيقة. إن كنا نفعلها ونقدمها ونحن مدركين لما فيها من معان، فإن ذلك يكون إشارة، ويكون سببا، ويكون أملا، ويكون طلبا، ويكون رجاءا أن تتقبل.أما إذا كنا نفعلها دون وعي ودون فهم ودون إدراك، لا نقرأ ما فيها من رسالة لنا، فإنا بذلك نكون في حال غير قابل لتلقي ما فيها من معان حقية. إن كنا نطلب بألسنتنا في كثير من الأحيان أن يتقبل الله منا، فهذا لأن أملنا في الله كبير أن نكون أهلا لذلك. ولكن القضية هي ليست في مجرد تمني، وإنما القضية أن نكون صالحين لتقبل نفحات الله، وهذا ما يجب أن يكون همنا في كل شعيرة شرعت لنا، وفي كل منسك أمرنا به، وفي كل سنة سنها رسول الله، أن نتأمل فيها، وأن نقرأ معانيها، وأن نحاول أن نقوم فيها بحق وحقيقة. هذا ما نذكر به أنفسنا في كل مناسبة، حتى يصبح هذا حالنا، وحتى يصبح هذا قيامنا، وحتى نكون بذلك في طريق العبودية لله، وفي طريق كسب حياتنا، وكسب وجودنا، وكسب كرتنا. هذا اليوم يذكرنا أيضا بقضية إبراهيم - عليه السلام- مع ابنه الذبيح، يذكرنا بدعوة إبراهيم - عليه السلام- للحج يذكرنا برسول الله وهو يخاطب البشرية في حجة الوداع، وهو يعلمهم دينهم، يوم يكمل للبشرية دينها، ويعلمها معنى الإسلام، فكان بذلك يعبر عن أن كل ما جاء في رسالته، ما هو إلا تعبير عن الإسلام بمعناه الحقي، وأنكم لتقرأوا الإسلام، اقرأوا ما أتيت لكم به، وما سننته لكم، وبقراءته تعرفون الإسلام تسليما لله، وإتباعا لقانون الحياة،…”

تعليق:

حديث عن تقديم القربان ودلالته وهو تأكيد لما جاء في أحاديث سابقة.

مفاهيم دالة :

٢٠٣ - رسالة الهجرة هي رسالة لكل إنسان في حاجة لأن يؤسس دولته ودولة الإنسان أن ينظم حياته، وأن تتوافق أجزاؤه وأبعاضه لتحقيق هدف، هو نشر رسالته على هذه الأرض

تاريخ الحديث: ٢٠٠٩/١٢/١٨

”… كانت هجرة رسول الله من مكة إلى المدينة تمثل مرحلة مهمة لبداية شكل جديد في نشر هذه الدعوة الوليدة. كانت الدعوة في مكة دعوة أفراد، في مجتمع غلبت عليه قيم معينة، ونمط في الحياة له شكل محدد، علاقة بما وراء الحياة من خلال تفكير سائد وعادات متوارثة، في شكل تعبدي لا يراه أي إنسان مقبولا من ناحية العقل، وإن كانت الحجة الدائمة كما هي الحجة اليوم وفي كل عصر (…وجدنا آباءنا علىٰ أمة وإنا علىٰ آثارهم مقتدون)، وهي ترك العقل مقابل أن هناك ما لا نفهمه، وقد وجدنا آباءنا وأجدادنا على ذلك، فوجب علينا أن نتابعهم دون وعي ودون فهم، فهذه العلاقة وهذه العبادة لا تقوم على العقل والفهم. وما أشبه هذا القول بأقوال بعضهم اليوم، وهم يعبرون عن العبودية لله بطاعة مطلقة لما أمر الله به، بصورة هم يقومون فيها، فهل هكذا يكون الدين؟ أم أن الدين يحتاج من الإنسان إلى أن يفكر فيما يفعله، وفيما يقوم به، وفيما يسمعه؟ لذلك فإن المنهج الذي اتبعه رسول الله قبل البعثة، هومنهج لنا جميعا، فقد اتجه إلى الله، وبحث عن الحقيقة، واختلى بنفسه، وسأل ربه. وما كان تعبد رسول الله في غار حراء إلا تفكرا وتدبرا في حال أمته، وفي حال مجتمعه، وفي بحثه عن الحقيقة. كانت الدعوة بعد البعثة لهذا المجتمع، الذي سادت فيه أيضا قيم إجتماعية وسياسية وإقتصادية معينة، بعضها له جذور حقية، في التعامل، والكرم، والوفاء بالوعد، وقيم أخرى خارجة عن ذلك، من إستغلال، وتعامل مع ما خلق الله من إناث بوأد وقتل، ومن عبودية إنسان لإنسان. كانت الدعوة هي دعوة لأفراد ليفكروا ويتأملوا و يشهدوا أن لا إله إلا الله، ويتعلموا من الذي أرسله الله لهم، في شهادتهم أن محمدا رسول الله. ولكن الإنسان هو الإنسان في كل زمان ومكان، يرفض الجديد ويصرعلى القديم، يركن إلى العادات، لا يريد أن يبذل جهدا بفكر، ويركن إلى ما أدرك السابقون. هكذا حال الإنسان بنفسه المتكاسلة، التي لا تريد أن تجاهد أو أن تجتهد. هناك حاجة لشكل جديد للدعوة، لتستقر المفاهيم الأساسية، وليتغير حال الناس. وهنا كانت الهجرة إلى المدينة، ليكون أهل المدينة والمهاجرون مع رسول الله إلى المدينة بداية جديدة، من خلال دولة، من خلال أمة، من خلال جمع تنتظم أحواله طبقا لمعان سامية، وتكون أهدافه هي خطاب للآخرين عن المعاني الحقية، التي حملتها كل الرسالات السماوية، والتي جاءت بها الرسالة المحمدية. ومن هنا كانت هذه بداية جديدة في نشر الدعوة الإسلامية. رسالة الهجرة هي رسالة لكل إنسان، فعلى مستوى الفرد هو في حاجة أن يؤسس دولته في وجوده، ودولة الإنسان أن ينظم حياته، وأن تتوافق أجزاؤه وأبعاضه لتحقيق هدف، هو نشررسالته على هذه الأرض. كل إنسان له رسالة يؤديها، رسالة كل إنسان أن يكون مثلا صالحا لما يجب أن يكون عليه الإنسان. إن الإنسان في مرحلة ما يدعو أبعاضه لتتوافق مع ما فيه من حق، ولترجع إلى معنى الحق فيه، قد تتبعه نفسه، فتتغير من معناها الأمارة بالسوء، إلى معنى أفضل يجاهد معه ويساعده، وقد تظل نفسه بعيدة عن دعوته، فلا تستمع لهذه الدعوة، إنما تسير في طريقها، غيرملتفتة إلى هذه الرسالة السامية. عليه أن يتجه إلى من يساعده، وأن يقوم معه في جمع، يلجأ إلى جماعة، يلجأ إلى إخوان له في الله، يجتمعون على ذكر الله، فيكونوا بذلك دولة، أمة، جماعة، يساعد بعضهم بعضا، بالمدد الروحي، وبالمدد القلبي، بالتواصي بالحق وبالتواصي بالصبر. إن ذلك سوف يساعد الإنسان على أن يكون أكثر فاعلية، في دعوته لأبعاضه، لتتابعه في طريق الحق. إننا حين ننظر إلى كل حدث في تاريخنا، نجد فيه رسالة من الله لنا، علينا أن نتذكرها وأن نتأملها وأن نتدبرها (…الذكرىٰ تنفع المؤمنين)، وترديد المعاني يرسخها، وهذاهو الذكر. الذكر هو ترديد لحال ولمعنى، يريد الإنسان أن يقوم فيه، فإذا رددنا معنى الهجرة، وأننا نريد أن تكون هجرتنا إلى الله ورسوله، طلبا للعون، وطلبا للقوة، وطلبا للتوفيق، وطلبا للهداية، فهجرتنا إلى الله ورسوله. لا نريد أن نظل في ظلام نفوسنا، وفي غفلة قلوبنا، وفي ضلال عقولنا، نريد الهداية لعقولنا، ونريد الهداية لقلوبنا، ونريد الهداية لنفوسنا، فلنهاجر إلى الله ورسوله، بالدعاء والرجاء، بالتوسل بجاه رسول الله وبشفاعته وبرحمته، فهو الرحمة المهداة والنعمة المجزاه، إنه نور الحياة…”

تعليق:

رسالة الهجرة هي رسالة لكل إنسان ليؤسس دولته في وجوده، ودولة الإنسان أن ينظم حياته، وأن تتوافق أجزاؤه وأبعاضه لتحقيق هدف ونشر رسالة بأن يكون مثلا صالحا لما يجب أن يكون عليه الإنسان.

مفاهيم دالة :

٢٠٤ - الأمر الوسط، هو أن يكون الإنسان مدركا لجميع الأبعاد فهو لا يفرط فيما يعرف ويدرك أنه الحق، بل عليه أن يبلغه، وفي نفس الوقت لا يحكم على ما يبلغه بأنه الحق المطلق

تاريخ الحديث: ٢٠١٠/١/١٥

”… لا يستطيع إنسان أيا كان، أن يجعل من نفسه الداعي إلى الحق، والذي لا يتبعه يكون من الضالين، وإنما عليه أن يدعو بما يرى أنه الخير، دون أن يكون حاكما على نفسه بأنه الخير المطلق، وعلى غيره بأنه الشر المطلق. هذه الاستقامة التي يدعونا إليها ديننا، هي الأمر الوسط، هي أن يكون الإنسان مدركا لجميع الأبعاد على هذه الأرض، فهو لا يفرط فيما يعرف ويدرك أنه الحق، بل عليه أن يبلغه، وفي نفس الوقت لا يحكم على ما يبلغه بأنه الحق المطلق. هذا التوازن بين الاستقامة في الدعوة، وبين مراعاة الغيب، هي ما يجب أن نكون عليه. ديننا يعلمنا ذلك، فهو وإن أخبرنا بأن الذين يرفضون دعوة الحياة لا يكونون في استقامة مع ما هو أحسن، إلا أن هذا أمر مطلق، لا يستطيع إنسان أن يحكم عليه. فإن إدراكنا لهذا المعنى هو أمر مجرد، لا يمكن أن ننزل به إلى مقام التقييد الذي يتحدد في أشكال، أو في معتقدات، أوفي انتماءات، فيما نطلق عليه أديانا مختلفة. وإنما يكون هدفنا جميعا أن نكون في معنى المتابعة لقانون الحياة، وأن تكون دعوتنا إلى هذا الأمر في تجرد كامل عن أي شكل أوعن أي صورة. هذا ما نرى أن رسالة محمد ـ عليه الصلاة والسلام ـ قد جاءت به، وهذا ما نرى أنه معنى الدعوة الشاملة، الدعوة للكافة، الدعوة لكل الناس، لجميع الأجناس، لكل إنسان في أي مكان على هذه الأرض. جاءت دعوة الإسلام لتحرر الإنسان من أن يكون عبدا لخرافة أو لمقولة أو لإنسان آخر، إنما ألزمته أن يفكر بما أعطاه الله من طاقة للفكر وللتدبر وللتأمل. ولكننا نرى في مجتمعاتنا أن الناس قد انحرفوا عن هذه الدعوة الشاملة ، إلى دعوة مقيدة، إلى دعوة محدودة، إلى تقييد ما لا يقيد. هذه الرحمة الشاملة التي جاءت بها رسالة الإسلام، لتدعو الناس جميعا إلى قيم روحية وإلى قيم حقية، لا يستطيع إنسان أيا كان في أي مكان أن يرفض هذه القيم، جاءت هذه الرسالة الحقة لتثبت هذه القيم وهذه المعاني، في معنى شهادة أن لا إله إلا الله، وفي معنى أن الإنسان خليفة الله على هذه الأرض، وفي معنى حرية الإنسان الكاملة، وفي معنى أن هناك قانونا حاكما لهذه الأرض، وأن على الإنسان أن يبحث عن هذا القانون، وأن يبحث عن الأسباب التي تجعله حيا والتي تجعله في معنى العبودية لله حقا. هذه هي المعاني الأساسية التي جاءت بها رسالة محمد ـ عليه الصلاة والسلام ـ ولكن الناس لم يقدروها حق قدرها، وجعلوا منها أشكالا وصورا فقط، وظنوا أنهم بهذه الأشكال والصور يكونون قائمين فيها، ويكونون مقدرين لربهم، ويكونون في معنى الطاعة لخالقهم، والطاعة الحقة هي في القيام بما أمروا به من معان أكبر من الصور والأشكال. إن الناس يختلفون على صور وأشكال وكلمات، دون أن يعوا ما وراء هذه الصور، وما وراء هذه الأشكال، وما وراء هذه الكلمات، قد يتصورون أن القضية هي مجرد كلمة، أن يشهدوا أن لا إله إلا الله بلسانهم هو مجرد النطق بكلمات، ولكن في الواقع أن هذه الشهادة لها أبعاد كثيرة، ويجب أن يتبعها سلوك قائم عليها، إنها ليست مجرد كلمات، إنها حياة الإنسان، إنها قضية الإنسان . ويوم يدخل الناس في تفاضل بينهم ويضع كل منهم الذين يختلفون عنهم في الدين في موقع الأدنى، لأنهم أيضا يقولون كلمة تختلف عنهم، فإن هذا التفاضل يقودهم إلى صراع على أشكال لايدركون دلالتها الحقية. كذلك الذين يرفضون الديانات كلية لأنهم غير مقتنعين بممارسات المتدينبن وتجسيدهم لإله غير قابلين له، ولكنهم يؤمنون بأن هناك قوة وراء هذا الكون، فهؤلاءعندهم قدر من الإيمان، ولكنهم يحتاجون إلى رسالة تبين لهم كيف يسلكون. إذا أدرك الجميع أن هناك ما هو أكبر مما يستطيعون أن يحكموا عليه، وأن يتحاوروا بما هو أفضل لوجودهم المادي والمعنوي لكانت هذه هي نقطة الالتقاء التي يجتمع عليها متابعو الأديان المختلفة وغير المتابعين. فنفورغير المتابعين لأي دين قد يكون سببه غفلة وانحراف المتدينين وتخاذلهم وجهلهم وتخلفهم فلا يمثلون استمرارالدعوة إلى الطريق القويم وإلى الكلمة السواء. إن الذين يفرقون بين دعوة رسول الله ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ وبين ممارسات بعض المسلمين، هم على حق من جانب، هناك فارق بين الإسلام بمعناه الحقيقي، وبين واقع المسلمين بواقعه المرير الذي نعيشه. ولكن كثيرا من الناس لا يستطيعون أن يفرقوا بين هذا وذاك، لذلك فإنهم يرفضون الإسلام نتيجة لممارسات بعض المسلمين. هؤلاء في حاجة إلى من يهديهم من الذين يمارسون الإسلام ممارسة صحيحة. هناك كثيرون ممن يفهمون رسالة الإسلام الحقيقية، ولكنهم قلة بالنسبة للمجموع. هم غير ظاهرين في المجتمعات الإسلامية، لأن المفاهيم الشائعة للإسلام شابتها كثير من الممارسات الخاطئة . نحن في أشد الحاجة في هذه الأيام وفي هذا العصر، إلى دعوة إسلامية تقوم على المبادئ الأساسية لرسالة الإسلام الحقيقية، التي تدعو الناس جميعا لما فيه خيرهم، ولاستعمال كل ما لديهم من قيم روحية، ومن موروث حضاري وفكري وحقي، ليكونوا في معنى الإنسان الحق، ليكونوا في معنى الإنسان الصالح الذي يخدم البشرية، والذي لا يسيء لإخوانه ولأفراد مجتمعه، والذي يعرف أنه في حاجة إلى مدد روحي، الذي يعرف أنه في حاجة إلى دعاء وإلى صلاة وإلى مجاهدة وإلى تكافل مع إخوانه الذين يحتاجون إليه، الذي يعرف أن قبلته على الأرض، وأن كسبه في الله ينبع من عمله، لا ينعزل عن مجتمعه بظن أنه في استقامة روحية، وإنما يعمل حتى ولو كان في حالة صفاء وذكر روحي، فهو يرجو الخير للناس أجمعين بما عنده من طاقة روحية ومعنوية، وأن يكون أداة خير بكل ما أعطاها الله من أدوات لخير البشرية…”

تعليق:

الاستقامة التي يدعونا إليها ديننا، هي الأمر الوسط، هي أن يكون الإنسان مدركا لجميع الأبعاد على هذه الأرض، فهو لا يفرط فيما يعرف ويدرك أنه الحق، بل عليه أن يبلغه، وفي نفس الوقت لا يحكم على ما يبلغه بأنه الحق المطلق.

مفاهيم دالة :

٢٠٥ - أول خطوة يجب أن يخطوها الإنسان، هي أن يتعلم كيف يقرأ كتاب الله وحديث رسول الله قراءة يعلو فيها عن تجسيد صورة معينة لعلاقته بالله

تاريخ الحديث: ٢٠١٠/٣/١٢

“…إن أول خطوة يجب أن يخطوها الإنسان، هي أن يتعلم كيف يقرأ كتاب الله وحديث رسول الله قراءة يعلو فيها عن تجسيد صورة معينة لعلاقته بالله. وإنما دافع هذه القراءة، هو القراءة في حد ذاتها، القراءة التي إن صدق الإنسان في طلبها، فإنها سوف تشكل وجدانه، وضميره، وفكره، وعمله. قراءة يبحث فيها عن معنى وجوده، وعن رسالة حياته، وعن هدف قيامه. ماذا قالت له الآيات عن وجوده، وعن نفسه، وعن حاضره، وعن قديمه، وعن قادمه؟ فقد أخبرته عن قديمه، كيف كان في سابق، يوم أخبرته عن تواجد آدم فكان معنى آدم، هو الإنسان في تواجده، وكل إنسان يحمل هذا المعنى، (… إني جاعل في الأرض خليفة …)، والخليفة هنا، هو هذا الجنس البشري، بما أودع الله فيه من طاقات وقدرات، لا توجد في أي كائن آخر. وأخبره أن وجوده على هذه الأرض، سوف يتلازم معه وجود آخر، بل أن هذا الوجود الآخر هو جزء من وجوده، فإذا كان الوجود الآخر قد رمز له في قضية آدم بإبليس، فإن الحق يوم يخبرنا عن خلق الإنسان، يخبرنا بأن فيه هذا الجزء الآخر (ونفس وما سواها، فألهمها فجورها وتقواها، قد أفلح من زكاها، وقد خاب من دساها). ويحدثنا عن تحميل الأمانة للإنسان، (.. عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا)، ويمكن أن نفهم معنى ظلوما جهولا على أنه كان مثل كل الكائنات قبل أن يحمل هذه الأمانة. فكل الكائنات لها وجود مادي، وجود ظلوم جهول، وجود لا يستطيع التعلم، ولا يستطيع التعرف على ما يحيط به، أو على تغيير ما يحيط به، أو على معرفة كيف يحدث التغير، إنه غير قادر على التعلم وعلى التغير. ينفرد الإنسان عن باقي الكائنات في أنه قادر أن يتعلم مما حوله، ويستخدم ما حوله، ويغير ما حوله، وما كان الإنسان كذلك، قبل أن يحمل أمانة الحياة (.. علم آدم الأسماء كلها …)، فكان آدم مثالا للعلم الذي يتلقاه الإنسان، وللأمانة التي حملها الإنسان ليكون قياما حيا ممتدا بعد انتقاله من هذه الأرض. ولكن صفات الظلوم الجهول أيضا موجودة فينا. فأمانة الحياة هي معنى ألهمها تقواها، وظلمانية الوجود والجهل هي معنى ألهمها فجورها، وهو عدم اهتمام الإنسان بالحياة الآخرة، وعدم إعمال ما أودع الله في الإنسان من طاقة العلم والحياة. إن آيات الحق وهي تعلمنا عن ماضينا، فهي توضح لنا حاضرنا، (ما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون)، وما كانت عبادة الله، إلا في طلب الحياة، وطلب المعرفة. فالدين يخاطبنا في حاضرنا، عن معنى وجودنا، فيأمرنا بأن نتفكر وأن نتدبر وأن نعمل (وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون …)، (الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والأرض …). إن من الناس من ينظرون إلى هذه الآية، فيتصورون أن الذين يذكرون هم الذين يؤدون حركات العبادات، ويتفكرون بأن هذا الكون بديع وأن وراءه قوة فاعلة فقط. إن ذكر الله أكبر من أن يكون مجرد شكل أو صورة، الذكر هو أن تذكر، وأن تذكر هو أن تكون ذاكرا دائما لمعنى الله فيك، ولمعنى الله عليك. ذكر الله أمر جلل، إنه ليس مجرد كلمات نلوكها بألسنتنا، أو حركات نقومها بأجسادنا، أو شعائر نؤديها بذواتنا، إن ذكر الله هو حال يقوم فيه الإنسان، (أنا أنيس من ذكرني)، إنه أمر عظيم، لا يستطيع الإنسان أن يصف أنه فيه، وإنما يظل دائما يرجوه، وهولا يعرف أن كان قد وصله أم لم يصله. إننا ونحن في هذا العالم في حجاب، لا نستطيع أن نزكي أنفسنا، أو نقول إننا من الذاكرين، وإنما نحن نريد أن نكون من العابدين، من الطالبين، من السائلين، من المستغفرين، من المجتهدين، من الذين على ذكر الله يجتمعون، ولوجهه يقصدون، وفي رحمته يطمعون، وبمغفرته يلوذون، وبشفاعة رسوله يتوسلون. وها هو رسول الله يضرب لنا مثلا بذلك، وهو يقول لنا: (أنا أقربكم من الله وأخوفكم منه)، (لا يدخل الجنة أحدكم بعمله، حتى أنت يا رسول الله؟ حتى أنا، ما لم يتغمدني الله برحمته)، (ها أنا رسول الله بينكم ولا أدري ما يفعل بي غدا). إنه يعلمنا، ويضرب لنا مثلا، ويعطينا قدوة، وهو الذي قال عن نفسه: (لست على صورتكم لست على هيأتكم إني أبيت عند ربي يطعمني ويسقيني)، والذي قال هوعن ربه: (أدبني ربي فأحسن تأديبي). إنه يعلمنا كيف تكون خشية الله (… إنما يخشى الله من عباده العلماء..)، فكيف يجرؤ أي إنسان بعد ذلك، أن يزكي نفسه. إننا نطمع دائما في رحمة الله، والصوفية حين عبروا عن ذلك، وهم يرون الناس من حولهم، وقد اعتقدوا أنهم بالتزامهم الظاهري، قد ضمنوا كل شيء، فيقولوا: (رب معصية أورثت ذلا وانكسارا خير من طاعة أورثت عزا واستكبارا). الدين يخاطبنا، لتنبع الحقيقة من قلوبنا ومن وجودنا. علاقتنا بربنا أن نكون أهلا لرحماته، وأهلا لنفحاته، فتغيرنا تغييرا. وهو يضرب لنا مثلا بنزول الماء من السماء (.. يحيي به الأرض بعد موتها …). نحن أرض جدباء، برحمات الله تتحول إلى أرض خضراء، لأن بذرة الحياة فينا، كما هي البذور وهي مكنونة في أرضها، فإذا نزل ماء السماء، أخرجها من كنونها، كما تنزل رحمات الله على وجودنا، فتخرج أفضل ما فينا، وهو موجود في قلوبنا…”

تعليق:

عن الإنسان ومعنى أنه كان ظلوما جهولا قبل أن يحمل أمانة الحياة التي جعلته قادرا على الذكر والفكر

مفاهيم دالة :

٢٠٦ - التواصي بالحق والتواصي بالصبر هو لنتواصى بنعم الله علينا: نعمة العقل الذي وهبنا، نعمة التمييز التي أوجدها فينا، نعمة الضمير الذي جعله حيا في وجودنا، نعمة القلب الذي به نذكر

تاريخ الحديث: ٢٠١٠/٥/١٤

”… هل تأملتم وتدبرتم في عطاء الله لكم؟ في أمانته التي حملكم إياها، وفي نعمته التي أنعم بها عليكم، وفيما مكنكم فيه على أرضكم، في نعمة العقل الذي وهبكم، في نعمة التمييز التي أوجدها فيكم، في نعمة الضمير الذي جعله حيا في وجودكم، في نعمة القلب الذي به تذكرون، وإليه تلجأون، وله تستفتون. هل تعارفتم إلى كل هذه النعم التي أنعم الله بها عليكم؟ هل تحاورتم معها؟ هل استمعتم إليها؟ أم أنكم في غفلة عن كل هذا، بانشغالكم بمادي وجودكم، بعيدا عن كل هذه النعم فيكم؟ إن التواصي بالحق والتواصي بالصبر، الذي أمرنا به، هو لنتواصى بهذه المعاني، نتواصى بنعم الله علينا، وما أوجد الله فينا، فهذا العطاء هو الذي سوف يأخذ بيدنا، سوف يحركنا في الطريق القويم، وعلى الصراط المستقيم. لن تحركنا مجرد كلمات نلوكها بألسنتنا، أو حركات نقوم بها بأجسادنا. إن الذي سوف يقودنا إلى النجاة هو إعمال كل طاقاتنا، التي وهبنا الله إياها. علينا أن نكون أكثر تقديرا لما وهبنا الله، وأكثر إيمانا بوجودنا، وبقدراتنا، وبحياتنا، وبأمانة الحياة فينا. ولكننا لا نقدر هذا الذي أعطانا الله إياه، بل أننا نهرب منه. نهرب من عقولنا وتساؤلاتها، نهرب من قلوبنا وأحاسيسها، ومن ضمائرنا ووعيها، إلى أمور عاجلة تلهينا وتسكرنا عن معنى وجودنا، ننغمس فيها انغماسا كليا بظن دين، وبظن إيمان، وبظن إسلام، وبظن تسليم، وبظن متابعة واتباع، وبظن بعد عن ابتداع، ولن ينفع كل ذلك، إلا إذا كان نابعا من فهم لمعنى المتابعة، ومن فهم لمعنى الاتباع، ومن فهم لمعنى الابتداع، لا كما يفهم من الكثيرين. فالاتباع اتباع منهج، اتباع طريق، اتباع أسلوب، اتباع طريقة، وهذا ما علمنا الإسلام إياه، يوم أمرنا بأن نعمل عقولنا في آيات كثيرة (قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق …)، (الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والأرض …). كثير من الآيات تحدث عقولنا، وتعطي الأسباب، وتبين العلة، وتوضح القصد، هذا هو الاتباع والمتابعة. ورسول الله كان قدوة لنا، فيستشير أصحابه، فيما يجب أن يكون في أمر دنياهم، فيما يجب أن يقوموا به، وفيما يجب أن يفعلوه، ويوضح لهم أيضا ما جاء به من أمور دينهم، فيعلمهم أن كل ما أمرهم به هو لمساعدتهم (من لم تنهه صلاته فلا صلاة له)، (وكم من مصل لم يزدد بصلاته من الله إلا بعدا)). فإذا هناك هدف ومقصد من إقامة الصلاة يجب أن يكون مفهوما للإنسان، لتستقيم نيته في إقامتها، فهي ليست فعلا مطلوبا لذاته، وإنما هي فعل مطلوب لما يمكن أن يحققه في الإنسان، من تغيير الإنسان، ومساعدة الإنسان، وتدريب الإنسان. فالمتابعة هنا والاقتداء هي أن نقوم كما قام رسول الله حين قال لنا: (صلوا كما رأيتموني أصلي)، ووضح لنا كيف يصلي، فإذا كانت الحركات قد وضحها لنا في قيامه بها، فما قال عن الصلاة، فيما يجب أن تؤدي إليه، هو أن نقوم فيها، كما قام هو فيها. أوامر الدين ليست أمورا مطلقة لذاتها، وإنما هي مطلوبة لتغيير الإنسان، ولتعطي أثرا في الإنسان. فكل أمر من الأوامر الذي له علاقة بحياة الإنسان الروحية والمعنوية، هو رسالة للإنسان، لتساعده هذه الرسالة على تفهم معنى وجوده، ومعنى قيامه به، والقانون الذي يحكم وجوده وقيامه. فهذه الأوامر هي رسائل تأخذها لتقرأها، والذي يفرط في قراءتها سينعكس ذلك على ألا يأخذ ما فيها، فقانون الحياة فعال بصورة آنية. فالصلاة هي وسيلة لمساعدة الإنسان، على أن ينقي قلبه، فإذا لم يفعل، وتراكمت الظلمات على قلبه، فهذا نتيجة تفريطه في أمر نفسه، فإذا كان الإنسان واعيا لهذه المعاني، في أي دين، وفي أي ملة، وفي أي صورة، وفي أي شكل، باتجاهه إلى ربه، وبطلبه العون، فسوف يساعده ذلك أيا كان الشكل الذي يؤديه. في كل عباداتنا يجب أن ينبع أداؤنا لها من قلوبنا، ومن عقولنا بتفهمنا لمقاصد هذه العبادات. فيكون قيامنا بها وفيها مبني على فهم صحيح، ونية صحيحة مما يؤدي إلى إنتاج أثر، في وجودنا وفي قيامنا…”

تعليق:

إن التواصي بالحق والتواصي بالصبر هو لنتواصى بنعم الله علينا، فهذا العطاء سوف يأخذ بيدنا، سوف يحركنا في الطريق القويم. لن تحركنا مجرد كلمات نلوكها بألسنتنا، أو حركات نقوم بها بأجسادنا.

مفاهيم دالة :

٢٠٧ - الإسراء تعبير عن رحلة الإنسان الأرضية والمعراج هو تعبير عن رحلة الإنسان الأبدية

تاريخ الحديث: ٢٠١٠/٧/٢

”… ونحن في هذه الأيام نتذكر ظاهرة الإسراء والمعراج، وهي حدث كان له أثر كبير في رسالة محمد عليه الصلاة والسلام. إنها نقطة فارقة، بين الذين يؤمنون بالغيب، والذين لا يؤمنون بالغيب، الذين يؤمنون أن هناك من الأمور، ما هو خارج عن نطاق قدرة الإنسان المادية، وبين الذين يريدون أن يحصروا كل شيء، في هذه الدنيا. هناك أسرار كثيرة لا نعلمها، كما أن هناك أسرارا قليلة نعلمها. إن دعوة كل نبي، وكل رسول، وكل ولي، وكل عبد لله، جاءت لتقيم التوازن، بين ما نشهده وبين ما لا نشهده. كل دعوة جاءت، لتقول للناس تدبروا فيما أنتم فيه قائمون، وتعلموا مما تشهدون، ومما تسمعون، ولا تظنوا بالله الظنون. وفي نفس الوقت، هناك ما لا تعلمون (…يخلق ما لا تعلمون)، (…وما أوتيتم من العلم إلا قليلا)، (…لا يظهر على غيبه أحدا، إلا من ارتضى من رسول …). فإذا جاءكم رسول، وقال لكم ما لا تعلمون، وما لا تقدرون عليه، وما لا تتصورونه، فعليكم أن تعلموا، أن في ذلك رسالة لكم، لتعلمكم عن معنى حياتكم الأخرى، وعما وراء هذه الأرض من أسرار، لا تستطيعون أن تدركونها بحواسكم، إنها تعبير عن حياتكم الأخرى، إنها تعليم عن طريقكم الأبدي، إنها كشف لما ستكونون عليه، لو أنكم سرتم في طريق الحق والحياة. الإسراء والمعراج، هو رسالة للإنسان عن قادمه وعن مستقبله، وعن غيبه. فالإسراء هو تعبير عن رحلة الإنسان على هذه الأرض، (سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى …)، المسجد الحرام، والمسجد الأقصى نقطتان مضيئتان، تمثلان رحلة الإنسان، بقيامه وحياته في هذا الكون. فالمسجد الحرام يرمز إلى إدراك الإنسان لقانون الوجود، ولعلاقته بالكائنات الأخرى. فمن دخل المسجد الحرام فهو آمن، يدرك أن كل شيء في هذا الكون، له رسالة معه، فلا يؤذي كائنا أيا كان، يتجرد عن ذاته، ويتجرد عن كل ما يربط قلبه بهذه الأرض، فهو موجود عليها بذاته، ولكنه منطلق عنها بروحه. رسالته أن يتعامل بأمن وأمان، مع كل الكائنات. المسجد الحرام يعبر عن لحظة الإدراك، اللحظة التي يعرف فيها طريقه، ماذا يجب أن يفعل؟ وماذا يجب أن يقدم؟ وماذا يجب أن يكون عليه؟ إنه لو قام في هذا الحال، لأصبح أهلا لرحمة الله، ولفضل الله، أصبح في معنى العبودية لله، يكون أهلا لأن يسري الله به، (سبحان الذي أسرى بعبده…) يأخذ بيده، ينقله من حال إلى حال، ومن مكان إلى مكان، ومن مقام إلى مقام، يسري به إلى المسجد الأقصى. والمسجد الأقصى رمز لأقصى ما يمكن أن يصل الإنسان إليه، وما كانت صلاة رسول الله في هذا المكان إلا تعبيرا عن معنى الإنسان الذي وصل إلى أقصى ما يمكن أن يصل إليه إنسان، على هذه الأرض، من فهم عميق لمعنى وجوده، ومن إحساس مرهف لعلاقته بكل شيء، ومن قدرة على التجرد والذكر لله وبالله. فكانت إمامته للأنبياء والرسل من قبله، هي جماعهم، هي كمالهم، فكل الرسل هم قيام واحد، وهم معنى واحد، هم مجالات في معنى الرسول، وفي معنى الرسالة، وفي معنى الإنسان في كماله، في صفائه، في نقائه، في علوه، في رقيه. كان الإسراء تعبيرا عن حياة الإنسان، وما يبغي أن يكون عليه. فإذا وصل الإنسان إلى ذلك فهل يستطيع أن يعرج إلى السماء، من سماء إلى سماء، إلى سدرة المنتهى. المعراج هو تعبير عن رحلة الإنسان الأبدية. القضية هنا، ليست قضية مكان أو زمان، ليست قضية كيف أخذت كل هذه الرحلة ثوان أو لحظات، فالزمان هو في عالم التقييد، أما في عالم الإطلاق، فلا زمان ولا مكان، إن الزمان والمكان، هما أمران نسبيان. حين كشف العلماء عن حياة الجزيئات، وجدوا أن حياة الجزيء من لحظة مولده أو من لحظة تكوينه، إلى لحظة موته أو تفكيكه، حياة كاملة، وتستغرق جزء صغيرا جدا من الثانية، أما بالنسبة لهذا الجزيء، فهي حياة كاملة. فحياتنا، بكل هذه السنين التي نعيشها على أرضنا، لو فكرنا بها، من زاوية أننا كالجزيء بالنسبة للأكبر، فإن كلها لا تعدو عن لحظة صغيرة جدا، إنه أمر لا يستطيع هذا العقل المادي أن يتصوره، إنه يجعل الإنسان يشعر بافتقاره، وبضعفه، وضآلته. إنها تعبير عن لا نهائية الخالق، في خلقه، وعن ضآلتنا في علمنا وفي قدراتنا. الإنسان في حاجة إلى هذا الشعور. كانت رسالة المعراج رسالة موجهة للإنسان أن هناك الكثير الذي لا يعلمه (ولا تمش في الأرض مرحا إنك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولا). إن الإنسان يوم يصل إلى أقصى ما يمكن أن يصل إليه في حياته الدنيوية فإن أمامه طريقا لا نهائي، من معراج إلى معراج. كانت رسالة الإسراء والمعراج هي تعبير عن قضية الإنسان في حياته الدنيوية والأخروية…”

تعليق:

تأمل في ظاهرة الإسراء والمعراج كرسالة للإنسان عن رحلة الإنسان في الدنيا وفي الآخرة

مفاهيم دالة :

٢٠٨ - الصوم بمعناه الحقيقي، هو قيام في حال، يكون الإنسان فيه متخليا عن ذاته، وغير متثاقل إلى هذه الأرض ومادياته فيكون بذلك أهلا لتلقي نفحات الله

تاريخ الحديث: ٢٠١٠/٨/١٣

”… نبدأ شهر الصوم، نبدأه بأن نشهد الشهر، ونكون أهلا لشهادته، إذا لم نكن أهلا لشهادته، لأن بنا علة، أو لأننا مسافرين عن معنى الحق فينا، غير مقيمين في وجودنا الحقي، فعلينا أن نعد أنفسنا في أيام أخر (…من شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر..). فالصوم بمعناه الحقيقي، هو قيام في حال، يكون الإنسان فيه متخليا عن ذاته، وغير متثاقل إلى هذه الأرض ومادياتها. ورسول الله يعلمنا ذلك (كم من صائم لم يأخذ من صيامه إلا الجوع والعطش)، وهذا ما نتعلمه ونتدبره، في تواصينا بالحق والصبر في طريقنا، من معنى العبادات، وما جاءت به من رسائل، وما يجب علينا أن نكون عليه، حين نقرأها، وحين نقومها، وحين نعبر عنها بممارستنا إياها، بأحكامها، وبمناسكها، وبشروطها، لأن كل شرط وكل منسك فيها، هو رسالة لنا، لنتعلم شيئا في حياتنا (كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فهو لي وأنا أجزي عنه). وهنا، قد يتساءل إنسان، كيف يكون ذلك؟ أليس الصوم من ضمن الأعمال التي يقوم بها الإنسان؟ حين نتأمل في هذا الحديث، نجد أن الصوم هو معنى، قبل أن يكون صيام هذا الشهر بذاته. الصوم هو حال، يكون الإنسان فيه قائما بمعناه وبما فيه من حقيقة روحية، متعرضا لنفحات الله. الإنسان وهو في هذا الحال يكون في معنى تلقي نفحات الله ورحماته، وعطاء الله ليس له حدود، وما يجزي به الله من نعم ليس لها حدود، باسمه الرحمن الرحيم، باسمه الجواد الكريم، باسمه الغفار التواب. إنه حال يمكن أن يقوم فيه الإنسان، في أي عبادة أو معاملة، يوم يكون خالصا في معاملته وفي عبادته لله. وهذا هو معنى التوحيد الحقيقي، وقد عبر الصوفية عن ذلك بقولهم: (وجودك ذنب لا يقاس به ذنب). أما الإنسان وهو في حاله العادي، وهو يشعر بذاته ووجوده، وهو يقوم بهذا في إطار أنه القائم بالعمل، وهذا حال لا ننكره، لأنه واقع نعيشه، فكل إنسان يشعر بذاتيته، ويشعر بأنه يعمل، ويشعر بأنه يقرر، وأن له إرادة يوجهها أو توجهه، فيما يستحسنه من عمل، فهذا حال يقوم فيه الإنسان أيضا. حين نؤدي الصوم بقيامنا الذاتي نكون في معنى العمل (كل عمل ابن آدم له)، لأنه قد يحسن الإنسان وقد يخطئ، ولكل عمل أثر، هذا أمر لا ننكره. أما الحال الآخر، الذي لا يشعر فيه الإنسان بذاتيته، وإنما يشعر أنه في تعامل مع الله، في علاقة مع الله، غير ناظر إلى هذه الدنيا وما فيها، يكون في هذا الحال في وضع آخر، لأنه لا يرى إلا الله، ولا يشهد إلا الله، ولا يتعامل إلا مع الله، ولا ينجذب إلا لله، ولا يحب إلا الله، ولا يشعر إلا بمعية الله، في داخله وفي خارجه. وهذا حال، يعبر عنه الصوم في هذا الحديث، كما نفهم. فانطلق كل في سعيه على هذه الأرض، فالذي يتعرض لنفحات النور ينير، والذي يتعرض لنفحات الظلام يظلم. كما أوجد الله معنى الرحمة، ومعنى الرسول الذي يذكر. فكان من الناس، من ثبتوا على ما هم عليه، لا يتحركون ولا يتغيرون، وهناك من يتغيرون ومن يستجيبون، وإذا ذكروا يتذكرون، وإذا وجهوا يتوجهون، الذين أدركوا فطرة الحياة، وعلموا أن عليهم ألا يتجمدوا، وإنما يستمعون القول فيتبعون أحسنه، ويتأملون بعقولهم، في كل ما يستمعون إليه…

تعليق:

تأمل في حديث (كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فهو لي وأنا أجزي عنه)

مفاهيم دالة :

٢٠٩ - الحج ليس مجرد تأدية شعائر، إنه قراءة وتدبر، كما أنه عمل يقوم به الإنسان تعبيرا عن فهم لما في الشعيرة من رسالة يتلقاها

تاريخ الحديث: ٢٠١٠/١١/٢٦

”… الحج ككل عبادة وككل منسك، ليس مجرد تأدية شعائر، إنه قراءة وتدبر، كما أنه عمل يقوم به الإنسان تعبيرا عن فهم لما في الشعيرة من رسالة يتلقاها. بيت الله الموضوع، بيت الله الحرام هوتعبيرعن رحمة الله الموجودة وعن روح الله القائمة وعن كلمة الله الباقية على الأرض، التي نرجو أن نكون قريبين منها، وأن نكون متجهين إليها، وأن نطوف حولها. حياتنا مرتبطة بها، وكل عمل من أعمالنا له علاقة بمفهومنا لها. سعينا بين الصفاء والري لنصفو فنرتوي. الصفاء هو أن يكون حالك غير مكدر بظلام، بكراهية، برغبة انتقام، بأي مشاعر سيئة تجاه أي إنسان، أوأي حال. فإذا نظرالإنسان إلى داخله، ووجد أنه مشوش، أنه لا يرى ما في داخله، لأن داخله فيه حجب ظلام، ينظر فيرى ظلاما، ينظر فيرى حجابا، ينظر فيرى حائلا، ينظر فيرى سدا، لايستطيع أن يرى ما في داخله، لا يستطيع أن يرى مقصده، لا يستطيع أن يحدد هدفه، لا يستطيع أن يستقبل قبلته، لا يستطيع أن يعرف مثله، لا يستطيع أن يعرف قدوته. عليك أن تصفو، فإذا صفوت، تستطيع أن تسعى، تستطيع أن تجاهد، تستطيع أن تبحث، تستطيع أن تجتهد، تستطيع أن تعمل عملا صالحا، يأخذك إلى ما يرويك، إلى ما يغير حالك من ظمآن إلى مرتوي، من إناء فارغ إلى إناء ممتلئ، من عقل جاهل إلى عقل عالم، من قلب ميت إلى قلب حي، من بذرة على وشك الموت، لنقص ماء يحييها، إلى بذرة ممتلئة بالحياة، ارتوت من ماء الحياة. إن الحج، هو رسالة لكل الناس. الذين قاموا بتأدية الشعائر بأجسادهم، والذين لم يفعلوا ذلك. فرب إنسان لم تسمح له ظروفه أن يقوم بها بجسده، إلا أنه في معنى الحاج حقا، لأنه قرأها، ولأنه تمثلها في حياته، وحاول أن ينفذها في معاملاته. ورب حاج بجسده، رجع كما كان، لم يأخذ من حجه، إلا الجهد والنصب والتعب. يجب علينا أن تكون قراءتنا لكل الشعائر والمناسك، قراءة متعمقة، حتى نستطيع أن نخطو خطوة إلى الأمام، وأن نكون أفضل في مستقبلنا عن حاضرنا، وأن نعرج في معراج لا إله إلا الله محمدا رسول الله. عليكم في هذه الأيام، وأنتم تشهدون هذا المنسك العظيم، تقرؤون عنه، وتسمعون من الراجعين، وتشاهدون المناسك في صورها المختلفة ، في وسائل متعددة ألا تضيعوا هذه الفرصة، وهذا التركيز، وإنما انظروا وتدبروا وتأملوا، في كل هذه الشعائر، انظروا ماذا ستجدون في قلوبكم تجاهها، ماذا ستجدون في عقولكم تجاهها، واسألوا الله، واسألوا أهل الذكر، واتجهوا إلى قلوبكم، محاولين أن تجدوا نقطة مضيئة في داخلكم، تساعدكم أن تفهموا وأن تتعرفوا، على كل أو جزء من هذه المعاني، التي تحيط بكم من خلال هذه الرسائل، وهذه الشعائر…”

تعليق:

تأمل في شعيرة السعي بين الصفا والمروة. أوحت إلي كلمة المروة بالإرتواء، وإن كانت كلمة المروة تعني إسم جبل في مكة كما هو متعارف عليه وليست من مشتقات روى في معجم المعاني الجامع. لذا لزم التنويه

مفاهيم دالة :