تخطَّ إلى المحتوى

أحاديث الفترة من ١٩٧٧- ١٩٨٠

٢٥ - دورة إدراك الإنسان لوجوده

تاريخ الحديث: ١٩٧٧/٨/٥

هذا الحديث كان يركز علي دورة إدراك الإنسان لوجوده وإن بداية هذه الدورة بأن يشهد الإنسان وجوده كما وصفته الآيات التي ذكر فيها الإنسان مثل (إن الإنسان لربه لكنود…) (خلقنا الإنسان في كبد) (يا أيها الإنسان إنك كادح الي ربك كدحا فملاقيه) (فأما الإنسان إذا ما ابتلاه ربه فأكرمه ونعمه يقول رب أكرمن وإذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه يقول رب أهانن) (إن الإنسان ليطغي أن رآه استغني). وها هو الحديث يصف أطوار هذه الدورة: “…إن الإنسان في مراحله المختلفة وفي أطواره المتعددة يشهد كنوده، ويشهد حبه للخير، ويشهد أملا ينشده. فهل نظر كل إنسان الي أعماقه، هل نظر كل إنسان الي ما يدور في داخله من فكر وإحساس وتسأل عن كنه وجوده، وعن قائم حاله وسلوكه. ونظر الي إخوانه، مرآة صدق يري فيها أحواله، شاهدا فيهم طريقه. إن قيام الإنسان في جماعة تتواصي بالحق وتتواصي بالصبر، أفرادها يقصدون وجه ربهم، يتجهون الي أعماقهم، يصلحون نفوسهم، يستعينون بحقهم، يتوسلون بجاه رسول الله لا يغيب عنهم أبدا، سوف يؤدي ذلك إلي رقي حالهم. إن السالك في طريق هذه الجماعة بألفة ومحبة يشارك في إيجاد معاني حقية قائمة لا تغيب بغيبة جسده، ولا تتلاشي باحتجاب ظاهر، تجيب من يطلبها وتنير الطريق لمن ينشدها. إن الإنسان بوجوده علي هذه الأرض يتقبل بقيامه قديم تواجد ويه يهيأ، يوم يكون قائما في جماعة حق، وجودا لقادم فيكسب مما سبق ويكسب مما هو آت فهو أداة لتحقيق لقديم وأداة خير لقادم…”

تعليق:

هذا الحديث كان أول حديث بعد أن أمضيت ما يقرب من تسعة أشهر في فرنسا ورجوعي الي القاهرة لقضاء أجازة الصيف.

مفاهيم دالة :

٢٦ - الإنسان كوحدة هذا الكون المخاطب من خالقه بما أوجد فيه من قدرات وطاقات

تاريخ الحديث: ١٩٧٧/٨/١٩

عن الإنسان كوحدة هذا الكون المخاطب من خالقه بما أوجد فيه من قدرات وطاقات كان هذا الحديث: “.. إن الإنسان هو وحدة هذا الكون (ما ظهر الله في شيء مثل ظهوره في الإنسان). إن الرسالة في دوام للإنسان، وإن الهدي في دوام للإنسان. قل لهم في أنفسهم، وهم معني الإنسان، قولا بليغا. قل لهم أنهم للحق خلقوا، وأنهم لمقصود وجه ربهم تواجدوا، وأنهم ملاقوا ربهم إذا أرادوا وطلبوا. قل لهم أن يتجهوا الي الحق في أعماقهم، والي النور بين جوانحهم، والي طريق الحياة أمامهم. قل لهم أن يقدروا وجودهم، ويعرفوا قيامهم، ويقدروا بيئتهم وشريعتهم، يقدروا ما أعطي الله لهم، أعطاهم فأجزل العطاء ووهبهم فغمرهم بعطائه. رفع فيهم سماءهم ووضع فيهم ميزانهم. أوجد فيهم ما به يميزون، وما به للأسمى يتجهون. وأمرهم في قائم وجودهم ألا يطغوا في ميزانهم، ألا يغلبوا الباطل علي وجودهم. فالحق والباطل فيهم بقائم وجودهم. وأوجد لهم من أرض قيامهم أداة وبيئة تنمو فيها أشجار الحياة. فكان الإنسان بقيامه أرضا وسماء. وكان الإنسان بوجوده أداة ارتقاء. وكان الإنسان بارتقائه عين رجاء وتحقيق دعاء من أعلي ارتضاه عبدا، ومن رحمن خلقه وعلمه البيان. أما الإنسان بنفسه فهو الي الأرض يتثاقل، كلا إن الإنسان ليطغي أن رآه استغني إن الي ربك الرجعي، إنه يطغي يوم يعتقد أنه قد استغني، يوم لا يعرف له أعلي، يوم لا يرتضي له ربا، لا يعرف ولا يريد أن يعرف أنه ما خلق إلا ليرجع الي ربه في قادم أمره. إننا في ظاهر زماننا في شهر كريم، رمز لنفحات من السماء (وإن في أيام دهركم لنفحات فتعرضوا لها). إن الإنسان في هذا الشهر يعلوا فوق صفاته، ويعلوا فوق رغباته متحكما فيها. فهل أخذنا من هذا رمزا لحياتنا فعلونا فوق أهوائنا، وعرفناها وسائل كسب لنا، ولم نعرفها مقصودا نعيش من أجله، فما خلقنا لظاهر طلب، وما تواجدنا لظاهر أمر. هل اخذنا من هذا الشهر رمزا وعظة لقدرة الإنسان يوم يستعين بربه ليرقي. يوم يعيش بمعنوياته ليدرك معناه أكبر من أن يكون ذاتا، أكبر من أن يكون طعاما، أكبر من أن يكون أي شهوة. هل اكبرنا هذا المعني وهو الإنسان؟ … ”

مفاهيم دالة :

٢٧ - فطرة الإنسان وسلوكه لتحقيق رسالته في هذا الكون

تاريخ الحديث: ١٩٧٧/٩/٢

” إن الإنسان مخاطب بأن يكون عبدا لله خالصا. إنه بقيامه خلق ليكون بيئة تتواجد فيها عناصر الحياة، وعناصر البقاء، وعناصر الخلد. خلود حقي، وبقاء نوراني في امتداد الحياة بلا نهائيتها. إن ما فطر الله الإنسان عليه أقوي وأجمل من كل شيء. إن ما فطر الله الإنسان عليه لهو أساس حياته، وأساس كسبه وارتقائه. والناس بظاهر الحياة حولهم ينسون فطرة الحياة فيهم. كرم الله الإنسان وجعل له وجودا يعقل ووجودا يشعر ووجودا يقيس الأمور ويتذوقها. وعلمه وأرشده كيف يحيي هذه المعاني فيه ليكون قياما حيا، ليكون قياما نورانيا، ليكون وجودا ربانيا. فبدلا من أن ينشغل الإنسان بإصلاح حاله وبإحياء جوارحه انشغل بالناس من حوله، وانشغل بظاهر الأمور له، وجعل الدين ظاهرا لا باطن فيه، وجسدا لا روح فيه، وقالبا لا قلب فيه. أوجد الله في الإنسان عقلا فأبطل الإنسان إعماله لعقله بحجة إيمان. وأوجد الله في الإنسان قلبا فأبطل إحساسه بقلبه بحجة الإسلام. فتحول عقله وقلبه من عطاء حق ينبض بالحياة الي وجود هش يعلوه كل ظلام. إن القضية هي في دوام قضية الإنسان في إصلاحه لحاله، في تقييم قيامه، في إرشاد وجوده حتي يكون وجودا صالحا يستطيع أن يري ويسمع ويعرف ويدرك (ألم نجعل له عينين ولسانا وشفتين وهديناه النجدين)..”

مفاهيم دالة :

٢٨ - عن معني دين الفطرة وأن يتجه الإنسان الي أعماقه

تاريخ الحديث: ١٩٧٧/٩/٩

كان هذا الحديث: ” إن أساس دين الفطرة أن يتجه الإنسان الي أعماقه، وأن يتخذ موقفا يرضيه. إن دين الفطرة ليس في شكل ولا في هيكل ولا في قالب فكل الأشكال لا قيمة لها إن لم يقم بها الإنسان. الإنسان هو الذي يعطيها قيمتها، الإنسان هو الذي يجعل لها تأثير حقي .فإن كان الإنسان صالحا لن يكون منه إلا الصلاح. إن بداية سلوك الإنسان أن يعرف كيف يتجه الي أعماقه. فهل تعلمنا في حياتنا وفي ديننا وفي معاملاتنا وفي إتجاهاتنا وفي كسبنا وفي معيشتنا وفي سلوكنا أن نتجه الي أعماقنا. هل تعلمنا كيف نتخاطب مع هذه الأعماق فينا. أم أننا لا نعرف من الحياة إلا ماهو خارجنا، لا نعرف من الحياة إلا ما هو ظاهرلنا منها، لا نعرف من الحياة إلا ما نحيط به. جاء الدين ليساعد الإنسان أن يتجه إلي أعماقه. وقد انتقلت معاني الدين للإنسان من المثاليات التي قامت علي هذه الأرض في سابق، وتنتقل إليه أيضا من المثاليات التي تقوم في حاضر، وستنتقل اليه من المثاليات التي سوف تقوم في قادم. إن هذه المثاليات مضروبة لنا في جميع أطوارها وليس في مجرد كلام روي لنا وإستمعنا إليه. إن الدين أن نتأمل في هذه المثاليات ونعكس ما نراه الي أعماقنا. إن الدين أن نقتدي حقا بما يحيط بنا من معاني حق نشهدها في قديم أو في حاضر أو في قادم. إن الإقتداء أن نعرض وجودنا لنفحات الله ونستقبل فيوضاته ونسأل رحمته ونطلب عونا فيتغير ما فينا الي ما هو حق وإلي ماهو أفضل. فيوم نتصرف لا يكون تصرفنا إلا إقتداءا ، ولا يكون فعلنا إلا هديا، ولا يكون قولنا إلا إرشادا، ولا يكون شعورنا إلا حبا، ولا يكون تفكيرنا إلا أملا، ولا يكون سلوكنا إلا طلبا، ولا تكون حياتنا إلا قصدا لوجه الله، ولا يكون دعاؤنا إلا طمعا في رحمة الله…”

تعليق:

هذا الحديث كان آخر حديث بعد قضاء أجازة الصيف في القاهرة وقبل رجوعي مرة أخري الي فرنسا.

مفاهيم دالة :

٢٩ - الحق باطنه باطل، والباطل باطنه حق، وربط ذلك بمعني يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي

تاريخ الحديث: ١٩٧٧/١٢/١٦

“…إن قوانين الحياة تخبرنا وتعلمنا أن الحق يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل،ويخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي. وأن كل حق في أعماقه شوائب من الباطل وأن كل باطل في أعماقه شيء من الحق. فالمدرك العالم السائل الطالب الراجي الداعي المريد المتعلم يعرف ذلك ويصلح وجوده ليستخلص الحق في أي صورة. يستخلص الحق ولو كان ظاهره باطل ويرفض الباطل الذي ظاهره حق. فلا يأخذ الحق إلا جهاز صالح وقيام صالح، صلح فأصلح ما في داخله وأعماقه. إن مثالية الحق تظهر لنا في دوام ، في وجودنا وفي قيامنا، إنها تظهر لنا في لحظة صفائنا مع أنفسنا، بتفكير صادق صافي منير. إن الدين هو التفكر والتأمل الدائم في آلاء الله. إن دين الفطرة أقرب لنا من كل شيء. فهو سلوك فطرتنا، هو فيما تطلب فطرتنا ،هو فيما ترجو فطرتنا. إن الدين هو دعوة الإنسان الصالح أن يوفقه الله في حياته. فإجابة هذه الدعوة هو الدين بكل ما فيه. إن الدين هو أن تدعو بفطرة الحق فيك أن يهديك الله وينير لك الطريق. إذا أرشدك الله الي إنسان يطلب الحق فعلمك كيف تطلب الحق وكيف تدعو الله أن يوفقك الي الحق فهذا من فضل الله عليك. فإن لم تعرف الدعاء فما دعوت، وما الدين أقمت. وإذا عرفت الدعاء ولم تطرق باب الله كما علمك من سبق ما كسبت وما عرفت. وإنك بذلك تكون لهدية الله رفضت، وللباب الذي يدخل إليك النور منه أغلقت بجحود نفسك وظلامها وغفلتها. هذا هو ديننا دين الفطرة، وهذا هو الإنسان إنسان الفطرة، وهذا معني لقد جاءكم رسول ا من أنفسكم …”

تعليق:

هذا الحديث بدء بالتأمل في الآية “ا أقسم بهذا البلد وأنت حلل بهذا البلد…” وأن البلد يرمز الي الإنسان، ولكني لم أسترح لهذا الربط فأخذت من الحديث الجزء الخاص بأن الحق باطنه باطل والباطل باطنه حق. وقد يكون هذا القول صادما، ولكن ما أقصده هنا هو أن أي حق ندركه هو حق نسبي بالنسبة لنا ولكنه قد يكون به شوائب من الباطل. كذلك الباطل فهو نسبي أيضا وقد يكون هناك فيه جزء من الحقيقة لا ندركه. كذلك لاحظت أن كتابة هذا الحديث غير دقيقة خاصة في استخدام النقطتين المتتاليتين فقد تفصلان بين أجزاء جملة واحدة. وهذه الملحوظة يمكن ملاحظتها في بعض الأحاديث الأخرى. كان هذا في أول حديث لي بعد رجوعي من فرنسا في لقضاء أجازة قصيرة في القاهرة

مفاهيم دالة :

٣٠ - اليسرى والعسرى يمثلان طبيعة علاقة الإنسان بربه

تاريخ الحديث: ١٩٧٧/١٢/٣٠

هذا ما جاء في هذا الحديث: “…لا إله إلا أنت نشهدها في سلوكنا طلبا، ونذكرها في صلاتنا دعاء، ونرجوها بشهادة محمد رسول الله قياما. طريقنا وسلوكنا أن نقوم فيما أمرنا به ديننا، قيام حق وقيام صدق طلبا وقصدا لوجه الله، وأملا وطمعا في رحمة رسول الله. إن دين الفطرة يوم علمنا أن ينظر الإنسان مما خلق، علمنا أن ننظر حولنا، ونتأمل في قديم تاريخنا، وفي قانون الحياة من حولنا (ألم تري كيف فعل ربك بعاد إرم ذات العماد التي لم يخلق مثلها في البلاد…). لقد أمر الإنسان أن ينظر في حاله وقيامه، وأن ينظر فيما حوله من ظواهر طبيعية وأحداث زمنية يري فيها حديثا من الله متصلا، ويري فيها رسالة من الله لا تنتهي. هذه الرؤية سوف تساعد الإنسان أن يعمل عملا صالحا (فأما من أعطي وأتقي وصدق بالحسني فسنيسره لليسرى وأما من بخل واستغني وكذب بالحسني فسنيسره للعسرى…). هذا قانون في الحياة. إن اليسرى والعسرى يمثلان طبيعة علاقة الإنسان بربه. فيوم يكون في طريق صدق، يوم يكون في طريق حق، يوم يكون مسبحا باسم ربه الأعلى، يوم يكون طامعا متوسلا بجاه رسول الله شاهدا فيه مثلا أعلي، طالبا إياه، طارقا بابه، قادما بين يديه مستغفرا، ولأن يستغفر له رسول الله طالبا، في قوانين الحياة متأملا، يسأل ويسأل، يطلب ويطلب، يدعو ويدعو، يوم يكون كذلك، سيكون فيمن يسره الله لليسرى. أما من تقوقع في سجين ذاته، مستغنيا عن طلب أعلي، غير مسبح باسم ربه الأعلى، فهذا طريق العسرى ميسرا له، لا يري فيه عسرا، إنما يري فيه ما يظن أنه حق…”

تعليق:

هذا الحديث كان آخر حديث بعد زيارة قصيرة للقاهرة وقبل رجوعي مرة أخري الي فرنسا.

مفاهيم دالة :

٣١ - عن نعم الله التي أعطاها للإنسان وأن يفعلها الإنسان بحرية وربط ذلك بمفهوم دين الفطرة

تاريخ الحديث: ١٩٧٨/٣/٢٤

”… ربنا إنك هديتنا وتهدينا، وتسبغ نعمتك علينا فتحيينا، وتنير لنا الطريق فتهدينا، وتفتح أبواب الحق لنا فتهيء لنا من أمرنا رشدا، وتجعل لنا من ظلمات أنفسنا مخرجا. ربنا وفضلك علينا عظيما، ونعمتك علينا لا تحصي. ربنا وقد أسمعتنا فسمعنا، سمعنا مناديا ينادي للإيمان أن آمنوا بربكم فآمنا، ربنا وقد ذكرتنا وتذكرنا، وأرشدتنا وترشدنا، وأشهدتنا وتشهدنا، وأسمعتنا وتسمعنا، وأفضلت علينا وتفضل علينا. ربنا وهذا حالنا لا يخفي عليك، وقائم أمرنا بين يديك، ربنا فاجعلنا حقا مستجيبين لما سمعنا، ومتجهين الي ما أرشدنا، ومتمسكين بما رأينا، وشاهدين فطرة الحياة التي عليها فطرنا، ومتمسكين بهذه الفطرة التي تحمل رسالة الحق لنا. إن الدين الذي بلغنا، والطريق الذي أرشدنا، والسلوك الذي علمنا، أن نكون بما أودع الله فينا من عطاء ونعمة، ومن عقل وحكمة، لهم معملين، لا منهم نافرين. وأن نتجه الي أعلانا سائلين داعين، أن يقوم جوارحنا، وأن يقوم فينا عطاءه، فقد أخفي الإجابة في السؤال، والتلبية في الدعاء، والتحقيق في الرجاء. إن دين الفطرة دين حق وصدق، دين نور وحرية، حرية الإنسان مع وجوده، حرية الإنسان مع عقله، حرية الإنسان مع قلبه، حرية الإنسان مع ذاته، حرية الإنسان مع كل جارحة فيه، فقد خلق الله الإنسان في أحسن تقويم، خلق فيه معني الحق والحياة، خلق فيه معاني الارتقاء والصفاء (خلقتك لنفسي ولتصنع علي عيني) (خلقت كل شيء من أجلك فلا تتعب وخلقتك من أجلي فلا تلعب) (يا أيها الإنسان إنك كادح الي ربك كدحا فملاقيه). يا أيها الإنسان ماذا تظن؟ أتظن وقد أوجد الله فيك ما به إليه تتجه، وأوجد فيك قدرة بها بالغيب تؤمن، وأوجد فيك قوة وعزيمة، وإدراكا وحسا، إن أعملتهم وتفاعلت معهم ذكرا في الله، وذكرا لله، متفكرا في سمو قيامك، وفي أرض ذاتك، ستصل الي إدراك حقيقة حياتك، وبمدلول سلوكك وصفاتك، حقا تراه جليا ظاهرا أمام ناظريك، حقا لا شك فيه…”

تعليق:

في أول حديث لي بعد رجوعي من فرنسا في ذلك العام لقضاء أجازة قصيرة كان هذا الحديث

مفاهيم دالة :

٣٢ - تفعيل الإنسان لما أعطاه الله من طاقات هو التطبيق العملي للسلوك في الطريق

تاريخ الحديث: ١٩٧٨/٤/٧

”… إن طريق الله تصوره فوق أي عقل، إنه يتجاوز كل حد، إنه الحياة بلا نهائيته، إنه الزمان بلا قيد، إنه الفوز بلا عد، إنه النور بلا انتهاء، إنه فطرة الحياة التي فطر الله الناس عليها، إنه فطرة الحياة في صفائها ونقائها، إنه فطرة الحياة في جمالها. إن طريق الله ليس له شكل لأنه فوق كل شكل، وإن طريق الله أكبر لا يرتبط بمادي قيام، أو بذات إنسان. إن هذا لا يقلل من قيمة الشكل، أو مادي القيام، أو ذات الإنسان، ولكنه يكبر منهم، فيجعل منهم رموزا لمعاني أكبر وأعظم، ولرجاء في الله أكبر. إن تقدير الإنسان لقائم حاله، ولشهادة عينه، وإحساس قلبه، ولتفكير عقله، هو احترام لوجوده، وتقدير لخلقته وإكبار لخالقه فيه (ما ظهر الله في شيء مثل ظهوره في الإنسان). فكان الإنسان ظاهر الغيب، كان الإنسان هو انعكاس لما لا يمكن أن يري فيما يمكن أن يري، فشهد الإنسان أن لا إله إلا الله يوم شهدها في وجوده، وعرفها في قيامه. وكان الإنسان بما أودع الله فيه من سر الفطرة يشهد معني الرسول القائم في دنيا وجوده، وفي أرض خلقته. فشهد الإنسان أن محمدا رسول الله يوم عرف وشهد معني رسول الله فيه، مدركا إن هناك أعلي وأكبر مما شهد، فعرف معني شهادة الله أكبر. فكان الإنسان بما فيه من أسرار هو سر الأعلى (وتحسب أنك جرم صغير وفيك انطوي العالم الأكبر). إنك كإنسان يوم تستقيم في فطرة الحياة ستجد أمامك نورا يهديك، ومصباحا لطريق الحق يرشدك، إنك بالعقل فيك، بالقلب فيك، وحتي بالنفس فيك عندك ما يرشدك ويهديك. إنك يا إنسان يوم تعجز بعقلك، أو تعجز بقلبك، أو تعجز بنفسك، أن تتخذ طريقا، وأن تتجه اتجاها، وأن تعرف معرفة، وأن تشعر شعورا، ففي عجزك ما يهديك، وفي قصورك ما يرشدك. إن قصورك يرشدك أن تتجه الي اعلي طالبا، وإن عجزك يهديك أن تطلب هداية ورشادا، لا أن يجعلك عجزك ترفض عونا وترفض هديا. إن أساس كسب الإنسان هو أن يري حاجة يطلب قضاءها، وأن يجد سؤالا ويطلب إجابته. أما إذا لم يقم الإنسان في حال طلب ودعاء ورجاء فلا كسب له…”

تعليق:

هذا الحديث به مفاهيم أخري ولكني اكتفيت بهذا القدر لأني ألزمت نفسي بأن أختار ما أظن أنه المحور الأساسي في الحديث. هذا الحديث كان آخر حديث بعد زيارة قصيرة للقاهرة وقبل رجوعي مرة أخري الي فرنسا

مفاهيم دالة :

٣٣ - في معني العبودية لله

تاريخ الحديث: ١٩٧٨/٨/١١

”… خلق الإنسان ليكون عبدا لله، وأمر بمعني العبد أن يكون في طاعة ليكسب أعلاه (عبدي أطعني أجعلك ربانيا تقول للشئ كن فيكون). فكان الإنسان بفطرته مخاطبا ليكون في قادمه في قيام أعلي، علي مثالية ارتضاها الله قامت علي هذه الأرض، وكانت علما وعنوانا علي معني العبودية لله. فكانت رسالة الفطرة، وكان ظهور الذات المحمدية بجميل صفاتها، وبكامل معانيها، وبمثالية العبودية فاتحة خير للبشرية. وقد كرمت هذه الذات البشرية بظهور هذا المعني بها وفيها، وفتح الله بهذا الظهور بابا يرتقي به البشر الي هذا المقام. دين الفطرة خاطب الإنسان بما فيه من فطرة الحياة، وأعطاه الأمل الذي يرجوه، والطريق الذي يسلكه، فكان الأمل هو في أمره لرسوله (قل لهم في أنفسهم قولا بليغا) ، قل لهم أنهم لم يخلقوا للعدم ولكن خلقوا للبقاء، قل لهم إنهم أكبر من هذه الذات، قل لهم إنهم في هذه الذات عابري سبيل، قل لهم أن لا يجعلوا من ذواتهم، ورغباتهم، وشهواتهم، أملا ورجاء ومعبودا يعبدونه، قل لهم أن يرقوا بقيامهم فيعبدوا من أوجدهم ليكونوه، لا يأملون في قيامهم الذي يفني، ويرجون وجودهم الذي يبقي، فهل عرف الإنسان وجوده الذي يبقي، وشعر به وقامه، وتعامل به وسلك، وتحدث عنه وأكبر، وأمل فيه وعظم، وجاهد من أجله وحارب، وزاد عنه ودافع، أم أنه لم يراه، ولم يعرفه، ولم يشعر به إطلاقا، لم يشعر إلا بذات تتثاقل، وبرغبات تتزاحم، وبدنيا تتكاثر، لم يشعر إلا بالدنيا، ونسي وجوده الحقي، لم يشعر به أو يراه. إن الدين هو أن تري هذا الوجود الحقي فيك، وتعمل من أجله أوامر دينك التي هي رغبات هذا القيام الحقي. إنها سلوك مثلك الأعلى وقد سنها لك، وأرشدك إليها. فهل تساءل كل منا في أعماقه من هو، وكيف يعيش، وما هو أمله وهدفه ورجاؤه، هل شعر الإنسان بوجوده الحقي متصرفا في أفعاله. أم أنه لو نظر لكل فعل يفعله وجد أنه يسأل من أجل وجوده المادي، ويطرق كل باب من أجل وجوده المادي، ويتعامل من أجل وجوده المادي، حتي عبادات دينه تحولت الي شكل مادي، لا لرغبة قيامه المعنوي…”

تعليق:

كان هذا أول حديث لي بعد عودتي الي القاهرة في أجازة الصيف. مفهوم العبودية تتطور عندي عن المفهوم الذي جاء به هذا الحديث.

مفاهيم دالة :

٣٤ - عن معني الإنسان

تاريخ الحديث: ١٩٧٨/٨/١٨

” … إنا في زمان ظهرت الدنيا فيه ظهورا، تزينت للناس فكانت في أبهي صورة، فتابعها الناس منقادين لها، متخلين عن علي قيامهم وآجل وجودهم، مستبدلين ما هو خير بما هو أدني، إلا من رحم الله وجعل له مخرجا. علمه كيف يكون في قيامه لأعلاه طالبا، كيف يكون في إيمان بربه، وإيمان بحقه، وإيمان بكسبه، كيف يكون من فتية آمنوا بربهم فزادهم الله هدي، كيف يكون في حال يسقط فيه الزمان والمكان ويبقي هو بمعني الإنسان. من هو الإنسان؟ أ جيفة هو؟ أ ذات هو؟ أ رغبات هو؟ أدنيا هو؟ من هو الإنسان الذي خلقه الله في أحسن تقويم؟ من هو الإنسان المخاطب في الآية: (يا أيها الإنسان إنك كادح الي ربك كدحا فملاقيه)؟ من هو الإنسان الذي علم البيان؟ من هو الإنسان الذي حمل الأمانة وعرف الطريق والرسالة؟ هل قدرنا ما فينا من معني الإنسان فكنا حقا في هذا المعني. إنسان عرف ما فيه، وآمن بأعلى يطلبه وينشده ويقصده ويرجوه. إن الأمل في الله لا ينقطع، ولا يأس في الله، لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون. أما من آمنوا وصدقوا وعرفوا لم يلبسوا إيمانهم بظلم، عرفوا أن الواقع والقائم علي ما هو قائم هو خير الإنسان، فكان قيامهم في الواقع إيمانا وليس قيامهم في الواقع يأسا، كان قيامهم في الواقع تقديرا، ولم يكن قيامهم فيه جحودا أو نكرانا. عرفوا الأمانة، وعرفوا الطريق والرسالة، عرفوا أنهم يجاهدون لقيام أمر أمروا به، وعرفوا أنهم في نجاحهم يكونون قد أدوا الرسالة، وعرفوا كيف يعيشون بأرواحهم، فيكونوا بذلك قياما مستثني من الناس الذين يعيشون بذواتهم ولا يعرفون لمعنوياتهم مكانا…”

تعليق:

بدء هذا الحديث بتعريف الإنسان من خلال طرح مجموعة من الأسئلة باستخدام الآيات التي جاء فيها ذكر الإنسان حتي يستطيع أن يحكم كل فرد عن مدي توافر هذه المعاني فيه وهل هو هذا الإنسان المذكور في الآيات. تطرق الحديث بعد ذلك الي الإجابة عن سؤال لم يذكر صراحة في الحديث وهو “ماذا لو إنني وجدت نفسي بعيدا عن هذه المعاني؟” فأجاب بأن الأمل في الله لا ينقطع وعليهم أن يدعوا الله ويجاهدوا أنفسهم ما استطاعوا.

مفاهيم دالة :

٣٥ - قضية الإنسان في هذه الأرض قضية أساسها إدراك وفهم وقيام ما تتحدث به الفطرة اليه

تاريخ الحديث: ١٩٧٨/٨/٢٥

” خلق الإنسان وتواجد ليكون إنسانا حقا، خلق بفطرة فيه وتواجد في هذه الحياة، في هذه الدار، في هذه الأرض، في هذا الكوكب، ليخرج منه وقد بدل تبديلا. إن سلم وجوده لأعلاه من عليه أعلاه بوجود منه، وما كل الوجود إلا منه، ولكنه قانون الحياة (إن الله اشتري من المؤمنين أنفسهم بأن لهم الجنة) (تجارة لن تبور). فهل أدركنا قيامنا وعرفنا ما فينا من فطرة أعطاها الله لنا، ومن قوة وهبنا الله إياها. هل أدركنا هذا فعرفنا طريقنا وعرفنا سلوكنا وعرفنا حياتنا. من نعمة الله علينا أن حبب لنا في دنيانا ما حبب، وأن أوجد لنا من آمال ما أوجد، وأن من علينا بصفات لنقوم في هذه الدار في لحظات من الإحساس بالنعمة والفضل والكرم. خلقت كل شيء من أجلك فلا تتعب وخلقتك من أجلي فلا تلعب، كل الجمالات مني فلا تنشغل بها بها عني، (خلقتك لنفسي ولتصنع علي عيني) (تخلقوا بأخلاق الله). فهل عرفنا وتعلمنا، وفي الطريق سلكنا. هل أفقنا الي قيامنا والي حق وجودنا فعرفنانا أكبر من هذه الذوات، وطلبنانا قياما أعلي، فنظرنا الي الحياة، وتعلمنا الحياة، هل رأينا الحياة؟ هل رأينا حديث الله؟ هل رأينا ذكر الله؟ هل شعرنا بالمحبة في الله؟ فذكرت القلوب وتذاكرت، وتأملت العقول وفكرت، وتزكت النفوس وارتقت، وتطهرت الأرواح وانطلقت، وأصبح الحديث واقعا، والذكر قائما، والخير باديا وظاهرا، والنور ساريا، والحياة ممتدة أمامنا، والطريق مفتوح في وجوهنا، ومدد الحياة صافيا أمامنا، ننهل منه فلا نزداد إلا ظمأ إليه وطلبا ورغبة فيه…”

تعليق:

يربط هذا الحديث بين الإنسان وفطرته التي فطره الله عليها فإن استمع الي هذه الفطرة فسوف تقوده الي طريق الفلاح والصلاح.

مفاهيم دالة :

٣٦ - عيد الفطر يرمز لكمال جهادنا، وإكبارنا لمعنوياتنا، ورجوع الي مادي قيامنا وقد اكتمل لنا معنوي وجودنا

تاريخ الحديث: ١٩٧٨/٩/٣

”… إنا ونحن نحتفل بعيد الفطر فإنا نري إنه يرمز لكمال جهادنا، وإكبارنا لمعنوياتنا، ورجوع الي مادي قيامنا وقد اكتمل لنا معنوي وجودنا، فعدنا لنكسب من أرض ذاتنا بعد أن كنا قد انطلقنا من تثاقلنا إليها. إنا ونحن نبدأ عيدنا بالتكبير والحمد ونصر الله لعبده نري إن نصر الله هو في عودة عبده لذاته وقد اكتمل قيام معني جديد فيه. فالعيد هو في نصر الله لعبده، وفي عز الله لجنده الذين يجاهدون الباطل في داخل وخارج نفوسهم. فعيدنا هو حالنا يوم نحقق ويتحقق لنا ذلك، عيدنا هو وصلتنا بالله. وما وصلتنا بالله إلافي قيامنا بمعانينا ونحن علي أرض ذواتنا، متخذين أسباب الحياة ككل الناس، ونحن في أعماقنا لسنا كذلك. إن المعني المتميز في قيام الإنسان الحقي هو في وصلته بربه وفي وصلته بأخوة له في الله. فها هو عيدنا من ناحية الظاهر يمر علينا، فهل انتبهنا وفي معناه تأملنا، وحول هذا المعني التففنا وتجمعنا، فلبسنا ثوبا جديدا من قيامنا بمعنوياتنا، واحتفلنا بوصلتنا وقيامنا واجتماعنا. إن الحياة حولنا تدور والأيام تمر والأعياد في الظاهر تتوالي فهل تأملنا في ذلك بصدق؟ وهل أخذنا عبرة لنا فيما بين يدينا فأخلصنا لربنا وأخلصنا لرجائنا وأخلصنا لهدفنا وأخلصنا لاجتماعنا وأخلصنا لعيدنا. إن العيد حقا هو في صلة صادقة بالله، إن العيد حقا هو في ارتباط دائم في الله، إن العيد حقا يوم تري كل معاملة لك في الله. إنه كمال صفات، وبدء ارتقاء، ونهاية غفلة، وبداية يقظة، نهاية لقيام مادي أدني، وبداية لقيام مادي نكسب به في الله أكبر…”

تعليق:

التأمل في معني عيد الفطر في هذا العام أضاف رموزا أخري مثل إن العيد هو عودة الي الذات بعد رحلة انطلاق الي أعلي كسب فيها الإنسان ما يمكنه من مواصلة الحياة في الله أكبر.

مفاهيم دالة :

٣٧ - شهر يعلمنا كيف نعيش بأرواحنا، وأننا لسنا أجسادا مادية تتحرك، وإنما أرواح تجاهد لتكسب في الله

تاريخ الحديث: ١٩٧٩/٧/٢٧

”… عباد الله.. نحن في ظاهر الأيام والزمان في شهر كريم، في شهر يعلمنا كيف نعيش بأرواحنا، وكيف نعلم أننا لسنا فقط أجساما وأجسادا مادية تتحرك، وإنما أرواح قائمة تجاهد لتكسب في الله. إن هذا الشهر يشهر فينا وبيننا إيماننا بسر حياتنا، فلا نجعل الدنيا كل همنا، ولا نجعل العلم فيها بالغ أمرنا. (عش في الدنيا كأنك عابر سبيل استظل بظل شجرة ثم مضي) إن معني صوم شهر رمضان وقيامه ليس له شكل واحد فقط. فالإنسان يستطيع وهو قائم بين الناس أن يكون أيضا بعيدا عن مادي الحياة. فحين يتعامل الإنسان مع ما في الناس من حق أيا كان الزمان وأيا كان المكان فإنه يكون صائما قائما لأنه بذلك يكون في حال تخلي عن ذاته وقيام بروحه…”

تعليق:

معني الصوم تكرر في أحاديث كثيرة والإضافة هنا في أن تعامل الإنسان مع ما في الناس من حق هو صورة من صور الصوم والقيام لأن في هذا الحال يكون الإنسان متخليا عن ذاته قائما بمعناه.

مفاهيم دالة :

٣٨ - تأمل في معني الذكر الدائم

تاريخ الحديث: ١٩٧٩/٨/٣

بدء الحديث بالتذكير بمعني الصوم وتلي ذلك تأمل في معني الذكر الدائم: ” … ليتساءل الإنسان دوما، وليصدق مع وجوده ونفسه دوما، ليعرف حاله فيأمن مآله (أذكر ربك إذا نسيت) (الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلي جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار). يذكرون الله قياما ويذكرون الله قعودا ويذكرون الله علي جنوبهم. ألا يحق لنا أن نطمع أن نكون عبادا لله يذكرون الله في كل لحظة وحين، ألا يحق للإنسان أن يطمع في ذلك، ألا يحق له أن يكون كذلك؟ أليست كل هذه الصور والمعاني التي أعطاها لنا كتاب الله هي أمل للإنسان، وإذا كان هذا هو أمل الإنسان فماذا فعل الإنسان؟ إن من الناس من توقفت آماله في دينه علي حرف وشكل، علي طقوس يؤديها، وأشكال يقوم فيها، وينسي أن هذا يجب أن يورثه قياما في الله أكبر، وذكرا لله أعظم، فنسي كما نسي الآخرون أنه أكبر، وأنه أعظم (ما ظهر الله في شيء مثل ظهوره في الإنسان) فماذا فعل الإنسان؟ إن التساؤل موجه لنا جميعا، نتساءل به بيننا وبين أنفسنا ليعرف كل موضعه، وليعرف كل سلوكه محاولا أن يكسب في الله أكثر، وأن يستفيد مما فات لما هو آت. فمن أعطي واتقي وصدق بالحسني فسييسره لليسرى، ولا يكون فيمن بخل واستغني وكذب بالحسني فسييسره للعسرى وما يغني عنه ماله إذا تردي. وإن اليسر هو كسبك في الله وإن العسر هو أن تتعثر في طريقك في الله. المقصود وجه الله، المطلوب وجه الله، والمراد وجه الله، ووجودك وما حولك لله، وسعيك وعملك لله، وجدك واجتهادك في الله…”

تعليق:

كان في كتابة هذا الحديث بعض الإخطاء اللغوية بما يعوق فهم النص ولا أعرف كيف أعالج هذا الأمر فالمهمة المطلوبة تحتاج أن أقوم أنا بها وأنا لن أستطيع القيام بذلك. لذلك أذكر هذا الأمر حتي يكون هذا واضحا.

مفاهيم دالة :

٣٩ - دعوة دين الفطرة الي الحياة

تاريخ الحديث: ١٩٧٩/٨/١٠

”… إن دين الفطرة يدعونا الي حال أقوم، والي قيام أعظم، يدعونا الي إنسانيتنا، يدعونا الي روح الحق فينا، يدعونا الي نور الله بنا، فما خلقنا للفناء، ولكن خلقنا للبقاء، للبقاء بنور الحياة، للبقاء بمعني الإنسان (لا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا، بل أحياء عند ربهم يرزقون). عرفوا طريق الحياة، ودخلوا طريق الحياة، وما طريق الحياة إلا سبيل الله، وما قتلوا إلا في الله، أقتلوا أنفسكم فتاب عليكم. فهل عرفنا سبيل الله، وقاتلنا في سبيل الله؟ فقتلنا في سبيل الله فأصبحنا أحياء. إن الإنسان بما فيه من قوة علي الحياة، مسخرة ليكسب الحياة. إن أمر الدين للإنسان هو أن يعرف كيف يحيي، وكيف يبقي، وكيف يكون. هل عرفنانا معاني لها قوة ولها حياة فسلكنا بما فينا من حياة؟ …”

تعليق:

هذا الحديث يربط بين مفهوم دين الفطرة والدعوة الي الحياة

مفاهيم دالة :

٤٠ - معني العبودية لله أمر جاء به دين الفطرة ليعرف الإنسان حقيقته

تاريخ الحديث: ١٩٧٩/٨/١٧

”… إن معني العبودية لله أمر جاء به دين الفطرة ليعرف الإنسان حقيقته، ليهدي الإنسان الي سر نور الله فيه، والي سر الحقيقة فيه، يهدي الإنسان أن يعرف طريقه، يهدي الإنسان الي معني الحق في أعماقه، يعرفه سر حياته وبقائه (ان كان للرحمن ولدا فأنا أول العابدين). فكانت العبودية والفهم فيها أساسا في دين الفطرة وفي دين الحياة. إن العبد لله حقا يطلب أعلي، يطلب أكبر. يعرف أن ما من كمال إلا وعند الله أكمل منه. وأن هناك دوما الله أكبر، حقا أكبر، قياما أكبر، فكانت العبودية لله هي تكريم للإنسان، فقد فتحت بابا له ليكون في لانهائي ارتقاء، وفي لانهائي معراج. وكان الإنسان في قيامه يوم يعرف الله ربا، يوم يعرف الحق ربا، ملبيا لدعوة الحق فيه ولداعي الحق فيه (ربنا إننا سمعنا مناديا ينادي للإيمان أن آمنوا بربكم فآمنا ربنا فاغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا وتوفنا مع الأبرار) …”

تعليق:

هذا الحديث يربط بين مفهوم دين الفطرة والعبودية لله

مفاهيم دالة :

٤١ - العيد هو يوم ينتصر الحق فينا علي ظلام نفوسنا

تاريخ الحديث: ١٩٧٩/٨/٢٣

”… فما هو العيد لنا؟ إنه يوم ينتصر الحق فينا علي ظلام نفوسنا، ويوم ينتصر الحق في بيئتنا علي ما فيها من باطل، ويوم نعرف وندرك أن الناموس هو الله، ويوم نعرف وندرك أن الله بالغ أمره (لا إله إلا الله وحده، نصر عبده، وأعز جنده، وهزم الأحزاب وحده..). ندرك أن سلوكنا في حياتنا في كل ما يصدر عنا، وفي كل ما يصدر منا هو في سبيل نصرة الحق فينا. ونعرف أن شهادة لا إله إلا الله تنصر ما فينا من حق، تنصر ما فينا من عبودية له علي ما فينا من عبودية لغيره. فعرفنا العبودية لله منصورة به، قائمة في وجودنا، ولم تصبح فينا ربانية إلا لله. وعرفنا أن هذا من فضل الله. وعرفنا معني وما توفيقي إلا بالله. فكنا بما حققنا لأنفسنا، وبما حققنا لذواتنا، أدوات خير لبيئتنا، وبذرة صلاح لأمتنا، ومصدر نور لبشريتنا، ومركز إشعاع لأرضنا. ففعل الله بنا ويفعل ما فيه الخير لبلدنا، وأرضنا، فينصر معني العبودية له، ينصر عبده ويعز جنده، ويهزم أحزاب الشر وحده. فيكون هذا النصر علي مستوي أمة بعد أن كان علي مستوي الفرد. فيقوم الناس شاهدين أنه لا إله إلا الله، وأنهم لا يعبدون إلا إياه، مخلصين له الدين ولو كره الكافرون، مخلصين له الطريق، مخلصين له في حياتهم وسلوكهم، ومخلصين أنفسهم من شوائب الأرض وما فيها من ظلام. هذا هو يوم العيد حقا. يكمل بصلة في رسول الله، بطلب ودعاء، وأمل ورجاء أن يكون الإنسان به موصولا. هل أدركنا مما شرع لنا في العيد معني الصلة، ومعني العودة، ومعني النصر، ومعني الكسب. العيد صلة لمن حقق ذلك في مجاهدته لنفسه في شهر الجهاد (الذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا). والعيد عودة الي سلوك طبيعي في الحياة بعد تخلي عن هذا السلوك في شهر الصيام. فالإنسان يعود الي ظاهر سلوكه مرة أخري في دورات له علي هذه الأرض تتلاحق دورة تلو دورة ليحقق ما فاته، وليستقيم فيما بقي له من وجود علي هذه الأرض. والعيد نصر للحق في الإنسان علي ما فيه من ظلام، وتحقيق معني العبودية الخالصة لله…” .

تعليق:

هذا الحديث يوضح كل ما سبق من مفاهيم عن معني عيد الفطر ويربط ذلك بالدعاء الذي يردد قبل إقامة صلاة العيد

مفاهيم دالة :

٤٢ - الإنسان يتعلم بما أودع الله فيه من أمانة الحياة التي يمثلها العقل في الإنسان

تاريخ الحديث: ١٩٧٩/٨/٢٥

“…إن داعي الحق ينادينا، ويأمرنا، ويحدثنا، ويخاطبنا جميعا في كل حادثة، وفي كل ظاهرة في أيام زماننا. واجبنا أن نلبي النداء، وأن نستجيب للدعاء. فالأيام تمر ومن لم يستجب لمعني الحق فيه يفقد حقيقته ومن يلبيه يكسب حقيقته. إنا نتذاكر بيننا بهذا (أذكر ربك إذا نسيت). نتذاكر بيننا فالذكري تنفع المؤمنين، نتذاكر بيننا لعل القلوب تتطهر، ولعل العقول تنير، ولعل النفوس تتزكي، ولعل الأرواح تنطلق ملبية للنداء، مستجيبة للدعاء. فهل حييت القلوب فذكرت، ونطقت وشهدت أن لا إله إلا الله، وهل أدركت العقول فعرفت وتأملت لا إله إلا الله، وهل تزكت النفوس فتطهرت وأمرت بالخير، ولم تصبح متثاقلة الي مادي الوجود. وهل ائتلفت وتآلفت أبعاض الإنسان فأصبح في اتزان. فرغب القلب فيما يريد العقل، واستجابت النفس لأمر العقل الذي هو عينه رغبة القلب. فأصبح الإنسان منسجما في وجوده في علاقة حب بينه وبين أبعاضه. وجود في تناسق واتساق لا في تنافر وابتعاد. إن للإنسان في حياته وسلوكه ما يستطيع أن يعرف به قدره، وما يستطيع أن يعرف به أنه لا زال في أول الطريق، وأن أمامه الكثير والكثير، أمامه بحار من المعرفة (لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفذ البحر قبل أن تنفذ كلمات ربي ولو جئنا بمثله مددا). إن الإنسان في هذه الحياة يظن أحيانا أنه في قمة المعرفة وفي قمة الإدراك وهو لا زال يحبو، لا زال في مرحلة أولي. إنه يستطيع أن يشهد ذلك في معاملاته، في رغباته وإرادته. يستطيع أن يري ذلك بأن يتساءل هل أراد ما يرغب؟ وهل رغب ما يريد؟ وهل تستجيب نفسه لما يرغب ويريد؟ هل هو إنسان أبعاضه في تنافر؟ هل لا يرغب ما يريد ولا يريد ما يرغبه؟ هل لا تستجيب نفسه لمعني العقل فيه أو إحساس القلب به؟ هل عرف قلبه؟ (استفت قلبك وإن أفتوك وإن أفتوك وإن أفتوك) هل قامها؟ هل شعر بها؟ هل تعارف علي معني القلب فيه فخاطب قلبه ورد عليه قلبه؟ أم أنه يلوك بلسانه كلمات لا واقع لها فيه؟ إن العيب ليس أن يعرف الإنسان أنه لم يكمل بعد، ولكن العيب أن يرفض الكمال، وأن يرفض أن يكون هناك إنسان أكمل منه، ينكر ذلك، يتبع ظنه، ويتبع نفسه. إن دين الفطرة يعلم الإنسان أن ما من كمال إلا وعند الله أكمل منه. وإن علي الإنسان أن يسعي، وإن علي الإنسان أن يجاهد نفسه، ويعبد ربه ليكون إنسانا. هل أدرك من يتكلمون بلسان دين الفطرة جوهر الدين؟ هل أدرك من يتناقلون الدين بألسنتهم ما في الدين من معاني؟ أم أن الدين أصبح أسطوانات تدار، وأشرطة تسجل، وكلمات تتناقل، وحروف تكتب. إن الدين هو قيام الإنسان بكل ما في الدين من معاني. إن الدين هو تطوير الإنسان ليخرج من الظلمات الي النور. إن الدين هو عمل الإنسان ليكون حيا، ليكون باقيا. إن الدين هو أن تنفذ تعاليمه الي أعماق الإنسان. فهل هي كذلك؟ أم أنها تتكسر علي سطح الإنسان، علي قشرته الخارجية، علي ذاته المادية”.

تعليق:

هذا الحديث يوضح مراحل كسب الإنسان علي هذه الحياة بدءا من تأمله فيما يدور حوله الي مرحلة يشعر فيها بأن قلبه حيي وعقله أنار ونفسه تزكت وروحه تطهرت. مع قياس تقدمه في طريق الله بمراقبة أعماله، وأحواله، ومدي تواضعه وشعوره بالافتقار الدائم لله، وبأن ما من كمال إلا وعند الله أكمل منه. ويربط ذلك بمفهوم الدين.

مفاهيم دالة :

٤٣ - طريقنا يدعو كل فرد ليكون إنسانا ويعرفه أن الحق فيه

تاريخ الحديث: ١٩٨٠/٨/٨

”… إن طريقنا يدعو كل فرد منا ليكون إنسانا، يدعوه ليعلمه ويعرفه أن الحق فيه، وأن النور فيه، وأن طريقه الحق فيه. إنه يدعوه أن يلقي ما فيه من ظلام ليجيب داعي الحق، إنه يدعوه ليعلمه ويعرفه من هو؟ ليقدر وجوده ويكبر أناه. إن هذه الدعوة هي دعوة دين الفطرة للإنسان. إن دين الفطرة أكبر الإنسان (قل لهم في أنفسهم قولا بليغا). قال دين الفطرة ويقول لهم إنهم يوم يصدقون في عهدهم، وفي قيامهم مع رسول الله سيجعلهم في السماء يرفعون، وفي النور يسيرون، ولمعني الحق يشهدون، وعند ربهم يرزقون. فهل تأملنا في أن ديننا يدعونا الي أن نكون أكبر في الله، وأن نكون أقوم في الله، وأن نكون أكمل في الله، وأن نكون أحياء في الله. هل قدرنا أن تقديرنا لديننا هو في إكبارنا لما أودع الله فينا. إن هذا الفهم هو بداية الانطلاق إذا أردنا ارتقاء، وهو أساس استقامة النية التي هي أساس العمل. ومع ما أوجد الله في الإنسان من قلب فيه بذرة الخير، ونور الحق إلا أن كل إنسان أوجد الله فيه نفسا أمارة بالسوء، فيها بذرة الشر، وفيها ظلام الجهل. فلنحاول ولنجاهد لينتشر نور الحق فينا، ولتنمو بذرة الخير فينا، لنكون أهلا للخير، وأهلا للرحمة، وأهلا للعلم، والحكمة. إننا ندعو أنفسنا في دوام، ودعوتنا لا تنتهي، ولن تنتهي. وكلما غفل الإنسان فإن رحمة الله به تدعوه ليستيقظ من غفوته، وليفيق الي حقيقته…”

تعليق:

هذا الحديث يركز علي إن الإنسان فيه الحق وفيه الباطل، فيه الخير وفيه الشر. وإن فهم الإنسان لما فيه يساعده علي أن يقوم نيته، وإن قوم نيته حسن عمله. هذا الحديث كان أول حديث بعد رجوعي النهائي من فرنسا.

مفاهيم دالة :

٤٤ - جاء الإسلام يعلم الناس دينهم وطريقهم، ويصحح لكل ملة دينها وفهمها

تاريخ الحديث: ١٩٨٠/٩/٥

”… جاء الإسلام للناس كافة، جاء ليخرج الناس من الظلمات الي النور، جاء ليعلمهم عن قيامهم ووجودهم، جاء ليعلمهم ما هو هدفهم، وما هو مقصودهم، وما هو سلوكهم. جاء الإسلام ليعلم كل تابع لنبي، يعلمه دينه الذي فقده بسوء فهمه وبظلام نفسه. جاء الإسلام ليكبر كل الأنبياء السابقين، ويكبر معني العبودية لله للاحقين. هكذا جاء الإسلام يعلم الناس في جميع مللهم، وفي جميع صورهم، وفي جميع أشكالهم، أن الإنسان كماله وجماله، وكسبه ومناله، وأمله ورجاؤه، وطلبه ودعاؤه، من سابق الي لاحق، أن يكون عبدا لله. هذا ما هدفت إليه جميع الأديان في تلاحقها وفي مفهومها الحقي. فمن أدرك ذلك، وشهد ذلك، وقام في ذلك، فسوف يطلب بلسانه، وبمفهومه، كيف أسلك لأكون كذلك، وقد فهمت ذلك. فهمت أن أملي وطلبي أن أكون عبدا لله، وأن أكون خالصا لوجه الله، وأن يكون مقصودي وجه الله. فما هو سلوكي لأطور نفسي؟ ولأكسب حياتي؟ لأحيي قلبي؟ ولأنير عقلي؟ ولأزكي نفسي؟ كيف أخرج من هذه الحياة الدنيا وقد حولت كل طاقاتي الي معاني سامية والي قيام دائم؟ كيف أخرج من هذه الدار وقد تزودت بكل زادي واتجهت الي طريق الحق في لا نهائيته في طريق الله؟ كيف يكون ذلك؟ هنا يخاطب الأعلى الأدنى، ويعلم الأعلى الأدنى كيف يسلك في حياته ليتزود بكل زاده وليجمع كل حاجياته. فجاءت الشريعة تعلم الإنسان كيف يكون لله في دوام ذاكرا، فتدخلت في مسكنه وفي ملبسه، وفي مأكله ومشربه، وفي قيامه وقعوده، وفي حركته وسكونه، وفي صمته وكلامه، وفي ذهابه وإيابه، حتي يكون دوما لله متعبدا، باستقامة فهم، وفي استقامة وعي، وأن يكون في دوام من الدنيا آخذا لآخرته معطيا…”

تعليق:

يوضح هذا الحديث بداية فكرة أن رسالة الإسلام لجميع البشر ليصححوا مفاهيمهم في دياناتهم ويعلموا أن الهدف الرئيسي للإنسان أن يكون عبدا لله وإن الشريعة جاءت في جميع الأديان لتوضح للإنسان كيف يكون لله في دوام ذاكرا بكل ما يحمله الذكر من معاني.

مفاهيم دالة :

٤٥ - الدين خاطب الناس عن أنفسهم فقال لهم في أنفسهم قولا بليغا، قال لهم أنهم للحياة خلقوا، وللبقاء وجدوا

تاريخ الحديث: ١٩٨٠/١٠/١٠

”… إن الدين خاطب الناس عن أنفسهم فقال لهم في أنفسهم قولا بليغا، قال لهم أنهم للحياة خلقوا، وللبقاء وجدوا، وللنور طلبوا، قال لهم أنهم الي ربهم كادحون، وأنهم لربهم راجعون. (يا أيها الإنسان إنك كادح الي ربك فملاقيه) (يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي الي ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وأدخلي جنتي). إنا لله راجعون، فإلي أي حال نرجع؟ إن الله من وراء كل شيء بإحاطته، إن الله من وراء النور والظلام، من وراء الحق والباطل، فها هو إبليس يخاطب ربه فبعزتك لأغوينهم أجمعين. إن الله بالغ أمره، فكيف يقوم الباطل إذا كان الله ليس قائما من ورائه بإحاطته. ولكن هل يعني ذلك أن الإنسان حين يري الظلام يلبسه حلة من نور؟ إن الله بإرادته من ورائك في رغبتك لإقامة الحق ولانتشار النور، كما هو من وراء ما هو قائم من الباطل لحكمة وأمر لا نعلمه (وما تشاءون إلا أن يشاء الله) وما تفعلون إلا ما قدر الله، وما فيكم من عقل وإحساس وإدراك للأمور إلا ما أعطاكم الله. فلتتجهوا الي الحق في دوام، ولتصلحوا كما يريكم الحق في نفوسكم، ولا تقولوا إن ما هو قائم هو حق لأن من ورائه الله، فالله من ورائكم كما هو من وراء ما ترون، ولا تقولوا إن الله ليس من وراء ما ترون ولذلك تريدون أن تغيروه، فالله من ورائه كما هو من ورائكم. فتعاملوا مع الله في كل صورة ترونها في حياتكم فالله من ورائها ومن ورائكم بإحاطته…”

تعليق:

تناول هذا الحديث قضية الحق والباطل وكيف إن الله من وراء كل شئ بإحاطته. كما بين الحديث كيف يتعامل الإنسان مع ما يراه هو من باطل ومن حق.

مفاهيم دالة :

٤٦ - يبعث الله علي رأس كل قرن من يجدد للمسلمين أمور دنيهم

تاريخ الحديث: ١٩٨٠/١١/٢١

“…إنا نعيش هذه الأيام بداية قرن هجري جديد، وفي هذا تذكير لنا لحديث رسول الله (صلعم) (يبعث الله علي رأس كل قرن من يجدد للمسلمين أمور دنيهم). يعلمهم معني الإسلام، يعلمهم معني الحياة، يعلمهم كيف يهاجرون عن أنفسهم متجهين لمدينة العلم والحياة. يعلمهم أن طلب الحياة الحقة هو الهدف من وجودهم، وهو المقصود من قيامهم، يكبر فيهم معنوياتهم فيقول لهم في أنفسهم قولا بليغا. يعرفهم ويدركهم كيف يشهدوا لا إله إلا الله، وكيف لا يكون لهم أربابا مع الله، فلا تكون الدنيا ربهم، ولا العاجلة هدفهم (لا يتخذ بعضكم بعضا أربابا من دون الله) (إن ربي الله) فكيف هو حال أمة المسلمين اليوم؟ هل هم قائمون حقا في الإسلام؟ هل هم شاهدون حقا أنه لا إله إلا الله؟ هل هم شاهدون حقا أن محمدا رسول الله؟ نسوا الإسلام حقا وعرفوه شكلا، فما قاموه إلا رسما، ونسوه جوهرا وكنزا، إلا عباد الرحمن الذين يمشون علي الأرض هونا، ويطلبون الله حقا، ويكبرون معنوياتهم، وأخلاقياتهم، وإيمانهم بدينهم، وتمسكهم بروحانياتهم، لا يتثاقلون بمادي وجودهم، لدعوة الحق مجيبون، ولنور الحق مكبرون. فلننظر لنفوسنا، ولننظر لأعماقنا، ولننظر لحالنا، فمهما كان حال الناس من حولنا فقضية الدين للإنسان دوما هي قضية وجوده، وقضية قيامه، وقضية سلوكه (رجل كسب الله وخسر الدنيا ماذا خسر ورجل كسب الدنيا وخسر الله ماذا كسب) (لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من الدنيا وما فيها) (ابدأ بنفسك ثم بمن تعول). فإذا تذكرنا حالنا، وتأملنا في أحوالنا، في بداية لنا نرجو منها كسبا، ونرجو منها فوزا، ونرجو منها حياة، هاجرنا جميعا الي الله ورسوله، طالبين عونا، وطالبين قوة، وطالبين مددا ونورا، غير متثاقلين لمادي وجودنا، ولا لسفلي قيامنا، ولا لدنا ذواتنا، فنحن بسر الله فينا أكبر من ذات ومن دنيا..”

تعليق:

كان هذا الحديث في ١٣ محرم في بداية القرن الخامس عشر الهجري وبعد شفائي من عملية جراحية لاستخراج حصوة بالكلية اليمني وكنت قد توقفت عن إلقاء حديث الجمعة لمدة خمسة أسابيع.

مفاهيم دالة :

٤٧ - تزن أعمالنا مع مقدار صدقنا في تعاملنا مع الله اقتداء برسول الله

تاريخ الحديث: ١٩٨٠/١٢/٥

”… إن الله يأمر معني الحق فيكم بالعدل والإحسان، إنه يخاطب معانيكم أن تقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان. إن العدل أن تكون متزنا، أن تكون مقيما للوزن بالقسط. فهل عرفنا الميزان؟ وعرفنا معايير الميزان لنعدل في ميزاننا، ولنعدل في قيامنا؟ هل عرفنا كيف نزن اعمالنا؟ وكيف نقيمها؟ وكيف نحدد إنها علي طريق الصواب؟ لقد كشف لنا ديننا ذلك فيما أمرنا به أن يكون لنا في رسول الله أسوه حسنة. إنه المثالية، إنه قمة الاتزان، إنه العدل والميزان، إنه النور للأنام، إنه الحق للعيان، إنه الصدق في البيان، إنه العنوان. فهل نظرنا فيما تداني به الينا، فنحن بقيامنا لا نستطيع النظر إليه، ولكن من فضل الله علينا أن جعل نوره يتدانى الينا، وينعكس بباطنه الحقي في ظاهر نراه في عباده الصالحين. وجعل الله نور السماوات والأرض نورا به نراه، لنعرف الميزان، ولنعرف الأوزان، ولنعرف كيف نكون مقيمين للعدل في معاملاتنا، فشرع لنا، ووضح لنا، وأبان لنا، كيف نأخذ من دنيانا لأخرانا، كيف نأخذ من الظاهر للباطن، كيف نأخذ من العاجلة للآجلة، كيف نأخذ من الظلام إلي النور. عرفنا أن سلوكه هو الميزان، وأن مدي صدق علاقة الإنسان بالله هي الأوزان، فلتزن أعمالك يا إنسان مع مقدار صدقك في الله مقتديا برسول الله، لا تزيد ولا تنقص، فتكون حقا قد قمت كما أمرك الله (إن الله يأمر بالعدل والإحسان). فهل عرفنا الإحسان؟ (أعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك) أعبد الله كأنك تراه، فأنت لا تراه فما رأي الله سواه، ولكن في واقع الأمر ما وراءك إلا الله، فقيامك في ظاهرك تأدبا مع أعلي لك، تأدبا مع غيبك، تأدبا مع ربك، تأدبا مع أعلاك، لا تقول إنك تراه. فقول “كأنك تراه” ليس تشبيها ولا تمثيلا ولكن هو تأدب وحق. فأنت يوم طالما لك وجود لا تراه، وطالما لك ظاهر قيام بأنانيتك فأنت لن تراه (وجودك ذنب لا يقاس به ذنب).

تعليق:

تناول هذا الحديث معني العدل والإحسان، وإن الميزان هو في اقتدائنا برسول الله وقد شبه الحديث صدق الإنسان مع الله بالأوزان التي تستخدم مع الميزان. فإذا تخيلنا إننا نضع أعمالنا في كفة فإننا يمكن أن نقدر وزن هذه الأعمال من الناحية الحقية بأن نتصور وضع مدي صدقنا وتعاملنا مع الله في الكفة الأخرى. هذا التشبيه لم أستخدمه بعد ذلك كما أتذكر وأنا أكتب هذه المذكرات.

مفاهيم دالة :

٤٨ - إذا شاء الله أمرا، أمر عقلا، وأرهف قلبا، وأوجد عزما، وأنار طريقا، وأوجد وسيلة

تاريخ الحديث: ١٩٨٠/١٢/٢٦

”… إذا شاء الله أمرا، أمر عقلا، وأرهف قلبا، وأوجد عزما، وأنار طريقا، وأوجد وسيلة. وإن أراد أمرا آخر ولم يشأ بهذا الإنسان أن يكون محققا لوجوده، صادقا في طريقه، أصبح عقله رافضا، وقلبه جاحدا، لا يملك عزما، ولا يري طريقا. إن عمل الإنسان الإيجابي هو أن يكون دوما ذاكرا لله (الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلي جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار). إن إصلاح الإنسان لنفسه هو في اجتماعه بإخوان حق، وفي ابتعاده عن ظلام الحياة بدناها. إن من يذكرون الله، ويجتمعون علي ذكر الله، ويعلون بصفاتهم، ويتأملون في قيامهم، ويسبحون بعقولهم، ويذكرون بقلوبهم، ويجاهدون نفوسهم، هم قوة إيجابية في الحياة، إنهم روح الحياة، إنهم الذين يعطون لهذه الأرض حياة. إنهم لا ينتظرون أن يعرف الناس ما عليه يجتمعون، وما به يذكرون، وما له يعلمون. إن أي عالم لو ربط علمه بأن يعلم الناس جميعا ما علم، وما كان أبدا عالما، وإن الإنسان في سلوكه لو ربط كسبه في الله بأن يعرف الناس جميعا في ظلامهم ما وعده الله حقا ما كان أبدا عابدا. وإن الجماعة الصادقة لو انتظرت ظلام الناس أن ينتهي حتي تبدأ رقيها لانتظرت وانتظرت دون علم ودون كسب. إن ما تستطيع أن تعطيه للحياة هو أن تكسب وجودك، وأن تعرف حياتك، وأن تسلك طريقك، وهذا منتهي الإيثار، ومنتهي الحب لهذه الأرض ولهؤلاء الناس. هذا قانون في الحياة، وناموس في الوجود، أن يكون الإنسان منطلقا في الله (وأصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ولا تعدو عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا) …”

تعليق:

هذا الحديث يربط بين أهلية الإنسان واستعداده لتقبل هداية الله وإن الإنسان لا يجب أن تشغله رغبته في إصلاح الناس عن إصلاح نفسه لأنه لو انشغل بذلك ما أصلح نفسه وما أصلح الناس. وكذلك الجماعة المتآلفة في الله يجب أن تنشغل بتقوية ألفتها ولا تنشغل بما عليه الناس. وهي بذلك يمكنها أن تكون أكثر فائدة وتأثيرا علي المجتمع. هذا الجزء من الحديث قمت فيه بكثير من إعادة الصياغة. لا أعرف إذا كانت صياغة الحديث غير جيدة أو أن كتابة الحديث كانت مليئة بالأخطاء. هذا التعليق ينطبق علي أحاديث هذا العام.

مفاهيم دالة :