تخطَّ إلى المحتوى

أحاديث الفترة من ٢٠١١- ٢٠١٥

٢١٠ - أساس أي مجتمع صالح، هو أن يفرز آلية، تمكنه أن يتعرف على ما هو أحسن لحياة المجتمع، ولمعيشته وفشل أي مجتمع في أن يفرز هذه الآلية وأن يطبقها، يؤدي إلى هلاكه

تاريخ الحديث: ٢٠١١/١/٢٨

” … أساس أي مجتمع صالح، هو أن يفرز آلية، تمكنه من أن يتعرف على ما فيه من صلاح وفلاح، مما هو أحسن وأقوم لحياة المجتمع، ولمعيشته، ولبقائه بصورة كريمة على هذه الأرض. وإن فشل أي مجتمع في أن يفرز هذه الآلية، وأن يجدها، وأن يطورها، وأن ينفذها يؤدي إلى هلاكه، وإلى تأخره، وإلى تفتيته، وإلى أن يكون مجتمعا فاسدا. لذلك، أمرنا بأن نتواصى بالحق والصبر بيننا، في كل أمور حياتنا، في حياتنا المادية على هذه الأرض، وفي حياتنا المعنوية التي تؤهلنا لما بعد هذه الأرض. إننا في المجتمعات التي نعيشها اليوم، وقد تعقدت العلاقات وأسباب الحياة، وكثرت المشاكل، فإن على المجتمع، أن يجد من الوسائل التي تمكنه من إدارة متطلبات الحياة المعاشة بصورة أساسها العدل. العدل كما نستطيع أن نقيسه على هذه الأرض، من أخذ وعطاء (ويل للمطففين، الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون، وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون )، إن التجارب الإنسانية، في الشرق وفي الغرب، قد أفرزت وسائل كثيرة، من تقنين للعلاقات بين الناس جميعا، ومن وضع دساتير يحترمها الناس جميعا في مجتمعاتهم، وأوجدت آليات لتعليم الناس كيف يطبقون هذه القوانين، وعرفت أن العلاقة بين الحاكم والمحكوم، هي علاقة يحكمها الدستور والقانون، وأن ليس هناك إنسان فوق المساءلة، ومن حق كل مجتمع أن يضع ما يناسبه من هذه القوانين، وأن يحترمها الناس جميعا. هذه التجارب الإنسانية، هي نتاج ثورات ومعاناة لشعوب كثيرة. العاقل من يتعظ بها ويطبقها وينفذها. والحاكم العاقل، هو من يستمع لنبض الشعب، ويحاول أن يستجيب لمطالبه، وأن تكون هناك آليات للتغيير الدائم للأفضل وللأحسن والأقوم، ولإقامة العدل الحقيقي، عدل مقنن واضح (فالعدل أساس الملك)، (…إذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل.). هذا ما تعلمته البشرية، من خلال تجاربها، والذي هو موجود في دين الفطرة، قبل كل هذه التجارب. وإنما الناس يتعلمون من تجاربهم، فإذا تعلموا الدرس، وقرءوا النص، تفاعلوا معه، وأدركوه إدراكا حقيقيا، أما قبل ذلك، فهم لا يتعلمون. إن آيات الحق، تكلمت عن الاختلاف بين الناس. وهذا الاختلاف، هو ما نراه اليوم في المجتمعات، من تعدد الآراء، ومن تعدد الاتجاهات، مما أدى إلى وجود كيانات سياسية، تعبر عن الاتجاهات المختلفة. حين نقرأ (…لولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض …) نتعلم أن التعدد مطلوب في المجتمع. فإذا كان التعدد والتنوع، قد تواجد في البشرية في ديانات مختلفة، وعقائد مختلفة، وأجناس مختلفة (…جعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا…) فإن ذلك، ينطبق أيضا على المجتمع، الذي تتعدد فيه الآراء، التي ترى طرقا متعددة للصلاح والإصلاح. ولكن المسلمين، وقد قرءوا هذه الآيات، لم يعرفوا كيف يطبقوها. لو أننا نظرنا إلى تاريخنا، ووجدنا الاختلافات السياسية التي ظهرت منذ انتقال الرسول – صلوات الله وسلامه عليه – إلى الرفيق الأعلى، في كيفية اختيار الحاكم وكيف يحكم لأدركنا أنه لو قرأ المسلمون الأوائل آيات الاختلاف لعرفوا أنه يمكن أن يكون هناك حاكم، وأن تكون هناك معارضة له لتبين له الطريق إذا أخطأ في قراراته التي يأخذها، وفي أحكامه التي يطلقها، في قضايا الدنيا في الأساس، فاحترموا هذا التعدد، ولكان يمكن أن نجد تاريخا آخر. ولكن الناس، لا تتعلم إلا من التجارب. فما كان موجودا لديهم في ذلك الوقت، هو الرأي الواحد، والكيان السياسي الواحد، وأن ليس هناك من يقول قولا آخر، وأن من يقول قولا آخر، فهو يؤدي إلى فتنة، ويؤدي إلى فساد في الأرض. مع أن الفساد، هو في ألا يكون هناك رأي آخر. لذلك، فإن الذين يدعون أن الدين فيه كل شيء، وإن كانت هذه كلمة فيها شيء من الحقيقة، إلا أن من هو الذي يقرأ هذا الدين؟ وما هو علمه؟ وما هي تجاربه؟ وما هو مدى عمقه في تفهم الحياة وقوانينها؟ إننا في حاجة إلى التجارب الدنيوية لكل إنسان، ولكل جماعة، ولكل مجتمع على هذه الأرض حتى نستطيع أن نقرأ ما بين أيدينا من كتاب الله، قراءة أعمق، توضح لنا أشياء كثيرة وهذا هو معنى: (كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله …) لأن المعروف ـ كما نعرفه في تأملنا، وتفكرنا، وتدبرنا ـ هو كل ما هو معروف، ويؤدي إلى صلاح وإصلاح، في الشرق أو في الغرب. كل ما هو معروف أنه يؤدي إلى الأحسن والأقوم، واجب على الأمة أن تأخذ به، حتى تستفيد وتتعظ من تجربة الغير، فتكون في حال أفضل، وفي قيام أفضل…

تعليق:

وجود آلية تمكن المجتمع من التعرف على ما ه وأفضل وأصلح له هو أمر أساسي لصلاح ورقي هذا المجتمع. وهذه الآلية هي الميزان الذي أشارت له بعض الآيات والمجتمع هو المنوط به وضع الأدوات المادية لتطبيق هذا الميزان مستلهمين المقاصد الحقية الموجودة في الفطرة الإنسانية وما جاءت به الشرائع السماوية. وما الدساتير التي كتبتها الشعوب بعد صراع طويل مع الطغاة إلا توثيق مكتوب لهذه الأدوات التي اتفقوا عليها.

مفاهيم دالة :

٢١١ - التجمع على هدف واحد، بإرادة خالصة وصادقة مع التظاهر والتعبير بالقول والحركة والدعاء يخلق قوة دافعة تساعد على تغيير الحال، إلى ما هو أفضل

تاريخ الحديث: ٢٠١١/٢/١٨

” … إنا نعيش أحداثا متلاحقة، تظهر فيها إرادة الله الغيبية، بصورة لم يكن يتوقعها أحد. وهذا ما يحدث، حين تتوجه إرادات الخلق بالدعاء والرجاء، وبالصدق والعمل، وبالرغبة الصادقة العازمة، مؤدية كل ما تملك، فيستجيب القدر. إنا حين ننظر في تاريخنا، سوف نجد مثل هذه اللحظات، ولكنها اليوم تختلف كل الاختلاف. فالذي حدث في بلدنا، هو إرادة شعب أراد الحياة، فقال ذلك، وعبر عنه بطريقة سلمية، ليس فيها عنف، وليس فيها حرب. قوة هائلة نتجت عن هذا الاجتماع الصادق، من جماهير اجتمعت كلها على قول واحد، وعلى هدف واحد. إنه قانون الحياة، الذي نتذاكر فيه وعنه دائما. أن التجمع على هدف واحد، بإرادة خالصة وصادقة، يخلق قوة دافعة مغيرة. وكما أن التظاهر والتعبير عن ذلك، بالقول والحركة، فإنه يكون كذلك بالدعاء القلبي، لتغيير الحال، إلى ما هو أفضل وأحسن وأقوم. ونحن ندعو الله دائما، في كل اجتماع لنا، أن يرفع ويكشف الغمة، لأننا نؤمن بأن الله قد جعل لكل شيء سببا، كما جعل من الدعاء سببا، وقد اخترنا الدعاء بالقلب، والتوجه بالقلب للتغيير إلى الأفضل والأحسن والأقوم، إلى مجتمع نرجو أن تسود فيه قيمة الحرية، حرية الإنسان، التي لا يستطيع الإنسان الصالح، أن يعيش بدونها، وكما نفهمها دائما، في شهادة أن لا إله إلا الله. فنحن نذاكر دائما، بأن شهادة أن لا إله إلا الله، هي الحرية، هي حرية الإنسان، حيث لا يخضع لإنسان آخر، أو لطاغية، أو لفكر متجمد، أو لأي صورة من الصور، أو لأي وثن من الأوثان، وأي صنم من الأصنام. إن الإنسان يوم يكون حرا، في تفكيره، وفي حركته، وفي قوله ـ يخرج أفضل ما عنده، وإن الأحرار يوم يجتمعون، يخرجون أفضل ما عندهم. لا يمكن أن تقوم أمة، تأمر بالمعروف، وتنهى عن المنكر، وتؤمن بالله، إلا إذا كانت أمة حرة، إلا إذا كانت أمة غير مكبلة بالقيود، قيود الظلام، وقيود التجمد، وقيود الخوف، وهذه هي الكلمة السواء (تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا …). والله الذي تعالى عن كل وصف، وعن كل صورة، والذي هو خالق هذا الكون، وخالق الإنسان، والذي أودع في الإنسان سره، ونفخ فيه من روحه، وجعله خليفة على هذه الأرض، لم يضع أي قيود، على حركة الإنسان في إرادته، (يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السماوات والأرض فانفذوا لا تنفذون إلا بسلطان). من هنا، كانت عبادة الله، هي أن يرى الإنسان الله في كل آلائه، وكل تجلياته، وأن يرى الإنسان الله في قلبه، وفي وجوده، وفي قيامه، وفي قدراته التي أعطاها الله له، فيفعل هذه القدرات، لا يتخاذل، لا يقيده شيء، إلا قلبه وضميره، وإحساسه بالأحسن والأفضل والأقوم. إنا نريد أمة حرة، يستطيع كل إنسان، أن يعبر فيها عما يراه وعما يعتقده، فيؤدي ذلك، إلى نهضة روحية ومادية وأخلاقية وعلمية، يؤدي ذلك، إلى نهضة في كل شيء. دعونا نأمل، أن تكون المرحلة القادمة، هي مرحلة نهضة ودفعة قوية، إلى ما هو أصلح وأقوم، تنقل البشرية نقلة نوعية، في تفكيرها، وفي مفهومها في معنى الدين، وفي معنى الحياة. فنحن من قراءتنا لتاريخ البشرية، فإن كل مرحلة مظلمة، تتبعها مرحلة منيرة، فلعل حان الوقت، لأن تكون هناك مرحلة تضيء للبشرية، وتكشف لها طريقها إلى الصلاح والفلاح، وقد يتبع ذلك مرحلة مظلمة أخرى، فهذه هي الحياة. ولكن ما يحدث أثناء المرحلة المضيئة، سوف تكون له آثاره الباقية، التي تساعد الناس مرة أخرى على هذه الأرض، أن يخرجوا من ظلامهم، إلى مرحلة مضيئة أخرى. وهكذا، كل ليل يتبعه نهار، وكل نهار يتبعه ليل. نأمل أن يكون هذا اليوم الذي نعيشه، هو نهار، وهو ضياء، وهو خير وصلاح وفلاح، نأمل فيه، ونطمع أن يكون صلاحا للبشرية، وتغييرا للبشرية، إلى ما هو أفضل وأحسن وأقوم…” …

تعليق:

كان هذا الحديث يشير إلى أحداث عام ٢٠١١ في مصر وفي بعض البلدان العربية وما أطلق عليه الربيع العربي في ذلك الوقت. وهو تأمل في لحظات يشعر فيها الإنسان بالاستجابة لما يرى أنه الحق بعد كفاح للتوحد حول هدف واحد وبذل ما يستطيع للوصول إلى هذا الهدف. هذه اللحظات لا تبقى طويلا وهذا ما أشار له الحديث في هذه العبارة: ” وقد يتبع ذلك مرحلة مظلمة أخرى، فهذه هي الحياة.” في تتابع لمراحل من الظلام والضياء.

مفاهيم دالة :

٢١٢ - الانقسام هو أمر طبيعي في أي مجتمع حر والسؤال هو معالجة الصراعات التي تنجم عن هذا الاختلاف. ووجود آلية لوضع منهجية للحوار واحترام كل الآراء مع عدم الخلط بين المقدس والإنساني هو أمر ضروري لإصلاح المجتمع

تاريخ الحديث: ٢٠١١/٤/٨

”… نمر في مجتمعنا، بأحداث متلاحقة، تكشف ما في هذا المجتمع، من اتجاهات مختلفة، ومن مفاهيم متعددة، من أقصى اليمين، إلى أقصى اليسار، من منتهى الغلو في الدين، إلى منتهى التسامح. وما يحدث، هو نتيجة طبيعية، لما مررنا به من أحداث، سواء في مجتمعنا، أو في المجتمعات حولنا. مفاهيم قديمة، لم تكن ظاهرة، بدأت في الخروج مرة أخرى، تراكمات من الماضي، وتكرار لأحداثه. فآفة أمتنا، وما أصابها في بداياتها، من استخدام لآيات الحق، بصورة ملتوية، كما قال الإمام علي ــ كرم الله وجهه ــ [كلمة حق يراد بها باطل]. على مر العصور، ظل هذا الاختلاف موجودا في مجتمعاتنا، مسببا لنزاعات ولحروب ولصراعات، في المجتمع الواحد، وفي الأمة الواحدة، ولازال الناس مختلفين، يتأرجحون بين هذا وذاك. فالذين لا يستوعبون ما يذهب إليه البعض، من تفسير شديد الحرفية، فيه غلو، وفيه رؤية أحادية، يريدون أن يبعدوا الدين تماما، لأن الدين بالنسبة لهم، هو هؤلاء الذين لا يرون إلا نفوسهم، وإلا أفكارهم التي استقوها من مصادر قديمة، ورأوا فيها أنها الدين، كل الدين. والجانب الآخر، يرى في هذه الأفكار، المستقاة من هذه المصادر، ذات الرؤية الأحادية ـ أنه الحق كل الحق، مستخدمين آيات الله في غير موضعها، غير مدركين لمقاصدها. والذين يريدون أن يوفقوا بين هذا وذاك، الرؤية غير واضحة لديهم، فهم في داخلهم، بمنهجهم، ربما يميلون إلى هذه النظرة الأحادية، ولأنهم يرون أن المجتمع رافض لهذه النظرة، فإنهم يحاولون أن يأخذوا مواقف وسطية مرحلية. وقد يقولون إن المجتمع غير صالح، لتطبيق هذه المفاهيم، فعلينا أن نأخذ وقتنا، حتى نحوله، ثم نطبق هذه المفاهيم. أما أن تنظر نظرة حقيقية، تقرأ الواقع كما هو، نظرة ترى في أن الإنسان، وما يستسيغه، وما يقبله هو مصدر أساسي للحكم على الأمور. فرفض الناس لأمور، يقول البعض أنها من الدين، لا تعني أنهم على خطأ، وإنما هي إشارة، أن الفطرة في الإنسان، قد لا تقبل مثل هذه الأمور، ولا يكون نتيجة ذلك، أن نقول إن الذين يرفضون، هم يرفضون الدين. إنما هم يرفضون مفهوم البعض في الدين، وهذا وارد. لذلك، فنحن في حاجة إلى تأصيل فكري منهجي لواقعنا، ولواقع مجتمعنا، ولواقع أمتنا. فالدين يشد الإنسان، (ما شاد هذا الدين مشاد إلا جذبه) لأنه يدعو إلى ما هو أفضل وأحسن وأقوم. لذلك، كان رسول الله ــ صلوات الله وسلامه عليه ــ هو القدوة، لم تكن القدوة، في كلمات منزلة فقط، وإنما في فهم الرسول لهذه الكلمات، وفي قيامه بها، (كان خلقه القرآن)، (أدبني ربي فأحسن تأديبي)، (وإنك لعلى خلق عظيم). كان رسول الله ــ صلوات الله وسلامه عليه ــ لا يبحث في ضمائر الناس، ولا يريدهم أن يظهروا ما فيهم من ظلام، وإنما كان ينظر إلى ظاهرهم، ولا يحكم على أحد، ولا يعسر على أحد، إنما كان ييسر (يسر ولا تعسر)، (أنتم أدرى بشئون دنياكم)، (… وأمرهم شورى بينهم …). كان الأمر الإلهي: (ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر …) هذه الأمة، هي التي تأمر، بعد أن تتواصى بالحق، وتتواصى بالصبر. لا يمكن لإنسان أيا كان، أن يحتكر الحقيقة المطلقة، وعليه أن يقبل تفسيرا آخرا، غير الذي يفسره هو. لا مانع من أن يفسر إنسان أمرا، أيا كانت طريقته، وأيا كان منهجه، ولكن لا يفرض هذا على الآخرين، والأمر الإلهي لرسول الله ــ صلوات الله وسلامه عليه ــ (فذكر إن نفعت الذكرى، سيذكر من يخشى، ويتجنبها الأشقى). إن علينا، مهما تباينت الآراء، واختلفت، ألا يطغى أحد على أحد، وألا يقصي أحد أحدا، وإنما يكون الحوار بالحجة، وبالموعظة الحسنة، وأن يكون الأمر، في نهاية الأمر للناس، يختارون طريقهم، إن خيرا أو شرا، إن حقا أو باطلا، فهذا حق الإنسان، وهو حق المجتمع، ليتعلم الإنسان، وليتعلم المجتمع كله من أخطائه، وأن يكون قادرا على التغير، والرجوع إلى الحق، فالرجوع إلى الحق فضيلة…

تعليق:

كان هذا الحديث عن الحال الذي أصاب المجتمع المصري بعد أحداث يناير ٢٠١١ وصاحب ذلك من ظهور تيارات تحمل أفكارا قديمة على السطح وكذلك تيارات أخرى تحمل أفكارا حديثة مما أدى إلى إنقسام حاد في الآراء. هذا الإنقسام هو أمر طبيعي في أي مجتمع حر والسؤال هو معالجة الصراعات التي تنجم عن هذا الإختلاف. ووجود آلية لوضع منهجية للحوار وإحترام كل الآراء مع عدم الخلط بين المقدس والإنساني هو أمر ضروري لإصلاح المجتمع

مفاهيم دالة :

٢١٣ - الاقتداء يكون بالمنهج وليس بالتقليد شكلا في الأمور المشهودة

تاريخ الحديث: ٢٠١١/٦/١٧

”… عباد الله تدبروا آيات الله حولكم، تدبروا آيات الله في أنفسكم، (سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق..). آيات الله، هي رسائل الله لنا، هي رسالة الله الدائمة، التي لم تغب يوما عن البشرية، فلنقرأها، ولنستمع إليها، ونتأمل فيها، حتى نكون حقا عبادا لله، ندرك قيمة العبودية لله، ونفهمها فهما صحيحا. إن العبودية لله، تحرر الإنسان من أن يكون عبدا لخرافة، أو لإنسان، أو لعادة، أو لسلف، أو لخلف، وهذا ما دعانا الإسلام إليه، يوم ضرب لنا مثلا بالذين يقولون: (…إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مهتدون). هناك فارق بين أن تتبع منهجا، يؤدي بك إلى نتائج، أو أن تتبع نتائج، وصل إليها آخرون. إنك إذا أردت أن تكون من الذين يقتدون برسول الله ــ صلوات الله وسلامه عليه ــ وبأصحاب رسول الله ــ رضوان الله عليهم ــ وبالمتابعين لأصحاب رسول الله، فالمتابعة والاقتداء هنا، هو بالمنهج، وليس بما وصلوا إليه. ورسول الله علمنا، أن في أمور دنيانا، التي نحيط بها، والتي تخضع لتفكيرنا ولتقديرنا ـفإن الشورى، هي أساس أي قرار نصل إليه (…وأمرهم شورى بينهم…)، (أنتم أعلم بشؤون دنياكم). فكل أمر دنيوي يخضع لقياس، يمكن أن نقيسه بمعايير دنيوية، هو خاضع للإنسان، ولتفكير الإنسان، ولتقدير الإنسان. بل أن الدين يعلمنا ذلك، ويحثنا على ذلك، يحثنا على أن نتدبر في خلق السماوات والأرض، ويحثنا أن نميز بين الخبيث والطيب، ويحثنا أن نأمر بالمعروف، وننهى عن المنكر، ونؤمن بالله. لذلك، فإن كل الأمور الدنيوية، التي جاءت فيها آيات حقية، علينا أن نفهمها ونتفهمها، في إطار مقصدها وهدفها، وأن نتعامل مع مفرداتها، بحكمة وبفهم عميق لهذه المفردات ودلالاتها، وأن يكون مقصودنا، هو أن نفهم مقصد هذه الآيات وأهدافها، حتى نستطيع أن نطبقها في مجتمعنا، بوعي وفهم وإدراك، لدلالاتها ولأهدافها. ذلك، فإنه لا يصح في أي أمر أرضي دنيوي حياتي، أن تطلق فيه عبارات مجردة غير محددة، لا يصح أن نتخذ ألفاظا رنانة، ويخشى الناس أن يقفوا أمامها، مثل الدين، بأن ينسب إنسان إلى نفسه، أن مفهومه هو دين الله، دون أن يحدد ما هو مفهومه، وكيف يطبق هذا المفهوم على أرض الواقع. هل كل كلمة يقولها، هي الدين؟ هل كل كلمة ينطق بها، هي الدين؟ إن أي إنسان عاقل، يخشى أن يقول إنه يتكلم باسم الدين. إن علينا أن نكبر الدين كمفهوم حقي، فوق أي مفهوم أرضي. إن الدين، هو أن يراعي الإنسان ضميره، وأن يحترم عقله، وأن يحترم عقل غيره، وأن يقبل آراء الآخرين، إنه ممارسة خاصة بالإنسان. هذا الإنسان، الذي يراعي ربه، والذي يتعامل مع ربه، والذي يقرأ كتاب ربه لن يقول أبدا، إني أحكم باسم الدين، أو أن ما أرى هو الدين، لأنه يخشى أن يكون مخطئا، فكيف ينسب شيئا إلى الدين، ليس فيه؟ فالدين بمعناه الكبير، هو أكبر من أن يحيط به أي إنسان، إنما هو مصدر للإنسان، وملهم للإنسان، في أن يكون متوائما مع ما يرى أنه الحق، وما يرى أنه الصدق، وما يرى أنه الأصلح والأفلح. إنه مراقبة الإنسان لنفسه، فيما يحب وفيما يختار. لذلك، فإنا نجد أن آيات الله، في تركيبها، وفي تكوينها، وفي صياغتها، وفي حروفها تحمل معان كثيرة (القرآن حمال أوجه)، وسنة رسول الله كانت تفصيلا لهذه المعاني الكلية، خاصة في علاقة الإنسان بربه المعنوية، فيما نطلق عليه عبادات، وهي أمور توقيفية، لها علاقة بالإنسان في تعبده الروحي، وفي ارتباطه الرباني، وفي دعائه لربه، وفي إدراكه أن هناك غيبا يحيط به، وأنه يريد أن يقيم صلة به، فهي أمور خاصة بالإنسان، في علاقته الروحية. وهذه أمور، لا يصح لأحد أن يتدخل فيها، فهي مسئولية الإنسان، يمكن أن يعبر كل إنسان عن فهمه لها، وعن إدراكه لأهميتها، وعن أثرها المرجو من قيام الإنسان بها، وعن مقصودها، وعن هدفها، وعن نتائجها، وهذا كله، من باب التواصي بالحق والتواصي بالصبر، في التعليم، والتثقيف، والتربية. كل هذه الأمور، التي لها علاقة بالناحية الغيبية للإنسان، أمور لصلاح الإنسان من داخله، ولإحياء قلبه، ولإحياء ضميره، ولتزكية نفسه، ولتطهير روحه. عباد الله: إنا في حاجة أن نرجع إلى أصولنا، وأن نتعلم من مصادرنا، وإذا كان لنا أن نرجع إلى سلفنا، فإن ذلك يكون بالمنهج الذي اتبعوه، لا ما وصلوا إليه، فقد يكونوا قد وصلوا إلى أمور تصلح لمجتمعهم، ولكنها لا تصلح لمجتمعنا اليوم. إن علينا أن نتخذ المنهج الذي أساسه، الفهم العميق للنصوص ومقاصدها، وإنزالها على واقعنا، وهذا ما يحتاج إلى أناس، لهم عقول، يستطيعون أن يتعاملوا فيها، مع النصوص بصدق وحق. قد يكون إنسان، حافظا وقارئا وعالما، بمعنى أن عنده معلومات كثيرة، عن التاريخ، وعن الأحاديث، وعن أسباب النزول، وما إلى ذلك، ولكنه غير قادر، على أن يستنتج أمرا، أو أن يستنبط قاعدة. فليس كل عالم بهذا الوصف، يمكنه أن يستنبط أو أن يستنتج، من هذه النصوص. وقد يكون إنسان، يستطيع ذلك، ولكن ينقصه الإحاطة ببعض الأمور التاريخية، أو بعض المعرفة اللغوية، أو بعض الأمور الأخرى، ولكنه إذا قدم له كل ذلك، وجمع له ذلك، ووضع تحت يده، لاستطاع أن يفهم أشياء، لا يستطيع هؤلاء العلماء أن يفهموها، وأن يستنتجوها، وأن يستنبطوها. فنحن في حاجة إلى هذا التجمع، الذي يجمع كل إنسان، بقدراته وبعلمه وبمعرفته، لنعرف كيف نقوم حياتنا، وكيف نسن قوانيننا، بوعي عميق لآيات الله لنا، وسنة نبيه في أرضنا. علينا أن نتخلص من هذه الصورة، التي نعتقد فيها، أن كل من اتخذ لقب عالم في الدين، يستطيع أن يفعل كل هذه الأمور، هذا ليس صحيح، وعلينا أيضا، ألا نقف أمام الصورة، التي نخاطب بها أي إنسان، ونقول له: أنت لست عالما في الدين، فلا يحق لك أن تتكلم في أمر. إنما علينا أن نقيس الأمور بما يقال، وأن تقارع الحجة بالحجة، وأن إذا كان إنسان غير مطلع على قضية ما، أو على حديث ما، أو على آية ما، أو على سبب ما ـ أيا كان ـ أن نزوده به، وأن نعطيه له، وأن نتكامل جميعا، داعين إلى الأفضل والأحسن والأقوم..“.

تعليق:

هذا الحديث يوضح رأيا في المتابعة والاقتداء برسول الله، فالاقتداء يكون بالمنهج وليس بالتقليد شكلا في الأمور المشهودة، وأن ذلك يحتاج إلى مفكرين يعملون عقولهم ولا مانع أن يستعينوا بحافظين للنصوص الدينية وعلماء لغة وتاريخ ليكملوا بعضهم البعض في الوصول إلى نتائج صالحة للتطبيق في هذا العصر، ولا يأخذوا نتائج سبق الوصول إليها في عصور سالفة قد لا تكون مناسبة.

مفاهيم دالة :

٢١٤ - ما جاءت به الرسالات السماوية موجود في فطرة الإنسان وما جاءت الرسالات السماوية، إلا لتؤكده وتكشف عنه و لتساعد الناس الذين هم في غفلة عن الحق، أن يرجعوا إليه وينهلوا من فطرتهم

تاريخ الحديث: ٢٠١١/٩/٢٣

”… دين الحق، يكبر الإنسان، لأن الإنسان هو خلق الله، الذي (ما ظهر الله في شيء مثل ظهوره فيه) هو خلق الله، الذي علمه الأسماء كلها، هو خلق الله، الذي حمله الأمانة، هو خلق الله، الذي مكنه في الأرض، وجعله قادرا أن يغير ويتغير، (… إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم …). هذه القدرة، على تغيير ما في نفس الإنسان، هي قدرة لا يملكها مخلوق آخر. دين الحق، جاء في كل الرسالات السماوية، ليبلغ الناس، عما فيهم من فطرة الله التي فطرهم عليها. كل أمر إلهي، وكل تبليغ سماوي، هو موجود في فطرة الإنسان. لذلك نجد في القديم، أن هناك أناسا، توصلوا إلى كل القيم الروحية، بفطرتهم، وأدركوا الغيب، بعقولهم، أدركوا أن هناك ما لا يحيطون به، وأن وجودهم، هو دال على هذا الغيب، الذي لا يستطيعون أن يحيطوا به. وفي تاريخنا المعاصر، نجد أناسا في الشرق وفي الغرب، توصلوا إلى المفاهيم الحقية للمجتمع الإنساني، وما يجب أن يكون عليه، بعقولهم. فكل الثورات، جاءت بمفاهيم عن الحرية، وعن العدالة، وعن المساواة، وعن الإخاء، وعن الحق، جاءت هذه المفاهيم من فطرة الناس، لم تجيء لأنهم استمعوا إلى آية أو فسروا آية. نقول ذلك، لندلل على أن ما جاءت به الرسالات السماوية، هو موجود في فطرة الإنسان، وفي داخل الإنسان. وما جاءت الرسالات السماوية، إلا لتؤكده، وإلا لتكشف عنه، وإلا لتساعد الناس الذين هم في غفلة عن الحق، أن يرجعوا إليه، وأن يتجهوا إلى داخلهم، وأن ينهلوا من فطرتهم. علينا، أن نفرق بين أمرين، بين الإنسان بفطرته النقية، والإنسان وهو موجود بذاته على هذه الأرض المادية، منشغل بأحواله، بمأكله ومشربه، بمسكنه وملبسه، بمتطلباته الحياتية، التي قد تشغله عن أن يفكر في فطرته النقية، والتي قد تنسيه مبادئه الحقية، لكن كل إنسان في أعماق وجوده، إنسان فيه سر الله، وفيه نفحة من الله. لذلك، فإن الآلية التي تعلمناها في ديننا، هي أن نجتمع على ذكر الله، وأن نتواصى بالحق وبالصبر، في وسط جمع هدفه ومقصوده وجه الله، يظهر الإنسان بجماله الداخلي، وبفطرته الحية، يظهر الإنسان بجماله، وكماله، ورفعته، وصفائه، وخلوص نيته. هذا، ما رأيناه واضحا جليا، يوم تجمع الناس يريدون الحرية، ويريدون الكرامة الإنسانية، يوم تجمعوا على ذلك تلاشت الفروق، وتلاشت المفاهيم الشخصية والاتجاهات الذاتية، وأصبح الكل واحدا، كلمة واحدة، وصوتا واحدا. إنها آية من السماء، تعلمنا كيف يوم نجتمع على ذكر الله، قاصدين وجه الله، قاصدين كلمة سواء، قاصدين الخير والحق والفلاح سوف يظهر أفضل ما فينا، وسوف نجد حلولا لقضايانا. لذلك، كانت الجماعة، أمرا مهما في الإسلام. فالجماعة، هي أساس ظهور المفاهيم الحقية، والمعاني الإنسانية (إلزم الجماعة، )، (… تواصوا بالحق وتواصوا بالصبر)، (ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير.. )، (… تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله …). تسترشد هذه الجماعة، بما جاء في الرسالات السماوية من مفاهيم عالية، حتى يساعدها ذلك، أن تخرج أفضل ما فيها. فالاجتماع مع الاسترشاد، يؤديان إلى وجود أفضل، ومخرج أقوم، مدركين دائما أن نبحث في المقصد وفي الهدف، في كل ما قيل لنا. فالرسالة التي توجه للناس جميعا في كل آية هي مقصدها، فالكلمات أدوات لنقل المقاصد، والجماعة أداة لفهم المقصد، حتى يمكن تطبيقه تطبيقا سليما. عباد الله: ديننا يكبر ما أوجد الله فينا، ومجتمعاتنا تقلل من عطاء الله لها. ديننا يقول لنا: (وفي أنفسكم أفلا تبصرون) ومجتمعاتنا تقول لنا: لا تعملوا عقولكم ولا ما ترون في نفوسكم، فأنتم لستم أهلا لذلك. الحق يقول لنا: (ما ظهر الله في شيء مثل ظهوره في الإنسان)، والناس يقولون: إنكم في أسفل سافلين، لا تستطيعون ولا تعرفون شيئا. الحق يقول لنا: (قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق …)، (الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والأرض …)، والناس يقولون : لا تفكروا، وإنما خذوا ما أتاكم الله فنفذوه. كيف ننفذ ونحن لا نفهم، ونحن لا نفكر، ونحن لا نبحث، ونحن لا نقدر ما أعطانا الله، من نعمة العقل، ومن نعمة المنطق، ومن نعمة الرؤيا والقياس، ومن نعمة الفعل والتغيير؟عباد الله: نسأل الله: أن نرجع إلى أصولنا، وأن نرجع إلى كتابنا، وأن نرجع إلى عقولنا، وأن نرجع إلى قلوبنا، وأن نرجع إلى كل ما أعطاه الله لنا، لنفعله في حياتنا، فنغير حياتنا، ونغير ما بأنفسنا، حتى يغير الله ما بنا…”

تعليق:

إن ماتوصل أليه االإنسان في الشرق وفي الغرب من مفاهيم وقيم وأدوات لقيام مجتمع صالح لمواصلة الحياة لهو دليل على أن قانون الحياة موجود في فطرة الإنسان، وماجاءت الرسالات السماوية إلا لتساعد الإنسان أن يكتشف ذلك بإعماله لما أعطاه الله من قدرات وإمكانات.

مفاهيم دالة :

٢١٥ - سر القوة في أي مجتمع أن يكون له هدف يجتمع عليه والتجمع لا يعني أن تعتنق كل مكونات المجتمع فكرا واحدا، وإنما مع تفرد كل مكون بفكره يكون هناك تجمع وتكامل وهذه سنة من سنن الحياة

تاريخ الحديث: ٢٠١١/١٢/٣٠

”… عباد الله: اجتمعوا على ذكر الله، لتكونوا قوة في طريق الحق والحياة. فقانون الله على هذه الأرض، جعل في الجمع قوة، وفي التفرق ضعفا (.. واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمت الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا …) لذلك، فإن كل مجموعة تجتمع على أمر عليها أن تتوحد عليه، وأن تحاول بقدر ما تستطيع، أن تجعل لها قبلة ووجهة وطريقا تسلك فيه. وعلى الجانب الآخرفقد جعل حق الاختلاف من سنن الحياة، فلا نستطيع أن نقول: أن كل الناس سوف يتوحدون على قبلة ووجهة واحدة (…جعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا …)، (…ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة …). فلا يجب استخدام كلمة التوحد لنقول أن الناس جميعا يجب أن يكونوا على رأي واحد. وإنما يجب أن نفهم كيف نجمع بين هذين النقيضين، بين التجمع والتفرد، بين االإتفاق والاختلاف. وهذه من الأمور التي يظهر فيها تناقض، إلا أننا حين نتأمل بعمق، نجد أن هذا التناقض يزول. إنا إذا تأملنا في خلق الإنسان، نجد أن كل إنسان متفرد في ذاته وفي صفاته، فلا يوجد إنسان مثل إنسان، وإنما كل إنسان له صفاته وله قدراته وله ملكاته، ومع ذلك، يمكن أن يجتمع إنسان مع إنسان، على هدف يريدان أن يحققاه. وكذلك في الأمة، قد تكون هناك جماعات، كل له رؤيته، وكل له سياسته، وكل له منهجه، ولكن لا يمنع ذلك، أن يتفق الجميع على أن يتعاونوا في أمر ما، وفي هدف ما. فكما بدأنا الحديث، فإن سر القوة في أي جماعة، هي أن يكون لها هدف تريد أن تحققه، وأن سر القوة في أي مجتمع، أن يعرف كيف يدير كل هذه المجموعات، وأن يخلق هدفا واحدا، يريدون جميعا أن يحققوه. فالتجمع إذا، لا يعني أن تكون كل الجماعات على نمط واحد، وتجمع الأفراد في جماعة واحدة، لا يعني أن يكون كل فرد مثل أخيه، وإنما مع التفرد، هناك تجمع، مع الاختلاف، هناك تكامل، وهذه سنة من سنن الحياة. (…جعلناكم شعوبا وقبائل..) تفرد واختلاف، (…لتعارفوا…) تجمع واجتماع لتحقيق هدف واحد، يسمو عن هدف كل جماعة. فالأهداف لها تركيب هرمي، فهناك هدف الفرد، وهناك هدف المجموعة، وهناك هدف الأمة. إذا كان هناك تناغم وتناسق مع الاختلاف، يكون هناك التكامل والتقدم، وإذا كان هناك تنافر وتناحر بين هذه الأهداف، يكون هناك التفرق والتخلف والتراجع. لذلك، فإن أي نظام يدير أمة، عليه أن يضع القواعد، التي تؤدي إلى تناسق الأهداف، لتؤدي كل جماعة دورها، في تقدم الأمة وازدهارها وسيرها إلى ما هو أفضل وأحسن. عباد الله: لنتعلم مما يدور حولنا، ونحن نرى صورة فيها تناحر واختلاف، فيها صراع وافتراق، نتعلم من هذه الصورة السلبية، كيف لو أنها سارت بدون قائد وبدون ربان، يعرف كيف يدير أمورها، ويجعل هذا الاختلاف قوة، بدلا أن يكون هذا الاختلاف ضعفا وصراعا وتأخرا. وليتعلم كل منا، أنه في دائرته مسئول، وعليه أن يتعلم، كيف يدير ما هو مسئول عنه، بالتوافق والمحبة وببذل الجهد، حتى يكون كل فرد في محيطه وتحت مسئوليته، متوافقا مع أخيه الإنسان. التوافق مع الاختلاف، والتعاون مع الاختلاف، وتحقيق هدف واحد مع الاختلاف. إذا أراد أي مسئول أن يجعل الناس جميعا في صورة واحدة، وفي قالب واحد، فإنه يسير ضد تيار الحياة، إنما المسئولية الكبرى لكل من يتصدر لإدارة أمة، ولإدارة جماعة، ولإدارة نفسه حتى، أن يعرف كيف يدير هذا الاختلاف، الموجود في كل كيان بشري، على أي مستوى كان. عباد الله: إننا حين ننظر في تاريخ البشرية، وما مرت به من أحداث في عصور مختلفة، وما توصلت إليه في هذا العصر، من آليات وسياسات ونظم، تدير اختلاف الأفراد والجماعات فيها. والبشرية ما هي إلا تعبير عن قانون الحياة، وما يصل إليه الإنسان، فيحقق به تقدما، إنما هو يعكس التوافق مع قانون الحياة،. لكل نظام يصل إليه الإنسان مميزات وعيوب، وسيظل الإنسان دائما في محاولة لأن يعظم من فوائد أي نظام، وأن يقلل من عيوبه. والنظام الكامل، لا وجود له في التقييد، وإنما سوف نظل دائما، نبحث ونطور، وكلما تقدم الإنسان خطوة في طريق الحق والحياة، يكون قد أنجز شيئا، وكلما تأخر خطوة، كلما تراجع وتخلف. في تاريخنا الإسلامي، نجد أن أسباب الصراعات التي حدثت فيه، كان أساسها عدم معرفة كيف إدارة الاختلاف، وكيف يكون هناك حاكم له رؤيته وله سياسته، وأن يكون هناك في نفس الوقت، من يعارض هذه الرؤية ويختلف معها، والكل يعمل معا لصالح الأمة. هذه الصورة لم تكن موجودة، بل أن أي إنسان يخرج برأي معارض، يعتبر أنه خارج عن الشرعية، وأنه يدعو إلى فتنة، وهذا ليس بصحيح، ولكن الصحيح هو أنه لم يكن هناك نظام يدير هذا التعارض وهذا الاختلاف…”

تعليق:

إن سر القوة في أي مجتمع هي أن يكون له هدف يجتمع عليه ويريد أن يحققه، التجمع لا يعني أن تكون كل مكونات المجتمع تعتنق فكرا واحدا، وأن الأفراد في المكون الواحد متماثلون، وإنما مع التفرد هناك تجمع، ومع الاختلاف هناك تكامل، وهذه سنة من سنن الحياة.

مفاهيم دالة :

٢١٦ - الإيمان بالله واليوم الآخر والعمل الصالح هو ما يمكن الإنسان أن يحيا حياة أبدية

تاريخ الحديث: ٢٠١٢/٣/٣٠

”… حياتنا الدنيا حياة جهاد، حياة عمل، نزرع فيها لآخرتنا. هكذا، علمنا ديننا، أن الإيمان بالله واليوم الآخر والعمل الصالح، هو أساس وجود الإنسان على هذه الأرض، الذي يمكنه من أن يحيا حياة أبدية. هذه هي الاستقامة، لأنها قائمة على الصدق في الرؤية وفي الإدراك (ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين، الذين يؤمنون بالغيب..). فالصدق على هذه الأرض، نتيجته الطبيعية أن تؤمن بالغيب، لأنك مهما أوتيت من علم فإنك لن تستطيع أن تحيط بكل شيء. فالغيب أساس في حياة الإنسان، والغيب هو الله، الله الذي ليس كمثله شيء. فالإيمان هنا، يعني أنك تدرك افتقارك إلى الله، وأنك تدرك أن هناك الكثير الذي لا تعلمه. هذا الإحساس، يجعلك متواضعا، مسكينا، مفتقرا. فحين دعا رسول الله ــ صلوات الله وسلامه عليه ــ اللهم أحيني مسكينا وأمتني مسكينا واحشرني في زمرة المساكين، فالمسكين هنا، ليس مجرد مسكينا في الدنيا، وإنما هو إحساس الإنسان بمسكنته مع الله، وبافتقاره إلى الله ( يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد). هذا، معنى من معاني الإيمان بالله. يتبع ذلك، إيمانك بوجودك الحقي، وهل أنت موجود للعدم؟ أم أنك موجود للحياة؟ من الناس من يعتقد أنه موجود للعدم، وأن الحياة كل الحياة هي هذه الأرض المادية، وأنه بموته على هذه الأرض، يتلاشى جسديا وروحيا، وأن الحياة من هذا المنطلق، هي حياة عبثية لا معنى لها، وعلى الإنسان، أن يعيش فيها للحظاته، لا ينظر إلى شيء، إلا ما تريده نفسه. وهناك آخرون يقولون: (…ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار). هؤلاء، “الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلا…) ، الذين آمنوا بالله، آمنوا بأن هناك ما لا يعلمون، آمنوا بافتقارهم، آمنوا بأنهم في حاجة إلى الله، فذكروا الله في كل لحظة من لحظات حياتهم، قياما وقعودا وعلى جنوبهم، وتفكروا فيما تجلى الله به عليهم من خلقه (…يتفكرون في خلق السماوات والأرض…)، أدركوا أن هذا القانون المحكم، الذي (…يمسك السماوات والأرض أن تزولا…)، والذي خلق الإنسان فسواه فعدله في أي صورة ما شاء ركبه، يرى تجلي الله عليه، فيما أشهده من خلقه، (…لا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء …) ، فوجد فيما أشهده الله، الكثير الذي يجعله مؤمنا بأن ما خلق لم يخلق باطلا، وأنه لم يخلق باطلا كإنسان، فآمن بالحياة، آمن بالحياة قبل أن يكون على هذه الأرض، (وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا…). فكان الإنسان مخلوقا قبل أن يوجد على هذه الأرض، (في أي صورة ما شاء ركبك). وجاء إلى هذه الأرض، ليحقق رسالة. بل أن لنا في قصة آدم ــ عليه السلام ــ في خلقه، وفي أمره بأن ينزل إلى هذه الأرض، أنه كان قبل أن يكون على هذه الأرض. وكل إنسان هو آدم (…إني جاعل في الأرض خليفة …)، والإنسان لازال كذلك، في كل عصر وفي كل أوان، منذ آدم بلا بدء، وبعد آدم بلا انتهاء (وقبل آدم مائة ألف آدم) إنه قانون الحياة (…إني جاعل في الأرض خليفة …)، (عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان…). فالإنسان، كان قبل وجوده على هذه الأرض، وهو كائن على هذه الأرض، وهو سيكون بعد هذه الأرض. سيكون في صور كثيرة، إما أن يكون حيا عند ربه يرزق، وإما يكون في صورة أخرى (…نارا وقودها الناس والحجارة …)، لم يكسب قيامه على هذه الأرض، ولم يحيا على هذه الأرض بما يمكنه أن يواصل مسيرته الروحية، فيكون في صورة أخرى. إيمان الإنسان بالحياة في أزليتها وأبديتها يساعده أن يعمل عملا صالحا. والعمل الصالح، هو كل ما يفعله الإنسان على هذه الأرض ابتغاء وجه الله، الذين (..يؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة.. )، الذين يقصدون وجه الله في كل أعمالهم، الذين يتقنون أعمالهم، الذين يوفون بالقسط والميزان (والسماء رفعها ووضع الميزان، ألا تطغوا في الميزان، وأقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان)، (إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون). إن العمل الصالح ليس فقط في أن تصلي وتسبح، وإنما العمل الصالح، في كل عمل تقوم به على هذه الأرض، في كل كلمة تنطقها، وفي كل مسعى تسعى فيه، وفي كل عمل تقدمه يداك، وفي كل فكرة يفكر فيها عقلك، وفي كل ذكر يذكره قلبك، إنها مراقبة النفس، إنها محاسبة النفس، إنها الاستغفار المستمر (إنه ليغان على قلبي حتى أستغفر الله في اليوم سبعين مرة أأغيان أغيار يا رسول الله بل هي أغيان أنوار)…”

تعليق:

هذا الحديث يربط بين الإيمان بالله واليوم الآخر وهو الإيمان بالغيب والعمل الصالح الذي هو إيمان بالشهادة. ثم يتطرق إلى تفسير أكثر لماهية العمل الصالح وأبعاده المختلفة.

مفاهيم دالة :

٢١٧ - الدين، قانون حاكم، أردنا أم لم نرد، الدين ليس في حاجة لأن يقول البعض أننا ننصر الدين، أو أننا نطبق الدين، الدين أكبر من ذلك بكثير، لأنه مطبق في أي حال، وفي أي صورة

تاريخ الحديث: ٢٠١٢/٦/١

”… عباد الله: تدبروا آيات الله، في الآفاق، وفي أنفسكم، في كل ما يدور حولكم، وفي كل ما يحدث على أرضكم، لتعلموا، ولتتعلموا عن أرضكم، وعن حياتكم، وعن سلوككم. الله يخاطبكم، ويرسل لكم رسائله، فاقرءوها وتعلموها. رسالة من الله لكم، فيما يحدث حولكم، حين تنظرون حولكم، فتجدوا الناس حيارى، يتساءلون ويتحاورون، لا يعرفون طريقهم، ولا اختيارهم، ولا ما يريدون. فقد أوجدوا بأنفسهم وضعا، لا يعرفون منه مخرجا. رسالة من الله، إلى الإنسان، الذي يمكن أن يفعل بنفسه، كما فعل الناس بمجتمعهم. خيارات الإنسان، قد تضعه في يوم، في لحظة، تصبح فيه خياراته كلها، مرة صعبة، وعليه أن يختار بين صعب وصعب، وبين مر ومر. إنها حالة، يمكن أن يمر بها أي إنسان، في أي مكان، وفي أي زمان. فما الذي يؤدي بالإنسان إلى هذا الحال؟ الذي يؤدي بالإنسان إلى هذا الحال، هو نظرته الضيقة للدنيا، هذه النظرة التي لا ترى إلا العاجل، والتي تحاول أن تجعل كل شيء مرتبط بهذه الأرض وما عليها، حتى من الدين. الدين بمفهومه الحقيقي، هو الأحسن دائما. حين تنظر إلى الدين في خارج هذا الإطار، تراه أمرا منفصلا، ليس له علاقة بالواقع، فينفر الناس من الدين. وفي واقع الأمر، هم لا ينفرون من الدين، وإنما ينفرون ممن يدعون هذا الدين. نحن نرى الكثيرين اليوم، يرددون عن جماعة، أنهم لا يصدقون في قولهم، ولا يفعلون ما يقولون، جماعة يرتبط اسمها بالدين، فأصبح الناس، كما لو انهم يقولون: نحن نرفض هذا الدين. وهذه، خطورة ما بعدها خطورة، يوم ننزل بالمعاني الكلية، بالمعاني العليا بالقيم السامية، بالمباديء العالية، بالمقاصد الشريفة الكريمة إلى معترك السياسة، واختلاف وجهات النظر، فنصبح كما لو أننا جماعة مع الدين، وجماعة ضد الدين. وهذا، ليس صحيحا، لأن الدين أكبر من ذلك. الدين، قانون حاكم، أردنا أم لم نرد، (إن كل من في السماوات والأرض إلا آتي الرحمن عبدا) الدين، ليس في حاجة، لأن يقول البعض أننا ننصر الدين، أو أننا نطبق الدين. الدين أكبر من ذلك بكثير، لأنه مطبق في أي حال، وفي أي صورة، إن الله بالغ أمره دائما. فيوم يساء استخدام الدين، يؤدي هذا الحال، إلى أن يخرج الكثيرون بفطرتهم مما يصوره البعض على أنه الدين. ويوم يتصور الناس، أنهم يشترون استقرارهم، بتنازلهم عن كرامتهم، وعن حريتهم، وعن إنسانيتهم، فهذا خيار آخر، يؤدي إلى وضع سيء، يجد الإنسان فيه نفسه، وأنه قد اختاره. وكما قال أحد من الحكماء: أنك يوم تشتري حياتك الدنيا، بأن تفقد حريتك، وأن تفقد كرامتك، فإنك ستفقد أيضا حياتك الدنيا، ستفقد الإثنين، الحرية، والحياة الكريمة أيضا. ويوم يختار الناس، بظن أنهم سينعمون على هذه الأرض، وفي مقابل ذلك، عليهم أن يتقبلوا أي حال وأي شكل وأي صورة، هذا هو المهم، دون أن يضمنوا، أو أن يضعوا في أذهانهم، أن حريتهم وكرامتهم وإنسانيتهم، أكبر من أي شيء فإنهم يصلون إلى حال صعب مرير، يجدون أنفسهم، مجبرين بعد ذلك على اختياره. إننا نقول ذلك، لا لشيء، إلا لنتعلم كأفراد وكجماعة، لأن يكون أساس اختيارنا، هو قيمة عليا، هو إكبار لديننا عن أي صورة أو شكل، وهو تقدير لما أعطانا الله من حرية وكرامة. إذا تم اختيارنا ونحن نفقد هذين المعنيين، فإن الاختيار يؤدي إلى وضع، نصبح فيه بعد ذلك حيارى. إنه درس من الله لنا، إن قرأناه، وإن تعلمناه، بغض النظر عما سيؤول إليه الحال، وهو في كل الأحوال، مرحلة نتعلم منها أيضا. وعلينا، أن نرجع إلى قيمنا، التي خرجت منا، وعبرت عنها جموع الشعب. فكما قلنا في سابق، أن الناس يوم يجتمعون على قيمة حقية، مثل الحرية، تخرج منهم طاقة إيجابية، وتخرج منهم مفاهيم حقية. فعلينا، في كل الأحوال، أن نرجع إلى هذه القيم التي علمنا الدين إياها، والتي خلقنا الله عليها، فقد خلق الله الناس أحرارا، وجعل اختياراتهم تخرج من عقولهم، (… فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر…)، (لكم دينكم ولي دين)، (…دفع الله الناس بعضهم ببعض…)، (…جعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا…)، (ومازال الناس مختلفين، ولذلك خلقهم..)، (ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة…). فقيمة الحرية، هي الأساس في وجود الإنسان وفي اختياراته، في إيمانه، وفي كفره. الحرية قيمة كبرى يجب ألا تحد، وإنما يتواصى الناس بالحق وبالصبر، وبالأفضل والأحسن والأقوم. وهذا ما أدركه الناس اليوم، لأن خياراتهم اليوم، ليست بين حرية وإستبداد، إنما بين إستبداد وإستبداد، وهذه هي المشكلة التي يعانون منها، إن أدركوا أو لم يدركوا، فعلينا أن نحافظ على معنى الحرية. وأنه مهما كان الاختيار، فإن أحدا لا يستطيع أن يحرمنا من حريتنا، يوم نتمسك بها حقا، ويوم ندافع عنها حقا…”

تعليق:

كان هذا الحديث تأملا فيما قبل أحد الإنتخابات الرئاسية التي جرت في أعقاب ثورة يناير ٢٠١١ وما كان عليه حديث المجتمع في ذلك الوقت من صعوبة الإختيار.

مفاهيم دالة :

٢١٨ - الإنسان هو الجامع لرسالة الدين ولمعارفه الأرضية، في داخله يتفاعل الدين مع الدنيا والآخرة مع وجوده الحاضر

تاريخ الحديث: ٢٠١٢/٧/٢٧

”… فقد جاء لنا ديننا، ليعلمنا كيف نعيش لنكسب في الله. وكل معرفة نعرفها عن دنيانا، تقربنا أكثر إلى ديننا. والإنسان هو الجامع لرسالة الدين ولمعارفه الأرضية. في داخله يتفاعل الدين مع الدنيا، والآخرة مع وجوده الحاضر.اللبس الذي يحدث بين الدين والدنيا، هو أننا نخرج الإنسان من هذه المعادلة. نتصور أن الدين قيام بذاته، له شكل وله صورة، يمكن دون تدخل الإنسان بحكمته وبرؤيته وبوزنه للأمور، أن يقيمه، وأن يطبقه. هذا الفهم الذي يسود بين البعض ـ في نظرنا ـ يغفل أمرا هاما، وهو أن الدين كيان حي، يتفاعل مع الواقع، ويحتاج إلى الإنسان، ليقرءه ويفهمه ويتفاعل معه، كما يتفاعل مع ما هو قائم على أرضه. والأمة كتجمع إنساني، تجمع عقول وقلوب وضمائر، يوجه الدين لهم حديثه (ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون). فتوجيه الحديث دائما إلى الأمة، ليفكروا فيما قيل لهم وفيما بلغوا إياه، ليتفاعلوا معه، ثم يقررون كيف يطبقون ما فيه من معان لما ينفع الإنسان. لقد أكبر الله الإنسان (.. كرمنا بني آدم…)، (وعلم آدم الأسماء كلها…) ، (علم الإنسان ما لم يعلم) ، وأوجد فيه آلية التعلم. فالإنسان الذي يقرأ الكون حوله، يتعلم كل يوم، علمه يزيد كل يوم، مداركه تتسع كل يوم. هذه القدرة التي أودعها الله في الإنسان، بمعنى أمانة الحياة، التي عرضها على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان وقد كان ظلوما جهولا ثم أصبح منيرا عالما، أصبح قادرا أن يغير وأن يتغير.لذلك، فحين نقول: أن الدين هو منهج، فإننا بذلك ننظر إلى ما فعل الله بنا وأوجدنا عليه. فقد أوجد لنا في وجودنا، ما يمكننا من أن يكون لنا منهج لنتعلم، لم يضع العلم في رؤوسنا، وإنما أوجد لنا عقل، وأوجد لنا حواس. واتسعت حواسنا، يوم اخترع الإنسان، الأدوات التي تجعله يرى ما لم يكن يراه، فنظر إلى الفضاء في اتساعه، ورأى النجوم والكواكب، ونظر إلى المادة في تكوينها، فرأى مكوناتها وأصغر جزيئاتها، وانطلق بعقله ليضع تصورا لما لم يكن يستطيع أن يراه، فبزيادة قدرته على الرؤية، ازداد علمه وازداد إدراكه عن الوجود (وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون…). يعلم أن هذه التنمية الذاتية لها بعد روحي، يوم يربط كل ذلك بفهمه عن وجوده، وبفهمه عن علاقته بالله، وأنه بذلك يكون عبدا لله حقا. فالعبودية لله كما نراها من زاوية معينة هي في أن تتعلم أسرار هذه الحياة، ومن ثم يمكنك التغيير، فإنك إن لم تعرف أسرار وأسباب هذه الحياة، فلن تستطيع أن تغير. لا تستطيع أن تقول أنني أريد أن أغير هذا أو ذاك، إلا إذا عرفت سر تغييره وأسباب تغييره. لا تستطيع أن تقول أني أستطيع أن أصنع هذا أو ذاك، إلا إذا عرفت سر صناعته، وسر تركيبه. لا تستطيع أن تتعامل مع أي مادة أو أي نبات أو أي كائن حي، إلا إذا عرفت أسرارا وعلما عما تتعامل معه. لذلك، فإن العبودية لله، ليست مجرد كلمة تقال، وإنما هي ممارسة في حياتك اليومية، وفي معاملتك، وفي أفعالك، وفي كل شيء تقوم به. إنها أيضا، في عبادتك ومناسكك التي تؤديها. إن لم تعرف أن هذه المناسك، هي أسباب لتفكر في معناها ومغزاها، وتقرأ ما فيها من رسائل لك، فإنك لن تتغير بممارستك لها، وإنما سوف تكون مقلدا، تؤتي بحركات وأفعال لا قيمة لها، (كم من صائم لم يأخذ من صيامه إلا الجوع والعطش)، (وكم من مصل لم يزدد بصلاته من الله إلا بعدا) ، (وكم من تال للقرآن وهو يلعنه)، لأنه يؤدي كل هذه الأمور، بلا وعي عما يؤديه وعما يقوم فيه. فالمعرفة هي سر، يجعل الإنسان قادرا على أن يغير ويتغير. وهذا، هو معنى من معاني العبودية لله. لذلك، فإنا نجد الرباط بين الدين والدنيا، في الإنسان الذي يقرأ كتاب الله ورسائله الدائمة، وينظر في الخلق وفي العالم المادي، ليقرأ أيضا رسائل الله، ويعرض كل هذا على عقله وقلبه، ليجد المخرج الذي يخرج الناس من الظلام إلى النور، ومن الجهل إلى المعرفة، ومن الفقر إلى الغنى، يأخذ بيد الأمة وأفرادها، في طريق الصلاح والفلاح…”

تعليق:

يركز هذا الحديث على أن الإنسان هو الجامع لرسالة الدين ومعارف الدنيا، وهو البيئة التي يتفاعل فيها الدين مع الدنيا، فالدين هو المعنى والإنسان هو الذات التي تحتضن هذا المعنى لتطبيقه في الدنيا بقدرة الإنسان على فهم قوانين الحياة.

مفاهيم دالة :

٢١٩ - الصراط المستقيم، هوان نتبع قانون الله الذي خلق الأرض والسماء وكل الكائنات وخلق الإنسان ليكون وجودا كاملا، عنده إرادة، وعنده عقل، وعنده قلب، وعنده ضمير، وعنده قدرة على الفعل، وعنده قدرة على التغيير

تاريخ الحديث: ٢٠١٢/٩/٧

”… عباد الله: تدبروا آيات الله، وسنة رسول الله ــ صلوات الله وسلامه عليه ــ وهو يعلمنا كيف نكون على الصراط المستقيم، (اهدنا الصراط المستقيم، صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين). هذا الصراط المستقيم، هوأن نتبع قانون الله، الذي أوجده على هذه الأرض. ) …أعطى كل شيء خلقه ثم هدى) ، (الذي خلق فسوى، والذي قدر فهدى) ، (ونفس وما سواها، فألهمها فجورها وتقواها). في كل هذه الآيات، التي تتحدث عن التسوية (..خلق فسوى)، (ونفس وما سواها)، تتحدث عن كمال القانون، عن قانون الخلق، عن قانون هذه الحياة، فقد سوى الأرض والسماء والإنسان وكل الكائنات، أكمل خلقهم (…أعطى كل شيء خلقه ثم هدى)، (فألهمها فجورها وتقواها، قد أفلح من زكاها، وقد خاب من دساها). أصبح الإنسان كاملا، عنده إرادة، وعنده عقل، وعنده قلب، وعنده ضمير، وعنده قدرة على الفعل، وعنده قدرة على التغيير، وأصبح الإنسان بذلك عالما قائما بذاته، يتحرك في هذا الكون، يسمع ويرى، ويتحرك ويفعل. فجاءت الرسالات السماوية، لتعلم هذا الكائن، كيف يستقيم في دنياه، وكيف يستقيم في آخرته، وعلمته أن الدنيا مزرعة الآخرة، وأن هذا، لا يعني أن ينسى نصيبه من الدنيا. ونصيبه من الدنيا هنا، هو كسبه في الله، من خلال استقامته عليها، في أفعاله وأعماله، في معاملاته، وفي كل حركاته وسكناته. فكان الإسلام بذلك: هو كاشف لقانون الحياة، معلما له. وكان الإيمان أن تمارس هذا القانون في حياتك وفي معاملاتك. وكان الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك. إهتم الصوفية بمقام الإحسان، الذي لم يأخذ حظه من جانب الكثيرين من الفقهاء والعلماء. فقد توقف الفقهاء عند النظر إلى الشكل وكماله، وأصبح كل همهم هو ضبط الشكل. فاهتموا بشعائر الصلاة والصوم والحج، وتوقفوا كثيرا عند الشكل، وأخذوا قرونا، حتى يسمحوا للمسلمين بالرمي في أوقات مختلفة ـ مثلا ـ أو أن يقوموا بالذبح بصورة منظمة، كما هو الحال الآن. انشغلوا كثيرا بهذه المظاهر، ولا مانع من ضبطها، ولكن مع فهم أن المقصد والهدف من العبادة، يجب أن يحترم، ويجب أن يتعلم، وأن يتأمل فيه. ولا يكون ذلك، إلا باستحضار الله وذكره، في كل عبادة وفي كل معاملة، وإدراك أن الله يريد بعباده اليسر، ولا يريد بهم العسر، وإنما كشف لهم من آياته، برسالاته السماوية وبإرسال رسله إليهم، عن معنى وجودهم، وعن مقصود العبادة والمعاملة، وأنه أقرب إليهم من حبل الوريد، ومعهم أينما كانوا. مطلوب من الإنسان، أن يستحضر الله في كل أعماله وأفعاله، وأن يتساءل بينه وبين نفسه: ماذا يريد الله بنا من ذلك؟ ما هي رسالته إلينا؟ كيف أستقيم في عمل، إذا لم يكن متخللا كل جوارحي، بمقصوده وهدفه؟ كيف أكون صادقا في صلاة أو في صوم أو في حج أو في أي معاملة، وأنا فقط أؤديها من الظاهر، بمفهوم أنني مجرد مؤدي، طلب منه فعل ويؤديه، وهذا هو المنتهى؟ كيف أكون في مقام الإحسان، وحالي كذلك؟ كيف أكون صادقا في قيامي، أشهد الله علي، وأنا غير مقتنع بما أقوم به؟ كيف يكون حالي كذلك؟ لأقوم في مقام الإحسان، واجب علي أن أكون بكلي قائما في عبادتي. وكما قال ابن الفارض: (يا قبلتي في صلاتي .. إذا وقفت أصلي. جمالكم نصب عيني.. إليه وجهت كلي). “كلي هنا” تعني أنه قائم بكله في صلاة، متجها بكله إلى قبلته، قبلته التي أرشده الله إليها. إن القيام في أي مقام، لا يكون بمجرد ترديد معنى المقام بكلمات، وإنما هو في ممارسة حقيقية. وهذه الممارسة، لا تكون إلا بالصدق، ولا تكون إلا بالفهم العميق، لمقصد ما نقوم به في حياتنا. لذلك نقول دائما أن الدين حي. حي، بتفاعل الإنسان مع واقعه، بتفاعل الإنسان مع أحداث الحياة حوله، بتفاعل الإنسان مع العلوم التي تتكشف له. إن القانون واحد لا يتغير. نحن نعلم ذلك، ولكن ما يتكشف لنا كل يوم، هو أمر لم نكن نعلمه، والدين كذلك، لأن الدين هو الذي يكشف لنا قانون الحياة. فالدين كاشف لقانون موجود، أوجده الله، وليس منشئا له، لأن المنشئ هو الله (الذي خلق فسوى، والذي قدر فهدى). فمقولة أن الدين ثابت لا يتغير، هي مقولة، قد يكون فيها شيء من الحق والحقيقة، إنما في أغلب الأحيان، حين تقال، يراد بها باطل، لأنها تستخدم لوقف التفكير والتدبر والتأمل. فالدين، هو كاشف للقانون، وليس منشئا له. ومن ثم، فإن إدراكنا، وما يكشف لنا، متغير بقدراتنا، وبما ترسله لنا الأحداث من رسائل، وبما يكون الواقع عليه. فنحن حين نقرأ الآيات اليوم، نقرؤها ونحن في سياق مختلف تماما، عما كان يقرؤه السابقون، وفي واقع مختلف تماما، عما كان يقرؤه السابقون. ومحاولات البعض ألا يقرءوا، إلا وهم يضعوا أنفسهم في بيئة السابقين، هو تجميد لعقولهم، وتجميد لدينهم، الذي هو يكشف كل يوم أسرارا جديدة، بقراءات جديدة، وبمفاهيم جديدة، حين نقرأه من خلال واقعنا، ومن خلال معاملاتنا…”

تعليق:

هذا الحديث يربط بين معنى تسوية النفس في الآيات وقدرتها أن تستقيم بتفهمها لقانون الحياة الذي عبرت عنه الأديان، إلا أن قراءتنا لهذه الأديان يتناسب مع قدراتنا ومعارفنا التي تتغير من زمن لزمن ومن مكان لمكان.

مفاهيم دالة :

٢٢٠ - القربان هو أن نتخلص مما يعقينا عن المعراج، نتخلص مما فينا من شيطان يجري منا مجرى الدم بأن يعيننا الله عليه فيسلم لنا، فيكون قوة في الخير، وليس قوة في الشر

تاريخ الحديث: ٢٠١٢/١٠/٢٦

”… ها نحن نعيش أياما مباركة، نتجه إلى الله فيها، ونقرأ رسائله لنا، لعلنا نتعلم، ولعلنا نتغير، ولعلنا نكون أفضل. نكون أكثر تدبرا، وأكثر ذكرا، وأكثر عملا. ندرك أن حياتنا هي رحلة في طريق الله، علينا أن نتخلص فيها من نفوسنا المظلمة، لنتقدم ولنعرج في معراج الله، من حال إلى حال أفضل، ومن قيام إلى قيام أقوم. وها نحن، نعبر عن ذلك في يومنا هذا، بأن نقدم أضحية (فصل لربك وانحر)، (…قربا قربانا فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الآخر…). فالقربان هو أن نتخلص مما يعيقنا عن المعراج، نتخلص مما فينا من شيطان يجري منا مجرى الدم (كان لي شيطان ولكن الله أعانني عليه فأسلم). فتخلصنا من شيطاننا، هو في أن نقتدي برسول الله ــ صلوات الله وسلامه عليه ــ أن يعيننا الله عليه فيسلم لنا، فيكون قوة في الخير، وليس قوة في الشر. فقد أوجد الله فينا نفسا، لها شهوات ولها رغبات، نفسا أمارة بالسوء. ولكن هذه النفس، إذا أعاننا الله عليها فهذبناها ووجهناها، لأصبحت قوة لنا في الخير. فكل ما أودع الله فينا، قابل لأن يكون قوة في طريق الخير. فإذا كان الله قد زين لنا من أمور الدنيا ما نحبه، من مال ومن سلطة ومن قوة، فإن كل هذه الشهوات، لو أنها سارت في الطريق القويم، لكانت قوة في الخير. فحب المال، ليس آفة في حد ذاته، وإنما يكون آفة يوم يخرجنا عن الصواب، ويوم يجعلنا نطغى أو نعتدي أو نأخذ ما ليس من حقنا، وهو قوة في الخير، يوم يكون دافعا لنا لأن نعمل عملا يفيد الآخرين، وأن نكون بما رزقنا الله نافعين كل إنسان في حاجة، (..ومما رزقناهم ينفقون)، لا يبخلون، وإنما يعطون ويزكون، ويدركون أنهم مسئولون، وأن عليهم أن ينظروا إلى إخوانهم الذين في حاجة إليهم. وكل شهوة قد نرى فيها ضعفا إنسانيا، إذا تم تقويمها، فإنها تصبح قوة إيجابية، دافعة للإنسان في طريق الصلاح والفلاح. علمنا الإسلام وهو دين الفطرة، ودين الحياة ذلك في كل أمورنا، بل أن في بعض الأحيان قد تكون صفات حسنة سببا في تأخرنا، إذا لم نحسن استخدامها، (قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى…)، فالصدقة هنا، أصبحت سببا في تأخر الإنسان، إذا اتبعها أذى. وهكذا، نجد أن الصفة التي يتصف بها الإنسان، قيمتها الحقيقية، هي في أن تكون سببا في رقي الإنسان وارتفاع مكانته الروحية. وهذا، هو معنى القربان في واقع الأمر، أنك تحاول أن تقدم ما يدفعك إلى أعلى، ما يجعلك متقبلا من الله. إذا نظرنا في علاقة ذلك، بما وصفه رسول الله ــ صلوات الله وسلامه عليه ــ بمقام الإحسان، فإن ذلك، هو مقام الإحسان (أن اعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك)، وهو استحضار معية الله في كل أعمالنا، وفي كل أحوالنا، وهو مرتبط أيضا بشعيرة الطواف ـ كما نشرحها دائما ـ في مناسك الحج، وهي أن تكون على مسافة ثابتة من بيت الله في طوافك، وإن اختلفت مواقعك، والمواقع هنا، ترمز إلى معاملات الإنسان، وأعماله، وعباداته، وكل شيء في حياته. كل موقع له علاقة بحركة من حركات الإنسان في تعاملاته مع الآخرين، وفي تعاملاته مع نفسه. لو أنه استحضر الله دائما، في كل فعل، وفي كل حركة، وحاول أن يجعل منها عبادة، والعبادة هنا، هي أن يحسن في استخدامها، وأن يكون متذكرا الله فيها. هذه، هي العبادة الحقة، وتذكر الله، والبحث عن الأفضل فيما يقوم به. بل أن البحث عن الأفضل فيما يقوم به، مرتبط ارتباطا وثيقا، بفهمه وإدراكه عن علاقته بالله. وهذا، جوهر الدين، كما نفهمه، وكما فهمه القوم الذين تخلصوا من أوزارهم، وتخلصوا من عبادة أوثان، خلقها آخرون في دينهم. القوم الصادقون المتحققون، أولياء الله الصالحون (…الذين يمشون على الأرض هونا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما). فماذا يقولون، لمن لا يرى في الدين إلا شكلا، وإلا حجرا، وإلا رسما، وإلا قولا؟ ماذا يقولون لهؤلاء، الذين حصروا الدين في أشكال، وألوان، وأماكن، وأزمان، ولم يعرفوه معنى دائما، يجعلهم يقتربون من الحق أكثر، في ربطهم بين حاضرهم وبين غيبهم، بين مشهودهم وبين غيبهم؟ هناك رباط دائم، بين الشهادة والغيب، الظاهر مرآة الباطن، لا يمكنك أن تدعي بأي شكل من الأشكال وبأي صورة من الصور، أنك تفعل هذا لأنه غيب، ولا تنظر إلى أثره في الواقع والمشهود. فالذين يدعون أنهم يعرفون حكم الله في كل أمر، دون أن يربطوا هذا الحكم بما فيه خير الناس ومصلحة الناس وصلاح الناس، لا يدركون أنهم بذلك، يفصلون بين الغيب والشهادة. والغيب دائما يتجلى في الشهادة، يتجلى في الأحسن، يتجلى في الأقوم، يتجلى فيما يقبله العقل، يتجلى فيما تقبله الفطرة السليمة، يتجلى فيما يرتاح إليه الإنسان بقلبه وفطرته وروحه وعقله ووجدانه. هذا، هو الذي يعني بالنسبة لنا، حكم الله. فحكم الله، هو دائما الأحسن والأفضل والأقوم، لا بإسقاط حكم بشكله وصورته على الواقع، ولكن برؤية حكم الله في الواقع، وفي تصريف الواقع، وفيما هو خير في الواقع، وخير في الشهادة، وخير على الأرض، وخير للناس بمعايير الناس لما يعرفوه من معنى الخير والصلاح والفلاح…”

تعليق:

حديث عن معنى القربان وأنه كل فعل وكل صفة تؤدي بنا إلى الأفضل، كل ما أودع الله فينا من صفات يمكن أن تكون قربانا ويمكن أن تكون بعدا عن طريق الحق، القرب أو البعد يعتمد على نية الإنسان وعلى نتيجة عمله.

مفاهيم دالة :

٢٢١ - ماذا يريد الإنسان؟ أيريد أن يفعل ما أعطاه الله من طاقات وإمكانات، وأن يتفاعل مع آيات الحق، ليرى ما سوف تنتجه فيه من فهم؟ أم أنه سيقف جامدا أمام سابقين، تفاعلوا بصورة معينة، فيقلدهم دون وعي ودون فهم؟

تاريخ الحديث: ٢٠١٢/١٢/٢٨

”… لقد عاشت هذه الأمة قرونا، وكان فيها اتجاهان، اتجاه يرى في الدين تواصلا بين القلب ومصدر الحياة، يتذوق معاني الدين ويتأمل فيها بعمق، ويصل إلى أغوارها، ويكبر من معانيها، ويترانم مع كلماتها، محبا للحياة التي تمنحه فرصة الحياة الحقية، محبا لكل الكائنات متناغما معها، يسأل الخير له وللجميع، لكل إنسان، ولكل كائن فيه ذرة حياة. وهناك اتجاه آخر، وهو الاتجاه الشائع العام، الذي لم ير من الدين إلا كلمات محدودة، يقرأ هذه الكلمات قراءة حرفية، ينظر إليها ككلمات جامدة وكأفعال ثابتة، يظن أنه باتباعه لهذا الجمود، يكون أكثر إيمانا. لم يفتح قلبه للتفاعل مع آيات الحق، وإنما أغلق قلبه وعقله، وأصبح آلة تقلد ما فعله السابقون من فصيل معين. فهناك ـ كما أشرنا إلى السابقين ـ الذين تواصلوا مع الحياة ومع آيات الله، إلا أنه اختار ألا يتواصل، وإنما يقلد. أغلق عقله عن أن يفكر وأن يتأمل ويتدبر، وظن بذلك أنه يكون مسلما حقا. فبغض النظر عن أي نتائج تنجم من ذلك، فكل إنسان عليه أن يختار طريقه، أي الطريقين يريد، وأي المنهجين يفضل. أيريد أن يفعل ما أعطاه الله من طاقات وإمكانات، وأن يتفاعل مع آيات الحق، ليرى ما سوف تنتجه فيه من فهم؟ أم أنه سيقف جامدا أمام آخرين سابقين، تفاعلوا بصورة معينة، فيقلدهم دون وعي ودون فهم؟ مفهومنا الذي نذاكر به دائما، أن الدين، هو تفاعل بين الإنسان وآيات الحق. وقد ضرب الله مثلا بالأرض، (أنزل من السماء ماء فأحيا به الأرض بعد موتها…). أرض خاشعة، فإذا نزل عليها الماء زبدت وربت. وإنك مع آيات الحق، ترجو أن تكون أرضا خاشغة، تتنزل عليك آيات الله، فتخرج ما فيك من بذرة الحياة، فتنمو روحيا ومعنويا وفكريا وحقيا، لا تكون كأرض صماء، لا يتخللها الماء، فلا تنبت فيها بذور الحياة. وإنا نرى في مجتمعنا اليوم، بصورة جلية، الاتجاه المقلد، الأرض الصماء، القلوب والعقول المغلقة. نرى هذا الاتجاه الذي ساد لعصور طويلة، سواء في الظاهر أو في الباطن، إلا أنه اليوم، يظهر على السطح. وكما نتعلم دائما من دروس الحياة، أن كل اتجاه ظهر على الأرض، سوف يدوم. إنما العبرة، فيمن تكون له الغلبة (…وتلك الأيام نداولها بين الناس…). ولكل غلبة نتائجها، سواء كانت نتائج إيجابية، أو نتائج سلبية. ولكن كل إنسان، عليه أن يختار طريقه واتجاهه الذي يدعو له، والذي يرى فيه خيرا أكثر من الآخر. قد يكون هذا التيار الجامد، لعب دورا في قديم، أنه قد حفظ أحداثا وأشكالا وصورا دون تدخل، كما تحفظ الكلمات، في كتاب أو على وسائط يمكن نقلها. ولكن الجانب السلبي، هو في عدم القدرة على التفكر بعمق في هذا المنقول. والجانب الذي يفكر ويتأمل ويتدبر ويتواصل، يكون أكثر قدرة على أن يظهر المعاني الموجودة في هذا المنقول، في أرض الواقع وفي الزمن الحاضر، وأن يكون بذلك، داعيا إلى الحق لكل المجتمعات والحضارات والثقافات. والجانب السلبي الذي يمكن أن يصاحب ذلك، قد يكون من البعض، الذين لا ينضبطون في منطقهم بتسلسل سليم قوي. قد تكون هناك شطحات في الفكر وفي القول وفي الفعل، ولكن يمكن ضبط هذه الأمور، بالتحاور، والحرية الكاملة التي تظهر جميع الصور. والكل عليه أن يتأمل، ويتفكر، ويتدبر، ويتواصى بالحق، ويتواصى بالصبر. لقد خلق الإنسان حرا، ليتفاعل مع كل آيات الله، وليكون بتفاعله نموذجا فريدا بين كل الكائنات، بل أن كل إنسان، هو عالم قائم بذاته. لذلك، فنحن نتجه بفكرنا وتأملاتنا وعقولنا وقلوبنا، أن نتفاعل مع آيات الله، لتخرج أحسن ما فينا، ولنكون حقا قارئين كتاب الله، متبعين منهج رسول الله ــ صلوات الله وسلامه عليه ــ بحق وصدق، وليس بتقليد، دون وعي ودون فهم، إنما بعمق وفكر وتأمل…”

تعليق:

هناك اتجاهان ظهرا على هذه الأرض، الاتجاه الأول يتذوق معاني الدين محبا للحياة ولكل الكائنات، يسأل الخير له ولكل كائن فيه ذرة حياة، وإتجاه آخرلم ير من الدين إلا كلمات محدودة، يقرأها قراءة حرفية، ينظر إليها ككلمات جامدة ويظن أنه باتباعه لهذا الجمود، يكون أكثر إيمانا. قام ويقوم كل إتجاه بدوره فإتجاه الجمود يحفظ الشكل ليتأمل فيه التيار المتأمل المتذوق لهذا الشكل.

مفاهيم دالة :

٢٢٢ - الله يأمر بالعدل والعدل أمر يشمل الجميع، لا تفريق بين إنسان وإنسان، أيا كان لونه، وأيا كان عرقه، وأيا كان دينه، وأيا كانت ثقافته، وأيا كانت حضارته، وأيا كانت لغته

تاريخ الحديث: ٢٠١٣/١/١٨

“…إنا حين ننظر حولنا اليوم، فيمن ينتمون إلى الإسلام اسما، وحين نقرأ آيات الله فنتأملها ونتدبرها، نجد فارقا كبيرا، بين المعاني التي حملتها الآيات الكريمة، وبين ما هو الناس عليه الآن (بدأ الإسلام غريبا ويعود غريبا كما بدأ). ونجد الناس اليوم، وكل منهم يتحدث باسم الله، وبما يريد الله، وبحكم الله، بصورة قاطعة، كما أنه هو الله، أو أنه المتحدث الرسمي باسم الله مع أن الآ يات كشفت لنا أن الله أكبر، وأنه تعالى عن أي صفة، أو شكل، أو صورة. نرى أن آيات الله، قد أكبرت ما في الإنسان من قدرات (قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق…). أودع الله قوة في الإنسان، تمكنه من أن يتأمل ويتفكر ويتدبر، وأن يصل إلى الحقيقة فيما هو مشهود له (…لا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء …)، وقد شاء الله للإنسان أن يعلمه (وعلم آدم الأسماء كلها ..). وجعل للإنسان عقلا، يستطيع أن يحلل الأمور، وأن يربط بين العلاقات المختلفة، وبين الأسباب ومسبباتها، وبين القوى ونتائجها، ويستطيع أن يحكم وأن يرجح رأيا عن رأي، وعملا عن عمل، وسياسة عن سياسة. فنجد الناس اليوم، وهم يقللون من قدرة الإنسان على الحكم، وعلى التأمل والتدبر والفهم ـ باسم الدين، وباسم السلف، وبمحاولة الجمود في صورة وفي شكل، لا يتحركون ولا يسيرون في الأرض فينظرون كيف بدأ الله الخلق، وكيف يبدأه في كل يوم، في كل كشف يكشفه الإنسان، وفي كل علم يعلمه الإنسان، وفي كل تجربة يتعلم منها الإنسان، وفي كل تطبيق يستفيد منه الإنسان، في الشرق وفي الغرب، في الشمال وفي الجنوب، في كل أمة، في كل جنس، في كل حضارة، في كل ثقافة، لا يريدون أن يسيروا في الأرض، ولا أن يتعلموا من بني الإنسان، من إخوانهم في البشرية والإنسانية. آيات الله توضح لنا أن العدل والإحسان وإيتاء ذي القربى هي الأسس التي يجب أن نبني عليها مجتمعنا (إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون). والعدل، أمر يشمل الجميع، لا تفريق بين إنسان وإنسان، أيا كان لونه، وأيا كان عرقه، وأيا كان دينه، وأيا كانت ثقافته، وأيا كانت حضارته، وأيا كانت لغته. فنرانا نفرق في مجتمعنا بين إنسان وإنسان، في كل شيء، في دينه، بل في مذهبه في الدين، في جماعته، فيما يعتنقه من أفكار. فنفرق بين هذا وذاك، ونفضل هذا عن ذاك، بل نفرق بين الإنسان فيمن يملك ومن لا يملك، فيمن يقدر ومن لا يقدر. وكل هذا، يحدث باسم الدين. الدين، أمرنا ألا نقهر إنسانا. وألا نحد من فكر (…فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر…)، (لكم دينكم ولي دين). أعلت الآيات من قيمة الإنسان وفكره، أيا كان، ومن حريته، (…ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله…). وإذا اختلفنا، نرجع الأمر إلى الله، (…الله أعلم حيث يجعل رسالته…). أما على هذه الأرض، فلا يدين أحد أحدا، ولا يحتقر أحد أحدا. قيمة عليا ـ حرية الإنسان. فإذا نظرنا إلى حالنا اليوم، وجدنا أن كل واحد يحاكم الآخر، وأن كل فريق لا يريد للآخر أن يتكلم، وهناك حكم مسبق، على كل إنسان لا يتبع أسلوبا معينا في حياته، وفي فكره، وفي قوله. فالحرية مفقودة من الناحية الحقيقية، حتى وإن تجمل البعض بأنه يتحدث بها، إلا أنه في أعماقه، قد لا يكون مؤمنا بها إطلاقا. إنه يريد أن يفرض أمرا معينا، وشكلا معينا، وصورة معينة، ولا يريد لأحد أن يتكلم، أو أن يرفض، أو أن يقول أن هناك رأيا آخر، وأن هناك صورة أخرى، بل يريد أن يفرض صورة وشكلا وقانونا واحدا، لا يقبل التغيير ولا التعديل. وهكذا، وهكذا… إذا نظرنا إلى أمور كثيرة في ديننا، وقرأنا الآيات التي تخاطبنا، والتي تحثنا على أمور معينة، كاشفة لقوانين الحياة، التي تصلح أحوالنا، بعمق وبحقيق، في كل أمر من أمور حياتنا ـ نجد أن حالنا ربما يكون مخالفا، في كثير من الأحيان، لهذه المعاني الجميلة، التي تكبر من قدر الإنسان، وتحترم الإنسان، أيا كان فكره، وأيا كانت عقيدته. لذلك، فإن حديث رسول الله ـ صلوات الله وسلامه عليه : (بدأ الإسلام غريبا ويعود غريبا كما بدأ)، نراه قائما اليوم، كما كان قائما في كل عصر من العصور السابقة، التي غابت عنها معاني الإسلام، يوم غاب الفكر، ويوم غاب الاجتهاد، ويوم غاب العقل. ولا نزال نتوارث هذه الغيبة، جيلا بعد جيل، دون أن نفيق إلى حقيقة ديننا، وإلى ما فيه من عمق يساعدنا على التغلب على آفات عصرنا، بفهم عميق لمقاصده، وباحترامنا لبعضنا، وبتواصينا بالحق والصبر بيننا، وبقبولنا أن نخرج عن الجمود الذي وضعنا فيه من سابقين جاءوا قبلنا، لأنهم بشر يصيبون ويخطئون. ربما في عصورهم، كان هذا هو الحال، أما حالنا اليوم، فهو حال مختلف، علينا أن نكون متفاعلين مع واقعنا ومع ديننا، لنصلح حالنا، ولنصلح حال مجتمعنا…”

تعليق:

هذا الحديث يتناول معنى بدء الإسلام غريبا ويعود غريبا كما بدء بربطه بأمثلة مما بدء به الإسلام من دعوة إلى حرية التفكير والاعتقاد ولازال هناك من الناس في عصرنا الحاضر ممن يحتاجون إلى هذه الدعوة بأبعاد جديدة وهكذا في أمور كثيرة

مفاهيم دالة :

٢٢٣ - الدين في جوهره هو صلاح الإنسان في الدنيا والآخرة، ولا يكون هذا الصلاح إلا يوم يقدر الإنسان ما أعطاه الله

تاريخ الحديث: ٢٠١٣/٣/٢٢

”… إن الدين في جوهره، هو صلاح الإنسان في الدنيا والآخرة. وصلاح الإنسان في الدنيا والآخرة، لا يكون إلا يوم يقدر الإنسان ما أعطاه الله. وليقدر الإنسان ما أعطاه الله، عليه أن يكتشف في وجوده هذه القدرات، التي وهبه الله إياها. وليكتشف هذه القدرات، عليه أن يقرأ كتاب الله، وأن يستمع إلى ما جاء به رسول الله. وهذا، ما نقرؤه في آيات الله، التي توضح لنا رسالة الإنسان على هذه الأرض، منذ خلق آدم )…إني جاعل في الأرض خليفة…(، وتساؤل الملائكة )…أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني أعلم ما لا تعلمون، وعلم آدم الأسماء كلها…(. وأصبح آدم بما علمه الله هو الإنسان الذي ما ظهر الله في شيء مثل ظهوره فيه. وأصبح الإنسان، بما ظهر الله فيه، أعظم الكائنات. وما كان أمر الله للملائكة أن تسجد لآدم، إلا للتعبير عن هذا المعنى. فقد علم ما لا تعلمه الملائكة. ولكن الإنسان، بتواجده على هذه الأرض، ينسى ما فيه من قدرات وإمكانات. وهذه، دورة الإنسان، فهو يتواجد، ثم يخطئ، ثم يتوب، ثم يتلقى من ربه كلمات، ثم يسير في الأرض فيرتقي من حال إلى حال، ليصير عبدا ربانيا، ويدخل في معراج العبودية لله، كما عرفنا إياها رسول الله ــ صلوات الله وسلامه عليه. فإذا كان الإنسان خطاء، فهذا لا يعني أن نقلل من قدره. وهذا، ما رأته الملائكة، (…أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء…). وهذا، ما نراه أيضا في أرضنا، لأناس يفسدون في الأرض، ويسفكون الدماء. ولكن هذا، لا يقلل من قدر الإنسان. هؤلاء، الذين يسفكون الدماء، نسوا ربهم، ونسوا خلقهم. وقد يذكرون بعد ذلك ويتوبون، وقد يظلون في غيهم وفي فسادهم وفي سفكهم لدماء إخوانهم في البشرية. فهذا موجود، وهذا موجود، منذ خلق الله الخلق، وأمر آدم وإبليس أن يهبطا إلى هذه الأرض. فقانون هذه الأرض، فيه مجال للشيطان، وفيه مجال للرحمن، (قال فبعزتك لأغوينهم أجمعين ) (إن عبادي ليس لك عليهم سلطان…). لذلك، فمن ينظر إلى هذه الأرض، يجد فيها الذين يسفكون الدماء، ويجد فيها من يذكرون الله (الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلا… ). يجد شياطين الإنس على هذه الأرض، وهم يعيثون فيها فسادا. ويجد كذلك عباد الرحمن (..عباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما). الذين لا يرون إلا شياطين الإنس، يصفون الأرض كلها كذلك. والذين يرون عباد الرحمن، يرون الأرض أنها لعباد الرحمن، وأن الأرض كلها كذلك. والذين ينظرون فيرون هؤلاء وهؤلاء، يتعلمون حكمة الله على هذه الأرض، ويتعلمون دفع الله الناس بعضهم ببعض. الإنسان طاقة كبيرة، إما في الخير، وإما في الشر، إما في النور، وإما في الظلام، وعليه أن يعمل قوته. فتكريم الإنسان، هو أمر موجود في آيات الله، التي تكشف لنا قانون هذه الأرض، والتي تعلمنا كيف نكون من الأخيار، من عباد الرحمن. الإنسان، هو حجر الزاوية، الذي يستطيع أن يتفاعل مع الواقع، ومع آيات الله، ليخرج أفضل ما يجب أن يكون عليه في حاضره. لذلك، فنحن نذاكر دائما، بأن نقدر الإنسان، وأن نجعل قدراته تتسع. فكلما اتسعت قدراته ومداركه وعلمه، كلما استطاع أن يستوعب أكثر، آيات الله له…”

تعليق:

يشرح هذا الحديث دورة الإنسان على الأرض وكيف أنه بتواجده عليها ينسى الله فيه من قدرات إلا أن رسائل الله له في الآفاق وفي نفسه تذكره بما فيه من قدرات، يمكن أن نطلق على مرحلة النسيان أنها مرحلة الخطأ وأن التذكر هو مرحلة التوبة وإعمال القدرات للرقي في الله.

مفاهيم دالة :

٢٢٤ - الحياة الحقة هي أن يحيا قلبك، وأن ينير عقلك، وأن تشعر بمعية الله معك، في كل أحوالك ومعاملاتك وأن تكون حيا عند ربك ترزق، ليس فقط بعد أن تفارق هذه الحياة، وإنما وأنت قائم في هذه الدنيا

تاريخ الحديث: ٢٠١٣/٥/٣

”… الحياة على هذه الأرض، ليست فقط في أن تقوم عليها، وتتحرك، وتعمل، وترزق، إنما الحياة الحقة هي أن يحيا قلبك، وأن ينير عقلك، وأن تشعر بمعية الله معك، في كل أحوالك ومعاملاتك، في كل حركة وسكنة، في كل تعامل ومعاملة، وأن تكون حيا عند ربك ترزق، ليس فقط بعد أن تفارق هذه الحياة، وإنما وأنت قائم في هذه الدنيا. دين الحق، يوجه الإنسان لمعنى الحياة الدائمة. فالإنسان، هو اللبنة الأساسية في المجتمع. أول توجيه للإنسان، عبر عنه الحق، يوم خاطب رسوله، فقال له: إقرأ (اقرأ باسم ربك الذي خلق، خلق الإنسان من علق، اقرأ وربك الأكرم، الذي علم بالقلم، علم الإنسان ما لم يعلم). فهذا التوجيه الأول الذي يبدأ منه الإنسان، هو أن يقرأ. أن يقرأ رسائل الحياة، وأن يقرأ آيات الله، وأن يقرأ كل ما يحدث حوله. أن يقرأ قراءة مستنيرة، ليعرف هدفه، وليعرف مقصوده. على كل إنسان، أن يحاول بقراءته، أن يصل إلى هدفه ومقصوده في الحياة، ماذا يريد، من قيامه على هذه الأرض؟ إننا، حين ننظر إلى حالنا، ونعكس البصر إلى داخلنا، سوف نجد أن كثيرا من أهدافنا، هي أهداف عاجلة، لها علاقة بوجودنا الأرضي. تتراوح هذه الأهداف، ما بين أن يكون هدف الإنسان المحافظة على حياته المادية، بأن يوفر لها الحد الأدنى من احتياجات مادية إلى أهداف مادية أكبرتتعلق بمضاعفة النعم، التي ينعمون بها على هذه الأرض من أموال، وأملاك، ونفوذ، وسلطان. ولكن، أين الهدف الحقي من هذه الحياة؟ إن كل إنسان يعلم أنه مهما حصل على مال، وجاه، وسلطان، ومادة أيا كانت، فهي زائلة، وهو زائل من هذه الأرض، فما هو هدفه الحقيقي؟ لذلك، كان التوجيه الرباني بأن تقرأ لتتعلم ما هو هدفك الحقي. إن كل ما تملكه على هذه الأرض هو وسائل، لتحقيق هدفك الحقي، وليست أهدافا في حد ذاتها. فعليك، ألا تجعل من هذه الاهداف المادية، حجابا ومانعا وعائقاعن هدفك الحقي. إقرأ آيات الله في الآفاق، وفي نفسك، لتتبين هدفك الحقي، أن تكون حيا، أن تكون إنسانا، أن تكون عبدا لله، أن تكون متعاملا مع الله، أن تكون مدركا أن كل شيء تقوم فيه، وبه، وعليه في هذه الأرض هو لتكون حيا، لتكون عبدا لله، لتكون سائراعلى الصراط المستقيم، لتكون قائما في الطريق القويم. والطريق القويم، والصراط المستقيم، هو ما تراه أنت كذلك، يوم تقرأ، وتكون لنفسك مفهوما، عن معنى الحياة، وعن معنى وجودك. وقد يكون هذا المفهوم، في كيفية تعاملك مع الله على هذه الأرض. إنك تريد أن تكون مستقيما، في معاملتك مع خلق الله، ومع أسباب الحياة. إنك تريد أن تكون عادلا (وأقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان)، أن تكون معطيا (…مما رزقناهم ينفقون). أن تكون محبا (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه). أن تكون خادما، فالدين، خدمة لإخوانك في الحياة. أن تكون محسنا (أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك). ليس الهدف أن تتصور أن كسبك في الله، أن تكون من ذوي الكرامات، أو أن يكشف عنك الحجاب، أو أن تكون منطلقا في السماء، أو أن تكون فاعلا على هذه الأرض بما تريد. ولكن الهدف أن تكون متعاملا مع الله في كل أحوالك، وفي كل ما تقوم به. أن تشعر بمعية الله معك وبمعية رسوله فيما تفعله، وفيما تقدمه. وحين عبر القوم عن هذا الحال، قالوا: (لو غاب عني رسول الله طرفة عين، ما عددت نفسي من المسلمين). الهدف، ليس أن تشعر ببرد الرضا والتسليم، ولا أن تكون من الواصلين، ولكن الهدف، أن تشعر بمسئوليتك على هذه الأرض تجاه الآخرين، وكيف تكون أداة خير لهم، وكيف لا تكون متثاقلا إلى الأرض، إنما تعد نفسك ليوم الرحيل، فلا تنسى هذا اليوم. إقرأ لتعرف هدفك، فمهما قيل لك، ومهما سمعت، فلن تستطيع أن تخطو خطوة إلى الأمام، إلا إذا أدركت أنت هذا الهدف، واقتنعت به اقتناعا كاملا، ورسخ في أعماقك، وفي وجدانك، وفي عقلك، وفي قلبك. أصبحت الدنيا لا تلهيك عن هذا الهدف. إنما أنت تبحث فيها عما يقربك إلى هذا الهدف، وما يجعلك تحقق هذا الهدف، بمراقبة نفسك، فيما تريد، وفيما ترغب، فيما يسعدك، وفيما يحزنك، فيما تبذل الجهد من أجله، وفيمن تقصد، وفيمن إليه تتجه، وفيمن ترجو منه العطاء، فيمن تسأله أن يعطيك، (يا بني إذا سألت فاسأل الله، وإذا توكلت فتوكل على الله) ، (…إنها إن تك مثقال حبة من خردل فتكن في صخرة أو في السماوات أو في الأرض يأت بها الله…)…”

تعليق:

هذا الحديث يضع تعريفا واضحا لهدف الإنسان من وجوده وهو أن يصل إلى حال يشعر فيه بمسئوليته تجاه الآخرين، وأن يكون أداة خير لهم، ولا يكون متثاقلا إلى الأرض، إنما يعد نفسه ليوم الرحيل

مفاهيم دالة :

٢٢٥ - كل إنسان يأخذ من الدين بقدره وتاريخنا أظهر لنا مفاهيم كثيرة، في تفسير آيات الله وسنة رسوله، هذه المفاهيم تباينت من التشدد إلى التيسير في أمور متعددة

تاريخ الحديث: ٢٠١٣/٧/١٢

” … إن كل إنسان يأخذ من الدين بقدره، بحاله، بسعته، بعلمه. وتاريخنا أظهر لنا مفاهيم كثيرة، في تفسير آيات الله وسنة رسوله ـ صلوات الله وسلامه عليه. وهذه المفاهيم، اختلفت اختلافا كثيرا. تباينت هذه المفاهيم، من التشدد إلى التيسير في أمور متعددة. ففي وصف المؤمن والكافر، فسرالبعض الكفر، بصورة تجعل أي إنسان يأتي بمعصية بالكفر، بينما رأى فريق آخر أنه ليس بكافر وإنما يعتبر عاصيا فإذا تاب يرجع إلى حظيرة الإيمان. وآخرون كفروا كل من يخالفهم في الرأي معتقدين أن رأيهم هو حكم الله وأن مخالفيهم لا يحكمون بما أنزل الله مستخدمين الآية: (.. من لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون). وهناك مجموعة أخرى، أرادت أن تتملق الحكام في ذلك الوقت، وأخذت من بعض الآيات، أن الله يفعل ما يريد، (…فعال لما يريد)، (وما تشاؤون إلا أن يشاء الله…)، ووصلوا بمفهومهم هذا إلى الجبروهو أن الإنسان مجبور على فعله، بإرادة الله وبتقدير الله، وأن الحاكم وقد حكم، فهذه إرادة الله، ويجب طاعته وعدم الخروج عليه. كل يأخذ في قضية مهمة مثل هذه، من الآيات ما يثبت وجهة نظره، ولا ينظر للجانب الآخر. فإذا كان الأمر كذلك، فهل يستطيع أحد في وقت ما، أن يستخدم مفهومه، في أن يفرض أمرا على المجتمع، ويقول إن هذا هو الدين؟ إن الدين فيما هو أحسن، إن الدين هو فيما يصلح المجتمع، إن الدين في كفاءة من يعمل وفي قدرته على التغيير إلى الأفضل، الدين له علاقة بالحياة في كل مناحيها بالعمل الصالح، وبإتقان العمل، وباتخاذ الأسباب، وبالعلم والمعرفة، وبالتكافل والتعاون، لا بالتعنت والعناد وأحادية النظرة. لا يمكن أن تتصور أنت الدين بمفهومك، ثم تريد أن تفرض هذا المفهوم، مستغلا اسم الدين لتمرر آراءك وأفكارك ورغباتك وشهواتك. لذلك رأينا في تاريخنا، الكثير من الخطايا ترتكب باسم الدين، وباسم الدفاع عن الدين، ولازلنا نرى ذلك في حاضرنا. أما آن الوقت، لنرجع إلى الدين حقا؟ بأنه أكبر من أي مفهوم نفهمه، وأن الدين هو في استقامة الإنسان في نيته، وفي هدفه، ومقصده، وفي حسن معاملته. الدين، هو الإنسان في خلقه الجميل، في تخلقه بأخلاق رسول الله (كان خلقه القرآن). كان خلقه القرآن بطبيعته وفطرته، بنظرته للواقع، بتيسيره للأمور، بتفريقه بين ما هو دنيوي يخضع للتجريب، وبين ما هو أخروي يخضع لإيمان الإنسان بوجوده الممتد وبعلاقته بربه، لا يخلط هذا بذاك. لا يفرض أمرا يمكن قياسه في الأرض وفي الدنيا، بأنه أخروي، ولا يجعل من أمر أخروي لا يقاس في الدنيا، بأن يقيسه بمعايير الدنيا. فكانت الأمور الأخروية لها علاقة بإيمان الإنسان وبنيته، وليس لأحد أن يتدخل في هذه العلاقة بين الإنسان وربه، في إيمانه، أو عدم إيمانه، أو طبيعة إيمانه، أو نوع إيمانه، أو ما يفعله نتيجة هذا الإيمان. لا سلطان لإنسان على إنسان فيما يعتقده، وفيما يقوم به لممارسة هذا الاعتقاد. أما فيما يخص الدنيا، وما يفعله الإنسان وله أثر على إنسان آخر، فهناك سلطان لإنسان على إنسان بالقانون الذي يرتضيه الجميع. لا يعتدي إنسان على إنسان، ولا يسرق إنسان من إنسان، ولا يحرض إنسان على قتل إنسان، ولا يسب إنسان إنسانا. هذه أمور، تخضع للحكم الدنيوي والمعاقبة الدنيوية. للناس أن يفكروا كما يشاءون، وأن يفهموا دينهم كما يستطيعون، ولكن لا يفرض البعض مفهومه على المجتمع، وإنما يكون أساس التعامل في المجادلة بالتي هي أحسن والدعوة إلى الخير والأمر بما هو أصلح والنهي عما هو أسوء للمجتمع (فلتكن منكم أمة تدعو إلى الخير، وتأمر بالمعروف، وتنهى عن المنكر، وتؤمن بالله). إيمانها بالله، هو أن وجودها على هذه الأرض له هدف، وأن كل ما تقوم به على هذه الأرض، له أثر على حياة الإنسان الروحية والمعنوية والأخروية. ولكن حين تبدأ، فهي تدعو إلى الخير، بمفهوم الخير على ما تراه، وعلى ما يراه أي إنسان. وتأمر بما هو معروف، أنه يؤدي إلى صلاح، وتنهى عن المنكر، الذي يؤدي إلى كل فساد واضح على هذه الأرض. فالمعروف، هو ما تعارف الناس عليه، ووجدوا أنه ينتج خيرا. يدخل تحت ذلك في عصرنا الحالي، كل العلوم المجربة، والتي لها تطبيقات أفادت البشرية في كل المجالات، بما فيها الإدارة والحكم، والتعامل بين البشر، والقانون. وكل هذه التجارب، هي تدخل تحت المعروف. ويدخل تحت المنكر، كل الأمور التي ثبت فشلها، والتجارت التي لم تؤدي إلا لخراب في كل المجالات، بما في ذلك تجارب الحكم في المجتمعات المختلفة، وفي أساليب الإدارة في البلدان المتعددة، وفي كل التجارب البشرية التي ثبت فشلها. والمعروف ليس أمرا ثابتا، وإنما هو متغير مع التجارب والمراقبة وملاحظة الأثر في المجتمع، فقد تعتقد أن هناك أمرا معروفا، وحين تطبقه لا ينتج في مجتمعك الأثر المناسب أو المرجو، فينقل من خانة المعروف إلى خانة المنكر. وربما هناك شيء كنت تعتقد أنه منكر في تجارب سابقة، ولكن الواقع الذي تعيشه، يستحضر هذا الذي فشل في مكان آخر، فربما حين تجربه يؤتي بأثر جيد، فيدخل في خانة المعروف، بالنسبة لك. فالمعروف والمنكر، أمور نسبية وليست مطلقة، تخضع للقياس والمراقبة، ويأمر بها الخبراء والفقهاء والعلماء..”

تعليق:

تأمل في الآية: (فلتكن منكم أمة تدعو إلى الخير، وتأمر بالمعروف، وتنهى عن المنكر، وتؤمن بالله)

مفاهيم دالة :

٢٢٦ - شرع الله لنا من المناسك ما فيه رسالة دائمة لنا، لا يمسها تحريف الكلمات، أو النقل، أو سوء الفهم. مناسك ينقلها إنسان إلى إنسان، تتمثل في أفعال يأتيها، وأمور يقوم بها

تاريخ الحديث: ٢٠١٣/١٠/٢٥

”… شرع الله لنا من المناسك ما فيه رسالة دائمة لنا، لا يمسها تحريف الكلمات، أو النقل، أو سوء الفهم. مناسك ينقلها إنسان إلى إنسان، تتمثل في أفعال يأتيها، وأمور يقوم بها، فتكون هذه الحركات والمناسك والأفعال، رسالة دائمة للإنسان، ليتأمل ويتفكر ويتذكر رسالته على هذه الأرض. ومناسك الحج، فيها الكثير من الرسائل. وقد أشرنا في أحاديث سابقة، عن معاني للطواف والسعي، وهناك مناسك أخرى، منها التلبية والوقوف بعرفة، ورمي الجمرات، والهدي، والتقصير، كلها تحمل رسائل. إن الله يوم خلقنا على هذه الأرض وأوجدنا، وضع لنا هدفا نحققه (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون). فالتلبية هي تلبية لهذا الهدف، هل تريد حقا أن تكون عبدا لله، إذا أردت أن تكون حقا عبدا لله، فعليك أن تعرف. والمعرفة تحتاج إلى علم، والعلم يحتاج إلى بذل جهد، ويحتاج إلى صدق في الرؤية، وإلى إعمال لكل ما أعطاك الله من إمكانات وقدرات، من تمييز بالقلب، ومن تأمل بالعقل، ومن عمل بالجوارح، وقبل كل ذلك، يحتاج إلى توفيق الله، ويحتاج أن تكون متعاملا مع الله، وأن تكون متجها إلى الله، وأن تكون ملبيا لله. ومناسك الحج متداخلة، كل منسك يؤدي إلى الآخر، فنجد الطواف يسبق وقوف عرفة، ونجد الطواف يلحق بوقوف عرفة. أنت تحتاج لتلبي حقا، أن تكون متعاملا مع الله في كل أمر في حياتك. وهذا، معنى من معاني الطواف، حيث تكون في بعد ثابت من المركز، وهو البيت، في طواف حوله، في كل نقطة في مسارك وفي طوافك، كل نقطة تعبر عن موقف لك في الحياة، وعن حال لك في هذه الدنيا. فعليك أن تكون كذلك، حتى تعد نفسك للتلبية، وأن تمارس السعي بين الصفا والمروى، كلما صفوت ارتويت، وكلما ارتويت صفوت، فتكون بعد ذلك أهلا لأن تلبي، لبيك اللهم لبيك. تقف بعرفة، فلا يكون هناك شاغل لك، إلا أن تدعو الله، وأن تذكر الله، وأن تسبح بحمد الله، وأن تذكر نعمة الله عليك، وأن تسلم وجودك لله. إن الحمد والنعمة لك والملك، تحمد الله كثيرا أنك وصلت إلى هذا الحال، الذي تلبي فيه، تلبي فيه حقا، ليس مجرد أنك صعدت بجسدك أو وقفت بجسدك، إنما أصبح لسان حالك، أنك تدرك أن طريقك هي تلبيتك لنداء الله، (وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا…). بعد هذا الحال، الذي تظل فيه لبعض الوقت، والذي قد يكون حالا من أحوالك في سلوكك في طريق الله، فكل منسك من مناسك الحج، هو حال من الأحوال، قد تجتمع جميع كل هذه الأحوال في الإنسان، فالطواف حال، والسعي حال، والوقوف بعرفة حال. فإذا غربت الشمس، لتبدأ يوما جديدا، في حال من الحجاب، بدأت رحلة أخرى في هذا الحجاب. رحلة جهاد، رحلة مجاهدة، رحلة تعامل مع نفسك الأمارة بالسوء، رحلة في طريقك إلى مقاومة هذا الشيطان، إلى رمي العقبة الكبرى. العقبة الكبرى، هي في إحساسك بذاتيتك، في إحساسك بنفسك. تحاول وأنت في طريقك إلى القيام بهذا المنسك الذي يعبر عن هذا الحال، أن تتسلح بأدواتك، التي سوف ترجم بها هذا الشيطان فيك. ففي مكان متوسط، بين عرفة ومنى، حيث توجد الجمرات، تنزل بمزدلفة، فتصلي الصلوات التي تؤدى في جوف الليل، التي تؤدى وأنت في حجاب، فتجمع بين المغرب والعشاء، متجها إلى الله، أن يعينك في طريقك إلى مقاومة نفسك، وبعد أن تؤدي الصلاة، تجمع الأدوات، تجمع ما سوف ترجم به شيطانك. إنه رمز. يقال أن الوقوف بمزدلفة هو أمر سنه رسول الله لأن جميع مناسك الحج، كانت موجودة منذ إبراهيم ــ عليه السلام ــ ولم يكن فيها الوقوف بمزدلفة، يقول البعض ذلك. فإن كان الأمر كذلك، فنحن نقول: أننا نفهم منه رمزا، أنه عليك وأنت في طريقك إلى هذا الحال، وإلى هذا الموقف، الذي تجابه فيه شيطانك، أن تجمع في طريقك كل ما يمكنك من هذه المواجهة، إنها كل الأعمال الصالحات، إنها كل الدعوات، إنها كل الاجتماعات على ذكر الله، إنها كل شيء يقربك إلى الله، إنها كل شيء يساعدك على مجابهة شيطانك. فإذا وصلت إلى موقع العقبة الكبرى، رميت شيطانك بكل ما تحمله من أدوات تمكنك منه. فما تفعله، ما هو إلا رمز لذلك. وهذا أمر أساسي، يساعدك أن تقوم بطواف الإفاضة، وقد رجمت شيطانك، فأصبحت أهلا لأن تتلقى فيوضات من الله، بل أن فيوضات الله، سوف تساعدك مرة أخرى على رجم شيطانك، بل أنك يمكن في الحج، أن تقوم بطواف الإفاضة قبل أن ترجم العقبة الكبرى أيضا. و كما نقول ونتأمل، أن كل حال يؤدي إلى الحال الآخر، إلا في هذين المنسكين لا يهم بأيهما تبدأ. المهم أن تبدأ أمرا، يؤدي إلى أمر ، ثم يتكرر بعد ذلك الحال بعد الحال. فإذا قمت بكل ذلك، ونحرت هديك، أمكنك أن تتحلل تحللا أصغر، لأنك وأنت حرم، تمثل السلام الكامل، والتسليم الكامل، فلا تفعل أي فعل يغير من شيء في وجودك أو في بيئتك. إنك لا تملك شيئا، إنك في سلام دائم. إن الحمد والنعمة لك والملك، لا ملك لك، ولا فعل لك، ولا أمر لك، الأمر لله غيبا. وإذا كنت قد عرفت ذلك، وخرجت كل ظلماتك إلى خارجك، تتخلص منها بقص شعرك، رمزا على أن كل ذنوبك قد خرجت من داخلك، فتتخلص منها، لتدخل في أيام التشريق، في أيام فيها يشرق الحق فيك، فتستطيع أن تتعامل في حياتك مع كل المستويات التي تعوقك عن طريقك. إنك بعد أن أصبحت في هذا الحال، ورجعت إلى حياتك، سوف تقابل عقبات بمستويات مختلفة، بأشكال مختلفة، فقد تبدو أمورا صغيرة بالنسبة لك، ولكنها قد تؤدي إلى ما هو أكثر من ذلك. فعليك أن تعرف، كيف أن تتعامل في حياتك، مع كل ما يعطلك عن اتجاهك، وتلبيتك لله، وللسير في طريق الله. يرمز لذلك، التدرج في رمي الجمرات، فتبدأ برجم الجمرة الصغرى، ثم الوسطى، ثم الكبرى. إنها رحلة حياة، إنها ترمز إلى حياة الإنسان على هذه الأرض، وليست مجرد مناسك تظن أنك بتأديتها بجسدك، قد غفر لك كل ذنبك. فالمغفرة الحقة، يوم تتغير أنت إلى الأفضل، وتتغير أنت إلى الأحسن، وكم من حاج لم يرجع من حجه إلا بما هو أسوأ، وكم من حاج لم يستفد من حجه إلا المشقة، ولم يرجع بأي شيء، وكم من حاج قد رجع من الحج بكل خير(إن قيل زرتم بما رجعتم .. يا أكرم الخلق ما نقول، قولوا رجعنا بكل خير.. واجتمع الفرع والأصول)…” (٢٠ ذو الحجة ١٤٣٤)

تعليق:

هذا الحديث كان بعد رجوعي من أداء مناسك الحج وقد إحتوى على بعض التفاصيل لم أتناولها في الأحاديث السابقة عن بعض مناسك الحج.

مفاهيم دالة :

٢٢٧ - التأمل والذكر والعمل، ثلاثية متلازمة، مرتبطة ومتناغمة، تؤدي كل جزئية فيها ومنها، إلى الجزئية الأخرى

تاريخ الحديث: ٢٠١٣/١٢/١٣

”… إن الله قد وهب الإنسان عقلا وقلبا وجوارح، ليتأمل، وليذكر، وليعمل. التأمل والذكر والعمل، ثلاثية متلازمة، مرتبطة ومتناغمة، تؤدي كل جزئية فيها ومنها، إلى الجزئية الأخرى. فالتأمل يؤدي إلى ذكر، والذكر يؤدي إلى عمل، والعمل يؤدي إلى تأمل، والتأمل يؤدي إلى عمل، والعمل يؤدي إلى ذكر، والذكر يؤدي إلى تأمل. ارتباط وثيق، بين العمل والذكر والتأمل. ونجد في بعض الآيات، أن التأمل والذكر، قد جمعا معا في معنى الإيمان (الذين آمنوا وعملوا الصالحات..) فالإيمان أساسه العقل والقلب. العقل، هو أن تدرك أن هناك ما لا يمكن أن تدركه، وأن هناك ما لا يمكن أن تحيط به، وأن هناك غيبا أكبر منك. وهذا، ما نراه ونذكره دائما، فيما رواه القرآن عن إبراهيم ــ عليه السلام ــ وهو يبحث عن ربه، فيصل إلى الغيب، أنه أكبر من أي مظهر تجلى به على الكون. والقلب، هو التجرد، قلب الإنسان، جوهر الإنسان، ما في داخل الإنسان من فطرة ومن سر إلهي. تشعر هذه الفطرة بالحياة وامتدادها، تؤمن باليوم الآخر (رب أرني كيف تحيي الموتى…) أتشك يا إبراهيم في امتداد حياتك؟ (…قال بلى ولكن ليطمئن قلبي..)، فقلبي يشعر بامتداد الحياة، وأني لا أغادرها إلى فراغ، هذا ما يقوله قلبي، وإني أريد أن أطمئن إلى ما يقوله لي. هنا، الإشارة إلى القلب، إلى إدراكه وإحساسه بمعنى الحياة الممتدة. فالإيمان، يجمع بين العقل والقلب، أو محله العقل والقلب. ونجد التعبير القرآني أيضا (من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا…). فالدين، يعلمنا كيف نفعل ما أعطانا الله، وما وهبنا إياه من عقل وقلب وجوارح، بهم جميعا نغير ما بأنفسنا، ونغير ما حولنا (…إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم…). ولكنا نرى الذين يحاولون أن يغيروا ما حولهم، دون أن يغيروا ما بأنفسهم. وكيف تغير ما حولك، وأنت غير صادق مع ما في نفسك؟ إن الصدق مع العقل والقلب، يحتم عليك خشية الله، وألا تعتقد أنك تملك الحقيقة، بل أنك يمكنك أن تكون أكثر ميلا ـ إن كنت صادقا وخاشيا ـ إلى اتهام نفسك بالسوء (وما أبرىء نفسي إن النفس لأمارة بالسوء). حين ننظر حولنا، نرى نماذج وثقت في نفسها، إلى درجة استباحت بها أرواح الناس حولها، واعتقدت أن مفهومها هو مفهوم الحق المطلق، ورأت غيرها أنه الباطل المطلق. فمع هذه الرؤية، كان من الطبيعي، أن يتخلص الحق المطلق من الباطل المطلق، أن يتخلص الإيمان من الكفر، والصالح من الطالح. وهكذا، نرى درسا لنا، ورسالة من الله، أن الإنسان يوم يفقد خشية الله، واتهام نفسه، حين يكون كذلك، فإنه لا يرى إلا نفسه، ويرى الآخرين لا يستحقون الحياة، ولا قيمة لهم، ولا وجود لهم، فيعثو في الأرض فسادا، وقتلا، وعنفا، وتخريبا، ظانا أنه على الدين يسير، وأنه للدين يحمل، وأنه عن الدين يدافع. كيف يكون إنسان على هذه الدرجة من الثقة، ولا يخشى الله، ولا يجول بخاطره، وماذا لو كان على خطأ، وفعل كل ذلك؟ إن ذلك يعلمنا، أن على كل إنسان أن يراجع نفسه مرة ومرة ومرة، خاصة إذا كان فعله يتعدى حدود ذاته إلى الآخرين (..من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا..)، فكيف يحكم بقتل الآخرين، دون وعي، ودون فهم، ودون يقين؟ لا يكون ذلك إلا بأن لا يعمل الإنسان عقله، ولا يعمل الإنسان قلبه، فيعمل دون عقل ودون قلب، فيفقد الطريق، ويفقد الخشية، ويفقد معنى الإيمان الحقيقي الذي أساسه العقل والقلب، أساسه التأمل والذكر، أساسه الفكر والخشية، أساسه التواضع وعدم التسليم للنفس وللظن، الظن الذي يأخذ شكل اليقين وما هو بيقين. على كل إنسان، أن يقرأ رسالة الحياة له فيما يحدث حوله، فلا يعتقد أنه الحق المطلق، أيا كان فهمه، وأيا كان اعتقاده، عليه أن يراقب نفسه، وعليه أن يراعي الحدود التي تفصل بينه وبين الآخرين، فيحترم هذه الحدود ولا يتعداها ولا يتخطاها. علينا، أن ندرب أنفسنا على احترام الآخرين، مهما كانت رؤاهم ومهما كانت أفكارهم، وألا نعتدي (..إن الله لا يحب المعتدين). نريد أن نكون من (..الذين آمنوا وعملوا الصالحات…). عمل الصالحات، هو أساس الحياة، هو الذي يحيي الإنسان حياة حقة، ولا يكون ذلك إلا بالإيمان الحقيقي، بإعمال العقل، وإعمال القلب…”

مفاهيم دالة :

٢٢٨ - الثورة على الظلم ليست مجرد كلام وشعارات لكن يجب أن تكون هناك خطة كاملة متكاملة لتطبيق هذه الشعارات ولإدارة المجتمع

تاريخ الحديث: ٢٠١٤/٢/٢٧

”… نجد في عالمنا اليوم تماثلا كبيرا بين ما يحدث في بلدان متعددة، نجد هذه الثورات التي لم تشهدها بعض المجتمعات من قبل، وإن كانت موجودة في تاريخ البشرية، إلا أن بعض المجتمعات لم تصادفها مثل هذه الأحداث، وإن كان لا يخلو أي وقت من صراعات بين أفراد المجتمع، إلا أنها تأخذ صور متعددة. هذه الصورة، التي رأيناها في المجتمعات التي تحيط بنا وفي مجتمعنا، تتباين في أشكالها، وفي صورها، وفي دوافعها، وفي الصورة التي ظهرت بها، وفي النتائج التي حدثت بعدها. فقد تكون دوافع البعض نبيلة، وتعطي قوة للمجموع، ولكن هناك حاجة دائمة، لأن تصاحب هذه الدوافع، قوة تمكنها وتساعدها وتجعلها تسير في الطريق التي خرجت من أجله. ولذلك، فنحن حين نشهد في بلدنا ما حدث منذ ثلاث سنوات، وهذه الروح التي كانت موجودة في وقت الثورة، التي خرجت تطالب بحقها في الحياة، وفي حريتها، وفي كرامتها، ونرى الأحداث التي تتالت بعد ذلك، ونرى صورة، مغايرة تماما لهذه الأهداف النبيلة، ظهرت على سطح المجتمع، ندرك أن القضية، ليست فقط تمنيات أو أفكار. وإنما هذه الأفكار، وهذه التمنيات، وهذه الرغبات، وهذه الدوافع، التي تطلب الحق وتطلب الخير، هي في حاجة إلى نوع من فهم قوانين الحياة وآلياتها، وفهم لكيف تكون المجتمعات، وكيف تستقر، وأن يكون هناك من يستطيع أن يقود هذه الحركات إلى بر الأمان. فالقضية، ليست مجرد كلام، وليست مجرد شعارات ترفع. ولكن في النهاية، حين ننظر إلى واقع أرضنا، وقانون حياتنا، وقانون وجودنا، نجد أن هناك قوانين تحكمه. وعلينا، أن نتبع الأسباب التي تمكن لمجموعة أو لأفراد آمنوا بحقيقة معينة، أن تكون عندهم خطة كاملة متكاملة، لإدارة مجتمع ولإدارة بلد، بصورة يكون فيها الخير والحق والقانون وأسباب الحياة، متوافرة لهم، ويستطيعون أن يقيموها، وأن ينفذوها. قد يكون الظلام قد تغلب بالخداع كما حدث في ماضي، إلا أن الذين كانوا يخادعون، استطاعوا بصورة أو بأخرى، أن يدركوا كيف يوظفون ما عندهم من طاقات، في أن يحكموا ويسيطروا على المجتمع بشكل أو بآخر. قد تكون هذه السيطرة بنوع من الطغيان، وبنوع من الاستبداد، وبنوع من الظلم، وهذا أيضا لن يجعل أي حاكم يستقر إلى الأبد بهذا الشكل، حتى لو استمر فترات طويلة فنجد أن إمبراطوريات ودول تزول وتتغيرلأن هناك دائما حركة في الكون. وفي التاريخ حتى الذين جاءوا وحكموا بنوع من الصدق، وإن استمروا بعض الوقت، فأيضا تتغير الأحوال، ويتغير الحكم من مجموعة إلى مجموعة، أو من إنسان إلى إنسان. هناك دائما تغيير، سواء كان تغيير إلى الأحسن، أو تغيير إلى الأسوأ. في كل الأحوال يجب أن يكون هناك فهم لمن يحكم ولمن يقود، فيما يجب أن يفعله، وأن تكون له رؤية في كيف يدير الأمور. علينا أن نتعلم من كل هذه الأحداث، وأن ندرك أننا ونحن نراقب هذه الأحداث حولنا, علينا أن نتفاعل معها سلبا وإيجابا، بحيث يكون لنا موقف تجاه ما يحدث بقلوبنا، ودعائنا، وأي قدرة نستطيع أن نوظفها في طريق الصلاح والفلاح. وهذا، مطلوب من الإنسان، لأن تفاعله مع المجتمع، وتفاعله مع الأحداث، هو نوع من أنواع التدريب الروحي أيضا. نحن دائما كنا نؤمر ونوجه إلى أن ندعو بالسلام، وأن نصدر قوة للسلام، وأن يكون دعاؤنا للسلام، وفي هذا إقرار منا بأن مطلبنا الدائم هو أن يعيش الناس جميعا في أمان وفي سلام، ليستطيعوا أن يحققوا رسالتهم على أرضهم، وأن يكونوا في معنى الحياة الحقة، التي هي أمل كل إنسان على هذه الأرض…”

تعليق:

هذا الحديث يوضح أن الشعارات وحدها غير كافية مهما كانت ملهمة وتستند إلى قيم حقية فإنها في حاجة لقوة تساندها على الأرض حتى يمكن وضع نظام قادر أن يدير نفسه في الطريق القويم. كان هذا الحديث في فترة أجهضت فيها كل الأفكار والآمال التي صاحبت ثورة ٢٥ يناير في بدايتها.

مفاهيم دالة :

٢٢٩ - الدين هو قانون الحياة، هو المنهج الذي يحيي الإنسان. وأول خطوة في إحياء الإنسان، هي في تفجير طاقاته الكامنة، في تعليمه وتدريبه وإعداده لرحلة الحياة الممتدة

تاريخ الحديث: ٢٠١٤/٤/١١

”… دين الحق، يخاطب ما فيكم من عقل، وتذوق، وتمييز، وقدرة على العمل والتغيير. دين الحق ليس دعوة إلى شعارات، أو أشكال أو صور، وإنما هو دعوة إلى فكر، وذكر، وعمل. دين الحق ليس كلمة تقال لتحقيق مأرب دنيوي، وإنما هو دعوة للإنسان أن يكون إنسانا حقا. إن كلمة الدين تردد بمعان كثيرة، فهناك من يرددها وهو يقصد شكلا ونموذجا، يعتقد أنه النموذج الوحيد لمن يؤمن بالله ورسله وكتبه، وأن من يعترض أو لا يقبل هذا النموذج، فإنه كافر بالله ورسله وكتبه. وهناك من يتصور أن الدين، هو مجرد مناسك وشعائر يقوم بها الإنسان، فإذا قام بها، فهذا هو الدين. يتمثل الدين عنده، في صلاة منسكية وفي صوم وزكاة وحج بشعائرهم ومناسكهم الشكلية الحرفية، وينحصر الدين في هذه الشعائر، وأنه بذلك يقام الدين، وليس غير ذلك. وكل يستخدم تعريفه للدين، لتحقيق أهداف دنيوية مادية. فالذي يريد أن يطبق نموذجا يعتقد أنه ما جاء به الدين، يوهم نفسه بأنه هو القادر على تحقيق هذا النموذج، وقد يريد في باطنه سلطانا، وجاها، ومالا، وتمكينا في الأرض، وحكما لمجتمعه ولمجتمعات غيره. والذي يحصر الدين في مناسك وشعائر أيضا، قد يريد بذلك أن يبعد الدين عن شكل يريده لحكم وتمكين في الأرض، يكون هو المتحكم والحاكم فيه. وهناك الكثير والكثير، من تعريفات أخرى أو مفاهيم أخرى في داخل كل إنسان، عن مفهوم الدين بالنسبة له. ونحن حين نتأمل فيما جاءت به الرسالة المحمدية، وما جاء به القرآن الكريم في آياته المتعددة، وفيما أمر به الحق، وفيما نهى عنه، تكون لنا رؤية في مفهوم الدين. فالدين ــ كما نفهمه ــ هو قانون الحياة، هو المنهج الذي يحيي الإنسان. وأول خطوة في إحياء الإنسان، هي في تفجير طاقات الإنسان الكامنة، في تعليمه وتدريبه وإعداده لرحلة الحياة الممتدة. والخطاب الموجه للإنسان في آيات كثيرة، يدعو الإنسان لذلك. وأول دعوة (…يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم)، (..إنها إن تك مثقال حبة من خردل فتكن في صخرة أو في السماوات أو في الأرض يأت بها الله…). لذلك، كان أول ركن في الإسلام، هو شهادة أن لا إله إلا الله. وكما نفهم ونتأمل في شهادة لا إله إلا الله، فإنها شهادة تجعل الإنسان حرا لا يعبد إلا الله، فإذا أراد شيئا لجأ إلى قانون الله. وقانون الله، أوجده في كونه. فإذا أراد الإنسان أن يزرع، فعليه أن يتعلم قانون الله الذي أوجده على هذه الأرض في كيف تنمو النباتات وتنمو الأشجار، فعليه أن يتعلم هذا القانون. وإذا أراد أن يصنع، فعليه أن يتعلم كيف يتعامل مع المعادن، وتشكيلها، وتغيير صورتها من حال إلى حال، ومدى قدرتها على أن تتحمل أحمالا، وكيف يستطيع أن يشكلها في تراكيب وفي صور مختلفة، تحقق وظائف تخدمه في حياته على هذه الأرض. وهكذا، في كل العلوم. فيكون العلم هو عبادة، لأنك من خلاله تؤمن بقانون الله على أرضه. ومن قوانين الله على أرضه، أن لم يجعل لإنسان سلطة على إنسان، إلا بمشيئته وإرادته. وهذا جانب إيماني، يرسخ في الإنسان بما يراه من حكمة الله على هذه الأرض. فحين تنظر فيما يحدث على هذه الأرض، تجد أن الله يعز من يشاء ويذل من يشاء، (…مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير). وكل إنسان له تجاربه الشخصية، في تعامله مع من كان يعتقد أن بيده الأمر، فلا يجد لأحد في يده الأمر إلا ما شاء الله له، ويسبب الله الأسباب، إذا أرادك أن يصلك شيء وصلك، وإن أراد أن يمنع عنك شيء ـ مهما فعلت ـ منعك. ولذلك قال القوم: (عرفت الله بتغيير ما أريد). تشاء شيئا فلا يكون، ولا تشاء شيئا يأتي إليك. من أراد الدنيا ذلته، ومن تركها جاءته. (وما تشاؤون إلا أن يشاء الله…)، (يا بني إن سألت فاسأل الله، وإن استعنت فاستعن بالله). هذا الذي يعطيك حرية، فلا تكون عبدا لأحد (…فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها…)، (…تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله…). فأول خطوة في مسيرتك الحقية، هي أن تكون حرا، والله أعطاك حريتك، وجعلك عالما قائما بذاته، فأوجد فيك فكرا يحركك، وقلبا يميز بين الخير والشر، وجوارح تستطيع بها أن تعمل وأن تغير في عالمك، فتصمم، وتزرع، وتصنع، وتبني. كل ذلك، بعد أن تكون قد تدبرت، وتفكرت، وتعلمت. الدين يخاطبك، لتكون إنسانا صالحا يستطيع أن يغير على هذه الأرض (…إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم…)، وقد أعطاك القدرة على أن تغير ما بنفسك، فإن كنت جاهلا تتعلم، وإن كنت مريضا تتطبب، وإن كنت فقيرا تخدم الناس فيكون لك أجرك الذي يغنيك (ألم يجدك يتيما فآوى، ووجدك ضالا فهدى، ووجدك عائلا فأغنى). وعلمك الله أن تتخذ الأسباب التي أوجدها، فلا ترسم لله صورة فتعتقد أنه يجب عليه أن يفعل كذا وكذا ــ حاشى لله ــ فتعتقد أن الله يجب أن يحق الحق كما تراه، وما أدراك ما هو الحق؟ أو أن الله سوف يعطيك شيئا معينا، وما أدراك أن هذا الشيء فيه خيرك؟ فتسأل الله وأنت مسلم أمرك لله، تسأل بما ترى أنه الخير، وفي نفس الوقت، تقبل ما يعطيك الله وما يمن به عليك. فترى الخير فيما أعطاك، وتحاول أن تكون أكثر عقلا في استخدام ما أعطاك، فتوجه ما أعطاك إلى طريق ترى أنه الخير، في كل عطاء لك، في مالك، وفي صحتك، وفي علمك. في كل نعم الله لك، تحاول أن تكون أمرا وسطا. والأمر الوسط، هو ما ترى أنه العدل بين الشيء وضده ـ في نظرك وفي تقديرك ـ فنيتك في هذا، هي المعيار الذي تحاسب به في قانون الله الذي أوجد. فيكون كل ما جاء به الدين، هو خطاب لك لتقوم هذا الإنسان، هذا الإنسان الذي يقوم دائما أمرا وسطا، ويريد الخير له وللناس أجمعين، فيكون عادلا في عطائه وأخذه، فيما يقدم وما يقدم له، ويرى في كل ما أتى به دينه، من وسائل ومن عبادات ومن مناسك، إنما هي لمساعدته على ذلك، ولتدريبه ليكون إنسانا صالحا. وأن كل ما جاء في تعامل الناس بعضهم ببعض، هو ليكون المجتمع أفضل حالا وأكثر صلاحا، فيكون المقصد دائما أمامه، ويكون المجتمع بأفراده وتواصيهم بالحق والصبر، هم من يقدرون ما فيه خيرهم وصلاحهم. فالإنسان، مأمور فيما يخصه كإنسان. والأمة، مخاطبة فيما يخصها كمجتمع يدير شئونه وأحواله. وما جاءت الآيات، إلا لتوضح المقاصد الكلية، وتعطي أمثلة لتطبيق يمكن أن يستنبط ويستنتج من هذه الآيات التي تخرج مفاهيم كثيرة وأحكام كثيرة، يمكن لنا أن نتأملها وأن نستخرج أحكاما أكثر يوم ننظر إلى واقعنا، وإلى ما يحقق المقاصد الكلية في هذا الواقع. لا يستخدم الدين في تفضيل جماعة على جماعة، إنما الدين للجميع، كل يقرأه، وكل يفهم منه، وكل يريد أن يكون إنسانا صالحا، يقبل فهم الآخر الذي يغير المجتمع إلى الأفضل، ولا يستخدم مفهومه في دينه، ليكون متسلطا، حاكما، جامعا لمال أو لسلطة أو لجاه. إنما إذا أراد أمرا دنيويا، يستخدم الوسائل المشروعة للوصول إلى ما يريد، بأن يقدم خدمة أفضل للناس، وأن يقدم ما فيه خيرهم وصلاحهم. فنتيجة ذلك، سوف تكون تمييزا له بصورة يجب ألا تجعله مستكبرا، وإنما تجعله دائما متواضعا، يبحث عن كيف يخدم الناس في كل صورة، وفي كل شكل. يخدمهم فيما يقدم من أفكار، وفيما يبدع من إبداعات، وفيما يعرف من علم، وفي كيفية تطبيق هذا العلم. فإذا زاد ماله، فكر كيف يستثمره لخدمة مجتمعه، ويكون عادلا فيما يقدم وما يأخذ، غير محتكر، غير مستغل، يسير في الطريق القويم. وإذا أراد حكما، سعى إلى ذلك بأن يقدم الحلول للناس بفكره وبرؤيته، لأنه إذا طلب الحكم، يطلبه لأنه يرى أنه يستطيع أن يخدم الناس. الدين يعلمنا ذلك، ويربينا على ذلك، حتى إذا نزلنا إلى الحياة الدنيا وما فيها، كنا متحلين بهذه القيم المعنوية الخلقية العالية، التي تصلح حالنا وتقوم أمرنا…”

تعليق:

حديث عن مفهومنا للدين مقارنة بمفاهيم أخرى للدين عند الناس.

مفاهيم دالة :

٢٣٠ - أعطاك الله في خلقك إمكانات ونعم كثيرة، كل هذه النعم، لتتلقى كلماته ولتتلقى آياته، فتكون كلماته وآياته بذورا تلقى في أرض ذاتك، تروى بذكرك ودعائك، وترعى بعلمك وعملك

تاريخ الحديث: ٢٠١٤/٦/٢٠

”… جاءت الرسالات السماوية، لتعلم الإنسان هدفه في الحياة، وتعلمه أيضا المنهج الذي يسير عليه. جاءت بما يؤكد قيمة الإنسان وما أنعم الله به عليه. جاءت لتقول للإنسان: إنك خليفة الله على الأرض، قد حملك الأمانة، وأعطاك قدرة، وإرادة، وفكرا، وعقلا، وقلبا، وذاتا تفكر وتذكر وتعمل. أعطاك كل هذه النعم، لتتلقى كلماته ولتتلقى آياته، فتكون كلماته وآياته بذورا تلقى في أرض ذاتك، تروى بذكرك ودعائك، وتفهم بعقلك وتأملك. جاءت رسالات السماء، لتعلم الإنسان ما فيه من أسرار، وأرسلت له الآيات، لتساعده على فهم ما فيه من أسرار وقدرات وإمكانات. ما جاءت الرسالات بشكل جامد، أو بصورة جامدة، أو بنظام جامد، نقول عنه أن هذا هو ما أرسل الله. إنما جاءت بآيات تحمل نورا، حتى إذا تلقاها الإنسان، فتحت له أبواب الحقيقة وأبواب الخير وأبواب السماء (سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق…).إن كل من تصور في سابق، أن هناك شكلا واحدا ومفهوما واحدا لما جاءت به السماء، وجد أناسا غيره، فهموا فهما آخر وقالوا نفس قوله، أن هذا ما جاءت به السماء. وتعدد الأمر، فلم يقتصر على فريقين. وإنما تعدد في فرق كثيرة، فيمن يقولون أنهم ينتسبون إلى دين واحد. وتعدد الذين يقولون بأن دينهم هو الحق، فتعددت الأديان أيضا، كل يؤيد دينه. وهذا، ما دعا أحد الشعراء المفكرين أن يقول: (هذا بناقوس يدق، وهذا بمئذنة يصيح، يا ليت شعري ما الصحيح). وظل الناس يتساءلون: ما هو الدين الصحيح؟ وما هو المذهب الصحيح؟ وهو سؤال خاطئ في المقام الأول، فلا يوجد مثل هذا الشيء ولا يوجد مثل هذا الدين. إنما هناك مفهوم لإنسان، في دين، أو في مذهب، أو في عقيدة، أو في رسالة، أو في آية، أو في حديث. ومن يتصور أن هناك حق مطلق، وأن هناك دين صحيح مطلق على هذه الأرض بمفهوم إنسان بشري، فهذا يتعارض مع معنى الإنسان بوجوده على هذه الأرض. فكل إنسان يخطئ ويصيب، وخطؤه ليس مطلقا، وصوابه ليس مطلقا (…جعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا…)، (.. ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة…)، (…ولا يزالون مختلفين، إلا من رحم ربك ولذٰلك خلقهم…). فإذا أردنا أن نكون أكثر توافقا مع واقعنا، فيجب أن يلتزم كل إنسان بحدوده، ولا يطلق الأحكام المطلقة، ويعلم أن كل إنسان له ما يفهمه وما يعتقده، ولا يستطيع إنسان آخر أن يقلل من قدره أو من عقيدته، وفي نفس الوقت قد يختلف معه، ولكن الاختلاف الذي لا يفسد للود قضية ــ كما يقولون. وقانون الله ساري، إعتقدت فيه أو لم تعتقد (… إن الله بالغ أمره…)، (..إن كل من في السماوات والأرض إلا آتي الرحمن عبدا). القضية، هي أن تتوافق مع مفرداتك بعقلك، وقلبك، وذاتك، وأن تتأمل آيات الله وترجعها إلى قلبك وإلى عقلك في كل ما يخصك، فهو قضيتك وهو معتقدك. وما يخص الناس والمجتمع، فهو قضيتهم، وهو أمرهم الذي يجب أن يجدوا ما يتوافقون عليه. آيات الله ملهمة، آيات الله منيرة، يوم يستقبلها الإنسان بصدق، ويجعلها تتفاعل مع وجدانه، مع قلبه، مع عقله، مع واقعه. هكذا، يكون المنهج كما نتعلمه، وكما نقرؤه، قد نخطئ في قراءته، وقد يجد آخر منهجا آخر. ولكن في النهاية، نحتكم إلى واقع لا نستطيع منه فرارا، وهو أننا على هذه الأرض نختلف، وسنظل نختلف، ويجب أن نعيش ونحن نختلف.لا يستطيع إنسان أن يحكم على إنسان، فكل إنسان له رؤيته وله معتقده، و لا يستطيع أحد أن يقول إن هذا هو الحق المطلق، لأنه إنسان ولأنه مقيد.فهذا واقع لا نستطيع أن نهرب منه، أو أن نقول أنه ليس موجودا، لأننا نعيشه كل يوم، ونمارسه كل يوم، إنه حياتنا وواقعنا، ما نراه في مجتمعنا، وفي مجتمعات غيرنا، وما نراه حتى في أقرب العلاقات التي يرتبط بها الإنسان، كل له نظره، وكل له رؤيته…

تعليق:

ما جاءت الأديان، إلا لتبين لنا الواقع الذي نطلق عليه أسباب الحياة، علينا أن نتعامل مع هذه االأسباب ونتعايش بعضنا مع بعض في ظلها، نختلف ونتفق، كل في طريقه، فإذا كان أمر يخصنا جميعا، فلنتفق على ما يشعر كل منا بأنه الحد الأدنى الذي يقبله ولا يتعصب لرأي مقابل الآراء الأخرىوهذا معنى يتواصون بالحق، ويتواصون بالصبر.

مفاهيم دالة :

٢٣١ - كل إنسان له رؤيته في الخير وفي الشر، وكل إنسان له معتقده فيما يقوم به، وفيما يفعله، وكل إنسان يمكنه أن يقدم رؤيته، لا يلزم بها أحدا، ولا يجب لأحد أن يتبع رؤية الآخر إلا إذا اقتنع بها

تاريخ الحديث: ٢٠١٤/١٠/١٠

”.. إن الله قد جعل لنا في حياتنا، أمورا وأحداثا يخاطبنا بها، ويضرب لنا الأمثال في كل ما يدور في عالمنا من أحداث، ومن ظواهر، وأمور كثيرة مما يحدث في الطبيعة، ومما يفعله أناس، بل فيما يفعله البشر جميعا، في الشرق أو الغرب، في الشمال أو الجنوب، في كل بقعة من بقاع الأرض، وأمرنا أن نتدبر هذه الرسائل وأن نقرأها (الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار). وخلق السماوات والأرض، يشمل كل من على هذه الأرض، يشمل الناس جميعا، والكائنات جميعها، يشمل تصرفات البشر، وما يفعلون، ما يعتقدون، وما به يقومون، فيما يفهمون، وفيما يقدمون، إن خيرا فخير، وإن شرا فشر. إن الإنسان لا يستطيع أن يحكم حكما مطلقا على الخير أو الشر، وإنما يستطيع أن يحكم من وجهة نظره. فكل إنسان له رؤيته في الخير وفي الشر، وكل إنسان له معتقده فيما يقوم به، وفيما يفعله، وكل إنسان يمكنه أن يذاكر ويقدم رؤيته، لا يلزم بها أحدا، ولا يجب لأحد أن يتبع رؤية الآخر إلا إذا اقتنع هو بها. لذلك، فإن الإستقامة تلزم الإنسان بألا يكره أحدا على أن يتبع رؤيته، كما أن الاستقامة تلزم الإنسان بأن يقدم رؤيته، ويدعو لها. والتوازن بين تقديم الرؤية، وعدم الإكراه للآخر عليها، هو ما يجب أن يتحلى به كل إنسان. فهذا، هو الميزان، الذي يستطيع به الإنسان أن يزن حاله واستقامته في طريق الله (فذكر إن نفعت الذكرى، سيذكر من يخشى، ويتجنبها الأشقى)، (لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي…). لذلك، فإنا حين ننظر إلى الجماعات التي تفهم الدين بصورة معينة، تجعلها تتخذ من العنف سبيلا لما تظن به أنها تنشر الدين وتقيم شريعة الله على أرضه، نقول لهم: فلتعتقدوا ما تعتقدونه، وادعوا إلى ما تريدون أن تدعوا إليه، ولكن لا تكرهوا الآخرين أن يتبعوا ما أنتم تدعون إليه، هذه رؤيتكم، وهذه دعوتكم، ولكن يجب أن تلتزموا بأن ربما تكون هناك رؤية أخرى، ربما تكون هي الأفضل. ليس العيب أن تفسروا آيات الله بصورة معينة، فهذا تفسيركم، وقد ذهب من قبلكم إلى هذا التفسير الذي تسيرون عليه، ولكن في نفس الوقت هناك خط فاصل، وهو عدم الإكراه عليه. لأن ببساطة، لا يمكن أن تكره إنسانا على فهم معين، فهذا الإكراه لن يولد شيئا، لن يصلح إنسانا، لن يغير إنسانا، وإنما سيخلق منافقا. فإذا كنت تريد حقا أن تبلغ دينا يدعو إلى ما فيه خير الإنسان في الدنيا والآخرة، فلا يكون ذلك إلا بمخاطبة العقل، وبأمر يمكن أن نستحسنه على أرضنا. ربما أنت تستحسن ما تعتقده، ولكن قد لا يفعل إنسان آخر كذلك. فطبيعة الأشياء، وطبيعة الحياة تحتم أن تكون الدعوة بالتي هي أحسن، (ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن…)، (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة…). فإذا كنت ترى في مفهومك أنه الحكمة والموعظة الحسنة، فادع بها، لا مانع في ذلك، ولكن لا تكره أحدا عليها، فحتى لو كانت هي الأحسن، فلا يمكن أن تكره أحدا أن يتبعها دون أن يقتنع هو بها، فكان تبليغ الحق (…أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين)، (لا إكراه في الدين…)، (..فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر…)، (لكم دينكم ولي دين). كل هذه الآيات، إنما هي تعبير وكشف عن قانون حقيقي في طبيعة الإنسان وطبيعة الحياة، أنه لا يمكن الإكراه في الدين، بل لا يمكن الإكراه في أي مفهوم على هذه الأرض، إذا أردت أن توصل مفهوما، فطريقك الوحيد هو الحكمة والموعظة الحسنة، أدع ما شئت كيف شئت، كيفما فهمت، وكيفما أدركت، ولكن تلتزم بأن تدرك، أن هذا لا يعني أن ما فهمته هو الحق المطلق. المشكلة ليست في فهم ما، فما يفهمه الناس أو بعض الناس في الدين ومن الدين، من مفاهيم قد تؤدي إلى مفهوم متطرف، لا مانع فيه، أن هذا هو قراءته، وما فهمه، فليكن، ولكن الخطأ الأكبر الذي نراه، هو في استعمال العنف لقهر الناس على هذا الفهم. وحين سئل رسول الله عن الفرقة الناجية قال: (إنها السواد الأعظم من الناس)، والسواد الأعظم من الناس هم من يتقبلون بعضهم البعض، لا يتحزبون، ولا يقولون أننا الفرقة الناجية الوحيدة، هم لن يقولوا ذلك، وإن كانوا هم كذلك. ولكن شرط أن يكونوا كذلك هو ألا يقولوا ذلك، لأن الافتقار إلى الله، وخشية الله، تجعل الإنسان لا يستطيع أن يجزم أن مفهومه هو المفهوم الحقيقي الوحيد، وإنما يخشى الله، (…إنما يخشى الله من عباده العلماء…)، (أنا أقربكم من الله وأخوفكم منه)، هكذا، قال رسول الله ــ صلوات الله وسلامه عليه- فالفرقة الناجية هي التي لا تقول عن نفسها أنها ناجية، وإنما تسلم أمرها لله، وتقبل الآخر، خشية في الله، تدعو بما تعتقده، وتسمع الآخرين (الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه…)، وتعلم أن الله رحمن رحيم، أعطى كل إنسان عقلا وأمره أن يستخدمه (…كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا)، فجعل الإنسان حسيبا على نفسه. أن يعتقد الإنسان أمرا، فهذه مرجعيته، وعليه أن يحاسب نفسه بناءا على هذه المرجعية. فأصبح كل إنسان هو عالم قائم بذاته، فيه الذي يحاسب، والذي يحاسب، وهذا معنى من معاني أن الله (…هو الحي القيوم…)، فهو قيوم على عباده، تجلى بعظمته عليهم، (وتحسب أنك جرم، صغير وفيك انطوى العالم الأكبر). هكذا، نقرأ ديننا. وإعمالا لما نعتقده، من أن كل إنسان عليه أن يبلغ ما يعتقده، نذاكر بذلك بيننا، من قبل هذا الكلام فليقبله، ومن رفضه فليرفضه، بل أننا نتجه إلى الله مستغفرين أن نكون قد قلنا زورا أو غشينا فجورا، نستغفره دائما ونتوب إليه دائما، نرجع إليه، نسأله رحمة، ونسأله مغفرة، ونسأله تقويما لكل ما نقوله ولكل ما نقوم فيه…”

تعليق:

: أن العيب ليس في أن يفهم الإنسان أمرا في دينه، ولكن العيب كل العيب أن يكره الناس عليه. فلتعتقد ما تعتقد، وأدع إلى ما تعتقد، وأن هناك من يعتقد غير الذي تعتقده، إن تابعك الناس والتفوا حولك، فليكن، وإذا أراد المجتمع أن يقيم ما تريده وما تعتقده، فليكن. ولكن يجب أن تعلم أن هذا أمر مادي دنيوي، وليس أمرا مقدسا.

مفاهيم دالة :

٢٣٢ - الحقيقة المطلقة التي نستطيع أن نتمسك بها على هذه الأرض، هي افتقارنا، وضعفنا، وجهلنا، وقلة إدراكنا، وإن الباطل المطلق هو التكبر، والتجبر والاغترار، واعتقاد العلم المطلق

تاريخ الحديث: ٢٠١٥/٢/٢٠

”… إن اعتقاد أي إنسان وأي فريق، أنه يملك الحقيقة المطلقة، لهو الباطل المطلق. وإن ظن أي فريق في نفسه، معتقدا أنه ربما يكون على باطل، فهو الحق المطلق، لأنه يعني افتقاره إلى الله. والحقيقة المطلقة، أننا فقراء إلى الله، وأننا عباد الله، وأننا نجهل أكثر ما نعلم ، لأن هذا واقع نلمسه، ونعيشه، ونمارسه. وهذا معنى من معنى العبودية لله، دون تصور لله في علاه، فتعالى الله عن أي صفة وعن أي شكل. إن الحق المطلق، أنك مغادر من على هذه الأرض، مهما طال بقاؤك. فهذه حقيقة بالنسبة لك مطلقة، لا شك فيها. إنك لو فهمت ذلك، لفهمت معنى ما نقول، أن اعتقادك بجهلك هو حق مطلق ـ بجهلك النسبي ـ لأن هناك ما تعلمه، ولكنك مهما علمت فستظل دوما جاهلا، ستظل دوما لا تحيط بغيب، بل أن هناك غيبا دائما يحيط بك. والباطل المطلق ـ للتقريب ـ أن تظن أنك خالد على هذه الأرض لن تغادر، وكذلك أن تعتقد أنك تحيط بكل شيء، وأنك تعلم كل شيء، فهو باطل أيضا مطلق. لوعرفنا ذلك، لعرفنا أننا نتحرك بين هاتين النقطتين، كل نقطة منهما هي نقطة لا نهائية، ونحن بواقعنا نعيش بين أزل لا بداية له، وبين أبد لا نهاية له. لو أدرك الناس ذلك، لافتقروا إلى الله أكثر، ولتواضعوا لله أكثر، ولأدركوا أن افتقارهم وتواضعهم، ليس منة يمنون بها على الخلق، وإنما هو واقع، وحقيقة يعيشونها ويتعاملون من خلالها. ما استطاع إنسان أن ينسب لإنسان أنه على خطأ مطلق، لأنه لا يعرف ما يعتقده على حق. وما استطاع إنسان أن يسلم لإنسان آخر لأنه على حق مطلق، لأنه لا يستطيع أن يعلم ذلك أيضا. الحقيقة الوحيدة التي يدركها الإنسان، هي وجوده، هي عقله، هي ضميره، هي قلبه، هي محاولته بأن يحيا. لذلك، علمنا ذلك في ديننا وفي قرآننا (…لا تزر وازرة وزر أخرى…)، (فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره، ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره)، وأن المسئولية هي مسئوليتك، وأن القضية هي قضيتك. فلا تتبع دون فهم ودون وعي، فسوف يتبرأ الذين اتبعتهم منك (إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا…). سوف يتبرأ الشيطان منك (ما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا أنفسكم…). فالإنسان مسئول (…كلكم راع، وكلكم مسئول عن رعيته). بل إن الحق يعلمنا ما هو أكثر من ذلك، (..من يهد الله فهو المهتدي ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا). كيف يهدي الله، وكيف يضلل الله؟ إن هذا يكون من خلال الإنسان نفسه. فالإنسان قد يقرأ القرآن، فتلمس قلبه معانيه، فيتفاعل مع هذه المعاني، فيخرج نورا (…جعلنا له نورا يمشي به في الناس…)، فيكون نورا وسراجا منيرا، (…مثل نوره كمشكاة فيها مصباح..). تكون أنت هذا المصباح، الذي يهدي إلى طريق قويم. ومن الناس من يقرأون القرآن، فلا يلمس قلوبهم ولا يتجاوز حناجرهم، بل أنه ربما يجعلهم يخرجون ما فيهم من ظلام. وقد رأينا أمثلة ذلك في تاريخنا، وفي حاضرنا. فالذي قتل الإمام علي ـ كرم الله وجهه ـ كان يتلو القرآن، وكان يقوم الليل، وكان يصوم الدهر، ولكن لم يخرج ذلك إلا أسوأ ما فيه. فهل كان السبب فيما يقرأ؟ أم كان السبب فيه، أن معدنه لا يخرج إلا ظلاما، حتى ولو أخذ نورا، حتى لو قرأ نورا، حتى لو أقام صلاة، حتى لو صام دهرا؟ هذا، هو قانون الحياة. إن السر يكمن في الإنسان، ولا يستطيع إنسان أن يأخذ أكثر من سعته. فإذا جلس إنسان مع عالم، مهما جلس، لو أنه غير قادر على أن يستوعب ما يقول العالم، فلن يخرج من وجوده إلا ما هو له أهل. فربما لا يفهم ما يقال بالصورة السليمة، بل يقلبها ويغيرها، فتخرج ظلاما في ظلام. لذلك، أمرنا أن لا نبرئ أنفسنا، وأن نحاسبها، وأن ننظر إلى ما ينتج عنا، حتى نستطيع أن نصوب طريقنا، وأن نستغفر ربنا، بل علينا أن نستغفر دائما، وألا نتكبر بما فهمنا…”

تعليق:

إن الحقيقة المطلقة التي نستطيع أن نتمسك بها على هذه الأرض، هي افتقارنا، وضعفنا، وجهلنا، وقلة حيلتنا، وقلة إدراكنا، وإن الباطل المطلق هو التكبر، والتجبر، والاغترار، واعتقاد العلم المطلق، واعتقاد التنزه عن الباطل.

مفاهيم دالة :

٢٣٣ - الإنسان له نفس أمارة بالسوء وهو أيضا يحمل من الطاقات والقدرات ما يمكنه من أن يرقى الى أعلى عليين

تاريخ الحديث: ٢٠١٥/٤/٢٤

”… آيات كثيرة تتحدث عن الإنسان، الإنسان الذي له نفس أمارة بالسوء (إن الإنسان لربه لكنود، وإنه على ذلك لشهيد، وإنه لحب الخير لشديد)، (…وكان الإنسان أكثر شيء جدلا)، (كلا بل تكذبون بالدين، وإن عليكم لحافظين، كراما كاتبين)، (وتأكلون التراث أكلا لما، وتحبون المال حبا جما) وفي الحديث (إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم)، (كل ابن أنثى مسه الشيطان إلا ابن مريم). وكذلك، فإن الإنسان يحمل من الطاقات والقدرات، ومن النور أيضا، ما يمكنه من أن يرقى في أعلى عليين (إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان…)، (وعلم آدم الأسماء كلها…). والقرآن حين يعبر عن هذا الحال في الإنسان، (ونفس وما سواها، فألهمها فجورها وتقواها، قد أفلح من زكاها، وقد خاب من دساها)، وهذا واقع نشعر به جميعا، فكل منا يعرف ما فيه من ظلام، ويعرف ما فيه من نور. والظلام في الإنسان، ليس فقط فيما يقوم به الإنسان من أعمال مظلمة، وإنما قد يكون في باطن أمور ظاهرها حسنة. فحين يغتر الإنسان بعلمه وبمعرفته، حتى لو كانت هذه المعرفة هي معرفة جيدة، إلا أن تكبره على الناس بها، وغروره وهو يقدمها، هو عمل سيئ، لأنه يظن أنه أفضل من كل الناس. فالباطل المطلق الذي لا شك فيه، هو أن تعتقد أنك ليس فيك باطل. كما أن الحق المطلق الذي لا شك فيه، هو أن تعلم أنك لا تخلو من سيئات، وأن ما تعلمه من حق تراه، قد يكون باطلا. وهذا ما نسميه خشية الله. لذلك، كانت الآية (…إنما يخشى الله من عباده العلماء…). ولذلك، علمنا رسول الله ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ ذلك، يوم حدثنا عن نفسه (ها أنا رسول الله بينكم ولا أدري ما يفعل بي غدا)_حديث_شريف_نصه:، (لا يدخل أحد الجنة بعمله، حتى أنت يا رسول الله، حتى أنا ما لم يتغمدني الله برحمته) إنه الافتقار إلى الله، إنها العبودية لله، (…إن الله لا يحب كل مختال فخور)، (ولا تمش في الأرض مرحا إنك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولا). هكذا، نتعلم التأدب مع الله. كل هذه الأمور، موجودة في كتاب الله، وكيف نصلح أنفسنا موجود في سنة رسول الله. والدين بالنسبة للإنسان، هو ما يصلحه كفرد في حياته الأرضية، ويهيئه لحياة أبدية. لذلك، فإن كل إنسان عليه أن يقرأ كتاب الله، وأن يتعلمه، وأن يتأمله، وأن يتدبره، وأن يتطهر لتمس كلماته قلبه، حتى يتعلم هدفه في الحياة. وعلى كل إنسان أن يتدبر في سنة رسول الله التي نقلت بفعله، لما فيها من أهمية لكل إنسان، نقلت إليه الشهادة، شهادة أن لا إله إلا الله وشهادة أن محمدا رسول الله. لقد تحدثنا كثيرا عن معنى الشهادة، شهادة أن لا إله إلا الله وشهادة أن محمدا رسول الله، شهادة قلب، وشهادة قيام، وشهادة عبودية لله، وشهادة حرية من أن يتسلط إنسان على إنسان، (فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها…). الطاغوت بالنسبة للإنسان، هو أي إنسان يرى هو فيه أن عليه أن يتبعه دون وعي ودون فهم، وهذا الإنسان يقول أيضا كذلك. فالطاغوت ليس مجرد إنسان واحد، إنما قد تكون مجموعة أو جماعة أو فكر يريد أن يسيطر على الناس جميعا، وأن يفرض عليهم شكلا أو صورة. استسلام الإنسان لذلك، هو إيمان بهذا الطاغوت، والله يعلم الإنسان أن يكون حرا، بأن يجعل عبوديته لله فقط. كذلك، نجد في سنة رسول الله ـ صلوات الله وسلامه عليه- التطبيق الفعلي لشهادة أن محمدا رسول الله، الطريق إلى صلاح النفس وإصلاحها. فقد علمنا العبادات التي تساعدنا أن نكون فيمن يزكون وجودهم، فيمن ينهون النفس عن الهوى، فيمن (..يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم …). فعلمنا الصلاة، لنكون في دعاء دائم في كل يومنا. وعلمنا الصوم، لنكون في جهاد لأنفسنا في هذه الحياة الدنيا، لنستعين بالله على نفوسنا المظلمة. وعلمنا التكافل مع إخواننا في البشرية بما أمرنا من زكاة، وفسرها لنا في أمور كثيرة من حياتنا، فيما يفيض عندنا من أموال، وفيما يرزقنا به من زرع، وفيما يوفقنا فيه من تجارة. فكان كل ذلك، تعبيرا أيضا عن معان أخرى؛ أن نكون من المزكين بعلمنا، فلا نبخل بعلم نعلمه، ولا نبخل بصنعة ومهنة نعرفها على أن نوفرها لإخواننا في البشرية، وألا ننسى الفضل بيننا، فأن نكون متسامحين فيما نعطي، وفيما نأخذ، (رجلا سمحا إذا باع، وسمحا إذا اشترى). وجعل من كل هذه الشعائر، رسائل لنا مستمرة، يوم أرانا مناسكنا وعلمنا إياها، لتكون رسائل فعلية قائمة، مستمرة دائمة (تركت فيكم الثقلين، كتاب الله وعترتي، ما إن تمسكتم بهما لا تضلون أبدا، فإنهما لا يفترقان أبدا). فالإنسان في أي مكان وفي أي زمان، في أي مجتمع سواء كان هذا المجتمع يؤمن برسالة محمد ـ عليه الصلاة والسلام، أو أي مجتمع آخر، فالإنسان المسلم الحق، يمكن أن يتواجد في أي مجتمع أيا كان القانون الذي يحكم هذا المجتمع، فهو مسئول عن نفسه، مسؤول أن يقرأ كتاب الله، ومسئول أن يطبق سنة رسول الله فيما يخصه كفرد. فإذا أراد مجتمع أن يكون بيئة صالحة لأفراده، فهو يحتاج أن ينظم علاقات الأفراد بعضهم البعض. وفي هذا الأمر، نحن نحتاج إلى خبرات أمتنا في السابق، وإلى خبرات كل أمم الأرض في السابق والحاضر. وهذا يقودنا إلى أن تكون هناك جماعة وأن يكون هناك أفراد، يقرأون ويحللون ويفهمون ما كان في السابق، وأن يربطوا بين الأحداث في تاريخنا وبين ما كان مفهوم الذين سبقونا. وهذا كله، يدخل تحت دراسة الأرض ومجتمعاتها ومجتمعات الآخرين، حتى نستطيع أن نقيم بيئة صالحة. الدين يعلمنا هذا المنهج حين يقول لنا: (ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر…(. فالمسئولية هنا، مسئوليتنا، مسئولية من يتصدر للقيادة وللريادة، إذا كان يقرأ تجارب الأمم السابقة والمجتمعات السابقة التي تنتمي إلى الإسلام إسما، فهذا يدخل تحت كل الدراسات التي تدرس كل الأمم في الشرق أو في الغرب، تدخل تحت دراسة كل المعارف التي جاءت على هذه الأرض. فالدين هنا، أن تدرس وأن تتعلم وأن تعرف، وليس الدين في شكل تصل إليه، أو في شكل تطبقه، وهذا ما نقوله دائما، إن الدين منهج وليس شكلا، وأن ما تجمع عليه الأمة هو ما يجمع عليه المجتمع. هو القانون- بلغة العصر- الذي يحكم، القانون الذي يطبق والذي ارتضته الأمة كلها، أيا كان هذا القانون. أما الذين يتصورون الدين أشكالا وصورا يجب أن تستنسخ وأن تقلد، فهم ينظرون في فراغ…”

تعليق:

الدين بأبعاده الروحية والمعنوية، ليس علما ماديا، ينتج أشكالا وصورا، إنما هو علم روحي في المقام الأول، ومادي بمعنى وجودنا الأرضي وما ينتج عنا من أفعال مادية، قد تؤثر في حياتنا الروحية. هذه الأفعال المادية يحكمها قانون تصدره الأمة ممثلة في علمائها في كل المجالات كما يتفق عليه أفراد المجتمع.

مفاهيم دالة :

٢٣٤ - القبلة معني يتغير ليعبر عن رسالة متجددة، تحمل في طياتها معني الارتباط بين الإنسان ومصدر النور

تاريخ الحديث: ٢٠١٥/٦/٥

”… لا نفرق بين أمور حياتنا وأمور ديننا ، فحياتنا هي ديننا، وديننا هو حياتنا. ديننا هو كل ما جاءت به الرسالات السماوية لتكشف لنا عما في أعماقنا من سر الحياة، مما فطرنا عليه من حب الحياة في وجودنا في أرضنا، وما قبل وجودنا، وما بعد انتقالنا إلي عالم آخر. جاءت الرسالة المحمدية لتكشف لنا كل هذا، لتكشف لنا ما جاءت به الرسالات السابقة، ولتصدق عليها، ولتكمل لنا كشف أسباب الحياة والنجاة (والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك وبالآخرة هم يوقنون). وكان تغيير القبلة هو تعبير عما جاء في سابق، وما جاء في حاضر بظهور محمد صلوات الله وسلامه عليه. فالقبلة ترمز ـ في مفهومنا ـ إلي قيام حي علي أرضنا يربط بيننا وبين الغيب، يربط بيننا وبين السماء، (قد نري تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها…). رسول الله يعلمنا أن نتجه إلي قبلة علي أرضنا، وهو يسأل الله أن تكون هذه القبلة رمزا دائما كاملا موحيا بكل ما تحمله معاني القبلة من إشارات ورسالات. كان مهبط الرسالات السماوية قبل الرسالة المحمدية في بني إسرائيل حيث المسجد الأقصي، فكانت قبلة الأرض لهذا المكان، الذي يرمز إلي كل هذه الرسالات التي نزلت إلي الأرض لتربط بين الأرض والسماء. فكان طبيعيا، وهذا هو الحال بالنسبة لمحمد أن يتجه إلي هذه القبلة؛ لإيمانه بكل من جاء قبله من الرسل والأنبياء، وهو يعلم تمام العلم (…فأينما تولوا فثم وجه الله…)، وأن القبلة هي في كل مكان علي هذه الأرض بمعناها (…والأرض جميعا قبضته…)، والكون جميعا قبضته. وقد تتجه إلي قلبك كقبلة، وقد تتجه إلي السماء كقبلة، فالسماء الدنيا هي جزء من هذه الأرض، وقد تتجه إلي الأرض كقبلة، لو ألقينا بحبل إلي السماء لتلقفته يد الله ولو ألقينا بحبل إلي الأرض لوقع في يد الله، وقد تتجه أمامك كقبلة، يمينك كقبلة، يسارك كقبلة، وأن تدور إلي الخلف فتتجه إلي القبلة. فالقبلة معني قبل أي شيء. المهم، أن تستحضر هذا المعني في داخلك. ولكننا دائما ندرك أن هذه المعاني المجردة قد تضيع الرسالة المحملة عليها، فلا يتعلم الإنسان بحق، ما هي القبلة التي يتجه إليها. إن رسول الله وهو يدعو ربه وقد أدرك أن الكعبة ومكانها يجمع بين كل الرسالات، فمن وضع القواعد من البيت هو إبراهيم ـ عليه السلام ـ أبو الأنبياء، والذي جاءت في ذريته الرسل والأنبياء، فإبراهيم يجمع كل الأنبياء في ظهره (ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما…)، إبراهيم يحمل دين الفطرة، يحمل دين الإسلام، (…كان حنيفا مسلما…). والآية توضح لنا معني الإسلام هنا كدين الفطرة، فإسلام إبراهيم كان يمثل هذا المعني، الذي هو وراء كل الأديان التي جاءت. ونقول هنا: “كل الأديان”، وهو مجرد تعبير لنشير إلي ما تم التعارف عليه، ولكن الكل يعلم أن الدين هو دين واحد، هو قانون الحياة، هو الإسلام الفطري، هو معني (ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه…). فالإسلام في هذا النص، يعبر عن هذا الدين الكلي الفطري، الذي ينتسب إليه كل متأمل عاقل، كل متفكر متدبر. المسلم الحق، هو الذي يصل إلي معاني الدين بفطرته، لا يحتاج لأن يقال له أن هذا ما أمر الدين به ليقوم فيه، ولكنه يقوم فيه قبل أن يقال له ذلك. المسلم، هو الذي يصل إلي كل حقائق الدين من خلال قلبه، ومن خلال تفكره وتدبره، قد يستعين بما جاءت به كل الرسالات، وإنما ما يصل إليه بقلبه هو الحق بالنسبة إليه. هذا الدين الجامع يريد أن يعلمنا معني القبلة، فكان (..أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا…)، هو البيت الذي يحمل كل هذه المعاني. فالذي وضع القواعد من البيت هو إبراهيم وإسماعيل، وكان محمد هو امتداد هذا المعني لإبراهيم من خلال إسماعيل، كما كان عيسي وموسي هما امتداد هذا المعني من إبراهيم من خلال إسحاق، والأصل الذي يجمعهم جميعا هو إبراهيم، فهو أصل معني وجود رسول علي هذه الأرض، يربط بين القائمين علي الأرض وبين الغيب. فكان تغيير القبلة هو رمز لهذا المعني، وفي نفس الوقت يشير أن القبلة في كل مكان، ويمكن أن تتغير لرسالة معينة ولمعني معين يراد إرساله إلي من يتجهون إلي هذه القبلة. فهذا معني يمكن أن نقرأه في حدث تغيير القبلة من المسجد الأقصي إلي المسجد الحرام. نحن نشير دائما للإسلام بمعناه الشامل، ونعتقد أن كل ما قيل في الإسلام هو إشارة لهذا المعني الشامل، كما في الآية (ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين). ومن يفسر الأمر بمعني الإسلام برسالة محمد بما جاء به من تشريع ومن نظام تعبدي، ويقصره علي هذه الصورة، يجعل الذين يتمسكون بهذه الصورة هم فقط المسلمون، مما يعني أن كل من علي هذه الأرض من غير هؤلاء من الخاسرين، مما يؤدي إلي ما نحن فيه من صراعات، ومن قتل، ومن تدمير بظن دين. وهذا لا يتوافق مع معان كثيرة جاءت في آيات متعددة، من التعايش مع الناس جميعا، ومن اختلاف الناس وتعددهم، ومن حرية الإنسان في أن يعتقد ما يشاء، ومن عدم الاعتداء عليه، فالاعتداء علي أي كائن حي سواء نبات أو حيوان دون داع، أمر فيه حرمة وعدم احترام للحياة، فما بالنا من كائنات إنسانية قد تكون في حالها لا تعتدي، فيعتدي عليها لمجرد اعتقادها المختلف. كيف يتوافق ذلك، مع هذا التسامح وهذا السلام الذي جاء به الإسلام في الشريعة المحمدية؟ كيف يتوافق ذلك، مع معني الدعوة بالموعظة الحسنة، بما هو أحسن، بالكلمة السواء، بإمكانية الاختلاف؟ فإذا اختلفنا نقول: (…يحكم الله بيننا…). هذا يجعلنا دائما مسالمين محبين للحياة، لا نعتدي، وإنما دائما ندعو إلي السلام والإسلام بمعناه الحقيقي. معني القبلة يوحد الناس جميعا في إتجاههم إلي مركز الحياة علي هذه الأرض، فهو معني قبل أن يكون مكانا. عليهم كبشر أن يتوحدوا جميعا في اتجاه طلب الحق وطلب الحياة. دعوة تظل قائمة، قد يستجيب لها البعض وقد لا يستجيب لها البعض، (فذكر إن نفعت الذكري، سيذكر من يخشي، ويتجنبها الأشقي). إن دعوة الإسلام للناس جميعا، في الشرق أو الغرب، في الشمال أو الجنوب، لكل الأجناس ولكل الألوان، لكل الثقافات وكل الحضارات. إن الإسلام هو دين الحياة، ودين العقل، ودين الأحسن، ودين الأقوم، ودين التعامل بالحسني، ودين الترابط، ودين التراحم، ودين التكافل. دين يقدر الإنسان كمعني، ويقدر الإنسان كجسد، ويقدر كل كائنات هذه الأرض، يدعو الناس جميعا أن يتعاونوا علي البر والتقوي، ولا يتعاونوا علي الإثم والعدوان، وستظل هذه الدعوة قائمة، يؤمن بها من يؤمن ويكفر بها من يكفر، إلي ما شاء الله..”

تعليق:

هذا الحديث هو قراءة في حدث تغيير القبلة من المسجد الأقصي إلي المسجد الحرام، وما تحمله من إشارات. منها أن القبلة معني قبل كل شيء، تتغير لتعبر عن رسالة متجددة، تحمل في طياتها معني الارتباط بين الإنسان ومصدر النور ، وأن الإنسان في حاجة دائمة أن يتجه إلي هذا المصدر، وأن كل الذين يؤمنون بالحياة في أي مكان وفي أي جنس، وفي أي لون، في أي ثقافة، في أي حضارة عليهم أن يتجهوا إلي هذا المصدر، لا اتجاها مكانيا، وإنما اتجاه معنوي روحي.

مفاهيم دالة :

٢٣٥ - إيمان الإنسان بالله، وإيمانه بامتداد حياته، وإيمانه بربط هذه الحياة الدنيا بالحياة الآخرة، كل هذا يؤدي بالإنسان أن يكسب كرته

تاريخ الحديث: ٢٠١٥/١٠/٩

”… كثيرون يرون آيات الله حولهم ويصلون بها إلى نتائج مختلفة، والآيات توضح لنا حال الذين يصلون إلى أن الله لم يخلق الكون باطلا (الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار)، وهناك من لا يرون ذلك (ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله…)، فإذا سألتهم عن حياتهم وما ستئول إليه يقولون: (أرحام تدفع وأرض تبلع وما يهلكنا إلا الدهر)، (يقولون أئنا لمردودون في الحافرة، أئذا كنا عظاما نخرة…). فهم يؤمنون بالله كخالق للسماوات والأرض، ولكن لم تؤد رؤيتهم لخلق السماوات والأرض أن يروا خلقهم، أو أن يؤمنوا بامتداد حياتهم، فعاشوا على أرضهم لا يرون إلا مادي وجودهم، ولا يطلبون إلا الحياة الدنيا. وهناك من قد يؤمن باليوم الآخر ولكن لا يربط بينه وبين حياته الدنيوية، وهذا ما نراه في حياتنا الأرضية اليوم، من الذي يقصر علاقته بالآخرة على المناسك والعبادات الظاهرية، أما معاملاته الإنسانية فهو لا ينظر لها بعين الاعتبار، ويتصور أنه بقيامه بالمناسك الظاهرية فإن ذلك يكفي لتكفير كل أعماله الدنيوية، وما ينتج عنها من أثر سيئ. لذلك، نجد أن الآيات التي تتحدث عن الإيمان بالله واليوم الآخر يليها أن يعمل الإنسان عملا صالحا (…من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا…). فالقضية هنا هي قضية متكاملة هدفها الإنسان. فإيمان الإنسان بالله، وإيمانه بامتداد حياته، وإيمانه بربط هذه الحياة الدنيا بالحياة الآخرة، كل هذا يؤدي بالإنسان أن يكسب كرته، وأن يخرج من هذه الأرض وقد أضاف إلى وجوده قوة روحية تساعده في حياته المستقبلية، في حياته الأخروية (آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه…) وما أنزل إليه من ربه هو الإيمان بالله واليوم الآخر والعمل الصالح، إيمان كلي، إيمان فطري، إيمان داخلي، إيمان وجودي، إيمان يسري في كل ذرة من ذرات وجود عبد الله الصالح بما أنزل إليه من ربه. إجمال يخفي في داخله كل تفصيلة، وكل تجزئة، وكل سلوك، وكل معاملة، وكل عبادة، وهذا معنى أن رسول الله كان خلقه القرآن، إنه القرآن، إنه الكتاب، إنه الإيمان، إنه البيت، إنه عبد الله، إنه نور الله، إنه الحق من الله، إنه روح الله، إنه كلمة الله. أما المؤمنون الذين يسيرون ويرجون طريق الحياة وطريق النجاة، فإن عليهم أن يعبروا عن ذلك في أفعالهم، وفي أقوالهم، وفي سلوكهم، وفي معاملاتهم، وفي عباداتهم، أن يكسبوا هذا المعنى بمتابعتهم لرسول الله،عليهم أن يتأملوا في حقائق هذه الحياة، ويفعلونها في وجودهم (…والمؤمنون كل آمن بالله وملآئكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير). إن الإيمان هنا يظهر ويتجلى في هذه المعاني التي يجب على الإنسان المتابع أن يفهمها وأن يتأملها، فإذا أصبحت جزءا من كيانه، فيكون في معنى عباد الله الصالحين (ما أعطيته فلأمتي). الإيمان بالله هو إدراك الإنسان لافتقاره إلى الله، ولأن يعرف أن لا طريق إلا بأن يتبع قانون الله، فلا يستطيع أن يخلق ذبابة، ولا يستطيع أن يغير قانونا حياتيا، وإنما يستطيع أن يفهم هذا القانون وأن يتعامل معه وأن يفعله، لتكون حياته أفضل. إن الإنسان المتابع عنده جزء من هذا الإيمان في فطرته، ولكنه يحتاج لتذكير نفسه دائما، وأن يستمع لتذكير عباد الله الصالحين (فذكر إن نفعت الذكرى)، يذكر الله قياما وقعودا وعلى جنبه ويتفكر في خلق السماوات والأرض. إنه في حاجة إلى هذا دائما حتى يرسخ معنى الإيمان في قلبه، ويدرك معنى الغيب، وما وراء هذه الأرض، وقوانين ما بعد هذه الأرض، وهذا معنى إيمانه بالملائكة (…بالله وملآئكته…)، والملائكة تشير إلى غير المنظور، إلى قوانين ما وراء الطبيعة، وما وراء وجوده. فهنا يكمن الإيمان باليوم الآخر. ويؤمن بقانون الله الذي أوجد في كتبه التي تشمل حياته الظاهرية وحياته الباطنية، حياته المادية وحياته الأخروية (…وكتبه…). ويؤمن برسله الذين جاءوا ليكشفوا له هذه المعاني الموجودة في كتاب الله الدائم الأزلي الأبدي، ولا يفرق بين رسله؛ لأن القانون هو قانون واحد. الإيمان بالله، واليوم الآخر، والعمل الصالح. هكذا، نرى أن علينا أن نفعل هذه المعاني فينا، وفي النهاية كل سوف يأخذ بقدره (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت…)، وهي الآية التي تأتي بعد (…لا نفرق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير، لا يكلف الله نفسا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت…)، لأنك لن تأخذ من هذه المعاني إلا ما أنت له أهل. ونحن نتحدث كثيرا في هذا، فكلما اتسعت مقدرتك، كلما أخذت أكثر، لذلك فأنت في حاجة إلى التفكر، وإلى الذكر قبل ذلك، لتتسع مداركك، فتأخذ من فيوضات الله، ومن رحمات الله، ومن نور الله، ما يجعلك أكثر إدراكا لمعنى حياتك ووجودك. أما الذين تضيق مداركهم ويقل ذكرهم، وينعدم تفكرهم، فلن يستطيعوا أن يتفاعلوا مع هذه الفيوضات الإلهية، ومع هذه المعاني الكلية، وسيكون رد فعلهم ردا مختلفا عكس ما تتصور كإنسان يذكر الله ويتفكر في خلق السماوات والأرض، ردهم سيكون مختلفا تماما، فالذي سوف يجعلك تؤمن بأن (…ربنا ما خلقت هذا باطلا…)، سيكون رد فعلهم هو: ربنا لقد خلقت هذا باطلا. فهم قد يؤمنون بقوة وراء هذا الكون، ولكن يرون ما يحدث على هذا الكون أمرا عبثيا. وبين هؤلاء وهؤلاء تتراوح المفاهيم وتختلف وتتنوع. لذلك فالقضية في النهاية هي قضية الإنسان، فكل إنسان مطالب بأن يوسع مداركه، ليست مداركه العقلية فحسب، ولكن مداركه الروحية كذلك والمعنوية، بالذكر وبالتفكر…”

تعليق:

كل إنسان يتفاعل مع آيات الله بما هو له أهل، وهذا التفاعل هو تفاعل نسبي وليس مطلقا، فليس هناك حد يجب أن يصل الناس كلهم إليه، وليس هناك حد أدنى لا يجب أن تتجاوزه، كل بما هو له أهل.

مفاهيم دالة :

٢٣٦ - المنهج الذي تذكرنا به آيات الله أن يكون الإنسان متزنا بين وجوده المادي ووجوده الروحي

تاريخ الحديث: ٢٠١٥/١١/١٣

”… الإيمان بالغيب يجيئ نتيجة طبيعية لإحساس الإنسان بعجزه وافتقاره إلى خالقه، وأنه غير قادر أن يرى هذا الغيب، بل أنه كلما ازداد علمه عن نفسه وعن عالمه المادي، كلما شعر بافتقاره أكثر، حتى فيما هو ظاهر له من معرفة على أرضه. فالإيمان بالله هو هذا الإيمان بأن هناك ما لا أستطيع أن أحيط به. وكان الغيب هو تعبير عن هذا المعنى أيضا، وكان الإيمان بالغيب هو الإيمان بالله، وكانت شهادة أن لا إله إلا الله هي تعبير عن هذا الحال. فالله هنا هو الذي ليس كمثله شيء، والذي هو وراء كل شيء، لا يحيط به شيء، ولا يصل إليه شيء (…وسع كرسيه السماوات والأرض ولا يؤوده حفظهما وهو العلي العظيم)، (يا أول فليس قبلك شيء، ويا آخر فليس بعدك شيء، ويا ظاهر فليس فوقك شيء، ويا باطن فليس دونك شيء). لذلك، أمرنا أن نتعامل مع الله من خلال آلائه، من خلال تجلياته، ومن خلال مخلوقاته وكائناته وقوانينه وأسبابه، فيما هو مشهود لنا على هذه الأرض، وجاءت لنا الرسل والأنبياء ليعلمونا ذلك، وليعلمونا كيف نتعامل مع واقعنا، ومع ما هو مشهود لنا. وكانت شهادة أن محمدا رسول الله هي تعبير عن ذلك، ليوضح لنا كيف يكون التعامل مع ظاهرنا ومع ما هو مرئي لنا، وأساس هذا التعامل هو قدرة الإنسان على التفكر والتدبر. ورسول الله ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ قبل البعثة كان يفكر ويتدبر بما هو موجود فيه من فطرة ترفض ما يراه أمامه، فهو يريد أن يكون صادقا فيما يفعله، أن يكون صادقا في عبادته، أن يكون صادقا في صلاته، أن يكون صادقا في ذكره، أن يكون صادقا في عمله، لا يريد أن يفعل شيئا لا يرى فيه خيرا، ولا يرى فيه نفعا، ولا يرى فيه عقلا، ولا يرى فيه نتيجة، فذكر ربه، ودعا ربه أن يعلمه وأن يعرفه، هذا هو المنهج الذي يجب أن نكون عليه. إننا إذا نظرنا حولنا، ووجدنا ما لا نعقله وما لا نقبله، علينا أن نتجه إلى الله ليعلمنا وليعرفنا الأفضل والأحسن والأقوم، بل إننا إذا صدقنا مع أنفسنا، لوجدنا أن الأحسن والأقوم سوف يجيئ لنا بإخلاصنا في تأملنا وتدبرنا. (وفي أنفسكم أفلا تبصرون)، لو عكس الإنسان بصره إلى داخله، سوف يجد الحقيقة التي يبحث عنها، سوف يجد ما يريحه، ما يقبله، ما يطلبه، ما يقصده. إن التبليغ الذي جاء به الرسل والأنبياء، ما كان إلا ليمكن الإنسان من أن يعكس البصر إلى داخله، لأننا بظلام نفوسنا لا نستطيع أن نرى ما بداخلنا لكثافة هذا الظلام الذي يحول بيننا وبين قلوبنا. فما كان التبليغ الإلهي من خلال الرسل والأنبياء إلا لتمكيننا من أن نستطيع أن نخترق هذا الوجود الكثيف وأن نرى الحق فينا. فكانت كل العبادات لتمكيننا من أن نرى الحق في داخلنا. وكان منهج رسول الله هو أن يعلمنا ذلك، يعلمنا الدعاء، يعلمنا الصلاة ـ كمفهوم ـ أن نناجي ربنا، أن نتجه إليه، أن نلجأ إليه، أن نجأر إليه (فأخذناهم بالبأساء والضراء لعلهم يتضرعون). علمنا أن نجاهد أنفسنا، وألا نستسلم لها كلية، إنما نجاهدها، ونعلم أن الله خلقها لحكمة، فليست كلها شر، إنما هي تحول بظلامها بيننا وبين الظالمين (قل لو كان في الأرض ملآئكة يمشون مطمئنين لنزلنا عليهم من السماء ملكا رسولا). وكان الصوم، وهو تعبير عن جهادنا لأنفسنا، يجعلنا نمتنع عن الطعام والشراب وأمور أخرى لفترة زمنية، ثم نعود إلى حالنا الطبيعي، يعلمنا أننا لا يجب أن نظل في حال نتخلى فيه عن أنفسنا باستمرار وفي دوام، إنما علينا أن نتجه إلى الله ونبتعد عن شهوات ذواتنا لفترات، لنأخذ طاقة تساعدنا في حياتنا، ونرجع إلى ذواتنا لنمارس حياتنا، لنستطيع أن نكمل على هذه الأرض. لذلك، نجد أن الذين نقول عنهم قد جذبوا، أنهم خرجوا من ذواتهم، ولم يستطيعوا الرجوع إليها، فظلوا في حالة جذب، ولم يستطيعوا أن يمارسوا حياتهم من خلال ذواتهم مرة أخرى. وهذا ليس مطلوبا لكل إنسان، ربما يتعرض البعض لذلك لحكمة أرادها الله بهم، ولكن الطبيعي هو أن يعيش الإنسان بين عالمين، بين عالم كله نور، وبين واقع فيه ظلام، وما بين هذين العالمين يسعى في طريقه. المنهج هنا، هو تعليمنا هذه القوانين، من خلال ممارساتنا لشعائر تعبر عنها، أما الصورة التي تنتج عن ذلك من شكل صلاة أو من شكل صوم، فهي نتيجة طبيعية للمنهج الذي مارسناه، والذي سوف يؤثر على رؤيتنا لمعنى صلاتنا، بقدر ما يقوم فينا من فهم نتيجة تطبيق منهجنا في دعاء الله أن يلهمنا ما فيه الصواب وما فيه الخير لنا. فقد يؤدي هذا المنهج إلى صور مختلفة. فقد يجد الإنسان في الصلاة ما يساعده أكثر، فيكثر من الصلاة ويقوم الليل، وقد يجد إنسان آخر أنه يريد أن يقوم في صورة معتدلة، فلا يكثر في هذا المجال، وإنما يريد أن يصوم أكثر، أو أن الصوم يجعله يشعر بالقرب أكثر ويساعده على حياته أكثر، وقد يرى آخر أن يعتدل في ذلك. وحديث رسول الله ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ حين جاء أحدهم وقال إني أصوم الدهر، أو أني أريد أن أكون كذلك، أو كما قال، ولا أقرب النساء، وأصلي كذا وكذا، وعدد أشياء كلها عبادات طيبة، فماذا قال له رسول الله ؟ (قال له إني أصوم وأفطر وأتزوج النساء)، ليعبر له عما أشرنا عليه بالمنهج، وأن الإنسان يعيش بين عالمين، وأن معيشته على هذه الأرض لها دورها في إصقال وجوده الروحي، كما أن لعباداته وتعاليه عن ذاته ما يصقل أيضا قيامه الروحي. كل هذه الأمور تخص الإنسان نفسه. فإذا جئنا إلى المجتمع، وفي تعامل الناس بعضهم لبعض، نجد أن هناك آراء مختلفة، والمجتمع عليه أن يتآلف، وأن يوضح كل فريق ما لا يستطيع أن يفهمه الآخر، أو ما غاب عن الآخر. فأي قضية لها وجوه مختلفة وزوايا مختلفة، ولا تستقيم أمة إذا كان الذين يتواصون بالحق والصبر لهم رؤية واحدة (ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر… ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات…). والاعتصام بحبل الله هو في اعتبار الاختلاف، حتى يتفق الجميع بعد اختلاف، ولا يجيئ الاتفاق الحق إلا بعد اختلاف (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا…). لذلك، نجد في حياة رسول الله كثيرا من الأمثلة، أولها في موقعة بدر، يوم طلب الرسول مشورة أصحابه في أين يعسكرون، هل يعسكرون وأمامهم الماء، أم يعسكرون ووراءهم الماء؟ تناقشوا في هذا الأمر، واختلفوا ثم اتفقوا. حين أراد الرسول أن يعلمنا ذلك أيضا، فأمر بعدم تأبير النخل في أحد السنين، فلم يجيئ محصول نتيجة لهذا الأمر، فهناك من أراد أن يؤبر، وهناك من امتثل لهذا الأمر، نتيجة لقول رسول الله، فهناك اختلاف فيما يفعلون، فجاءت النتيجة بعد ذلك لتوضح أن عليهم أن يرجعوا إلى ما كانوا عليه من تأبير النخل، إنها أمور بسيطة، ولكن لها دلالات كبيرة. إذا، ففي الأمور الدنيوية المشهودة لنا، علينا أن نتبع ما يجعلنا نصل إلى نتائج نرى فيها خيرا لنا، بمعاييرنا وبمقاييسنا، وأن نختلف في مفهومنا للنص، فكل نص قد يحتمل تفسيرات مختلفة، والفكر السائد بأن للنص تفسير واحد، هو تفسير قاصر. وقد ظهر لنا في الآونة الأخير من يبين ذلك، بل أن ما مررنا به في السنوات الماضية قد أوجد جوا فيه اختلاف وتعدد للآراء، وربما تكون هذه أحد الظواهر الإيجابية، حتى نتعلم أن القضية في النهاية هي قضية المجتمع، وأن آيات الحق توضح المقاصد الكلية للإنسان في حياته، (إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي…)، هذه مقاصد كلية، ما يحقق هذه المقاصد أيا كان فهو يتبع الحق. وإذا نظرنا إلى العالم كله، في الشرق أو في الغرب، في الشمال أو في الجنوب، لا نجد أمة إلا وهي تكبر هذه المقاصد، بدون أن يكون عندها الإسلام، كما جاء في الشريعة المحمدية، بل ربما بدون أن يكون عندها أي دين سماوي أو أرضي. التجربة الإنسانية تظهر هذه الفطرة. بل أن الإنسان الذي هو في غفلة، نجد هذه القيم موجودة في داخله حتى في غفلته، فالذين يسرقون معا يطالبون بالعدل في توزيع ما سرقوه، إنها فطرة العدل. سوف نجد في كل أمة أنها قد وضعت قوانين لتنظم حياتها، وتنظم وجودها، وعرفت أنه لا يمكن أن تعيش أمة بدون عدل، فقيمة العدل هي قيمة فطرية، موجودة في الإنسان، فحين جاءت الآية (إن الله يأمر بالعدل…)، إنما كشفت عن هذا الأمر الذي ربما يكون غائبا عن الناس. قد يقول الناس بذلك ولا يقيمونه، حين يكون هناك حاكما ظالما، فهو يتكلم بالعدل، ولكن بصورته أو بنظرته. لذلك، يجب أن تكون الأمة هي التي تحدد هذا العدل بالنسبة للمجتمع، وهذا ما وصلت إليه التجارب البشرية فيما جاءت به من معنى من معاني الديمقراطية، أو تمثيل الشعب، أو تمثيل الأمة، من خلال نواب لها، يقفون أمام الحاكم حين يخطئ، وحين يظن أن العدل هو ما يراه، ليقولوا له وليبينوا له الصورة من الجانب الآخر. فكانت المعارضة في أي نظام سياسي أساس لضبط الإيقاع في المجتمع، وحتى لا يتغول جانب على جانب آخر، إنها قوانين طبيعية، مجتمعية، إنسانية، ربانية، فطرية، يكبرها الناس جميعا، دون أن يعلموا أنها من الدين أو ليست من الدين، الدين يساعدنا أن نكتشف هذه الأمور، ويلفت نظرنا إليها يوم نغفل، ويوم ننحاز إلى جانب ولا نرى جانبا آخر…”

تعليق:

هذا الحديث يوضح المنهج الذي تذكرنا به آيات الله، والمبني على الإيمان بالغيب، وعلى أن الإنسان يبحث عما يصلحه، وأن يكون متزنا بين وجوده المادي ووجوده الروحي، كما يكون متزنا في تعامله مع الآخرين، والمجتمع هو المخاطب بتطبيق هذا الإتزان بين أفراده. -

مفاهيم دالة :

٢٣٧ - الاستقامة ليست في جانب واحد، ليست في جانب يظن فيه الإنسان أنه قد اهتدى، أو في جانب آخر يظن فيه الإنسان أنه قد ضل

تاريخ الحديث: ٢٠١٥/١٢/٢٥

”… إن كل إنسان يهدى لما هو له أهل (…أعطى كل شيء خلقه ثم هدى). وكل إنسان يرى فيما هداه الله إليه أنه الطريق الذي عليه أن يسلكه، وقد يجد أنه ينحرف عن هذا الطريق، وهو يشعر بفضل الله عليه في أن هداه طريقا يرضاه، ويشعر أنه في حاجة إلى رحمة الله حين يرى نفسه منحرفا عن هذا الطريق. لذلك كان الدعاء في الفاتحة، (اهدنا الصراط المستقيم، صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين). حين يكون الإنسان كذلك، معترفا بنعمة الله عليه وبفضله عليه، وفي نفس الوقت يخشى الله ويستغفر الله ويتوب إلى الله ولا يبرئ نفسه، فإن النفس أمارة بالسوء. يوم يعيش في هذين الحالين، بين إحساس بفضل ونعمة وتوفيق من الله، وفي إحساس برهبة وخشية أن يضل سبيله في طريق الله، يكون بذلك قد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها. ويكون قد سار في طريق رسول الله ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ وهو يعلمنا ذلك، (إنه ليغان على قلبي حتى أستغفر الله في اليوم سبعين مرة، أأغيان أغيار يا رسول الله، بل هي أغيان أنوار)، ويقول لنا أيضا: (ها أنا رسول الله بينكم ولا أدري ما يفعل بي غدا)، (لا يدخل الجنة أحدكم بعمله، حتى أنت يا رسول الله؟ حتى أنا، ما لم يتغمدني الله برحمته). فالاستقامة ليست في جانب واحد، ليست في جانب يظن فيه الإنسان أنه قد اهتدى، أو في جانب آخر يظن فيه الإنسان أنه قد ضل. فكل إنسان عنده من الهداية قدر، وعنده من الضلال قدر أيضا، وهذا هو الذي يميز الإنسان عن باقي الكائنات، أنه يجتمع فيه الخير والشر، الحق والباطل، النور والظلام. وكما نذاكر دائما، أن هذه الازدواجية والاثنينية في الإنسان، إنما هي لصالح الإنسان في طريقه الحقي، فالظلام قد يؤدي بالإنسان إلى التهلكة، وفي نفس الوقت ربما يساعده على أن يكون في طريق الحق والهداية والنجاة، هذا هو قانون البشرية. فيوم خلق الله آدم وإبليس كان هذا هو القانون، فقال إبليس لله (..فبعزتك لأغوينهم أجمعين الا عبادك منهم المخلصين..)، والمعنى هنا ليس أن عباده المخلصون لن يحاول إبليس معهم، فهو يحاول مع الجميع، وإبليس هنا يتعامل مع الإنسان من خلال نفسه الأمارة بالسوء، (إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم). فوجود هذا الجانب الناري الذي يدعو الإنسان إلى الهلاك يحفز الجانب الرحماني ليقوى أكثر، فيكون بذلك قادرا على مواصلة الحياة بصورة أفضل وأكرم، إنه قانون موجود في الطبيعة. فحين تهاجم الكائنات المضرة الإنسان في وجوده الفيزيقي المادي، فإنها تحفز جهاز المناعة فيه ليقاومها، وقد يحتاج الإنسان إلى عون خارجي ليستطيع أن يقاوم هذه الكائنات، فإذا قاومها، تكون في جسمه أجساما مضادة لمثل هذه الكائنات إن أصابته مرة أخرى. إن هذا الذي يحدث في العالم المادي يحدث أيضا في الجانب الباطني الروحي. فحين يحدثنا الرسول (كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون) (إن لم تذنبوا وتستغفروا، لأتى بقوم آخرين يذنبون ويستغفرون، فيغفر الله لهم)، فإن الذنب هنا كالكائن الضار الذي يصيب الإنسان، فإذا استعان الإنسان بالله على ذنبه وعلى غفلته، قوى جانب الحق فيه. وهناك ضرورة من أن يكون الإنسان في اتجاه إلى الله، وفي دعاء لله، وفي استعانة برحمة الله وبفضل رسول الله، حتى يستطيع أن يتغلب على هذا الذنب الذي يصيبه، على هذه الغفلة التي قد يمر بها. والخطورة كل الخطورة أن يتكبر الإنسان ولا يلجأ إلى الله، وينسى دعاء الله وينسى أن يقيم صلة بالله، فتتمكن هذه الذنوب منه وتجره إلى الهاوية. إنه قانون موجود في الأرض، إن تأملت وجدته في كل شيء، قدر من الظلام قد يكون وسيلة لإيقاظ الإنسان، فإذا زاد عن حده، مع عدم استعانة الإنسان بمن هو أقدر منه، ربما تؤدي إلى هلاكه. لذلك كانت الدعوة للإنسان أن يتجه إلى الله وأن يكبر قيامه الحقي في الله، تسير جنبا إلى جنب مع توعية الإنسان بمعنى الاستغفار وبقيمة الاستغفار الدائم وبإمكانية الإنسان أن يقع في ظلام، وبمعالجة هذا الوقوع بالتوبة والاستغفار وباللجوء إلى الله…”

تعليق:

هذا الحديث يوضح العلاقة بين الذنب والإستغفار وكيف يؤدي ذلك إلى تقوية جانب الحق في الإنسان.

مفاهيم دالة :