تخطَّ إلى المحتوى

مقدمة

لقد احترت كثيرا لأجد عنوانا لهذا الكتاب وبعد تفكير طويل قفز إلى ذهني هذا العنوان ” أنطولوجيا معرفية لمفاهيم إسلامية مستخلصة من تجربة ذاتية ” ثم تطور في النهاية ليصبح “أنطولوجيا معرفية لمفاهيم إسلامية مستخلصة من تجربة حياتية “. فقررت أن أبقيه كذلك. تفكرت في معنى عنوان الكتاب الذي قذف به إلى فكري وهل له علاقة بتكوين هذه الوثيقة فتوصلت إلى معنى هذا العنوان وأنه مناسب للتعبير فعلا عن التجربة التي مررت بها لإخراج نتيجتها بظهور هذا الكتاب. والثلاث فقرات التالية تعبر عن تأملي في العنوان وتغييره وربطه بالمحتوى.

أولا: لماذا “أنطولوجيا معرفية”؟ لأن السبب الأول الذي دفعني لاستخراج هذه المفاهيم هو أنني أردت أن يكون هناك تصنيف للمفاهيم الحقية المعرفية لما جاء في الرسالة المحمدية. فقد اهتم السلف في التاريخ الإسلامي بتجميع الأحاديث بناء على سلاسل اسناد الأحاديث لرواة ثقات وصنفوها طبقا لظاهر المناسك والقضايا الحياتية التي تهم الناس في حياتهم الدنيوية وفي أدائهم الشكلي لهذه المناسك. هذه المناسك لها بعد حقي في حياة الإنسان الروحية لم يتطرق إليه السلف. الصوفية تناولوا بعض القضايا الحقية من منطلق محبة الله ورسوله ووصف البعض منهم أحواله نتيجة ممارساته التعبدية. أما التأمل في البعد الحقي لا على سبيل أنما نصل اليه هو سبب المنسك الظاهري، ولكن التأمل في معنى المنسك هو شرط لكمال النية في الأداء، فهذا لم يجد الاهتمام الكافي والذي نحن بصدده في هذه المحاولة.

ثانيا: لماذا “مفاهيم إسلامية؟” ما انفعلت به منذ بدأت كتابة هذا التصنيف هو محاولة الإبحار في كم الأحاديث التي ألقيتها في اجتماعات أعضاء الجمعية المصرية للبحوث الروحية والثقافية لصلاة الجمعة ولصلاة العيدين لأوثق ما تناولته في هذه الأحاديث من قضايا حقية ومن محاولات تأملية في الأمور الدينية المعلومة لأغلب من عندهم رغبة لمعرفة المزيد عما يقال لهم عن الالتزام الديني وأيضا من عندهم رغبة في معرفة دينهم بصورة أعمق وعندهم تساؤلات عما يقال لهم من العلماء الذين درسوا العلوم الشريعة كما توارثوها عن السلف. ولأن أغلب بل يمكن أن نقول كل الأحاديث تناولت تأملات في أمور إسلامية كما ذكرت فقد كان تعبير ” لمفاهيم إسلامية” في العنوان أمرا طبيعيا.

ثالثا: لماذا “مستخلصة من تجربة حياتية”؟ بدأت محاولة تصنيف المفاهيم التي أثيرت في بعض الأحاديث التي ألقيتها في الفترة من ١٩٧٠- ٢٠٢٠ في عام ٢٠١٦. ولأن هذه المحاولة هي محاولة فردية فقد استحسنت في البداية “مستخلصة من تجربة ذاتية” ولكن لأن هذه التجربة استغرقت ٥٠ عاما فقد وجدت أنه ربما من الأفضل أن أضيف كلمة “حياتية” ولأن هذه الأفكار التي ألقيتها كانت في تجمع على ذكر الله وجدت أنه قد يكون من الأفضل أن أضيف كلمة “تفاعلية” ليصبح العنوان “أنطولوجيا معرفية لمفاهيم إسلامية مستخلصة من تجربة ذاتية حياتية تفاعلية” وجدت أن وقع ” ذاتية حياتية تفاعلية” على الأذن قد لا يكون مقبولا فاكتفيت بصفة واحدة لكلمة “تجربة” ليكون العنوان “أنطولوجيا معرفية لمفاهيم إسلامية مستخلصة من تجربة حياتية “.

هذا التصنيف مكون من أربعة مفاهيم رئيسية تمثل المستوى الأول من الإنتولوجي وهي: الإيمان بالله، الإنسان، العبادة، والمعاملة. لهذه المفاهيم الأربعة علاقة ارتباط وتوافق مع سنة الله، وفطرة الله والذي عبر عنه بدين الفطرة. وكلمة “الإسلام” تعني هذا المعنى أيضا (إن الدين عند الله الإسلام…1 ). لذلك اعتبرنا أن “الإسلام دين الفطرة” هو المفهوم الأعلى الذي تنبع منه الأربعة مفاهيم الرئيسية.

الإيمان بالله هو أحد المفاهيم الرئيسية الأربعة وهو مكون من مفهومين رئيسيين: الإيمان بالغيب، والإيمان بالشهادة. تحت الإيمان بالغيب مكون من ستة عشر مفهوما أساسيا وتحت كل مفهوم من الستة عشر مفهوما عدد من المفاهيم الفرعية. الإيمان بالشهادة مكون من ستة عشر مفهوما أساسيا وتحت كل مفهوم من الستة عشر مفهوما عدد من المفاهيم الفرعية.

الإنسان وأعماله وأحواله مفهوم رئيسي يخضع لقوانين دين الفطرة. والإنسان إما أن يكون في أحسن تقويم أو يكون في أسفل سافلين. هناك أربعة وعشرون مفهوما أساسيا يصفون حال الإنسان في أحسن تقويم وعشرة مفاهيم أساسية تصف حال الإنسان في أسفل سافلين.

العبادة تتجلى في خمسة مفاهيم أساسية هي: الذكر القلبي، التدبر، القيام في الناسك ومقاصدها، التأمل في رموز زمانية، والجهاد. تحت هذه الخمسة مفاهيم الأساسية عدد من المفاهيم الفرعية مجموعها مئة وتسع وسبعون مفهوما.

المعاملة تتجلى في مفهومين أساسين هما: تعامل الإنسان مع نفسه، وتعامل الإنسان مع البيئة المحيطة. تحت كل من هذين المفهومين الأساسيين عدد من المفاهيم الفرعية عددها سبعة وعشرون مفهوما.

أحاديث الجمع والأعياد المدرجة في هذه الوثيقة هي ٢٦٧ حديث من ١٥٥٩ حديث مخزن في المكتبة الرقمية بنسبة ١٧٪ تقريبا مع ملاحظة أن عدد أحاديث عام ٢٠٢٠ كان ٨ أحاديث فقط نظرا لأن صلاة الجمعة قد توقفت في مقر الجمعية المصرية للبحوث الروحية والثقافية في ذللك العام لانتشار وباء كوفيد-١٩.

قمت ببعض الإضافات لهذه النسخة الخامسة. هذه الإضافات تضمنت الاشارة الى الآيات القرآنية والأحاديث النبوية في الهامش أسفل الصفحات في الجزء الخاص بالمفاهيم وإضافة عنوان ومفاهيم دالة لكل حديث. تتراوح المفاهيم الدالة المدمجة لكل حديث من مفهوم واحد إلى سبعة مفاهيم.. أكثر من نصف هذه الأحاديث مدمجة مع مفهوم واحدد أو إثنين وأقلها هو المدمج مع سبعة مفاهيم. مما يمكننا أن نستخلص أن أغلب الأحاديث تركز على موضوع واحد أو إثنين. أما باقي الأحاديث فهي مدمجة بعدة مفاهيم دالة مما يدل على أن الأحاديث تطرقت إلى عدة مواضيع.

هذه الوثيقة يمكن قراءتها بطرق مختلفة فهي ليست كتابا تقليديا يقرأ من البداية الى النهاية ولكنها وسيلة للتدبر الفكري.

١١من صفر ١٤٤٥ هجريا

٢٧من أغسطس لعام ٢٠٢٣ ميلاديا

علي رافع

Footnotes

  1. آل عمران: ٣