تخطَّ إلى المحتوى

٤-١-تعامل الإنسان مع نفسه

تم استخلاص ثلاثة مفاهيم فرعية لتعامل الإنسان مع نفسه: التعامل مع أحواله المرتبطة برزقه لتلبية احتياجاته المعيشية، التعامل مع ما يصيبه من خير أو شر بأن يتجه إلى الله، وأخيرا تعامله بأن يبدأ بنفسه إذا أراد أن ينشر الحق فيمن حوله.

٤-١-١-التعامل مع أحواله المعيشية

تعامل الإنسان مع أحواله المعيشية بصفة عامة لا يجب أن يلهيه عن صلته بالله وأن هذه الصلة هي ملاذه في كل الأحوال. بذلك يكون شاكرا دائما لما أنعم الله به عليه في عطاء أو منع ولا يكون صابرا بمعنى رفضه لحاله في غنى أو فقر كما تفصله الفقرات التالية التي تتناول هذه المواضيع: لا تعوقه أحواله المعيشية أن يقيم صلة بالله، لا يربط بين حاله في نعمة أو تقتير في الرزق وعلاقة الله به من رضاء أو غضب، لا يفرط في أمر نفسه ويكون غيرمقدر لنعم الله عليه، ولابتلاء الله له.

٤-١-١-١-لا تعوق الإنسان أحواله المعيشية أن يقيم صلة بالله

الدين يحثنا على أن نكون خالصين لله، لا نعرف غير وجه الله، ولا نحب إلا رسول الله، ولا نرى ولا نسمع ولا نحس إلا رسول الله، فنراه في أنفسنا فنستغنى به عن كل شيء، فنكون في معنى الأغنياء الشاكرين. أما إذا رأينا رسول الله خارجا عنا، غير موجود فينا وجعلناه منفصلا عن حياتنا، وجعلناه غائبا عن وجودنا، وجعلناه غيبا لا نراه ولا نسمعه ولا نحسه، فإننا بذلك نكون قد غيبنا الحياة عنا، ونكون في معنى الأموات الفقراء الصابرين (غنى شاكر خير من فقير صابر)1 … (١٩٧٠/١٠/٩)(١٩٧٠/٩/١٨)

٤-١-١-٢-لا يربط الإنسان بين حاله في نعمة أو تقتير في الرزق وعلاقة الله به من رضاء أوغضب

وأخبر الله الإنسان عن أحواله التي عليه أن يقومها (فأما الإنسان إذا ما ابتلاه ربه فأكرمه ونعمه يقول رب أكرمن وإما إذا ما ابتلاه فقدرعليه رزقه فيقول رب أهانن2) … (١٩٨١/٤/٣)

٤-١-١-٣-لا يفرط الإنسان في أمر نفسه ويكون غيرمقدر لنعم الله عليه، ولابتلاء الله له

إن الدين يكشف للإنسان كيف يتعامل مع نعم الله عليه، كما يتعامل مع ما قدر الله عليه. ولكن الإنسان حين يفرط في أمر نفسه ويكون غير ذاكر وغيرمقدر لنعم الله عليه، ولابتلاء الله له ،غير مقدر لكل هذا العطاء، سواء كان مظهره نعم أو كان مظهره عذاب و نقم. إن أمر الله ليس مفروضا عليكم بمعنى القهر وبمعنى القوة ، وإنما أمر الله لكم هو أمر كاشف لما فيكم من سره. إن كل ما أمر به الله موجود في داخلكم ، إنكم يوم تسمعون كلام الله حقا، ستؤمنون عليه، ستجدونه في قلوبكم، ستجدونه في فطرتكم لأنه كاشف لعطائه لكم، ينفذ إلى أعماقكم. لقد نسيتم ما عاهدتم الله عليه بانشغالكم في أحوالكم، في معيشة أجسادكم على أرضكم، وهذا ما رمزت له الآية (ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي ولم نجد له عزما3).. (٢٠٠٦/١٠/١٣)

٤-١-٢-الدعاء والصلاة إذا مس الإنسان الشر وإذا مسه الخير

هذا المفهوم يوضح أن آيات الحق تخبر الإنسان عما فيه من صفات يجب أن يقومها وتصف له العلاج. الفقرتان تمثلان هذا المفهوم.

.. وأخبر الله الإنسان عن أحواله التي عليه أن يقومها (خلق الإنسان هلوعا إذا مسه الشر جزوعا وإذا مسه الخير منوعا إلا المصلين) … (١٩٨١/٤/٣)

.. حين نتأمل في آيات الحق وهي تصف حال الإنسان فهي كذلك تصف ما يجب أن يقوم فيه الإنسان ليخرج من هذا الحال (خلق الإنسان هلوعا إذا مسه الشر جزوعا وإذا مسه الخير منوعا إلا المصلين4). آيات الحق تصف للإنسان كيف يخرج من حال ظلام نفسه بالصلاة… (١٩٨٩/١٢/٢٩)

٤-١-٣-بدء الإنسان بنفسه

لا يمكن لإنسان أن ينشر الخير والسلام إذا لم ينشره في نفسه أولا وعليه أن يستعين بالله غيبا وشهادة لنشر ما يصل إليه، فهداية الإنسان لنفسه خير له من الدنيا وما فيها:

٤-١-٣-١-الفرد بقيامه الذاتي، وبقيامه الروحي هو نواة للبشرية كلها

ابدأ بنفسك ثم بمن تعول، ابدأ بنفسك مفكرا في السلام تجعل السلام ينتشر. لأنه لو فكر كل فرد منا في السلام فإن هذا السلام سوف يعم، ويكون له واقع في حياتنا وفي أرضنا. إن أي شيء يبدأ من الفرد ثم يعم وينتشر. أي فكرة صغيرة أو كبيرة بدايتها تكون باعتقادنا وبفكرنا. إن الفرد بقيامه الذاتي، وبقيامه الروحي هو نواة للبشرية أجمع وللأرض جميعها… (١٩٧٠/١٢/٢٥)

٤-١-٣-٢-الإنسان بسر الله فيه أكبر من ذات ومن دنيا

فلننظر لنفوسنا، ولننظر لأعماقنا، ولننظر لحالنا، فمهما كان حال الناس من حولنا فقضية الدين للإنسان دوما هي قضية وجوده، وقضية قيامه، وقضية سلوكه (رجل كسب الله وخسر الدنيا ماذا خسر ورجل كسب الدنيا وخسر الله ماذا كسب5) (لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من الدنيا وما فيها6). فإذا تذكرنا حالنا، وتأملنا في أحوالنا، في بداية لنا نرجو منها كسبا، ونرجو منها فوزا، ونرجو منها حياة، هاجرنا جميعا الى الله ورسوله، طالبين عونا، وطالبين قوة، وطالبين مددا ونورا، غير متثاقلين لمادي وجودنا، ولا لسفلي قيامنا، ولا لدنا ذواتنا، فنحن بسر الله فينا أكبر من ذات ومن دنيا… ، (١٩٨٠/١١/٢١)

Footnotes

  1. في مواضع أخرى ممكن أن يكون الفقير الصابر خير من الغني الشاكر

  2. الفجر: ٢

  3. طه: ١١٥

  4. المعارج: ١٩

  5. إنجيل مرقص: ٣٦:٨ “لأنه ماذا ينتفع الإنسان لو ربح العالم كله وخسر نفسه؟” 

  6. حديث: البخاري ” فوالله لأن يهدي الله بك رجلا واحدا، خير لك من أن يكون لك حمر النعم”.