تخطَّ إلى المحتوى

٣-٢-التدبر

يتكون هذا الجزء من اثنا عشر جزءا فرعيا تتناول التدبر في رمزية بعض الآيات.. التدبر في خلق السماوات والأرض.. التدبر في التماثل بين بين تطبيق العلم الدنيوي والعلم الروحي.. التدبر في أحوال الإنسان.. التدبر في كل ما أمرنا به في ديننا.. التدبر في شهادة لا إله إلا الله.. التدبر في خلق الإنسان.. التدبر بعكس البصر الى الداخل.. التدبر في الأحوال التي يمر بها سالك الطريق.. - التدبر في البيئة التي تحيط بالإنسان.. التدبر في تاريخ البشرية.. التدبر في معنى العبودية لله

٣-٢-١-التدبر في رمزية بعض الآيات التي تجيب عن تساؤلات الإنسان

تمت إضافة هذا المفهوم كمثال على التدبر في رمزية بعض الآيات المجردة التي تشير إلى أمور لها علاقة بحياة الإنسان وتساؤلاته عن ماهية وجوده، مع التأكيد على أن هذا التدبر ليس المعنى الوحيد لما توحي به هذه الآيات. وقد تناول هذا المفهوم بعد له علاقة برمزية ما سيلاقيه الإنسان الغافل في الآخرة، وبعد ثاني عن طبيعة الإنسان في بحثه عما يجهل، وبعد ثالث عن تساؤلات عن الهدف من وجوده وكيف يتعامل في مواقف متعددة.

٣-٢-١-١-رمزية الآية: فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة

.. الناس الذين لم يعرفوا كيف يحيون لا يستطيعون البقاء، لا يستطيعون الاستمرار في الحياة الآخرة. إنهم كائنات غير قادرة على الاستمرارية (.. فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة…1). إنهم يدخلون في طور آخر من الحياة، نار الله التي تصهر كل هؤلاء وتدخلهم في صورة أخرى من الحياة. (يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم.. الذي خلقك فسواك فعدلك.. في أي صورة ما شاء ركبك2). إننا إذا كنا نفهم هذه الآية على أنها الصور المختلفة للناس، إلا إنها أيضا لها معنى يمكن ان نفهمه وهو أن الانسان له أشكال كثيرة في دورة حياته. (٢٠٠٥/٤/١)

٣-٢-١-٢-التدبر في رمزية آيات: والسماء الطارق

معنى والسماء والطارق: حين نقرأ هذه الآيات: “والسماء والطارق، وما أدراك ما الطارق، النجم الثاقب…3”، قد يقرؤها إنسان، أو مفسر، أو عالم على أنها مجرد قسم بالسماء وما فيها من نجوم، ويمكن ونحن نتأملها أن نفهم فهما آخر، فالسماء هي رمز للغيب، رمز لما وراء الطبيعة ، والإنسان يحاول دائما أن يوصل بالغيب, بل أنه يحاول ذلك) يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السماوات والأرض فانفذوا لا تنفذون إلا بسلطان4 (. وهنا أيضا السماوات ليست مجرد بعد مكاني، فنحن نعلم الآن أن السماوات تتسع، والكون يتسع، فالتأمل هنا أن هذه السماوات ترمز إلى الغيب أيضا بمراحله، وبمعارجه، وبمستوياته. كل ما لا تعلمه هو غيب، وما تعلمه اليوم كان غيبا عليك في الأمس، وما تجهله اليوم ربما تعلمه غدا، وربما لن تعلمه وأنت على هذه الأرض. إنما أنت تطرق أبواب السماء، والطرق هنا هو دعاء، إنك تدعو الغيب، وكل دعاء للإنسان هو دعاء للغيب، بل أنك تدعو بما فيك من سر، وبما فيك من حياة، وبما فيك من قوة، وبما فيك من فهم، وفكر، وإدراك أنه ليس لك إلا السماء، ليس لك إلا أن تتجه إلى الغيب، ليس لك إلا أن تطرق أبواب الغيب (٢٠٢٠/٢/٢٨)

معنى النجم الثاقب : أنت بذلك نجم، أنت بذلك نور، ما فيك من نور، ما فيك من نور يطرق أبواب السماء، وهذه هي البداية، وستظل دائما هذه هي البداية، وستظل دائما أنت في بداية، فطريق الحق كله بدايات؛ لأنك كلما خطوت خطوة تبدأ خطوة أخرى، كما هو حالك على هذه الأرض، كلما تعلمت علما يكون بداية لعلم آخر، لعلم أعمق، وكلما أدركت أمرا كلما بدأت في محاولة معرفة ما هو أعلى. هكذا بدايات دائمة، وهذه البدايات هي بداية دورات، فأنت تتجه إلى الغيب بما فيك من نور لتأخذ قوة تستطيع بها أن تنظر إلى حالك وقيامك (٢٠٢٠/٢/٢٨)

لينظر الإنسان مم خلق: هذه مرحلة أخرى بعد طرق الأبواب، بعد الدعاء، أن تنظر إلى كيف خلقت، تنظر إلى وجودك، تنظر إلى بداياتك لوجودك في هذا الكوكب، وكيف أصبحت اليوم (خلق من ماء دافق، يخرج من بين الصلب والترائب5) كنت نطفة صغيرة نمت وكبرت، وخرجت إلى هذا الكون صغيرا، وكبرت عليه، وأصبحت على ما أنت عليه. حياتك على هذه الأرض هي دورة في دورات، تخرج من هذه الأرض لتدخل في دورة أخرى (إنه على رجعه لقادر6). (٢٠٢٠/٢/٢٨)

والسماء ذات الرجع، والأرض ذات الصدع7: ممكن أن تفسر بصور كثيرة فقد يظن ظان أن هذا قسم آخر بماء منهمر من السماء، وأرض تتصدع لتتقبل هذا الماء. وقد يتأمل فيه متأمل على أنه قيام الإنسان في حال آخر، في دورة أخرى، في عالم آخر، في حياة أخرى، في صورة أخرى. هذه المعاني هي قول فصل، وما هو بالهزل8 (٢٠٢٠/٢/٢٨)

إنهم يكيدون كيدا، وأكيد كيدا، فمهل الكافرين أمهلهم رويدا9: كثير من الناس لا يعلمون، وفي المعاني لا يتأملون، وفي الأعماق لا يتفكرون، وبهذا فهم يكيدون، لا يريدون لإنسان أن يتعمق، وأن يتفكر، وأن يتأمل في قول الحق. و يكيد الله هنا، هو تدبير الله، هو أمر الله البالغ، الواصل، الواقع، إنه القانون الذي قرأه الكثيرون في سابق، ويقرؤه الكثيرون في حاضر، وسيقرؤه الكثيرون في قادم، فطرة الله، وصبغة الله، وقانون الله. أمرالله سيصل لمن يتعمق ويتأمل، سيصل رغم ما يكيدون، ما يشوشون، ما يفسرون، ما يحصرون، سوف يتلقى هذا العلم من هو له أهل. (٢٠٢٠/٢/٢٨)

٣-٢-١-٣-التدبر في بعض الآيات التي تجيب عن تساؤلات الإنسان

فإذا تساءلتم عن ماهية وجودكم، يجيبكم: (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون10)، فيعبدون هنا هي ما تفعلون، وما به تقومون، وما تتخذون من قرارات في حياتكم، وفي وجودكم، وفي سلوككم، إنها كلها عبادة لله. خلقكم لتتفاعلوا مع هذا الكون، فتغيرون وتتغيرون، فتصلحون وتصلحون، تعلمون وتتعلمون، تصنعون، وتزرعون، وتحصدون، ولنتائج أعمالكم تحصلون، فبها تعيشون، وتكافحون، وتجاهدون، وتتحابون وقد تتصارعون، تجتمعون وتفترقون، تتواصون وقد تختلفون، فإذا اختلفتم فلترجعوا إلى عقولكم، وإلى ما ترون فيه صالح وجودكم، حتى تجتمعوا على أمر بينكم به تصلحون مجتمعكم وتغيرونه إلى الأفضل في حياتكم. كل الناس مثلكم، مهما اختلفت دياناتهم، أو أعراقهم، أو أجناسهم، أوحضاراتهم، أوثقافاتهم، فالكل فيه معنى الإنسان، وكل الناس عندهم نفس الكفاءات والإمكانات، فلا فضل لعربي على أعجمي إلا 11بالتقوى. (٢٠٢٠/٣/٦)

وإذا تساءلتم عن كيف تحاورون وتخاطبون من يختلف معكم، أجابكم: (تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله). (٢٠٢٠/٣/٦)

وإذا تساءلتم وماذا نفعل إن اختلف معنا الآخرون، واتخذوا أربابا من دون الله، فيقول لكم: (الله يحكم بينكم يوم القيامة فيما كنتم فيه تختلفون12) (٢٠٢٠/٣/٦)

وإذا تساءلتم عن علاقة إرادتكم بإرادة الله، فيقول لكم: ( ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك …13)، (… قل كل من عند الله …14). (٢٠٢٠/٣/٦)

وإذا تساءلتم عن الذين يدعونكم إلى طريق ما، ثم اكتشفتم أن هذا الطريق لا يؤدي إلى الحق، وأردتم أن تتبرؤوا من ذلك بعلة أنكم اتبعتم من دعوكم، يخاطبكم ويعلمكم: (إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا ..15)، ويعلمكم أن الشيطان إذا دعاكم فسوف يتبرأ منكم أيضا بقوله: (ما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا أنفسكم16). (٢٠٢٠/٣/٦)

وإذا تساءلتم هل نستوي مع الذين يعلمون أكثر منا، نحن جاهلون ولا نعلم الكثير، ماذا نفعل؟ فيجيبكم: (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت17). (٢٠٢٠/٣/٦)

وإذا تساءلتم لقد أسرفنا في أمر أنفسنا، فماذا نفعل، إننا لا نستطيع أن نخرج من هذا الظلام الذي أوجدنا أنفسنا فيه، ولقد يئسنا من أن نتبع طريق الحق، فيخاطبكم: (يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا18). (٢٠٢٠/٣/٦)

٣-٢-٢-التدبر في خلق السماوات والأرض

التدبر في خلق السماوات والأرض تم التعبير عنه من خلال الموضوعيين التاليين: النظر إلى تراثنا في ضوء ما توصل إليها العلم الحديث من معلومات عن أصغر الكائنات وعن الكون بلانهائية إتساعه، وكذلك التفكر في خلق السماوات والأرض هو كل تفكر في أي علم من العلوم، وفي أي سبب من أسباب الحياة.

٣-٢-٢-١-النظر إلى تراثنا في ضوء توصل إليه العلم من معلومات عن أصغر الكائنات وعن الكون بلانهائية إتساعه

إن الحقائق التي نعلمها اليوم والتي كشف عنها الاتصال الروحي من استمرار الحياة، ومن نتائج توصل إليها العلم الحديث في فروع متعددة، وفي التأمل لقوانين الحياة بدءا من أصغر الكائنات الى الكون الفسيح بلا نهائيته، يجعلنا ونحن نعيش في هذا العصر مكلفين أن ننظر الى تراثنا، وأن ننظر الى حاضرنا، نظرة حق، نظرة علم، نظرة تأمل، نظرة تفكر وتدبر. نبحث فيما بين أيدينا من التراث بما يتناسب مع ما كشف لنا من علم في حاضرنا، فما خلقنا وما تواجدنا في هذا الزمان وهذا المكان إلا لنكسب بما كشف لنا… (١٩٨٧/٢/٦)

٣-٢-٢-٢-التفكر في خلق السماوات والأرض هو كل تفكر في أي علم من العلوم، وفي أي سبب من أسباب الحياة

إن الإنسان منذ أن خلق وهو يبحث عن هدف وجوده ولم يجد إجابات على تساؤلاته فاتجه إلى الغيب ذاكرا في كل أحواله، في معاملاته، في عمله، في نومه ويقظته، في حديثه وسكونه، في ركوعه وسجوده، ويوم قام في ذكر دائم أصبح قادرا أن يتفكر في خلق السماوات والأرض. التفكر في خلق السماوات والأرض هو كل تفكر في أي علم من العلوم، وفي أي سبب من أسباب الحياة، في وجودك وفي وجود الكائنات حولك، في السماء ومجراتها، في النجوم ومداراتها، في الكواكب وسريانها، في الأقمار وسطوعها، في النبات وفي الحيوان وفي الجماد، وفي كل شيء وكل كائن يدب على هذه الأرض، في الفيضانات والأعاصير والبراكين. هذا التفكر المستمر، والتدبر الدائم في كل حدث وفي كل صغيرة أو كبيرة يؤهل الإنسان أن يجد الإجابة على السؤال الذي سأله عن ماهية وجوده، ويخاطب ربه ربنا ما خلقت هذا باطلا19 ، فيعرف معنى حياته وهو أن يحقق معنى الحياة له، فيصبح قادرا أن يستمر في حياته الأخروية.. (٢٠٠٨/٤/١١)

٣-٢-٢-٣-السماوات والأرض بما فيهما من آيات تتحدثان لإولي الألباب

إن بداية الآية بإن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار، إشارة إلى مكان في هذا الكون الذي خلق فيه الإنسان. هذا المكان فيه رسائل لنا، فيه آيات لنا. فالمكان ليس جمادا، المكان حي، السماوات والأرض تتحدثان بما فيهما من حياة، ، إختلاف الليل والنهار آية فيها حديث للإنسان، فهنا الآيات ليست مجرد إعجاز، وإنما تدل أيضا على أنها آيات تتحدث، آيات تبلغ، آيات توجه. توجه من؟ ولمن؟ ومن الذي يتلقى توجيهها؟ الذي يتلقى توجيهها هم أولو الألباب، ومن هم أولو الألباب؟ الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم. فالحديث متصل، خلق السماوات والأرض يعلم، ويوجه، ويرشد أولي الألباب، ومن هم أولو الألباب؟ الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم. أما الذين ليس لهم عقول ولا قلوب، ليسوا من أولي الألباب، فهم لا يذكرون الله في أي حال من أحوالهم، إنما يذكرون وجودهم، يذكرون طلباتهم، يذكرون مادي وجودهم، إنشغلوا بظاهر حياتهم، نسوا أن لهم عقولا ليفعلوها، نسوا أن لهم قلوبا ليذكروا بها، نسوا أن يدعوا الله وأن يذكروا الله في كل حال من أحوالهم… (٢٠٢٠/١/٣)

٣-٢-٢-٤-خلق السموات والأرض هو رسالة تجلى الله بها على خلقه ليقرأوها

إن ما خلقت هو رسالة لنا، هو توجيه لنا، هو وجهك الذي به علينا تجليت، هو اسمك الذي به نذكر، لقد أدركنا وعرفنا أنك ما خلقت هذا باطلا، وأدركنا وعرفنا أننا إن لم نعمل قلوبنا وعقولنا فلن نقرأ ما أرسلت لنا، ولن نعرف ما أردت بنا، نحن لا نريد أن نكون كذلك، وإنما نريد أن نكون من الذين يعملون قلوبهم وعقولهم، أن نكون من أولي الألباب حقا. ربنا وقد علمنا أن بنا ضعفا، وتخاذلا، وقلة حيلة، وغفلة، كما أن بنا سرك ونورك، بنورك وما أعطيتنا نعوذ بك من ظلام أنفسنا، سبحانك فقنا عذاب النار20. والنار ألا نعمل ما أعطيتنا، وألا نفعل ما أوجدت فينا، وأن نغفل عن ذكرك، وعن التأمل فيما خلقتنا عليه، وفي آياتك التي أرسلت لنا. سبحانك وقد تجليت علينا وتعاليت، ظهرت لنا واختفيت، دنوت منا وعلوت، ظهرت لنا وبطنت، نراك في كل شيء، وأنت وراء كل شيء، سبحانك تحمل كل هذه المعاني، لا نستطيع أن نحكم على أنفسنا اليوم كيف نحن ومن نحن، فأنت أعلم بنا منا، ونحن نفتقر إليك، ونتجه إليك، ونطمع في رحمتك… (٢٠٢٠/١/٣)

٣-٢-٣-التدبر في التماثل بين تطبيق العلم الدنيوي والعلم الروحي

التدبر في التماثل بين تطبيق العلم الدنيوي والعلم الروحي يساعد الإنسان على أن يتفهم ممارساته الروحية أكثر لأن ما نمارسه في حياتنا الأرضية مرئى لنا: وهب الله الإنسان فطرة الحياة لبقائه روحيا ورزقه في دنياه أسبابا لبقائه فيها.. أحوال الإنسان وما يتعرض له من أحداث يمكن النظر إليها على أنها مصادر حياة فإذا عرف كيف يتعامل معها لاستطاع أن يحولها الى طاقة تحيه روحيا كما تحيه المصادر الطبيعية ماديا.

٣-٢-٣-١-وهب الله الإنسان فطرة الحياة لبقائه روحيا ورزقه في دنياه أسبابا لبقائه فيها

.. إن الله قد وهبنا في أنفسنا فطرة الحياة، ورزقنا فيما حولنا أسبابا لبقائنا على هذه الأرض، كما رزقنا في داخلنا قوة نستطيع بها أن ندبر أمرنا، وندبر حالنا، ونطوع ما وهب لنا، لخيرنا ولكسبنا، وضرب لنا مثلا في أحداث الكون وظواهر الطبيعة حولنا، أنزل من السماء ماء فأحيا به الأرض بعد موتها، كما وهبنا مصادر الحياة، ووهبنا علما وحكمة، فتعلمنا كيف نحيي أرضنا، لنجعلها تخرج لنا من الطيبات ما يحي أجسادنا.. (١٩٨٤/١/٢٧)

٣-٢-٣-٢- إذ اعرف الإنسان كيف يتعامل مع أحواله وما يتعرض له من أحداث لاستطاع أن يحولها الى طاقة تحيه روحيا

… فإذا نظر كل إنسان الى أحواله الفردية، وما يتعرض له من أحداث على أنها مصادر حياة وعرف كيف يتعامل معها بمعرفة لاستطاع أن يحول ما يتعرض له الى طاقة تحيه روحيا. فلا يجب أن نقف بجهلنا ونقول لا فائدة من أي أمر نتعرض له. فإن لم نعرف الفائدة، فلنطلب علما، ولنطلب معلما يعلمنا كيف نخرج كنوز الحياة مما بين أيدينا، كيف نخرج نور الحياة من هذه الظلمات التي نمر بها، كيف نحول هذه الأمور التي نعيشها ليل نهار لتكون قوة تدفعنا في طريق الحق، وفي طريق الحياة… (١٩٨٤/١/٢٧)

٣-٢-٤-التدبر في أحوال الإنسان

التدبر في أحوال الإنسان له علاقة وثيقة بالمفاهيم الفرعية التي أثيرت تحت مفهومي الإنسان في أحسن تقويم والإنسان في أسفل سافلين ومعظم تلك المفاهيم الفرعية ممكن أن تضاف هنا. ما يقدمه هذا المفهوم هو شرح لبعض أحوال الإنسان في مراحل ارتقائه المختلفة والتي يصعب تصنيفها تحت أي من المفهومين المذكورين: الإنسان يبدأ بأن يشهد كنوده لربه وحبه للخير وينظر إلى ما يدور في داخله من فكر وإحساس ويتساءل عن كنه وجوده وعن قائم حاله وسلوكه حتى يشهد أملا ينشده ويدعو ربه أن يوفقه للرقي.. الإنسان يتجه إلى الغيب يدعو ربه أن يرشده إلى القبلة التي يتجه إليها وإلى الطريق الذي يسلكه.. آيات الحق تصف للإنسان كيف يخرج من حال ظلام نفسه بالإيمان والعمل الصالح والصلاة

٣-٢-٤-١-الإنسان يبدأ بأن يشهد كنوده لربه وحبه للخير ويتساءل عن كنه وجوده

إن الإنسان في مراحله المختلفة وفي أطواره المتعددة يشهد كنوده، ويشهد حبه للخير، ويشهد أملا ينشده. فهل نظر كل إنسان الى أعماقه، هل نظر كل إنسان الى ما يدور في داخله من فكر وإحساس وتساءل عن كنه وجوده، وعن قائم حاله وسلوكه. ونظر الى إخوانه، مرآة صدق يرى فيها أحواله، شاهدا فيهم طريقه. إن قيام الإنسان في جماعة تتواصى بالحق وتتواصى بالصبر، أفرادها يقصدون وجه ربهم، يتجهون الى أعماقهم، يصلحون نفوسهم، يستعينون بحقهم، يتوسلون بجاه رسول الله لا يغيب عنهم أبدا، سوف يؤدي ذلك إلى رقي حالهم.. (١٩٧٧/٨/٥)

٣-٢-٤-٢-الإنسان يتجه إلى الغيب يدعو ربه أن يرشده إلى القبلة التي يتجه إليها وإلى الطريق الذي يسلكه

إن الإسلام قد جاء بتجليه في الرسالة المحمدية ليعلمنا قوانين الحياة، جاء ليعلمنا من نطلب، وكيف نطلب، الى أين نتجه، ولمن نتجه، كيف نعيش في حياتنا ظاهرا وباطنا، كيف نذكر وندعو، وكيف نسأل ونطلب، كيف نقوم ونحيا (قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها..21). تصف لنا هذه الآية حال الإنسان وهو يتجه الى الغيب بنظره الى السماء ولا يعرف لمن يتجه على الأرض، فجاء دين الفطرة ليعلمنا أنه في السماء إله، وفي الأرض إله (…وسع كرسيه السماوات والأرض…22).. (١٩٨٨/٤/١)(١٩٩٧/١/٣)

٣-٢-٤-٣-آيات الحق تصف للإنسان كيف يخرج من حال ظلام نفسه بالإيمان والعمل الصالح والصلاة

فكل سؤال يسأله الإنسان عنده إجابته، وكل خاطر يجول بعقل الإنسان عند الإنسان جوابه. فإذا ظهر السؤال فهذه بداية الجواب. لأن حين يظهر السؤال يبدأ الإنسان في محاولة جادة للمعرفة ولطلب الحق والحقيقة. وحين نتأمل في آيات الحق وهي تصف حال الإنسان فهي كذلك تصف ما يجب أن يقوم فيه الإنسان ليخرج من هذا الحال (والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر23) (خلقنا الإنسان في أحسن تقويم ثم رددناه أسفل سافلين إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات24) (إن الإنسان خلق هلوعا إذا مسه الشر جزوعا وإذا مسه الخير منوعا إلا المصلين25). آيات الحق تصف للإنسان كيف يخرج من حال ظلام نفسه بالإيمان والعمل الصالح والصلاة.. (١٩٨٩/١٢/٢٩)

٣-٢-٤-٤-بداية طريق الإنسان، هو تساؤله عن معنى حياته

إن بداية طريق الإنسان، هو تساؤله عن معنى حياته، وعن معنى وجوده على هذه الأرض، وستظل الإجابة على هذا السؤال غيبا عليه، ولكن سيحاول دائما أن يجد إجابة، ليتمكن من العيش على هذه الأرض. وهنا، نشهد حكمة الخالق في خلقه، فقد أوجد الله في الإنسان رغبات لما خلق على هذه الأرض، فخلق عنده الرغبة في المعرفة، وخلق أيضا له الرغبة في أمور مادية ، وأوجد له احتياجات عليه أن يحققها، وحبب له معنى الحياة في هذا الكون، فتولدت بذلك عنده أهداف أرضية، تجعله يتحرك إليها، وهذه نعمة من الله عليه، فانشغل بهذه الأهداف الأرضية، فأصبحت ـ بالنسبة له ـ سببا لوجوده، وسببا لمعيشته. وفي نفس الوقت، ذكره الله بأن هذه الأرض ليست إلا مرحلة من مراحل حياته (وللآخرة خير لك من الأولى26)، وعلمه وأوجد فيه ضميرا وحسا بمعنى العدالة، وبمعنى الاستقامة، وبمعنى العطاء والخشية، وأخبره عن نفسه وظلامها، وبظلام الناس من حوله، (قل أعوذ برب الناس، ملك الناس، إله الناس، من شر الوسواس الخناس، الذي يوسوس في صدور الناس، من الجنة و الناس27)، (إن الإنسان خلق هلوعا، إذا مسه الشر جزوعا، وإذا مسه الخير منوعا، إلا المصلين28)، هذا التوازن بين حب الإنسان لوجوده وأهدافه المادية، وبين خشيته لله، وإدراكه أن وجوده له أهداف أبعد من هذه الأهداف المادية، هو الذي يجعل الإنسان يتزن في قيامه، وفي سلوكه، وفي طريقه، وفي حياته. ومن هنا، كانت الدنيا بكل أبعادها، تلعب دورا في ارتقاء الإنسان في طريقه الروحي، حتى حياته الأرضية وما فيها من دوافع لوجوده بجسده ومتطلباته. لذلك، كانت دعوة رسول الله أن يتزن الإنسان بين طلبه الروحي، وبين وجوده المادي. (٢٠١٩/٢/١)

٣-٢-٥-التدبر في كل ما أمرنا به في ديننا

التدبر في كل ما أمرنا به في ديننا هو مفهوم يشمل كل ما جاء من تشريع وكل توجيه في القرآن والسنة لنتفهمه بصورة أعمق ولا نقف عند مفهوم واحد لأن هذه الأوامر لها أكثر من مفهوم طبقا لحال الإنسان وحال المجتمع. وهذه الفقرات تشرح بعض من أبعاد هذا المفهوم: كل أمر له جانب روحي وحقي، كما أن له جانب مادي وذاتي.. إعمال العقل لفهم مقصد النص.. التفريق بين تقديس النص ومفهوم النص.

٣-٢-٥-١-كل أمر له جانب روحي وحقي، كما أن له جانب مادي وذاتي

كل أمر أمرنا به في ديننا له جانب روحي وحقي، كما أن له جانب مادي وذاتي. فالأمر إن لم يؤخذ بشقيه فقد معناه. إذا أخذ من جانب مادي فقط أصبح لا قيمة له، وإذا اخذ من جانب روحي فقط، أصبح لا وجود له في هذه الدنيا، وفقد استمراريته في صورته التي تسربل بها ليكون موجودا دائما على هذه الأرض. وإذا أخذ الإنسان بالشقين، سلك وملك، عرف وصدق، دعا وتحقق. وإذا رفض الإنسان الشقين أصبح وجودا ماديا غير مربوط بمعاني الحياة بلا نهائيتها (١٩٩٥/١٠/٢٠)

٣-٢-٥-٢-إعمال العقل لفهم مقصد النص

المسلمون الأوائل مع الأخطاء التي يمكن أن يكونوا قد ارتكبوها، كانوا يدركون المعاني الحقيقية للآيات بمقاصدها، واستطاعوا أن يقيموا ما يجدوا أنه الحق، وأنه الخير. لم يلتزموا بحرفية الكلمات، وإنما أدركوا القصد وراءها. لم يقولوا كما يقول المعاصرون أن العقل نستخدمه لنثبت الوحي، ثم بعد ذلك نجنبه ولا نستخدمه. كيف يمكن للإنسان أن ينحي العقل جانبا بأي شكل وبأي صورة، كيف يمكنه أن يفهم النص إذا لم يح العقل. كيف ننفذ إقامة الصلاة، ونحن لا نفهم ما الصلاة، كيف نصوم ونحن لا نفهم ما الصوم. لقد درب علماء هذه الأمة، أفراد الأمة أن يكونوا مقلدين؛ فإذا سمعوا الآذان تحركوا وقاموا بحركات معينة وقالوا إن هذه هي الصلاة، وإذا أعلن شهر الصوم بدأوا يمتنعون عن الطعام من وقت إلى وقت معين، ما هو الصوم ما هي الصلاة لا يهم، المهم أن ينفذوا الأوامر كما هي…. (٢٠٠٦/٩/٢٢)

٣-٢-٥-٣-التفريق بين تقديس النص ومفهوم النص

هناك خلط يحدث بين الدين ومفهوم الدين، بين النص ومفهوم النص، بين حديث رسول الله (صلعم) وبين مفهومنا للحديث. ونحن نرى في عصرنا الحاضر مفاهيما كان أصحابها يروجون لها بأنها أمور لها مفهوم محدد لا يقبل غيره، ثم وجدناهم مع الأيام يغيرون هذا المفهوم. ولنأخذ مثالا على ذلك: فمنذ بضع سنوات كان الذين يدعون للسياسة الشرعية الإسلامية يرون أن الديموقراطية لا محل لها في هذا النظام، لسبب بسيط وهو أن شرع الله موجود وأن حكم الله موجود، وأن من لم يحكم بما أنزل الله فأولـئك هم الكافرون، وأولئك هم الظالمون، فلا داعي إذن لأن يجلس الناس معا ويشرعون لمجتمعهم بقوانين وضعية، فماذا سوف يأتون به والله قد فصل كل شيء؟ بل أنهم سوف يشرعون أشياء ما أنزل الله بها، وفي هذه الحالة يجب أن يقف هذا التشريع، بل أن بعض البلدان قد جعلت هناك رقابة على التشريعات التي تصدر، بحيث يكون هناك ولاية لرجال الدين على كل ما يصدر من تشريعات. ولكن نرى كثيرا من هؤلاء الذين كانوا يرفضون النظام الديمقراطي وقد قبلوه والأمثلة كثيرة… (٢٠٠٧/٥/١١)

٣-٢-٦-التدبر في شهادة لا إله إلا الله

شهادة لا إله إلا الله لها علاقات بكل أمور حياتنا وقد أظهرنا بعض هذه العلاقات في بعض المفاهيم. هذا الجزء هو تأمل في دلالاتها وأثرها على سلوك الإنسان بوجه عام من ثلاثة أبعاد: البعد الأول هو حرية الإنسان في التفكر في كل ما يستطيع أن يراه. والبعد الثاني هو الشهادة كانطلاق روحي وفكري لا يخشى فيه الإنسان إلا الله. البعد الثالث هو تنـزيه الإنسان لله ولإرادة الله، ولمراد الله، هو أساس شهادة أن لا إله إلا الله.

٣-٢-٦-١-حرية الإنسان في التفكر في كل ما يستطيع أن يراه

إن الله قد أمرك بأن تكون حرا يوم أمرك أن تشهد أن لا إله إلا الله، حريتك أن تسأل عن كل شيء، ليس هناك محظورات لا يمكن أن نفكر فيها، كل شيء يمكن أن نفكر فيه، ولكن السؤال هو هل نستطيع أن نفكر فيه، أم لا نستطيع أن نفكر فيه (.. إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السماوات والأرض فانفذوا لا تنفذون إلا بسلطان29). الفكر الإنساني، واستعمال العقل مرتبط بأن تكون هناك معايير يستطيع أن يقيس بها الإنسان الأفضل. كل شيء أستطيع أن أقيسه يمكن أن أفكر فيه وأنا غير مطالب بأن أفكر في شيء لا أستطيع أن أقيسه. لذلك فإيمانك بالغيب هو أمر غير خاضع للقياس، وإنما هو خاضع لإيمان داخلي، لإيمان تجريدي، لتذكر فطري، بما أودع الله في الإنسان من سره. إذا كنت تؤمن بالغيب فهذا هو أمر خاص بك، لا يمكن أن تثبته، ولا يمكن أن تفكر فيه بطريق الإحاطة. هذه قدرة أخرى في الإنسان، قدرة الإيمان، أما أي شيء تقوم به على هذه الأرض، فهو خاضع لأن تحكم عليه، ولأن تستحسنه أو أن تستقبحه، أن تحبه أو أن تكرهه، أن تفهمه بالصورة التي تعتقدها، ولا سلطان عليك إلا ضميرك، وإلا قلبك، وإلا عقلك. (٢٠٠٦/١١/١٧)

مجتمع نرجو أن تسود فيه قيمة الحرية، حرية الإنسان، التي لا يستطيع الإنسان الصالح، أن يعيش بدونها، وكما نفهمها دائما، في شهادة أن لا إله إلا الله. فنحن نذاكر دائما، بأن شهادة أن لا إله إلا الله، هي الحرية، هي حرية الإنسان، حيث لا يخضع لإنسان آخر، أو لطاغية، أو لفكر متجمد، أو لأي صورة من الصور، أو لأي وثن من الأوثان، وأي صنم من الأصنام. إن الإنسان يوم يكون حرا، في تفكيره، وفي حركته، وفي قوله ـ يخرج أفضل ما عنده، وإن الأحرار يوم يجتمعون، يخرجون أفضل ما عندهم. لا يمكن أن تقوم أمة، تأمر بالمعروف، وتنهى عن المنكر، وتؤمن بالله، إلا إذا كانت أمة حرة، إلا إذا كانت أمة غير مكبلة بالقيود، قيود الظلام، وقيود التجمد، وقيود الخوف، وهذه هي الكلمة السواء (تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا30 …). (٢٠١١/٢/١٨)

٣-٢-٦-٢-شهادة لا إله إلا الله كانطلاق روحي وفكري لا يخشى فيه الإنسان إلا الله

.. علينا أن نرجع إلى أصولنا، وأن نتعلم من هذه الأصول، أن نتعلم أولا شهادة أن لا إله إلا الله، وشهادة أن محمدا رسول الله، فلا تكون الشهادة بالنسبة لنا هي مجرد كلمات نلوكها بألسنتنا، وإنما تكون الشهادة بالنسبة لنا هي انطلاق روحي، وانطلاق فكري، انطلاق لا نخشى فيه إلا الله، ولا نعبد فيه إلا الله، ولا نسأل فيه إلا الله، ولا نقصد فيه إلا وجه الله. شهادة لا إله إلا الله تحررنا أن نكون عبادا للسلف (… ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله31…) لا نؤله أي رأي، وإنما ننقضه ونضعه تحت المجهر، عن علم وليس عن جهل. إن دين الحق يعلمنا ذلك وهو يحدثنا عن مخاطبة أهل الكتاب (قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء …32). كما تعلمنا هذه الآية، أن نتبع هذا الخطاب مع أنفسنا ومع أمتنا. فهو حديث صالح أن نخاطب به بعضنا بعضا. فمعنى “يا أهل الكتاب” يمكن أن تطبق أيضا على أهل القرآن، وأهل الحديث، وعلى من يؤمنون بالله ورسوله. إن الذي يحكم بيننا ليس هذا الفقيه، وإنما الذي يحكم بيننا ما يقوله هذا الفقيه، ولماذا يقوله، وعلى أي أساس قاله. إن العالم بما يقدمه من قدرة على أن يرى المفاهيم المختلفة التي يمكن أن يقود لها حديث أو آية، وأن يكون قادرا على أن يتقبلها. قد يفضل رأيا في النهاية بإحساسه وبقلبه، ولكنه لا يخفي الآراء الأخرى عن الآخرين. فإين تواضع العلماء؟ وأين الصدق فيما يقولون؟ هذا ما نفتقره في مجتمعاتنا… (٢٠٠٦/١٢/١)

٣-٢-٦-٣-تنـزيه الإنسان لله ولإرادة الله، ولمراد الله، هو أساس شهادة أن لا إله إلا الله

كيف تكون شهادة أن لا إله إلا الله واقعا في حياتنا؟ أبسط مفهوم يمكن أن نتعلمه هو في تنـزيه ربنا عن أي صورة وعن أي شكل، فهو الذي ليس كمثله شيء، وهو الأكبر من كل شيء، وهو الأول فليس قبله شيء، وهو الآخر فليس بعده شيء، وهو الباطن فليس دونه شيء، وهو الظاهر فليس فوقه شيء، تعالى عن أي صفة أو شكل. تنـزيهنا لله ولإرادة الله، ولمراد الله، هو أساس في شهادة أن لا إله إلا الله. فربوبية الله تجعلنا أحرارا فيما نرى أنه الخير، وفيما نرى أنه الحق، لأننا لا نستطيع ببساطة أن نضع شكلا أو صورة أو مفهوم إنسان ما، ونقول إن هذا هو ما يريد الله. وهذا هو الأصل الذي نبني عليه مفهوم حرية الإنسان. الوجه الآخر لشهادة أن لا إله إلا الله بمعنى التنـزيه ومعنى الإطلاق هو حرية الإنسان. لذلك فإن التصور أن الدين يقيد حرية الإنسان هو تصور خاطئ. الدين يساعد الإنسان أن يكون حرا، وأن يكون مفكرا، وأن يختار طريقه، وأن يحدد وجهته، وأن يحدد قبلته، فهو مسئول عن قبول القبلة التي يتجه إليها، وهو مسئول عن الطريق الذي يسلكه وعن المنهج الذي يتبعه. حتى إذا اختار الإنسان ألا يختار فاتبع من يقولون له افعل ولا تفعل، فهذا أيضا اختيار، وهو مسئول عنه… (٢٠٠٧/١١/٢)

٣-٢-٧-التدبر في خلق الإنسان

التدبر في خلق الإنسان هو ناتج عن قانون “خلق الإنسان في أحسن تقويم” وقد تناولت الفقرات المستخلصة ما يجب أن يتدبر فيه، ووصف واقعي لحاله ومنهجية لتدبره في النقاط التالية: النظر في كيفية خلق الإنسان ومراحل تطوره وما سيئول إليه وكيف يكون في حياة دائمة، الإنسان محاط بظلام من داخله وظلام من خارجه وفيه أيضا سر الرحمن الذي به نجاهد هذا الظلام، الإنسان يعيش بين ما يعلم وما لا يعلم فليقرأ الإنسان ويأخذ ما يقرأه إلى قلبه فإذا وجد ترانما بين ما يقرأه وبين ما هو في قلبه فسيجعله ذلك يزداد رسوخا فيما هو قائم عليه وإذا وجد تنافرا فعليه أن يراجع قراءته، التواصي بما أنعم الله على الإنسان من طاقات هو ما سوف يقوده إلى النجاة.

٣-٢-٧-١-النظر في كيفية خلق الإنسان ومراحل تطوره وما سيئول إليه وكيف يكون في حياة دائمة

آيات الحق تحثنا أن ننظر في كيفية خلقنا (فلينظر الإنسان مما خلق..33) (… ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت..34). وتوجهنا أن نتأمل في صور خلقنا (يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم الذي خلقك فسواك فعدلك في أي صورة ما شاء ركبك35) وتخبرنا عمن سبقونا إلى الحياة (لا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا، بل أحياء عند ربهم يرزقون36)، فهل تريدون الحياة أم تريدون الفناء (كونوا حجارة أو حديدا أو خلقا مما يكبر في صدوركم…37)، فمن آثر الحياة الدنيا، من كانت الحياة الدنيا في قلبه، من كان عبدا للحياة الدنيا، فهو للحياة الدنيا، والحياة الدنيا فانية.. (١٩٨٧/٢/٦)

٣-٢-٧-٢-الإنسان محاط بظلام من داخله وظلام من خارجه وفيه أيضا سر الرحمن الذي به نجاهد هذا الظلام

الهدف الذي نصبو إليه أن نكسب كرتنا وحياتنا ووجودنا، ونحن محاطون بظلام من داخلنا، من النفس الأمارة بالسوء فينا، ومن ظلام بخارجنا من النفوس المظلمة التي تحيط بنا على أرضنا وفي مجتمعنا. ونحن بمعنى الرحمن فينا، وبمعنى الحق لنا، وبسر الله الذي فطرنا عليه، وصبغنا به نجاهد هذا الظلام من داخلنا ومن خارجنا. وما الجهاد إلا محاولة لنكون في استقامة في سلوكنا كما كشفت لنا آيات الحق، وهي تعلمنا وتصف لنا حال المستقيمين، حال الفالحين، حال الصالحين. تحدثنا عن الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم، ويتفكرون في خلق السماوات والأرض… (٢٠٠٢/٦/٢١)

٣-٢-٧-٣-الإنسان يعيش بين ما يعلم وما لا يعلم فليقرأ الإنسان ويأخذ ما يقرأه إلى قلبه فإذا وجد ترانما إزداد رسوخا فيما هو قائم عليه وإذا وجد تنافرا فعليه أن يراجع قراءته

إن الإسلام برسالة محمد (صلعم) جاءت لتقول للإنسان أن فيه سر الله، وأن فيه نور الله، وأن عليه أن يفعل هذا النور فيه، وأن يفعل هذا السر فيه، أن يتحرك، أن يسير في الأرض، أن يتأمل، فلينظر كيف بدأ الله الخلق، أن يقرأ باسم ربه الذي خلق. إنك يا إنسان تعيش بين ما تعلم، وبين ما لا تعلم، فاقرأ حتى تعلم، فتتحرك خطوة إلى أعلى، اقرأ وخذ ما تقرأه إلى داخلك، إلى فطرتك، إلى قلبك، لتقوم فيما تقرأه. فإذا وجدت ترانما بين ما تقرأه، وبين ما هو في قلبك، فسيجعلك ذلك تزداد رسوخا فيما أنت قائم عليه. وإذا وجدت تنافرا وتضادا بين ما تقرأه وبين ما في قلبك، ففي هذه الحالة عليك أن تتفكر أكثر، وأن تتعمق أكثر، فقد يكون هذا التضاد وهذا التنافر، نتيجة ظلام في قلبك، ونتيجة هوى في نفسك، وقد يكون هذا التضاد لسوء فهم فيما قرأته، وأن قدرتك على تفسيره والتأمل فيه، لم تسعفك لتكون متناغما معه، مرتبطا به، فهنا يجب أن تتوقف، ولا تصدر حكما قاطعا، وإنما تطلب علما، وتتجه إلى الله أن يعلمك فيفتح الله عليك، فترى ما لم تكن ترى، وتفهم ما لم تكن تفهم، أوأن يوجهك لمن يعلمك.. (٢٠٠٩/٧/٣)

٣-٢-٧-٤-التواصي بما أنعم الله على الإنسان من طاقات هو ما سوف يقوده إلى النجاة

إن التواصي بالحق والتواصي بالصبر هو لنتواصى بنعم الله علينا، وما أوجد الله فينا، فهذا العطاء هو الذي سوف يأخذ بيدنا، سوف يحركنا في الطريق القويم، وعلى الصراط المستقيم. لن تحركنا مجرد كلمات نلوكها بألسنتنا، أو حركات نقوم بها بأجسادنا. إن الذي سوف يقودنا إلى النجاة هو إعمال كل طاقاتنا، التي وهبنا الله إياها. علينا أن نكون أكثر تقديرا لما وهبنا الله، وأكثر إيمانا بوجودنا، وبقدراتنا، وبحياتنا، وبأمانة الحياة فينا. ولكننا لا نقدر هذا الذي أعطانا الله إياه، بل أننا نهرب منه. نهرب من عقولنا وتساؤلاتها، نهرب من قلوبنا وأحاسيسها، ومن ضمائرنا ووعيها، إلى أمور عاجلة تلهينا وتسكرنا عن معنى وجودنا، ننغمس فيها انغماسا كليا بظن دين، وبظن إيمان، وبظن إسلام، وبظن تسليم، وبظن متابعة واتباع، وبظن بعد عن ابتداع، ولن ينفع كل ذلك، إلا إذا كان نابعا من فهم لمعنى المتابعة، ومن فهم لمعنى الاتباع، ومن فهم لمعنى الابتداع، لا كما يفهم من الكثيرين…… (٢٠١٠/٥/١٤)

٣-٢-٨-التدبر بعكس البصر الى الداخل

التدبر بعكس البصر إلى الداخل له متطلبات قبلية وآثار بعدية كما تصفها هذه النقاط: قيام الإنسان في حجاب لا يجعله يرى الحقيقة، ولكنه يستطيع أن يراها يوم يعكس البصر إلى داخله، قراءة الإنسان لكتاب الله ولحديث رسول الله وعرض ما قرأه على داخله ليرى إن كان له صدى في وجوده، الوصول إلى جوهر الإسلام يحتاج أن ينقب الإنسان عنه في فطرته مع رجوعه للأصول، تدبر الإنسان في رسائل الله له وفي أفعال الناس وإرجاع البصر إلى داخله يساعده على تحديد هدفه.

٣-٢-٨-١-قيام الإنسان في حجاب لا يجعله يرى الحقيقة، ولكنه يستطيع أن يراها يوم يعكس البصر إلى داخله

إنا على هذه الأرض في حجاب، ولكن في أنفسنا ما يذكرنا بقديمنا وقادمنا، إن كنا لا نرى حولنا لوجودنا في ظلام على أرضنا فإنا نستطيع أن نرى يوم نعكس البصر الى داخلنا، والحق يعلمنا (وفي أنفسكم أفلا تبصرون38). اتجهوا الى أعماقكم، والى قلوبكم، ستجدون الحق بين جوانحكم، وستجدون النور في قلوبكم، وستجدون الحياة في وجودكم، وستجدون الدين في فطرتكم، وستجدون العلم في تقواكم، فإذا كان ظاهركم ليلا فباطنكم نهارا، لأنكم تشهدون أنفسكم، تشهدون ضمائركم، تشهدون أفكاركم، تشهدون نياتكم، كل إنسان على نفسه بصيرا. (١٩٨٨/١٢/٢)

٣-٢-٨-٢-قراءة الإنسان لكتاب الله ولحديث رسول الله وعرض ما قرأه على داخله ليرى إن كان له صدى في وجوده

إنا نتعلم اليوم بما أشهدنا الله، وعلمنا من علمه، ومن أسباب الحياة حولنا، نتعلم أن كل شيء باق، كل كلمة باقية محفوظة في أثير هذه الأرض، وأن كل كلمة تسمعها اليوم باقية فيك، يوم تعرض نفسك لها، وتعرض وجودك لها، وباقية في ذريتك، وباقية في كل ما ينتج عنك، فقد أصبحت جزءا من وجودك، وجزءا من حياتك، وجزءا من قيامك، مندمجة في طاقاتك، وفي إمكاناتك، وفي وجودك. إنك يوم تنظر الى جوهرك، يوم تعكس البصر الى داخلك، يوم تتجه الى قلبك، يوم تفتش عن الحق فيك، سوف تجد كتاب الله فيك، وعترة رسول الله فيك، فحين تستمع الى حديث الله خارجك، وتعكس ما تسمع الى داخلك، ترى له صدى في وجودك، وترى انه قائم في حياتك، فلا تراه غريبا ولا تشعر به بعيدا، إنما تشعر به قريبا، أقرب إليك من حبل الوريد، ومعك أينما كنت.. (١٩٨٩/٢/١٧)

٣-٢-٨-٣-الوصول إلى جوهر الإسلام يحتاج أن ينقب الإنسان عنه في فطرته مع رجوعه للأصول

الوصول إلى جوهر الإسلام يحتاج أن ينقب الإنسان عنه في فطرته ويرجع إلى الأصول حيث تراكمت التفاسير على مر العصور فأصبحت تشكل عائقا بين الإنسان ومقاصد الدين.. (١٩٩٣/٥/٣١)

إنا حين ننظر حولنا اليوم، فيمن ينتمون إلى الإسلام اسما، وحين نقرأ آيات الله فنتأملها ونتدبرها، نجد فارقا كبيرا، بين المعاني التي حملتها الآيات الكريمة، وبين ما هو الناس عليه الآن (بدأ الإسلام غريبا وسيعود كما بدأ غريبا…39). ونجد الناس اليوم، وكل منهم يتحدث باسم الله، وبما يريد الله، وبحكم الله، بصورة قاطعة، كما أنه هو الله، أو أنه المتحدث الرسمي باسم الله مع أن الآ يات كشفت لنا أن الله أكبر، وأنه تعالى عن أي صفة، أو شكل، أو صورة. نرى الإسلام غريبا اليوم، كما كان غريبا في كل عصر من العصور السابقة، التي غابت عنها معاني الإسلام، يوم غاب الفكر، ويوم غاب الاجتهاد، ويوم غاب العقل. ولا نزال نتوارث هذه الغيبة، جيلا بعد جيل، دون أن نفيق إلى حقيقة ديننا، وإلى ما فيه من عمق يساعدنا على التغلب على آفات عصرنا، بفهم عميق لمقاصده، وباحترامنا لبعضنا، وبتواصينا بالحق والصبر بيننا، وبقبولنا أن نخرج عن الجمود الذي وضعنا فيه من سابقين جاءوا قبلنا، لأنهم بشر يصيبون ويخطئون… (٢٠١٣/١/١٨)

٣-٢-٨-٤-تدبر الإنسان في رسائل الله له وفي أفعال الناس وإرجاع البصر إلى داخله يساعده على تحديد هدفه

تدبروا آيات الله، واقرأوا رسائل الله لكم، في آياته في صورها المختلفة، في صورتها المكتوبة، وفي أحداث الطبيعة حولكم، وفي أفعال الناس تحيط بكم. انظروا كيف يفكر الناس حولكم، ماذا يعتقدون، وبماذا يؤمنون، ما هو هدفهم، وما هو حالهم، وارجعوا البصر إلى داخلكم، واسألوا أنفسكم ماذا تريدون وماذا تطلبون. على الإنسان أن يتعامل بما يراه في واقعه، وبما يعتقد أنه الحق وأنه الخير. فالظن لا يغني من الحق شيئا، والتفسيرات لأمور غيبية بتحديد أوقات، وأماكن، وأشكال يقود الإنسان إلى الهلاك، يجعله عبدا لأصنام صنعها من أفكاره وتفسيراته… (٢٠٠٤/٤/٢٣)

٣-٢-٩-التدبر في الأحوال التي يمر بها سالك الطريق

التدبر في الأحوال التي يمر بها سالك الطريق تؤدي إلى تفهم هذه الأحوال أكثر وإلى الاستقامة في القيام بها بصورة أفضل. الفقرات التالية تبين هذه الأحوال: الألفة والمحبة بين أفراد الجماعة، يعرف الحق نابعا من وجوده، لا يستطيع أن يميز كلية بين الخير والشر، مرحلة التأمل والتعلم، وضوح الرؤية لدى الإنسان.

٣-٢-٩-١-الألفة والمحبة بين أفراد الجماعة

إن السالك في طريق هذه الجماعة بألفة ومحبة يشارك في إيجاد معاني حقية قائمة لا تغيب بغيبة جسده، ولا تتلاشى باحتجاب ظاهر، تجيب من يطلبها وتنير الطريق لمن ينشدها… (١٩٧٧/٨/٥)

٣-٢-٩-٢-يعرف الحق نابعا من وجوده

كثير من الناس يسألون كيف يكون الإنسان في الطريق؟ كيف يكون الإنسان في الحياة؟ لا مانع من هذا التساؤل، ولكن لا يجب أن نضع صورة مسبقة في أذهاننا لما يجب أن نكون عليه. إنا لو اتجهنا صادقين الى الله لعرفنا ما سنكون عليه من واقع قيامنا، ومن واقع إحساسنا، ومن واقع شعورنا. إنه لأمر أساسي أن يعرف الإنسان الحق نابعا من وجوده، وأن يعرف ما يجب أن يكون عليه نابعا من سلوكه، وأن يعرف ما وصل إليه نابعا من وصوله، لا عن ظن ولا تخمين، ولكن عن واقع ويقين. إنا لنصحح طريقنا وجب علينا أن نصحح بدأنا، وأن نصحح نقطة انطلاقنا، وبداية مسيرتنا.. (١٩٨٢/٥/٧)

٣-٢-٩-٣-لا يستطيع أن يميز كلية بين الخير والشر

إن الإنسان في مرحلة من حياته، لا يستطيع أن يميز كلية بين الخير والشر، وإن كان يستطيع أن يميز في أمور كثيرة، إلا أنه يقف في أمور أخرى حائرا، لا يعرف أين الطريق، وكيف السبيل، فيبدأ مرحلة يكون المفهوم عنده أن يطيع، إذا أمر نفذ، واذا بلغ بشيء قام به بظاهر جوارحه… (١٩٨٤/٨/٣)

٣-٢-٩-٤-مرحلة التأمل والتعلم

.. يتبع ذلك مرحلة التأمل والتعلم ليتضح له فيها أن هذه الطاعة الظاهرة ليست نهاية المطاف، وإنما هي بداية نموه في طريق الحق والحياة، بداية نضجه ليكون إنسانا حقا، بداية كماله ليكون إنسانا صالحا. فإذا توقف الإنسان عند مرحلة الطاعة الظاهرة، لم يكن له منها إلا حركات وحركات. أما إذا دخل مرحلة التأمل والتعلم، فتكون هذه بداية طريق يسير به الى مفهوم في الله أكبر والى قيام في الله أعظم… (١٩٨٤/٨/٣)

٣-٢-٩-٥-وضوح الرؤية لدى الإنسان

إن الطريق في الله لا نهاية له وسلوك الإنسان فيه لا نهاية له. وهناك علامات على الطريق ترشد الإنسان الى الاتجاه السليم حتى لا يخرج عن الطريق، من هذه العلامات وضوح الرؤية لدى الإنسان، ونقاء النفس، وطهارة القلب، فإذا نظر الى أمر عرف ما له وما عليه، عرف ما يدركه وما لا يدركه، عرف ما يخوض فيه وما يتوقف عنده، ينظر فيرى الأمور واضحة جلية حتى في اختفائها وغيبها عنه، يعرف أنها غيبا عليه فلا يخلط بين غيبه وشهادته… (١٩٨٤/١١/١٦)

٣-٢-١٠-التدبر في البيئة التي تحيط بالإنسان

التدبر في البيئة التي تحيط بالإنسان يتناول علاقة الإنسان بكل ما يحيط به من ظواهر طبيعية وتجارب إنسانية وعقائد مختلفة وتأثيرها عليه وتأثيره عليها كما هو موضح في النقاط التالية : الحياة التي يعيشها الإنسان والتي يتواجد في رحابها تشكل وجوده وحياته بإرادة الله، التفاعل الدائم مع الأحداث التي تدور حول الإنسان ضروري ومن هذا التفاعل يتغير ويرقى، تطبيق المفاهيم الحقية في حياة الإنسان الدنيوية فلا يرى إلا الله في كل تعاملاته، يتفكر في آلاء الله حوله ويستقيم مع هذه القوانين التي تحكم حياته، إدراك الجميع أن هناك ما هو أكبر مما يستطيعون أن يحكموا عليه فيتحاوروا بما هو أفضل لوجودهم المادي والمعنوي فيكون هذا الأفضل هو نقطة الالتقاء التي يجتمع عليها متابعو الأديان المختلفة وغير المتابعين، الحاجة إلى دعوة إسلامية تدعو الناس جميعا لما فيه خيرهم ولاستعمال كل ما لديهم من قيم روحية ومن موروث حضاري وفكري وحقي، ليكونوا في معنى الإنسان الحق.

٣-٢-١٠-١-الحياة التي يعيشها الإنسان والتي يتواجد في رحابها تشكل وجوده وحياته بإرادة الله

إن تواجدنا في هذا الزمان وفي هذا المكان هو تقدير العزيز الحكيم لحكمة مرادة بنا لخيرنا ولكسبنا. جعل لنا في وجودنا إرادة الحياة، بنعمة العقل والقلب، وجعلنا نتفاعل مع الحياة فيما يقع علينا من أحداث، وفيما نريد من فعل بتفاعلنا مع الناس وتفاعلنا مع الطبيعة. فكانت الحياة التي نعيشها، والتي نتواجد في رحابها، تخلق وجودنا وحياتنا بإرادة الله (وما تشاءون إلا أن يشاء الله…40). فتجلت إرادة الله بالناس فأوجدوا بيئة لوجودهم وأسلوبا لحياتهم، وتجلت إرادة الله بالطبيعة فهيأت للناس ما أراد الله لهم. وها نحن اليوم نعيش في مجتمع هو نتاج لأعمالنا، ونتاج لأعمال من يحيطون بنا، فكان ما كان، وأصبحنا فيما نحن فيه قائمون غافلين عن الطريق القويم، وعن الأسلوب المستقيم، في أبسط أمور حياتنا، وفي نظام معيشتنا، وتنظيم علاقاتنا، وإدارة مجتمعنا… (١٩٨٦/٩/١٩)

٣-٢-١٠-٢-التفاعل الدائم مع الأحداث التي تدور حول الإنسان ضروري ومن هذا التفاعل يتغير ويرقى

إن دين الفطرة يعلمنا كيف نكون في تفاعل دائم مع الأحداث، والمفاهيم، ومن هذا التفاعل نتغير ونتبدل، نرقى ونتعمق. فإذا كنا في مرحلة ما، نرى الدنيا تحول بيننا وبين الرقي، نرى فيها ما يجعلنا نبتعد عن ذكر الله، نرى فيها تدانيا وتأخرا عن سلوكنا في طريق الله، فهل يظل الأمر كذلك؟ أم أننا في مرحلة أخرى ربما نصل الى حال تكون فيه الدنيا وسيلة لكسب لنا في الله… (١٩٩٤/٩/٣٠)

٣-٢-١٠-٣-تطبيق المفاهيم الحقية في حياة الإنسان الدنيوية فلا يرى إلا الله في كل تعاملاته

المؤمن الحق يرى في كل أعماله في الحياة الدنيا تعاملا مع الله، وتدريبا له في الله، يحتسب عند الله، ويتوكل على الله، سواء كانت هذه المعاملة هي عبادة روحية، أو عمل دنيوي. كل هذه العبادات والأعمال هي صور لعبادة الإنسان. خلق الله لك كل أسباب الحياة لتكسب من خلال هذه الأسباب فيه، لو شاء لخلقك خلقا آخر، ولكن شاءت حكمته أن يوجد هذه الأرض بهذه القوانين التي من خلالها تكسب فيه، وترتقي في معراجه. إن العبادة ليست كلمة نقولها وإنما هي واقع نعيشه، هى تفاعل نقومه. إن المتدين هو الذي يتفاعل مع دينه، يستقبل آياته وأوامره ونواهيه، ويتفاعل معها من داخله. يأخذ قوة تمكنه من تطبيق المفاهيم الحقية في حياته الدنيوية، فلا يرى إلا الله في كل تعاملاته… (٢٠٠٤/١٠/٢٩)

٣-٢-١٠-٤-يتفكر في آلاء الله حوله ويستقيم مع هذه القوانين التي تحكم حياته

فأنت تعبد الله يوم تعمل عقلك، وتفكر في آلائه حولك وفي داخلك. وتعلم أن عليك أن تستقيم مع هذه القوانين التي تحكم حياتك. وأنت تعبد الله يوم تسبح باسمه الأعلى (وذكر اسم ربه فصلى…41)، وهذه هي عبادة الفكر.. (٢٠٠٦/١٠/١٣)

٣-٢-١٠-٥-إدراك الجميع أن هناك ما هو أكبر مما يستطيعون أن يحكموا عليه فيتحاوروا بما هو أفضل فيكون هذا الأفضل هو نقطة الالتقاء التي يجتمع عليها متابعو الأديان المختلفة وغير المتابعين

إن الناس يختلفون على صور وأشكال وكلمات، دون أن يعوا ما وراء هذه الصور، وما وراء هذه الأشكال، وما وراء هذه الكلمات، قد يتصورون أن القضية هي مجرد كلمة، أن يشهدوا أن لا إله إلا الله بلسانهم هو مجرد النطق بكلمات، ولكن في الواقع أن هذه الشهادة لها أبعاد كثيرة، ويجب أن يتبعها سلوك قائم عليها، إنها ليست مجرد كلمات، إنها حياة الإنسان، إنها قضية الإنسان. ويوم يدخل الناس في تفاضل بينهم ويضع كل منهم الذين يختلفون عنهم في الدين في موقع الأدنى، لأنهم أيضا يقولون كلمة تختلف عنهم، فإن هذا التفاضل يقودهم إلى صراع على أشكال لا يدركون دلالتها الحقية. إن الذين يرفضون الديانات كلية لأنهم غير مقتنعين بممارسات المتدينين وتجسيدهم لإله غير قابلين له، ويؤمنون بأن هناك قوة وراء هذا الكون، هؤلاء عندهم قدر من الإيمان، ولكنهم يحتاجون إلى رسالة تبين لهم كيف يسلكون. إذا أدرك الجميع أن هناك ما هو أكبر مما يستطيعون أن يحكموا عليه، وأن يتحاوروا بما هو أفضل لوجودهم المادي والمعنوي، لكانت هذه هي نقطة الالتقاء التي يجتمع عليها متابعو الأديان المختلفة وغير المتابعين. فنفور غير المتابعين لأي دين قد يكون سببه غفلة وانحراف المتدينين وتخاذلهم وجهلهم وتخلفهم، فلا يمثلون الدعوة إلى الطريق القويم وإلى الكلمة السواء.. (٢٠١٠/١/١٥)

٣-٢-١٠-٦-الحاجة إلى دعوة إسلامية تدعو الناس لاستعمال كل ما لديهم من قيم روحية ومن موروث حضاري وفكري وحقي ليكونوا في معنى الإنسان

نحن في أشد الحاجة في هذه الأيام وفي هذا العصر، إلى دعوة إسلامية تقوم على المبادئ الأساسية لرسالة الإسلام الحقيقية، التي تدعو الناس جميعا لما فيه خيرهم، ولاستعمال كل ما لديهم من قيم روحية، ومن موروث حضاري وفكري وحقي، ليكونوا في معنى الإنسان الحق، ليكونوا في معنى الإنسان الصالح الذي يخدم البشرية، والذي لا يسيء لإخوانه ولأفراد مجتمعه، والذي يعرف أنه في حاجة إلى مدد روحي، الذي يعرف أنه في حاجة إلى دعاء وإلى صلاة وإلى مجاهدة وإلى تكافل مع إخوانه الذين يحتاجون إليه، الذي يعرف أن قبلته على الأرض، وأن كسبه في الله ينبع من عمله، لا ينعزل عن مجتمعه بظن أنه في استقامة روحية، وإنما يعمل حتى ولو كان في حالة صفاء وذكر روحي، فهو يرجو الخير للناس أجمعين بما عنده من طاقة روحية ومعنوية، وأن يكون أداة خير بكل ما أعطاه الله من أدوات لخير البشرية.. (٢٠١٠/١/١٥)

٣-٢-١٠-٧-الكثير من الظواهر الكونية التي يعرف الإنسان عن أسبابها قد يقف الإنسان عند سبب لا يعرف ما وراءه

إن الإنسان على هذه الأرض مخاطب من الحق في كل لحظة وحين، في كل تعامل، في كل عمل، في كل حادثة، في كل ظاهرة، في كل ما يتجلى له من الغيب، وفي كل ما يدركه من الشهادة، فوجب على الإنسان أن يتقبل، وأن يتأمل في كل ما يتلقاه. هناك ظواهر في الحياة الدنيا لا يستطيع الإنسان أن يفسرها بمعرفته الأرضية، ولا بعلومه الدنيوية، عليه أن يتأملها ويتدبرها لتكون عنوانا وتعبيرا عما وراء الظاهر، وما فوق الطبيعة، فيتعلم أن هناك أمورا تظهر ولا تعليل لها، على الأقل في لحظة حدوثها، وفي لحظة مشاهدته لها. فالغيب وهو غيب مكاني، هو أيضا غيب زماني؛ لأن أمورا كثيرة كانت غيبا عن الإنسان في لحظة ما، ثم تبين له ما وراءها في لحظة تالية، وهناك أمور منذ الزمن البعيد، ومنذ تاريخ البشر لا زالت غيبا عن الإنسان. هذه الأمور الغيبية، وهذه الحقائق الكونية التي وراء الطبيعة تتجلى للإنسان في صور متعددة، ليتذكر دائما أنه دون الطبيعة، وأنه تحت الطبيعة، وأن هناك الكثير الذي لا يعلمه. وهناك الكثير أيضا من الظواهر الكونية، والتي يعرف الإنسان عن أسبابها ومسبباتها، ولكن أيضا ينتهي به الحال أن يقف عند سبب لا يعرف ما وراءه، ولذلك فإن مقولة: (ويطول بنا إسناد عنعنة حتى إلى الذات42) هي تعبير عن ذلك. والمقصود هنا، أنك لو بحثت وراء أي أمر، لوجدت أمرا، ولو بحثت وراء هذا الأمر، لوجدت أمرا آخر، وهكذا… (٢٠٢٠/٢/١٤)

٣-٢-١١-التدبر في تاريخ البشرية

التدبر في تاريخ البشرية يعلمنا طبائع البشر وكيف يتعاملون ويفكرون ويتصارعون. هذا الجزء يتعرض لبعض الأحداث التاريخية ويستخلص منها دروسا حياتية كما يتضح في النقاط التالية: احداث الحياة ببساطتها هي قانون متصل لحكمة الحق، قضية استخدام الدين موجودة في كل مجتمع، كلمة الحق تبقى كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء، لا يعني إدراكنا تجريدا أن الله بالغ أمره أن نقبل كل شيء، الأرض كانت وتكون وستكون كما أراد الله لها أن تكون وسيظل دائما هناك الخير وسيظل دائما هناك الشر الى أن تبدل الأرض غير الأرض، التمسك بحرفية الأوامر الدينية والتزود فيها دون فهم لمقاصدها قد يؤثر تأثيرا سلبيا على القائم بها، الحكام في الشرق والغرب حاولوا أن يضفوا على حكمهم وتسلطهم صبغة إلهية.

٣-٢-١١-١-أحداث الحياة ببساطتها هي قانون متصل لحكمة الحق

… في مثل ذلك اليوم، السابع عشر من رمضان، كما أنه كان تاريخ انتصار في موقعة بدر، فبعد عدد من السنين كان استشهاد الإمام علي بن أبي طالب في السابع عشر من رمضان أيضا. لنتعلم أن القضية ليست مجرد صورا ثابتة تتكرر، وإنما قانون الحياة يسري في دورات، وفي كرات وكرات بين الخير والشر، بين الحق والباطل، بحكمة أكبر، هي قانون الحياة. فندرك أن ما نشهده من ظاهر الأحداث إنما هو ظاهر نتأمل فيه، أما احداث الحياة ببساطتها فهي قانون متصل لحكمة الحق.. (١٩٨٥/٦/٧)

٣-٢-١١-٢-قضية إستخدام الدين موجودة فى كل مجتمع

إنا نعيش هذه الأيام وكل فريق يتخذ من الدين وسيلة لعاجل دنيا يصيبها. وهذا ليس بغريب على أرضنا. فقد حدث ذلك في قديم. حدث في الفتنة الكبرى التي اتخذ فريق فيها الدين كستار ليبرر أفعاله. وأستخدم كتاب الله ليمكن هذا الفريق في الاستيلاء على الحكم. والآن نرى على أرضنا مجتمعا يتخذ من شعار أنه شعب الله المختار ستارا، ليبرر به أفعاله وجرائمه وحروبه وكل فعل شائن يقوم به. فقضية استخدام الدين موجودة في كل مجتمع يوم يحاول الإنسان بظلامه أن يستغل حب الناس لدينهم، وتأثير الدين على قلوبهم، ليروج فكرة خاطئة يريد بها دنيا يصيبها.. (١٩٩٦/٦/٧)

٣-٢-١١-٣-كلمة الحق تبقى كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها فى السماء

حين نتأمل فى تاريخنا نجد أن هناك صراع دائم بين الخير والشر. إن نجح الشر في بعض الأحيان في ظاهر الأمر، وأصبحت له القوة والغلبة فإن رجال الحق لا يستسلمون، وإنما يجاهدون، وينشرون كلمة الحق، ويحافظون على معنى الحق فى قلوبهم وفى وجودهم. وهناك دائما رجال يستجيبون لدعوة الحق، بهم تبقى كلمة الله على الأرض، وبهم تنتشر فى أهل الصلاح والفلاح. وهكذا تزول دولة الظلم ولا تزول كلمة الحق، فالكلمة الصادقة، الكلمة الخالصة لوجه الله، الكلمة الطيبة، تبقى كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء.. (١٩٩٧/١/٢٤)

٣-٢-١١-٤-لا يعني إدراكنا تجريدا أن الله بالغ أمره أن نقبل كل شيء

الناس في بعض الأحيان قد تتساءل كيف يقتل أحفاد رسول الله صلاة الله وسلامه عليه؟! كيف ينتصر الباطل على الحق؟! كيف يعلو الباطل؟! وتكون له دولة ويكون له ملك باسم الدين كيف يحدث ذلك؟! كيف يسمح الله بذلك؟! حاشا لله، فالله بالغ أمره، وما حدث حادث إلا بأمره، ولكن علينا أن نتعلم، ولا نخلط الأوراق، فنقول إنه طالما أراد الله ذلك فهذا هو الحق، فهذه ليست استقامة في المفهوم، فكم من الجرائم ترتكب كل يوم ونرفضها، مع إدراكنا المجرد أنه لو أراد الله غير ذلك ما حدثت، ولو اعتقدنا أنها حدثت بدون إرادة الله وقعنا في شرك أكبر. فلا يعني إدراكنا تجريدا أن الله بالغ أمره أن نقبل كل شيء. لأننا في وجودنا نتعامل بقانون التقييد الذي نقبل ما نرى أنه الخير، ونرفض ما نرى أنه الشر، مع علمنا وإدراكنا التام أن الله بالغ أمره. فليس هناك تعارض بين إدراكنا تجريدا أن لو شاء ربك ما فعلوه وبين أن نرفض تقييدا ما نرى أنه الشر.. (١٩٩٨/٩/٢٥)

٣-٢-١١-٥-الأرض كانت وتكون وستكون كما أراد الله لها أن تكون وسيظل دائما هناك الخير، وسيظل دائما هناك الشر

.. فالإنسان الذي يقرأ التاريخ حقا ويقرأ الحاضر حقا، لا يمكنه أن يخدع نفسه بمستقبل سيكون غير ذلك. فالأرض كانت وتكون وستكون كما أراد الله لها أن تكون. قانونها الذي علمنا الله إياه يوم أخبر وأمر آدم وإبليس أن يهبطا إليها، أنه سيظل دائما هناك آدم، وسيظل دائما هناك إبليس، وسيظل هذا الحال طالما هذه الأرض قائمة الى أن يرث الأرض وما عليها، وتبدل الأرض غير الأرض، في ظل قانون إلهي أكبر من أن ندركه اليوم (١٩٩٨/٩/٢٥)

٣-٢-١١-٦-التمسك بحرفية الأوامر الدينية والتزود فيها دون فهم لمقاصدها قد يؤثر تأثيرا سلبيا على القائم بها

نرى في تاريخنا أن كثيرا من الذين كانوا سببا في الفتن فعلوا ذلك باسم الدين. فالذي اغتال الإمام علي كرم الله وجهه، كان يقوم الليل ويصوم الدهر، ولم تؤثر فيه هذه العبادات إلا ظلاما حجب عنه الرؤية الصحيحة لما يجب أن يكون عليه. فالناس حين يعتقدون أن تمسكهم بالحرفية، والتزود فيها بدون ضابط ولا رابط، ودون فهم لما يقومون به، قد يؤثر ذلك عليهم تأثيرا سلبيا (هذا الدين القيم أوغل فيه برفق، فإن المنبت لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى43). إياكم والغلو في دينكم. إن كل أمر له حد يصلح به الإنسان، فإذا لم يدرك الإنسان هذا الحد، فإنه ينقلب الى غلو يكون سببا في عدم إدراكه لكيفية الاستفادة من وجوده (١٩٩٩/٥/١٤)

٣-٢-١١-٧-الحكام في الشرق والغرب حاولوا أن يضفوا على حكمهم وتسلطهم صبغة إلهية

نحن في مجتمعاتنا بعد الخلافة الرشيدة – كما يقولون بقولهم وبتعبيرهم – أصبحت الأمة الإسلامية تحكم بالملك العضود، وأصبح الحكام هم آلهة من دون الله، بل أن الأدهى من ذلك أن المسلمين تصوروا أن هذه الدكتاتورية وأن هذه الطاغوتية هي جزء من الإسلام. ونحن إذا نظرنا في تاريخ الشعوب كلها نجد أن الحكام جميعا في الشرق والغرب قد حاولوا أن يضفوا على حكمهم وتسلطهم صبغة إلهية، فتظهر بعض الفرق لتقول بأن طالما أن الله قد جعل الحاكم حاكما فعلينا أن نقبله، لأن هذه إرادة الله. وفي الغرب كانوا يروجون لفكرة أن الملك هو من ينطق باسم الإله، وأنه ظل الله على الأرض. الكل يحاول أن يستغل محبة الإنسان للدين وللغيب، ولقبول حياته حتى يستطيع أن يعيش، فيبيعون له هذه الأفكار، وهم كاذبون ويعلمون أنهم كاذبون. وإذا كان بعض الخلفاء يشاورون ويعدلون ويزهدون إلا أن ذلك لم يستمر لفترات طويلة، وحدثت الفتنة التي قلبت المعايير، وأرجعت المجتمع إلى حكم الفرد المتسلط والملك والدنيا… (٢٠٠٧/٥/١١)

٣-٢-١١-٨-قراءة التراث

فنحن حين ننظر في فكر بعض الجماعات المتطرفة التي تغلو في الدين، وترى أن كل ما قاله السلف هو حق، وأن علينا أن نطبق الدين كما طبقوه. ولكن في واقع الأمر نجد أنما تريد تطبيقه هو فهمها فيما قال به السلف، وليس فيما قال به السلف أنفسهم. وهذا ليس دفاعا عن كل الآراء القديمة لأن بعضا منها له تأثير ضار في حاضرنا. ويسري هذا أيضا على آراء الفلاسفة والمتصوفة، فليس كل ما قالوه يجب أن نردده أو يجب أن نطبقه، فأيضا لهم ما لهم وعليهم ما عليهم، قد نكون أقل منهم ولا نعرف ما يقصدون، ولكن هذا لا يجعلنا نردد ما يقولون دون فهم ودون وعي. كذلك حين ننظر حتى في أحاديث رسول الله فبرغم ما نالته هذه الأحاديث من رعاية وتدقيق، إلا أننا نجد في أصح كتب الأحاديث، ما نقف أمامه ولا تستسيغه عقولنا، وقد يكون ذلك لعدم فهمنا، وقد يكون ذلك لأننا تمسكنا بحرفيته ولم ننظر إلى دلالته، وقد يكون ذلك لأن هناك من أدخله ونقله دون وعي ودون فهم. فإذا كان هذا قد حدث لما صدر عن رسول الله فألا يمكن أن يحدث لأي ولي أو صالح أو معلم، أو أيا ما تسميه، أن ينسب إليه ما لم يقله، وربما حرف الناقلون ما قاله، أو ربما استخدم تعبيرا غير مناسب في قوله لم يكن يقصد به ما تحمله الكلمات تماما… (٢٠١٦/٣/٤)

حاول الكثيرون أن يوفقوا بقدر استطاعتهم في القضايا الخلافية المثارة نتيجة ما نقل عن السلف ، فسكتوا عن أمور حتى لا تتعارض مع ما يقولون في أمور أخرى، وحاول البعض الآخر أن يرفض تماما كل ما لا يقبله، وحاول آخرون أن يؤولوا نصوصا لتتواءم مع أفكارهم، وهذه كلها محاولات يحاولها الإنسان ليعيش وسط هذا التضارب. في كثير من الأمور التي يتفق الجميع عليها كمجتمعات لها خلفية إسلامية لا يقبل في مجتمعات إسلامية أخرى بل أن هناك من يرفض هذا الشكل النمطي للدين، وليس عنده بديل إلا أن يرفض الدين كلية. لذلك حاولنا ونحاول أن نقدم رؤية للدين نستطيع أن نجعلها تحيط بالجميع. هذه الرؤية تتوافق مع العقل، وتتوافق مع فطرة الإنسان، وتتوافق مع واقع الحياة وواقع المجتمع، رؤية لا ترفض أحدا، وإنما تقبل الجميع. وهذه قراءتنا للإسلام الذي لا يفرق بين جميع الناس والذي أرسل للكافة، فلا فضل لعربي على أعجمي، إلا بالتقوى، إلا بالعمل الصالح، إلا بالمعاملة الصادقة، الجميع سواسية، والله أكبر عن أي صورة أو شكل. هذه الدعوة موجهة للجميع، موجهة لكل مذهب في كل دين، ليس فقط لمن نقول أنهم يختلفون معنا في الدين، فالدين الواحد يختلف متابعوه بينهم وبين بعضهم في قضايا وفي أمور، وكل متمسك بتفسيره وبرؤيته، هذه الدعوة موجهة إلى متابعي محمد (صلعم) أيضا، موجهة إليهم من قرآنهم، ألا يتخذ بعضهم بعضا أربابا من دون الله، والله أكبر عن أي صورة، وعن أي شكل… (٢٠٢٠/١/١٧)

٣-٢-١٢-التدبر في معنى العبودية لله

يتدبر الإنسان في صفات العبودية لله التي يمكن التعبير عنها في هذه المفاهيم الفرعية: يدرك الافتقار إلى الله، أنه لم يخلق للعدم ولكن خلق للبقاء، يعرف أن العبودية لله بها معارج ومستويات، لا تصبح فيه ربانية إلا لله، يخرج من هذه الحياة الدنيا وقد حول كل طاقاته الى معاني سامية، خالي من شوائب الدنيا وعنده فهم مستقيم للآخرة، لا يرى له وجودا مع وجود الله، يكبر الله عن أي صورة ويـؤمن به غيبا، أنها حال وقيام يصل له الإنسان نتيجة لبحثه عن الحقيقة، يقدر وجوده ويعرف نفسه ويعرف الهدف مما أمر به، يخشى ربه، يعمل ما أعطاه الله من نعمة ليتعلم قوانين الحياة، يدرك الارتباط الوثيق بين العمل والذكر والتأمل.

٣-٢-١٢-١-يدرك الافتقار إلى الله

فبفضل الله على الإنسان يعلمه العبودية، يعلمه كيف يكون فقيرا إليه، يعلمه طريقه وسلوكه، يعلمه قوله وفعله، يعلمه هديه وسره، يعلمه في نفسه وفي حاله ووجوده، فيقوم الإنسان طالبا سائلا، حول إخوان له ملتفا، ومعهم في الله متذاكرا، بالحق والصبر متواصيا، في طريقه سالكا، لقبلته مستقبلا، في صلاته مقيما، وطوافه مؤديا، محور حياته عارفا، بالحق موقنا، وله طالبا، وجوده لنفحات الله معرضا، للخير مستقبلا… (١٩٧٦/١١/٥)

٣-٢-١٢-٢-أنه لم يخلق للعدم، ولكن خلق للبقاء

… قل لهم أنهم لم يخلقوا للعدم ولكن خلقوا للبقاء، قل لهم إنهم أكبر من هذه الذات، قل لهم إنهم في هذه الذات عابري سبيل، قل لهم أن لا يجعلوا من ذواتهم، ورغباتهم، وشهواتهم، أملا ورجاء ومعبودا يعبدونه، قل لهم أن يرقوا بقيامهم فيعبدوا من أوجدهم ليكونوه، لا يأملون في قيامهم الذي يفنى، ويرجون وجودهم الذي يبقى، فهل عرف الإنسان وجوده الذي يبقى، وشعر به وقامه، وتعامل به وسلك، وتحدث عنه وأكبر، وأمل فيه وعظم، وجاهد من أجله وحارب، وزاد عنه ودافع، أم أنه لم يراه، ولم يعرفه، ولم يشعر به إطلاقا، لم يشعر إلا بذات تتثاقل، وبرغبات تتزاحم، وبدنيا تتكاثر، لم يشعر إلا بالدنيا، ونسى وجوده الحقي، لم يشعر به أو يراه… (١٩٧٨/٨/١١)

٣-٢-١٢-٣-يعرف أن العبودية لله بها معارج ومستويات

إن العبد لله حقا يطلب أعلى، يطلب أكبر. يعرف أن ما من كمال إلا وعند الله أكمل منه.… (١٩٧٩/٨/١٧)

.. ولكن العبودية لله بها معارج ومستويات (إن كل من في السموات والأرض إلا آتي الرحمن عبدا..44). فعبودية رسول الله صلوات الله وسلامه عليه ليست كعبودية كل الكائنات، إنما هي عبودية متميزة، لقد قال له الحق (وإنك لعلى خلق عظيم45). وقال هو (لست على هيأتكم إني أبيت يطعمني ربي ويسقيني46). الحق قال له إذا تكلمت فقل للناس إنك عبد لله، وقل لهم أن يخلصوا الدين، وأن يكونوا عبادا لله، كما كنت عبدا لله. فهذا ما يطيقون، وهذا ما يستطيعون، وهذا ما فطروا عليه..

(١٩٩٨/٨/٧)

٣-٢-١٢-٤-لا تصبح فيه ربانية إلا لله

ونعرف أن شهادة لا إله إلا الله تنصر ما فينا من حق، تنصر ما فينا من عبودية له على ما فينا من عبودية لغيره. فعرفنا العبودية لله منصورة به، قائمة في وجودنا، ولم تصبح فينا ربانية إلا لله… (١٩٧٩/٨/٢٣)

٣-٢-١٢-٥-يخرج من هذه الحياة الدنيا وقد حول كل طاقاته الى معاني سامية

فهمت أن أملي وطلبي أن أكون عبدا لله، وأن أكون خالصا لوجه الله، وأن يكون مقصودي وجه الله. فما هو سلوكي لأطور نفسي؟ ولأكسب حياتي؟ لأحيي قلبي؟ ولأنير عقلي؟ ولأزكي نفسي؟ كيف أخرج من هذه الحياة الدنيا وقد حولت كل طاقاتي الى معاني سامية والى قيام دائم؟ كيف أخرج من هذه الدار وقد تزودت بكل زادي واتجهت الى طريق الحق في لا نهائيته في طريق الله؟ كيف يكون ذلك؟ هنا يخاطب الأعلى الأدنى، ويعلم الأعلى الأدنى كيف يسلك في حياته ليتزود بكل زاده وليجمع كل حاجياته… (١٩٨٠/٩/٥)

٣-٢-١٢-٦-خالي من شوائب الدنيا وعنده فهم مستقيم للآخرة

إن دين الفطرة قد علمنا قيمة العبودية لله، علمنا أن يكون الإنسان عبدا لله قولا وعملا، هذا أمر جلل، فالعبودية لله ليست كلاما يقال، وإنما قياما يقام، يصدر عن فهم مستقيم وعن قول قويم. فلننظر جميعا الى أنفسنا صادقين، ونقوم حالنا لنرى إن كنا عبادا لله خالصين، أم أن بنا من الشوائب الكثير من الدنيا وما فيها، ولآخرة في فهمنا عنها غير مستقيمين.. (١٩٨٢/٧/٢)

٣-٢-١٢-٧-لا يرى له وجودا مع وجود الله

عرفت معنى العبودية لله، عرفت كيف يكون الإنسان عبدا خالصا لله، فأصبح كل رجائها، وكل طلبها، وكل عملها، ذكرا لله، فلم تر لها وجودا مع وجود الله، وكما قال القوم (وجودك ذنب لا يقاس به ذنب47) … (١٩٨٣/٧/١٥)

٣-٢-١٢-٨-يكبر الله عن أي صورة ويـؤمن به غيبا

إن القضية في الإنسان الذي يتأمل ويفكر ويتدبر، فيعرف أن هناك غيبا لا يستطيع أن يراه، هو الله، هو المعبود، هو المقصود. ليس هناك فعلا أي كيان مقدس في حد ذاته، إنما تقديسه لأنه يقرب الإنسان من الله، يقرب الإنسان من الحقيقة (لا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله48) لا يتخذ بعضكم حالا أيا كان هذا الحال مقصودا وهدفا من دون الله، لا يتخذ إنسان إنسانا أيا كان أملا ومقصودا من دون الله. إن المثل الأعلى الذي يجب أن تتخذه هو إنسان في الله، وليس من دون الله، إن لكم في رسول الله أسوة حسنة، لأنها أسوة في الله وقدوة في الله… (١٩٨٤/٤/٦)

٣-٢-١٢-٩-إن العبودية حال وقيام يصل له الإنسان نتيجة لبحثه عن الحقيقة

فالعبودية لله قيام وسلوك ومعاملة، العبودية لله منهج في الحياة. فإذا كان الناس يقولون كلنا عباد لله، فهذا معناه شيء والعبودية الحقة لله شيء آخر، إن الناس يفكرون في العبودية، على أساس من علاقة يشهدونها في الإنسانية، على صورة يعرفوها في ظاهر أمرهم من سيد وعبد. ولكن العبودية الحقة تنبع من الإنسان، الإنسان الطالب، الإنسان الراغب، الإنسان الذي فكر وتأمل وتدبر، فنظر في السماوات والأرض، نظر في كل شيء فلم يجد معنى يستقيم فيه إلا العبودية لله… (١٩٨٤/٤/٦)

٣-٢-١٢-١٠-يقدر وجوده، ويعرف نفسه، ويعرف الهدف مما أمر به

ومن هنا ندرك المفهوم الأساسي للإسلام وهو العبودية لله، أن تكون عبدا لله، وأن تعلم أن الأساس هو الإنسان، وأن كل من على هذه الأرض إن أرادوا أن يدركوا حقيقة أمرهم عليهم أن يقدروا وجودهم، ويقدروا قيامهم، ويعرفوا نفوسهم، ويعرفوا الهدف مما أمرتهم به دياناتهم… (١٩٨٧/٧/٣)

كما يعلمكم الهدف الذي إليه تهدفون، يوم يحدثكم عن وجودكم في قادمكم وما إليه تصيرون، وما عليه ستصبحون. يضرب لكم مثلا في الشهداء (لا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا، بل أحياء عند ربهم يرزقون49). يعلمكم أن هدفكم أن تكونوا أحياء عند ربكم ترزقون (خلقتك لنفسي ولتصنع على عيني50)، (ما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون51)، وبعبوديتهم يحيون وبعبوديتهم يعرجون.. (٢٠٠٠/٤/٢١)

٣-٢-١٢-١١-يخشى ربه

أما من عرف ربه، وعرف حقه، وعرف طريقه، وعرف وجوده، أدرك أنه للحق مخلوق، وأنه للنور مطلوب، فعمل وجاهد، ودعا وصلى، واتصل واجتمع، وذكر وأعطى. فالعطاء هنا كل عمل يصدر عنه، لم يبخل بعطاء الله له، وإنما تحرك بعطاء الله إليه، بذل جهدا، وسعى سعيا، وذكر ذكرا، وصلى صلاة، ودعا دعاء، وخشى الله خشية، وعلم أن أمامه الكثير، فأدرك العبودية لله (أنا أقربكم من الله وأخوفكم منه52) (ها أنا رسول الله بينكم ولا أدري ما يفعل بي غدا53).. (١٩٨٨/١٢/٢)

يعلمنا رسول الله كيف تكون خشية الله بقوله أنا أقربكم إلى الله وأخوفكم منه. فكيف يجرؤ أي إنسان بعد ذلك، أن يزكي نفسه. إننا نطمع دائما في رحمة الله، والصوفية حين عبروا عن ذلك، وهم يرون الناس من حولهم، وقد اعتقدوا أنهم بالتزامهم الظاهري، قد ضمنوا كل شيء، فيقولوا: (رب معصية أورثت ذلا وانكسارا خير من طاعة أورثت عزا واستكبارا54). الدين يخاطبنا، لتنبع الحقيقة من قلوبنا ومن وجودنا. علاقتنا بربنا أن نكون أهلا لرحماته، وأهلا لنفحاته، فتغيرنا تغييرا. وهو يضرب لنا مثلا بنزول الماء من السماء (.. ينزل من السماء ماء فيحيي به الأرض بعد موتها…55). نحن أرض جدباء، برحمات الله تتحول إلى أرض خضراء، لأن بذرة الحياة فينا، كما هي البذور وهي مكنونة في أرضها، فإذا نزل ماء السماء، أخرجها من كنونها، كما تنزل رحمات الله ونفحاته على وجودنا، فتخرج أفضل ما فينا، وهو موجود في قلوبنا. وعيسى ـ عليه السلام ـ يخاطب سامعيه وحوارييه: (ازرع كلمة الله في أرض ناسوتك56)، ومحمد ـ عليه الصلاة والسلام ـ يقول إن القلوب لتصدأ كما يصدأ الحديد وإن جلاؤها لذكر الله.. 57 (٢٠١٠/٣/١٢)

ولكنا نرى الذين يحاولون أن يغيروا ما حولهم، دون أن يغيروا ما بأنفسهم. وكيف تغير ما حولك، وأنت غير صادق مع ما في نفسك؟ إن الصدق مع العقل والقلب، يحتم عليك خشية الله، وألا تعتقد أنك تملك الحقيقة، بل أنك يمكنك أن تكون أكثر ميلا ـ إن كنت صادقا وخاشيا ـ إلى اتهام نفسك بالسوء (وما أبرىء نفسي إن النفس لأمارة بالسوء58…). حين ننظر حولنا، نرى نماذج وثقت في نفسها، إلى درجة استباحت بها أرواح الناس حولها، واعتقدت أن مفهومها هو مفهوم الحق المطلق، ورأت غيرها أنه الباطل المطلق. فمع هذه الرؤية، كان من الطبيعي، أن يتخلص الحق المطلق من الباطل المطلق، أن يتخلص الإيمان من الكفر، والصالح من الطالح. وهكذا، نرى درسا لنا، ورسالة من الله، أن الإنسان يوم يفقد خشية الله، واتهام نفسه، حين يكون كذلك، فإنه لا يرى إلا نفسه، ويرى الآخرين لا يستحقون الحياة، ولا قيمة لهم، ولا وجود لهم، فيعثو في الأرض فسادا، وقتلا، وعنفا، وتخريبا، ظانا أنه على الدين يسير، وأنه للدين يحمل، وأنه عن الدين يدافع. لا يكون ذلك إلا بأن لا يعمل الإنسان عقله، ولا يعمل الإنسان قلبه، فيعمل دون عقل ودون قلب، فيفقد الطريق، ويفقد الخشية، ويفقد معنى الإيمان الحقيقي الذي أساسه العقل والقلب، أساسه التأمل والذكر، أساسه الفكر والخشية، أساسه التواضع وعدم التسليم للنفس وللظن، الظن الذي يأخذ شكل اليقين وما هو بيقين… (٢٠١٣/١٢/١٣)

والظلام في الإنسان، ليس فقط فيما يقوم به الإنسان من أعمال مظلمة، وإنما قد يكون في باطن أمور ظاهرها حسنة. فحين يغتر الإنسان بعلمه وبمعرفته، حتى لو كانت هذه المعرفة هي معرفة جيدة، إلا أن تكبره على الناس بها، وغروره وهو يقدمها، هو عمل سيئ، لأنه يظن أنه أفضل من كل الناس. فالباطل المطلق الذي لا شك فيه، هو أن تعتقد أنك ليس فيك باطل. كما أن الحق المطلق الذي لا شك فيه، هو أن تعلم أنك لا تخلو من سيئات، وأن ما تعلمه من حق تراه، قد يكون باطلا. وهذا ما نسميه خشية الله… (٢٠١٥/٤/٢٤)

٣-٢-١٢-١٢-إعمال ما أعطاه الله من نعمة ليتعلم قوانين الحياة

وما عبادة الله إلا إعمال ما أعطاكم الله من نعمة لتعرفوا قانون الحياة. تعملوا به فتكسبوا وترتقوا، وتصبحوا أعلى مما كنتم عليه. هذا هو معنى من معاني الآية (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون59). (١٩٩٠/٦/١٥)(٢٠٠٢/٢/١)

خلق الله الإنسان في كون له قوانين، وطلب منه ان يتعلم هذه القوانين، وأن يستخدمها ليعيش وليعمر هذه الأرض، ومن خلال تعميره وتغييره وسعيه، فإنه يتدرب ليكون عبدا لله حقا. إن الإنسان يوم يبحث في أسباب الحياة، ويوم يمارس أسباب الحياة، فإنه يمارس معنى العبودية لله، لأنه في كل ممارسة يشعر بعبوديته لله، وبافتقاره الى الله، وهذا هو معنى أن العمل عبادة. أن يتعلم خصائص الأشياء، وما يجب أن يستخدمه من أدوات، وما يجب أن يستحدثه من طرق. لا يستطيع أن يغير خصائص الأشياء، إنه يحاول في ظل قانون الحياة، أن يكتشف السماوات والأرض.. (٢٠٠٥/٣/٤)

٣-٢-١٢-١٣-الارتباط وثيق، بين العمل والذكر والتأمل

الله قد وهب الإنسان عقلا وقلبا وجوارح، ليتأمل، وليذكر، وليعمل. التأمل والذكر والعمل، ثلاثية متلازمة، مرتبطة ومتناغمة، تؤدي كل جزئية فيها ومنها، إلى الجزئية الأخرى. فالتأمل يؤدي إلى ذكر، والذكر يؤدي إلى عمل، والعمل يؤدي إلى تأمل، والتأمل يؤدي إلى عمل، والعمل يؤدي إلى ذكر، والذكر يؤدي إلى تأمل… (٢٠١٣/١٢/١٣)

Footnotes

  1. البقرة: ٢٤

  2. الانفطار: ٦-٨

  3. الطارق: ١-٣

  4. الرحمن: ٣٣

  5. الطارق: ٧

  6. الطارق: ٨

  7. الطارق: ١١، ١٢

  8. الطارق: ١٤

  9. الطارق: ١٥-١٧

  10. الذاريات: ٥٦

  11. آل عمران:٦٤

  12. الحج: ٦٩

  13. النساء: ٧٩

  14. النساء: ٧٨

  15. البقرة: ١٦٦

  16. إبراهيم: ٢٢

  17. البقرة: ٢٨٦

  18. الزمر: ٥٣

  19. آل عمران: ١٩١

  20. آل عمران: ١٩١

  21. البقرة: ١٤٤

  22. البقرة: ٢٥٥

  23. العصر: ١-٣

  24. التين: ٤-٦

  25. المعارج: ١-٤

  26. الضحى: ٤

  27. الناس: ١-٦

  28. المعارج: ١-٤

  29. الرحمن: ٣٣

  30. آل عمران: ٦٤

  31. آل عمران: ٦٤

  32. آل عمران: ٦٤

  33. الطارق: ٥

  34. الملك: ٣

  35. الانفطار: ٦

  36. آل عمران: ١٦٩

  37. الإسراء: ٥٠، ٥١

  38. الذاريات: ٢١

  39. حديث: صحيح مسلم

  40. التكوير: ٢٩

  41. الأعلى: ١٥

  42. لم أجد مصدر لهذه المقولة ولكن أذكر أن أبي كان يرددها

  43. حديث: البخاري - إن الدين يسر، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه

  44. مريم: ٩٣

  45. القلم: ٤

  46. حديث: البخاري- إني لست كهيئتكم إني أبيت يطعمني ربي ويسقيني

  47. قول ردده كثيرون من الصوفية مثل رابعة العدوية والجنيد

  48. آل عمران: ٦٤

  49. آل عمران: ١٦٩

  50. لم أستدل على هذا القول وإن كانت الآية “عرضنا الأمانة …” الأحزاب :٧٢ تعطي المعنى المراد

  51. الذاريات: ٥٦

  52. حديث: البخاري ومسلم “… إني لأعلمهم بالله، وأشدهم له خشية…”

  53. حديث: البخاري بصيغة: “…والله ما أدري - وأنا رسول الله - ما يفعل بي ولا بكم…”

  54. بن عطاء: رب معصية أورثت ذلا وانكسارا خير من طاعة أورثت عزا واستكبارا

  55. الروم: ٢٤

  56. إنجيل مرقص: الإصحاح ٤ - الزارع يزرع الكلمة: قال يسوع أن كلمة الله تشبه البذرة التي تزرع في القلوب وقد تأتي بثمر. ولكن ليس كل بذرة تنمو وتأتي بثمر، فنوع التربة هو الذي يحدث هذا الفرق.

  57. حديث: مصنف ضعيف، من ناحية السند، ولكني أرى أن معناه صحيح

  58. يوسف: ٥٣

  59. الذاريات: ٥٦