تخطَّ إلى المحتوى

٣-٣-القيام في المناسك ومقاصدها

مفهوم القيام في المنسك وليس مجرد تأديته بالجوارح كنوع من الذكر تم تناوله في الجزء الخاص بأداء المناسك تحت مفهوم الذكر القلبي. في هذا الجزء سوف نتناول بعض التأملات فيما يحمله القيام في منسك الصوم ومناسك الحج ومنسك الصلاة وإيتاء الزكاة. (١٩٧٠/١٠/٣٠)

٣-٣-١-القيام في منسك الصوم

تقدم الفقرات التالية ما يحمله الصوم من رسائل في أركانه: تدريب نفوسنا وإخراج ما فينا من حقائق الحياة.. يستغنى عما هو أدنى طالبا ما هو أعلى ملبيا نداء ربه.. تخلي عن ذاته وقام بروحه.. الصوم لله وهو يجزي عنه.. يضع ذاته جانبا ليكون أهلا لرحمات الله ونفحاته.

٣-٣-١-١-تدريب نفوسنا وإخراج ما فينا من حقائق الحياة

فهذا الشهر يجب أن يكون له أثر في نفوسنا ويجب أن ينتج تغييرا فيها ويجب أن يغير مداركنا. فهذا الشهر هو رمز لما يجب أن نتبع في تدريب نفوسنا وفي تدريب عقولنا وفي تدريب قلوبنا… (١٩٧٠/١١/٦)

في الصوم نتخلى عن شهوات نفوسنا ونعيش بأرواحنا وبمعانينا، لنتعلم كيف نخرج ما فينا من حقائق الحياة، ومن معاني الحياة التي فطرنا عليها (١٩٩٧/١/١٠)

وكان الصوم، وهو تعبير عن جهادنا لأنفسنا، يجعلنا نمتنع عن الطعام والشراب وأمور أخرى لفترة زمنية، ثم نعود إلى حالنا الطبيعي، يعلمنا أننا لا يجب أن نظل في حال نتخلى فيه عن أنفسنا باستمرار وفي دوام، إنما علينا أن نتجه إلى الله ونبتعد عن شهوات ذواتنا لفترات، لنأخذ طاقة تساعدنا في حياتنا، ونرجع إلى ذواتنا لنمارس حياتنا، لنستطيع أن نكمل على هذه الأرض. لذلك، نجد أن الذين نقول عنهم قد جذبوا، أنهم خرجوا من ذواتهم، ولم يستطيعوا الرجوع إليها، فظلوا في حالة جذب، ولم يستطيعوا أن يمارسوا حياتهم من خلال ذواتهم مرة أخرى. وهذا ليس مطلوبا لكل إنسان، ربما يتعرض البعض لذلك لحكمة أرادها الله بهم، ولكن الطبيعي هو أن يعيش الإنسان بين عالمين، بين عالم كله نور، وبين واقع فيه ظلام، وما بين هذين العالمين يسعى في طريقه… (٢٠١٥/١١/١٣)

٣-٣-١-٢-يستغنى عما هو أدنى طالبا ما هو أعلى ملبيا نداء ربه

فها قد رمز لك دينك بمنسك من مناسكه، وبركن من أركانه بمعنى الصوم، أن كيف تعيش باستغناء عن الدنيا، وفي افتقار إلى الله متخلقا بأخلاق الله، غني عن العالمين. والعالمين بالنسبة لك هم من دونك. فيوم تستغنى عما هو أدنى، طالبا ما هو أعلى، منطلقا من سجن ذاتك، ملبيا نداء ربك، ملبيا داعي الحق، تكون حقا صائما… (١٩٧٦/٨/٢٧)

فإذا استمعوا لدعوة رسول الله لهم فأرادوا أن يتخلقوا بأخلاق ربهم، وأن يحولوا ما فيهم من ظلام نفوسهم الى نور حقهم، كان شهر رمضان يمثل بالنسبة لهم إشهارا لما فيهم من حياة، فكان رمضان بذلك هو شهر الناس الذي يعيشون فيه بأرواحهم، ويتخلصون من أثقالهم، ويلبون نداء ربهم ويتخففون من أوزارهم، غير متثاقلين لأرضهم، منطلقين في سماء عقولهم، شاهدين جمال قلوبهم.. (١٩٨٥/٥/١٧)

… وكان صوم رمضان هو رمز للاتجاه لأعلى لمن شهد هذا الشهر (فمن شهد منكم الشهر فليصمه1). فالقرآن يحمل معان الهدى والفرقان التي تتجلى في صوم هذا الشهر، كما تتجلى الروح في الجسد، أو كما يتجلى أي غيب في شهادة.. (١٩٩٧/١/١٠)(١٩٩٧/١/١٧)

٣-٣-١-٣-تخلي عن ذاته وقام بروحه

نحن في ظاهر الأيام والزمان في شهر كريم، في شهر يعلمنا كيف نعيش بأرواحنا، وكيف نعلم أننا لسنا فقط أجساما وأجسادا مادية تتحرك، وإنما أرواح قائمة تجاهد لتكسب في الله. إن هذا الشهر يشهر فينا وبيننا إيماننا بسر حياتنا، فلا نجعل الدنيا كل همنا، ولا نجعل العلم فيها بالغ أمرنا (عش في الدنيا كأنك عابر سبيل استظل بظل شجرة ثم مضى2). إن معنى صوم شهر رمضان وقيامه ليس له شكل واحد فقط، فالإنسان يستطيع وهو قائم بين الناس أن يكون أيضا بعيدا عن مادي الحياة. فحين يتعامل الإنسان مع ما في الناس من حق أيا كان الزمان وأيا كان المكان فإنه يكون صائما قائما لأنه بذلك يكون في حال تخلي عن ذاته وقام بروحه… (١٩٧٩/٧/٢٧)(١٩٩٧/١/١٠)

إن الإنسان يوم يقوم مجاهدا متعبدا سالكا قاصدا وجه الله، متجردا عن معاني ذاته، قائما بحقيقته، متواجدا بمعناه، يكون قد قام شهر الصوم حقا.. (١٩٩٠/٤/٢٦)

الصوم يهيئ للإنسان الفرصة ليعيش بمعنوياته، وليتفكر في وجوده الحقي. إنه ليس هذا الجسد فقط، إنه القوة الروحية والحقية القائمة فيه، إنه كان قبل هذا الجسد، وسيكون بعد هذا الجسد. إنه سر من أسرار الله، إنه من روح الله ليصنع على عينه (خلقتك لنفسي ولتصنع على عيني3)، (ما ظهر الله في شيء مثل ظهوره في الإنسان4)، (خلق آدم على صورته…5) … (١٩٩٦/١/٢٦)

٣-٣-١-٤-الصوم لله وهو يجزي عنه

الصوم كتعبير عن وجود الإنسان في حال مجرد عن ماديات الحياة. قيام الإنسان في هذا لحال يساعده للتعرض لنفحات الله. وهذا معنى أن الصوم لله وهو يجزي عنه. ومعنى أن يكون الإنسان أهلا ليخرجه الله من الظلمات إلى النور. وهذا هو الفتح المبين… (١٩٩٧/١/١٠)

إن الإنسان يهيئ نفسه لنفحات الله، بتخليه عن ذاته، يعيش بما فيه من سر الله وروح الله، لا ينشغل بجلبابه الذى جاء به على هذه الأرض، وإنما ينشغل بوصلته بالله، وباتصاله بنور الله وبرحمة الله، إن محاولة الإنسان ليقوم فى ذلك هو معنى الصوم الحقيقي، فإذا مارسه بصدق، وإذا اجتهد أن يكون حقا صائما غفر الله له (من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه6)، لأنه بصلته بالله، وتعرضه لنفحات الله، وبما خص الله الصوم به من نعمة ورحمة للإنسان، يكون أهلا لجزاء الله (كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فهو لي وأنا أجزى عنه7). جزاء الله بلا حدود ولا قيود، وعطاء الله غير محدود، ورحمة الله ومغفرته لمن تعرض لها وطلبها بلا شروط، (قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا…8) … (١٩٩٧/١/٣١)

حين نتأمل في هذا الحديث (كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فهو لي وأنا أجزي عنه9)، ونتساءل كيف يكون ذلك؟ أليس الصوم من ضمن الأعمال التي يقوم بها الإنسان؟ نجد أن الصوم هو معنى، قبل أن يكون صيام شهر رمضان بذاته. الصوم هو حال، يكون الإنسان فيه قائما بمعناه وبما فيه من حقيقة روحية، متعرضا لنفحات الله. الإنسان وهو في هذا الحال يكون في معنى تلقي نفحات الله ورحماته، وعطاء الله ليس له حدود، وما يجزي به الله من نعم ليس لها حدود، باسمه الرحمن الرحيم، باسمه الجواد الكريم، باسمه الغفار التواب. إنه حال يمكن أن يقوم فيه الإنسان، في أي عبادة أو معاملة، يوم يكون خالصا في معاملته وفي عبادته لله. وهذا هو معنى التوحيد الحقيقي، وقد عبر الصوفية عن ذلك بقولهم: (وجودك ذنب لا يقاس به ذنب10). أما الإنسان وهو في حاله العادي، وهو يشعر بذاته ووجوده، وهو يقوم بهذا في إطار أنه القائم بالعمل، وهذا حال لا ننكره، لأنه واقع نعيشه، فكل إنسان يشعر بذاتيته، ويشعر بأنه يعمل، ويشعر بأنه يقرر، وأن له إرادة يوجهها أو توجهه، فيما يستحسنه من عمل، فهذا حال يقوم فيه الإنسان أيضا. حين نؤدي الصوم بقيامنا الذاتي نكون في معنى العمل (كل عمل ابن آدم له…11)، لأنه قد يحسن الإنسان وقد يخطئ، ولكل عمل أثر، هذا أمر لا ننكره… (٢٠١٠/٨/١٣)

٣-٣-١-٥-يضع ذاته جانبا ليكون أهلا لرحمات الله ونفحاته

فالصوم هو طاعة من الطاعات لقانون الحياة، الصوم هو أن تتجرد عن ذاتك أن تتجرد عن شهواتك، أن تكبر إرادتك، أن تحيي حقيقتك، أن تعيش بقلبك، أن تعيش بروحك، أن تعيش بنورك، أن تعيش بأمانة الحياة فيك، أن تعيش بسر الله فيك، أنت تعيش بروح الله فيك، وأن تضع ذاتك جانبا، لتكون أهلا لرحمات الله ونفحاته، إنك لا تستطيع أن تجابه ظلام نفسك، وأن تقهر شيطانك، إلا بعون من الله، وبرحمة من الله، وبفيض من الله، وبنور من الله، وبقوة من الله. كيف تكون أهلا لرحمات الله وأنت قابع في ذاتك المظلمة، وشهواتك النفسية المظلمة، كيف تكون أهلا لرحمات الله إلا بأن تلقي هذا الجلباب المظلم وتعيش مجردا (إني أنا ربك فاخلع نعليك إنك بالواد المقدس طوى12). إن النعلين يرمزان إلى نفس الإنسان وظلامها، إن الصوم منهج لو قمت فيه وفعلته لتغير حالك، ولتغير قيامك… (١٩٩٨/١٢/٢٥)

الصوم يحمل معان كثيرة: منها أنك في حاجة أن تعيش بما فيك من سر إلهي تسربل بهذه الذات البشرية، أن تشعر بهذا السر، بهذه الروح المقدسة، بهذا النور الساري، بهذا العقل الواعي، بهذا القلب الحي. أن تشعر بأناك الذي هو سر من الأسرار، أن تهيئ نفسك لنفحات الله ورحماته، أن تدرب نفسك أن تعيش بغير ذات فأنت ستفارق يوما، أن تتخلى عن شهواتك، أن تتخلى عن متطلباتك، أن تتخلى عن كل ذلك بإرادتك لتكون إنسانا روحيا. هذا قانون آخر يكشفه دين الحق، وهو أنك في حاجة إلى الصوم حتى تنمو روحيا، وحتى تعد نفسك للآخرة. الصوم هو حال يمكن أن يقوم فيه الإنسان في أي وقت من الأوقات، يوم يصدق في نيته، ويصدق في طلبه، يكون أهلا لتلقي النفحات والرحمات. فالصوم معنى وليس مجرد صوم عن الطعام والشراب في شهر معين. إن كنا نصوم ونقوم في رمضان فهذا لنتذكر الرسالة التي يحملها الصوم، ولنتذكر محتوى هذه الرسالة الإلهية… (٢٠٠٧/٩/١٤)

٣-٣-٢-القيام بالحج

مفهوم القيام بالحج يرمز إلى معاني كثيرة في أركانه. الفقرات التالية توضح ما نقصده بقراءة رسالة، حتى لو لم يقم الإنسان بأدائها بذاته فإنه يمكن أن يستفيد كثيرا من التأمل في هذه الأركان. والفقرات التالية تبين ستة مفاهيم فرعية لهذا المفهوم: قراءة رسالة الحج، الطواف حول بيت الله، الاستجابة لمؤذن الحج، الصعود والوقوف بعرفة، رجم إبليس، السعي بين الصفا والمروة

٣-٣-٢-١-قراءة رسالة الحج

نذكر أنفسنا بذلك في هذه الأيام المباركة، لنكون من الحاجين، من القارئين لرسالة الحج. نتعلم منها ونتأمل فيها. وهذا مطلوب من كل إنسان، سواء قام بالحج بذاته، أو كان متأملا في مناسكه وقارئا لها. وهي قراءة قابلة للتغيير. فقراءة الإنسان ورؤيته مرتبطة بإمكاناته وقدراته. وكل يوم يستطيع أن يقرأها أفضل. وحتى إذا قرأها بنفس القراءة فإن إحساسه بها يزداد يوما بعد يوم… (٢٠٠٣/١/٣١)

٣-٣-٢-٢-الطواف حول بيت الله

فهل اتجه الإنسان الى أعماقه ليرى أن كل ذرة في كيانه تدور في انتظام حول قبلة له ارتضاها.. يرى الله في كل شيء، لا قولا، ولكن عملا.. يرى رسول الله في كل شيء، لا قولا، ولكن فعلا وسلوكا. يشعر أنه في طواف دائم حول بيت الله، حول القبلة التي ارتضاها الله له، يرى الله في عبادته وفي انتشاره في الأرض… (١٩٨١/١/٢)

وشرع لنا الحق في ديننا مسارا، ومركزا ندور حوله ونتجه إليه. فكان بيت الله الموضوع هو المركز (إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا13)، (أذن في الناس بالحج يأتوك رجالا14)، يأتوك من كل اتجاه، يأتوك من كل فج عميق، يأتوك ليعرفوا مركزهم، يأتوك ليعرفوا قبلتهم، يأتوك لتبين لهم المسار، وتبين لهم سر حياتهم ونقطة ارتكازهم. إنك في الحج تطوف بالبيت، تطوف في دائرة.، المسافة بينك وبين المركز ثابتة في أي اتجاه كنت. إن الطواف هو تعبير عن حياتنا وعن سلوكنا. إنه تعبير على أن نكون مرتبطين بمركز لا نحيد عن أن ندور حوله في مسار ثابت قدره لنا العزيز الحكيم… (١٩٨١/١/٢)

إن الإنسان في حاجة الى مصدر، والى قبلة يتجه إليها، ويأخذ منها طاقة، تساعده في حياته وفي سلوكه. وها هو في الحج يقترب من هذا المصدر، يقترب من هذه القبلة، يقترب بذاته رمزا على اقترابه بروحه. وإذا اقترب يجب أن يكون محرما، أن يكون خالصا، حتى يستطيع أن يستقبل فيوضات رحمة الله عليه، ونور الله عليه… (٢٠٠٣/١/٣١)

الحج ككل عبادة، وككل منسك، ليس مجرد تأدية شعائر، إنه قراءة وتدبر، كما أنه عمل يقوم به الإنسان تعبيرا عن فهم لما في الشعيرة من رسالة يتلقاها. بيت الله الموضوع، بيت الله الحرام هو تعبير عن رحمة الله الموجودة وعن روح الله القائمة وعن كلمة الله الباقية على الأرض، التي نرجو أن نكون قريبين منها، وأن نكون متجهين إليها، وأن نطوف حولها. حياتنا مرتبطة بها، وكل عمل من أعمالنا له علاقة بمفهومنا لها… (٢٠١٠/١١/٢٦)

ومناسك الحج متداخلة، كل منسك يؤدي إلى الآخر، فنجد الطواف يسبق وقوف عرفة، ونجد الطواف يلحق بوقوف عرفة. أنت تحتاج لتلبي حقا، أن تكون متعاملا مع الله في كل أمر في حياتك. وهذا، معنى من معاني الطواف، حيث تكون في بعد ثابت من المركز، وهو البيت، في طواف حوله، في كل نقطة في مسارك وفي طوافك، كل نقطة تعبر عن موقف لك في الحياة، وعن حال لك في هذه الدنيا. فعليك أن تكون كذلك، حتى تعد نفسك للتلبية. (٢٠١٣/١٠/٢٥)

فيوضات الله، سوف تساعدك مرة أخرى على رجم شيطانك، بل أنك يمكن في الحج، أن تقوم بطواف الإفاضة قبل أن ترجم العقبة الكبرى أيضا. و كما نقول ونتأمل، أن كل حال يؤدي إلى الحال الآخر، إلا في هذين المنسكين لا يهم بأيهما تبدأ. المهم أن تبدأ أمرا، يؤدي إلى أمر ، ثم يتكرر بعد ذلك الحال بعد الحال. فإذا قمت بكل ذلك، ونحرت هديك، أمكنك أن تتحلل تحللا أصغر، لأنك وأنت حرم، تمثل السلام الكامل، والتسليم الكامل، فلا تفعل أي فعل يغير من شيء في وجودك أو في بيئتك. إنك لا تملك شيئا، إنك في سلام دائم. إن الحمد والنعمة لك والملك، لا ملك لك، ولا فعل لك، ولا أمر لك، الأمر لله غيبا. . وإذا كنت قد عرفت ذلك، وخرجت كل ظلماتك إلى خارجك، تتخلص منها بقص شعرك، رمزا على أن كل ذنوبك قد خرجت من داخلك، فتتخلص منها، لتدخل في أيام التشريق (٢٠١٣/١٠/٢٥)

٣-٣-٢-٣-الاستجابة لمؤذن الحج

فكان الحج بمناسكه رسالة للإنسان عن نفسه، ورسالة للإنسان عن سلوكه، ليقصد وجه الله، وليستجيب لمؤذن الحج (وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا من كل فج عميق15)، يأتوك وقد تخلصوا من نفوسهم، يأتوك بكلهم، بكل جوارحهم، بكل مفاهيمهم، بكل رغباتهم، يأتوك لوجه الله خالصين، ولنوره طالبين، ولطلعته قاصدين، في رحمته طامعين، ولبيته لاجئين، ولمعنى الرسول زائرين… (١٩٨١/١٠/٢)

الحج يعبر عن قضية على الأرض في مركز الحياة عليها، وفي اتجاه الإنسان الى هذا المركز، وشد الرحال إليه حقا قبل أن يكون شكلا… (١٩٨٩/٥/١٩)

وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا من كل فج عميق، يأتوك ملبين، خالصين، قائمين بفطرتهم، تاركين وراء ظهورهم كل ما يربطهم بهذه الحياة الدنيا، محرمين، دخلوا في الإحرام ليعيشوا أياما بفطرة خالصة، وهم يتجهون الى بيت الله الحرام، وهم يلبون دعوة الداعي وقد دعاهم. دعاهم أن يرتبطوا بمصدر الحياة، وأن يرتبطوا ببيت الله، وأن يرتبطوا برحمة الله، وأن يرتبطوا برسول الله (٢٠٠٣/١/٣١)

شد الرحال والاقتراب من البيت هو حركة في بعد أرضي، كما نرى هذه الحركة في الإسراء من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، اللذان يمثلان مركزان للحق على هذه الأرض. كان رسول الله يتجه في صلاته إلى المسجد الأقصى في بداية الدعوة. كان المسجد الأقصى هو المعبر عن مركز الحق قبل الأمر بتغيير القبلة إلى المسجد الحرام لتصبح الكعبة معبرة عن هذا المعنى. واجب على الإنسان أن يسعى إلى الاقتراب من مركز الحق. فيكون اقترابه بذاته تعبيرا عن هذا المعنى ليصبح هذا حاله في كل تعامل دنيوي، فيكون سعيه إلى مركز الحق الظاهر في كل تجمع، وفي كل قضية فكرية، وفي كل بحث علمي، وفي كل عمل دنيوي.. (٢٠٠٧/١٢/٢١)

٣-٣-٢-٤-الصعود والوقوف بعرفة

إن عرفة ترمز الى الصعود، ترمز الى العروج، ترمز الى الارتفاع، ترمز الى المعرفة. في هذا اليوم بعد أن يكون الإنسان قد أحرم وطاف، وأعد نفسه لتلبية ربه، ولأن يكون إنسانا أعلى، ولأن يكون إنسانا أرقى، يبدأ في الرقي، ويبدأ في التلبية، ويبدأ في الصعود. هذا هو أمل الإنسان الحقيقي على هذه الأرض، أن يعد نفسه ليكون أعلى، أن يرتقي ويرتفع عن كل ما هو أدنى، ويصعد الى كل ما هو أعلى، ملبيا نداء ربه له. فالذي يعد نفسه لرحمة الله، ولنعمة الله، ولنفحات الله، ولسر الله، يساعده الله ويأخذ بيده، ليرقى ويعلو…

(١٩٩٩/٣/٢٦)

الحج عرفة، الحج ارتفاع، الحج معراج يعرج الإنسان فيه الى أعلى ملبيا ربه. إنه ارتفاع الإنسان بصفاته، وملكاته، ومفاهيمه، وأحاسيسه، وإدراكاته، وأفكاره، وجسده، بكل شيء ينتسب إليه. إنه معراج الى أعلى، عروج الى الأقوم، والأفضل، والأحسن (سبح اسم ربك الأعلى…16) … (٢٠٠٣/١/٣١)

صعود عرفة في أركان الحج (الحج عرفة) يعبر عن انطلاقة روحية يكون فيها الإنسان عارجا في مجالات عليا بعد أن يقترب من مركز الحق على الأرض. فهو يلبي الأعلى وهذا ينعكس في سلوكنا بأن نعلوا بأرواحنا وقلوبنا وعقولنا. نعيش بأرواحنا وننطلق بأفكارنا وبقلوبنا صاعدين إلى أعلى. عبادة أساسها الدعاء والتلبية والرجاء والفكر والذكر القلبي والتأمل العقلي في إطار هذا القيام المادي. فنحن نعرج في مجال أعلى، بما وهبنا الله من قدرة على تجريد وفهم قضايا حقيه، فلا نشطح بأفكارنا فيما ليس لنا به علم، وليس لنا به قدرة، وإنما تكون انطلاقاتنا من أساس نرتكز عليه في وجودنا، وفي تأملاتنا وفي قراءاتنا لرسائل الله لنا… (٢٠٠٧/١٢/٢١)

.تقف بعرفة، فلا يكون هناك شاغل لك، إلا أن تدعو الله، وأن تذكر الله، وأن تسبح بحمد الله، وأن تذكر نعمة الله عليك، وأن تسلم وجودك لله. فكل منسك من مناسك الحج، هو حال من الأحوال، قد تجتمع جميع كل هذه الأحوال في الإنسان، فالطواف حال، والسعي حال، والوقوف بعرفة حال. فإذا غربت الشمس، لتبدأ يوما جديدا، في حال من الحجاب، بدأت رحلة أخرى في هذا الحجاب. رحلة جهاد، رحلة مجاهدة، رحلة تعامل مع نفسك الأمارة بالسوء، رحلة في طريقك إلى مقاومة هذا الشيطان، إلى رمي العقبة الكبرى. (٢٠١٣/١٠/٢٥)

٣-٣-٢-٥-رجم إبليس

…بعد هذا العروج، بعد أن يأخذ الإنسان طاقة نورانية، وقوة روحية، وزادا معنويا، يهبط الإنسان مرة أخرى الى الحياة الدنيوية، بكل ما فيها، وقد أخذ زادا، وأخذ قوة تمكنه من أن يرجم شيطانه، تساعده على مواصلة الحياة الدنيوية بصورة روحية، بصورة حقية، يتعامل فيها مع الله، ويكسب فيها في الله… (٢٠٠٣/١/٣١)

النزول من عرفة إلى المزدلفة يعبر عن رجوعنا وهبوطنا إلى أرضنا بقوة روحية ومعنوية تمكننا من رجم شياطيننا، وتمكننا من أن تكون الغلبة فينا لمعنى الحياة، وتمكننا من مواصلة المسير في طريق الله بأجسادنا وبقلوبنا وعقولنا… (٢٠٠٧/١٢/٢١)

العقبة الكبرى، هي في إحساسك بذاتيتك، في إحساسك بنفسك. تحاول وأنت في طريقك إلى القيام بهذا المنسك الذي يعبر عن هذا الحال، أن تتسلح بأدواتك، التي سوف ترجم بها هذا الشيطان فيك. ففي مكان متوسط، بين عرفة ومنى، حيث توجد الجمرات، تنزل بمزدلفة، فتصلي الصلوات التي تؤدى في جوف الليل، التي تؤدى وأنت في حجاب، فتجمع بين المغرب والعشاء، متجها إلى الله، أن يعينك في طريقك إلى مقاومة نفسك، وبعد أن تؤدي الصلاة، تجمع الأدوات، تجمع ما سوف ترجم به شيطانك. إنه رمز. يقال أن الوقوف بمزدلفة هو أمر سنه رسول الله لأن جميع مناسك الحج، كانت موجودة منذ إبراهيم ــ عليه السلام ــ ولم يكن فيها الوقوف بمزدلفة، يقول البعض ذلك. فإن كان الأمر كذلك، فنحن نقول: أننا نفهم منه رمزا، أنه عليك وأنت في طريقك إلى هذا الحال، وإلى هذا الموقف، الذي تجابه فيه شيطانك، أن تجمع في طريقك كل ما يمكنك من هذه المواجهة، إنها كل الأعمال الصالحات، إنها كل الدعوات، إنها كل الاجتماعات على ذكر الله، إنها كل شيء يقربك إلى الله، إنها كل شيء يساعدك على مجابهة شيطانك. فإذا وصلت إلى موقع العقبة الكبرى، رميت شيطانك بكل ما تحمله من أدوات تمكنك منه. فما تفعله، ما هو إلا رمز لذلك. وهذا أمر أساسي، يساعدك أن تقوم بطواف الإفاضة، وقد رجمت شيطانك، فأصبحت أهلا لأن تتلقى فيوضات من الله (٢٠١٣/١٠/٢٥)

في أيام فيها يشرق الحق فيك، فتستطيع أن تتعامل في حياتك مع كل المستويات التي تعوقك عن طريقك. إنك بعد أن أصبحت في هذا الحال، ورجعت إلى حياتك، سوف تقابل عقبات بمستويات مختلفة، بأشكال مختلفة، فقد تبدو أمورا صغيرة بالنسبة لك، ولكنها قد تؤدي إلى ما هو أكثر من ذلك. فعليك أن تعرف، كيف أن تتعامل في حياتك، مع كل ما يعطلك عن اتجاهك، وتلبيتك لله، وللسير في طريق الله. يرمز لذلك، التدرج في رمي الجمرات، فتبدأ برجم الجمرة الصغرى، ثم الوسطى، ثم الكبرى. إنها رحلة حياة، إنها ترمز إلى حياة الإنسان على هذه الأرض، وليست مجرد مناسك تظن أنك بتأديتها بجسدك، قد غفر لك كل ذنبك… (٢٠١٣/١٠/٢٥)

٣-٣-٢-٦-السعي بين الصفا والمروة (٢)

سعينا بين الصفاء والري لنصفو فنرتوي. الصفاء هو أن يكون حالك غير مكدر بظلام، بكراهية، برغبة انتقام، بأي مشاعر سيئة تجاه أي إنسان، أو أي حال. فإذا نظر الإنسان إلى داخله، ووجد أنه مشوش، أنه لا يرى ما في داخله، لأن داخله فيه حجب ظلام، ينظر فيرى ظلاما، ينظر فيرى حجابا، ينظر فيرى حائلا، ينظر فيرى سدا، لا يستطيع أن يرى ما في داخله، لا يستطيع أن يرى مقصده، لا يستطيع أن يحدد هدفه، لا يستطيع أن يستقبل قبلته، لا يستطيع أن يعرف مثله، لا يستطيع أن يعرف قدوته. عليك أن تصفو، فإذا صفوت، تستطيع أن تسعى، تستطيع أن تجاهد، تستطيع أن تبحث، تستطيع أن تجتهد، تستطيع أن تعمل عملا صالحا، يأخذك إلى ما يرويك، إلى ما يغير حالك من ظمآن إلى مرتوي، من إناء فارغ إلى إناء ممتلئ، من عقل جاهل إلى عقل عالم، من قلب ميت إلى قلب حي، من بذرة على وشك الموت، لنقص ماء يحييها، إلى بذرة ممتلئة بالحياة، ارتوت من ماء الحياة… (٢٠١٠/١١/٢٦)

وأن تمارس السعي بين الصفا والمروى، كلما صفوت ارتويت، وكلما ارتويت صفوت، فتكون بعد ذلك أهلا لأن تلبي، لبيك اللهم لبيك (٢٠١٣/١٠/٢٥)

٣-٣-٣-إقامة الصلاة

ركز هذا الجزء على المفاهيم الفرعية التالية: رسول الله يوجه الداعين إلى قبلة يرضاها لهم، القبلة هي رمز يدل على مصدر الحياة في الأرض، القبلة ترمز إلى قرب الله من الإنسان في أرضه وفي نفسه، إقامة الصلاة هي في نية الإنسان فإذا استقامت النية كانت هناك صلة.

٣-٣-٣-١-يوجه رسول الله الداعين إلى قبلة يرضاها

وكان تغيير القبلة من المسجد الأقصى الى المسجد الحرام في شعبان، استجابة لدعاء رسول الله أن يوليه قبلة يرضاها، هو تعبير عن أن الرسول قد أرسله الله لأنه القيام القادر على دعاء الله ليوليه القبلة التي يرضاها ويوجه الداعين الطالبين اليها. (١٩٨٥/٥/١٧)

٣-٣-٣-٢-القبلة هي رمز يدل على الحياة القائمة

إنك يوم تتجه الى القبلة، فإنما تتجه الى رمز يدل على قائم حي، ترجوه وتطلبه مثلا أعلى، وقياما أعلى، ولتكون دوما كذلك مهما أدركت، ومهما ارتقيت، وحتى وإن عرفت هذا المعنى في إنسان مشهود لك، ستظل تتجه إلى هذا الرمز لأنك في واقع الأمر أنت لم تعرف ولم تدرك إلا ظاهر ذات، ولكن لم تعرف ولم تدرك باطن هذه الذات. فالأجدر بك أن تظل تتجه الى قبلة أعطاها الله لك، لتكون على مر العصور والأزمان رمزا دائما على هذه الحقيقة. عرف الإنسان إنسانا أعلى أم لم يعرف في ظاهر وجوده إلا أنه يدرك وجود هذا الإنسان في باطن قيامه، إدراكا دائما معبرا عنه في هذه القبلة… (١٩٨٧/٤/١٠)

جاء دين الفطرة ليعلمنا أن نتجه الى بيت الله الموضوع على أرضنا، جاء ليعلمنا أن صلاتنا وذكرنا لا تستقيم إلا باتجاهنا لهذا البيت، رمزا لمعاني الحياة القائمة على أرضنا، جاء ليعلمنا أن كوكبنا وأرضنا ليست إلا نقطة في بحر لانهائي، وأن السماء التي نتجه إليها هي فراغ كبير تدور فيه الأفلاك والكواكب والنجوم (كل في فلك يسبحون17…)، وأن السماء بمعناها ليست في اتجاه نتجه إليه، إنما السماء هي معنى حقي قائم فينا وبيننا، هذا المعنى هو الارتقاء الى أعلى في بعد لا ندركه بجوارحنا، ولنستقيم في مفهومنا علينا أن نتجه إليه في أرضنا… (١٩٨٨/٤/١)

وكان تغيير القبلة هو تعبير عما جاء في سابق، وما جاء في حاضر بظهور محمد صلوات الله وسلامه عليه. فالقبلة ترمز ـ في مفهومنا ـ إلى قيام حي على أرضنا يربط بيننا وبين الغيب، يربط بيننا وبين السماء، (قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها…). رسول الله يعلمنا أن نتجه إلى قبلة على أرضنا، وهو يسأل الله أن تكون هذه القبلة رمزا دائما كاملا موحيا بكل ما تحمله معاني القبلة من إشارات ورسالات. كان مهبط الرسالات السماوية قبل الرسالة المحمدية في بني إسرائيل حيث المسجد الأقصى، فكانت قبلة الأرض لهذا المكان، الذي يرمز إلى كل هذه الرسالات التي نزلت إلى الأرض لتربط بين الأرض والسماء. فكان طبيعيا، وهذا هو الحال بالنسبة لمحمد أن يتجه إلى هذه القبلة؛ لإيمانه بكل من جاء قبله من الرسل والأنبياء، وهو يعلم تمام العلم (…فأينما تولوا فثم وجه الله18…)، وأن القبلة هي في كل مكان على هذه الأرض بمعناها، المهم هو أن تستحضر هذا المعنى في داخلك. ولكننا دائما ندرك أن هذه المعاني المجردة قد تضيع الرسالة المحملة عليها، فلا يتعلم الإنسان بحق ما هي القبلة التي يتجه إليها، فدعا رسول الله ربه أن يوليه إتجاها يكون رمزا دائما لمعنى القبلة… (٢٠١٥/٦/٥)

هذا الدين الجامع يريد أن يعلمنا معنى القبلة، فكان (..أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا19…)، هو البيت الذي يحمل كل هذه المعاني. فالذي وضع القواعد من البيت هو إبراهيم وإسماعيل، وكان محمد هو امتداد هذا المعنى لإبراهيم من خلال إسماعيل، كما كان عيسى وموسى هما امتداد هذا المعنى من إبراهيم من خلال إسحاق، والأصل الذي يجمعهم جميعا هو إبراهيم، فهو أصل معنى وجود رسول على هذه الأرض، يربط بين القائمين على الأرض وبين الغيب. فكان تغيير القبلة هو رمز لهذا المعنى، وفي نفس الوقت يشير أن القبلة في كل مكان، ويمكن أن تتغير لرسالة معينة ولمعنى معين يراد إرساله إلى من يتجهون إلى هذه القبلة. فهذا معنى يمكن أن نقرأه في حدث تغيير القبلة من المسجد الأقصى إلى المسجد الحرام… (٢٠١٥/٦/٥)

٣-٣-٣-٣-قرب الله من الإنسان في أرضه وفي نفسه

.. هكذا نتعلم الجانب المفهومي للقانون، وهو قرب الله من الإنسان، في أرضه، وفي نفسه. ونتعلم الجانب السلوكي يوم نمارس ذلك في عباداتنا، فنتجه الى القبلة في صلاتنا، ونتجه الى قلوبنا في ذكرنا. والاتجاه الى القبلة في الصلاة، ما هو إلا تدريب على أن يكون ذلك في كل حياتنا. فما الهدف من الاتجاه إلى القبلة إلا أن تقيم صلة بالله. وأنت تريد أن تكون في كل أعمالك موصولا بالله، متعاملا مع الله… (١٩٩٨/١٢/٤)

إن الإنسان عليه أن يعلم أن الله قريب (إني قريب أجيب دعوة الداعي إذا دعاني20). إنه ليس بعيدا، إنه قريب جدا، أقرب إليكم من حبل الوريد، ومعكم أينما كنتم، وأينما تولوا فثم وجه الله. القبلة ترمز الى كل هذه المعاني، فإذا كانت القبلة كبيت موضوع في مكان على هذه الأرض هي رمز نتجه إليه طلبا لصلة بالأعلى، فالقلب في الإنسان يرمز أيضا إلى بيت الله فيه (ما وسعتني أرضي ولا سمائي ووسعنى قلب عبدي المؤمن). فالمفهوم الأساسي الذي يحمله قانون القبلة هو قرب الله إليك متجليا ببيته، متجليا برسوله، متجليا بآلائه ونعمه، متجليا بفطرتك التي فطرك عليها، وبسره الذي أوجد فيك، وبروحه التي نفخ فيك…

(١٩٩٨/١٢/٤)

٣-٣-٣-٤-نية الإنسان في إقامة صلة

إن القيام بالصلاة في مظهرها لا يعني شيء، ولكن الذي يعنيه هو نية الإنسان في قيامه ورغبته في أن يصلي، رغبته في أن يطلب صلة، رغبته في أن يطلب قوة، رغبته في أن يتغير. هذا الحافز الداخلي هو ما عبر عنه رسول الله صلوات الله وسلامه عليه بأن نية الإنسان خير من عمله، فالنية التي تدفع الإنسان إلى الفعل هي الأساس… (٢٠٠٢/٢/١)

كانت الصلاة تعبيراعن السؤال والدعاء، عن الطلب والرجاء، عن الاتجاه إلى الذي يعلم ليعلمنا، وليطلعنا على ما يجب أن نكون عليه. نحن في حاجة دائمة أن نكون في دعاء مستمر، وأن نكون في صلاة دائمة. فكانت الصلوات بتوقيتها تعبيرا عن أن نكون في صلة مع الله في كل وقت وحين. أنت في حاجة إلى إجابات، ولن تنتهي تساؤلاتك، ولن تنتهي طلباتك، أنت في حاجة دائمة أن تقيم هذه الصلة، فالصلاة نابعة من احتياجك. الدين جاء ليجيب على احتياجاتك وتساؤلاتك. لم يجيء ليفرض عليك فرضا أنت غير محتاج له، جاء ليكشف لك سرا من أسرار الحياة… (٢٠٠٧/٩/١٤)

وكان منهج رسول الله هو أن يعلمنا ذلك، يعلمنا الدعاء، يعلمنا الصلاة ـ كمفهوم ـ أن نناجي ربنا، أن نتجه إليه، أن نلجأ إليه، أن نجأر إليه (فأخذناهم بالبأساء والضراء لعلهم يتضرعون). علمنا أن نجاهد أنفسنا، وألا نستسلم لها كلية، إنما نجاهدها، ونعلم أن الله خلقها لحكمة، فليست كلها شر، إنما هي تحول بظلامها بيننا وبين الظالمين (قل لو كان في الأرض ملآئكة يمشون مطمئنين لنزلنا عليهم من السماء ملكا رسولا). (٢٠١٥/١١/١٣)

٣-٣-٤-الزكاة

وعلمنا التكافل مع إخواننا في البشرية بما أمرنا من زكاة، وفسرها لنا في أمور كثيرة من حياتنا، فيما يفيض عندنا من أموال، وفيما يرزقنا به من زرع، وفيما يوفقنا فيه من تجارة. فكان كل ذلك، تعبيرا أيضا عن معان أخرى؛ أن نكون من المزكين بعلمنا، فلا نبخل بعلم نعلمه، ولا نبخل بصنعة ومهنة نعرفها على أن نوفرها لإخواننا في البشرية، وألا ننسى الفضل بيننا، فأن نكون متسامحين فيما نعطي، وفيما نأخذ، (رجلا سمحا إذا باع، وسمحا إذااشترى..21)..(٢٠١٥/٤/٢٤)

Footnotes

  1. البقرة: ١٨٥

  2. حديث: صحيح الترمذي - ما لي وما للدنيا، ما أنا في الدنيا إلا كراكب استظل تحت شجرة ثم راح وتركها.

  3. طه: ٣٩

  4. لم أستدل على هذا القول وإن كانت الآية “عرضنا الأمانة …” الأحزاب :٧٢ تعطي المعنى المراد

  5. حديث: البخاري

  6. حديث: البخاري ومسلم

  7. حديث: البخاري

  8. الزمر: ٥٣

  9. حديث: البخاري ومسلم

  10. مقولة صوفية

  11. حديث: البخاري

  12. طه: ١٢

  13. آل عمران:٩٦

  14. الحج: ٢٧

  15. آل عمران: ٩٦

  16. الأعلى: ١

  17. الأنبياء: ٣٣

  18. البقرة: ١١٥

  19. آل عمران: ٩٦

  20. البقرة ١٨٦

  21. حديث: البخاري