تخطَّ إلى المحتوى

أحاديث الفترة من ١٩٨٥- ١٩٨١

٤٩ - تأمل في حركة الكواكب والنجوم في دورانها حول مراكز لها وربط ذلك بمنسك الطواف حول الكعبة

تاريخ الحديث: ١٩٨١/١/٢

”… إنا في ظاهر أمرنا في بداية عام جديد، ندور فيها حول مركز لنا. إن الإنسان في الحياة له دورة، وله مسار محدد بدقة لا يحيد عنه، ولو حاد عنه ما بقيت له حياة. فلننظر في ظواهر الكون وفي أسرار الطبيعة، ففيها بيان لما في أعماقنا، وفيها شرح لما هو غيب عنا (الظاهر مرآة الباطن). إن الأرض في دورتها حول الشمس تسير في مسار محدد. لو اقتربت قليلا في اتجاه الشمس ما بقيت علي هذه الأرض صورة لهذه الحياة التي نراها، ولو ابتعدت قليلا عن هذا المسار ما بقيت لهذه الحياة هذه الصورة التي نراها، كل شيء بميزان. وشرع لنا الحق في ديننا مسارا، ومركزا ندور حوله ونتجه إليه. فكان بيت الله الموضوع هو المركز (إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا)، (أذن في الناس بالحج يأتوك رجالا)، يأتوك من كل اتجاه، يأتوك من كل فج عميق، يأتوك ليعرفوا مركزهم، يأتوك ليعرفوا قبلتهم، يأتوك لتبين لهم المسار، وتبين لهم سر حياتهم ونقطة ارتكازهم. إنك في الحج تطوف بالبيت، تطوف في دائرة.، المسافة بينك وبين المركز ثابتة في أي اتجاه كنت. إن الطواف هو تعبير عن حياتنا وعن سلوكنا. إنه تعبير علي أن نكون مرتبطين بمركز لا نحيد عن أن ندور حوله في مسار ثابت قدره لنا العزيز الحكيم. فديننا أمرنا في كل شيء وشرع لنا في كل شيء، في قيامنا وقعودنا، في سعينا وسكوننا، في سرنا وجهرنا، في مأكلنا ومشربنا، في معاملاتنا في مجتمعنا، في نظام حكمنا، في معنوياتنا، في صفاتنا (ما فرطنا في الكتاب من شيء). فهل اتجه الإنسان الي أعماقه ليري أن كل ذرة في كيانه تدور في انتظام حول قبلة له ارتضاها. يري الله في كل شيء، لا قولا ولكن عملا. يري رسول الله في كل شيء، لا قولا ولكن فعلا وسلوكا. يشعر أنه في طواف دائم حول بيت الله، حول القبلة التي ارتضاها الله له، يري الله في عبادته وفي انتشاره في الأرض…”

تعليق:

هذا الحديث هو تأمل في حركة الكواكب والنجوم في دورانها حول مراكز لها وربط ذلك بمنسك الطواف حول الكعبة التي هي تعبير عن الهدف الذي تدور حوله حياة الإنسان. فإذا جعل الإنسان هدفه هو التعامل مع الله علي هذه الأرض بالمنهج الذي جاءت به رسل الله في كل الرسالات السماوية فإنه بذلك يدور في المسار الذي يحيه.

مفاهيم دالة :

٥٠ - إن أساس الذكر بالقلب أن يعرف الإنسان بعقله، وأن أساس مجاهدة الإنسان لنفسه أن يذكر القلب، وإن أساس معرفة الإنسان بعقله أن يجاهد نفسه.

تاريخ الحديث: ١٩٨١/٢/٦

”… إن أساس الذكر بالقلب أن يعرف الإنسان بعقله، وأن أساس مجاهدة الإنسان لنفسه أن يذكر القلب، وإن أساس معرفة الإنسان بعقله أن يجاهد نفسه. إنها دورة متكاملة وكلما قمت في أحد من هذه الأمور أدي بك ذلك الي استقامة في قيامك أكثر. إن أوامر الدين قد جاءت لنا لنسلك بقلوبنا وبعقولنا وبذواتنا. فجاءت الأوامر المنسكية لتجعلنا في مقاومة لنفوسنا ومقاومة لرغبات النفس الأمارة بالسوء (حسب ابن آدم من لقيمات يقمن منه صلبه)، (ضيقوا مسالك الشيطان بالجوع والعطش)، (إن الشيطان يجري من الإنسان مجري الدم)، (كان لي شيطان ولكن الله أعانني عليه فأسلم فهو لا يأمرني إلا بخير). وجاءت بذكر القلب (إن القلوب لتصدا كما يصدأ الحديد وإن جلاؤها لذكر الله)، (إن في الجسد مضغة لو صلحت لصلح البدن كله ألا وهي القلب). وجاءت لنا بتأمل العقل (العقل أصل ديني والمعرفة رأس مالي..)، (تأمل ساعة خير من عبادة عام)، (الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلي جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار). كرم الدين العقل وجعله أصلا من الأصول، وأمر الإنسان بمجاهدة ذاته وبأن يذكر بقلبه… “

تعليق:

يتناول هذا الحديث تأمل في التفكر بالعقل والذكر بالقلب ومجاهدة النفس بالبعد عن شهواتها. وأن كل عمل من هذه الإعمال يؤدي الي استقامة الإنسان أكثر في العمل الآخر. فالتفكر بالعقل يؤدي الي استقامة الذكر بالقلب. والذكر بالقلب يؤدي الي استقامة الإنسان أكثر في مجاهدة النفس. ومجاهدة النفس تؤدي الي أن يكون تفكر العقل أعمق. هذه الدورة بين الأعمال التي لها هدف واحد كثير ما أشرت اليه في أمور مماثلة.

مفاهيم دالة :

٥١ - يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم الذي خلقك فسواك فعدلك في أي صورة ما شاء ركبك

تاريخ الحديث: ١٩٨١/٤/٣

”… في أي صورة ما شاء أوجدك، فكل ما فيك هو ناتج عن إرادة الحق، جعلنا لكل شيء سببا، جعل لك من بيئتك سببا، وجعل لك من علمك سببا، وجعل لك من صفاتك الموهوبة سببا، وجعل لك من صفاتك الموروثة سببا، وجعل لك من أسباب حياتك سببا، فركب كل إنسان في صورة شاءها. يتباين الجميع ويختلفون، ويجمعهم معني الإنسان، يجمعهم أنهم علي الغيب عنوان، يجمعهم أنهم للباطن اسما ولسان. فكان الإنسان مظهرا للغيب (ما ظهر الله في شيء مثل ظهوره في الإنسان)، وأعطي الله للإنسان أدوات ليستخدمها لتطوير وجوده (ألم نجعل له عينين ولسانا وشفتين وهديناه النجدين)، وألهم الله نفس الإنسان ما يجعلها تضل عن سبيل الحياة و ما يجعلها تهتدي إليه (ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها)، وأخبر الله الإنسان عن أحواله التي عليه أن يقومها (فأما الإنسان إذا ما ابتلاه ربه فأكرمه ونعمه يقول رب أكرمن وإما إذا ما ابتلاه فقدرعليه رزقه فيقول رب أهانن)، (خلق الإنسان هلوعا إذا مسه الشر جزوعا وإذا مسه الخير منوعا إلا المصلين)، وعلم الله الإنسان كيف يعبر عن قوانين الحياة (الرحمن علم القرآن خلق الإنسان علمه البيان). علمه من يكون، وكيف يقوم، وكيف يعبد الحق، وكيف يري في قيامه عنوانا علي ما لا يري، وكيف يري وجوده علما علي الغيب له، علما علي ما لا يدرك، وما لا يستطيع أن يدرك. فهل قدرنانا إنسانا؟ هل عرفنانا عنوانا؟ هل عكسنا البصر الي أعماقنا؟ إن علاقة الإنسان بربه هي في انسجامه مع الوجود، ليس في رفضه للوجود، ليس في رفضه لأسباب حياته، حياته الحقية، سواء أكانت في ظاهر قيامه، أو في باطن أفعاله. إن هذه القضية ليست واضحة عند الناس. فما كان ذكر الله ليبعد الإنسان عن شيء إلا عن الظلام. إن الذين يذكرون الله حقا يعرفون أنهم بوجودهم الظاهري مكلفون بما هيأ الله لهم من أسباب. ولكن الناس اعتادوا أن يصفوا من جاهد نفسه وذكر ربه بما ليس فيه ويضعون له صورة من خيالهم بعيدة عما هو عليه لأنه لم يعلموا أنه يمكن في الظاهر أن يكون مثلهم ولكن لا يجعله هذا الظاهر غافلا كما هم غافلون عن ذكر الله فيهم، منشغلون بظاهر الدين عن تطهير قلوبهم وإنارة عقولهم وتزكية نفوسهم. أي دين هذا الذي هم عنه يتحدثون، إنهم يتحدثون عن الدين كما لو كان مذهبا سياسيا، أو اقتصاديا، أو اجتماعيا، ونسوا أن الدين أساسه الإنسان، وحجر الزاوية فيه هو الإنسان. إن الدين يأمرنا أن نكون في كل فعل في الدنيا في دين، لا أن نجعل الدين للدنيا فلا نقدره بذلك حق قدره، لأن الدين أكبر وأعظم مما يتصور الكثيرون…”

تعليق:

يركز هذا الحديث علي معني “في أي صورة ما شاء ركبك” وإنها تشير الي كل ما يتعرض له الإنسان علي هذه الأرض من داخله ومن خارجه فهذا ما يشكل وجوده. كذلك أعطي الله الإنسان من الأدوات التي تساعده عل تطوير ذاته وصفاته وإمكاناته وقدرته علي البيان والتعبير عن إدراكه وحسه. والإنسان الذي يجعل كل تعاملاته مع الله هو من يكون كيانا ناجيا

مفاهيم دالة :

٥٢ - نتذاكر بيننا أن مقصود الإنسان وجه الله، وإن قبلة الإنسان بيت الله

تاريخ الحديث: ١٩٨١/٨/٤

”… إنا نتذاكر بيننا أن مقصود الإنسان وجه الله، وإن قبلة الإنسان بيت الله، نتذاكر بيننا أنه لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله. نتذاكر بيننا أن الله ربنا، والحق طريقنا، وكسب الله سلوكنا، وشهادة الله معاملتنا. نتذاكر بيننا أن الذين آمنوا وليهم الله وأن الذين كفروا وليهم الطاغوت. نتذاكر بيننا أن نكون حقا من الذين آمنوا، الذين نزعوا ما في قلوبهم من حب لمادي قيامهم، وزرعوا بدلا منه حبا لربهم فكان الله وليهم، ولم يعرفوا الطاغوت أبدا وليا لهم. إن الناس يتصارعون، وفي صراعهم يتدانون، لأن صراعهم علي دنيا رأوها ربا لهم، وعرفوها أملا لهم، وارتضوها مقصودا لهم، فجذبتهم لأدني نفوسهم، جذبتهم لغرائز أجسادهم، ولشهوات أبدانهم، فنسوا الله ربا، وعرفوا الدنيا إلها. إنا نتذاكر بيننا كيف يكون كل فرد منا قياما صالحا، فيكون أسرة صالحة، فتكون هناك بيئة صالحة. إن إصلاح النفوس لهو الجهاد الأكبر، ولا يصلح من لم يصلح نفسه. إن ديننا يذكرنا بذلك ويقول لنا (عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم). هذه ليست دعوة للسلبية، ولكن لأن الطريق الطبيعي هو أن نصلح أنفسنا فنصلح من حولنا. إن أي فعل أو عمل يجب أن نري فيه إصلاحا لنفوسنا، وأن نسلك فيه انطلاقا من رغبتنا الصادقة في إصلاح وجودنا. إنا نتذاكر دوما بيننا بذلك، لعل أنفسنا تستجيب، ولعل عقولنا تفكر وتجيب، ولعل قلوبنا تشعر وتطيب. إن قضيتنا أن نذاكر أنفسنا، وأن نتأمل في أحوالنا، وأن نرقي بصفاتنا، وأن نكون فيمن أعطي واتقي وصدق بالحسني، وأن ننهي أنفسنا عن الهوي، عن أن تهوي وتتردي الي ما هو أسفل. ننهاها أن تكون من الذين قيل فيهم بخل واستغني وكذب بالحسني. إن الذكري تنفع المؤمنين، سيذكر من يخشي ويتجنبها الأشقى. إن الحق يخاطب الطالب الذي يخشي، يخاطب الذين يؤتي ماله يتزكى، يخاطب من أفلح وتزكي وذكر اسم ربه فصلي، يخاطب الصادق الذين شرح صدره للإيمان فيسره لليسرى، ليكون في طريق الله سالكا، وحول قبلته طائفا، وفي بيته دوما مجتمعا مع المحبين، المتحابين، الكرماء، المعطين، الذين هم لربهم مفتقرون، والذين هم لأبواب السماء طارقون، والذين هم لاسم ربهم الأعلى مسبحون…”

مفاهيم دالة :

٥٣ - إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا

تاريخ الحديث: ١٩٨١/١٠/٢

” … (إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا…). البيت الذي نتوجه إليه في صلاتنا، والذي نطوف به في حجنا. فهل تأملنا في علاقة هذا البيت بمعني البيت الموضوع للبيت المرفوع (في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه). هل عرفنا وجودنا بيتا لله (ما وسعتني أرضي ولا سمائي ووسعني قلب عبدي المؤمن) (القلب بيت الرب) وما قلب الإنسان إلا جوهره، وما جوهر الإنسان إلا معنوياته وقيامه الحقي، وما قيام الإنسان الحقي إلا الإنسان في علاه. فهل عرفنا بيت الله في قلوبنا؟ فاتجهنا له في صلاتنا، وصار هدفنا ومحور حياتنا، وملاذنا فيما ينزل بنا من شرور أنفسنا، وشرور الاشرار من حولنا. هل عرفناه حقا؟ فهرعنا إليه ملبين، مستجيبين، متجهين، إليه حاجين، نفوسنا وما فيها تاركين، بالحق متمسكين، ولوجه الله فينا قاصدين. هل عرفنا ذلك في يقين؟ فأصبحنا حاجين في كل وقت وحين. إن الحج يذكرنا بذلك فينا، ويفتح لنا في أعماقنا ما غمض علينا في سلوكنا، وفي مفاهيمنا. فكان الحج بمناسكه رسالة للإنسان عن نفسه، ورسالة للإنسان عن سلوكه، ليقصد وجه الله، وليستجيب لمؤذن الحج (وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا من كل فج عميق)، يأتوك وقد تخلصوا من نفوسهم، يأتوك بكلهم، بكل جوارحهم، بكل مفاهيمهم، بكل رغباتهم، يأتوك لوجه الله خالصين، ولنوره طالبين، ولطلعته قاصدين، في رحمته طامعين، ولبيته لاجئين، ولمعني الرسول زائرين. فهل قمنا في هذه المفاهيم؟ أم تحول الحج عندنا كما تحولت كل عبادة الي طقوس وأشكال، دون فهم عميق، ودون تأمل لما فيها من معاني هدفها الإنسان في قيامه وفي سلوكه…”

تعليق:

دار هذا الحديث عن إن المعني الإشاري لبيت الله الموضوع هو قلب الإنسان بتواجده الأرضي، وإن المعني الإشاري لبيت الله المرفوع هو جوهر الإنسان بتواجده العلوي. كما إن القبلة هي رمز لبيت الله علي هذه الأرض الذي يحج إليه الناس استجابة لمؤذن الحج الذي يدعوهم لمعني الحياة فيلبوا النداء لوجه الله خالصين، مدركين إن مناسك الحج هي رسالة لهم عن سلوكهم ومفاهيمهم في الحياة.

مفاهيم دالة :

٥٤ - الدين دعوة إنسان لإنسان، دعوة حق لطالبه، ودعوة صلاح لراغبه، ودعوة طريق لطارقه

تاريخ الحديث: ١٩٨١/١٢/١٨

“…إن الناس علي هذه الأرض يضعون الدنيا هدفهم، والغلبة فيها مقصودهم. نسي الناس أساس دينهم، وجوهر قيامهم، وسر خلقهم، وهدف وجودهم، وأمل قيامهم. نسوا أن الدين دعوة إنسان لإنسان، دعوة حق لطالبه، ودعوة صلاح لراغبه، ودعوة طريق لطارقه. من خلال هذا المفهوم للدين يمكن أن نتعارف، ونتباحث، لنعرف حقيقة أمرنا، وحقيقة وجودنا، وحقيقة قيامنا. فإن كان هناك من هم بعيدون عن معني الحق في أنفسهم فلندعوهم الي الحق، ولنظل ندعوهم الي الحق، مدركين أن من يخشي سيتذكر وإن الأشقى سيتجنب، متذكرين ألا نيأس من روح الله. أما الذين عرفوا معني الحق فإنهم لا ييأسون، وعن أملهم في أن يتغيروا لا يتوقفون. إن الإنسان في حياته وفي سلوكه معرض للكثير وكل إنسان إن لم يطلب رحمة الله، وعون الله، ومغفرة الله، بقانون الله فهو هالك (لن يدخل الجنة أحدكم بعمله قالوا حتي أنت يا رسول الله قال بلي إن لم يتغمدني الله برحمته) هذا حديث قد يفهمه البعض فيقول إننا مثل رسول الله أو يقول إذا كان هذا حال رسول الله فكيف يكون حالنا. إن هذا الحديث يوضح لنا أن كمال الاستقامة، وكمال المعرفة يحتم علي الإنسان أن يكون طالبا رحمة الله (أنا أقربكم من الله وأخوفكم منه). كلما ازداد الإنسان قربا كلما ازداد الإنسان خوفا، كلما ازداد الإنسان كمالا كلما طلب رحمة أكثر، واستغفر ربه أكثر، لأن قانون الرحمة ليس كما نتخيل، وليس كما نتصور في تعاملنا بيننا كإنسان مع إنسان، إن رحمة الله أوسع وأشمل، وإن كل ما ينسب الي الله أكبر مما يجول بخاطرنا، ومما نتصور، فرحمته أكبر وعدله أكبر ومغفرته أكبر. إن قانون الحياة يعلمنا إن الإنسان سوف يجد ما عمل حاضرا، وما قدمت يداه نافعا (من يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره). فكانت رحمة الله محتجبة بعمل الإنسان، فما عمل الإنسان خيرا إلا بقانون الرحمة تسري في وجوده. وما كان الإنسان بظلامه إلا تعبيرا عما في هذا الكون من ظلام. فكان الإنسان تعبيرا عن هذا الوجود (ما ظهر الله في شيء مثل ظهوره في الإنسان). وكان الإنسان خليفة الله علي الأرض بما أوجد الله فيه من سره، وكان الإنسان الذي حمل الأمانة عنوانا علي قانون الحياة، وعلي سريانه…”

تعليق:

هذا الحديث عرف الدين بأنه “دعوة إنسان لإنسان، دعوة حق لطالبه، ودعوة صلاح لراغبه، ودعوة طريق لطارقه” وهذا يتوافق مع الآيات التي تدعونا إلي “أن نتواصى بالحق وأن تكن منا أمة يدعون الي الخير وأن نذكر إن نفعت الذكري سيذكر من يخشي، …” تناول الحديث أيضا طريق الذين استجابوا الي دعوة الحق وإن استجابتهم لا تستقيم إلا بأن يكونوا في استغفار دائم وطلب للرحمة. هناك تعبير أدهشني حيث لا أتذكر إني قد استعملته بهذه الصياغة وهو “فكانت رحمة الله محتجبة بعمل الإنسان، فما عمل الإنسان خيرا إلا بقانون الرحمة تسري في وجوده. وما كان الإنسان بظلامه إلا تعبيرا عما في هذا الكون من ظلام. فكان الإنسان تعبيرا عن هذا الوجود (ما ظهر الله في شيء مثل ظهوره في الإنسان).” وقد يتساءل قارئ عن كيف يكون ظهور الله في الإنسان مرتبط بظلام الإنسان فأقول إن الجملة ” فكان الإنسان تعبيرا عن هذا الوجود تشرح ذلك.

مفاهيم دالة :

٥٥ - طلب العلم والمعرفة وعلاقة ذلك بالافتقار الي الله

تاريخ الحديث: ١٩٨٢/٢/٥

”… إنكم لو نظرتم لما يحيط بكم متوجهين صادقين لوجدتم ما عنه تتساءلون، وما فيه تختلفون، لوجدتم إجابة لحيرتكم تتناسب مع سؤالكم ورغبتكم. إن قانون الحياة يعلمنا أن الحق قريب يجيب دعوة من دعاه، وأن نسير في الأرض لننظر كيف خلق الخلق، وأن الله بالغ أمره في وجودنا، وقيامنا، وفي كل فعل يقع لنا. إنك يا إنسان لن تستطيع أن تدرك إلا بقدرما تملك من معرفة، وكلما إتسعت مداركك، وكلما صفت نفسك، وحيي قلبك، وتحرر عقلك، ونضج فكرك ،ونمي حسك، تغيرت نظرتك للأمور، وتغيرت مقاييسك. السر فيك فأنت القاريء لكتاب الوجود. إذا أهملت ما تري فلن يكون هناك غذاء لفكرك ،ولا لقلبك وحسك. إن الكل يتخبط في ظلمات نفسه، وفي ظلمات دنيا يرجوها ويهواها إلا من سار علي درب المعرفة ويريد أن يقرأ كتاب الحياة. قانون الحياة يعلمنا إن قراءة كتاب الحياة يكون بالإستعانة بإسم الله (إقرأ بإسم ربك الذي خلق خلق الإنسان من علق إقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم). هل نظرنا وتأملنا في هذه الآية وفيما سبق نزولها من موقف لرسول الله (صلعم) حين قال له الوحي “إقرأ” فآجاب ما أنا بقارئ. إننا يمكن أن نتأمل إن هذه الإجابة تشير الي إن إدراك الإنسان لإفتقاره الي العلم والمعرفة يؤدي إلي أن يعلمه الله. لذلك نجد الإجابة في قوله “إقرأ بإسم ربك…” إقرأ وقد علمك الله، وأفاض عليك الله، وعرفك الله بكرمه وجوده، إقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم، علم الإنسان ما لم يعلم (لا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء). هذا هو قانون الحياة. إنا إن جاهدنا أنفسنا، واتجهنا الي ربنا، وسألناه فضلا وعلما، لعلمنا أن نقرأ في كتاب الوجود فنعلم، وحين نريد جوابا نفتح كتاب الوجود فنجد الجواب أمامنا…”

تعليق:

هذا الحديث يربط بين طلب العلم والمعرفة وعلاقة ذلك بالافتقار الي الله أن ينير له بصيرته ليقرأ كتاب الوجود في الآفاق وفي نفسه. كما يربط بين ذلك وآية ” اقرأ باسم ربك الذي خلق…“.

مفاهيم دالة :

٥٦ - طبائع الناس في إتباعهم لما وجدوا عليه آباءهم دون أن يفعلوا ما أعطاهم الله من نعمة العقل ونعمة القلب ونعمة التمييز بين الحق والباطل

تاريخ الحديث: ١٩٨٢/٣/٢٦

”… هل تأملنا في حالنا، وفي حال الناس من حولنا، وقد إنشغلوا بما صنعوا ويصنعون، بما به ينشغلون. عاشوا في دائرة من صنعهم، ومن أفكارهم، ومن قيامهم، ولم يعيشوا في دائرة أعلاهم، في دائرة بارئهم، في دائرة ربهم، في قيم حقهم، وفي إنشغال بأمرهم في قادم وجودهم. إذا نظرنا حولنا لوجدنا الناس وقد تعودوا إذا رأوا أمرا فعلوا أمرا يقابله وإذا سمعوا قولا ردوا بقول يقابله. لماذا يفعلون مايفعلون، ولماذا يقولون مايقولون، ولماذا ربهم يعبدون، ولماذا الحياة يطلبون، لا يعرفون صم بكم عمي فهم لا يفقهون. وإذا قيل لهم إتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا، في دوام فاعلون، بظن دين، وبظن يقين، وبظن مصباح منير، وبظن طريق قويم. فأين هو الدين يا من تعلمون الدين؟ أين هو الدين في قلوبكم، وفي عقولكم، وفي نفوسكم، وفي فعلكم وعملكم، وفي إستقبالكم لقضاء الله بكم، وفي رضائكم بحياتكم؟ أين هم الناس؟ أين هو الإنسان؟ أين هو عبد الرحمن؟ أين هو المتستعيذ من الشيطان؟ أين هو طالب الإحسان؟ هل وجدتموه في قلوبكم، وفي حياتكم وسلوككم، وفي تفاعلكم مع ظاهر أمركم؟ فلننظر جميعا لنصحح مسارنا، ولنقوم أمرنا، ولندرك حقنا، حتي لا نكون كالذين قيل لهم إتبعوا ما أنزل الله، فالتفتوا عنه الي ظاهر آبائهم، الي ظاهر وجودهم، والي عاداتهم التي صنعوا، والي أمرهم الذي قدروا، ولم يلتفتوا الي تقدير العزيز الحكيم…”

تعليق:

حديث عن طبائع الناس في إتباعهم لما وجدوا عليه آباءهم ، ولما إعتادوا عليه، دون أن يفعلوا ماأعطاهم الله من نعمة العقل و نعمة القلب ونعمة التمييز بين الحق والباطل.

مفاهيم دالة :

٥٧ - المعرفة تبدأ من الإنسان لأنه لا يمكنه أن يتعرف علي الحق إن لم يكن قد رآه في داخله

تاريخ الحديث: ١٩٨٢/٥/٧

”… كثير من الناس يسألون كيف يكون الإنسان في الطريق.؟ كيف يكون الإنسان في الحياة؟ لا مانع من هذا التساؤل، ولكن لا يجب أن نضع صورة مسبقة في أذهاننا لما يجب أن نكون عليه. إنا لو اتجهنا صادقين الي الله لعرفنا ما سنكون عليه من واقع قيامنا، ومن واقع إحساسنا. إنه لأمر أساسي أن يعرف الإنسان الحق نابعا من وجوده، وأن يعرف ما يجب أن يكون عليه نابعا من سلوكه، وأن يعرف ما وصل إليه نابعا من وصوله، لا عن ظن ولا تخمين، ولكن عن واقع ويقين. إنا لنصحح طريقنا وجب علينا أن نصحح بدأنا، وأن نصحح نقطة انطلاقنا، وبداية مسيرتنا. إنك كإنسان أعطاك الله الكثير من النعم، وأعطاك ما به تحيا وما به تكون. فكنت ولم تك شيئا، وأحياك وكنت ميتا، ثم يميتك ليحييك، وليحي معني الحق فيك. إن قلبك ينبض، وإن عقلك يفكر، ويحرك هذا الجسد في كل اتجاه.، ها أنت قائم وواقع وموجود، كما أن بك سر الحياة في ظاهرها، وعندك سر الحياة في باطنها. وقد يسأل سائل، ولكني مع كل ما أعطاني الله لا أري ولا أعرف ما الحق وما الصواب. إن كنت لا تري ولا تعرف ما الحق وما الصواب فلن تستمع الي الحق والصواب من خارجك، لأنك لا تعرفهما في نفسك فكيف تستدل عليهما في الآخرين، كيف تميز بين الحق والباطل في قول الآخرين لك. إنك إن ميزته في قول الآخرين فقد عرفته، وإن كنت قد عرفته فلأنه فيك. فظن الإنسان أنه لا يعرف الحق ولا الصواب هو من ظلام نفسه. إن الحق والصواب هما فيما قدر الله في أسبابه وفي قانونه. إن إكبار قدرة الله وتقديرها هو في إكبارنا وتقديرنا لقانون الحياة (لا يغير ما بقوم حتي يغيروا ما بأنفسهم). فإذا تواجد الناس الذين يستطيعون أن يغيروا ما بأنفسهم غير الله ما بهم، وإذا تواجد الذين لا يستطيعون أن يغيروا ما بأنفسهم أبقاهم الله كما هم، والله من وراء الكل بإحاطته، أقرب الي الإنسان من حبل الوريد في كل ما يقوم به…”

تعليق:

هذا الحديث يركز علي إن المعرفة تبدأ من الإنسان ولا يستطيع الإنسان أن يسأل الآخرين أن يقولوا له ما هو الحق لأنه لا يمكن أن يتعرف عليه إن لم يكن قد رآه في داخله.

مفاهيم دالة :

٥٨ - تأمل في معني من معاني العبودية لله، وتأمل عن معني من معاني الصوم وكذلك عن معني أن يعكس الإنسان البصر إلي داخله

تاريخ الحديث: ١٩٨٢/٧/٢

“…نحن في شهر رمضان شهر الجهاد والمجاهدة، شهر الكسب وشهر النجاة، شهر المغفرة وشهر الحياة. ونحن في هذا الشهر في ظاهر زماننا من دورة حياتنا، هل تأملنا فيما يدور في عالمنا من أحداث، هل نظرنا وتأملنا في بيئة المسلمين وكيف هم قائمون، وعلي أي شيء ملتفون. لقد خلقنا جميعا بفطرة الحق لنكون عبادا لله خالصين، لوجهه قاصدين، عبادا للذي ليس كمثله شيء، عبادا للذي تعالي أن يوصف في أي شكل وفي أي صورة، خلقنا لنكون عبادا لله، لنعرف الحياة (ما خلقت الجن والإنسان إلا ليعبدون)، ما خلقتهم إلا ليعرفون، ما خلقتهم إلا ليدعون، خلقتهم ليكونوا دوما’ طالبين، ودوما وجه الله قاصدين، لا يلهيهم شيء عن ذكر الله، لا يلهيهم شيء أن يكونوا عبادا لله في دنيا أو في آخرة. إن دين الفطرة قد علمنا قيمة العبودية لله، علمنا أن يكون الإنسان عبدا لله قولا وعملا، هذا أمر جلل، فالعبودية لله ليست كلاما يقال، وإنما قياما يقام، يصدر عن فهم مستقيم وعن قول قويم. فلننظر جميعا الي أنفسنا صادقين، ونقوم حالنا لنري إن كنا عبادا لله خالصين، أم أن بنا من الشوائب الكثير من الدنيا وما فيها، ولآخرة في فهمنا عنها غير مستقيمين. إن هذا الشهر الذي نحن فيه قائمون يعطينا، فيما يرمز به لنا، ما يمكننا من أن نرجع الي ربنا، فنعيش لحظات بأرواحنا، ونعيش لحظات بمفاهيمنا، في دنيانا غير مفكرين، في ربنا طامعين أن يوفقنا لنعرف الصراط المستقيم والطريق القويم. إن الإنسان مهما كان ومهما سيكون فهو في دوام تجديد وفي دوام تغيير لا نهاية له. لينظر الي نفسه، والي قلبه، والي عقله، وليكون من الصادقين، لا يغير فقط ما بظاهر جسده وما يأتي من أفعال، ولكن ينظر الي قلبه والي عقله ويجابه داخله بما هو فيه، وفيما هو له أهل، طالبا عونا من الله، وقوة من رسول الله ليغير حاله، وليبدل قيامه (وفي أنفسكم أفلا تبصرون) (إنما لا تعمي الأبصار ولكن تعمي القلوب التي في الصدور). لا تكونوا من الذين لهم قلوب ولكن لا يفقهون بها، ولهم آذان ولكن لا يسمعون بها، ولهم عيون ولكن لا يبصرون بها. فالإنسان وإن اكتمل في ظاهره بجوارحه، فإنها جوارح لا قيمة لها إن لم تكن فيها حياة، قلب حي، وآذان حية، وعيون مبصرة بصدق. إن الإنسان أمره خطير وأمامه الكثير الذي يجب أن يغيره ليكون حقا إنسانا عبدا لله عرف طريقه وعرف قبلته…”

تعليق:

تناول هذا الحديث تأمل في معني من معاني العبودية لله، وتأمل عن معني من معاني الصوم وكذلك عن معني أن يعكس الإنسان البصر إلي داخله.

مفاهيم دالة :

٥٩ - الإنسان هو قيام حي يتفاعل مع الحياة، وتتفاعل معه الحياة، يتفاعل مع الوجود من حوله، ومع الأحداث الجارية في حياته الخاصة والعامة

تاريخ الحديث: ١٩٨٣/٣/١١

”… إن الإنسان هو قيام حي يتفاعل مع الحياة، وتتفاعل معه الحياة، يتفاعل مع الوجود من حوله، ومع الأحداث الجارية في حياته الخاصة والعامة. إن الإنسان حين يتأمل، وحين يتفكر ويتدبر، وحين يذكر بقلبه، وحين يتعبد بجوارحه، يجد ما هوغيب عليه ينتقل من دائرة غيبه الي دائرة شهادته. إن الإنسان بفكره، وبوجوده يمثل دائرة، داخلها ما هو مشهود له، وخارجها ما هو غيب عليه، كلما إتسعت دائرته أدخل غيبه في شهادته. من هنا كانت القضية أساسا هي في الإنسان، هي أن ينمي نفسه، أن ينمي عقله وقلبه وحسه، أن ينمي معاني الحق فيه، لتتسع دائرته وتحيط بما ليس له به علم الآن، ويظل كذلك في إتساع وإتساع الي ما لا نهاية. إن علي الإنسان أن يفرق بين حكمه علي نفسه، وحكمه علي الآخرين، فآداب دين الفطرة تعلمه أن يحكم علي الناس بالظاهر، لا لشيء إلا لأن هذا هو معني الإستقامة بالنسبة له، والظاهر هو ما يحيط هو به علما، الظاهر هو ما هو منه علي يقين حقا، الظاهر هو ما يعلمه ويشهده، ويراه بجوارحه، يراه بعينيه، ويسمعه بأذنيه، ويدركه بعقله مسببا بأسباب محيط هو بها، وليست أسبابا من خياله أو ظنه. من هنا حين نسمع الي الحديث الذي يقول ما معناه، إن رأيت رجلا يدخل المسجد فاشهد له بالإيمان، إن هذا مشهود لك بكل ما تحمل هذه الكلمة من معان، وبكل ما يحمل معني المسجد من معان. فإن أحطت علما، وأدركت حقا، وشهدت عملا وفعلا وسمعت قولا أن إنسانا لا يعرف من المسجد إلا ظاهره، ورأيت فعلا و سمعت قولا أن في حياته ما هو أسوأ، فلا يصح في هذه اللحظة أن تقول إني أطبق القول أنه يدخل المسجد فاشهد له بالإيمان. ولكن علي الجانب الآخر لا يجب أن تترك لفعلك ولنفسك العنان لتحكم علي أي إنسان، فإن لم تكن تعرف عنه إلا هذا، ففي حدود معرفتك، وفي حدود علمك، قد تحكم له بإلإيمان. فالحكم متناسب مع علمك ومعرفتك، وصحيح بالنسبة لعلمك. لا يهم أن يكون خطأ بالنسبة لما لاتعلم، لأنك لا تحكم إلا بما تعلم. فإذا نظرت الي نفسك، وأنت علي نفسك بصير، وأنت تعلم ما في داخلك، تعلم ما يجول به عقلك، وما تفكر فيه نفسك، وما يشعر به قلبك، علمت ما بنفسك وما بأعماقك، علمت بكل خلجة في قيامك، وجب أن يكون حكمك متناسبا مع هذا العلم. فوجب علي الإنسان ألا يجعل نفسه تقف حائلا بينه وبين الحق، بظن أن هذه إستقامة، يوم تقول له مالك و قلبك، وعقلك، إنك تقوم عابدا بجوارحك، ومنفذا لأوامر ربك، مقيما لصلاتك، حاجا لبيته، مكبرا لشعائره، أنت منفذ لما أمرت به، ترد المسجد، فأنت مؤمن، وأن تعلم علم اليقين أن في أعماقك من الظلام الكثير، وفي قيامك ما يبعدك تماما عن أن تكون مؤمنا حقا…

تعليق:

يتناول هذا الحديث قضية سلوكية في حكمنا علي أنفسنا وفي حكمنا علي الناس.أن نكون مستقيمين في فكرنا وفي إدراكنا وفيما لدينا من علم فلا نترك لأنفسنا العنان لنظن بالناس الظنون. إنما علينا أن نصدق فيما لدينا وأن نحكم بمانعلم وأن نتحرج في حكمنا طالما نحن لسنا في حاجة أن نحكم. ويكون الحكم علي أنفسنا هو لتقويمها بحيث نعرف أين نحن من من الحق بيننا، ومن الحق فينا، ومن الحق حولنا.

مفاهيم دالة :

٦٠ - اطمئنان النفس حقا هو حال في الله وليس في عدم خشية الله

تاريخ الحديث: ١٩٨٣/٧/١٥

”… إن الله وقد أمرنا أن نكون في دوام ذكر له، ذكر له في أنفسنا، ذكر له لأنه حياتنا، لأنه مرجعنا (يا أيتها النفس المطمئنة إرجعي الي ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي). كيف تكون النفس مطمئنة؟ كيف تكون النفس راضية مرضية؟ وكيف قبل كل شيء تكون في معني إرجعي الي ربك؟ كيف ترجع النفس الي ربها.؟ وأي نفس هذه التي ترجع؟ إنها النفس المطمئنة، إن إطمئنان النفس حقا هو حال في الله، إن الإطمئنان حقا ليس في عدم الخشية، فمثالية الحق لنا تقول (أنا أقربكم من الله وأخوفكم منه)(لا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون). هل النفس المطمئنة هي التي ضمنت كل شيء، هل النفس المطمئنة هي التي أدركت كل شيء ؟ إن النفس المطمئنة في واقع الأمر هي النفس التي عرفت الله ربا، عرفت معني العبودية لله، عرفت كيف يكون الإنسان عبدا خالصا لله، فأصبح كل رجائها، وكل طلبها، وكل عملها، ذكرا لله، فلم تري لها وجودا مع وجود الله. هي النفس التي أصبحت وأعدت قيامها للرحيل، للإنطلاق، للخروج من هذه الذات، فإستحقت بذلك أن تخاطب من الحق بأن إرجعي الي ربك راضية مرضية، راضية عن كل لحظة صدق مع الله، وجدت ما عملت حاضرا في الله، وجدت ما إحتسبت قائما عند الله . وتأملت في وجودها، وعرفت أنها بصدقها وبرباطها مجاهدة في سبيل الله بدل الله كل ما قدمت من سيئات الي حسنات في الله، فبهذا تكون مرضية، فقد رضاها الله، فأمرها الحق أن تدخل في عباده، الذين سبقوها الي هذا المعني، وقاموا في هذا الحال، إخوان علي سرر متقابلين يسقيهم ربهم شرابا طهورا. إن دين الفطرة وهو يعلمنا طريق الحياة، يعلمنا كيف تكون نفوسنا مطمئنة، ليقع القول علينا، فنكون أهلا لخطاب الحق، أن نرجع الي ربنا، وحين نرجع الي ربنا ويكشف لنا ما تقدم من أمرنا فنرضي…”

تعليق:

كان هذا الحديث عن النفس المطمئنة وكيف إنها قيام متكامل وليس مجرد حال يقوم فيه الإنسان.

مفاهيم دالة :

٦١ - أمل الإنسان في الحياة أن يكون عبدا من عباد الله، أن يكون بيتا يذكر فيه اسم الله، أن يكون رجلا في الله، أن يكون قلبا عامرا بالحياة

تاريخ الحديث: ١٩٨٣/٩/٢٣

”… إن أمل الإنسان في الحياة أن يكون عبدا من عباد الله، أن يكون بيتا يذكر فيه إسم الله، أن يكون رجلا في الله، أن يكون قلبا عامرا بالحياة، وضميرا يقظا لكل ما يحيط به في قيامه علي هذا الأرض. إن الجهاد في طريق الله هو أن يجاهد الإنسان ليكون كذلك، ومن فضل الله علي الإنسان أن يعرفه مثلا أعلي، ويكشف له هذا المعني، بما أوجد الله من طاقة في الإنسان لأن يعرف ويتفقه، بما جعل الله في الإنسان من قدرة علي الإيمان بالغيب، من قدرة أن يدرك الإنسان أن هناك أعلي وأعلي، وأن يطلب الإنسان هذا الأعلي. إنا حين نتكلم عن عباد الله الصالحين فنحن نتكلم عن أمل نرجوه ونطلبه وندعوه، أدركناه بعقولنا، فوجب علينا أن نجاهد لنقومه حقا في معاملاتنا وفي سلوكنا. إن دين الفطرة قد جعل لنا في مناسكنا وشعائرنا حديثا دائما يوجهنا، وذكرا دائما ينبهنا، جعل لنا في عباداتنا ما إن تأملنا في عبادتنا يساعدنا علي إدراك حقائق الحياة، وصلاة الجماعة كعبادة توضح لنا فضل الجماعة، وأن الإنسان يرقي في الجماعة، فجعل لنا يوما من أيامنا نجتمع فيه علي صلاة، نجتمع فيه علي صلة في الله، نجتمع فيه علي طلب ورجاء في الله، نتعرض فيها لنفحات الله فيطهرنا، وينقينا من شوائب نفوسنا، ومن ظلام ذواتنا، ومن عثرات حياتنا، نتعلم فيها كيف يكون جمعنا في الله، وكيف يكون طريقنا في الله، وكيف تكون حياتنا لله. إن الإنسان ليس فقط ذاتا، ليس لسانا أو يدا، إنما هو أيضا قلب خاشع، وجوهرحق، يدعو للحق بالحق. إن هذا نتعلمه في دوام من الحياة حولنا، فنري في لحظات اليد عاجزة، واللسان غير قادر أن يفعل شيء، لنتعلم أن هناك ما هو أكبر، وهو أن يجأر الإنسان بقلبه الي الله، أن يدعو الله، أن يطلب الله، أن يسأل الله. فاسأل الله غيبا كما تسأله شهادة، واستقم في شهادتك، واستقم في غيبك، فإن الظاهر لا يغني عن الباطن شيئا، والباطن لا يغني عن الظاهر شيئا. فإذا نظرنا حولنا ووجدنا النفوس في ظلامها وقد كبرت، وشياطين الإنس والجن وقد تمكنت، وبلغت الأرض زخرفها وازينت، واعتزالناس بقوتهم، فدمروا إخوانهم، وتناحروا بينهم علي أمر دنياهم، فهدموا بيتوهم بأيديهم، وازهقوا أرواحا بريئة طاهرة بأسلحتهم، وهم في غفلة عن معني الحق والحياة، أصناما مادية أقاموها وعبدوها، وقوة مادية قدسوها، إعزازا بمادي قيامهم، وبمعني شيطانهم. علاما يتحاربون، علاما يختلفون، شياطين في شياطين، يحركون الناس من معني الظلام فيهم، لأنهم الظلام الأكبر، شياطين تمكنت، وفي دماء الناس سرت، فأهلكت معاني للحياة، وكانت بذلك أداة سوء، وأداة للشر والظلام. فهل يفقهون، والي ربهم يرجعون، ومعني الشياطين فيهم يقتلون، ولقول الحق يستجيبون، فتهدأ نفوسهم، وتستقر أحوالهم…”

تعليق:

احتوي هذا الحديث علي كثير من المفاهيم… هدف الإنسان، الجهاد كوسيلة لتحقيق هذا الهدف، التعرف علي مثل أعلي، المناسك والعبادات وماتحمله من رسائل، معني الجماعة، عمل القلب، الإستقامة في الغيب، والإستقامة في الشهادة، بعد معظم الناس عن هذه الحقائق والتناحر علي الدنيا.

مفاهيم دالة :

٦٢ - أنماط مختلفة من سلوك البشر توضح تعرض الإنسان للتغير من اليقظة إلي الغفلة أو من الغفلة إلي اليقظة في القديم والحاضر

تاريخ الحديث: ١٩٨٣/١٢/٣٠

”… إن الإنسان حين يتأمل في تاريخ الإنسانية، ويتأمل في حاضرها، يجد أن أمامه الكثير الذي يريد أن يعرفه. يجد أن أمامه صورا متعددة، من أناس إنفعلوا بالحق، فوضعوا كل ما يملكون من أجل أن يكونوا أداة خير، وضعوا رؤوسهم علي أكفهم، وانطلقوا في طريق الحق والحياة. فمنهم من كسب الشهادة، ، ومنهم من بقي علي هذه الأرض يتعرض لكل ما عليها من أحوال. فمنهم من ظل علي حاله في طريق الحق، ومنهم من إستسلم للدنيا وما فيها، ومنهم من إجتنب كل شيء، فما سعي في طريق الحق، وما ناصر ظلاما. نري هؤلاء، ونتساءل بيننا وبين أنفسنا أين نحن منهم. فها نحن اليوم في حال، ولا ندري ما سنكون عليه غدا. ونري في حاضرنا أناسا آخرين، عن كل معاني الحق بعيدين، وقيما مادية وإنسانية متخذين، وللغيب رافضين، ولإمتداد الحياة منكرين. يعيشون لحظتهم، ويعيشون دنياهم، بقيم من صنعهم. قد يكونون أفضل، من الذين ينتسبون الي الغيب بقولهم وألسنتهم، ولكنهم نسوا أنهم للحق مخلوقون ولإمتداد في الحياة موجودون. فأين هم من الحياة، وهم في ظاهرأمرهم أفضل، من الذين ينتسبون بألسنتهم الي دين. إن الإنسان الذي له عقل سليم، ويتجه الي الحق بيقين، ويسأل الله من واقع فطرته، في كل أمر، وفي كل حين، لا يمكن أن يغفل عن قوانين الحياة، وعن معني الإنسان في الحياة. إن كل ذي عقل سليم، لن يري الدنيا نهاية كل أمر، إنما يراها بداية لحياة. فإن كان لم يدرك ذلك في كرته الراهنة، وكان يحمل في داخل نفسه، طاقة حق وحياة، وصدق في الله، ربما دون أن يدري، يكون مصيره إدراك هذه الحقيقة، إن كان حقا مقدرا لقيم إنسانية تكبر من قدرالإنسان. من الناس من يدعون إنهم أصحاب معنويات لكنهم لايقدرون خلق الله، بعقولهم لا يفكرون، وبأيديهم لا يعملون، وبقلوبهم لا يذكرون، وبآذانهم لا يسمعون. أأصحاب المعنويات، هم الجالسون دون عمل لجوارحهم الظاهر منها والباطن، أي معنويات هذه التي عنها يتحدث البعض. هل تأملنا وتفكرنا وتدبرنا، الحق فينا أكبرنا، والنور فينا اظهرنا، بعيوننا تأملنا، وبآذاننا سمعنا، وبأيدينا فعلنا، وبقلوبنا ذكرنا، وبعقولنا تأملنا، طريق الله إتخذنا، وطريق الحق سلكنا، ومع الله تعاملنا، وله أكبرنا. إن الدين لواقع، إن الدين لقائم، إن الدين فيما أنت فيه قائم، لو أحسنت كسبته، ولو أسأت خسرته. إن الدين لا ينتظر، كما أن الحق لا ينتظر، إن معاني الحق مع الإنسان في دوام، في كل لحظة يعيشها، في كل شيء يراه ويسمعه، في كل عمل يقدمه، في كل خطوة يخطوها، في كل لحظة يعيشها. إملأوا قلوبكم بالإيمان، وعقولكم بالعلم والمعرفة، وتسلحوا بالتعامل مع الله، وخوضوا الحياة، وجاهدوا في الله، واسألوه كثيرا، وادعوه بكرة وأصيلا، أدعوه في كل لحظة، وفي كل نبضة من نبضات قلوبكم، سبحوا بإسمه الأعلي، الذي خلق فسوي، والذي قدر فهدي. إقرأوا كتبكم، وتأملوا في سيرالسابقين والحاضرين، تأملوا في كل مذهب، وفي كل عمل، وخذوا منه ما يعينكم، وما يقوي عزائمكم، وما ينير بصائركم، وما يحيي قلوبكم، ويفقه عقولكم، وينير وجودكم، ويطهر أرواحكم.

تعليق:

هذا الحديث يوضح أنماطا مختلفة من سلوك البشر في القديم والحاضر. ويركز علي تعرض الإنسان للتغير من اليقظة إلي الغفلة أو العكس. ولذلك يجب أن ينتبه الإنسان لسلوكه وأن يخشي الله في كل معاملاته.

مفاهيم دالة :

٦٣ - التماثل بين ما نمارسه في حياتنا الأرضية من تطبيق العلم الدنيوي لاستغلال ما وهبنا الله وتطبيق العلم الروحي علي ما نمر به من أحداث

تاريخ الحديث: ١٩٨٤/١/٢٧

” … إن الله قد وهبنا في أنفسنا فطرة الحياة، ورزقنا فيما حولنا أسبابا لبقائنا علي هذه الأرض، كما رزقنا في داخلنا قوة نستطيع بها أن ندبر أمرنا، وندبر حالنا، ونطوع ما وهب لنا، لخيرنا ولكسبنا، وضرب لنا مثلا في أحداث الكون وظواهر الطبيعة حولنا، أنزل من السماء ماءا فأحيا به الأرض بعد موتها، كما وهبنا مصادر الحياة، ووهبنا علما وحكمة، فتعلمنا كيف نحيي أرضنا، لنجعلها تخرج لنا من الطيبات ما يحي أجسادنا. فإذا لم نعمل ما أعطي الله لنا في قيامنا من علم، مع توافر مصادر الحياة حولنا، لم ننتج ولن تنتج من هذه المصادر شيئا يفيدنا، وإن لم تتوافر مصادر الحياة لنا ما صنعنا شيئا بعلمنا. فإذا نظر كل إنسان الي أحواله الفردية، وما يتعرض له من أحداث علي أنها مصادر حياة و عرف كيف يتعامل معها بمعرفة لإستطاع أن يحول ما يتعرض له الي طاقة تحيه روحيا. فلا يجب أن نقف بجهلنا ونقول لا فائدة من أي أمر نتعرض له. فإن لم نعرف الفائدة، فلنطلب علما، ولنطلب معلما يعلمنا كيف نخرج كنوز الحياة مما بين أيدينا، كيف نخرج نور الحياة من هذه الظلمات التي نمر بها، كيف نحول هذه الأمور التي نعيشها ليل نهار لتكون قوة تدفعنا في طريق الحق، وفي طريق الحياة. إن الله قد وهب لنا الدعاء، وأمرنا بالرجاء، الذين يرجون لقاء ربهم، الذين يذكرون ربهم قياما وقعودا وعلي جنوبهم، الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه، الذين لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله، الذين يسمعون منادي الإيمان فيلبوا نداءه، الذين يسمعون مؤذن الحج فيهرولون ملبين، الذين يطلبون العلم، الذين يسألون خبيرا، إن الله ما ترك في الكتاب من شيء إلا وأجابه، إن قلت لا أعلم، فابحث عن العلم في أي مكان وفي أي زمان، إن قلت لا أجد في ظاهر أسبابي، وفي ظاهر حياتي، من يعلمني حقا، فادع الله أن يعلمك، وأن يرسل لك من يعلمك، وقد تعلمنا في ديننا أن الإنسان ليس مادة فقط، إنما عنده قوة غيبية، ومشروع له أن يسأل غيبا، الذين يؤمنون بالغيب. تكامل في وجودك، بين أسباب الحياة بظاهرها، وبين غيبها وتجريدها، فلا تترك أمرا إلا وأعملت فيه كل ما أعطاك الله من قدرة ظاهرية، وفي نفس الوقت أدع الله دوما في قيامك الحقي، أدعوه غيبا، وادعوه شهادة، لتكون بذلك قد عرفت كيف تدعو للحضرتين بالحضرتين. إن من أوتي الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا، حكمة الحياة وعلم الحياة.

تعليق:

الفكرة الأساسية التي يدور حوله ا هذا الحديث هي التماثل بين ما نمارسه في حياتنا الأرضية من تطبيق العلم الدنيوي لاستغلال ما وهبنا الله من المصادر الطبيعية، وتطبيق العلم الروحي علي ما نمر به من أحداث سواء كان ظاهرها عطاء أو منع للاستفادة منها لنحيا روحيا. وطلب العلم في صورتيه هو سنة من سنن الحياة.

مفاهيم دالة :

٦٤ - العبودية لله هي حال وقيام يصل له الإنسان نتيجة لبحثه عن الحقيقة

تاريخ الحديث: ١٩٨٤/٤/٦

”… إنا في كل لحظة نعيشها يمكن أن نجعلها ذكرا لله، وهذا في واقع الأمر معني العبودية لله، العبودية الحقة التي علمنا إياها دين الفطرة، ودين الحياة. فالعبودية لله قيام وسلوك ومعاملة، العبودية لله منهج في الحياة. فإذا كان الناس يقولون كلنا عباد لله، فهذا معناه شيء والعبودية الحقة لله شيء آخر، إن الناس يفكرون في العبودية، علي أساس من علاقة يشهدونها في الإنسانية، علي صورة يعرفوها في ظاهر أمرهم من سيد وعبد. ولكن العبودية الحقة تنبع من الإنسان، الإنسان الطالب، الإنسان الراغب، الإنسان الذي فكر وتأمل وتدبر، فنظر في السموات والأرض، نظر في كل شيء فلم يجد معني يستقيم فيه إلا العبودية لله. وها نحن نتأمل في قصص الأنبياء، في حيرتهم، في بحثهم عن معني الربوبية لهم. فنري ونسمع إبراهيم عليه السلام، وهو ينظر في كل شيء، فيجد أعلا فيقول هذا ربي، فإذا وجد إحساسه به موقوت، ينتهي ويأفل ولا يراه، فيعرف أن هذا ليس مقصوده، ولا وجهته، ولا ربوبيته، فلا يجد ملاذا إلا في معني العبودية لله، الذي هو معه أينما كان، والذي هو أقرب إليه من حبل الوريد، والذي هو يعلم السر وأخفي، والذي لا يستطيع أن يراه في خارجه، يلحق الأبصار، ولا تلحقه الأبصار، وهو اللطيف الخبير. إن هذا يوضح لنا في سلوكنا قضية هامة، قضية فطرة الإنسان التي توجهه، يوم يصدق معها، فينظر الي داخله، وينظر الي ما يحيط به، فيري أمرا يكرس له حياته، ويظن أنه الهدف، وأنه المراد، فحين يختفي هذا الأمر ويأفل، سوف يبحث عن أمر آخر، فيجد أمرا آخر، فيحدث كما حدث للسابق عليه، فيبحث عن أمر ثالث، إلي أن يدرك أن لا مقصود ولا هدف إلا وجه الله، وأن لا رجاء إلا في الله، وأن لا أمل إلا في طريق الله. إن هذا الأمر يتكرر في دوام علي الأرض، ففي قديم عبد الناس الشمس والقمر والنجوم، وظنوا أنهم بعبادتهم لها يتقربون الي معاني الحق والحياة، وعبد آخرون دواب من دواب الأرض، بظنهم أنهم بفعلهم هذا الي الله يتقربون، وعبد آخرون آلهة من صنعهم، ومن مسمياتهم، معتقدين إنهم بذلك يتقربوا إلي الله زلفي، وقام آخرون بإتخاذ آلهة من الطبيعة، فهذا إله الريح، وهذا إله الحصاد، وهذا إله النار، وظنوا أنهم بهذا الي الحق يتقربون. فإذا نظرنا الي كيف يخرج الإنسان من هذه الجاهلية، من هذا الظلام، كيف يخرج الي النور، لا يكون هذا بظاهر خروج مما يفعل الناس، ومما يظنوا أنهم له يعبدون، إنما بإدراك مستقيم للسلوك القويم، ولمعني الإنسان ولقائم الإنسان. إن القضية في الإنسان الذي يتأمل ويفكر ويتدبر، فيعرف أن هناك غيبا لايستطيع أن يراه، هو الله، هو المعبود، هو المقصود. ليس هناك فعلا أي كيان مقدس في حد ذاته، إنما تقديسه لأنه يقرب الإنسان من الله، يقرب الإنسان من الحقيقة (لا يتخذ بعضكم بعضا أربابا من دون الله)لا يتخذ بعضكم حالا أيا كان هذا الحال مقصودا وهدفا من دون الله، لا يتخذ إنسان إنسانا أيا كان أملا ومقصودا من دون الله. إن المثل الأعلي الذي يجب أن تتخذه هو إنسان في الله، وليس من دون الله، إن لكم في رسول الله أسوة حسنة، لأنها أسوة في الله وقدوة في الله…”

تعليق:

في معني العبودية لله كان هذا الحديث، وأنها حال وقيام يصل له الإنسان نتيجة لبحثه عن الحقيقة، فيجد أنه قاصر عن أن يحدد الله في صورة يستطيع أن يراها بذاته فيؤمن به كغيب. ويري إن علاقته بالله تكون من خلال مثل أعلي يتخذه ليدله علي الطريق القويم ليكسب الحياة.

مفاهيم دالة :

٦٥ - المراحل المختلفة التي يمر بها سالك الطريق وأهمية التواجد في جماعة تتواصي بالحق وتتواصي بالصبر

تاريخ الحديث: ١٩٨٤/٨/٣

”… إن دين الفطرة أمرنا بأمور، لو تمسكنا بها حقا لتغير حالنا، ولحييت قلوبنا، ولأنارت عقولنا، ولكشف لنا ما غم علينا. إن دين الفطرة أمرنا أن نجاهد أنفسنا، لا مجاهدة لإستئصالها، وإنما لإصلاحها لما ينجيها. إن دين الفطرة وقد أمرنا، أن نقوم بعبادات نكون فيها ذاكرين معني الحق ومعني الحياة، تكون هذه العبادات وسيلة لإكبار معانينا، ووسيلة لوصلة بين الحق فينا والحق علينا. إن دين الفطرة قد جعل لنا إنسانا نقتدي به في سلوكنا، يشرح لنا ديننا، ويوضح لنا طريقنا، ويظهر لنا معني الإنسان في كماله، ومعني الإنسان في جماله، ومعني الإنسان في كبريائه وعظمته، ومعني الإنسان في رحمته(محمد رسول الله والذين معه أشداء علي الكفار رحماء بينهم)،(إخفض لهم جناح الذل من الرحمة)،(لو كنت فظا غليظ القلب لإنفضوا من حولك)،(لا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا)،(واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه). إن قضية الإنسان هي قضية الحياة، إن الإنسان في مرحلة من حياته، لا يستطيع أن يميز كلية بين الخير والشر، وإن كان يستطيع أن يميز في أمور كثيرة، إلا أنه يقف في أمور أخري حائرا، لا يعرف أين الطريق، وكيف السبيل، فيبدأ مرحلة يكون المفهوم عنده أن يطيع، إذا أمر نفذ، وأذا بلغ بشيء قام به بظاهر جوارحه. يتبع ذلك مرحلة التأمل والتعلم ليتضح له فيها إن هذه الطاعة الظاهرة ليست نهاية المطاف، وإنما هي بداية نموه في طريق الحق والحياة، بداية نضجه ليكون إنسانا حقا، بداية كماله ليكون إنسانا صالحا. فإذا توقف الإنسان عند مرحلة الطاعة الظاهرة، لم يكن له منها إلا حركات وحركات. أما إذا دخل مرحلة التأمل والتعلم، فتكون هذه بداية طريق يسير به إلي مفهوم في الله أكبر وإلي قيام في الله أعظم. فإذا دخل في مرحلة أخري شعر فيها بقدرة أكبر علي الإدراك والفهم، وبدأ لا ينفذ إلا ما يعقل، ولا يقوم في شيء إلا ما يجد فيه إشارة تقربه من معني الحق والحياة، دخل في مرحلة كل شيء فيها قابل للتفكروالتدبر، ويكون الفهم في هذه المرحلة أنها أيضا ليست نهاية المطاف، فعقلك في هذه المرحلة لا يعني أنه قد صفا، وأنه قد نقا، ولا يعني إحساسك بالأمور في قلبك، أن قلبك قد صفا، وأنه حقا قد حيا. ولكن هذا الإدراك هو المتاح لك في هذه المرحلة وهو إنك لا تستطيع ألا تعقل شيئا ثم تقوم فيه، فأنت في مرحلة عرفت فيها نفسك ووجودك، وعرفت فيها عقلك وقلبك، وأصبح كل شيء يمر من خلال ما تعقل، ومن خلال ما تشعر، وفي هذه المرحلة، إذا شعر الإنسان أن هذا هو نهاية المطاف، فإنه بذلك يقع مرة أخري ويتجمدعلي ما هو قائم فيه. أما إذا كان متقبلا مفتقرا، طالبا راجيا داعيا، فسوف يتغير به الحال ويدخل في مرحلة أخري، من الشعور بالإندماج في قوانين الحياة، فينمو عقله مع نمو الحياة، وتتجدد خلاياه الحقية كل يوم بجديد، لا يري إلا الحق، ولا يطلب إلا الحق، يكون في هذه المرحلة قادرا أن يستوعب ممن حوله، فيكون قائما حقا في إدراك بعقله وقلبه وفي إستقبال بحواسه لتغيير هذا العقل وهذا القلب في نمو دائم في الله. وفي هذه المرحلة يكون قد حقق لوجوده الكثير فأصبح التغيير منه فيه، وأصبح خلاقا لوجوده، يغير نفسه بنفسه، ويغير عقله بعقله، ويغير قلبه بقلبه، في نمو دائم في الله. عرف سر الخلق في خلقه، وعرف سر الحق في حقه، وعرف سر العقل في عقله، وعرف سر القلب في قلبه، وعرف سر الوجود في وجوده، وعرف سر النفس في نفسه، وعرف سر الروح في روحه، وعرف أنه في دوام طلب لله، ولمقصود وجه الله. يرجو لقاء الله، ويطلب أن يكون في دوام عبدا لله، ينتقل من حال الي حال، في معراج دائم في الله، عرفها وقامها وشعر بها في وجوده وقيامه. ومن هنا كانت هناك ضرورة لأن تتواجد الجماعة في هذه المراحل المختلفة، حتي يتكامل أفرادها ويصحح بعضهم بعضا، ويقوم بعضهم بعضا.

تعليق:

هذا الحديث يقدم تأمل في المراحل المختلفة التي يمر بها سالك الطريق وأهمية التواجد في جماعة تتواصي بالحق وتتواصي بالصبر بينها.

مفاهيم دالة :

٦٦ - نجادل بعضنا بعضا بالتي هي أحسن، والأحسن هو وضوح الرؤية المفهوم، ونقاء السريرة، وصفاء القلب، وطهارة النفس، واستقامة العقل، في الغيب والشهادة، مع عدم الخلط بينهم

تاريخ الحديث: ١٩٨٤/١١/١٦

”… إن تأملنا في ديننا، في دين الفطرة لنا، يوجب علينا أن نكون متقبلين مستمعين مبصرين لمعاني الحياة حولنا، ولمعاني الحق بنا ولنا، لنقوم حقا في معني الإسلام، ولنكون حقا في معني الإيمان، ولنصل حقا الي معني الإحسان. لا نجادل بعضنا بعضا إلا بالتي هي أحسن، وما هو أحسن هو وضوح الرؤية، ووضوح المفهوم، ونقاء السريرة، وصفاء القلب، وطهارة النفس، وإستقامة العقل (لا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن). إن ما هو أحسن لا يأتي من فراغ، وإنما يأتي من الإنسان المستقيم. وهذا ليس بالأمر اليسير، وإنما يحتاج منا الي جهاد، يحتاج منا الي ذكر دائم، ودعاء دائم لنحيي قلوبنا، ولنطهر ونزكي نفوسنا، ولنقوم عقولنا. لقد أوجد الله في الإنسان مضغة لو صلحت لصلح البدن كله، وأوجد الله في الإنسان فطرة الحياة وبذرة الحياة التي إن نمت في داخل الإنسان لغيرت حاله ولقومت أمره، فالتقويم لا يكون من خارج الإنسان، وإنما يكون من داخله، يكون من طلبه، ومن رغبته، ومن أمله، ورجائه. إن الطريق في الله لا نهاية له وسلوك الإنسان فيه لا نهاية له. وهناك علامات علي الطريق ترشد الإنسان الي الإتجاه السليم حتي لا يخرج عن الطريق، من هذه العلامات وضوح الرؤية لدي الإنسان، ونقاء النفس، وطهارة القلب، فإذا نظر الي أمر عرف ما له وما عليه، عرف ما يدركه وما لا يدركه، عرف ما يخوض فيه وما يتوقف عنده، ينظر فيري الأمور واضحة جلية حتي في إختفائها وغيبها عنه، يعرف أنها غيبا عليه فلا يخلط بين غيبه وشهادته. أما نقاء النفس فهو أن ينظر الي نفسه والي إنفعالاتها، الي حركتها وسكونها، الي ما تحب وما تكره فيراها، يري ما فيها وقد صفت، فإذا نظر إليها رأي رواسبها، رأي ظلامها، وقد ترسب في القاع، فينظر الي أفعاله ومعاملاته ويعرف مصدر هذا الظلام، فيغوص في أعماق نفسه وينتشل رواسبها، ويخرجها الي السطح ويلقيها خارجا، ولا يلقيها كما هي، وإنما يعالجها حتي لا تؤذي أحدا، ولا تضر بأحد، فإذا اتجه الي قلبه بعد ذلك فلن يجد ما يحول بينه وبين قلبه، فالطريق الي قلبه ميسر ممهد، يدخل إليه من باب الحق والحقيقة، فيراه براقا، لا يختزن من البغض والضغينة والحقد والكراهية شيئا، كل شيء ينعكس عليه ويرتد عنه، فلا يبقي في قلبه إلا النور والحب والحياة. علامات علي الطريق لمن أراد الطريق، ولمن طلب الطريق، تسلمه من مكان الي مكان، ومن حال الي حال، ومن قيام الي قيام. فإذا نظر الإنسان ووجد أنه يختلط عليه كل أمر، وإذا نظرالي نفسه لم يعرف ما فيها من نور أو ظلام، وإذا نظر الي قلبه، ووجده مملوءا بالظلام، فعليه أن يدرك أنه في حاجة الي جهاد كبير، ليكون حقا في طريقه في الله. هذا الدين القيم يجب أن نوغل فيه برفق، وأن نتأمل فيه صادقين طالبين مفتقرين، إذا تحدثنا ننتظر تصويبا، وإذا عملنا أو فعلنا ننتظر تصحيحا، ننتظر في كل لحظة إشارة وعلامة توجهنا وترشدنا وتثبتنا، فما من فهم إلا وهناك ما هو أكمل منه، وما من حال إلا وهناك ما هو أقوم منه، وديننا يوضح لنا هذا، ويعلمنا هذا في قول المثل الأعلي لنا (أنا أقربكم من الله وأخوفكم منه)(ها أنا رسول الله بينكم ولا أدري ما يفعل بي غدا). كلمات لرسول الحق والحياة، يعلمنا معني الإستقامة في الله، ويدعو (اللهم إحيني مسكينا وأمتني مسكينا واحشرني في زمرة المساكين). ليس المقصود هنا ظاهر الأمر من الحياة فقط، وإنما المقصود هو إحساس الإنسان بإنه مسكين في الله، مفتقر إلي الله (يا أيها الناس أنتم الفقراء الي الله والله هو الغني الحميد) وليس مثل فرعون في قوله “أنا ربكم الأعلي أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي…” .

تعليق:

لا نجادل بعضنا بعضا إلا بالتي هي أحسن، وما هو أحسن هو وضوح الرؤية، ووضوح المفهوم، ونقاء السريرة، وصفاء القلب، وطهارة النفس، وإستقامة العقل، في الغيب والشهادة، مع عدم الخلط بينهما. وهذا هو الدين القيم الذي يجب أن نوغل فيه برفق. إذا تحدثنا ننتظر تصويبا، وإذا عملنا أو فعلنا ننتظر تصحيحا، ننتظر في كل لحظة إشارة وعلامة توجهنا وترشدنا وتثبتنا، فما من فهم إلا وهناك ما هو أكمل منه، وما من حال إلا وهناك ما هو أقوم منه.

مفاهيم دالة :

٦٧ - رسول الله يصبر نفسه مع هؤلاء الذين رضوا بالله ربا، ورضوا بالآخرة مقاما ومستقرا

تاريخ الحديث: ١٩٨٥/٢/٨

”… إن التوجه بالدعاء، والتمسك بالذكر، في كل حال، وفي كل قيام، أمرلا يقدرعليه إلامن شعر بحلاوة الإيمان، وقام في أعماقه داعي الحق يخاطبه ويوجهه الي معاني الحياة. وها هو الحق يخاطب رسوله بأن يصبر نفسه مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه، وأن يصبر نفسه مع هؤلاء الذين رضوا بالله ربا، والذين رضوا بالآخرة مقاما ومستقرا، الذين عرفوا حياتهم ممتدة، وعرفوا وجودهم باقيا، أن يصبر نفسه مع هؤلاء الذين يرجون لقاء ربهم. هؤلاء موجودون في كل عصر، وفي كل مكان، ينظرون الي الحياة حولهم، وينظرون الي قلوبهم، فيجدوا داعي الإيمان، فيقولوا(إنا سمعنا مناديا ينادي للإيمان أن آمنوا بربكم فآمنا) سمعنا مناديا في خارجنا وداخلنا، في ظاهرنا وباطننا، سمعناه بين جوانحنا، وسمعناه في الحياة حولنا، يعلمنا ويرشدنا ولما يحيينا يوجهنا، أبواب الحياة يفتح لنا، فيكشف لنا ما غم علينا، ويوضح لنا ما فيه إختلفنا، فنجده واضحا جليا ظاهرا. فهل أردت يا إنسان أن تكون من هؤلاء الرجال؟ هل أملك في الحياة أن تكون رجلا في الله؟ أم أن أملك يتجه بك لتكون ذا جاه وسلطان؟ ما هو هدفك ومقصودك؟ ما هو طلبك ومعبودك؟ في أي قيام تفني وجودك؟ أتفنيه في مادة زائلة؟ أم تفنيه في حياة باقية؟ إنك بوجودك طاقة متحركة تسعي علي هذه الأرض. إن أي عمل تعمله، وأي قول تقوله، وأي إحساس تعيشه، يستهلك جزءا من طاقتك، ليبقي وجودا آخر. فهل تتحول الي حجارة أو حديد (كونوا حجارة أو حديدا أو خلقا مما يكبر في صدوركم). أما إذا عبدت الله، فكان هو مقصودك، وكان هو هدفك، وكان هو حياتك، تفني أنت بقيامك لتبقي في أعلي، ولتبقي بالأعلي. إن هذا لا يعني أبدا أن يترك الإنسان عمله في الدنيا، إنما أن يكون علمه وسيلة، وليس غاية، يكون وسيلة لذكر الله، يكون وسيلة لكسب في الله، يكون وسيلة لإرتقاء في الله. فقضيتنا في دوام أن نجاهد أنفسنا لنكون في عبودية لله خالصة. وكلما قمنا في ذلك وجدنا أن هناك أكبر، ووجدنا أن هناك عبودية لله أعظم وأكمل، فما توقفنا أبدا عن الذكر والدعاء. إنا نجتمع معا لنصلح أنفسنا في طريق الله، لنصلح وجودنا في طريق الحياة، إنا نجتمع معا وأملنا أن يكون كل فرد منا عبدا حقا لله، وإنسانا حقا في الله، لا ننشغل بخارجنا عن داخلنا، ولا ننشغل بعلم من خارجنا عن أن ننمي علمنا في داخلنا. إن الطريق لا يريدنا أجهزة لتسجيل أقوال، وإنما يريدنا مصادر حياة، ونقاط بدء، كل منا يكون نواة صالحة، لأسرة صالحة ،لمجتمع صالح. إن ما نتلقاه عن طريق خارجنا، إنما هو أمور تساعدنا، ولكن علينا أن نتأمل ونتدبر ونسأل عقولنا في كل لحظة كيف يكون ذلك؟ ولماذا يكون ذلك؟ وأين قيامي من ذلك؟ إنا لا نريد تعاليم جوفاء نتبعها دون وعي أو فهم، وإنما نريد رجالا علي ثقة مما هم فيه قائمون، عندهم الحجة، ولديهم القوة، قلوب حية، وعقول منيرة، ونفوس صافية لا تحول بين المرء وقلبه. جاء لنا ديننا بذلك، وجاءت جميع الأديان بذلك، فانشغل الناس بالقشور، وغفلوا عن جوهر الأمور، غفلوا عن المقصود والمرجو من قيامهم الي شكل وحرف، غفلوا عن أن الأشكال والحروف وراءها الكثير الذي يجب عليهم أن يدركوه، وأن يعووه، ويقوموه، فاختلف الناس علي أشكال وألوان، كل يريد شكله، وكل يريد لونه، ونسوا المقصود والمطلوب، نسوا التوجيه الإلهي أن تعالوا الي كلمة سواء بيننا وبينكم والا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا…”

تعليق:

تناول هذا الحديث مفاهيم كثيرة: “إصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه”، دوام تواجد “داعي الإيمان” من داخل الإنسان وخارجه، في أي قيام يفني الإنسان وجوده، “كونوا حجارة أو حديدا أو خلقا مما يكبر في صدوركم”، علمنا في داخلنا، إن الطريق لا يريدنا أجهزة لتسجيل أقوال، وإنما يريدنا مصادر حياة، لانريد تعاليم جوفاء نتبعها وإنما نريد رجالا علي ثقة مما هم فيه قائمون، الكلمة السواءوهي ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا

مفاهيم دالة :

٦٨ - معني الغيب ومعني الشهادة وكيف يقوم الإنسان في استقامة بالتمسك بالمعنيين في علمه وسلوكه

تاريخ الحديث: ١٩٨٥/٤/١٢

”… إن أغلب الناس يرون أنفسهم الأفضل في كل زمان وفي كل مكان، بما في هذه النفوس من ظلام وكبرياء وتكبر. فإذا نظرنا الي حالنا نظرة متأملة صادقة لنصلح ما فينا، لنقوم أمرنا، لنعكس ما نراه في خارجنا الي داخلنا، فما نراه في الناس هو فينا، وما نراه في التاريخ هو فينا، بما في نفوسنامن ظلام. إن ديننا قد كشف لنا عن معني الحياة، كشف لنا كيف تكون الحياة، كشف لنا كيف يسلك الإنسان في طريق الله. هل تأملنا في ديننا وهل قرأنا قرآننا (إقرأ بإسم ربك الذي خلق خلق الإنسان من علق إقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم). فكيف نقرأ؟ وكيف نتأمل؟ وكيف نتدبر؟ هل نقرأ بظاهر عيوننا؟ وبشكل تعلمناه في رسم حروفنا ؟أم نقرأ بإسم ربنا؟ ونتوجه إليه بدعائنا، ونستحضره في قيامنا، ونتجه إليه في قلوبنا، ثم نتوجه بعد ذلك بعيوننا فنقرأ معاني الحياة، فيما هو مسطور بين أيدينا، من قرآن وجودنا، وسنة نبينا، وكلام حقنا (ألم.. ذلك الكتاب لا ريب فيه هدي للمتقين الذين يؤمنون بالغيب) الذين يؤمنون بما وراء الطبيعة، الذين يؤمنون بأنهم بدعائهم وبإتجاههم وبسؤالهم لربهم يشحنون بقوة وجودهم، ويعلمون ما لم يكونوا من قبل به عالمين(علم الإنسان ما لم يعلم)(إتقوا الله ويعلمكم الله)(ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب). إن ديننا قائم علي العلاقة بالغيب طلبا للحق في واقع الإنسان، وليس ظنا أو تخمينا(إن الدين لواقع) لأنك يوم تتجه الي الغيب مؤمنا، ستري الغيب واقعا فيما يلهمك به، ويدفعك إليه. إنها الإستقامة، إنه الصراط المستقيم، إنه الطريق القويم، إنه الأمر الوسط، إنه الإنسان الذي يأخذ من الغيب والشهادة. جعل الله له من الدعاء سببا، فاتبع سببا، وجعل الله له من العمل في دنياه سببا فاتبع سببا. إن التفريط في أي من الحالين، وفي أي من القيامين، وفي أي من الوجودين، هو تفريط الإنسان لما أوجد الله بين جوانحه ليكسب معني الحياة، فقام الدين علي الشهادتين، وعلي الحضرتين، فقال القوم يوم أدركوا ذلك، (أدعو الي الحضرتين بالحضرتين) وخاطبوا حضرة الشهادة لهم بقولهم، وهم يقرون قانونا من قوانين الحياة (فكان غيبا من غيبك، وبدلا من سر ربوبيتك، حتي صار بذلك مظهرا نستدل به عليك، فكيف لا يكون كذلك، وقد أخبرتنا بذلك، في محكم كتابك، بقولك، إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله). إن الفهم في شهادة لا إله إلا الله وفي شهادة أن محمدا رسول الله هو مفتاح الحياة، ومفتاح النجاة، والطريق الي فهم مستقيم في معاني الدين، فكان أول ركن من أركان الإسلام، وكان بذلك هو الركن الأساسي، الذي يدخل منه الإنسان الي الإسلام، لا ترديدا، ولكن قياما وإحساسا ووجودا وعملا وسلوكا. ولكنا غفلنا عن هذه المعاني في أحداث الحياة المتلاحقة، وما أخذنا من الدين إلا القشور، وتركنا الجوهر، تركنا المعاني الحقية، فأصبحنا ظاهرا بلا باطن، وقشرة بلا جوهر، لا أساس لنا، ولا رسوخ للعلم عندنا، إلا أقوالا نتداولها، وكتبا نتناقلها، وحروفا نرسمها، وأقوالا نرددها، وأحاديثا نسترجعها، كآلات تنقل ولا تعي، تحفظ ولا تدرك (مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفارا). نحن لانعترض علي هذا الحال فهو قانون من قوانين الحياة، كان في قديم، وهو في قائم، وسيكون في قادم، إلا من رحم الله، فأنار عقله، وأحيا قلبه، وجعله للحق طالبا، وللعلم قاصدا، ولمعاني الحياة فيه مدركا، فأعمل ما أعطاه الله فحيي وأحيي، وذكر وذكر، وقام وأقام. هذا قانون دائم في كل عصر، حين نتأمل نجد أناسا حملوا الرسالة، وبلغوا الأمانة، وكانوا بقيامهم نقاطا مضيئة علي الطريق، يستدل بهم كل إنسان طالب وكل إنسان راغب..“.

تعليق:

هذا حديث عن معني الغيب ومعني الشهادة ،كيف يقوم الإنسان في إستقامة بالتمسك بالمعنيين في علمه وسلوكه لطريق الحق. وهناك تعبير مميز في هذا الحديث وهو ” لأنك يوم تتجه الي الغيب مؤمنا، ستري الغيب واقعا فيما يلهمك به، ويدفعك إليه” . كذلك ربط هذا الحديث بين هذه المعاني و الشهادتين و جاء في الورد الصوفي ” فكان غيبا من غيبك وبدلا من سر ربوبيتك…“. في أثناء مراجعة هذا الحديث جال بخاطري معني أردت أن أوثقه في هذا السياق. في أحاديث كثيرة أتكلم عن العلم الداخلي ويمكن أن نطلق عليه أيضا العلم اللدني كما تحدث عنه القوم. فما هو هذا العلم؟ لقد تصورت هذا العلم كقاعدة معرفية (Knowledge base) تحتوي علي كثير من العلاقات ( Relations) والحقائق (Facts) والقوانين الفوقية (Meta Rules)، بالإضافة الي آلية للتسبيب (Reasoning mechanism) للقيام بمعالجة ما يراه الإنسان في حياته الظاهرية بإستخدام هذه القاعدة المعرفية لإضافة حقائق أوعلاقات جديدة لقاعدته المعرفية، وأنا هنا متأثر بتخصصي العلمي في هندسة المعرفة. هذه القاعدة المعرفية هي فطرة الإنسان التي تمكنه من القدرة علي التعلم الدائم. هناك نظريات ميتافيزيقية عن بقاء هذا المخزون المعرفي بعد مفارقة الروح للجسد وأنها أزلية. هذه النظريات جاءت لتفسر الفروقات بين البشرعلي أساس أزلية الروح البشرية والمخزون المعرفي. وكان الفيلسوف سقراط يؤمن بأزلية الروح الإنسانية وإن كل إنسان عنده مخزون معرفي يمكنه من الإجابة علي أي سؤال بمحاولة ما أسماه بإعادة التذكر (Recollection) من هذا المخزون المعرفي.

مفاهيم دالة :

٦٩ - تأمل في زمن حدوث بعض المواقف الإيمانية المرتبطة بالرسالة المحمدية

تاريخ الحديث: ١٩٨٥/٥/١٧

”… إنا نعيش هذه الأيام أياما مباركة، أراد دين الفطرة أن يعلمنا منها، أن يقومنا فيها، وأن تكون لنا من زماننا وسائل دائمة، تحدثنا عن معني الحياة، وعن معني النجاة. أشهر مباركة، رجب شهر الله، وشعبان شهري، ورمضان شهر الناس. ماذا ندرك من هذه الكلمات التي تلقيناها وتعلمناها ورددناها عن رسول الله صلوات الله وسلامه عليه؟ ماذا نتعلم منها؟ وكيف نتفقه منها؟ وكيف نستوعبها؟ إنا حين نتأمل في سلوك الإنسان وهو يبحث عن الهداية، نجد لهذه المعاني واقعا نشعر به، ونقوم فيه. فالإنسان وهو يتأمل في خلق نفسه، وفي خلق الكون حوله، يطلب أن يهديه ربه. إذا سألت فاسأل الله، وإذا إستعنت فاستعن بالله، وإذا رجوت لقاءا فارجو لقاء الله. فكان رجب شهر الرجاء، شهر الطلب والدعاء، شهر الرجاء بالله، شهر الغيب وإشهار الغيب، ودورة في حياة الإنسان، فأنت تتوجه الي السماء، وتتوجه الي الأرض، وتتوجه الي الكواكب والنجوم، وتتوجه الي كل شيء، تريد أن تري فيه أملك ورجاءك، فلا تري في كل ذلك مقصود وجهك، وأمل قيامك، فتعلم أن الله أكبر، وتعلم أن هناك غيبا لا تحيط به، لأنه يحيط بك (ذلك الكتاب لا ريب فيه هدي للمتقين الذين يؤمنون بالغيب) إ(ن لم يهدني ربي لأكونن من الضالين). فكان شهر رجب يرمز الي هذا المعني، شهر الله، شهر الرجاء بالله، شهر الإتجاه الي الغيب، شهر شهادة لا إله إلا الله، فيه أسري الله بعبده من المسجد الحرام الي المسجد الأقصي، وعرج به في السموات العلي، لا يطلع علي غيبه أحد إلا من إرتضي من رسول، فكان الإسراء والمعراج تتويجا للطلب والرجاء، وللأمل والدعاء، ليشهدعبده معني الحياة، ومعني الرسالة، ومعني الرسول. فكان شعبان شهررسول الله، شهر إشهار الإستجابة للطالب السائل، ها قد أتتك آياتنا، وها قد تداني إليك رسولنا، وها قد جاءك مثلك الأعلي، وها قد ظهر مطلبك ورجاؤك،وأملك ودعاؤك، فاتجه إليه سائلا، إتجه إليه متوسلا طالبا مستغفرا(لو أنهم جاءوا الرسول فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما). وكان تغيير القبلة من االمسجد الأقصي الي المسجد الحرام في شعبان، إستجابة لدعاء رسول الله أن يوليه قبلة يرضاها، هو تعبيرعن أن الرسول قد أرسله الله لأنه القيام القادرعلي دعاء الله ليوليه القبلة التي يرضاها ويوجه الداعين الطالبين إليها. من الناس من سوف يتابعون رسول الله، ويرونه إستجابة لدعائهم أن يرسل لهم من يوضح ويكشف لهم طريق الحياة. فإذا إستمعوا لدعوة رسول الله لهم فأرادوا أن يتخلقوا بأخلاق ربهم، وأن يحولوا ما فيهم من ظلام نفوسهم الي نور حقهم، كان شهر رمضان يمثل بالنسبة لهم إشهار لما فيهم من حياة، فكان رمضان بذلك هو شهر الناس الذي يعيشون فيه بأرواحهم، ويتخلصون من أثقالهم، ويلبون نداء ربهم ويتخففون من أوزارهم، غير متتثاقلين لأرضهم، منطلقين في سماء عقولهم، شاهدين جمال قلوبهم. شهر الناس هو فضل من الله أعطاه لعباده، جعل منه طريقا لنجاتهم، ومنهجا لرقيهم، وأسلوبا لفوزهم، وعلما لعقولهم وتذوقا لقلوبهم، وتعليما لأفئدتهم. هذا ما نتعلمه من حديث رسول الله صلوات الله وسلامه عليه وهو يعلمنا من خلال ربطه لمعان في سلوكنا بشهور مباركة في زماننا، من دورة القمر حول أرضنا، تتكرر في دوام، لتظل الرسالة قائمة، وليظل التأمل حيا، لتتأمل فيها كلما حلت بنا هذه الشهور لنستمع الي الدرس، ولنتعلمه ولنقومه ولنكونه…”

تعليق:

هذا الحديث هو تأمل في حديث “رجب شهر الله وشعبان شهري ورمضان شهر الناس”. وهذا الحديث وإن كان تصنيفه من ناحية ما أطلق عليه علم الحديث ليس حديثا صحيحا إلا أن المعاني التي جاءت في هذه الكلمة هي في المقام الأول تأمل في الأحداث والأوامر الإلهية التي جاءت في هذه الشهور الكريمة.

مفاهيم دالة :

٧٠ - ما نشهده من ظاهر الأحداث بين الحق والباطل إنما هو ظاهر نتأمل فيه، أما احداث الحياة في حقيقتها ماهي إلا تجلي لإرادة الله

تاريخ الحديث: ١٩٨٥/٦/٧

”… إنا نعيش أياما مباركة فيها ذكري وتذكير لمن يخشي أياما سطر بها الحق رسالة لنا علي مر العصور لنتفكر ونتدبر أمرنا، لنتأمل في علاقة الحق بالباطل، في قانون الحق، وقانون الحياة. إنا حين نتأمل في ظهورأي رسالة سماوية، نجد أنها قد قابلت مقاومة ورفضا من الذين ظهرت بينهم، يرفضون هذه الرسالة التي تؤدي بهم الي إكبارهم لوجودهم ولحياتهم بمعناها الحقي، والتي تؤدي إلي إنطلاقهم بأرواحهم إلي علوي قيامهم. يريدون أن يطفئوا نورالله بأفواههم وأعمالهم، يريدون أن ينهوا كلمة الحق بينهم بظن أنهم في خير حال، فيما هم فيه قائمون. إنها قضية الإنسان الذي توجد به بذرة الخيروالحق، وهي تصارع وجوده كله بما فيه من ظلام. إنها قضية الإنسان التي نراها في كل عصر. وحين نتأمل في هذه الأمور نجد إن القانون الحاكم هو قانون دفع الناس بعضهم ببعض. فها هي رسل الله تدعو أقوامها الي معني الحق فيؤذونهم في نفوسهم، وفي أموالهم، وفي أهليهم، وفي إخوانهم، وفي أصحابهم. وقد يتساءل الإنسان سؤالا “أليس الله بقادر علي أن ينشر رسالة رسوله وألا يعرضه للإيذاء؟ أليس الله مع الحق؟” . حين نتأمل في هذا التساؤل نجد إن القانون الساري علي هذه الأرض أن جعل الله من يدعو الي الخير ومن يدعو الي الشر. هذا قانون أزلي، رمز له الحق وأشار إليه يوم قال لآدم ولإبليس إهبطا الي هذه الأرض بعضكم لبعض عدو، وكان لكل منهما دور في هذه الحياة. فإذا نظرنا الي قوانين الحياة لا نفرض رأيا مسبقا، ولا نقول كيف يحدث هذا، ولا نقول أنه يجب أن ينتصر هذا أو ذاك، إنما يجب أن نتفكر ونتدبر ليكون لنا فيما نتفكر به عظة وعبرة، وها هو رسول الله يخرج من بين قومه مهاجرا، يخرج الي المدينة، يخرج من مجتمعه بما فيه من ظلام وإظلام، يخرج داعيا طالبا متخذا أسباب الحياة كما أمره ربه بذلك. ولكن القوم الظالمين لا يتركون الحق لينتشر، إنهم يريدون أن يطفئوا نورالله فيعدوا العدة للحرب للقضاء علي معني الحق الذي كان بينهم، فتكون موقعة بدرالذي تجلت فيها صورة من تدخل الغيب، وهو قانون إلهي نراه في أحداث إستسنائية (كم من فئة قليلة غلبت فئة كبيرة بإذن الله). كيف أن قانون دعاء الغيب قد تدخل بإرسال ملائكة مسومين، ناصروا معسكر الحق. إنه قانون من قوانين الحياة، له وقته وله ميعاده، كل شيء عنده بمقدار، وكل شيء عنده بميقات. لقد دعي رسول الله (صلعم) ربه، يجأر إليه بما يري من معني الحق والحياة (إن لم تنصر هذه الفئة اليوم فلن تعبد بعد ذلك علي الأرض). إنه يدعو ربه علي ما رأي أنه الخير، الذي تجلي له، وأصبح علي يقين فيما هو أفضل لرسالته علي هذه الأرض. نري موقفا آخر لرسول الله (صلعم) وقد آذاه قومه، فيخاطب ربه قائلا” إن لم يكن بك غضب علي فلا أبالي”. هذا حال وهذا حال آخر. إنه يصدق مع حاله الذي يراه والإجابة تجييء كيفما يكون السؤال (أدعوني أستجب لكم). والرسول يدرك هذه القوانين بفطرته، ويدعوالله بما يقوم فيه من حال. نتعلم من مثلنا الأعلي إن القضية هي صدق الإنسان (كن كيف شئت فإني كيفما تكون أكون).إعلم أن مشيئتك هي من مشيئة الله (وما تشاءون إلا أن يشاء الله). فالإيمان الحق أن تؤمن بالشهادة وأسبابها، وأن تؤمن بالغيب وأسبابه، أن تصدق مع وجودك ومع حياتك، ومع أسباب الحياة حولك، وألا تتوقف عن ذكر الله ودعائه غيبا يساندك في كل قول، شهادة يساعدك في كل عمل، أمرا وسطا ،عروة وثقي لا إنفصام لها. إنا علينا أن نتأمل في أحداث تاريخنا بنظرة حقية، وينظرة موضوعية، لا تمر علينا الأحداث فنرددها كقصص حدثت دون أن نتأمل مافيها من الحق وما فيها من رسالة دائمة لنا في طريق الحياة. في مثل ذلك اليوم السابع عشر من رمضان كما أنه كان تاريخ إنتصار في موقعة بدر فبعد عدد من السنين كانت إستشهاد الإمام علي بن أبي طالب في السابع عشر من رمضان أيضا. لنتعلم أن القضية ليست مجرد صورا ثابتة تتكرر، وإنما قانون الحياة يسري في دورات، وفي كرات وكرات بين الخير والشر، بين الحق والباطل، بحكمة أكبر، هي قانون الحياة. فندرك أن ما نشهده من ظاهر الأحداث إنما هو ظاهرنتأمل فيه، أما احداث الحياة ببساطتها فهي قانون متصل لحكمة الحق.

تعليق:

هذا الحديث يحاول أن يقدم فهما لتساؤل كثيرا ما يطرح عن العلاقة بين الخير والشر ولماذا لا ينتصر الخير دائما كما يتعارف عليه معظم البشر. وللإجابة عن هذا التساؤل تم طرح مفهومين رئيسيين. المفهوم الأول هو أن تحديد المنتصر يتم طبقا لقانون الشهادة والذي يعتمد علي الأسباب الظاهرية كالقوة والكثرة والخداع وما إلي ذلك والمفهوم الثاني هو تدخل الغيب استجابة لدعاء صادق بأسباب غير مرئية. وتم ضرب أمثلة لتوضيح ذلك.

مفاهيم دالة :

٧١ - بداية الطريق تكون من الإنسان بإعماله لكل ما أعطاه الله متسائلا وسائلا ليكون مسلما حقا يخرج من الجاهلية الي الإسلام بإرادته

تاريخ الحديث: ١٩٨٥/٧/١٩

”… الحمد لله الذي جمعنا علي صلة فيه، وجعلنا في جمعنا لوجهه قاصدين، وفي طريقه سالكين، جعل لنا بيننا تواصيا بالحق فيه، وتواصيا بالصبر في طريقه، جعلنا نجاهد أنفسنا، ونجتهد عقولنا، جعلنا نطلب الحق، ونسأل العون، ونطمع في الرحمة. تعلمنا أن التجمع علي ذكر الله هو الوسيلة المكملة لسلوك الإنسان علي هذه الأرض (والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر). إن في هذه الآية إجمال لما يجب أن يكون عليه الإنسان وهو قائم علي هذه الأرض، إن هذا ما نراه في آيات كثيرة طالما تذاكرنا بها بيننا(خلقنا الإنسان في أحسن تقويم ثم رددناه أسفل سافلين إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم أجر غير ممنون). فليبدأ الإنسان بنفسه متفكرا متدبرا في حالها وأمرها. إبدأ بنفسك فتأملها في سلوكها، في سلامها، في رجائها. أنظر الي نفسك في إفتقارها، وفي عجزها، وفي قلة حيلتها. أنظر الي نفسك داعيا الله أن تكون نظرتك نظرة معرفة، فتبدأ طريقك متسائلا داعيا طالبا متوسلا. تبدأ كما بدأ الصالحون والصديقون والأنبياء والرسل. بدأوا حياري يطلبون الحقيقة، هائمين علي وجوههم. يطلبون معني الحياة في كل مكان، وفي كل زمان، وفي كل عمل، وفي كل فعل. إن البداية في دوام أن تسأل، إن البداية في دوام أن تطلب، إن البداية في دوام أن تطرق الأبواب وتسأل العارفين (هو الرحمن فاسأل به خبيرا)(إسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون)(أطلب العلم من المهد الي اللحد)(أطلب العلم ولو في الصين)(إصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه). إن الإسلام ليس مجرد كلمات تقولها، ولا ألفاظ بألسنة تلوكها، وإنما هو أفعال وقيام وسلوك، إنما هو عمل وذكر. إن المسلم حقا من خرج من الجاهلية الي الإسلام بإرادته، وبعقيدته، وبتأمله وفكره، وبإحساسه ومشاعره. إن المسلم حقا من شعر بأنه يولد في الإسلام ميلادا حقيا، ويبدل تبديلا من ظلام الي نور، ومن شر الي خير، ومن باطل الي حق، ومن جهل الي علم. إن الدين ليس بعيدا عن الإنسان، إن الدين هو فطرة الإنسان، ونقاء الإنسان، وصفاء الإنسان. إن العقيدة هي البداية ليعرف الإنسان طريقه، وليعرف هدفه، وليعرف مقصوده. فإذا عرف طلب شريعة، طلب منهجا، يقوم حاله في هذا الطريق، يقوم سلوكه في هذا الطريق، يوصله الي مقصوده، ويعلمه أن مقصوده لا ينتهي، وأن طلبه لا ينتهي، وأن شريعته لا تنتهي. إنا نسير في طريق لانهاية له، وقد عبر القوم عن ذلك بقولهم (السير الي الله له نهاية والسير في الله لا نهاية له). إن ديننا يريد مجتمعا أساسه الفكر، واساسه القيم العليا، وأساسه الدار الآخرة، وهذا لا يعني بأي حال من الأحوال إغفال الدنيا وما فيها، فالدنيا مزرعة الآخرة. إن ديننا يخاطب الإنسان كلبنة أساسية في البنيان، والجماعة قوامها الفرد، ولا تصلح جماعة بدون صلاح أفرادها، ولا يصلح مجتمع دون صلاح جماعاته، ومكوناته. والهدف الأساسي من التنظيم الإجتماعي هو إتاحة الفرصة للصادق أن يظهر ليخاطب الناس، ويقول لهم في أنفسهم قولا بليغا. إن دين الفطرة أساسه الحكمة والموعظة الحسنة (أدعو الي سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة)(ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن)(وادفع بالتي هي أحسن). إدفع بالتي هي أحسن في كل حال فتزول العداوة ويزول الخصام، لأن في تكوين الإنسان مايجعله يتوافق مع ما هو أحسن. إن البعض يظن أن يوم نلجأ الي العقول فنستشيرها، والي ما هو أحسن فنتمسك به، فإن هذا قد يضلنا عن طريق الله، لأن العقول قد تخرج بفهمها عن الإستقامة كما يعلمنا إياها الدين، وأن العقول لا تستوي. ولذا فوجب أن يكون هناك حوار مستمر علي جميع المستويات، فالعقل لإنسان ما قد يضل صاحبه، ولكن العقل ليس في دوام ما يضل صاحبه. لا يجب أن نعمم القول، فالعقول تتباين، والتباين بينها كالأرض والسماء، فلا يصح أن نعمم القول بإن العقول تضل لأن إنسانا قد ضل بعقله، ولا يصح أيضا أن نعمم القول بأن العقل هو الأساس لأن إنسانا فلح بعقله، إنما نقول إن العقل يوم يطلق له العنان ليفكر، ويفتح له الباب ليتحاور لن يبقي إلا ما هو أحسن. وهذا هو سر الجماعة، وسر التواصي بالحق والتواصي بالصبر، وهذا هو المعني الذي أشار إليه الحديث الشريف( لاتجتمع أمتي علي ضلال)…”

تعليق:

ركز هذا الحديث إن بداية الطريق تكون من الإنسان بإعماله لكل ما أعطاه الله متسائلا وسائلا ليكون مسلما حقا يخرج من الجاهلية الي الإسلام بإرادته وإن الدين هو فطرة الإنسان، ونقاء الإنسان، وصفاء الإنسان. تطرق الحديث أيضا إلي الدعوة بما هو أحسن بإستخدام العقل والتواصي بالحق والتواصي بالصبر.

مفاهيم دالة :

٧٢ - الجماعة هي اجتماع قلوب علي ذكر الله وليس مجرد اجتماع ذوات

تاريخ الحديث: ١٩٨٥/٨/٢

”… (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا) يد الله مع الجماعة، الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلي جنوبهم هم جماعة الحق، الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه هم جماعة الحق (رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله) هم جماعة الحق. إن دين الفطرة يعلمنا ويكبر فينا معني الجماعة، ويذكرنا في دوام بفضل الجماعة، والجماعة هي إجتماع قلوب علي ذكر الله وليس مجرد إجتماع ذوات. إن الإنسان في هذه الأرض مطلوب منه أن تكون له جماعة، أن تكون له أسرة في الله حقا، أن يكون له إجتماع علي ذكر الله وعلي مقصود وجه الله. إن الإنسان في سلوكه علي هذه الأرض يكسب في الله من خلال معاملاته المادية بأسباب الحياة ، ويكسب بنفحات حقية (إن في أيام دهركم لنفحات فتعرضوا لها)، هو يكسب بالأمرين، ويضيف الي وجوده في الحالين، يكسب في الشهادة، ويكسب في الغيب، يكسب بأسباب الحياة، ويكسب بتجريدها، يكسب بظاهر الحياة ،ويكسب بباطنها. وتقوي الله هي تعبيرعن الكسب بالظاهروالباطن (من يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب) إن قانون الحياة الدائم هو أن التعامل مع الله، وأن الرجاء في الله، وأن السؤال لله، وأن الطلب لله وأن المقصود وجه الله. إن الله لا يضيع أجر من أحسن عملا وإنا في دوام لله وإنا في رجوع لله، ، في كل حال وفي كل قيام، وفي كل قول، وفي كل دعاء، وفي كل رجاء.

تعليق:

التجمع علي ذكر الله كان موضوع هذا الحديث وأن الإنسان يكسب في الله من خلال معاملاته المادية بأسباب الحياة، ويكسب بتعرضه لنفحات الله. وتقوي الله هي تعبيرعن الكسب بالظاهروالباطن.

مفاهيم دالة :