تخطَّ إلى المحتوى

أحاديث الفترة من ٢٠٠١- ٢٠٠٥

١٥٢ - أساس كل المناسك التي يقوم بها الإنسان في دينه هي أنها من مصدر حقي يريد بها أن يبلغ رسالة للإنسان

تاريخ الحديث: ٢٠٠١/١/٢٦

”… إن الإنسان على هذه الأرض مكلف بما أودع الله فيه من سر الحياة أن يبحث وأن يتأمل ويتدبر. يبحث عن طريق الحق، عما هو أفضل وأقوم وأحسن. يعلم أن الله قد خلقه حرا، وأرسل إليه رسل الحق ليبينوا له سر الحياة. فالأساس هو عقل الإنسان وحريته. وتجيء الرسالات السماوية لتخاطب هذا الإنسان الحر. فتجيء له بالبينات التي تجعله يؤمن بأن وراء هذه الكلمات قوة غيبية تعرف ما لا يعرف، وتحيط بما لا يحيط به. هذا هو الأساس الذي ينطلق منه الإنسان ليقبل توجيها قد لا يرى في ظاهره ما يقبله عقله في لحظة ما، وإنما قد يقبله في لحظة تالية يوم يتعمق فيما يشير إليه ويقرأ الرسالة التي يحملها. فأساس كل المناسك التي يقوم بها الإنسان في دينه هي أنها من مصدر حقي يريد بها أن يبلغ رسالة للإنسان (وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا …) (يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم وإن تسألوا عنها حين ينزل القرآن تبد لكم…) (لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم…) (وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى…) لذلك فالمرجع الذي نرجع إليه في كل منسك نقوم به هو رسول الله صلوات الله وسلامه عليه، الذي عبر عن قانون الحياة في أفعاله وسلوكه وفيما أرشدنا إليه وعلمنا إياه. أي تزود في أي اتجاه، وأي مغالاة في أي اتجاه بظن عبادة، أو بظن أفضل وأحسن لا تستقيم، لأن الأساس هو المصدر الحقي الذي نرجع إليه وننتسب إليه. فإذا نظرنا حولنا في المجتمعات التي تحيط بنا وجدنا الكثير من المناسك التي ليس لها مرجع حقي، وإنما هي اجتهاد من جاءوا في هذه الأمم. أرادوا أن يعبروا عن أفكارهم وعن مفاهيمهم فسنوا سننا ما أنزل الله بها، وما أشار إليها. فاختلف الناس وتفرقوا وتجادلوا وتكبروا.. وظن كل فريق أن هذا هو الدين الذي لا يجب أن يحيد عنه ولا يبتعد عنه. واختلطت الأمور في سائر الأمم، كل يتمسك بمناسك شكلية، ويحارب من أجلها دون أن يسأل نفسه ما هو المرجع الذي يرجع إليه؟ إن الإسلام في الرسالة المحمدية جاء موثقا لكل منسك نقوم به ولكل فعل نفعله. وهذا هو الذي يجعل من هذا التشريع هو التشريع الوحيد الموثق في كل الأفعال التي نقوم بها. كما تعلمنا في ديننا أن كل هذه الأوامر هي لنفكر فيها ولنتأمل فيها ونتدبرها، لا أن نجسدها أو نجمدها، وإنما لنتعلم منها ونقرأها. ولكن نفس الإنسان في أي مكان على هذه الأرض تريد أن تخلق أوثانا وأصناما. ووجدنا في أسلافنا من يريد أن يضيف الى هذه المناسك صورا جديدة، وأشكالا جديدة، يقدسها ويختلف حولها لأن النفس البشرية بظلامها وبسريان الشيطان فيها تريد أن توثن وتصنم وتجمد وتعبد شكلا واحدا. لا تريد أن تفكر أو أن تتأمل وتتدبر…”

تعليق:

يوضح هذا الحديث أن ما بلغنا إياه رسول الله هي أمور لنتعلم منها ونتأمل فيها. ما حدث في أمم كثيرة وفي أمتنا أن أضاف البعض مناسك للتعبير عن مفاهيمهم ولا مانع من ذلك ولكن المشكلة أن يتمسكوا بهذه المناسك حتى تصبح مقدسة في حد ذاتها بالنسبة لهم. بل أن تقديس أي منسك لذاته دون فهم الرسالة التي يحملها تجعل منه وثنا وصنما.

مفاهيم دالة :

١٥٣ - يبذل كل طاقاته وإمكاناته ويطلب عونا ليكون أهلا لتوفيق الله

تاريخ الحديث: ٢٠٠١/٢/١٦

”… إن الآيات التي نقرأها في كل صلاة فيها طريق الهداية، فيها الطريق القويم والصراط المستقيم، الذي يجب أن نحاول أن نسير عليه، فالإنسان في النهاية لا يملك إلا أن يحاول (الحمد لله رب العالمين.. الرحمن الرحيم.. مالك يوم الدين..). هذه الآيات تعرف علاقتنا بالله، علاقة حمد، والحمد هو إدراك لنعمة الحياة التي أنعم بها علينا رب العالمين. فأنت لا تستطيع أن تحمد إذا لم تدرك نعمة الله عليك. ونعمة الله عليك هي سره الذي نفخ فيك، وصبغته التي صبغك بها، وفطرته التي أقامك عليها. وحمدك لله هو في تجليه بمعني رب العالمين، بتجليه في قانونه علي العالمين (إن كل من في السموات والأرض إلا آتي الرحمن عبدا). تجليه فيما أعطاك، تجليه في معني العاطي، في معني المنعم. فالربوبية هي عطاء وتقدير، هي قانون يحكم، ويتفاعل مع الإنسان. فهذا القانون هو الحاكم، هو الرب، هو الذي أصبغ علي الفعل نتيجته، وأصبغ علي الفعل أثره، وأصبغ علي الأثر امتداده، وأصبغ علي الامتداد بقاؤه، فجعل الإجابة في الدعاء، وجعل نتيجة العمل الصالح صلاح، والطالح طلاح. فكل ما هو قائم علي هذه الأرض يأخذ صفاته من القوة الرابة، ومن الربوبية علي هذه الأرض، التي أحكمت قانون هذه الأرض، وجعلته في هذه الصورة. فإدراكك أنك في هذا المعني، عليك أن تحمد الله علي هذا الإدراك، فإذا تعمقت أكثر في القانون وجدت أن لكل عمل علي هذه الأرض ما يحكمه. قد يتجلى عليك هذا القانون بجبروته، ويتجلى عليك بكبريائه، ويتجلى عليك ببطشه، ويتجلى عليك بانتقامه، كما قد يتجلى عليك برحمته وبمغفرته، وبنوره وبمدده. وأنت تريد أن تكون في مجال رحمته وفي مجال مغفرته وفي مجال عطائه، فتسأله باسمه الرحمن الرحيم. إنك تدرك أن كل أملك أن تكون أهلا لرحمته، وأهلا لعطائه، وأهلا لنفحاته. الرحمن الرحيم هو ما تريد، هو ما تطلب، هو ما تقصد، هو ما ترجو. فتعلم أن القضية في النهاية هي ما ستكون عليه، وما ستؤول إليه. وأن رحمته هي أن يهيئ لك أن تؤمن وأن تعمل عملا صالحا. فرحمته بك أن يعطيك الفرصة تلو الفرصة لتصحح أخطاءك، ولتكون إنسانا مؤمنا صالحا. وتعرف أن القانون في ذلك هو قانون محكم، وأن الرحمة جزء من هذا القانون. وأن الذي يفصل في قضيتك يوم الدين هو الله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، وما أدراك ما يوم الدين، يوم لا تملك نفس لنفس شيئا الأمر يومئذ لله. إنه تعبير عن اللحظة التي يفصل فيها في أمرك. فأنت موجود في عالم قد تكسب فيه وقد تخسر. تملك لهذه النفس أن تكسب يوم تحسن، وتخسر يوم تفسد. في لحظة تجمع فيها أعمالك، ويحكم في أمرك. هل هو قيام صالح يستمر في معراج لانهائي من الحياة، أم أنه قيام طالح لا يستحق البقاء وعليه أن يرجع الي أسفل سافلين. هذا قانون يسري علي كل الكائنات، كل في مقامه، وكل فيما هو له أهل. هذه الآيات تعلمك قانون علاقتك بالله رب العالمين، وطلبك أن يتجلى عليك برحمته. وتدرك أن هناك يوم فصل في قضيتك، فتعلم أن كل لحظة تقضيها تضاف الي عملك والي محصلتك. فإذا أدركت ذلك اتجهت بكلك الي طلب العون، وقد أدركت أنك في معني العبودية لهذا القانون، في معني العبودية لله في تجليه بقانونه عليك (إياك نعبد وإياك نستعين). تطلب عونا وقد أدركت معني العبودية لله، تطلب عونا حتي تكون أهلا لرحمته، وتكون في الصراط المستقيم (اهدنا الصراط المستقيم)، وقد أدركت معني الصراط المستقيم. أدركت أن الصراط المستقيم هو القانون الذي يأخذ بيدك الي الأعلى، والذي يرقي بوجودك الي الأعلى، والذي يجعلك إنسانا حيا. وأن هذا الصراط هو من فضل الله ومن نعمة الله علي الإنسان (صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين). وأنت تريد أن تكون في طريق الصالحين الفالحين الذي أنعم الله عليهم برحمته، وبنعمته وبفضله وكرمه، ولا تكون فيمن تجلي عليهم بغضبه فكانوا من الضالين. تعلم أن الهداية من الله، وأن إن لم يهدك الله لتكونن من الضالين. الهداية تبدأ من أن تكون أهلا لهداية الله لك، ثم تفهم بعد ذلك كل شيء. ولكن إن لم يهدك ربك لتكونن من الضالين، ولتفهم كل شيء بما يضلك (يهدي به كثيرا.. ويضل به كثيرا”) (إن الله لا يهدي القوم الظالمين) (من يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا). أيضل الله؟ إنه القانون في تجليه، لأن الهداية والضلال وكل شيء في قانون الله، وفي حكمة الله، وفي تقدير الله. وكل أملك في الله أن تكون من الذين هداهم الله. لذلك فالفاتحة هي اساس الصلاة، لأنك بها تبدأ صلتك بالله، يوم تفتقر إليه، وتعلم أن لا ملجأ ولا منجي منه إلا إليه، وأنه إن لم يهدك لتكونن ضالا ومن الضالين… ”

تعليق:

تأمل في سورة الفاتحة والقانون الإلهي

مفاهيم دالة :

١٥٤ - التوازن بين الإيمان بالغيب والإيمان بالشهادة وإعمال ذلك في كل اختياراتك في هذه الحياة بأن تعمل ما ترى أنه حق وخير على هذه الأرض، وأن تؤمن بأنه لن يصيبك إلا ما كتب الله لك

تاريخ الحديث: ٢٠٠١/٤/٢٧

”… هذا التوازن بين الإيمان بالغيب والقيام في الشهادة هو الصراط المستقيم. وهو أمر ليس بالسهل. فالإنسان تختلط عليه الأمور في كثير من الأحيان. فقد يفرط في أسباب الحياة بظن إيمان بالغيب، وقد يفرط في إيمانه بالغيب بظن أنه يتمسك بأسباب الحياة. وليس هناك حدود فاصلة تفصل بين هذا وذاك. إنما الأمر يرجع في الأول والآخر الى تقدير الإنسان ولنيته، والى ما يطلبه، لذلك فهي ليست مسألة سهلة، وإنما هو طريق مليء بالمزالق التي يمكن أن ينزلق فيها الإنسان. وهذا ما عبر عنه القوم بحر الاختيار والتدبير، لأنك في دوام تفكر ماذا تفعل في أي أمر؟ هل إذا اتخذت قرارا ما تكون قد فرطت في إيمانك بالغيب؟ أم أنك تكون قد فرطت في أسباب الحياة التي أعطاك الله إياها؟ من السهل أن يدرك الإنسان هذه القضية، ولكن من الصعوبة بمكان أن يقوم فيها خاصة إذا كان الأمر له صلة به، وهنا يكون الاختبار الأكبر. محاولة الإنسان أن يستقيم كما أمر هي أقصى ما يمكن أن يفعله. فالإنسان لا يملك على هذه الأرض إلا أن يحاول وإلا أن يجتهد وإلا أن يقترب، ولكن لا يستطيع أن يقول إنه قد وصل الى ما لا يمكن أن يترقى بعده، وأن هذا هو منتهى الاستقامة. هذا أمر غير وارد في قيام الإنسان وفي معراجه الدائم في طريق الله، بل أنه ليس وارد في أي قضية على هذه الأرض ولا ما بعد هذه الأرض، فقانون هذا الكون هو فوق كل ذي علم عليم، وما من كمال إلا وعند الله أكمل منه، والله أكبر دائما. فمحاولة الإنسان هي الاستقامة كل الاستقامة، أن يحاول، وأن يفكر ويتدبر، وأن يستفتي قلبه، وأن يعمل كل ملكاته، وأن يدعو ربه. هذه المحاولات هي الاستقامة التي يمكن أن يكون عليه الإنسان. إن من قصر النظر ومن محدوديته أن يعتقد الإنسان أن كل قضية لها حل واحد هو الصحيح. فالحق هو أمر نسبي بالنسبة للإنسان لأننا نتكلم عن الحق في تجليه فيما هو قائم على هذه الأرض من موجودات مقيدة، ولا نتكلم عن الحق المطلق اللانهائي. فطالما أن الإنسان له عقل وله قلب وعنده علم وإحساس، وهذا كله تكون من شق وهبي، ومن شق كسبي، فتفاعله مع الأمور يتناسب مع هذا الذي هو عليه. ونظرة كل إنسان تختلف عن الآخر، ورؤيته تختلف عن الآخر. ومن هنا ندرك أن القضية هي قضية ترجع الى الإنسان ومحاولته الدائمة. لذلك فإن الدين كله يعلمنا المنهج ويعلمنا الطريق ويعلمنا الأسلوب. فقد يصل كل منا الى أمر مختلف عن الآخر في نفس القضية، وكل على حق، لأنه اتبع منهج الحق. ومن هنا نتعلم في ديننا الفرق بين المنهج، وبين أن نتعلق بأمور ثابتة جامدة. الدين منهج، الدين أسلوب (لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا). فإذا كنا نتحدث اليوم في قضية تمسنا جميعا، ونحن نختبر على هذه الأرض في كل ما يقع علينا، في كل اختياراتنا وفي كل قراراتنا، فإنا نتعلم المنهج الذي يجب أن نسلكه في اتخاذ أي قرار. هذا المنهج الذي يتلخص في أمرين: أن تعمل ما ترى أنه حق وخير على هذه الأرض، وأن تؤمن بأنه لن يصيبك إلا ما كتب الله لك. فليس هناك تعارض بين الأمرين. …”

تعليق:

التوازن بين الإيمان بالغيب والإيمان بالشهادة وإعمال ذلك في كل اختياراتك في هذه الحياة بأن تعمل ما ترى أنه حق وخير على هذه الأرض، وأن تؤمن بأنه لن يصيبك إلا ما كتب الله لك.

مفاهيم دالة :

١٥٥ - كل علم على هذه الأرض هو علم في الله، ويمكن أن يستفيد منه الإنسان في سلوكه، وفي مجاهدته، وفي جهاده لنفسه، حتى يتغير ويتطور، ويصبح وجودا صالحا ولكن لا يتم التغير الحقي إلا برحمة الله

تاريخ الحديث: ٢٠٠١/٦/٢٩

”… اقرأوا رسالة الله إليكم في كل ما شرع لكم، وفي كل ما به أمركم، وفي كل ما إليه وجهكم. اقرأوا هذه الرسالة حتى تكونوا حقا مسلمين. فالمسلم هو الذي يسلم لقانون الحياة. والذي يسلم لقانون الحياة يريد أن يعرف هذا القانون الذي يسلم إليه. وليعرف هذا القانون الذي يسلم إليه عليه أن يقرأ وأن يتعلم وأن يبحث. والعلم هو الذي يفسر للإنسان ما يراه من أحداث في الكون. ومن ثم يستطيع الإنسان أن يحول هذا العلم وهذه المعرفة الى سلوك له في الله. فالذي يقرأ الآية (والسماء بنيناها بأيد وإنا لموسعون) وتعلم أن هذا الكون الذي نعيش فيه دائم الاتساع بسرعات كبيرة لا نستطيع أن نتصورها، يمكن أن يدرك هذا الإنسان أنه قد يكون مثل هذا الكون (وتحسب أنك جرم صغير وفيك انطوى العالم الأكبر). إنه بقيامه الروحي يمكن أن يتسع هذا الاتساع الكبير، وينمو هذا النمو العظيم، يوم يسلم لله، يوم يكون كالسموات والأرض حين أمرهما الله أن ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين وكما نقرأ الآية إن كل من في السموات والأرض إلا آتي الرحمن عبدا. وهذا أمر كلي لأن السموات والأرض وكل من فيهما راجع إلى الله. إذا ارتقيت الى أعلى فأنت الى الله، وإذا دنوت الى أسفل فمصيرك الى الله، لأن الله من وراء كل شيء بإحاطته. (خلقنا الإنسان في أحسن تقويم.. ثم رددناه أسفل سافلين.. إ لا الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم أجر غير ممنون). لذلك أنت ترى أمامك اليوم قدرة الله اللانهائية التي تقف أمامها عاجزا وأنت ترى هذا الكون يتسع أمامك بصورة معجزة لا تعرف الى أين؟ وكيف يكون هذا الاتساع بهذه السرعات الهائلة؟ يريك الله آياته أمامك، لتدرك أنك أنت أيضا يمكنك أن تنطلق هذه الانطلاقة الكبرى، بصورة لا تستطيع أن تتخيلها، أو أن تتصورها (سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق). فإذا عكست البصر الى داخلك، ونظرت في خلق وجودك المادي، وفي أسراره اللانهائية، التي تقف أيضا عاجزا عن فهمها، عرفت معنى سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق. إنه الافتقار الى الله، أن تدرك عجزك، وأن تدرك حاجتك (يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد). إن كل الآيات التي نقرأها عن تأمل الأنبياء والرسل في هذا الكون تتضاءل اليوم أمام ما يمكن أن نتأمل فيما أصبح معروفا لدينا في هذا العصر. إنه يجعلنا أكثر افتقارا وأكثر عجزا وأكثر إدراكا لضآلتنا. ولكن ليس هكذا يستقبل الإنسان الأمور. فإن من الناس من يظن أنه أصبح قادرا عليها. وآيات الحق تعلمنا ذلك وظن أهلها أنهم قادرون عليها. ولا يتعلمون أنه كلما علموا كلما جهلوا أكثر (يظل العالم عالما حتى يظن أنه قد علم فقد جهل). إن العالم حقا هو الذي يشعر بجهله دائما وبافتقاره دائما وبعجزه دائما، ويسأل الله أن يعلمه وأن يرشده وأن يوجهه. إن كل علم على هذه الأرض هو علم في الله، ويمكن أن يستفيد منه الإنسان في سلوكه، وفي مجاهدته، وفي جهاده لنفسه، حتى يتغير ويتطور، ويصبح خلقا آخر ووجودا صالحا ولكن لا يتم التغير الحقي إلا برحمة الله (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) …”

تعليق:

تناول هذا الحديث علاقة محاولة العلم والبحث في آيات الله والتغيير إلى الأفضل

مفاهيم دالة :

١٥٦ - الإنسان لا يستطيع أن يستقيم، أو أن يبدع، أو أن يعدل، إلا إذا كانت هناك قوة تعارضه

تاريخ الحديث: ٢٠٠١/٩/٧

”… نحن نعيش في عالم يمكن أن يكسب الإنسان فيه الكثير، كما يمكن أيضا أن يخسر الإنسان وجوده وكرته وحياته. وكل إنسان معرض لذلك بقانون التواجد على هذه الأرض. قانون التواجد على هذه الأرض الذي كشفته آيات الحق لنا يوم حدثتنا عن خلق آدم وخلق إبليس وعن خلق هذا الكون (وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني أعلم ما لا تعلمون). هذا هو الهدف من تواجد الإنسان على هذه الأرض. خلافة الإنسان على هذه الأرض تعني تجلي الله على الإنسان يوم نفخ فيه من روحه، ويوم أودع فيه سره ليفعل ويتفاعل، ويعمر ويغير من خلال تواجده. وفي نفس الوقت خلق الله إبليس ليكون أيضا متواجدا على هذه الأرض لأن له دور عليها. دوره أن يكون قياما معارضا معاكسا للإنسان بحقيقته حتى يشحذ الإنسان همته، ويبدع من خلال صراعه مع هذا القيام المعاكس. هذه هي حكمة الله على هذه الأرض. ونرى أنها موجودة في ظاهر حياتنا، فكل يخضع لهذه الفتنة ولهذا التقدير. فالإنسان لا يستطيع أن يستقيم، أو أن يبدع، أو أن يعدل، إلا إذا كانت هناك قوة تعارضه. ويستطيع من خلال محاولته للتغلب عليها بالحق أن يقدم أفضل ما عنده، لخير الإنسان، ولخير مجتمعه. فنجد في القصص القرآني، وفي حياتنا وفي تاريخنا، ما ينبهنا الى ذلك. فتجد فرعون وهو يمثل قوة لا تسمح لقوة تعارضها أن تظهر، نجده يطغى في الأرض. ونجد هذا الأمر كذلك في كل تاريخنا، يوم ينفرد طاغية بالسلطة، ولا تكون أمامه قوى معارضة، إنه ينحرف بها. والإنسان كذلك إذا لم يجد معارضة قد ينحرف بما لديه من قوة في اتجاه ما. قد يتساءل إنسان كيف يكون ذلك والإنسان في طريق الطاعة، هل هو في حاجة لقوة معاكسة لطاعته ليستقيم؟ أليست هذه القوى المعاكسة هي قوى ظالمة غاشمة تقلل من طاقته الروحية والمعنوية؟ نقول إن الأصل في هذه القوى المعاكسة هي أن تجعله يشحذ همته ليتغلب عليها وفي هذا تكون الطاعة لأنه سوف يشعر دائما بضعفه، ولا يغتر بطاعته، ولا يتكبر بها، ولا يعتقد أنه وصل الى قمة الصلاح. وقد عبر القوم عن ذلك بقولهم رب معصية أورثت ذلا وانكسارا خير من طاعة أورثت عزا واستكبارا. من هنا كان الإنسان في طريقه يحتاج الى من يذكره دائما بضعفه، حتى لا يغتر ولا يتكبر، ويعرف أنه لا زال يحتاج الى قوة من الله. ولا ينسى أن عليه أن يتجه الى الله، وأن يسبح اسم ربه الأعلى، ليأخذ منه قوة تعينه في طريقه وفي سلوكه. وكذلك الأمر بالنسبة للإنسان الذي تغلب عليه شيطانه، وسار في طريق المعصية، هناك قوة حقية فيه تعارض هذا الحال الذي صار إليه، والذي اتجه إليه، ولا تستسلم لهذا الحال الذي هو عليه. ولو لم توجد هذه الطاقة في الإنسان ما رجع إنسان عن غيه وعن معصيته وعن غفلته، ولكن نرى كثيرا من الناس وقد علموا الصواب، وتابوا الى الله، ورجعوا الى طريقه، بفضل هذه القوة فيهم. وهذا هو قانون الأرض الذي نعيش عليها. ونجد هذا القانون يتكرر على مستوى المجتمع وعلى مستوى البلدان المختلفة، فنجد الصراع قائما، ومن خلال هذا الصراع تتطور المجتمعات…”

تعليق:

يوضح هذا الحديث تأمل في تفاعل الخير والشر لصلاح الإنسان والمجتمع

مفاهيم دالة :

١٥٧ - الإسلام يدعو الناس جميعا في الشرق والغرب، في الشمال والجنوب لأن يعكسوا البصر الى داخلهم ويتفكرون فيما فطروا عليه ولأن يعلموا أن كلا منهم يحمل بين جوانحه رسالة ليحققها على هذه الأرض

تاريخ الحديث: ٢٠٠١/١٢/٧

”… تدبروا رسائل الله لكم، وحديث الله إليكم، يخاطبكم في كل ما يحدث حولكم، وفي آياته المحكمات التي تكشف لكم عن سر وجودكم، وسر قيامكم على أرضكم، تكشف لكم قانون الحياة، وطريق النجاة، كيف تكونوا أحياء؟ كيف تكونوا عبادا لله؟ كيف تكونوا أداة خير وسلام ورحمة للناس كافة؟ كيف تدعون الى الخير والحق والسلام، والى الإسلام؟ الإسلام الذي يدعو الناس جميعا في الشرق والغرب، في الشمال والجنوب. يدعو كل الأجناس، يدعوهم أن يعكسوا البصر الى داخلهم، ويتفكرون فيما فطروا عليه. يعلمون أنهم جميعا يشتركون في معنى الإنسان. وأن كلا منهم يحمل بين جوانحه رسالة ليحققها على هذه الأرض. رسالته أن يكون عبدا لله، قياما حيا في الله، وجودا صالحا لاستمرار الحياة. إن أسلوب الحياة على هذه الأرض الذي جاء به الدين ما هو إلا تعبير عن هذه الحقيقة، وما هو إلا وسيلة ليحقق بها الإنسان هدف وجوده. هذه الوسيلة لا تنفصل عن الهدف. كما أن الهدف لا ينفصل عن الوسيلة. جاء الإسلام ليبين للناس ذلك، ليقول لهم أنهم جميعا مخلوقون لله (إن كل من في السموات والأرض إلا آتي الرحمن عبدا) (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) (وألقيت عليك محبة مني ولتصنع على عيني) (ولقد كرمنا بني آدم) (إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا). جاء الإسلام ليعلم الإنسان طريق حياته (قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق ثم الله ينشئ النشأة الآخرة إن الله على كل شيء قدير) (الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السموات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار). خلق الإنسان ليبحث في هذه الأرض وليتعلم من قوانين هذه الأرض، وليتدبر ما أوجد الله على هذه الأرض، لا بالاستحسان أو الاستعجاب، ولكن بالعلم والمعرفة، والتأمل والبحث والعلم الجاد. جاء الإسلام ليعلم الناس كيف يتعاملون (كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله) (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا) ترابطوا وتكافلوا وتحابوا وتآلفوا وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر، أعينوا بعضكم البعض، وابذلوا جهدكم لبناء مجتمعكم، فلا تتراخون أو تتكاسلون، بل اعملوا في كل اتجاه (وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون وستردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون) (والعصر. إن الإنسان لفي خسر. إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر) (خلقنا الإنسان في أحسن تقويم. ثم رددناه أسفل سافلين. إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم أجر غير ممنون) اعملوا لخير الناس، ولخير أنفسكم، ولخير مجتمعكم، وأقيموا العدل بينكم (إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون) إن بناء مجتمع صالح هو البداية التي ينطلق منها أي جهاد، لا ينطلق الإنسان للجهاد من مجتمع فاسد غير مترابط، ليست لديه مقومات المجتمع والأمة. إن على كل إنسان أن يحاول أن يكون بوجوده مثلا صالحا وبدءا صالحا. أن يكون لبنة صالحة في بناء أكبر (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته). فليحاول كل فرد في المجتمع أن يكون مثلا صالحا وإنسانا فالحا. جاء الإسلام ليعلمنا هذا القانون، قانون الأمة الصالحة والمجتمع الصالح. إن قانون الحياة مطبق على الجميع لا فرق بين عربي أو أعجمي، لا فرق بين مسلم أو مسيحي أو يهودي أو بوذي أو مجوسي. إن القانون مطبق على الجميع، فلا يجب أن يتصور الإنسان في لحظة ما، أنه بمجرد انتمائه الديني، أو باسمه الذي تسمى عليه بمولده، أو بعقيدته، يكفي لأن يعطيه هذا ميزة على الآخرين. إنما ما ينفع الإنسان هو عمله وعلمه، وتوفيق الله له، قبل كل ذلك، وبعد كل ذلك. لا يمكن أن تقوم قائمة لأي أمة إلا بصلاح أفرادها، لا يمكن أن تقوم قائمة لأمة عن طريق القهر أو الجبر. إنما يكون ذلك بالدعوة الصالحة، وبالتعليم الجاد، حتى ينشأ النشء على قيم حقية وروحية ومعنوية خالصة لله. لا يمكن لقلة مهما كانت أن تفرض بالقوة قيما على الآخرين، وإنما يكون ذلك بالدعوة والموعظة الحسنة، والحجة البالغة، والتيسير والتخفيف والتحبيب، لأن دين الحق هو دين الخير، ودين الأفضل والأحسن والأقوم…”

مفاهيم دالة :

١٥٨ - خلق الله فيكم الحياة لتغيروا وتتغيروا، لتعملوا وتتعلموا، لتؤثروا فيما حولكم ولتتأثروا. وما عبادة الله إلا إعمال ما أعطاكم الله من نعمة لتعرفوا قانون الحياة

تاريخ الحديث: ٢٠٠٢/٢/١

”… لقد خلق الله فيكم الحياة لتغيروا وتتغيروا، لتعملوا وتتعلموا، لتؤثروا فيما حولكم ولتتأثروا. وما عبادة الله إلا إعمال ما أعطاكم الله من نعمة لتعرفوا قانون الحياة. تعملوا به فتكسبوا وترتقوا، وتصبحوا أعلى مما كنتم عليه. هذا هو معنى من معاني الآية (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون). ولكن الناس تفهم هذه الآية بصورة مختلفة وتعتقد أن عبادة الله هي في طاعة جسدية عمياء دون تفكر وتدبر وتعلم. وكثير من الذين ينتسبون الى العلماء يقولون إن عليك أن تفكر الى أن تؤمن بالله وتؤمن بأن هذا كتاب الله وبعد هذا لا تفكر. فهل هذه هي عبادة الله؟ هل هي هذه عبادة الأحرار، عبادة العلماء، عبادة الأتقياء؟ إنهم لا يفرقون بين الطاعة وبين أن ينظر الإنسان الى ما يقوم به في طاعته، وماذا نتج عنها. هل هو أطاع فعلا ؟ وهل الطاعة هي شكل وصورة؟ ما هي الطاعة؟ وكيف تكون الطاعة؟ هذا هو السؤال. لأن الطاعة لا تتعارض مع فكر، مع علم، مع بحث، مع مراقبة للنفس، مع تقويم لما يقوم به الإنسان وتقييم له. الطاعة هي عمل وعلم، هي خشية ومراقبة. وقد علمنا رسول الله صلوات الله وسلامه عليه ذلك يوم قال (أنا أقربكم من الله وأخوفكم منه) (ها أنا رسول الله بينكم ولا أدري ما يفعل بي غدا) تعبيرا عن خشية الله (إنما يخشى الله من عباده العلماء). فالطاعة على ما نفهمها هي إدراك لقانون الحياة وخضوع له، لأن هذا هو الطريق الوحيد الذي يستطيع أن يكسب منه الإنسان، بمحبة ورغبة صادقة في أن يتعلم هذا القانون. إن الإنسان لا يملك أن يخلق قانونا جديدا، ولا يستطيع ذلك. وعدم الاستطاعة هنا ليست اختيارية ولكنها واقع (يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السموات والأرض فانفذوا لا تنفذون إلا بسلطان). فالله لم يحد حريتنا في أن نفعل، في أن نبحث، في أن نعمل، ولكننا نحن الذين ندرك أن لنا طاقات محدودة، ونعرف أن ما نجهل أكثر كثيرا مما نعلم. وهذا هو الذي يجعلنا نشعر حقا بالعبودية الى الله وبالافتقار الى الله. وهذا هو المدخل الذي دخل منه كل الأنبياء يوم تأملوا وتدبروا في الكون حولهم فأدركوا ضعفهم وافتقارهم وقلة حيلتهم وأنهم في حاجة في اتصالهم بالغيب ليتعلموا ويعرفوا ويتحركوا على هذه الأرض. فعبوديتك لله هي عبادة أنت تراها واضحة جلية بحرية كاملة. أنت عبد حر لله لأن منتهى حريتك هي التي تجعلك في معنى العبودية لله. وأنت اليوم يا إنسان عليك أن تختار بهذه القدرة التي أودعها الله فيك ماذا تريد، وماذا تطلب، وماذا تقصد، أتريد أن تغير القانون على هذه الأرض غيره إن استطعت، ليس هناك حدود فلتفعل. أتريد أن تطيع طاعة عمياء، ولا تفكر ولا تتفكر، أم تريد أن تتأمل وتتفكر وتتدبر وتبحث عما فعلت وعما قدمت وعما تعلمت، وكيف أثر كل ذلك فيك وكيف أثرت أنت فيمن حولك، ماذا قدمت وماذا تعلمت؟ فلننظر الى أنفسنا ولنقوم حالنا حتى نكون حقا في طاعة. فالطاعة هي تفاعل مع ما نفعله حتى نعرف ما أدت به هذه الطاعة لنا. إن الطاعة هي التي تغير الإنسان إذا كانت طاعة حقيقية. فليست الطاعة هي في الفعل الذي يخرج عن الإنسان ولكن في الفاعل الذي هو الإنسان. إن القيام بالصلاة في مظهرها لا يعني شيء، ولكن الذي يعنيه هو نية الإنسان في قيامه ورغبته في أن يصلي، رغبته في أن يطلب صلة، رغبته في أن يطلب قوة، رغبته في أن يتغير. هذا الحافز الداخلي هو ما عبر عنه رسول الله صلوات الله وسلامه عليه بأن نية الإنسان خير من عمله، فالنية التي تدفع الإنسان إلى الفعل هي الأساس. كذلك السيئة والمعصية فليست القضية في المعصية في حد ذاتها، فهي فعل قد لا يضر أحد، ولكن ما يضره هي نيته التي تدفعه الى هذه المعصية. إن الاستغفار الحقيقي هو أن يفعل الإنسان فعلا يغيره من داخله، يغير ما يحفزه الى هذا الظلام، هذا هو التغيير الحقيقي، وهذه هي المغفرة الحقيقية. بهذا التغيير يكون الله قد غفر له. فكل الطاعات هي محاولة للتغير من الداخل، وليست لمجرد فعل ظاهري. هذا مفهوم أساسي، إن لم يقم هذا الفهم في الإنسان ما صلى وما صام. ولا تكون صلاته إلا مجرد كلمات يتحرك بها لسانه، وحركات يقوم بها جسده. وهذا ما يوجهنا إليه الدين دائما ولكننا لا نقرأ ولا نسمع (رب صائم لم يأخذ من صيامه إلا الجوع والعطش) (وكم من مصل لم يزدد بصلاته من الله إلا بعدا) (وكم تال للقرآن والقرآن يلعنه) (إذ قربا قربانا فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الآخر). ونحن نقول بعد كل صلاة اللهم تقبل. فالقضية هي في نية الإنسان في داخله وليس أنه جاء وركع وسجد، ولكن في نيته التي تدفعه الى الصلاة، وماذا يرجو من هذه الصلاة. …”

تعليق:

يتعرض هذا الحديث إلى العلاقة بين هذه المفاهيم: العبودية لله، الطاعة، النية، الاستغفار.

مفاهيم دالة :

١٥٩ - دعوة الإسلام وأنها هي “شهادة أن لا إله إلا الله” وتطبيقها يساعد الإنسان أن يكون حرا وشهادة أن محمدا رسول الله تساعد الإنسان أن يختار أفضل وأقوم في حياته

تاريخ الحديث: ٢٠٠٢/٤/٢٦

”… جاء كل الرسل والأنبياء برسالة الإسلام لمخاطبة البشرية كلها. وكانت الرسالة المحمدية هي جماع كل هذه الرسالات توضيحا لما سبق وكشفا لما سيلحق. فأوضحت أنها للبشرية كلها (لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى) (ما أرسلناك إلا كافة للناس…). لأن الدعوة هي أن يفيق كل إنسان إلى ما فيه من سر الحياة، وإلى ما فيه من فطرة الحياة. إنها دعوة كونية، دعوة عالمية، دعوة إنسانية. إنها تخاطب الإنسان في المقام الأول، تخاطب فطرته، تخاطب عقله، تخاطب قلبه. تعلمه أن “لا إله إلا الله” وأن عليه أن يكون عبدا لله. العبودية لله تحرره من أن يكون عبدا لفكر أو لشكل أو لصورة. إنما تجعله حرا يفكر ويتأمل ويتدبر. إن العبودية لله هي حرية الإنسان، لأن أي فكر على هذه الأرض مهما نسبه أصحابه إلى الغيب إلا أنه هو مفهومهم فيه، وتفسيرهم له. وبذلك لا يستطيع أن يسيطر إنسان على إنسان بأن يقول إنني أعرف الدين وأنت لا تعرفه. لا يستطيع أن يسيطر إنسان على إنسان بظن علم في دين، أو بظن اتصال بغيب. وإنما كل إنسان مكلف، وكل إنسان حر، وكل إنسان راع (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته) (ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله). وإذا اتخذ الإنسان قدوة بالله وأعلا بالله، فبالله يكون فهمه ويكون تأمله ويكون اقتداؤه. لا يكون اقتداؤه تقليدا دون وعي، ودون فهم، وإنما يكون بالله. وكونه بالله يحرره من أن يكون تقليدا أعمى أو شكلا أجوف (قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا…) دعوة إلى التأمل والتفكر في مقصود الإنسان على هذه الأرض، وفي هدف وجوده. دعوة الإسلام هي دعوة لكل إنسان. ولكننا يا للأسف حولنا هذه الدعوة إلى أشكال وصور، وقلبنا الآية بأن جعلنا ما هو خاص عام، وما هو عام خاص. فدعوة ” لا إله إلا الله” هي دعوة عامة موجهة إلى كل الناس. ومن شهد أن لا إله إلا الله خالصة بها قلبه كان في معنى الإسلام. وهذه هي البداية، وتجيء بعد ذلك كل العبادات وكل المناسك وكل المعاملات في أشكالها المختلفة كرسالة موجهة للإنسان. وشهادة أن محمدا رسول الله هي التي تعبر عن أن كل ما قام به رسول الله صلوات الله وسلامه عليه كان رسالة للبشرية، حملها متابعوه لتكون قائمة دائمة على هذه الأرض. دعوة الإسلام تدعو الناس في كل دين، ونحن نستخدم كلمة الدين هنا للتعبير عن واقع، إنما الدين في مفهومه الحقيقي هو دين واحد، وهو قانون واحد، وهو قضية واحدة، إنما نستخدمها كما يستخدمها الناس اليوم لكل دين لكل حضارة لكل جنس، تدعوهم أن يشهدوا أن لا إله إلا الله مهما كان حالهم ومهما كان قيامهم ومهما كانت عقيدتهم، ليفكروا في دلالة هذه الشهادة، وليتأملوا فيها. هل يريدون أن يكونوا أحرارا، أم أن يكونوا عبيدا لطاغية، أو عبيدا لمادة، أو عبيدا لفكرة، أو عبيدا لمعتقد لا يرون فيه صدقا ولا عقلا. ماذا يريدون أن يكونوا؟ ما هو الأفضل الذي يحبون أن يكونوا عليه؟ أيحبون أن يكونوا مفكرين أم أن يكونوا مقلدين؟ أيحبون أن يكونوا منطلقين أم أن يكونوا مقيدين؟ أيحبون أن يكونوا مقدرين لعقولهم أم أن يكونوا مستهينين بها؟ ماذا يريدون أن يكونوا؟ “شهادة لا إله إلا الله” تخرجهم من الظلام إلى النور، ومن الجهل إلى المعرفة، ومن العبودية إلى الحرية. إن دعوة الإسلام الحقيقية هي “شهادة أن لا إله إلا الله”، وكل شئ بعد ذلك يجيء ليعبر عن قانون من قوانين الحياة. ولكننا لم نفعل ذلك، وجعلنا من الإسلام شكلا وصورة، وجعلنا من الأديان كلها أشكالا وصورا. لنتحارب حول شكل، حول صورة، حول تصور، حول قول لا نعرف مراده ولا صحته. فيجيء فريق يتمسك بنبوءة فهمها بشكل ما، يريد أن يبني هيكل سليمان عليه السلام، ويعتقد أن هذا هدف نبيل، في سبيل هذا الهدف لا مانع من أن يفعل أي شئ؛ يهدم البيوت على أصحابها، يهدم المساجد على الراكعين فيها، لا يهم إنه يحقق نبوءة الله ونبوءة كتابه. وفريق آخر يؤيده لأنه يرى أن المسيح لن يظهر إلا بعد بناء الهيكل، فيؤيد هذا الفريق، ويدفع في هذا الطريق، بظن إيمان وبظن دين. وفريق آخر يتكاسل ويتواكل في انتظار المهدي الذي سوف ينصره، وسوف يهدم كل شئ على معاديه. الكل ينتظر، فريق يحاول أن يحقق النبوءة بظلم وظلام، وفريق لا يفعل شيئا، ولا يجتهد ولا يجد ولا يفكر ولا يتعلم، ولا يتخذ أسباب القوة في انتظار مهدي، ويعتقد أن هذا يكفي. هل هذه دعوة الإسلام؟ دعوة لا إله إلا الله؟ دعوة الحرية؟ دعوة العمل؟ دعوة التأمل والبحث؟ إن ما أنبئنا به أيا كان لا يعرف وقته إلا الله، ولا يعرف تأويله إلا الله، ولا يعرف مكانه إلا الله. قد يحدث في عصر ما، في وقت ما، في مكان ما، وقد يكون له معنى آخر لا ندركه بعقولنا اليوم. ما علينا نحن إلا أن نفعل، إلا أن نجاهد، إلا أن نجتهد، إلا أن نعد أنفسنا. لا نظلم ولا نجور، لا نخرب ولا نعتدي لأي سبب. الذين يؤمنون بالله لا يخربون، لا يعتدون، لا يظلمون، ولكن للأسف كل جماعة بظن دين غفلت عن الطرق السليم، وسارت وراء أهوائها بظن دين، واستخدمت الدين لتحقيق مآرب دنيوية وأهداف مادية. تأملوا فيما يحدث حولكم، تأملوا في الباطل الذي ترون، وتعلموا منه حتى لا تكونوا باطلا مثله، فقد يتعلم الإنسان من الباطل أكثر مما يتعلم من الحق يوم يعرف أنه باطل، ويوم يرى فيه الباطل فيرفضه، ولا يسير وراءه، وإنما يتجه إلى الله أن يشهده الحق، وأن يعلمه الحق، وأن يرزقه الحق …

تعليق:

حديث عما هو دعوة الإسلام وأنها هي “شهادة أن لا إله إلا الله” وتطبيقها يساعد الإنسان أن يكون حرا وشهادة أن محمدا رسول الله تساعد الإنسان أن يختار أفضل وأقوم في حياته.

مفاهيم دالة :

١٦٠ - قليل من العباد الذين يشكرون، والذين يكملون طريقهم. وكل إنسان صادق يأمل أن يكون من الذين يكملون، لا ييأس من رحمة الله ولا يستسلم لنفسه مفرطا في أمر حقيقته

تاريخ الحديث: ٢٠٠٢/٦/٢١

“…الهدف الذي نصبو إليه أن نكسب كرتنا وحياتنا ووجودنا، ونحن محاطون بظلام من داخلنا، من النفس الأمارة بالسوء فينا، ومن ظلام بخارجنا من النفوس المظلمة التي تحيط بنا على أرضنا وفي مجتمعنا. ونحن بمعنى الرحمن فينا، وبمعنى الحق لنا، وبسر الله الذي فطرنا عليه، وصبغنا به نجاهد هذا الظلام من داخلنا ومن خارجنا. وما الجهاد إلا محاولة لنكون في استقامة في سلوكنا كما كشفت لنا آيات الحق، وهي تعلمنا وتصف لنا حال المستقيمين، حال الفالحين، حال الصالحين. تحدثنا عن الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم، ويتفكرون في خلق السماوات والأرض. فلنتسأل هل نحن كذلك؟ هل نرى الله دائما في معاملاتنا؟ هل نتعامل مع الله في أحوالنا، وفي كل ما يصيبنا، وفي كل ما يحيط بنا. ماذا نحن فاعلون؟ ماذا نرى ونحن نعمل، ونحن نتحرك؟ هل نرى الله أمامنا دائما؟ هل نتعامل مع الله دائما؟ هل نحن مثل هؤلاء الذي حدثنا الحق عنهم؟ قد نجد الإجابة بلا، نحن لسنا كذلك، ولم نصل بعد إلى ذلك، فهل هذا مطلوبنا؟ فهل هذا مقصودنا؟ هل نأمل أن نكون كذلك؟ أم أن هذا ليس أملنا وليس هدفنا. إنه سؤال نسأله للمعنى القائم فينا بظاهر الإرادة. ماذا نريد؟ فكل إنسان له إرادة، ونقول ظاهر إرادة، لأن الله من وراء كل إرادة بإحاطته، ولكن هذه الإرادة ظاهرة لنا، والانا فينا هو الذي يحركها، هو الذي يفعلها. ماذا نريد وماذا نطلب؟ مثاليات يذكرها الحق لنا. الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهة، هل نحن كذلك؟ إننا سمعنا مناديا ينادي للإيمان أن آمنوا بربكم فآمنا، هل نحن كذلك؟ هل سمعنا منادي الإيمان؟ وهل إذا استمعنا إليه أو سمعناه أجبناه؟ إنها ليست تشبيهات وإنما هو واقع. كل هذه الآيات تصف حالا واقعا، تصف حالا للإنسان. هل عرف الإنسان ذلك؟ هل قدر ذلك؟ هل شعر بأنه يصبو إلى ذلك؟ أم أنه ارتضى بالأدنى وبالأقل، وبالدنيا ومتاعها، وأصبحت الدنيا هي كل ما يهتم به وهي كل ما يريد وهي كل ما يعلم. ما هو العلم النافع في نظره؟ هو ما يفيده في الدنيا؟ أهو ما يجلب له مالا، ويجلب له جاها، ويجلب له سلطانا، ويجلب له قوة؟ أما غير ذلك فهو علم غير نافع في نظره. العلم الذي يهذب نفسه، ويقوم سلوكه، ويجعل هدفه مقصود وجه الله، وأمله كسب هذه الكرة، هو غير نافع بالنسبة له. ما يجابه كل إنسان هو كيف يجعل من الدنيا وسيلة ولا يجعل منها هدفا. ومن هنا كان الذكر، وكان الدعاء، وكان التجمع على ذكر الله، وعلى طلب الله، وعلى مقصود وجه الله، هو الذي يساعد الإنسان أن يجعل من الدنيا وكل الأهداف المادية وسيلة لأن يكسب حياته أيضا. فلا ينظر إلى هذه الأهداف المادية نظرة منفصلة عن هدفه الكلي، وإنما ينظر إليها نظرة متكاملة معه. سوف يساعده هذا العلم أيضا على أن يجعل من الدنيا وسيلة وليست هدفا. من يرى في الدنيا هدفا فإنه يخطئ خطأ كبيرا لأنها سوف تجعله ينشغل انشغالا كاملا بها وبعبادتها وينسى هدف وجوده الأكبر وهو أن يكون عبدا لله. وهذا هو الخطر في هذه الدنيا، والتحدي وسيلة لكسبه في الله. إن المثالية التي نرجو هي أن نكون عاملين بكل قوتنا على هذه الأرض، معمرين، مغيرين، مجددين، ناصحين، مرشدين، عاملين، مجاهدين، مجتهدين، باحثين، مطورين، متعلمين، عالمين، معرفين، عارفين، وكل ذلك من أجل الهدف الأكبر وهو مقصود وجه الله. إنه تحدي عظيم، لا ينجح فيه إلا القليل، أما الكثير فلا يستطيعون أن يكملوا طريقهم، ويقعوا في وسط الطريق مفرطين في أمر دينهم، وحقيقة وجودهم، مستجيبين لنزواتهم، ولمادي وجودهم، ولدنيا أرضهم، ولعاجل أمرهم. والذي يكملون قد يجدوا في منتصف الطريق أن يبتعدوا عن الدنيا وما فيها، حتى لا يقعوا مفرطين، فيغتربون، والدنيا يتركون، ويحتجبون، ويعتزلون، لأنهم يخشون هذا التحدي العظيم. وقليل من العباد الذين يشكرون، والذين يكملون طريقهم. وكل إنسان صادق يأمل أن يكون من الذين يكملون، لا ييأس من رحمة الله، ومن كرم الله، يصبر ويصابر، ويدعو الله، لا يستسلم لنفسه مفرطا في أمر حقيقته، ولا يهرب من المجابهة بالتقوقع على ذاته، وإنما يحاول ويحاول. لذلك نقول دائما أن الذي يجاهد كذلك حتى وإن لم يصل إلى هدفه، ولم يحقق نصرا كاملا على ظلام نفسه، وخرج من الدنيا وهو كذلك، فإنه يكون كمن قتل في سبيل الله، كمن استشهد، لأنه لم يفرط، ولم يسلم لظلامه، ولم يهرب من التحدي. ولم يول الأدبار، إنما جاهد وجاهد. وهو أمر ليس بالسهل أن تظل كذلك بعمرك كله. إنك في حاجة الى قوة دائمة تدفعك، والى أخوة في الله تساندك، والى رحمة من الله تحيط بك، ولا يكون ذلك إلا بأن تدعو وتدعو، وتذكر وتذكر…”

تعليق:

حديث عن الهدف من وجود الإنسان وما نحاول أن نكون عليه من المجاهدة في سبيله والطمع في رحمته وفي نصره، مفوضين أمرنا له، وموكلين ظهورنا إليه، آملين أن نكمل طريقنا حتى نخرج من هذا العالم ونحن نحاول أن نحقق هدفنا بأن نكون عبادا لله.

مفاهيم دالة :

١٦١ - نفس الإنسان ألهمها الله فجورها وتقواها فهي تعرف ما يبعدها عن الحق، وما يقربها إليه

تاريخ الحديث: ٢٠٠٢/٨/٢٣

”… لقد أوجدنا الله على هذه الأرض لحكمة ولرسالة أرادها بنا. علمنا هذه الرسالة في كل دين بعث رسولا به إلينا. وعلمنا أنه أعطى لنا البصر والسمع والفؤاد، وأن لكل عطاء دوره ومسئوليته، وأعطانا سره الذي هو وراء كل جوارحنا (فألهمها فجورها وتقواها.. قد أفلح من زكاها.. وقد خاب من دساها). فنفس الإنسان التي هي وراء هذه الذات عرفها الله، وألهمها فجورها وتقواها. تعرف ما يبعدها عن الحق، وما يقربها إليه. فهذا معنى موجود فيها بفطرة الله التي فطر الناس عليها، وبصبغته التي صبغهم بها. ولكن الإنسان ينسى ما فيه من فطرة ومن صبغة. لذلك كان الحق يرسل رسولا ليبلغوا الناس ما فيهم من سره وعما فيهم من فطرته. أمرهم أن يقرأوا آياته لهم، ويرجعوا هذا الذي يقرأون الى ما فيهم من فطرته. كذلك أوجد الله قوى مضادة بحكمته. وقد علمنا ذلك يوم قال لآدم وإبليس، اهبطا منها بعضكم لبعض عدو. لأن هذا هو قانون الحياة. دعاة الحق يدعون بعضهم بعضا، ودعاة الباطل يدعون بعضهم بعضا. أمل الإنسان الصالح الذي أدرك ما فيه من تقوى أن يكون في معسكر الحق، يجتمع على ذكر الله، ويقصد وجه الله. في صلاحه صلاح لكل من ينتسب إليه. بذلك يكونون أداة خير وسلام ورحمة. أمل الإنسان على هذه الأرض أن يكون أداة خير وسلام ورحمة، لأنه بذلك يكسب في الله ويرتقي. الإنسان في حاجة الى من يشد أزره، ومن يأخذ بيده، ومن يذكره بما عاهد الله عليه. وهذا هو فضل الجماعة وفضل الاجتماع على ذكر الله. فالاجتماع على ذكر الله يساعد كل فرد في جماعة أن يكون منتسبا الى الحق والى النور. يساعده في طريقه الحقي في هذه الحياة، وما بعد هذه الحياة، يساعده أن يسلك طريق الفلاح. لذلك عبر الاتصال الروحي في عصرنا الحديث عن هذه الحقيقة بإخبارنا أن هناك من ينتقلون الى العالم الآخر وهم غير منتسبين إلى أسرة، الى جماعة، الى أخوة في الله. ونجد التعبير القرآني (أولئك يجزون الغرفة بما صبروا) فهنا إشارة الى بيت نجتمع عليه ونرتبط به (في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه). إن الاجتماع على ذكر الله، والتواجد في بيت لله، هو عون كبير للإنسان في رحلته الأبدية، لأنها تعينه على صعاب كثيرة، يأخذ مددا من إخوان له في الله. اجتمع معهم، وذكر الله معهم، وقصد وجه الله معهم، ودعي ربه معهم (الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه) إنهم قوة واحدة، وجسد واحد، وروح واحدة. يشدوا أزر بعضهم بعضا، يأخذ القوي فيهم بيد الضعيف في طريق الله. وهذا من قوانين الله التي علمنا إياها (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها) …”

تعليق:

هذا الجزء من الحديث هو ملخص الخطبة وقد ارتأيت أخذه بدلا من الخطبة الأصلية

مفاهيم دالة :

١٦٢ - الخطأ الأكبر أن يعتقد إنسان، أو تعتقد جماعة، أنها هي الوحيدة التي على الحق المطلق

تاريخ الحديث: ٢٠٠٢/١٠/٢٥

”… إننا جميعا على هذه الأرض نعيش في حجاب من ظلمة، لنا حدود ولنا قيود نتحرك فيها، نتلمس الحق، وكل يحاول أن يجد له طريقا يسلك فيه (وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا) (ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة) (أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين) (وما كان لنفس أن تؤمن إلا بإذن الله) (من يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا). التباين والاختلاف أمر وارد، وكل إنسان يرى آيات الحق بما هو له أهل، فهناك من لا يرى إطلاقا (صم بكم عمي فهم لا يرجعون)، وهناك من كشف الله الغشاوة عن عينيه وكان مبصرا وبصيرا، وهناك درجات بينهما. هذا الاختلاف وارد. وسنة الحياة أن يكون هناك هذا الاختلاف. بل أن في الدين الواحد، وفي العقيدة الواحدة، وفي المجتمع الواحد، يختلف الناس كل ينظر بنظرة. وفي المجتمع الإسلامي هناك فرق كثيرة، وأفكار كثيرة، وجماعات كثيرة، وكلها يدعي أنه هو الإسلام وأن غيره ليس كذلك. وهذا هو الخطأ الأكبر أن يعتقد إنسان، أو تعتقد جماعة، أنها هي الوحيدة التي على الحق. إن الحق وراء كل شيء، إنا حين ننظر إلى هذه الأرض في الصراع الدائر الدائم بين الحق والباطل، بين الخير والشر، بين المجتمعات، وبين الأمم، وبين الدول، وبين الثقافات، وبين الحضارات لا نستطيع أن نقول إن الحق المطلق في أحد الجانبين، لأن الحق المطلق وراء كل شيء، ولا يقع شيء على هذه الأرض إلا بإذنه، وإلا بتقديره. فالحق قائم، والحق دائم، والحق مستمر. ففي الجماعة الواحدة التي تنتمي إلى أصل واحد قد تختلف أيضا، وقد تختلف الجماعات، ولكن الحق أكبر من أن يكون في مفهوم واحد. لذلك فنحن نذاكر دائما بأن ما نقوله، ونتواصى به، لا يعني أبدا أنه الحق المطلق، إنما هو ما نراه وما نشهده، هو رؤية، هو زاوية من زوايا الحق. ولا يستطيع إنسان أيا كان أن ينسب إلى نفسه الحق المطلق. ومع ذلك فإن كل إنسان مطالب بأن يقدم رؤيته، وأن يقدم شهادته، وأن يدفع بالحق الذي يراه، وأن يحارب الباطل الذي يراه، ولكن يجب دائما أن يكون مستعدا أن يرجع إلى رأي آخر، إذا تبين له إنه الأفضل بالنسبة له، لا تكبر واستكبار، إنما محاولة دائمة للبحث عن الحقيقة…”

تعليق:

حديث عن نسبية الحق وعلاقته بالآية عن دفع الناس بعضهم ببعض

مفاهيم دالة :

١٦٣ - جاءت رسالة الإسلام، لا على أنها بديل لكل المعتقدات، بل لتوضح كيف تعيش كل هذه المعتقدات جنبا الى جنب، وكيف يعيش الناس جنبا الى جنب، وأن يكون تعاملهم أساسه الفهم المتبادل وعدم التجمد في قوالب

تاريخ الحديث: ٢٠٠٢/١٢/١٣

”… إن أمتنا التي ننتمي إليها بأجسادنا تمر بمرحلة عصيبة. تختبر فيها إرادتها، وتختبر في عقيدتها، كما أنها تكشف عن الحال الذي صارت إليه، وأصبحت عليه، من ضعف وهوان، لا تملك أمر نفسها، وإنما يفعل بها، وأصبح البعض يرى في ذلك صراعا جديدا بين الغرب ومعتقداته، وبين الشرق ودين الإسلام. وإن كان الذين يرفعون هذه الشعارات، وهذه الصراعات، لهم أغراض مظلمة دنيوية، إلا أن هذا الذي يحدث هو رسالة لكل متأمل ومتدبر، ليرجع مرة أخرى ويتفكر في إسلامه، وفي عقيدته، وفي دينه. إنه من الخطأ بمكان أن نعمم أي فكر على أنه الإسلام، أو أن أي فكر على أنه اليهودية أو المسيحية. فهناك رؤى متعددة لجماعات كثيرة، بل أن كل إنسان قد يرى الأمور بصورة مختلفة. فالحقيقة أنه ليس هناك صورة واحدة، أو مفهوم واحد، وإنما هي مفاهيم متعددة، وهذا ما جاءت به رسالة الإسلام، لا على أنها بديل لكل المعتقدات، بل لتوضح كيف تعيش كل هذه المعتقدات جنبا الى جنب، وكيف يعيش الناس جنبا الى جنب، وأن يكون تعاملهم أساسه الفهم المتبادل، والتفكر والتأمل والتدبر، وعدم التجمد في قوالب ( وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم ) (لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى) (وما أرسلناك إلا كافة للناس) ( ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة) (ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض) فالتعدد هو السمة الغالبة على هذه الأرض، لأن كل إنسان له شخصيته و فرديته. والإسلام بمفهومه العام الشامل هو أنه يوضح لنا كيف نتعايش معا (يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا) (ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن). المقصود هنا ليس أن تجادلوهم لتجبروهم على أن يتبعوا ملتكم، أو طريقتكم في الحياة. لأننا لو نظرنا الى داخل من ينتمون الى الإسلام اسما وجدناهم شيعا كثيرة. كل يعتقد أنه على الإسلام، وأن غيره ليس كذلك. وحين يتكلم أحد منهم يقول الإسلام هو كذا وكذا، والآخر يقول نفس الشيء. الإسلام هو كل مفهوم صادق نابع من منطق حكيم، ومن تأمل مستقيم، ومن نظرة صائبة، ومن رغبة صادقة في الصلاح والإصلاح. الإسلام هو منهج وليس شكلا. وهذا ما نردده دائما. الإسلام هو أسلوب حياة، وليس طقوسا ولا شعارات. إن دعوة الإسلام لا تقول للناس تعالوا وافعلوا كذا وكذا، ولكن تقول لهم فكروا وتأملوا وتدبروا فيما أنتم فيه قائمون، واتبعوا ما ترون أنه الأحسن والأفضل والأقوم. إن دعوة الإسلام تقول للناس ارجعوا البصر الى داخلكم وانظروا ما أودع الله فيكم، أودع فيكم سره، ونفخ فيكم من روحه، وأعطاكم إرادة، فماذا أنتم فاعلون؟ إن دعوة الإسلام هي دعوة تفكر وتأمل وتدبر، تعايش وتعامل بالحسنى، والبحث عن الحقيقة، وإقامة العدل (إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي). هذه هي الكلمة السواء، التي يدعو لها الإسلام، لا ليتغير الناس لشكل آخر، وإنما ليتأملوا ويتدبروا فيما هم فيه قائمون. وسيظل الناس يبحثون عن السبل لإحقاق الحق وإقامة العدل، وسوف يختلفون دائما في تنفيذ هذه الأوامر ووضعها على أرض الواقع. والإسلام يدعوهم الى ذلك من خلال أسلوب يتعاملون به. كل يقدم ما يستطيع، ويتجادل بالحسنى في تنفيذ القيم التي يراها الناس جميعا. فالناس في جميع بقاع الأرض، وفي جميع الحضارات والثقافات يتكلمون عن نفس القيم، وإن اختلفت الرؤى في التنفيذ. فالكل يتكلم عن السلام، ولكن في سبيل هذا السلام ربما يقول أني سأحارب لأحقق السلام. الكل يتكلم عن الرحمة للناس، ولكن حين ينفذ هذا ربما يقول إني سوف ألجأ الى العنف حتى أصل الى الرحمة. وهكذا فمن الناحية المفهومية، من ناحية القيم الحقية، فطرة الإنسان تجعله يؤمن بكل القيم الجميلة والجليلة والعظيمة. والإسلام يحث الناس على إكبار هذه القيم فيهم، وأن يحاولوا حين ينفذون هذه القيم أن يعرفوا أن نفوسهم تميل الى السوء في بعض الأحيان، فعليهم أن يجتمعوا ويتدبروا أمرهم، ويبحثوا عن أفضل السبل لإحقاق أمرهم وعدم. الاختلاف الذي يجيء أساسا من النفوس المظلمة، ومن الرغبات المادية، التي تريد أن تسيطر على هذه الأرض. وهذه هي الآفة التي نعاني منها ليس فقط بين الأديان، وإنما في الدين الواحد، وفي الوطن الواحد، وفي المجتمع الواحد، إنه صراع النفوس، إنه صراع الشياطين التي تسري في الناس (إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم). إن كل الأديان تعلم الإنسان أن يحاول أن يسيطر على هذا الشيطان، ولا يجعله يحركه كما يريد. وهذا هو الجهاد الأكبر المطالب به كل إنسان في أي مكان كان، وفي أي شكل كان، وفي أي دين كان. عليه أن يحرر وجوده من أن يكون عبدا لنفسه الأمارة بالسوء…”

تعليق:

حين رجعت إلى الإنترنت وبحثت عن الأحداث السياسية في ذلك الوقت وجدت أن غزو أمريكا للعراق كان حدث الساعة وما صاحبه من استرجاع الماضي من حروب صليبية وخلافه.

مفاهيم دالة :

١٦٤ - الإنسان في حاجة الى مصدر، والى قبلة يتجه إليها، ويأخذ منها طاقة، تساعده في حياته. وها هو في الحج، يقترب من هذه القبلة، يقترب بذاته رمزا على اقترابه بروحه.

تاريخ الحديث: ٢٠٠٣/١/٣١

”… وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا من كل فج عميق، يأتوك ملبين، خالصين، قائمين بفطرتهم، تاركين وراء ظهورهم كل ما يربطهم بهذه الحياة الدنيا، محرمين، دخلوا في الإحرام ليعيشوا أياما بفطرة خالصة، وهم يتجهون الى بيت الله الحرام، وهم يلبون دعوة الداعي وقد دعاهم. دعاهم أن يرتبطوا بمصدر الحياة، وأن يرتبطوا ببيت الله، وأن يرتبطوا برحمة الله، وأن يرتبطوا برسول الله. إن في شعائر الحج رسائل كثيرة، وإشارات عديدة لمن يقرأ. إنها تمثل ما يجب أن يكون الإنسان عليه. ونحن نذكر أنفسنا دائما أن الإنسان في حاجة الى مصدر، والى قبلة يتجه إليها، ويأخذ منها طاقة، تساعده في حياته وفي سلوكه. وها هو في الحج يقترب من هذا المصدر، يقترب من هذه القبلة، يقترب بذاته رمزا على اقترابه بروحه. وإذا اقترب يجب أن يكون محرما، أن يكون خالصا، حتى يستطيع أن يستقبل فيوضات رحمة الله عليه، ونور الله عليه. وهذا ما نتذاكر به في كل أحاديثنا، القيام بالعبادات يجب أن يكون خالصا لله، وأن يكون كل تعامل تعاملا مع الله. والعمل الصالح هو الذي يعرض الذي يقوم به لنفحات الله، قوة تساعده أن يعلو ويعلو، ملبيا داعيا، مقبلا على كل ما هو أعلى. الحج عرفة، الحج ارتفاع، الحج معراج يعرج الإنسان فيه الى أعلى ملبيا ربه. إنه ارتفاع الإنسان بصفاته، وملكاته، ومفاهيمه، وأحاسيسه، وإدراكاته، وأفكاره، وجسده، بكل شيء ينتسب إليه. إنه معراج الى أعلى، عروج الى الأقوم، والأفضل، والأحسن (سبح اسم ربك الأعلى). بعد هذا العروج، بعد أن يأخذ الإنسان طاقة نورانية، وقوة روحية، وزادا معنويا، يهبط الإنسان مرة أخرى الى الحياة الدنيوية، بكل ما فيها، وقد أخذ زادا، وأخذ قوة تمكنه من أن يرجم شيطانه، تساعده على مواصلة الحياة الدنيوية بصورة روحية، بصورة حقية، يتعامل فيها مع الله، ويكسب فيها في الله. إننا نذكر أنفسنا بذلك في هذه الأيام المباركة، لنكون من الحاجين، من القارئين لرسالة الحج. نتعلم منها ونتأمل فيها. وهذا مطلوب من كل إنسان، سواء قام بالحج بذاته، أو كان متأملا في مناسكه. قد يمر مرة أو أكثر في حياته بأن يقرأ هذه المناسك من خلال ممارسته لها بذاته، وقد لا يستطيع ذلك. ولكن الإنسان في أي مكان عليه أن يتأمل في كل المناسك، كما لو أنه يقرأ كتابا، ويتعلم منه، ليعرف ماذا أراد الله به يوم أمره بهذه الشعيرة. وهي قراءة قابلة للتغيير. فقراءة الإنسان ورؤيته مرتبطة بإمكاناته وقدراته. وكل يوم يستطيع أن يقرأها أفضل. وحتى إذا قرأها بنفس القراءة فإن إحساسه بها يزداد يوما بعد يوم. الإنسان على هذه الأرض هو في رحلة مستمرة، كل يوم هو في حال آخر إن كان يسير وإن كان يعرج، أما إذا كان متوقفا لا يريد أن يتحرك، ولا يريد أن يتطور، فهو ثابت في مكانه. الطريق هو حركة، هو سلوك يتحرك الإنسان فيه من حال الى أفضل، ومن قيام الي أقوم، ومن حسن الى أحسن، …

تعليق:

هذا الحديث فيه تأمل في شعائر الحج

مفاهيم دالة :

١٦٥ - العقل هو أول أصل يرجع إليه وهو أساس من الأسس التي يدرك بها الإنسان معنى الغيب ومعنى الرسالة وأن ما يدركه وما يستحسنه هو أمر لا يجب أن نهمله

تاريخ الحديث: ٢٠٠٣/٢/٢٨

”… إن وجودكم وحياتكم عطاء من الله، وسلوككم وجهادكم وطريقكم هو تقدير الله، وهبكم سره، وأوجدكم في كونه (يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم.. الذي خلقك فسواك فعدلك.. في أي صورة ما شاء ركبك). أرسل إليكم رسله بالحق ليبينوا سر هذا الوجود، سر حياتكم. فكانت الأديان كاشفة لهذا السر، موضحة له، مبينة لأبعاده، ولأسراره، ولمكوناته التي تتعامل معكم. علمنا ديننا أن الإنسان بعمله، فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره.. ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره، وأن عمله بنيته، نية المرء خير من عمله، وأن نية الإنسان بفهمه فيما يقوم به (الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السموات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار) يتفكرون ليفهموا وليدركوا معنى وجودهم، ومعنى قيامهم. وهذا الفهم لا يبدأ من فراغ، وإنما يبدأ من نعمة العقل التي أوجدها الله في الإنسان (العقل أصل ديني). ونجد أن العقل احتل مكانة كبيرة عند كل المفكرين، وكل الاتجاهات. فنجد أن بعض المذاهب تضع العقل أول أصل يرجع إليه. ونجد البعض يضعون العقل أساس من الأسس التي يدرك بها الإنسان معنى الغيب ومعنى الرسالة. فلا يختلف أحد على أن العقل أصل من الأصول، وأن ما يدركه وما يستحسنه هو أمر لا يجب أن نهمله، أو أن نضعه جانبا. وهذه نعمة من نعم الله التي أوجدها في الإنسان. فإذا بدأ الإنسان فليبدأ بما أودع الله فيه من سره، يبدأ بطاقاته التي أوجدها الله فيه، وأولها العقل. ونجد الأنبياء والرسل في بداياتهم، وهم يتأملون ويتدبرون ويتفكرون، نجدهم يعملون ما أعطاهم الله من نعمة العقل. في كل الرسالات منذ إبراهيم عليه السلام وهو ينظر حوله، ينظر إلى الشمس والقمر، ينظر إلى الكواكب والنجوم، ينظر إلى الكون كله ليبحث عن الحقيقة، فيصل إلى معنى الغيب (لئن لم يهدني ربي لأكونن من القوم الضالين). يصل إلى أن هناك قوة تحيط به، عليه أن يتجه لها، بدون اسم، وبدون شكل، وبدون صورة، إنها الغيب. يصل إلى ذلك بعقله، يصل إلى ذلك بما أوجد الله فيه من قدرة على التأمل والتفكر والتدبر. فعلى الإنسان أن يبدأ كما بدأ الأنبياء والرسل، عليه أن يبدأ كما بدأ كل عباد الله الصالحين، يبدأ بنفسه، يبدأ بوجوده، يبدأ بسر الله فيه، يبدأ بما أوجد الله فيه، ويستعين بكل ما أوجد الله، يستعين بآلاء الله، يتأمل في السماوات والأرض (سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق). إنه وعد إلهي قائم دائم للإنسان. فهو يرينا دائما في الآفاق وفي أنفسنا آياته، لمن يقرأ، ولمن يسمع، ولمن يشهد. من يقرأ ويتعلم ويعرف أسرار الحياة يضيف إلى وجوده الذي أعطاه الله إياه. فكل إنسان يولد على الفطرة، وكل إنسان يولد وعنده إمكانات وقدرات، ولكن هناك من يستخدم هذه القدرات، وهناك من يهملها. هناك من يتعلم، وهناك من لا يتعلم، هناك من يبحث ويطور، وهناك من يتكاسل ويقعد، هناك من يغير ويبدل، وهناك من لا يفعل شيئا، هناك من يتحرك، وهناك من هو جامد في مكانه (قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولو الألباب) (وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون). إن الإنسان هو تفاعل بين ما أعطاه الله، وبين ما أقامه فيه، تفاعل بين داخله وخارجه، تفاعل بين إمكاناته وبين آيات الله من حوله، تفاعل بين آيات الله فيه وآيات الله في الآفاق، تفاعل بين سر الله فيه وسر الله في الكون. هذا التفاعل هو الذي يرقى بالإنسان، ويجعله خلقا آخر، إنسانا آخر، وجودا أعلى وأرقى وأقوم …”

تعليق:

هذا الحديث فيه إشارة إلى أهمية العقل في الإنسان وأن إعماله هو البداية التي يبدأ منها ليتفاعل مع آلاء الله في الكون.

مفاهيم دالة :

١٦٦ - الجهاد ليس مجرد سيفا يشهر، إنما الجهاد عمل صالح مستمر، له أدوات كثيرة وله طرق كثيرة، إن كل عمل يقوم به الإنسان، إن تعامل فيه مع الله، كان هذا العمل جهادا له في الله

تاريخ الحديث: ٢٠٠٣/٥/٩

”… هذا الدين القيم أوغل فيه برفق فإن المنبت لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى، دين القيمة، دين العقول المنيرة، والقلوب الحية، والنفوس الزكية، والأرواح الطاهرة. دين الحرية، دين العبودية لله، دين الأفضل والأحسن والأقوم، دين الكافة (أمرت أن أخاطب الناس على قدر عقولهم)، فأي عقول، إن الناس مستويات ومقامات، ولكل مقام مقال، ولكل مستوى حديث، وكل يأخذ بقدره. وهذه عظمة الحديث القرآني، إن كل كلمة فيه، وكل آية تخاطب جميع المستويات، وكل يأخذ بقدره. وهكذا كان حديث رسول الله صلوات الله وسلامه عليه. فهو يخاطب الناس على قدر عقولهم، وكل عقل يفهم بما هو له أهل (وقل لهم في أنفسهم قولا بليغا). قل لهم إن عليهم أن يسلكوا طريق الحق، وأن يجاهدوا في سبيل الله، وأن يجتهدوا في كل كلمة يسمعوها، وفي كل حال يشهدوه (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا). فالبدء من الإنسان أن يجاهد، والجهاد ليس مجرد سيفا يشهر، إنما الجهاد عمل صالح مستمر، له أدوات كثيرة وله طرق كثيرة. إن كل عمل يقوم به الإنسان، إن تعامل فيه مع الله، كان هذا العمل جهادا له في الله. وهذا ما نذاكر به دائما أن الدين ليس مجرد كلمات، وليس مجرد شعائر، وليس مجرد مناسك، وإنما هو جهاد وعمل صالح. الدين المعاملة والدين العمل (الذين آمنوا وعملوا الصالحات) (وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون) (فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره.. ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره). إن الناس يوم فهمت الدين بالصورة التي نراها اليوم، فهمت زاوية معينة، وتجمدت فيها، ولم تعرف كيف تنمو في فهمها. إن فهم الإنسان يتطور مع تقدمه الفكري والعلمي والمعرفي. إن ما يعرفه اليوم سيعرف أكثر منه بكثير غدا. وإن ما يعرفه اليوم هو أكثر بكثير مما كان يعرفه في الأمس. فالإنسان محصلة لتجارب، ولمعارف، يتعرض لها بقيامه على هذه الأرض، ولا يجب أن يتجمد الإنسان عند لحظة محددة، ولا ينمو فهمه، ولا تنمو معارفه في مراحل حياته المختلفة. إن ما يصلح للإنسان في بدايات عمره من مفهوم له في الدين، عليه أن يتطور ليتناسب مع مراحل عمره المختلفة، ونموه المعرفي. إن الطفل في بداية حياته لا يستطيع أن يدرك الأبعاد بعمقها، وإنما الإنسان يوم ينمو فكره يستطيع أن يرى بعدا آخر في حياته، وفي سلوكه. إن أي مفهوم في الدين له أبعاد وأعماق مختلفة، والذين يتوقفون عند لحظة، دون تفهم للزوايا الأخرى، فإنهم يخطئون خطأ كبيرا في إلزامهم للناس جميعا، بأن يروا رؤيتهم ويعرفوا معرفتهم. ومن هنا ظهرت جماعات كثيرة تعبد الله على حرف، وتتمسك بالكلمات دون أن تعرف سياقها، ودون أن تتعلم أبعادها. فتجيء جماعة وتردد الآية (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون)، ويحاولون أن يصبغوا على هذه الكلمات ما ليس فيها من أبعاد حقية، فيبترونها ويقفون عند مفرداتها، ويطبقونها على مجتمعاتهم، ويكفرون حكامهم، ويكفرون كل فرد في المجتمع، لا يفعل في نظرهم ما أمر الله، ويعتقدون بذلك أنهم المؤمنون، وأنهم الصادقون، والفالحون. مع أنهم طبقوا هذه الكلمات بحروفها، بصورة هم يعتقدونها، وليست هي المعنى الوحيد، الذي يمكن أن يفهمه الإنسان منها. لأن حكم الله هو قانونه، ومن لم يتبع قانون الله، فلن يتقبل منه، الذي لا يسقي زرعا لن ينمو زرعه، والذي لا يعرض وجوده لنفحات الله لن يتطهر قلبه، فهذه قضية عامة تشمل كل مناحي الحياة. الذي لا يعرف قانون الله لن يكسب في الله، وهذا هو الكفر، لأن الكفر ليس مجرد صفة تنسب لإنسان لمجرد كلمات يقولها، وإنما لأن أفعاله وتصرفاته وسلوكه لا تؤدي به الى النجاة، ولا تؤدي به الى الحياة، فهو في ذلك في معنى الكفر لأنه رفض قانون الله. وقانون الله ليس مجرد أحكام تنفذ وتطبق في أمور مادية، وإنما حكم الله هو سنن الحياة، وقوانين الحياة كلها. وهذه زاوية أخرى لفهم الآية، وهناك زوايا كثيرة. قدرة الإنسان على تقبل الأخر، وعلى تقبل المفهوم الآخر، هو الذي يجعل المجتمع مجتمعا صالحا، لأن الكل فيه يتكلم بحريته، ويتكلم بمفهومه، والكل يقبل الكل في تعاطف وفي تكاتف، وفي بحث عن الحقيقة، وليس في تجمد عند مفهوم معين، يريد كل فرد أن يفرضه على الآخر. هذا هو المعروف، هذه هي الشورى (ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر). وما المعروف إلا أن نتواصى بالحق والصبر بيننا، وأن نتعاون وأن نتكاتف، وأن نتأمل وأن نتدبر، وأن نعمل ما أعطانا الله من طاقات فكرية وحركية وقلبية. وما المنكر إلا أن نتباعد ونتخاصم، على ظن عقيدة، ويكفر بعضنا بعضا بظن إيمان، ويرى كل منا في نفسه إلها، يريد أن يسيطر على الآخر، وهذا هو المنكر. فأين هذا مما نراه اليوم في مجتمعاتنا الإسلامية، أو التي تدعي أنها إسلامية.. هل نراها متحابة متعاطفة متكاتفة، هل نراها متراحمة، أم نراها فرقا متخاصمة، يعتقد كل فريق أن الدين هو ما يعرفه وأنه ما يدركه وأنه ما يقوله.. …”

تعليق:

تناول هذا الحديث تأمل في الآية من لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون وأن الاختلاف في فهم الآيات وارد وعلى الجميع أن يتواصوا بمفاهيمهم وأن هذا التواصي هو الأمر بالمعروف وأن المنكر هو أن يتمسك كل برأيه وهو ما يجب أن ننهى عنه.

مفاهيم دالة :

١٦٧ - ما جاءت به الرسالات من أوامر ونواهي وعلاقة ذلك بحياة الإنسان الروحية

تاريخ الحديث: ٢٠٠٣/٦/٢٧

”… السماء تدعوكم لما يحييكم، السماء تدعوكم في كل الرسالات وفي كل الأديان، إلي طريق الفلاح والنجاح. كما أنها تعلمكم أن هذه الدعوة موجودة في فطرتكم التي فطركم الله عليها. هذه الدعوة أساسها ما فيكم من نور الله الذي تجلي فيما تستريح إليه ضمائركم، وفيما تدركه عقولكم، وفيما تطمئن إليه قلوبكم. هذه الدعوة تخاطب الناس جميعا لأن كل الناس في أي بقعة من بقاع الأرض فيهم بذرة الحياة، فيهم نور الله، فيهم سر الله. أساس الدعوة هو شهادة أن لا إله إلا الله، ولا يستقيم حال إنسان إلا إذا شهد أن لا إله إلا الله، شهادة حق وصدق. ولا تكون هذه الشهادة صادقة إلا يوم يقوم فيها الإنسان، ويصل إليها بنفسه، بتجربته، بفكره، لا بلسانه، ولا بترديده لها. فإذا نظر في الكون، في السماء أو في الأرض، وشعر بافتقاره وبحاجته وبقلة حيلته، وبقصور معرفته، وبمحدود إدراكه، شعر وأدرك أن هناك ما لا يمكنه أن يدركه. وهذا هو معني الإيمان بالغيب. هذه هي العقيدة التي يجب أن ترسخ في أعماقه. فهو لا يستطيع أن يري بعينيه وبجوارحه وبمحدود عقله، ما وراء هذا الكون. إذا نظر الي السماء، الي النجوم، الي الكواكب وجدها تتحرك طبقا لقانون، هناك غيب وراءها. وإذا نظر الي الأرض، إلي ملوك الأرض وطواغيتها، وجد قدراتهم محدودة مهما بلغوا من قوة، وهناك أكبر وهناك أقوم. فالإله وراء كل شيء، قبل كل شيء، وبعد كل شيء، ودون كل شيء. هذا الإله هو الله الذي ليس كمثله شيء (قل هو الله أحد.. الله الصمد.. لم يلد ولم يولد.. ولم يكن له كفوا أحد). إذا آمن الإنسان بذلك، يكون طلبه أن يهديه الله الي طريق الحق والفلاح، والخير والصلاح، الذي خلقه من أجله. يريد أن يعرف حكمة وجوده، كيف يسلك ويكسب حياته. فكانت الرسالات والرسل، وكان الأنبياء والأولياء وعباد الله الصالحون، الذين يدعون الناس الي ما يهديهم، والي ما ينير لهم طريقهم، فيشهد أن محمد رسول الله (آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله). فشهادة أن محمدا رسول الله هي شهادة جامعة لمعني الرسول علي هذه الأرض. إن وجود انسان من خلال هذه الذات، ومن خلال ما أودع الله فيه من قدرات وإمكانات وشهوات أيضا، هي لتحريكه عليها. وحركته عليها هي لتدريبه علي الحياة. فأعطاه الله قوة روحية تساعده علي التوازن، مع القوة الظلمانية التي وجدت في ذاته لتحريكه علي هذه الأرض المادية. فكانت كل الأوامر لتعريفه كيف يأخذ قوة من مصدر أعلي، ليستطيع بهذه القوة أن يوجه طاقاته المادية، في طريق الخير والفلاح. فكانت كل العبادات لتوجيهه لكيفية تلقي هذه القوة الروحية. كانت الصلاة لربطه بهذا المصدر الحقي، وكان الصوم لتعرضه لنفحات الله الروحية، وكان الحج لاقترابه من مصدر النور، وكانت الزكاة لتعريفه أنه مخلف علي هذه الأرض، وأنه لا يملك شيئا وإنما الملك لله، وأن عليه أن يزكي نفسه، وألا يكون مرتبطا بمادي الحياة (الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون). ونهي الإنسان عما يبعده عن الجادة، وما لا يكون فيه نفع للناس ولا لنفسه. فكانت كل النواهي في أساسها أنها أفعال لا تنفعه ولا تنفع الناس (إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربي وينهي عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون). إنا نتذاكر هنا بالأهداف الحقيقية لوجود الإنسان، كما نفهمها وكما نتأملها ونتدبرها في آيات الله، وفي سنة رسول الله صلوات الله وسلامه عليه. لأن البعد عن الهدف، وعدم إدراكه، يجعل الإنسان ينحرف بفعله عن الجادة، فيكون تطبيقه لما أمر به ونهي عنه تطبيقا تلقائيا دون أن يحقق الهدف منه. وهذا ما نفتقده في مجتمعنا يوم تحول الدين الي الحديث عن تفصيلات الأمر والنهي، دون التطرق الي الهدف مما أمرنا به، ونهينا عنه، في إطار متكامل (وخلق الإنسان ضعيفا). وضعفه فيما فيه من ظلم وظلام، لذلك أمرنا أن نبشر ولا ننفر، أن نيسر ولا نعسر، لأن النفس البشرية في ظلماتها تحاول أن تبعد الإنسان عن طريق الحق والصلاح. فإذا يئست وظنت أن لا صلاح لها، سارت في طريق الفساد والظلام، وتغلبت علي ما فيها من نور كامن بيأسها وضعفها. فكانت التذكير بالتوبة والمغفرة، وكانت الدعوة الي الطمع في رحمة الله، وفي توفيق الله، وفي نور الله هي ما يساعد الإنسان علي المحاولة المستمرة والدعاء (قل يا عبادي الذين أسرفوا علي أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا) (ادعوني أستجب لكم) (من تقرب إلي ذراعا تقربت إليه باعا).. “

تعليق:

هذا الحديث يربط بين الغيب والشهادة مع شهادة أن لا إله إلا الله وشهادة أن محمدا رسول الله وكل ما جاءت به الرسالات من أوامر ونواهي وعلاقة ذلك بحياة الإنسان الروحية

مفاهيم دالة :

١٦٨ - صفة الإيمان لا يوصف بها إنسان إلا إذا أتبعها بالعمل الصالح وبذلك يكون أهلا لأن يخرجه الله من الظلمات إلى النور

تاريخ الحديث: ٢٠٠٣/٩/١٩

”… قضيتنا أن نتعلم معنى من معاني وجودنا، وأن يكون لنا فهم في هذا التواجد، وأن نسمع إلى الحق فينا، وإلى الحق علينا وهو يخبرنا كيف نستطيع أن نتحكم في هذه الذات، بحيث نوجهها إلى ما ينفعنا كمعان وأرواح. فما أعرنا هذه الذات إلا لنحقق بها رسالة، ولنحقق بها هدفا (إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا). الإنسان قبل أن يحمل الأمانة كان ككل شيء، وبحمله للأمانة أصبح كل شيء، أصبح الإنسان الذي ما ظهر الله مثل ظهوره فيه، الإنسان الذي خلفه الله على الأرض. فأمانة الحياة هي لتحقيق معنى أكبر، وبفقد الإنسان لهذه الأمانة يصبح حجارة أو حديدا (قل كونوا حجارة أو حديدا.. أو خلقا مما يكبر في صدوركم) (النار التي وقودها الناس والحجارة). فالناس هنا كالحجارة لا قيمة لهم ولا حياة لهم. رسول الله يدعو الإنسان لما يحييه، يدعو الإنسان لما يبقيه. هكذا نحاول ونجتهد أن نعمل عملا صالحا يخرجنا من ظلمات نفوسنا بعون الله ورحمته (الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور). علينا أن نكون مؤمنين لنعمل عملا صالحا، كما أن صفة الإيمان لا نوصف بها إلا إذا أتبعناها بالعمل الصالح. وهذا ما نتعلمه من الآيات التي يجيء فيها الإيمان مقترن بالعمل الصالح، فلا نكون في معنى الإيمان الحق إذا لم يقترن بهذا الإيمان عمل صالح. والعمل الصالح هو العمل المثمر، العمل الذي يؤتي بنتيجة. فعلينا أن نحاول أن يكون عملنا عملا صالحا عملا مثمرا، عملا متقنا عملا جادا (إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه). كل ذلك حتى نكون أهلا لأن يخرجنا الله من الظلمات إلى النور. حتى نكون أهلا لأن يسري بنا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى كمعنى وكحال، ونكون به أهلا للانطلاقة الكبرى في السماء، في العالم الآخر، في اليوم الآخر، في الوجود الآخر في الحال الآخر. هذه رسالتنا وهذه قضيتنا، إن اعتقدنا بها، وفيها، وجاهدنا وحاولنا، لنا أجرنا. وإن قصرنا وفرطنا، فرطنا في أمر وجودنا، واتبعنا الهوى، ارتددنا إلى أسفل سافلين، وفقدنا معنى الحياة فينا. فلنحاول جاهدين مجتهدين أن نؤمن، وأن نعمل عملا صالحا. كل له فهمه وله إيمانه وله عمله، لا نفرض طريقا على أحد، ولا علما على أحد، ولا فهما على أحد، ولا عقيدة على أحد، وإنما نذكر بما نعرف، وبما نعلم، فربما يكون ذكرنا نافعا. ونستغفر الله أن نكون مخطئين، أو أن نكون مذنبين، أو أن نكون غافلين. لا ننسب لأنفسنا الحق كل الحق. وإنما نعرف أننا نقول ما نعتقد أنه حق…”

تعليق:

مرة ثانية أستخدم ما جاء في الخطبة الثانية بدلا من الأولى لأني وجدتها طويلة بعض الشيء. وفي الحديث إشارة عن التأمل في آية الإسراء والمعراج كرسالة دون الدخول في كيفية حدوثها وتجسيدها.

مفاهيم دالة :

١٦٩ - إيماننا بالمطلق أن كل شيء قائم بإرادة الله، وإيماننا بالمقيد أن علينا أن نبذل جهدنا فيما نعتقد أنه الخير. وأن مفهومنا وتسليمنا لربنا، لا يمنعنا من أن نبذل جهدنا وطاقاتنا التي أوجد الله فينا لخير الإنسانية والبشرية

تاريخ الحديث: ٢٠٠٣/١٢/٥

”… إنا حين نتأمل كيف يرى كل إنسان علاقته بهذه الحياة، وعلاقته بربه، ماذا يريد من هذا الوجود، ما هو هدفه، وما هو مقصوده، وما هو عمله، وما هي وجهته، وما هو طريقه، نجد أن الكثيرين جعلوا أهدافهم أهدافا مادية محدودة، لأنهم فقدوا الثقة في أي أهداف أخرى، يخبرهم عنها رجال الدين. نجد أن الكثيرين بفقدهم لثقتهم في رجال دينهم، وجدوا أن الطريق الذي عليهم أن يتخذوه هو طريق دنياهم وعاجلتهم. كما نجد على طرف النقيض، أن هناك الذين تطرفوا في مفهومهم في دينهم، وفي علاقتهم بربهم، فتركوا دنياهم، وتركوا أسباب حياتهم، تركوا الناس لا يجدون مأوى، ولا يجدون طعاما أو شرابا، ويعانون من المرض والفقر، وظنوا أنهم يوم يتجهون بعباداتهم لربهم أنه سيتكفل بهم وبأحوالهم، وإذا لم يحدث ذلك، لم يفيقوا الى أسباب الحياة، والى قانون الله. لم يدركوا أنهم خرجوا عن هذا القانون، إنما يقولون سنزيد من هذا التطرف في مفهومنا، وفي عباداتنا، حتى يصلح الله أحوالنا. والذين ينتسبون الى ما يدعون أنه الوسطية، لا يتركون أمور دنياهم، ويمارسون طقوس دينهم بشكلية وحرفية، ويفرقون بين الدين والدنيا، فيعتقدوا أن الدين محصور في عباداتهم، وفي ظاهر معاملاتهم، وفي إقامة الشكل المناسب لشرعهم، دون قلب، ودون روح، وإنما بحرفية شديدة، وينتهي الدين عندهم عند ذلك. الدنيا عندهم هي أي أمر يفعلونه طالما أنه لا يخالف ظاهر شرعهم، ويقومون في عملهم بحرفية شديدة، فليس عندهم دافع حقي أن فعلهم في دنياهم هو عبادة لله، فتصبح معاملاتهم في دنياهم هي مجرد فعل يقومون به في مقابل يأخذونه، دون أن يكون للعمل في حد ذاته قيمة، أو إتقان، فتراهم يتحركون كأنهم خشب مسندة، ينتقلون من هنا الى هناك، ويعملون دون قلب، ودون صدق. وتراهم يؤدون عباداتهم بنفس الصورة. إن المتأمل في الصورة التي رسمناها في هذه الكلمات يجد فراغا فكريا شديدا لمعنى وجوده، ولمعنى حياته، ولمعنى الدين بالنسبة له، ولمعنى الرسالات السماوية التي جاءت إليه. إن الذين يجدون هذا الفراغ، هم الذين نتحدث إليهم. أم الذين هم في أي صورة من الصور التي تكلمنا عنها، قانعون وراضون بها، فالحديث ليس لهم، الحديث للذي يطلب، والذي يتأمل، والذي يرفض هذه الصورة التي ظهرت، وتبلورت في مجتمعات، أو في مجموعات لها فكرها، وعقيدتها، واتجاهاتها. إن حديثنا هو حديث متكامل عن معنى الإنسان، لا يفرق بين دين ودنيا. فالدين عندنا هو قانون الحياة الذي يحكم حركتنا، سواء في احتياجاتنا التي نحتاج إليها نتيجة لوجودنا المادي، والتي يرى كل إنسان عاقل بفطرة سليمة أن عليه أن يساعد الإنسان في ضعفه، وفي فقره، وفي مرضه في أي بقعة من بقاع الأرض. ويعلم تمام العلم أن قانون الأرض ربما يحتم أن يكون هناك المريض والفقير والجائع والمشرد، لحكمة يريدها الله، ولكن هذا لا يمنع الإنسان من أن يدفع بما هو أحسن في نظره وفي معتقده. وهنا نحن نفرق بين المقيد والمطلق، فإيماننا بالمطلق أن كل شيء قائم بإرادة الله، وإيماننا بالمقيد أن علينا أن نبذل جهدنا فيما نعتقد أنه الخير. وأن مفهومنا وتسليمنا لربنا، لا يمنعنا من أن نبذل جهدنا وطاقاتنا التي أوجد الله فينا لخير الإنسانية والبشرية. وأن عملنا على أرضنا هو عبادة، وأن عباداتنا هي عمل. فإن اجتمعنا على ذكر الله، ودعونا الله أن يرفع الغمة، فهذا عمل صالح، فقد جعل الله من الدعاء سببا. وإذا انتشرنا في الأرض فعملنا واجتهدنا وعلمنا وصنعنا وزرعنا، كانت هذه عبادات لنا، نقترب بها من معنى الحق فينا. إن الذي يرفض الدين وشعائره في داخله، ولا يرى في هذه الشعائر أي معنى، ولكنه لا يستطيع أن يجهر بذلك، فيقلد الناس في فعلهم، ولكن في داخله لا يؤمن بهذه الأمور، لن يفيده التقليد في شئ، وإنما عليه أن يتعلم أن يحل مشكلته أولا من داخله. وإذا كان يقوم في ظاهر أمره، لأنه غير مطمئن لما في داخله من أفكار ووساوس، فإن هذا يجب أن يكون عونا له أن يتغير من داخله. فإذا صلى لأنه يؤمن بأن ربما يكون في داخله الشيطان ووساوسه، فعليه أن يستعين في صلاته على هذا الشيطان الرجيم، وعلى هذه الوساوس، عليه أن يبحث عن الحقيقة، لا نقول بأن يتوقف عن عبادته وإنما تكون عباداته عونا له على أن يخرج من شكه، وأن يخرج من جهله. فهذا هو دور العبادات، وليس دور العبادات أن يكون الإنسان قائما فيها بظاهره، وإنما أن تكون وسيلة للدعاء الدائم والمستمر، بأن يعين الله

الإنسان على التخلص من معنى الظلام فيه…”

تعليق:

وصف لحال المجتمعات وما نراه من علاقة العمل والعبادة وارتباطهما معا لتحقيق ارتقاء الإنسان في الدنيا والآخرة.

مفاهيم دالة :

١٧٠ - الإنسان يتعلم مما يعمله، ويعمل بما يتعلمه. أما إذا ترك الإنسان نفسه لهواها، وتكاسلها، وظلماتها، وأصبح إنسان لا يتعلم ولا يعمل، فإنه بذلك يكون تربة خصبة لظلام نفسه، ولشيطانه يجري منه مجرى الدم

تاريخ الحديث: ٢٠٠٤/٣/١٩

“…قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق، وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون. آية تحثنا على العلم وآية تحثنا على العمل. فالإنسان يتعلم مما يعمله، ويعمل بما يتعلمه. أما إذا ترك الإنسان نفسه لهواها، وتكاسلها، وظلماتها، وأصبح إنسان لا يتعلم ولا يعمل، فإنه بذلك يكون تربة خصبة لظلام نفسه، ولشيطانه يجري منه مجرى الدم. والآيات كثيرة تحثنا على النظر حولنا (سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق )، وتحثنا أن ننظر الى الظواهر الطبيعية، والى أسباب الحياة المادية، والى وجودنا في هذه الذات البشرية، في تركيبها، وفي آليات وجودها، لندرك سر الله فينا، وسر الله حولنا، آيات الله فينا وآيات الله حولنا. وتصف الآيات عباد الله الصالحين (الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السموات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار… ربنا ما خلقت هذا باطلا). ربنا ما خلقتنا باطلا، ربنا ما أوجدت هذه الأسباب باطلا، ربنا لقد خلقتنا لحكمة، خلقتنا لنكون عبادا لك صالحين (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) (ولتصنع على عيني). خلقنا الله في ظل هذه القوانين والأسباب لنكسب بها فيه، بالبحث والعلم والعمل، فأي علم، وأي عمل، لو أدركنا حقا، عرفنا أنه يمكن أن يكون عملا روحيا، وعبادة معنوية، تجعلنا أكثر حياة، وأكثر قدرة على مواصلة حياتنا الروحية والأخروية. العمل عبادة، كل شيء على هذه الأرض لو عرفنا حقا عبادة. ما خلق الله هذه الأسباب على هذه الأرض إلا لنكسب بها فيه، وإلا لنرتقي بممارستنا لها في معراجه (الدين المعاملة) (إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه) (ويل للمطففين.. الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون.. وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون). العمل هنا هو التجارة، والتجارة هنا هي طريق للكسب في الله، يوم يحسن الإنسان في عطائه وأخذه (أعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك). يراك بقانونه، يراك بحكمته، لأنه أوجد على هذه الأرض قانونا محكما لا يفرط في صغيرة أو كبيرة (فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره.. ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره). أوجد الله كذلك قانون المغفرة، وقانون التوبة، وقانون الرجوع الى الحق. إذا انحرف الإنسان عن طريق الجادة لا ييأس من رحمة الله (قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله). أسرفوا على أنفسهم، أي جعلوا هدف حياتهم نفوسهم، ورغباتهم، وذواتهم، وهواهم. أما الذين انشغلوا بأن يتعلموا، وأن يعملوا، وأن يذكروا، فهم إن لم يكونوا في علم أو في عمل، فهم في ذكر قلبي. عرفوا أنهم يجب أن يكونوا في حال يكسبوا به في الله في كل لحظة من لحظات حياتهم. إذا لم يشغل الإنسان وجوده بهذه الأحوال، تظهر نفسه الأمارة بالسوء على السطح، لتجعل من رغباتها ومن طلباتها، محورا لحياته. لذلك يذكرنا الله دائما في آياته، أن ننظر حولنا، وأن نتأمل في كل ما يحدث في أرضنا، حتى نكسب من تأملنا، ومن محاولة معرفتنا لهذه الأسباب حولنا، وهذا هو طريق الفلاح، وطريق الصلاح…”

تعليق:

حديث عن العلم والعمل في الآيات وكيف تكون حياة الإنسان كلها كسبا في الله.

مفاهيم دالة :

١٧١ - محدودية الإنسان ومحاولاته أن ينبأ بأمور خارج دائرة إحاطته بظن إيمان بما جاء في الكتب السماوية

تاريخ الحديث: ٢٠٠٤/٤/٢٣

”… تدبروا آيات الله، واقرأوا رسائل الله لكم، في آياته في صورها المختلفة، في صورتها المكتوبة، وفي أحداث الطبيعة حولكم، وفي أفعال الناس تحيط بكم. انظروا كيف يفكر الناس حولكم، ماذا يعتقدون، وبماذا يؤمنون، ما هو هدفهم، وما هو حالهم، وارجعوا البصر إلي داخلكم، واسألوا أنفسكم ماذا تريدون وماذا تطلبون. الناس اليوم يتحدثون عن أديانهم، ومعتقداتهم، ينتظرون مسيحا، ينتظرون مهديا، ينتظرون معركة كبيرة، وينتظرون إقامة هيكل ومعبد. فريق يؤمن بذلك، وفريق آخر لا يؤمن بأي شيء، وفريق ثالث يري أمرا آخر، ورابع، وخامس، وسادس. الفريق الذي ينتظر مسيحا يشكل جزءا كبيرا في الأحداث التي نراها اليوم تحدث حولنا، يريد أن يعجل بظهور هذا المسيح في نظره، ويفسر بعض الأجزاء والكلمات من التوراة أنها تتنبأ بما يحدث اليوم. وهذا موقف حدث كثيرا في التاريخ. يعتقد إنسان ما أن الوقت الذي يعيش هو ما أنبأ به في سابق، ويتفاعل علي هذا الأساس، ويدمر ويخرب علي هذا الأساس ثم لا يجد شيئا. ما سيحدث غدا وما هي القراءة الصحيحة لإنباء ما، هو أمر لا يعلمه إلا الله. الأمور الغيبية التي ليس للإنسان سيطرة عليها لا يجب أن يتفاعل بها الإنسان علي أساس تفسير لها منه. فهي تحتمل معان كثيرة، وأوقات كثيرة لا يجليها لوقتها إلا هو. علي الإنسان أن يتعامل بما يراه في واقعه، وبما يعتقد أنه الحق وأنه الخير. فالظن لا يغني من الحق شيئا، والتفسيرات لأمور غيبية بتحديد أوقات، وأماكن، وأشكال يقود الإنسان إلي الهلاك، يجعله عبدا لأصنام صنعها من أفكاره، وتفسيراته. كل ما لا يحيط به الإنسان بحواسه هو غيب. والإيمان بالغيب هو تجريد، هو عدم تحديد لما يتجلى به الغيب في الشهادة. إيماننا بمحدودية قدرتنا يستلزم أن نؤمن بأن هناك ما لا نستطيع أن نحيط به، وهذا الذي لا نستطيع أن نحيط به هو الغيب. فما يعلمه الإنسان من علم هو محدود جدا لما هو متاح من معارف. حين ينظر الإنسان الي الزمان والمكان يشعر بمحدوديته. فهو لا يعرف من زمانه إلا حقبة صغيرة يستدل عليها مما يجد علي هذه الأرض من آثار لكائنات قديمة عاشت عليها، ولا يستطيع أن يعلم متي ستنتهي هذه الأرض وإذا كانت ستنتهي، ولا يستطيع أن يجزم بموعد بدايتها وإذا كانت لها بداية. إنه يعيش لحظة في عمر هذا الزمن. كما يشعر الإنسان بحدوده في المكان. فإذا نظر الي الكون حوله وجد كواكب ونجوم ومجرات، واتساع لا يستطيع أن يحيط به، ولا يستطيع أن يتحرك في هذا الكون بهذه الأجساد أو بهذه المركبات التي يصنعها إلا في حدود ضيقة جدا. محدودية المكان، ومحدودية الزمان، ومحدودية العلم، ومحدودية القدرة التي يشعر بها الإنسان، تجعله يؤمن بالغيب الذي لا نهاية لقدرته ولانهاية لعلمه ولانهاية لاتساعه ولانهاية لزمانه (يا أول فليس قبلك شيء ويا آخر فليس بعدك شيء ويا ظاهر فليس فوقك شيء ويا باطن فليس دونك شيء). هذا هو الإيمان بالغيب لا يجب أن نحول تفسيراتنا وقراءاتنا لآيات جاءت في أي كتاب سماوي الي صورة جامدة، فنعتقد أنها هي الصورة المثلي التي لا بد أن تحدث بما نعتقده في الزمان الذي نعتقده، وفي المكان الذي نقدره، وبالشكل الذي نتصوره. إننا بذلك نكون غير صادقين. إن علينا أن نتعامل في إطار هذه المحدودية التي أوجدنا الله عليها، وأن نحاول أن نكسب منها، وأن نكسب من خلالها. فهي وإن كانت محدودة بالنسبة لله في لا نهائيته، وبالنسبة للقدرة المطلقة في لا نهائيتها، ولكنها بالنسبة لنا تعطينا مساحة كبيرة نتحرك فيها. هذه المساحة تفرق بين جاهل وبين عالم، بين إنسان مفرط في أمره، وبين إنسان متمسك بفطرته، بين إنسان لا يعمل ولا يقدم شيء، وبين إنسان يبذل قصاري جهده لخدمة الآخرين. فلماذا نترك ما نستطيع، وما نقدر عليه ونبحث فيما لا نستطيع ولا نقدر عليه …”

تعليق:

حديث عن محدودية الإنسان ومحاولاته أن ينبأ بأمور خارج دائرة إحاطته بظن إيمان بما جاء في الكتب السماوية

مفاهيم دالة :

١٧٢ - إيمان الإنسان بقضية هو ما يدفعه للعمل لتحقيقها وهذا الإيمان يتكون عند الإنسان بما وهبه الله من فطرة وبدونه لا يحقق الإنسان قضيته

تاريخ الحديث: ٢٠٠٤/٥/٢١

”… إن الذكرى تنفع المؤمنين أما الذين لا يؤمنون فلن تنفعهم ذكرى ولن ينفعهم حديث (فذكر إن نفعت الذكرى.. سيذكر من يخشى.. ويتجنبها الأشقى.. الذي يصلى النار الكبرى.. ثم لا يموت فيها ولا يحيا)(… إن الله لا يهدي القوم الظالمين). هذه الآيات والأحاديث تعلمنا أن الهداية تبدأ من الإنسان. الإنسان فيه فطرة تمكنه من إدراك أمور قد لا تكون محسوسة بجوارحه المادية، هذا الإدراك الداخلي، هذا الإحساس العميق في داخل الإنسان هو ما نقول عنه الإيمان. الإيمان لا يجيء من الخارج، وإنما ينبع من داخل الإنسان، ليس بالنسبة لأمور الدين فقط، وإنما بالنسبة لأي أمر. الإيمان بقضية معينة لإصلاح يريد أن يحققه الإنسان في مجتمعه بتطبيق نظرية إجتماعية أو إقتصادية أو سياسية، يدفعه إلى العمل بهذه النظرية التي آمن بها، ويجعله أهلا لأن يتلقى توجيها يساعده على تنفيذ ما آمن به. فالعون يجيء للإنسان إذا كان أهلا له. لذلك نجد كثيرا من الآيات تحدثنا عن هذا المعني، تحدثنا عن الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي (واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي). فرسول الله صلوات الله وسلامه عليه وهو معنى الرحمة، ومعنى العلم، وهو كل معنى كريم، يصبر نفسه ويعطي الإنسان الذي هو أهل لذلك. وأهلية الإنسان تكون بإرادته، ورغبته ، ودعائه وذكره. لذلك فإن أول خطوة هي أن يكتشف ما يؤمن به، لا أن يظن أن مايجب أن يقوم به مفروض عليه، هذا ليس صحيحا. ففي النهاية لن يقوم إلا فيما يعتقده هو. فنحن نجد كثيرا من الناس وهم يسمعون الوعظ ليل نهار، يقرأون ويعرفون، ولكنهم لا يقومون فيما يوجهون إليه، لماذا؟ لأن ذلك لم ينبع من داخلهم، لم يتفاعل مع سر الله فيهم، مع معنى الحياة لهم. إنهم منفعلون بأمر آخر، فمهما قيل لهم فلن يسمعوا ( صم بكم عمي فهم لا يعقلون) . أما الذين آمنوا فهم يبصرون ويسمعون(الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه) وهم يعملون (وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون). لا يقومون بذلك إلا بإنفعالهم الداخلي، إلا بإيمانهم بقضيتهم، إلا بإيمانهم بحياتهم، إلا بإيمانهم بمستقبلهم، لا يقومون بذلك لأنهم سمعوا إنسانا يقوله، فأنت تسمع كثيرا ولكن لا تقوم إلا فيما تؤمن به. إنا نعيش في تناقض بين ما نؤمن به، وبين ما نسمعه حولنا. فإذا فكرنا، وإذا تساءلنا قد نتهم بالكفر والخروج عن الدين، مع أنننا نتساءل فقط، نريد أن نفهم، نريد أن نعرف، قد تكون تساؤلاتنا صادرة عن جهل، وهذا هو أي تساؤل، فلولا أن الإنسان يجهل ما تساءل. إنه يسأل لأنه يجهل، فإذا علم وتعلم وضحت عنده الرؤية. أما الذي يخجل أن يسأل، وأن يبحث، وأن يظهر ما في داخله، مما يعتقد سيظل دائما جاهلا منافقا لا يعرف الحقيقة. أما الذي يسأل، ويخرج ما في داخله، وما في صدره طالبا العلم والمعرفة، فإنه سوف يتغير من حال الى حال، من كفر الى إيمان، ومن جهل الى علم، ومن نفاق الى إتساق. ديننا يشجعنا على الفكر وعلى التفكر وعلى التساؤل، إسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون، هو الرحمن فاسأل به خبيرا، إسأل ما شئت، وأخرج ما في داخلك، حتى تتعلم، وحتى تكون أكثر صفاءا، وأكثر نقاءا. المسلم هو الذي يصدق فيما يعتقد، ويبحث عن الحقيقة، ويبحث عن العلم، ويبحث عن المعرفة، حر في تفكيره، حر في عمله، حر في علمه. علينا أن نتعلم أن المسلم الحق هو الذي يسلم لنتيجة فكره، لنتيجة بحثه. المسلم الحق هو الذي له رؤية في كل يقوم به، وكل ما يفعله، ليس مجرد أداة تتحرك، وإنما إنسان يفكر ويتعلم، يبحث ويدقق، يغير ويبدل، يعمر ويطور، يخدم الناس جميعا بعلمه وعمله، مدركا أن وجوده هو كسب له في الله، يوم يمارس كل ما في هذه الحياة من وسائل أعطيت له في كل مجال، وفي كل مكان، وفى كل زمان. لقد أمرنا أن نكون أمة وسطا، تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وتؤمن بالله ، ولكننا نستخدم هذه المعاني اليوم، بصورة مختلفة عن معانيها الحقيقية. إنحصر عندنا الأمر بالمعروف في صور شكلية، ونسينا أن الأمر بالمعروف هو الأمر بما فيه خير للناس ، وأن نكون أكثر علما، وأكثر عملا، وأكثر إتقانا، وأكثر تكافلا، وأكثر محبة وأكثر نظاما…”

تعليق:

حديث عن أن إيمان الإنسان بقضية ما هو مايدفعه للعمل لتحقيق ما يؤمن به. وأن هذا الإيمان يتكون عند الإنسان بما وهبه الله من فطرة. ما يقوم الإنسان به من أعمال دون إيمان بها لا يؤدى إلى تقدم الإنسان ورفعته.

مفاهيم دالة :

١٧٣ - الأعمدة التي يقوم عليها الطريق هي التفكر والتأمل لتكوين نموذج معرفي لماهية وجودنا

تاريخ الحديث: ٢٠٠٤/٦/٢٥

”… إن الطريق يرشدنا إلى المفاهيم الحقيقية، حتى يتكون في عقولنا نموذج معرفي لماهية وجودنا،. آيات الحق تشير دائما إلى هذا الحال، يوم تتحدث عن الذين يتذكرون ويتفكرون ويتأملون(الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السموات والأرض ). يتفكرون في خلق أنفسهم ، يتفكرون في ظواهر الحياة حولهم (سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق). كل ما تذكره الآيات هو وسائل للتعلم وللتفكر، وسائل للعقل حتي يبني نموذجه المعرفي، عن معنى وجوده في هذه الحياة، وعن علاقته بالكائنات من حوله. هذا شق أساسي في الطريق، وهذا ما يتم من خلال المذاكرات والأحاديث والمناقشات، والتواصي بالمعاني الحقية، حتي يتكون لدى الإنسان ادراك لمعني وجوده، وهدف قيامه. هناك شق آخر في الطريق، هذا الشق يرجع إلى الإنسان في مجاهدته لنفسه، في ذكره المجرد بقلبه، في عباداته ، في تدريباته، وهو يحاول أن يعمل سر قلبه فيه ، يوم يجعل وقتا لروحه ولمعناه، وهذا هو سر كل العبادات التي أمرنا بها في كل الأديان، أن يعيش الإنسان بروحه ، الا يجعل الإنسان الدنيا كل همه، إنما هى أداه مثل كل أداة. وهذا لا يكون إلا بإعطاء القلب فرصه ليملئ الإنسان بهذا المعنى، فالإنسان إذا فرط في أمر قلبه ملأته الدنيا، وجعلته عبدا لها، أسيرا لهواها. هذا هو الشق الثانى في الطريق. والطريق هو الدين، ليس هناك طريق آخر. وهناك االشق الثالث وهو معاملات الإنسان، وما يصاحبها من نية الإنسان لتتحول إلى واقع، وإلي معاملة، تخرج إلى حيز التنفيذ. ويندرج تحت هذا الشق كل المعاملات، سواء كانت هذه المعاملات مع أهل الإنسان، أوكانت هذه المعاملات إجتماعية، أوإقتصادية، أو سياسية. فإنفاق الإنسان على أسرته هوتعامل فى الله ، وإتقان الإنسان في عمله الذى يسعي فيه من أجل رزقه هو كسب له في الله ، وإنشغال الإنسان في تنظيم مجتمعه، وفي إقرار المبادئ وسن القوانين التى تحكمه، هو جهاد في سبيل الله. وتعامل الإنسان مع الله في دنياه بمحاسبة نفسه هو جهاد أيضا في سبيل الله…”

تعليق:

حديث عن الأعمدة التي يقوم عليها الطريق وهي التفكر والتأمل لتكوين نموذج معرفي لماهية وجودنا، ومجاهدة الإنسان لنفسه، والتعامل مع الله في كل شيء.

مفاهيم دالة :

١٧٤ - الإنسان أيا كان جنسه، وأيا كانت ثقافته، وأيا كانت حضارته، يحمل أمانة الحياة والآفة الكبرى التي يعاني منها الإنسان وتعاني منها المجتمعات، هو سوء الفهم للمعتقدات، ولما جاء في الرسالات السماوية

تاريخ الحديث: ٢٠٠٤/٩/٣

”… إن كلا منا يحمل بين جوانحه سر الحياة، فطرة الحياة، أمانة الحياة (إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا). الإنسان أيا كانت ملته، وأيا كان جنسه، وأيا كانت ثقافته، وأيا كانت حضارته، يحمل هذه الأمانة. وهذا الجسد الذي تواجد الإنسان من خلاله، له متطلبات، وله رغبات، وله تطلعات، تشغل الإنسان عن ماهيته، وعن جوهره، وعن أمانة الحياة التي يحملها. لذلك جاءت الرسالات السماوية، وجاء الرسل، وجاء الأنبياء، ويجئ دائما الأولياء للتذكير (يبعث الله علي رأس كل قرن من يجدد لأمته أمور دينها) (علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل). الآفة الكبرى التي يعاني منها الإنسان، وتعاني منها المجتمعات، هو سوء الفهم للمعتقدات، ولما جاء في الرسالات السماوية. ويوم يتحكم في الأمر أناس عقولهم محدودة، نرى ما نرى من أحداث تمر بنا الآن باسم الإسلام، ترتكب كثير من الأفعال التي لا معني لها، إلا في مخيلة الذين يقومون بها. وليس الإسلام فقط هو الذي يرتكب باسمه كل ذلك، إنما نجد ذلك أيضا في المسيحية واليهودية والهندوسية ومعتقدات أخرى. هذه التراكمات من المفاهيم المغلوطة هي آفة كبرى تصيب البشرية. الطريق الوحيد للخلاص، أو لمحاولة الخلاص من هذه الآفة، أو تقليل أضرارها، هو الحوار المستمر. هو الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة (قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا م سلمون) هذه الآية توضح الطريق المستقيم، توضح الكلمة السواء وهي ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله. هذه الآية تحمل الكثير من المعاني لأن الهدف من التواجد على هذه الأرض هو أن نخضع لقانون الحياة، هذا القانون الذي أحكمه الله وأوجده. هذا القانون ليس في القيام بظاهر العبادات فلكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا، ليس في ترديد الكلمات، فالكلمات تعبر عن معاني، ويمكن التعبير عن المعاني بكلمات مختلفة، ليس في الانتساب لدين بالمولد، فكل دين يعبر في جوهره عن هذا القانون. الخضوع لقانون الله هو إدراك المعاني التي جاءت بها الأديان، والتي خاطبتنا جميعا بها في معنى الصلة بالأعلى، في معني مجاهدة النفس، في معني التراحم والتكافل، في معني الاتجاه إلي بيت لله على هذه الأرض، بإدراك أن الله موجود وأقرب إلينا من حبل الوريد، ومعنا أينما كنا. نتجه إليه بقلوبنا، ونتجه إليه على أرضنا، هذه المعاني أكبر من الشكل، ومن الصورة. وليس هناك إنسان يحمل هذه المعاني، وإنسان آخر لا يحملها. كل إنسان فيه سر الله، فيه أمانه الحياة، فيه الفطرة، والكل يتجه إلى الله، المالك هو الله، والملك هو الله، والحاكم هو الله، والمصرف هو الله، والمعطي هو الله، والقابض هو الله، لا إله إلا الله. الدين يحررك من أن تتخذ ربا على هذه الأرض، لأن فيك معنى الله، وسر الله، ونور الله. ومسئولية الإنسان ذكرت كثيرا في آيات مختلفة (إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا) (وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا أنفسكم..). هذه المسئولية تعطي الإنسان معني الحرية، وتعطي الإنسان معني العبودية لله، فلا يجب أن يتأثر الإنسان بأي دعوة. عليه أن يرجع كل هذه الأمور إلى قلبه، وإلى فطرته، وإلى ما وهبه الله من قدرة على التمييز. عليه أن يرجع كل ذلك إلى داخله، لا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله، قد نتعلم من بعضنا بعضا. ولكن في النهاية أنت المسؤول، فإذا اتخذت أعلى لك فبالله، وليس من دون الله. قد يكون أعلم منك، وقد يكون أرقى منك، فاتخذ من تقواه، ومن علمه. لكن لا يجعلك ذلك تري فيه معني الربوبية المطلقة، إنما ترى فيه معني العبودية لله (عبدا من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علما). فإن تولى الذين تحاورهم عن هذا المعني الأساسي، ورأى كل فريق أنما يؤمن به هو الأفضل متخذا من رجال دينه أربابا من دون الله، فكيف سيستمر التواصل، وكيف سيستمر الحوار للوصول إلى الأفضل. لا يمكن الاستمرار بعد ذلك فعليكم أن تقولوا اشهدوا بأنا مسلمين، نحن لا نعيب عليكم طريقتكم، ولا نعيب عليكم سلوككم، ولا نعيب عليكم شريعتكم، فنحن أدركنا أن كلا من عند الله، نحن مسلمون لقانون الحياة، نحن نقوم بما نقوم به إدراكا منا لقانون الحياة، نحن مسلمون بالمعنى الحقيقي، أسلمنا وجوهنا لله، وأسلمنا طريقنا لله، وكان منهجنا هو أن نسلم لقانون الحياة. فإن صلينا فإنا نرتبط بما هو أعلي ليمنحنا قوة، وإن صمنا فإنا نجاهد أنفسنا حتى نكون أهلا لرحمته ونعمته، وإن شددنا الرحال إلى بيت الله أدركنا أن بذلك نعبر عن القرب من معنى الحياة، وإن ذكينا فإنا نشهر أن الملك لله، وأن المال لله، وأن القوة لله، وأن العلم لله، وأننا مخلفون. إنما نعمل لمساعدة الآخر، ولنكون أداة خير للناس، اشهدوا بانا مسلمون، فالإسلام والتسليم لقانون الحياة، لا لتكبر، ولا لتباهى، ولا لنقول إنا أفضل وإنا أحسن، وإنما نحن مسلمون، نحن نريد طريق الله، نريد أن نكسب حياتنا، وان نكسب وجودنا، فإن كنتم تريدون كذلك فاتبعونا، واعملوا بهذه المعاني وأنتم قائمون على ما أنتم قائمون عليه، اعلموا أن الله أكبر، والله أعظم، والله أرحم والله احكم …”

تعليق:

حديث عن الكلمة السواء

مفاهيم دالة :

١٧٥ - كل العبادات التي أمرنا بها تساعد الإنسان ليكون في علاقة دائمة مع الله، تساعد الإنسان أن يأخذ قوة تمكنه من تطبيق المفاهيم الحقية في حياته الدنيوية، فلا يرى إلا الله في كل تعاملاته

تاريخ الحديث: ٢٠٠٤/١٠/٢٩

”… …أن يصبح لكل عمل عندنا معنى، ولكل حركة معنى، فهذا هو معنى العبادة (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) (قل يا أيها الكافرون.. لا أعبد ما تعبدون). ما يفرق بين إنسان وإنسان هو ما يعبد. المؤمن الحق يرى في كل أعماله في الحياة الدنيا تعاملا مع الله، وتدريبا له في الله، يحتسب عند الله، ويتوكل على الله، سواء كانت هذه المعاملة هي عبادة روحية، أو عمل دنيوي. كل هذه العبادات والأعمال هي صور لعبادة الإنسان. نحن نستمع في أحاديث رسول الله صلوات الله وسلامه عليه وهو يعلي من قدر العمل، ويعلي من قدر المعاملة، لا للبعد الدنيوي لهم فقط، ولكن أيضا للبعد الروحي، والمعنوي. خلق الله لك كل أسباب الحياة لتكسب من خلال هذه الأسباب فيه، لو شاء لخلقك خلقا آخر، ولكن شاءت حكمته أن يوجد هذه الأرض بهذه القوانين التي من خلالها تكسب فيه، وترتقي في معراجه. إن العبادة ليست كلمة نقولها وإنما هي واقع نعيشه، هى تفاعل نقومه. إن المتدين هو الذي يتفاعل مع دينه، يستقبل آياته وأوامره ونواهيه، ويتفاعل معها من داخله. الدين حياة، الدين تغيير (لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم). إن كل العبادات التي أمرنا بها تساعد الإنسان ليكون في علاقة دائمة مع الله، تساعد الإنسان أن يأخذ قوة تمكنه من تطبيق المفاهيم الحقية في حياته الدنيوية، فلا يرى إلا الله في كل تعاملاته. الدين يفتح للإنسان باب الحياة الأبدية، والناس لا تستجيب لهذه الدعوة (استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم). الناس يروا الدين الآن صورا وأشكالا، زمانا ومكانا، وعلينا أن نتعلم كيف نقرأ آيات الله، وكيف نقرأ أحاديث رسول الله صلوات الله وسلامه عليه، لأننا لم نتعلم كيف نقرأ، وإنما تعلمنا فقط كيف نقف عند الحروف والأشكال، وكيف نحول كل قول الي وثن وصنم، وهذه طبيعة الإنسان ببشريته المظلمة الجاهلة الظالمة. كان في قديم ينحت الأصنام من الحجارة، والآن ينحت الأصنام من الكلمات. نحن نعيش في مجتمعنا جاهلية جديدة، نحتاج أن نعود الى إسلامنا، والى كتاب الحق بيننا، لنتعلمه ولنقرأه. إنا في حاجة الى دعوة الى الإسلام بمعناه الحقيقي، الذي يخرج الإنسان من الظلمات الى النور، ومن الجهل الى المعرفة، ومن الباطل الى الحق. إسلام فيه معنى الحياة، إسلام حي، إسلام متفاعل، إسلام يحيا في الإنسان، ويغير الناس، ويتفاعل مع الناس. هذا ما نرى أننا في حاجة إليه اليوم. إن كنا نرى أن الظلام حالك، وأن الجهل منتشر، إلا أن أملنا في الله، وفي رحمة الله، وفي قانون الله الذي أوجد رسالة الإسلام (بدأ الإسلام غريبا ويعود غريبا كما بدأ) (يبعث الله على رأس كل قرن من يجدد لأمتي أمور دينها) (علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل). في كل زمان، وفي كل مكان، هناك دائما بذرة الحق، وبذرة الخير، تدعو الى الحق، وتدعو الى الخير، وتدعو الى الإسلام، ولكن في محيط محدود، ويجيء يوم يتغير هذا الحال. طمعنا في الله كبير، وأملنا في الله أكبر، أن يرفع هذه الغمة، وأن يرفع هذا الظلام، وأن تكون هناك دعوة حقة الى الإسلام. فليحاول كل منا أن يدعو نفسه الى الإسلام، وأن يدعو أهله الى الإسلام، وأن يكون نواة خير وصلاح وفلاح. فالقضية في النهاية هي قضية الإنسان، وكل إنسان مكلف أن يبحث عن الحقيقة (وكل إنسان ألزمناه طآئره في عنقه) (وكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته) …”

تعليق:

حديث عن أن كل المناسك الروحية والأعمال الدنيوية هي عبادة في الله

مفاهيم دالة :

١٧٦ - العلم الأعلى هو الذي ينبع من تجربة ذاتية ومن فكر وتأمل في كل الأحداث التي يمر بها الإنسان، وفي كل الأقوال التي يسمعها، والربط بينها وبين حاله

تاريخ الحديث: ٢٠٠٥/١/٢٨

”… إنا نعيش على هذه الأرض ونحن في حجاب، نعمل ونجاهد ونذكر، ونجتمع ونفترق، ونحاول ونجادل، ونتأمل ونتدبر، ولا نرى في ظاهر أمرنا كل نتائج ما نقوم به. وهذا سر من اسرار وجودنا، والحق يعلمنا أننا في لحظة سوف نرى كل ذلك (فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره.. ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره)، (ووجدوا ما عملوا حاضرا ولا يظلم ربك أحدا)، هذا قانون من قوانين الله. ولنقرب ذلك إلى الأذهان، فإنا على هذه الأرض نستطيع أن نتعامل، وأن نتواصل مع أناس آخرين بعيدين عنا بأجسادنا بكل وسائل الاتصال، ولكننا لا نستطيع أن نراهم بأجسادهم إلا إذا انتقلنا بأجسادنا إلى مكانهم. وجودنا الكثيف على هذه الأرض يحتم علينا، لكي ننتقل، أن نتحرك بسرعات بطيئة، بالنسبة للسرعة التي تنتقل بها الرسائل والمحادثات. إن ما نصنعه على هذه الأرض، وما نقوم به من أعمال، ومن أذكار، ومن مجاهدات، ينتقل إلى العالم الآخر بسرعة، لا نستطيع، لنرى أثرها، أن نتحرك بأجسادنا لنراها في هذا العالم اللطيف، إلا في لحظات يكشف الله لنا فيها حالنا، ووجودنا. وهذا ما تحدث عنه القوم، في معنى الكشف، وفي معنى أن الله قد يرى الإنسان مكانه في العالم الآخر، وهو قائم على هذه الأرض. لحظات يسقط فيها قانون جذبنا إلى هذه الأرض، وننطلق في معراج، لنرى ما وراء هذه الأرض. وقد تحدث الله إلينا عن هذا الحال، فيما حدث لرسول الله صلوات الله وسلامه عليه في ظاهرة الإسراء والمعراج (وما أعطيته فلأمتي). علينا أن نتعلم وأن نتفهم معنى وجودنا في هذا القيام الكثيف، علينا ونحن نجاهد، ونحن نذكر، ونحن نقوم بكل مناسكنا أن نركز فيما نقوم به، وفي دلالته بالنسبة لنا، وفي أن هذا ضروري بالنسبة لرقينا الروحي، ولارتقائنا المعنوي، وأن اللحظات التي نقضها في ذكر الله، وفي التعرض لنفحات الله، لها قيمة كبرى في إحياء قلوبنا، وفي إزالة الصدأ الذي قد يصيبها (إن القلوب لتصدأ كما يصدأ الحديد وإن جلاءها لذكر الله). قد لا نرى هذا الأثر بصورة مباشرة، ولكن الإنسان الذي يتأمل أحواله، والذي يحاول أن يعكس البصر إلى داخله، يمكنه أن يجرب كيف يكون حاله، وكيف يكون إحساسه، إذا انقطع عن ذكر الله. بل أنه يمكنه أن يشهد ذلك فيمن يحيطون به في هذا العالم الأرضي، وهم كثيرون، الذين غفلوا عن ذكر الله؛ ما هي أهدافهم؟ وما هي أحوالهم؟ وما هو سلوكهم؟ إن ما نراه طبيعيا في وجودنا، وفى سلوكنا، وفي معاملاتنا، هو نتاج ذكر، ونتاج حال، ونتاج قيام. وكما يقول القوم في بعض أقوالهم، إن الله قد اختفي في شدة ظهوره. كذلك فإن أثر العبادة عليك، وأثر الذكر عليك، وأثر حسن المعاملة عليك، اختفي في شدة ظهوره. إن أي تصور آخر، أو شكل آخر تتصور أنك يجب أن تكون عليه، حتى تشعر بثمرة جهادك، هو في حد ذاته بعد عن الحقيقة. إن الحقيقة واقعة فيما أنت عليه وفيما أنت قائم به (وفي أنفسكم أفلا تبصرون). إن في أنفسكم في داخلكم نتيجة أعمالكم وسلوككم وعبادتكم (كلا إن كتاب الفجار لفي سجين.. كلا إن كتاب الأبرار لفي عليين). كتابكم معكم وفيكم، وفي يوم سيظهر لكم ذلك جليا (اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا). إلا أنك اليوم تستطيع أيضا أن تقرأ بعضه، تستطيع أن تقرأ ما يهفوا إليه قلبك، وما يفكر فيه عقلك، ما يحزنك، وما يفرحك. فإن وجدت قلبك يهفو إلى دنيا تصيبها، أو إلى مادة تحصل عليها، وأن هذا هو كل شيء بالنسبة لك، إن وجدت عقلك يفكر فقط في معاشك، وفي حالك الدنيوي، دون أن يربط ذلك بحالك الروحي، وبقيامك المعنوي، إن وجدت ذاتك لا تتحرك إلا إلى منفعة مادية، فاعلم أنك في حاجة إلى قوة هائلة لتخرج من هذا الحال، لأن كتابك في سجين، وجودك مسجون في مادي قيامك، في أرضى وجودك، في عاجل أمرك. ماذا تفعل؟ كن صادقا وأعلم أنك في سجين، لا تيأس من رحمة الله، ولا من فضل الله، ولا من كرم الله، وإنما ادعو الله أكثر، واسأل الله أكبر، واستغفر الله في كل حال، وفي كل قيام، واطمع في رحمة الله، وتعرض لنفحات الله. وإذا وجدت قلبك يهفو إلى لقاء الله وعقلك يفكر في كيف أن تربط وجودك بقيامك الروحي، وذاتك تريد أن تتحرك لمجلس علم وذكر، فاعلم أن دعاءك قد أثمر، ولا تغتر بما أنت عليه، وإنما اطلب الله أكبر، واطلب أن تكون أفضل، وأن تكون أقوم. استغفر الله أكثر (إنه لا يغان على قلبي حتى استغفر الله في اليوم سبعين مره أغيان أغيار يا رسول الله بل هي أغيان أنوار) (حسنات الأبرار سيئات المقربينن) وكما قال الشيخ لمريده (إني اشكوا من برد الرضا والتسليم كما تشكوا أنت من حر الاختيار والتدبير). في هذا الجمع ما يهمنا في المقام الأول كيف نسلك كيف نصلح وجودنا كيف نسير في طريق الحياة. لا نهتم بمقاماتنا، ومن هو الولي فينا، ومن هو الأفضل فينا، ومن هو الأصلح فينا، وما هو مقامه، كل ذلك لا نضعه في المقام الأول لأن الله أعلم بعباده فهو أعلم بمن اهتدى وهو أعلم بمن ضل عن سبيله. إن الذين يقرأون في كتب التصوف قد يجدون اهتماما كثيرا بنظرية الولاية والولي ومقامه، والمقامات المختلفة للأولياء ومرتبتهم، ومن أي نبي ورثوا مقامهم. لا نعترض على من كتبوا في ذلك، فكل كان له هدفه، ولكننا ننفعل بما نرى أنه الحق، فمنهجنا هو أننا لا نقلد تقليدا أعمى، ولا نردد كلاما لا نفهمه، لا نردد كلاما ليس له واقع في حياتنا، قد نقرأه وقد نستفيد من قراءته بما فيه من معان، ما فيه من طاقة، تحملها هذه الكتابات لرجال جاهدوا نفوسهم في الله، وسلكوا طريقهم بصدق، وتذوقوا معنى الوصلة، فنحن نجل لهم كل احترام وإكبار. ولكن لا يعني أننا ننهج نهجا قد يصنف أنه صوفيا، أن نكون مرددين دون صدق، ودون إدراك لما نقول. إن صدق الإنسان فيما يرى، وفيما يشهد، وفيما يرى أنه الطريق الأقوم، هو ما يجب أن يتحدث به. العلم الحقيقي هو الذي ينبع عن الممارسة، والذي ينتج آثارا يتحدث بها من قام في هذا الطريق. إننا نقول إن العلم ليس مجرد ترديد، هناك نوع من العلم كما يعرف في مجتمعاتنا هو علم بالأحاديث النبوية، وروايتها، وماذا قال هذا وماذا قال ذاك، إن هذا في نظرنا هو صورة أخرى لكتاب، أو لتسجيل، أو لترديد. إنه علم بالأحداث، وعلم بالأقوال أما العلم الأعلى فهو الذي ينبع من تجربة ذاتية، ومن فكر وتأمل في كل هذه الأحداث، وفي كل هذه الأقوال، وربط بينها وبين حال الإنسان في قيامه وسلوكه. هناك فارق كبير بين أن تسرد ما فعله الآخرون، وبين أن تضيف أنت بأن تجرب، وتحاول، وتخرج نتائج تجربتك الذاتية. ليس في قدرة كل فرد أن يحلل، ويقوم، ويجرب، ويخرج بنتائج جديدة، ولكن في مقدرة كل منا أن يحاول. فأنت لا تستطيع أن تصلي حقا، إلا إذا حاولت وفكرت في معنى صلاتك، وفي معنى قيامك. قد يكون فهما بسيطا، ولكنك إن فعلت ذلك تكون قد قمت بالصلاة حقا. وهذا ما نطلق عليه ركن النية في العبادة، لأن النية معناها الهدف الذي من أجله تقوم بهذا الفعل، فإذا لم يكن لك هدف من قيامك بالفعل فلا فعل لك. إنا علينا أن نضع هدفا نصبو إليه ومقصدا نقصد إليه ومرجعا نرجع إليه وملجأ نلوذ به وسفينة نركبها وقائدا وإماما نتبعه.. وهذا هو الإسلام الحق الذي كشف لنا هذا في شهادة أن لا إله إلا الله وفي شهادة أن محمدا رسول الله…”

تعليق:

حديث عن أثر عبادة الإنسان وعمله عليه والفرق بين العلم الذي ينتج عن تجربة ذاتية والعلم الذي لا يتعدى ترديد أقوال السابقين

مفاهيم دالة :

١٧٧ - إنا في حاجة كل يوم أن نهاجر من الظلام الى النور، ومن الجهل الى المعرفة، ومن الباطل الى الحق، ومن البيئة الطالحة الى البيئة الصالحة، كأفراد وكمجتمع

تاريخ الحديث: ٢٠٠٥/٢/١٨

”… إنا في حاجة اليوم أن نبدأ بدء جديدا، إنا في حاجة كل يوم أن نبدأ بدء جديدا، إنا في حاجة كل يوم أن نهاجر من الظلام الى النور، ومن الجهل الى المعرفة، ومن الباطل الى الحق، ومن البيئة الطالحة الى البيئة الصالحة، كأفراد وكمجتمع. إن ما صلحت به هذه الأمة سوف تصلح به اليوم إن اتبعت المنهج الذي أصلحها. والمنهج ليس صورة وإنما هو أسلوب حياة. إن الذين ينادون بالعودة الى الإسلام بشكله وظاهره، دون إدراك للمعنى الذي صاحب الشكل والصورة، هي دعوة في ظاهرها حق، ولكن لا تصلح اليوم وتسبب إشكالات كثيرة. لأن الهدف ليس في الصورة، وإنما الهدف هو في المضمون، وفي الإطار، الذي نشأت فيه هذه الأمة. إنا في حاجة الى علم حقيقي، إنا في حاجة الى مسجد حقيقي، يكون فيه العلم حقا، يكون فيه التوجيه حقا، ويكون فيه تغيير القلوب، وتغيير العقول، وتطهير النفوس، وتزكية الأرواح. يكون فيه الفكر منطلقا، والقلب منشرحا. تكون فيه القوة تدفع الأجساد الى العمل، والى الجهاد، والى الحركة، والى التغيير، والى التطوير، والى البحث والابتكار. لسنا في حاجة اليوم الى دعاوي تشغل الإنسان في أمور تافهة سطحية فيها اختلاف. إن قضية الإنسان الأولى هي أن يحمل دعوة الى نفسه، والى مجتمعه، والى أرضه، فيها معنى العدل. تكلمنا اليوم فقط على العدل. فالعدل أساس كل شيء. كما قال السابقون قد تصلح أمة وحاكمها فاسد، ولكن فيها عدل، ولا تصلح وحاكمها صالح ولكن فيها ظلم. صلاح أي أمة، وصلا ح أي إنسان، هو العدل، هو الاتزان. لا يكون ذلك إلا بالعلم وبالمعرفة، وبتطوير آليات يتحرك المجتمع فيها في إطار عادل، يسوي بين الناس جميعا، ويرغب الناس في مساعدة إخوانهم، لأنهم يريدون أن يكونوا عادلين. كل القضايا المجتمعية الأخرى يجب أن تساعد الإنسان على ذلك، فإذا تحولت الى أنها قوة ضد العدل سيؤدي ذلك إلى فساد المجتمع. إذا تحول الدين إلى أن يستكين الإنسان الى الظلم، وأن يستكين إلى الجهل، وأن يستكين الى التكاسل فلن يصلح المجتمع. فالصلاة جعلت المصلي يستكين الى الظلم، وجعلته لا يجاهد في الله، وأن يقدم ما يستطيع لإصلاح إخوانه، وإصلاح مجتمعه، بخل بعلمه، وبخل بماله، وبخل بجهده فهي ليست بصلاة. فمن لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر فلا صلاة له. فإذا أخذنا نتكلم في أحكام الصلاة، وأركانها، وما فيها من سنن، وما فيها من مندوبات، وانشغلنا بهذه الأمور، ولم تؤد بنا الصلاة الى قوة تدفعنا الى العدل فلا صلاة لنا. (والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا ووجد الله عنده) (وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا). البداية هي تغيير كامل وشامل، وأن نضع الهدف أمامنا، وألا ننشغل بأمور سطحية، وإنما ننشغل بالأمور الجوهرية. هذا هو الطريق الذي إن بدأناه فسنتغير الى مجتمع صالح فالح، ينفع الأرض كلها، كما ينفع كل فرد فيه، لأنه يهيئ له وسطا صالحا تنمو بذرة الحق فيه، فيصبح شجرة صالحة فالحة، أصلها ثابت وفرعها في السماء…”

تعليق:

اكتفيت في هذا الحديث بالخطبة الثانية التي ركزت على قيمة العدل وأثرها في إصلاح المجتمع مستوحية مجتمع المدينة المنورة الذي بدء بعد الهجرة

مفاهيم دالة :

١٧٨ - الإنسان يوم يبحث في أسباب الحياة، ويوم يمارس أسباب الحياة، فإنه يمارس معنى العبودية لله، لأنه في كل ممارسة يشعر بعبوديته لله، وبافتقاره الى الله

تاريخ الحديث: ٢٠٠٥/٣/٤

”… خلق الله الإنسان في كون له قوانين، وطلب منه ان يتعلم هذه القوانين، وأن يستخدمها ليعيش وليعمر هذه الأرض، ومن خلال تعميره وتغييره وسعيه، فإنه يتدرب ليكون عبدا لله حقا (قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق). إن الإنسان يوم يبحث في أسباب الحياة، ويوم يمارس أسباب الحياة، فإنه يمارس معنى العبودية لله، لأنه في كل ممارسة يشعر بعبوديته لله، وبافتقاره الى الله، وهذا هو معنى أن العمل عبادة (إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه)، أن يعرف أسبابه، وأن يعرف كيف يؤديه على أحسن وجه في إطار قانون الحياة، لأنه سوف يتعلم خصائص الأشياء، وما يجب أن يستخدمه من أدوات، وما يجب أن يستحدثه من طرق، لتتواءم مع هذه الخصائص الموجودة في الطبيعة. إنه يمارس العبودية لله، لأنه يطور ما يناسب ما خلق الله، وما أوجد الله، لا يستطيع أن يغير خصائص الأشياء، لا يستطيع أن يجعل الحديد خشبا، أو الخشب حديدا. إنه يحاول في ظل قانون الحياة، أن يكتشف السماوات والأرض (يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السماوات والأرض فانفذوا لا تنفذون إلا بسلطان). عليكم أن تحاولوا في كل إتجاره، وفي كل علم، وفي كل معرفة، لتتعلموا أكثر، ولتدبروا أكثر، ما في الحياة من أسرار. أنظروا في تطور الخلق، في تطور الأشياء، كيف كانت، وكيف أصبحت، لأن من خلال تدبركم، سوف تكتشفون ما يمكنكم من مواصلة الحياة، وتطويرها، في ظل القانون الذي أوجد الله. إن العلم والتعلم، والبحث والمعرفة، هم أدوات أساسية في سلوك الإنسان (اقرأ باسم ربك الذي خلق.. خلق الإنسان من علق .. اقرأ وربك الأكرم .. الذي علم بالقلم.. علم الإنسان ما لم يعلم )، آية يبدأ بها تنزيل القرآن لأن العلم هو الأساس الذي يبني عليه الإنسان. إن أي مجتمع لا يقدر العلم، فهو مجتمع مصيره فشل وفناء، وتخلف وتراجع. العلم الصحيح هو علم عن كل شيء، علم عميق، علم ينتج عن ملاحظة وتدقيق وتحليل وبحث. إنه أمر مطلوب من الإنسان الذي يؤمن بدين الفطرة، بدين الحياة، بقانون الحياة. عليه أن يفكر ويتعمق ويحلل ويصل الى نتائج، وأن يجرب ويغير حتى يصل الى ما يرى أنه الحق، والأفضل، والأحسن والأقوم. إن الناس ينظرون الى الدين كجانب يختص فقط بشكل العبادات، وبأماكنها، وبمواقيتها. ويتعمقون في هذا الشكل بصورة مغالى فيها، ولا مانع من ذلك، ولكن لا يجب أن يكون على حساب التعمق في المضمون، والنظر الى الجوهر، والى ربط حياة الإنسان الحاضرة بحياته الأخروية. وألا يقتصر هذا الربط على الجانب التعبدي، وإنما كل شيء في حياة الإنسان هو مرتبط بحياته الأخروية، وهذا هو الإسلام في صورته الحقيقية، التي ربطت الإنسان بكل وجوده، مع امتداد حياته، ومع استمراريتها. وكانت دعوة رسول الله صلوات الله وسلامه عليه هي دعوة الى الحياة (يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم). هذا ما ندعو دائما إليه، ونذكر أنفسنا به، حتى لا تأخذنا حياتنا، التي يمكن أن تكون سببا لنجاتنا، فتكون هي نفسها سببا لهلاكنا. إن كل أعمالنا يمكن أن تنجينا، وأن تخرجنا الى ما هو أفلح وأصلح، ونفس هذه الأعمال يمكن أن تدنينا وتجعلنا في أسفل سافلين (لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم.. ثم رددناه أسفل سافلين.. إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم أجر غير ممنون) الذين ردوا الى أسفل سافلين قد يكونون في ظاهر أمرهم، قد عملوا كما يعمل المؤمنون، ولكن كان عملهم لظاهر وجودهم، غير مرتبط بفكر وبفهم وبعمق في معنى عبوديتهم لله، كانوا يعبدون نفوسهم، وكانوا يعبدون دنياهم، وكانوا يعبدون طواغيتهم، فألهاهم ذلك عن أن يمارسوا الفعل بصورة ينتج عنها أثرا يساعدهم في حياتهم الروحية.. …”

تعليق:

عن ارتباط البحث في أسباب الحياة وارتقاء الإنسان روحيا كان هذا الحديث

مفاهيم دالة :

١٧٩ - كل إنسان أوجد الله فيه قدرة، واوجد فيه سرا، واوجد فيه فكرا، واوجد فيه ضميرا حتى يقدر ويختار ما يريد، لا يستطيع انسان ان يكره انسانا على أي أمر يتعلق بما يعتقده في داخله

تاريخ الحديث: ٢٠٠٥/٤/١

”… ديننا يعلمنا أن (لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها والله سميع عليم)، حين نتأمل في المعاني التي حملتها لنا هذه الآية، ونقرأها قراءة متعمقة فإنها ترشدنا الى الطريق القويم. الدين كما نتعلمه دائما، وكما نراه ونقرأه في آيات الحق لنا هو قانون الحياة (إن الدين عند الله الإسلام)، (والاسلام دين الفطرة). والفطرة هي الحياة، والقرآن هو دستور هذه الحياة (وكان رسول الله خلقه القرآن) (وإنك لعلى خلق عظيم). فالدين هو الطريق، الدين هو الصراط المستقيم، الدين هو المنهج الذي حين يتبعه الانسان يكون اهلا للحياة، يكون أهلا لاستمرار الحياة، فالحياة هي الهدف (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون). والآيات ترسم لنا كذلك صورا أخرى توضح لنا هذا المعنى (إن الأبرار لفي نعيم.. وإن الفجار لفي جحيم.. يصلونها يوم الدين.. وما هم عنها بغائبين.. وما أدراك ما يوم الدين.. ثم ما أدراك ما يوم الدين.. يوم لا تملك نفس لنفس شيئا والأمر يومئذ لله). الناس الذين لم يعرفوا كيف يحيون لا يستطيعون البقاء، لا يستطيعون الاستمرار في الحياة الآخرة. إنهم كائنات غير قادرة على الاستمرارية (فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة). إنهم يدخلون في طور آخر من الحياة، نار الله التي تصهر كل هؤلاء وتدخلهم في صورة أخرى من الحياة. (يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم.. الذي خلقك فسواك فعدلك.. في أي صورة ما شاء ركبك). إننا إذا كنا نفهم هذه الآية على أنها الصور المختلفة للناس، إلا إنها أيضا لها معنى يمكن ان نفهمه وهو أن الانسان له أشكال كثيرة في دورة حياته. كل إنسان أوجد الله فيه قدرة، واوجد الله فيه سرا، واوجد الله فيه فكرا، واوجد الله فيه احساسا وضميرا. الانسان بما أودع الله فيه سوف يقدر، وسوف يحكم في قضيته، وسوف يختار ما يريد، وما يطلب، وما يرجو، لا يستطيع انسان ان يكره انسانا على أي شيء، خاصة إذا كان الأمر يتعلق بما يعتقده في داخله. قد يستطيع قوي أن يجبر انسانا أن يفعل أشياء مادية، أن يسخره، أن يستعبده، أن يفعل به ما يشاء بجسده، أن يعذبه، أن ينعمه، ولكنه لا يستطيع ان يغير ما في داخله من عقيدة أيا كانت، ومن فكر أيا كان، لا يكون ذلك إلا من داخل الإنسان نفسه، مهما تكلم الحكماء، والخطباء، والأولياء، والعارفون، والواصلون، فإنهم لا يملكون أن يغيروا شيئا، لا يريد الانسان أن يغيره. إن الذي يغير هو الانسان نفسه، قد يكون كل ذلك وسيلة لمساعدته، ولكشف الطريق أمامه، ليكون أكثر قدرة على الرؤية، وعلى التقدير، وعلى الحكم، ولكن في النهاية لا يستطيع أي إنسان أن يغير ما في داخل الانسان. بل إن الله عز وجل حين يريد ان يعبر عن ذلك، فإن قدرته وحكمته وقانونه قد وجد ليكون كذلك (لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم). إن الله أوجد قانونه الذي يتعامل به مع عباده، وتجلى عليهم بقانون، فكان قانونه هو إرادته هو حكمته. الله لا يغير ما بالإنسان إلا بأن يغير الانسان ما بنفسه (ادعوني أستجب لكم) (من تقدم الي باعا تقدمت اليه ذراعا ومن جاءني مشيا جئته هرولة ومن ذكرني في ملء ذكرته في ملء خير من ملئه). البداية من الإنسان، التغيير من الانسان، لا يملك إنسان لإنسان شيئا. إننا نتصور أن إنسانا يملك لإنسان شيئا، تصورنا قائم على ما نرى في هذه الحياة، الحاكم يتحكم في المحكوم، والقائد يتحكم في المقود في حياته الدنيوية، ومن هذا نعتقد أنه يملك له شيئا، إنما هو في الواقع لا يملك له شيئا من الناحية الحقية، من الناحية الروحية، من الناحية العقائدية (لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي) تبين لمن؟ تبين للإنسان. وكل إنسان له قدرته على التمييز، فمن الناس من سيميز بين الحق والباطل، بين الرشد والغي، ومن الناس من سوف تختلط عليه الأمور. إن قانون الحياة أوجد في الإنسان قدرة تمكنه من التمييز، وهذا هو المعنى الذي نتأمله في (قد تبين الرشد من الغي). إن كل إنسان بفطرة الحياة فيه عنده هذه القدرة، ولكن هل يستخدم الإنسان هذه القدرة فيه؟ أم أن بينه وبين هذه القدرة حجاب من ظلام نفسه وشهواته وطلباته وعاجل أمره. كل إنسان إذا عكس البصر إلى داخله لاستطاع أن يتبين الرشد من الغي، الحق من الباطل، النور من الظلام، العلم من الجهل، ولكن هل نرجع الأمور الى قلوبنا، والى سر الله فينا، والى فطرته التي فطرنا عليها، أم أن نفوسنا تحول بيننا وبين قلوبنا، نفوسنا المظلمة، التي لا ترى الا عاجل امرها، الا لحظة وجودها. لذلك يختلط الأمر على الإنسان حين لا تكون هناك صلة بينه وبين داخله، وبين قدرته على التمييز (استفتي قلبك وإن أفتوك وإن افتوك وإن افتوك). إن رسول الله صلوات الله وسلامه عليه يحثنا على ان ننمي ملكة التمييز فينا، ولا يكون ذلك إلا بإحياء القلب (إن القلوب لتصدأ كما يصدأ الحديد وإن جلاؤها لذكر الله). فما هو الرشد وما هو الغي؟ (فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله) يكفر بالغي، لا يرى الا الله، لا يشهد الا الله، يكفر بأن هذا الطاغوت يملك له امرا في عقيدته، وفي مستقبله الروحي، (اقضي ما انت قاضي انما تقضي الحياة الدنيا). انما ربه الله، معبوده الله، إله الله، حاكمه الله، مرشده الله، نور الله يضيء له حياته، ويضيء له وجوده. إن أي هدف تقصده هو رب لك اذا قصدته لذاته، تتخذه ربا من دون الله، واذا اتخذته املا في أن تكسب في الله من خلاله، فانك اتخذته بالله. الله وراء كل هدف ترجو ان تحققه، مقصودك وجه الله، وتعاملك مع الله. نريد أن يقوم هذا المعنى فينا، ولا يقوم هذا المعنى فينا إلا بإرادتنا، ليس باستماعنا لكلمات، وإنما بالتفكر فيها، والتعمق في مفهومها، وبذكرنا الدائم لها، وبتحويلها الى سلوك نسلكه، والى عمل نعمله، والى قيام نقومه. إن هدفنا أن تكون كل حياتنا لله، وكل اعمالنا لله، وكل معاملاتنا في الله، نشهد حقا ان لا إله الا الله (فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها)

تعليق:

تناول هذا الحديث تأمل في الآية (لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي) وربطها بشهادة أن لا إله إلا الله

مفاهيم دالة :