٤-٢-تعامل الإنسان مع البيئة المحيطة
تم استخلاص أربعة مفاهيم فرعية لتعامل الإنسان مع البيئة المحيطة. المقصود بالبيئة المحيطة هو: الناس الذين يحيطون بالإنسان بمشاربهم المختلفة، قوانين الطبيعة التي تحكم مظاهر الحياة، مجال عمل الإنسان الذي أنعم الله به عليه. الثلاثة مفاهيم الأولى تتناول كيفية التعامل بصورة إيجابية مع هذه الجوانب التي تمثل البيئة التي تحيط بالإنسان. المفهوم الرابع يصف حالة سلبية وهي حالة الإنسان الذي يستغل الدين من أجل أهداف مادية.
٤-٢-١-التعامل مع الناس في أطوارهم المختلفة
تناول هذا المفهوم أربعة مفاهيم فرعية تبين أن الأساس في التعامل مع الناس هو في الاقتداء برسول الله في سلوكه مع الناس. من هذا السلوك هو الدفع بالتي هي أحسن كما يعتقد الإنسان برجوعه إلى فطرته التي هي فطرة الناس أيضا، ولكن ربما يكون البعض قد فقد التواصل معها. من هذا السلوك أيضا ألا يتفاضل أخ على أخيه في أي جماعة تطلب الحق. مقاصد الدين هو المنهج الذي يتبعه الإنسان في مخاطبة المغالين في أمر دينهم. هذه الفقرات تشرح هذه المبادئ:
٤-٢-١-١-يقتدي الإنسان بسيرة رسول الله في سلوكه مع الناس
إن ديننا قد جعل لنا إنسانا نقتدي به في سلوكنا، يشرح ويوضح لنا طريقنا، ويظهر لنا معنى الإنسان في كماله، ومعنى الإنسان في جماله، ومعنى الإنسان في كبريائه وعظمته، ومعنى الإنسان في رحمته (محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم1)، (لو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك2)، (واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا3)… (١٩٨٥/٨/٢)
٤-٢-١-٢-يدفع الإنسان بالذي هو أحسن على ما يراه
لا نجادل بعضنا بعضا إلا بالتي هي أحسن، وما هو أحسن هو وضوح الرؤية، ووضوح المفهوم، ونقاء السريرة، وصفاء القلب، وطهارة النفس، واستقامة العقل (لا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن4). إن ما هو أحسن لا يأتي من فراغ، وإنما يأتي من الإنسان المستقيم. وهذا ليس بالأمر اليسير، وإنما يحتاج منا الى جهاد، يحتاج منا الى ذكر دائم، ودعاء دائم لنحيي قلوبنا، ولنطهر ونزكي نفوسنا، ولنقوم عقولنا… (١٩٨٤/١١/١٦)
…إن دين الفطرة أساسه الحكمة والموعظة الحسنة (أدعو الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة5) (وادفع بالتي هي أحسن6) ادفع بالتي هي أحسن في كل حال فتزول العداوة ويزول الخصام، لأن في تكوين الإنسان ما يجعله يتوافق مع ما هو أحسن. إن البعض يظن أن يوم نلجأ الى العقول فنستشيرها، والى ما هو أحسن فنتمسك به، فإن هذا قد يضلنا عن طريق الله، لأن العقول قد تخرج بفهمها عن الاستقامة كما يعلمنا إياها الدين، وأن العقول لا تستوي. ولذا فوجب أن يكون هناك حوارا مستمرا على جميع المستويات، فالعقل لإنسان ما قد يضل صاحبه، ولكن العقل ليس في دوام ما يضل صاحبه… (١٩٨٥/٧/١٩)
…إن الإنسان في أي مكان على هذه الأرض يعرف أن الحق في الصدق وليس في الكذب، في أن تعامل الناس كما تحب أن يعاملوك به، أن تتقن عملك (إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه7). إنها الفطرة في الإنسان، ولكننا نبتعد عن هذه المعاني، ولو التزمنا بهذه المعاني في بساطتها لتغير حالنا ولتغير قيامنا ولتغير مجتمعنا. ولكن الناس في غفلة عن هذا بظنون متعددة، ومن هذه الظنون ظن الدين، يبحثون عن الدين، ويتشدقون بألفاظ من الدين، ولا يعرفون أن الدين في صلاح نفوسهم، وفي استقامة أفعالهم، وفي مراقبتهم لأقوالهم، وفي احترامهم لعقولهم، وفي دعوتهم لما هو أحسن … (١٩٨٦/٩/١٩)
…كل إنسان له رسالة على هذه الأرض، ورسالته أن يدفع بالتي هي أحسن، على ما يرى أنه الأحسن، وهذا هو الجهاد مع الناس الذي يدخل تحته أي صراع بأي صورة، وبأي شكل. سواء كان صراعا ماديا أو صراعا فكريا وثقافيا وحضاريا. لذلك أمرنا بالمجاهدة المستمرة، وبالرباط، إما النصر وإما الشهادة، لا تخاذل ولا تراجع، وفي نفس الوقت على الإنسان أن يراجع ما يفكر فيه، وما يقوله، وما يعتقده، ويزنه بميزان الفطرة السليمة، ولا يسير وراء خيالات، أو وراء كلمات، أو وراء صور، أو أشكال، أو وراء معتقدات لم يفحصها جيدا ليعرف الخبيث من الطيب فيها ليعرف الغث من الثمين. إن كل إنسان مسؤول عما يقول. وعليه أن يفكر جيدا فيما يقول، ولا يكتفي بأن يردد مقولة الآخرين، حتى ولو كانت هذه المقولة في اعتقاده من إنسان أعلم منه… (٢٠٠٠/٧/٢١)
… فإذا ذكر إنسان إنسانا بما هو أحسن فإن ذلك يقرب بينهما (ولا تستوي الحسنة ولا السيئة8). وهذا موجود في كل إنسان، موجود فيه بالفطرة ، يعرف ماهو أحسن وهنا نتعلم أدب الحوار، وأدب التواصي، فالأحسن هو ما نستحسنه جميعا، وما نتعارف عليه جميعا. هذا أسلوب عام في التواصي، وفي الحوار، وفي التذكير، في كل قضايا الحياة، في مفهومك في آيات الله، آيات الله التي توجهك في جميع مناحي الحياة، فيما يخصك كإنسان، وفيما يخص مجتمعك. وكل فرد يفهم الآيات المتشابهات التي يقرؤها بما يراه وبما يستحسنه، وهذه الآيات موجودة ليقرأها الإنسان في دوام، وهي تحمل الأحسن للإنسان في كل بيئة، وفي كل عصر، وفي كل حال، فإذا أراد البعض أن يحصروا معانيها في معنى واحد، فهم بذلك يحدون انتشارها، واتساعها للناس جميعا. هذا الأحسن يحتاج إلى تدريب للإنسان، تدريب يجعله قابلا لكل صورة فيها الأحسن؛ لأن طبيعة النفس البشرية تريد أن تحدد صورة واحدة، ولا تريد أن تتعامل مع مفاهيم كثيرة. هذا التدريب يحتاج إلى الصبر الذي يعده لنفحة من الله، ولاصطفاء من الله (وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم9).. (٢٠٢٠/١/٣١)
٤-٢-١-٣-يسلك الإنسان في طريق الحق مع إخوان له دون مفاضلة
في هذا الجمع ما يهمنا في المقام الأول كيف نسلك كيف نصلح وجودنا كيف نسير في طريق الحياة. لا نهتم بمقاماتنا، ومن هو الولي فينا، ومن هو الأفضل فينا، ومن هو الأصلح فينا، وما هو مقامه، كل ذلك لا نضعه في المقام الأول لأن الله أعلم بعباده فهو أعلم بمن اهتدى وهو أعلم بمن ضل عن سبيله. إن الذين يقرأون في كتب التصوف قد يجدون اهتماما كبيرا بنظرية الولاية والولي ومقامه، والمقامات المختلفة للأولياء ومرتبتهم، ومن أي نبي ورثوا مقامهم. لا نعترض على من كتبوا في ذلك، فكل كان له هدفه، ولكننا ننفعل بما نرى أنه الحق، فمنهجنا هو ألا نقلد تقليدا أعمى، ولا نردد كلاما لا نفهمه… (٢٠٠٥/١/٢٨)
٤-٢-١-٤-يتعامل الإنسان مع الذين يغالون بحرفية الدين بمقاصده
… ما يعتقده بعض رجال الدين اليوم في بعض الأمور لا يعني أنه الحق المطلق، بل إن بعض التشريعات التي يمكن أن تصدر ربما تكون أفضل من مفهومهم، وتكون هي الدين، ويكون مفهومهم ليس كذلك. علينا أن نضع نصب أعيننا المبادئ العامة التي جاء بها ديننا (إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي10). كل ما نجد فيه عدل وإحسان وإيتاء ذي القربى فهو خير نسعى إليه، وكل تشريع يؤدي إليه هو خير وهو حق، وهذه قناعتنا لا لمجرد أنها كلمات أوحيت إلى رسوله وقالها لنا، وإنما لأنها تلقى صدى في قلوبنا وفي فطرتنا، وكل أمر يبعدنا عن الفحشاء والمنكر والبغي هو أمر جيد، وهذا أيضا ما يجد صدى في فطرتنا. الحق يكشف لنا ما في فطرتنا، ويكشف لنا ما ستصل إليه الأمم في مستقبلها. علينا دائما أن نتبع المفهوم الذي نجد له صدى في فطرتنا، أما المفهوم الذي ترفضه فطرتنا فعلينا أن نبحث حتى نعرف مغزاه، وحتى نعرف معناه، فإما أن نصل إلى معنى يتواءم مع ما في قلوبنا، أو أننا لا نقبل هذا المفهوم. علينا أن نقيم هذا التفاعل بيننا وبين كل كلمة حملت توجيها في ديننا، فالدين ليس مجرد كلمات صماء وإنما هو تفاعل بين الإنسان وبين هذه كلمات… (٢٠٠٧/٥/١١)
… إننا نرى اليوم أن كل من فهم أمرا، ظن أنه الحق المطلق، وهذه طبيعة النفس البشرية، لذلك فإن تقبل كل صورة هو نتاج تفكر، وتأمل، وتدبر، وذكر، ودعاء، وممارسة، وتدريب، حتى يصبح الإنسان كذلك. كل صورة فيها شيء من الحق، فكل جماعة، وكل من نقول أنهم على دين ما، فيهم شيء من الحق والحقيقة. حتى الذين يؤمنون بالمادة عندهم شيء من الحقيقة، إذ أنهم لا يجرون وراء الخيال، ووراء الوهم والظن، وإنما يطبقون قانون العلم المشهود، والواقع المحسوس، وهذا حق وواجب على كل إنسان، فإذا جادل أحدهم، ودفع بهذا مع إنسان آخر لا يؤمن بالعلم المادي، أو بأن يحترم الإنسان القانون المشهود، فتكون دعوته أفضل من هذا الذي يقول أنه مؤمن بالغيب، وينكر الشهادة. وإذا دفع الذي يؤمن بالغيب بأن هناك ما لا ندركه، مع إنسان لا يؤمن بالغيب ويؤمن بأن كل شيء مشهود، كانت دعوة الذي يؤمن بالغيب هي الأحسن؛ لأنها حقيقة، فنحن جميعا لنا جانب غيبي لا ندركه، وكل الإيمان بالله واليوم الآخر هو إيمان غيبي… (٢٠٢٠/١/٣١)
٤-٢-٢-التعامل مع أسباب الحياة الدنيوية
التعامل مع أسباب الحياة الدنيوية قائم على حرية الإنسان في أن يفكر ويجرب ويحلل ليصل إلى نتائج ولا حدود على العلم إلا بما يحد الإنسان نفسه به.
٤-٢-٢-١-يلاحظ ويجرب ويحلل
أنظروا في تطور الخلق، في تطور الأشياء، كيف كانت، وكيف أصبحت، لأن من خلال تدبركم، سوف تكتشفون ما يمكنكم من مواصلة الحياة وتطويرها، في ظل القانون الذي أوجد الله. إن العلم والتعلم، والبحث والمعرفة، هم أدوات أساسية في سلوك الإنسان. إن أي مجتمع لا يقدر العلم، فهو مجتمع مصيره فشل وفناء، وتخلف وتراجع. العلم الصحيح هوعلم عن كل شيء، علم عميق، علم ينتج عن ملاحظة، وتدقيق وتحليل وبحث. إنه أمر مطلوب من الإنسان الذي يؤمن بدين الفطرة، بدين الحياة، بقانون الحياة. عليه أن يفكر ويتعمق ويحلل ويصل الى نتائج، وأن يجرب ويغير حتى يصل الى ما يرى أنه الحق، والأفضل، والأحسن والأقوم… (٢٠٠٥/٣/٤)
٤-٢-٢-٢-لا حدود على العلم إلا بما يحد الإنسان نفسه
إن ديننا هو دين فيه تفاعل مع الحياة، وليس دينا عقيما، نردده في كلمات ونضعه في كتب جامدة، يرددها جيل بعد جيل، ويسلمها جيل إلى جيل. ديننا هو دين متسع، دين يخاطب الإنسان، ويكبر قدرات الإنسان، ويعظم من شأن الإنسان، لا يقلل من عقله، ولا يقلل من شأن قلبه، ومن شأن ضميره، ومن قدرته على العمل، ولا يضع قيودا على حرية تفكيره، وعلى حرية عمله، وعلى ما يصل إليه، وإنما يضع سقفا لا نهاية له لكل من يريد أن يتحرك (يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السماوات والأرض فانفذوا لا تنفذون إلا بسلطان11). لا حدود على العلم ولا حدود على المعرفة، إلا بما يحد الإنسان نفسه، حين يجد أن علما ضارا ربما يضربه في وقته الحالي، أو أن نتائجه الجانبية والسلبية ربما لا يستطيع أن يسيطرعليها بعلمه الحاضر، فهذا تقدير إنساني… (٢٠٠٨/٨/٢٧)
٤-٢-٣-تقدير وإعمال الإنسان لما أنعم الله به عليه
هذا المفهوم يتناول أحوال الإنسان المرتبطة بإعمال الإنسان لما أنعم الله به عليه في حياته الدنيوية. يبدأ الإنسان في تقديره لوجوده فيتفاعل مع الأحداث المحيطة به. يذكر نعمة الله عليه فيرى أخطاءه فيصوبها. ويعمل عقله فتستقيم نيته. ويتقن عمله ويتعامل مع الله. يذكر نفسه دائما بأن عمله هو وسيلة للكسب في الله وليس هدفا في حد ذاته. يدرك أن عبادة العمل هي في اختياره للأفضل وإقامة العدل فيما يعطي وفيما يأخذ.
٤-٢-٣-١-يقدر وجوده ويتفاعل مع أحداث الحياة
.. إن تقدير الإنسان لقائم حاله، ولشهادة عينه، وإحساس قلبه، ولتفكير عقله، هو احترام لوجوده، وتقدير لخلقته وإكبار لخالقه فيه (ما ظهر الله في شيء مثل ظهوره في الإنسان12) … (١٩٧٨/٤/٧)
.. إن الإنسان في سلوكه على هذه الأرض يكسب في الله من خلال معاملاته المادية بأسباب الحياة، ويكسب بنفحات حقية (إن في أيام دهركم لنفحات فتعرضوا لها13)، هو يكسب بالأمرين، ويضيف الى وجوده في الحالين، يكسب في الشهادة، ويكسب في الغيب، يكسب بأسباب الحياة، ويكسب بتجريدها، يكسب بظاهر الحياة، ويكسب بباطنها… (١٩٨٥/٨/٢)
.. إن تواجدنا في هذا الزمان وفي هذا المكان هو تقدير العزيز الحكيم لحكمة مرادة بنا لخيرنا ولكسبنا. جعل لنا في وجودنا إرادة الحياة، بنعمة العقل والقلب، وجعلنا نتفاعل مع الحياة فيما يقع علينا من أحداث، وفيما نريد من فعل بتفاعلنا مع الناس وتفاعلنا مع الطبيعة. فكانت الحياة التي نعيشها، والتي نتواجد في رحابها، تخلق وجودنا وحياتنا بإرادة الله (وما تشاءون إلا أن يشاء الله…14) … (١٩٨٦/٩/١٩)
.. إن تقديركم لله هو في إكباركم لما أودع فيكم، ولإعمالكم لما أعطاكم من نعمة. إن أملكم في حياتكم أن يشرح الله صدوركم للحق وللحياة… (١٩٨٧/١١/٢٠)
.. حين نتحدث عن الدين وعن الطريق، نقول إنه التفاعل بين الإنسان وما يحيط به من أحوال وأعمال، بل ومن طبيعة ومن بيئة، ومن مجتمع كامل بكل ما فيه، في ظلامه وفي نوره، في علمه وفي جهله، في تقدمه وتأخره، كيف سيتفاعل مع كل شيء، وسر الله في الإنسان قائم على الإنسان. فإذا كان الإنسان واعيا لهذا السر فيه، راقب نفسه في سيئاته وفي حسناته، في أفعاله التي تتخذ مظهرا سيئا، وفي أفعاله التي تتخذ مظهرا حسنا، فكان مراقبا لنفسه، حسيبا على نفسه (بل الإنسان علىٰ نفسه بصيرة15). نحن نريد لهذا الإنسان أن يستيقظ، فكثرة الظلمات تجعل هذا المعنى يخمد فيه… (٢٠٠٩/١٠/٢٣)
٤-٢-٣-٢-يذكر الإنسان نعمة الله عليه فيرى ظلامه ويستغفر
.. هكذا تعلمنا في طريقنا، وكان فضل الله علينا عظيما، وكانت نعمة الله بنا كبيرة. نذكر نعمته وبنعمته نرى ظلامنا أوضح، فنستغفر عن ظلامنا، ونستغفر عن غفلتنا، ونستغفر عن تقصيرنا، فنرى نعمته أكثر، وبنعمته نرى عيوبنا، وباستغفارنا نشعر بنعمته علينا، فنكون بذلك في ذكر ودعاء دائم (أدعوني أستجب لكم…16) (إني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان…17).. (١٩٨٠/٨/٨)(١٩٨٨/١/١)
.. لا يعني أن تذكر نعمة الله عليك أن تنسى أن كسبك في الله بلا نهاية، وأن أمامك الكثير الذي يجب أن تغيره في نفسك وظلامها. ولا يعني أن هناك الكثير الذي يجب أن تغيره أنك خال من نعمة الله، ومن فضل الله، ومن كرم الله. بل أن فيك طاقة كبرى ونور كبير، ولكننا نعلم أن الكسب في الله لا نهاية له وأن الارتقاء في الله لا نهاية له… (١٩٨٩/٧/٢٨)
٤-٢-٣-٣-نية الإنسان بفهمه لما يقوم فيه بإعماله لنعمة العقل
… نية الإنسان بفهمه لما يقوم فيه، وهذا الفهم لا يبدأ من فراغ، وإنما يبدأ من نعمة العقل التي أوجدها الله في الإنسان ونجد أن العقل احتل مكانة كبيرة عند كل المفكرين. فنجد أن بعض المذاهب تضع العقل أول أصل يرجع إليه. ونجد البعض يضعون العقل أساس من الأسس التي يدرك بها الإنسان معنى الغيب، ومعنى الرسالة. فلا يختلف أحد على أن العقل أصل من الأصول، وأن ما يدركه وما يستحسنه هو أمر لا يجب أن نهمله، أو أن نضعه جانبا. وهذه نعمة من نعم الله التي أوجدها في الإنسان. فإذا بدأ الإنسان فليبدأ بما أودع الله فيه من سره، يبدأ بطاقاته التي أوجدها الله فيه، وأولها العقل ليصل إلى معنى الغيب. يصل إلى أن هناك قوة تحيط به، عليه أن يتجه لها، بدون اسم، وبدون شكل، وبدون صورة، إنها الغيب… (٢٠٠٣/٢/٢٨)
٤-٢-٣-٤-يتقن الإنسان عمله ويتعامل مع الله
إتقان الإنسان في عمله الذى يسعي فيه من أجل رزقه هو كسب له في الله، وانشغال الإنسان في تنظيم مجتمعه، وفي إقرار المبادئ وسن القوانين التي تحكمه، هو جهاد في سبيل الله. وتعامل الإنسان مع الله في دنياه بمحاسبة نفسه هو جهاد أيضا في سبيل الله.. (٢٠٠٤/٥/٢١)
٤-٢-٣-٥-عمل الإنسان هو وسيلة للكسب في الله وليس هدفا في حد ذاته
… إن كل أعمالنا يمكن أن تنجينا، وأن تخرجنا الى ما هو أفلح وأصلح، ونفس هذه الأعمال يمكن أن تدنينا وتجعلنا في أسفل سافلين. الذين ردوا الى أسفل سافلين قد يكونون في ظاهر أمرهم، قد عملوا كما يعمل المؤمنون، ولكن كان عملهم لظاهر وجودهم، غير مرتبط بفكر وبفهم وبعمق فى معنى عبوديتهم لله، كانوا يعبدون نفوسهم، وكانوا يعبدون دنياهم، وكانوا يعبدون طواغيتهم، فألهاهم ذلك عن أن يمارسوا الفعل بصورة ينتج عنها أثرا يساعدهم في حياتهم الروحية.. (٢٠٠٥/٣/٤)
٤-٢-٣-٦- عبادة العمل هي أن تعمل بما ترى أنه الأفضل، وأن تقيم العدل
عبادة العمل هي أن تعمل بما ترى أنه الخير، وأنه الحق، وأنه الأفضل، وأن تقيم العدل (والسماء رفعها ووضع الميزان ألا تطغوا في الميزان وأقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان18). وضع الميزان في ضميرك، فانظر كيف تتعامل ومع من تتعامل، انظر ماذا تعطي وماذا تأخذ، انظر في كل ما يصدر عنك، وما يقع عليك.. (٢٠٠٦/١٠/١٣)
حياتنا الدنيا حياة جهاد، حياة عمل، نزرع فيها لآخرتنا. هكذا، علمنا ديننا، أن الإيمان بالله واليوم الآخر والعمل الصالح، هو أساس وجود الإنسان على هذه الأرض، الذي يمكنه من أن يحيا حياة أبدية. هذه هي الاستقامة، لأنها قائمة على الصدق في الرؤية وفي الإدراك (ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين، الذين يؤمنون بالغيب..19). فالصدق على هذه الأرض، نتيجته الطبيعية أن تؤمن بالغيب، لأنك مهما أوتيت من علم فإنك لن تستطيع أن تحيط بكل شيء. فالغيب أساس في حياة الإنسان، والغيب هو الله، الله الذي ليس كمثله شيء … (٢٠١٢/٣/٣٠)
٤-٢-٤-استخدام الدين من أجل أهداف ذاتية لا تنفع المجتمع
هذا المفهوم يوضح ما يجب أن يتجنبه الإنسان حتى لا يقع في ظن أنه يقيم الدين مع أن هدفه الحقيقي هو منفعة ذاتية لا تنفع المجتمع. يمكن ملاحظة هذا المفهوم في حالين. الحال الأول: اتخاذ ظاهر الدين وكلماته وسيلة لفرض رأيه وتبرير أفعاله مع أن هذه الأفعال تضر المجتمع. الحال الثاني: أن يجعل الدين أشكالا وصورا يحارب من أجلهم بظن أنه يقيم الدين مع كل النتائج السلبية التي قد تنجم من هذه الحرب.
٤-٢-٤-١-يتخذ البعض من ظاهر الدين وكلماته وسيلة لتبرير فعله
… إن الإنسان يوم يتخذ من ظاهر الدين وكلماته وسيلة لتبرير فعله، بظن أنه يقيم الدين، وأن الدين قد أعطاه هذا الحق فهو يستخدم الدين من أجل أهداف ذاتية. نرى أناسا باسم الدين يتاجرون، ويخادعون، ويصدقون أنفسهم بعد ذلك، دون أن يعوا أن الدين هو صدق، وأن الدين هو ما هو أفضل، وما هو أقوم، وما هو أحسن. فليس من الدين أن يغامر الإنسان بما يملك، ويملك الآخرون بظن أنه متوكل على الله، وحديث رسول الله يعلمنا (إعقلها وتوكل20). وليس من الدين ألا يخطط الإنسان وهو فى موقع المسئولية لمن هو مسؤول عنهم (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته21) والفرق بين التواكل والتوكل معروف، ومفهوم، وواقع يستطيع أن يعقله كل إنسان… (١٩٩٦/٦/٧)
٤-٢-٤-٢-يجعل البعض من الدين أشكالا وصورا ويتحارب من أجلها
.. وجعلنا من الإسلام شكلا وصورة، وجعلنا من الأديان كلها أشكالا وصورا. لنتحارب حول شكل، حول صورة، حول تصور، حول قول لا نعرف مراده ولا صحته. فيجيء فريق يتمسك بنبوءة فهمها بشكل ما، يريد أن يبني هيكل سليمان عليه السلام، ويعتقد أن هذا هدف نبيل، في سبيل هذا الهدف لا مانع من أن يفعل أي شيء؛ يهدم البيوت على أصحابها، يهدم المساجد على الراكعين فيها، لا يهم إنه يحقق نبوءة الله ونبوءة كتابه. وفريق آخر يؤيده لأنه يرى أن المسيح لن يظهر إلا بعد بناء الهيكل، فيؤيد هذا الفريق، ويدفع في هذا الطريق، بظن إيمان وبظن دين. وفريق آخر يتكاسل ويتواكل في انتظار المهدي الذي سوف ينصره، وسوف يهدم كل شيء على معاديه. إن ما أنبئنا به أيا كان لا يعرف وقته إلا الله، ولا يعرف تأويله إلا الله، ولا يعرف مكانه إلا الله. قد يحدث في عصر ما، في وقت ما، في مكان ما، وقد يكون له معنى آخر لا ندركه بعقولنا اليوم… (٢٠٠٢/٤/٢٦)
٤-٢-٤-٣-لا يجب أن ننزل بالمعاني الكلية والمقاصد الكريمة إلى معترك السياسة
يوم ننزل بالمعاني الكلية، بالمعاني العليا بالقيم السامية، بالمباديء العالية، بالمقاصد الشريفة الكريمة إلى معترك السياسة، واختلاف وجهات النظر، فنصبح كما لو أننا جماعة مع الدين، وجماعة ضد الدين. وهذا، ليس صحيحا، لأن الدين أكبر من ذلك. الدين، قانون حاكم، أردنا أم لم نرد، (إن كل من في السماوات والأرض إلا آتي الرحمن عبدا22) الدين، ليس في حاجة، لأن يقول البعض أننا ننصر الدين، أو أننا نطبق الدين. الدين أكبر من ذلك بكثير، لأنه مطبق في أي حال، وفي أي صورة، إن الله بالغ أمره دائما. فيوم يساء استخدام الدين، يؤدي هذا الحال، إلى أن يخرج الكثيرون بفطرتهم مما يصوره البعض على أنه الدين… (٢٠١٢/٦/١)
Footnotes
-
الفتح: ٢٩ ↩
-
آل عمران: ١٥٩ ↩
-
الكهف: ٢٨ ↩
-
العنكبوت:٤٦ ↩
-
النحل: ١٢٥ ↩
-
فصلت: ٣٤ ↩
-
حديث: الطبراني ↩
-
فصلت: ٣٤ ↩
-
فصلت: ٣٥ ↩
-
النحل: ٩٠ ↩
-
الرحمن: ٣٣ ↩
-
راجع الملاحظة رقم ٢١٧ ↩
-
حديث: الطبراني ↩
-
التكوير: ٢٩ ↩
-
القيامة: ١٤ ↩
-
غافر: ٦٠ ↩
-
البقرة: ١٨٦ ↩
-
الرحمن: ٧-٩ ↩
-
البقرة: ٢ ↩
-
حديث: صحيح إبن حيان ↩
-
حديث: البخاري وآخرون ↩
-
مريم: ٩٣ ↩