أحاديث الفترة من ١٩٩٦- ٢٠٠٠
١٢٥ - الصوم تدريب عظيم يهيئ لإنسان الفرصة ليعيش بمعنوياته وليتفكر في وجوده الحقي
تاريخ الحديث: ١٩٩٦/١/٢٦
”… إن الصوم هو تخلق بأخلاق الله، إن الصوم هو قيام بسر الله في الإنسان. إن الإنسان هو قيام حقي، تواجد من خلال هذه الذات، التي تحمل صفات تمكنها من مواصلة التواجد على هذه الأرض، من هذه الصفات الشهوات، وما زين للناس من حب للمال وللسلطان، ولأشياء أخرى في حياته الأرضية. هذه الشهوات التي وجدت في الإنسان لها دور في قيام الإنسان، فبدونها لا يستطيع أن يحيا، أو أن يستمر، أو أن يتعامل. ولكن مشكلة الإنسان هي كيف يقوم أمرا وسطا فيما هو قائم عليه، وفيما هو ظاهر بملكيته له. ماذا يفعل؟ ماذا يطلب؟ النفس بشهواتها تلعب دورها وتؤديه كما يجب، ولكنها في عملها هذا قد تأخذ الإنسان إلى أن يصبح عبدا لها، ليس له من هذه الأرض إلا ما تطلبه نفسه. بذلك يفقد ما فيه من سر الله، ومن نور الله (إن القلوب لتصدأ كما يصدأ الحديد، وإن جلاؤها لذكر الله). لذلك جاءت الأديان لتعلم الإنسان ولتوضح له الطريق الذى يمكنه من أن يقوى ما فيه من سر الله، حتى يتوازن ويعتدل في سلوكه ومعاملاته. والصوم تدريب عظيم يمكن الإنسان من ذلك. فهو يهيئ له الفرصة ليعيش بمعنوياته، وليتفكر في وجوده الحقي. إنه ليس هذا الجسد فقط، إنه القوة الروحية فيه، إنه كان قبل هذا الجسد، وسيكون بعد هذا الجسد. إنه سر من أسرار الله، إنه من روح الله. إن الإنسان هو السر الأعظم، إن في الإنسان قدرات وإمكانات هي تجلى لقدرة الله وعظمته. إن الإنسان مميز عن كل الكائنات بهذه القدرة التي أودعها الله فيه. قدرة على الفكر، وقدرة على الذكر، وقدرة على العمل. هذه القدرات هي سر الله في الإنسان. إنها باقية وموجودة قبل الإنسان، (يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه). إن الصوم يذكر الإنسان بكل ذلك. ويجعله يشعر بسر الله فيه حقا، ويعكس البصر إلى داخله حقا (وفى أنفسكم أفلا تبصرون)..”
تعليق:
حديث مختصر عن صوم شهر رمضان يشير إلى أن الصوم يهيئ للإنسان الفرصة ليعيش بمعنوياته، وليتفكر في وجوده الحقي وهذا المعنى سبق الإشارة إليه في أحاديث سابقة.
مفاهيم دالة :
١٢٦ - أولياء الله الصالحون جاهدوا في سبيل الله وتركوا مفاهيمهم في كتبهم، وفى صدور مريديهم، لينقلوا المعرفة التي لا يقبل عليها إلا الذين يتفكرون ويتأملون ويتدبرون
تاريخ الحديث: ١٩٩٦/٤/١٢
”… نحن حين نتأمل في تاريخنا نجد أن الفقهاء والعلماء قد ركزوا في بحوثهم وفى كتبهم ومذاهبهم على المسائل الشكلية التي لها علاقة بحياة الإنسان اليومية. وهذا جانب من الجوانب التي يجب أن يتأمل فيها الإنسان ولكنها ليست كل الجوانب. فهناك قضايا أخرى يجب أن يتأمل فيها المسلم، وأن يتفقه في مضمونها. من هذه القضايا: قضية وجود الإنسان، قضية علاقة الإنسان بربه، قضية علاقة الإنسان بكونه، قضية ما سيئول إليه الإنسان، قضية ما كان عليه الإنسان، قضية ما هو الإنسان كائن عليه اليوم، قضية خلق الإنسان، ولماذا خلق الإنسان، قضية ما أمر به الإنسان، ولماذا أمر به. كل هذه القضايا لا يرى الناس فيها إلا زاوية واحدة، وإلا حلا واحدا، وإلا قولا واحدا، ويعتقدون بذلك أنهم قد انتهوا من هذه القضايا. هذا الحل، وهذا القول هو أننا أمرنا ويجب أن نفعل، ولا يجب ان نفكر. إن هذا القول وإن كان يريح الكثيرين الذين لا يريدون أن يعملوا أو أن يفكروا أو أن يتدبروا، وهم الكثرة إلا أنه يقلق الكثيرين أيضا وقد يكونون أقل عددا. الذين يفكرون ويتأملون لا يريدون أن يقوموا بشيء لا يعلمون الهدف من القيام به. ومن هنا توجه الفقه في تاريخه إلى الذين لا يريدون أن يفكروا بأن كان خطابه لهم أن يفعلوا كذا ولا يفعلوا كذا. ولكن لم يوجه خطابه للذين يفكرون والذين يريدون أن يعرفوا لماذا هم يصلون ويصومون، ويحجون ويزكون ولماذا هم عن طعام يمتنعون. إن في آيات كتاب الله إجابة لكل هذه التساؤلات لمن يقرأ. والسؤال عن “لماذا” و”كيف” لا يخرج الإنسان من دينه. وإنما بالعكس هو يقرب الإنسان من دينه. لأنه يريد أن يعلم ويريد أن يتعلم. لذلك كان هناك من الناس من يجتهدون في ذلك، ويحاولون أن يقربوا للناس هذه المعاني التي لها عمق كبير. يريدون أن يعلموا الناس كيف يفكرون، وكيف ينهجون، وما هو المنهج الذى يتبعون. هؤلاء هم أولياء الله الصالحون، الذين جاهدوا في سبيل الله، والذين علموا وكتبوا وتركوا مفاهيمهم في كتبهم، وفى صدور مريديهم، لينقلوا هذا العلم وهذه المعرفة التي لا يقبل عليها إلا القليلون، لا يقبل عليها إلا الذين يتفكرون ويتأملون ويتدبرون. وهذا ما نتحدث وما نتذاكر به بيننا. فنحن نتذاكر دائما في مفاهيم ديننا: في مفهوم الصلاة، وفى مفهوم الصوم، في مفهوم الحج، وقبل كل ذلك في شهادة لا إله إلا الله، وفى شهادة أن محمدا رسول الله. نريد أن نتعلم جميعا هذه المفاهيم التي جاء بها ديننا، وكيف نكون عبادا لله صالحين. لا نتعلم ذلك بالتقليد الأعمى ولكن بالمتابعة في الاجتهاد، وفى إعمال العقل، وفى إعمال القلب، وفى التجمع على ذكر الله، وفى اتباع ما نجد أنه الأحسن، وفى عدم التمسك بما هو أدنى….”
تعليق:
حديث يوضح أن المسلمين اهتموا كثيرا بالمظهر ولم يهتموا بالجوهر واعتبروا أن الدين هو في ظاهر المناسك دون فهم مقصدها وما تحمله من رسائل للإنسان. ذكر الحديث عددا من القضايا التي لم يتم تناولها بالقدر الكافي في تاريخ المسلمين إلا من قبل بعض الفلاسفة. الحديث لم يدخل في تفاصيل أي من هذه القضايا وإنما أعطاها كأمثلة.
مفاهيم دالة :
١٢٧ - محاولة الإنسان بظلامه أن يستغل حب الناس لدينهم، وتأثير الدين على قلوبهم، ليروج فكرة خاطئة يريد بها دنيا يصيبها
تاريخ الحديث: ١٩٩٦/٦/٧
”… إنا نعيش هذه الأيام وكل فريق يتخذ من الدين وسيلة لعاجل دنيا يصيبها. وهذا ليس بغريب على أرضنا. فقد حدث ذلك في قديم. حدث في الفتنة الكبرى التي اتخذ فريق فيها الدين كستار ليبرر أفعاله. واستخدم كتاب الله ليمكن هذا الفريق في الاستيلاء علي الحكم. والآن نرى على أرضنا مجتمعات تتخذ من شعار أنها شعب الله المختار ستارا، لتبرر بها أفعالها وجرائمها وحروبها وكل فعل شائن تقوم به. فقضية استخدام الدين موجودة في كل مجتمع يوم يحاول الإنسان بظلامه أن يستغل حب الناس لدينهم، وتأثير الدين على قلوبهم، ليروج فكرة خاطئة يريد بها دنيا يصيبها. بل إن هذا أمرا موجود أيضا على مستوى الإنسان بالنسبة لأفعاله وسلوكه، يوم يتخذ من ظاهر الدين وكلماته وسيلة لتبرير فعله، بظن أنه يقيم الدين، وأن الدين قد أعطاه هذا الحق. نرى أناسا باسم الدين يتاجرون، ويخادعون، ويصدقون أنفسهم بعد ذلك، دون أن يعوا أن الدين هو صدق، وأن الدين هو ما هو أفضل، وما هو أقوم، وما هو أحسن. فليس من الدين أن يغامر الإنسان بما يملك، ويملك الآخرون بظن أنه متوكل على الله، وحديث رسول الله يعلمنا (اعقلها وتوكل). وليس من الدين ألا يخطط الإنسان وهو في موقع المسئولية لمن هو مسؤول عنهم (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته) والفرق بين التواكل والتوكل معروف، ومفهوم، وواقع يستطيع أن يعقله كل إنسان. وليس من الدين أن تترك الأمم المسلمة مقدراتها في يد الآخرين يفعلون بها ما يشاؤون، وليس من الدين ألا يجتهد الإنسان في هذه الأرض، ويحاول أن يملك مصادر المعرفة فيها، وأن يعرف قوانينها وأسبابها بظن أنه يتعبد أو يقيم شعائر. وليس من الدين ما عليه الأمم المسلمة اليوم، وهي لها اليد الدنيا وليست لها اليد العليا، تطلب كل شيء، وتتسول من كل أمم الأرض بصورة أو أخرى، حتى وإن ملكت كنوز الأرض وما فيها، فلا قيمة لما يملكون دون عقل، ودون علم، ودون فهم، ودون صدق. فهل عرفت الأمم التي تطلق على نفسها الأمم الإسلامية، معنى الإسلام حقا؟! أم أنها لم تأخذ من الإسلام إلا اسمه، ومن الدين إلا رسمه، ومن العبادة إلا شكلها، ومن الدنيا إلا زخرفها، ومن العمل إلا الحديث به دون القيام فيه حقا، ومن الجهاد إلا الخطب الرنانة، والأقوال الجوفاء. فأين نحن اليوم من الإسلام دين الفطرة الذى يدعو كل إنسان أن يكون عاملا كل يومه، أن يكون مجاهدا في كل لحظة من لحظات وجوده على هذه الأرض باحثا عن الأفضل والأقوم. لا يضيع وقتا ولا يبدد جهدا ولا يسرف فيما يملك، وإنما يرشده لخيره وخير الناس. أين نحن من هذا؟ ونظن أننا على دين! إن الدين عمل مستمر، وجهاد مستمر، ليحقق الإنسان من وجوده ما أراد الله له من قيامه على هذه الأرض.
تعليق:
ركز هذا الحديث أن الدين هو جهاد مستمر، وعمل دائب لخير الإنسان ولخير مجتمعه، علينا أن ندرك هذه المعاني حقا، وأن يكون زادنا هو تقوى الله وعبادة الله والاجتماع على ذكر الله، حتى لا نكل ولا نمل، وحتى نكون دائما في طريق الله وفى جهاد في الله.
مفاهيم دالة :
- ١-٢-١٦-٢ يأخذ أفراد المجتمع بأسباب الحياة وقوانينها ويسهموا في تغيير حياة البشر إلى الأفضل
- ٣-٢-١١-٢ قضية إستخدام الدين موجودة فى كل مجتمع
- ٤-٢-٤-١ يتخذ البعض من ظاهر الدين وكلماته وسيلة لتبرير فعله
١٢٨ - دين الفطرة هو حياة، هو تفاعل، هو إدراك وفهم وعمل، يتفاعل الإنسان مع نفسه، ومع مجتمعه، ومع الطبيعة، ومع فلسفات الشرق والغرب، ومع كتاب الله بين يده قبل كل ذلك، ومع عترة رسول الله
تاريخ الحديث: ١٩٩٦/٩/٢٧
” … ديننا يوضح لنا طريقنا، ويوضح لنا هدف وجودنا ويوضح لنا كيف كنا وكيف أصبحنا، وكيف سنكون (إذ أخذ ربك من بنى آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم؟ قالوا بلى أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين). وقصة آدم تعبر أيضا عن هذه الحقيقة. كان الإنسان قبل أن يهبط إلى هذه الأرض ثم أرسله الله إليها ليكون خليفته عليها (إني جاعل في الأرض خليفة). لذلك كان الإنسان على هذه الأرض هو الكائن الوحيد الذي حمل أمانة الحياة وأطلعه الله على بعض من أسرارها التي يستطيع أن يتعامل معها، وأن يطور بها حياته على هذه الأرض، وأن يكون أداة خير لكل الكائنات القائمة عليها. فالإنسان على هذه الأرض باستخدامه لأسباب الحياة يكسب في حياته الحقية. وهذا هو سر وجوده على هذا الكوكب. دين الفطرة يوضح ذلك في هذه الآية (ما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) ويعبدون هنا لا تعنى فقط العبادة القلبية أو المنسكية، إنما تعنى كل ما يفعله الإنسان على هذه الأرض وذلك لقوله تعالى (قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق)، (الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم، ويتفكرون في خلق السماوات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار) ما خلق الله أسباب الحياة باطلا، ولا خلق كل هذه الكائنات باطلا، ولا خلقك باطلا. نفس الإنسان بظلامها، والشيطان الذى يجرى منه مجرى الدم يقول له دائما أن لا فائدة من كل شيء على هذه الأرض، فاغتنم لحظتك وفرصتك لعاجل أمرك، ولا تنظر إلى ما بعد ذلك. دين الفطرة يركز على استمرارية الحياة، وأن ما تفعله اليوم بصدق له أثر على حياتك المستقبلية (الذين يؤمنون بالغيب)، (من آمن بالله واليوم الآخر)، فالإيمان باليوم الآخر يقترن دائما بالإيمان بالله. فدين الفطرة يعلمنا أن كل عمل تقوم به على هذه الأرض هو عمل في الله، وأن الاستقامة مطلوبة حتى يكون الإنسان متعاملا مع الله، فإذا كان الله قد حبب للإنسان الدنيا بما فيها من مال وجاه وبنين رحمة بالإنسان حتى يكون عمله الدنيوي الذي يكسب به في الله لا يتعارض مع ما يحب. فإذا نسى الإنسان ذلك وأحب عمله الدنيوي حبا للدنيا، أصبح عمله للدنيا. وهذا هو الفارق بين الذي يعمل في الله والذي يعمل للدنيا، بين الذي يجد عمله حاضرا في آخرته وبين الذى يجد عمله كسراب بقيع. هذا هو الفارق الذي عبر عنه الصوفية بقولهم (اللهم اجرى الدنيا في يدى ولا تجرها في قلبي) فبجريان الدنيا في يده يفعل ويتحرك ويكسب في الله، إنما إذا جرت في قلبه لذاتها فقد قدرته على التعامل مع الله، وعلى خير الناس، وأصبحت الدنيا هي كل همه وكل علمه وكل أمله، وهذا ما يحذرنا ديننا منه أن نكون عبادا للدنيا لذاتها. دين الفطرة هو دين كل القيم الجميلة، وكل القيم النبيلة، وكل القيم العظيمة، وكل القيم التي يحبها الإنسان بفطرته السليمة، والتي نتفق عليها جميعا بمعنى الإنسان فينا وبمعنى الحق لنا. دين الفطرة وشريعته لا يتعارض مع أي حق، ومع أي جمال ومع أي خير ومع أي صالح للأمة وللناس جميعا، إنه دين الخير ودين الجمال ودين صالح الإنسان وكسب الإنسان. إن دين الفطرة لا يضع شكلا لكسب الإنسان في الله، وإنما يفتح الأبواب جميعا لأن يكسب الإنسان في الله من خلالها، يكسب الإنسان في الله من عمله ومن تعاملاته ومن أقواله ومن حركاته ومن أفكاره ومن كتاباته ومن قراءاته ومن كل ما يفعله على أرضه. أعطى الله الإنسان القدرة على التمييز وجعله مسئولا (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته). فليميز هو بين العمل الذى يقربه من الله، وبين العمل الذى يبعده عن ذكر الله، ليقدر وليزن الأمور بميزان سليم وصحيح، ويكون عادلا في ميزانه، ميزانه الحقي الذى يزن به أموره بين ما له وما عليه. والآية الكريمة (ويل للمطففين الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون، وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون) التي تصف هذا الحال في دنيانا وفى حالنا المادي هي أيضا تطبق على حالنا الحقي، ويجب أن نتعظ بها وأن نكون متخذينها دستورا لنا في تعاملاتنا مع الناس ومع أنفسنا. إنه الميزان، إنه الحساب (حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا). فليحاول كل إنسان أن يحاسب نفسه، وأن يكون عادلا في ميزانه، في كل أعماله، وأحواله، وأفعاله، وأقواله، وكلماته وكل حياته. هذا هو دين الفطرة، دين الفطرة ليس شكلا، وليس رسما، وليس جمودا، وليس كلمات جوفاء، وليس شعارات ترفع، وليس كلمات تقال في المناسبات، وليست أنماطا تتحرك. إن دين الفطرة هو حياة، هو تفاعل، هو إدراك وفهم وعمل، يتفاعل الإنسان مع نفسه، ومع مجتمعه، ومع الطبيعة، ومع فلسفات الشرق والغرب، ومع كتاب الله بين يده قبل كل ذلك، ومع عترة رسول الله التي تركها فينا (تركت فيكم الثقلين، كتاب الله وعترتي، ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا أبدا فإنهما لا يفترقان أبدا).
مفاهيم دالة :
- ١-١-١٥-٥ الإنسان وحدة وجود وبذرة حياة ومشروع خلق فيه العقل والقلب والذات
- ٢-٢-١٨-٣ التفاعل مع الثقافة والتراث والحضارة الإنسانية
- ٢-٢-٢٤-٤ يميز بين العمل الذي يقربه من الله، وبين العمل الذي يبعده عن ذكر الله
- ٣-٥-٣-٣ إدراك الإنسان بقدر استطاعته لأسرار الحياة حوله
١٢٩ - نتعلم أن نتجه إلى الغيب حين لا نجد في الشهادة ما يجيب عن تساؤلاتنا وما يرشدنا إلى قبلتنا
تاريخ الحديث: ١٩٩٧/١/٣
”… إنا نستقبل في هذه الأيام شهرا كريما هو شهر شعبان، شهر تغيير القبلة، المعنى القائم الدائم على هذه الأرض. كان سيدنا محمد (صلعم) يتجه إلى السماء طالبا أن يوليه الله قبلة يرضاها (إنا نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها). إن هذه الآية تعلمنا كيف تبدأ رحلة الإنسان إلى الحقيقة حين لا يستطيع أن يرى في شهادته معنى يتجه إليه فيبدأ بحثه من خلال الاتجاه إلى الغيب. عما يجب أن يتجه إليه ويفعله في بحثه عن الحقيقة. فهو يبدأ في بحثه عن طريق الاتجاه إلى الغيب، ليجيبه الغيب ويرشده إلى قبلته. إن الاتجاه إلى الغيب بالدعاء سبق الوحى في كل الرسالات السماوية مما يدل على أن هذا قانون من قوانين الحياة. إن القبلة ليست مجرد بيت من حجارة نتجه إليه وإنما هي رمز لمصدر العلم والمعرفة في رسل الله. يوم يتنزل الوحى على الرسل فيقول لهم أنتم رسل الله، فيشهدوا أنهم رسل الله، فيعرفوا بذلك معنى القبلة، ويعرفوا أنهم يستطيعون أن يتعلموا ويعرفوا، وأن الناس سوف يكون لهم على أرضهم من جنسهم ومن قائم وجودهم، من يقول لهم في أنفسهم قولا بليغا، من يرشدهم ويعلمهم ويوجههم إلى مصدر الحق والحياة. فبذلك كان تغيير القبلة في شهر شعبان يرمز إلى المعنى القائم الدائم على هذه الأرض. يوجهك الله ويرشدك وأنت تتجه إليها فإنك تطلب علما يرشدك إلى كيفية التعامل مع نفسك، ومع الناس، كيف يكون ركوعك وسجودك، كيف يكون دعاؤك وطلبك، كيف يكون قيامك ونومك، كيف يكون حالك فى كل لحظة، كيف تتجه فى صلاتك، كيف تقترب من مصدر حياتك، كيف يكون عملك كله لله، وتكون حياتك كلها لله. إن الذي يدعو الله حقا سيجيبه الله حقا، إن الذي يسأل الله أن يوجهه فسيوجهه الله إلى قبلته، وإلى المصدر الذى يتجه إليه، والذى ينهل منه…”
تعليق:
كانت كتابة هذا الحديث ليست جيدة. فقمت بإعادة صياغة الأجزاء التي تتحدث عن معنى الاتجاه إلى الغيب ومعنى القبلة. وأشرت أن جميع الرسل اتجهوا إلى الغيب قبل تلقي الوحي وأن الإشارة إلى اتجاه الرسول إلى السماء قبل تلقيه الأمر بتغيير القبلة هو لنتعلم أن نتجه إلى الغيب حين لا نجد في الشهادة ما يجيب عن تساؤلاتنا وما يرشدنا إلى قبلتنا.
مفاهيم دالة :
- ١-٢-٧-١ التوجه إلى الغيب ليوفقك لقراءة ما تراه في الشهادة
- ٢-٢-٢٣-٤ الإيمان بالغيب يساعد الإنسان أن يتعلم من الشهادة
- ٣-٢-٤-٢ الإنسان يتجه إلى الغيب يدعو ربه أن يرشده إلى القبلة التي يتجه إليها وإلى الطريق الذي يسلكه
١٣٠ - الصوم هو تعبير عن وجود الإنسان في حال مجرد عن ماديات الحياة يساعده للتعرض لنفحات الله.
تاريخ الحديث: ١٩٩٧/١/١٠
“……. قضية الصوم أكبر من أن تكون مجرد امتناع عن الطعام والشراب، إنما هي قضية حقية، وامتناعنا هو تعبير عن هذه القضية، لترسخ في وجودنا، ولتقوم في ذواتنا، ولتبقى في قلوبنا، ولندركها بعقولنا فترسخ في وجداننا. إنها قضية أن الإنسان ليس مجرد ذات على هذه الأرض، إنه سر الله، إنه روح الله (ما ظهر الله في شيء مثل ظهوره في الإنسان). الإنسان ليس هذه الذات التي تريد طعاما وشرابا، إنه أكبر من ذلك، إنه المعنى الذى كان، والمعنى الذى سيكون، والمعنى الذى هو كائن اليوم. أعطيت له هذه الذات ليعيش بها على هذه الأرض، ليكسب من خلال قيامه بها. فالإنسان حين يمتنع عن كل ما تريده وتعيش من أجله وبه هذه الذات، فإنه يعبر عن وجود، أكبر من ماديات الحياة، متجرد عن كل ما يوصله بهذه الدنيا، قائم بما فيه من السر الإلهي والمعنى الحقي. إن تشريع الصوم يريد أن يذكرنا بذلك، ويجعل هذا المفهوم فى أذهاننا حتى نستطيع أن نقوم فى معنى الحياة، وحتى لا تأخذنا دنيانا إلى أن تكون هي كل همنا، وبالغ علمنا، ومنتهى أملنا. إن علينا أن نذكر أنفسنا بذلك دائما، ونعلم أن المقصود وجه الله، والمطلوب كسب الله فى وجودنا، وفى حياتنا، وفى كل معاملاتنا. إن هذا المعنى نستطيع أن نلمسه فى معنى (كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم)، (ولكل جعلنا شرعة ومنهاجا). فالصوم في أي شريعة هو تعبير عن هذا المفهوم. والدين كما نقول دائما هو مجموعة من المفاهيم التي تنظم وجود الإنسان على الأرض، وعلاقته بالغيب، وعلاقته بالشهادة. ندرك أيضا أن القضية التي تشغل بال الإنسان، إن كان مفكرا وإن كان باحثا وإن كان طالبا، هو كيف يكسب من هذه الحياة أكبر مكسب، كيف يخرج فائزا، كيف يخرج ناجيا. هذا أيضا نتعلمه في معنى الصوم. إنه التعرض لنفحات الله، إنه القيام في حال نستقبل فيه نفحات الحياة وفيوضات الله، ورحمات الله (كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فهو لي وأنا أجزى عنه). وهنا ندرك من هذا الحديث قضية مهمة، وهى كيف أن عطاء الله ليس بمقدار ما يفعل الإنسان، وإنما بمقدار تهيئة الإنسان لنفسه لنفحات الله (من تقرب إلى باعا تقربت إليه ذراعا ومن جاءني مشيا جئته هرولة، ومن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير من ملئه). هذا ما يطمع فيه الإنسان أن يعامله الله بما الله له أهل، وليس بما الإنسان له أهل. فإن أعددت نفسك للقاء الله، فالصوم تعبير عن هذا، لأنك تتخلى عن كل ما يشغلك بالدنيا وما فيها، وتصبح فى لحظات أهلا لعطاء ورحمة الله. هذا معنى الصوم لى وأنا أجزى عنه، هذا هو معنى الرحمة، هذا هو معنى الاصطفاء، هذا هو معنى الكرم اللانهائي، هذا هو معنى النور الهادي، وهذا هو معنى ليلة القدر. كل هذه المعاني هي في واقع الأمر لنتعلم أن قضيتنا أن نعرض وجودنا لنفحات الله، إذا استطعنا ذلك بحق لأخذ الله بأيدينا (الذين آمنوا نخرجهم من الظلمات إلى النور)، (الذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا)، (الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليه الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون). شهر الصوم يعلمنا ذلك، يعلمنا ألا نتباهى بأعمالنا وألا نقول إننا قدمنا وفعلنا وعملنا وعبدنا وذكرنا، ولكن نقول إن لم يتغمدني الله برحمته لأكونن من الضالين. وقد علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك حين قال: (لا يدخل أحدكم الجنة بعمله حتى أنت يا رسول الله حتى أنا ما لم يتغمدني الله برحمته)، (أنا أقربكم من الله وأخوفكم منه) لأن القضية ليست قضية فعل، بقدر ما أن الفعل هو أن نهيئ أنفسنا لرحمة الله. فإذا استطعنا ذلك على أرضنا لكان ذلك فتحا مبينا (إنا فتحنا لك فتحا مبينا ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ويتم نعمته عليك ويهديك صراطا مستقيما وينصرك الله نصرا عزيزا). أدرك الصوفية هذا القول وهذا العمل وهذا المعنى فقالوا: (رب معصية أورثت ذلا وانكسارا خير من طاعة أورثت عزا واستكبارا). لأن القضية ليست قضية محاسبة، وليست قضية أن تقول لله أنك قد فعلت (من نوقش الحساب فقد هلك). لكن القضية أن تحاسب نفسك، وأن تعد نفسك لنفحات الله ورحماته، وهذه قضية مهمة وأساسية يوحى لنا بها أيضا شهر الصوم. - غرة رمضان
تعليق:
حديث عن الصوم كتعبير عن وجود الإنسان في حال مجرد عن ماديات الحياة. قيام الإنسان في هذا لحال يساعده للتعرض لنفحات الله. وهذا معنى أن الصوم لله وهو يجزي عنه. ومعنى أن يكون الإنسان أهلا ليخرجه الله من الظلمات إلى النور. وهذا هو الفتح المبين.
مفاهيم دالة :
- ٣-٣-١-١ تدريب نفوسنا وإخراج ما فينا من حقائق الحياة
- ٣-٣-١-٢ يستغنى عما هو أدنى طالبا ما هو أعلى ملبيا نداء ربه
- ٣-٣-١-٣ تخلي عن ذاته وقام بروحه
- ٣-٣-١-٤ الصوم لله وهو يجزي عنه
١٣١ - القرآن يحمل معان الهدى والفرقان التي تتجلى في صوم شهر رمضان، كما تتجلى الروح في الجسد، أو كما يتجلى الغيب في الشهادة
تاريخ الحديث: ١٩٩٧/١/١٧
“……إن الإنسان يعيش في حجاب من ظلام وهو في حاجة لمن يبين له كيف يفرق بين الحق والباطل وبين النور والظلام، فكل شيء عنده سواء. فكان نزول القرآن هو الذي يبين كيف نفرق بين الحق والباطل، ويهدي إلى الطريق القويم، ويفرق بين النور والظلام (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان). والقرآن ليس فقط الآيات المكتوبة وإنما هو طاقة تنزلت من الأعلى لتهدي كل من شهد هذا المعنى واتجه إلى الغيب مستقبلا القبلة التي ارتضاها رسول الله (صلعم). وكان صوم رمضان هو رمز للاتجاه لأعلى لمن شهد هذا الشهر (.. فمن شهد منكم الشهر فليصمه). فالقرآن يحمل معان الهدى والفرقان التي تتجلى في صوم هذا الشهر، كما تتجلى الروح في الجسد، أو كما يتجلى أي غيب في شهادة. فالمعاني في حقيقتها غيب، تتجلى في سلوك مستقيم. كان رسول الله خلقه القرآن. فكان القرآن يتجلى ويتجلى دائما في خلق رسول الله. وشهر الصوم هو الذي أنزل فيه القرآن؛ والشهر هنا ليس شهرا زمنيا فقط، وإنما هو إشهار معاني القرآن، وهو تجلى معاني القرآن. فشهر الصوم بهذا المعنى هو كمال الصفات في تجليها، والذي يريد أن يكونها ويقومها لا يستطيع أن يكون كذلك، إلا يوم يشهدها فيحاول أن يكونها، فيتخلق بأخلاق الله فيصوم، فمن شهد منكم الشهر فليصمه. فالذى يصوم حقا هو الذي شهد كمال المعاني فطلبها، فكانت هذه المعاني قبلته. فهل تريد حقا أن يكون خلقك القرآن، هل لك في رسول الله صلوات الله وسلامه أسوة حسنة، ماذا تطلب وماذا تقصد وماذا تدعو، ومن تطلب ومن تقصد ومن تدعو، إن كنت تطلب رسول الله فقد شهدت الشهر، أما إذا كنت تطلب دنيا، أو تقصد طاغوتا، فما شهدت الشهر، وما صمت الشهر. …..”
تعليق:
كان هذا الحديث تأملا في معنى الآية (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه)
مفاهيم دالة :
١٣٢ - كلمة الحق تبقى كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء وتأثيرها يبقى على مر العصور أما الكلمة الخبيثة وإن انتشرت وأصبحت لها الغلبة إلا أن هذه الغلبة لا تدوم
تاريخ الحديث: ١٩٩٧/١/٢٤
“…. حين نتأمل في تاريخنا نجد أن هناك صراع دائم بين الخير والشر. إن نجح الشر في بعض الأحيان في ظاهر الأمر، وأصبحت له القوة والغلبة فإن رجال الحق لا يستسلمون، وإنما يجاهدون، وينشرون كلمة الحق، ويحافظون على معنى الحق في قلوبهم وفى وجودهم. وهناك دائما رجال يستجيبون لدعوة الحق، بهم تبقى كلمة الله على الأرض، وبهم تنتشر في أهل الصلاح والفلاح. وهكذا تزول دولة الظلم ولا تزول كلمة الحق، فالكلمة الصادقة، الكلمة الخالصة لوجه الله، الكلمة الطيبة، تبقى كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء. وتأثير كلمة الحق باق على مر العصور وتنتشر في كل مكان. أما الكلمة الخبيثة وإن جندت الأعوان وانتشرت وأصبحت لها الغلبة في ظاهر الأمر، إلا أن هذه الغلبة لا تدوم إلا لوقت قصير في عمر الزمان، وتنتهى ولا يبقى لها وجود، فلا يجب أن نغتر بالدنيا وما فيها، ولكن يجب أن نهتم بما نحن عليه من كلمة الحق، ومن سلوك طريق الحق؛ فهذا هو المعنى الباقي والمعنى الدائم. إن كلمة الحق هي في الفطرة السليمة، هي في القيم النقية، هي في الخير الذى يعرفه كل إنسان. ودين الحق ودين الفطرة ما جاء إلا ليكشف هذه الحقائق الموجودة في الإنسان. لأن الإنسان بظلام نفسه يحول بين هذه الحقائق الموجودة فيه، وبين أن تخرج إلى الوجود منعكسة في أعماله، لأن شهوات نفسه وظلامها تحول بين هذه المعاني النقية فيه، وبين أن تخرج إلى حيز وجوده وأعماله. فالأديان قد جاءت لتقول للإنسان في نفسه قولا بليغا، ولتعلمه كيف يخرج ما فيه من حقائق (وفى أنفسكم أفلا تبصرون)، (سنريهم آياتنا في الآفاق أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق). هكذا يحاول الإنسان مستعينا بدينه أن يخرج ما فيه من فطرة سليمة، فطره الله عليها يوم نفخ فيه من روحه. والصوم يساعدنا على ذلك؛ ففي الصوم نتخلى عن شهوات نفوسنا ونعيش بأرواحنا وبمعانينا، لنتعلم كيف نخرج ما فينا من حقائق الحياة، ومن معانى الحياة التي فطرنا عليها….”
تعليق:
ركز هذا الحديث على تأمل في تاريخ البشرية وبقاء كلمة الحق وانتشارها حتى إذا انتصرت دولة الباطل في وقت من الأوقات. كان هذا الحديث في الخامس عشر من رمضان وأعتقد أن ذكرى استشهاد الإمام علي في السابع عشر من رمضان كانت الخلفية التاريخية وراء هذا التأمل.
مفاهيم دالة :
١٣٣ - ليلة القدر هي مفهوم قبل أن تكون ليلة بذاتها، إنها مفهوم أن يكون إنسان أهلا لرحمات السماء وأهلا لمغفرة الله.
تاريخ الحديث: ١٩٩٧/١/٣١
“….. إن معنى ليلة القدر هو مفهوم قبل أن تكون ليلة بذاتها، إنه مفهوم كيف يكون الإنسان أهلا لرحمات السماء، وأهلا لمغفرة الله له، وكما تذاكرنا من قبل في معنى الصوم، أن الإنسان يهيئ نفسه لنفحات الله، بتخليه عن ذاته، يعيش بما فيه من سر الله وروح الله، لا ينشغل بجلبابه الذى جاء به على هذه الأرض، وإنما ينشغل بوصلته بالله، وباتصاله بنور الله وبرحمة الله، إن محاولة الإنسان ليقوم في ذلك هو معنى الصوم الحقيقي، فإذا مارسه بصدق، وإذا اجتهد أن يكون حقا صائما (من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه) لأنه بصلته بالله، وتعرضه لنفحات الله، وبما خص الله الصوم به من نعمة ورحمة للإنسان، وما خصه بجزائه (كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فهو لي وأنا أجزى عنه).وجزاء الله بلا حدود ولا قيود، وعطاء الله عطاءا غير محدود، ورحمة الله ومغفرته لمن تعرض لها وطلبها بلا شروط، ( قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا…). هكذا يكون الثلث الأخير من شهر رمضان هو تتويج ومحصلة لما هيئ الإنسان نفسه له، فينتظر في هذه الأيام الأخيرة أن يوصل وصلة حقية، وأن يكون أهلا لليلة القدر. إن الإنسان في حاجة دائمة إلى مدد روحي، وإلى مدد إلهي، وإلى مدد نوراني، وهذا ما نتعلمه فى كل عباداتنا يوم نهيئ أنفسنا للحظات في صلاتنا، ولساعات في صومنا، ولأيام في حجنا، لنتعرض لنفحات الله، لنوصل بالنور الإلهي، وبالمدد الروحي، وبالفيوضات المعنوية، والنورانية، والروحية. فليلة القدر بهذا المعنى أفضل من ألف شهر، حيث يتلقى الإنسان فيها فيوضات كثيرة كبيرة، تزيل ما فيه من ظلام، وتحل محله نورا، وهذا ما يطمع فيه الإنسان. وهذه رحمة من الله اختص بها أهل الأرض يوم أقامهم وخلقهم في هذه الصورة، وكرم بنى آدم يوم كرم آدم (خلق الله آدم على صورته) (إني جاعل في الأرض خليفة). هكذا كان تكريم الإنسان يوم جعل الله له على أرضه سببا ليعد نفسه لتلقى نفحاته، وهذا هو معنى (تلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه). إن تلقى آدم لكلمات الله هو في واقع الأمر يحمل نفس معنى ليلة القدر، فليلة القدر إذن ليست مجرد ليلة، إنما هي معنى قبل أن تكون ليلة، هي مفهوم قبل أن تكون زمنا محدودا، هي أمل للإنسان أن يقوم فيه، وأن يشهده، وأن يكون أهلا له. إنا في واقع الأمر لو أدركنا، ليلة القدر ليست فقط محدودة بهذه الأيام، إنما هي حال يقوم فيه الإنسان يوم يواظب على أن تكون له صلة بالله، وأن يكون له اتصال دائم بنور الله، فيهيئ داخليا لتلقى نفحات الله ويكون في ليلة قدر، ويشهد ليلة قدر، تغير ما بقى فيه من ظلام وتجعله نورا على نور. إنا نريد أن نتعلم في ديننا، كيف نتعمق في مفاهيم الحياة حولنا، وفيما جاءت به آيات الحق لنا حتى لا نكون من الذين قيل فيهم يعبدون الله على حرف، وإنما يكون لنا مفهوم أعمق ويكون لنا إدراك يتناسب مع ما أصبحنا عليه وما صرنا إليه من معارف كثيرة تحيط بنا في كل جوانب العلم، وكل جوانب المعرفة. نعرف أنها قليل من كثير إلا أنها كثيرة بالنسبة لما كان، وواجب علينا أن يكون مفهومنا فى ديننا أعمق بكثير مما كان السلف عليه، لأنهم لو عاشوا عصرنا وقاموا حياتنا لفعلوا الكثير فقد كانوا مفكرين متدبرين مجتهدين. وعلينا أن نكون كذلك فالدين جهاد دائم، واجتهاد دائم، ومعرفة دائمة، وتأمل وسلوك وعمل لا ينقطع أبدا. على كل إنسان منا، وهو يستمع إلى حديث الحق من أي مصدر، وإلى آيات الحق قارئا أو سامعا، وإلى أي حديث لرسول الله صلوات الله وسلامه عليه، أن يتفكر بعمق، وأن يتأمل فيما جاءت به الآيات وفيما جاءت به الأحاديث، وكيف يمكن أن يطبقه في حياته، وكيف يمكن أن يجعله دستور وجوده بفهم عميق مستقيم، يبحث فيه عن الأفضل ويبحث فيه عن الأكرم والأحسن، لا بتقليد من سبق، ولكن بالاستعانة بمن سبق. وهذا هو الفارق الكبير الذي يجب أن ندركه أن دين الفطرة هو دين متجدد متفاعل، لا بمعنى أن يطرأ عليه جديد، وإنما بإحساسك أنت به، فأنت تعرف عن الحياة اليوم أشياء لم تك تعرفها من قبل، ولكن يعنى هذا أن شيئا طرأ على هذه الحياة. قوانين الحياة موجودة منذ الأزل وستظل إلى الأبد، إنما نكتشف منها كل يوم ما نستطيع أن نصل إليه بعلمنا وبحثنا واجتهادنا. كذلك ديننا، دين الفطرة، دين الحقيقة، دين الوجود، فيه من الأسرار الكثير، يمكننا أن نعرف من هذه الأسرار وأن ننهل منها يوم نجتهد ونعبد الله حقا، ونسأل الله صدقا، ونتأمل في كل شيء حولنا، ونعرف أن القضية هى تفاعل مع الكون بكل مكوناته، وبكل رسائله التي يرسلها إلينا، سواء كانت هذه الرسائل هي ما تلقيناه من كتب سماوية، أو ما نتلقاه دائما من رسائل حقية من خلال أحداث الطبيعة، وأحداث الحياة المختلفة. إن كل إنسان بالنسبة لنفسه هو أهل للاجتهاد، وأهل للجهاد، ويجب أن يمارس هذا في تفكره وتأمله وتدبره وليس كل إنسان أهلا للاجتهاد على مستوى مجتمعه ليقول لهم ما يجب أن يفعلوا وما لا يجب أن يفعلوه، فهذه قضية أخرى. وإنما على الإنسان أن يمارس ما أعطاه الله من نعمة العقل، ومن نعمة القلب، ومن نعمة الضمير، في كل ما يتعرض له من أحوال الحياة، ويكون بذلك مجاهدا مجتهدا عابدا متدبرا متفكرا ذاكرا (الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السموات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار). إن الذين يجاهدون ويجتهدون سوف يلبون داعى الحق في وجودهم (ربنا إننا سمعنا مناديا ينادى للإيمان أن آمنوا بربكم فآمنا ربنا فاغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا وتوفنا مع الأبرار). هكذا نتعلم دائما أن ديننا هو دين ممارسة، وهو دين فكر ودين عقل، ودين قلب ودين ضمير، ودين علم، دين كل ما هو حق، كل ما هو جميل، كل ما هو أفضل، كل ما هو أحسن، كل ما هو أجمل……”
تعليق:
هذا الحديث كان مكتوبا بصورة جيدة واحتوى على كثير من المفاهيم. فقد أكد عل تأمل سابق في معنى الصوم، وعلى أن كل العبادات هي تعرض لنفحات الله، وعلى مفهوم ليلة القدر وربطها بتلقي آدم من ربه كلمات، وأن فهمنا لدين الفطرة متجدد وليس جديد مثل ما في الكون من أسرار أزلية أبدية ولكننا نكتشف كل لحظة سرا لم نكن نعلمه من قبل، وأن كل إنسان عليه أن يجتهد فيما يخصه ولا يلزم الآخرين بما وصل إليه في اجتهاده.
مفاهيم دالة :
- ١-٢-١٦-٣ التفاعل مع كل ما تلقاه البشر من كتب سماوية، أو من تجارب حياتية
- ٢-٢-١٨-٣ التفاعل مع الثقافة والتراث والحضارة الإنسانية
- ٣-٣-١-٤ الصوم لله وهو يجزي عنه
- ٣-٤-٢-٢ التعرض لنفحات الله
١٣٤ - الإنسان حين يدرك قانون الحياة يرى إرادته قائمة في كل ما يحدث فيكون بذلك في معنى العبودية لله
تاريخ الحديث: ١٩٩٨/٨/٧
“…. إن وجودكم على هذه الأرض له هدف عظيم. وهذا ما جاءت الأديان لتكشفه لكم. تكشف لكم أنكم مخلوقون لتكونوا عبادا لله، ولتكونوا ربانيين (عبدي أطعني أجعلك ربانيا تقول للشيء كن فيكون) (خلقتك لنفسي ولتصنع على عيني) (وخلقت كل شيء من أجلك فلا تتعب وخلقتك من أجلي فلا تلعب) (خلق الله آدم على صورته) (ما ظهر الله في شيء مثل ظهوره في الإنسان). فكان الإنسان مظهرا من مظاهر الله، وتجليا من تجلياته. ظهر في الإنسان في أحسن صورة، وتجلى به في أكمل تجلي. فإذا تحدث الإنسان عن نفسه تحدث بمعنى العبودية لله. هكذا علمه رسول الله صلوات الله وسلامه عليه، يوم تجلى بمعنى العبودية لله، وأظهر قيمة العبودية لله، وعلم معنى العبودية لله. وعرف أن شرف الإنسان هو في أن يكون عبدا لله، في هذا المعنى شرفه وعظمته. ولكن العبودية لله بها معارج ومستويات (إن كل من في السموات والأرض إلا آتي الرحمن عبدا). فللعبودية مراتب، فعبودية رسول الله صلوات الله وسلامه عليه ليست كعبودية كل الكائنات، إنما هي عبودية متميزة، لقد قال له الحق (وإنك لعلى خلق عظيم). وقال هو (لست على هيأتكم لست على صورتكم لست كأحدكم إني أبيت عند ربي يطعمني ويسقيني) الحق قال له إذا تكلمت فقل للناس إنك عبد لله، وقل لهم أن يخلصوا الدين، وأن يكونوا عبادا لله، كما كنت أنت عبدا لله. فهذا ما يطيقون، وهذا ما يستطيعون، وهذا ما فطروا عليه. فإن سألوك عن الربوبية وعن الألوهية فقل لهم (قل هو الله أحد، الله الصمد، لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوا أحد). إنهم بفطرتهم سوف يدركون ذلك، فقد فطروا على ذلك، أن يؤمنوا بالغيب، والقانون الإلهي يخبرنا أن الذي يسلم وجهه لله يفيض الله عليه بالإيمان. وأن الذي لا يسلم وجهه لله يفيض الله عليه بالنكران. (فألهمها فجورها وتقواها، قد أفلح من زكاها، وقد خاب من دساها (، (إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا). وتعلمنا من قانون الحياة أن البداية من الإنسان (ابدأ بنفسك…) (من تقرب الي باعا تقربت إليه ذراعا ومن جاءني مشيا جئته هرولة ومن ذكرني في مليء ذكرته في مليء خير من ملأه (، (وقال ربكم ادعوني أستجب لكم…). فنقطة البداية هي الإنسان (كن كيف شئت فإني كيف تكون أكون) (أنا عند ظن عبدي بي إن خير فخير وإن شرا فشر). فإذا تحدثنا عن السلوك في طريق الله فإن حديثنا يكون عن حاضرنا واقعنا، وعن وإرادتنا وعقلنا، عن ماذا نريد أن نفعل اليوم بما أعطانا الله؟ وبما وهبنا الله؟ وبما أقامنا الله فيه وفطرنا الله عليه؟ هذه نقطة البداية التي ننطلق منها فإما أن ننطلق الى معنى العبودية لله، أو إلي أن نخسر أنفسنا ونخسر ارتباطنا بجذورنا، كما نخسر ارتباطنا بفروعنا. انقطعوا عن شجرة الحياة، فكانوا كشجرة خبيثة اجتثت من فوق الأرض فما لها من قرار…..”
تعليق:
هذا الحديث يوضح أن الإنسان حين يدرك قانون الحياة فتتوحد إرادته مع إرادة الله يكون ربانيا لأنه سوف يرى أن إرادته قائمة في كل ما يحدث وفي نفس الوقت سوف يرى نفسه وإرادته أداة في يد الله فيكون بذلك في معنى العبودية لله. فإذا قام الإنسان متعاملا فاعلا في مجتمعه تجلى بمعنى العبودية وهذا هو المعنى الأقوم كما علمنا رسول الله (صلعم).
مفاهيم دالة :
- ١-١-١٥-٧ الإنسان خلق ليكون عبدا لله وليكون ربانيا
- ١-٢-١٣-٤ أعطى الله الإنسان إرادة وقدرة على التغيير
١٣٥ - تطبيق نظرية التجريد والتقييد للتأمل في أحداث الحياة في الماضي والحاضر
تاريخ الحديث: ١٩٩٨/٩/٢٥
“….. إن هذه الآيات (من يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا)، (إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء وهو أعلم بالمهتدين) قد تجعل الإنسان يعتقد أنه لا معنى لعمله ولجهاده واجتهاده، وقد يحتار الإنسان في فهمها حين يسمع آيات أخرى توجهه الى العمل والجهاد (وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون وستردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون)، (فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره) ، (وأن ليس للإنسان إلا ما سعى ). فكيف يمكن للإنسان أن يوفق بين هذه الآيات التي فيها تقرير مصير الإنسان بقانون إلهي، وآيات أخرى أنه يملك إرادة حرة. إننا لو تأملنا بعمق لوجدنا أن هناك توافقا بين هذه الآيات وليس هناك تعارض بينها، فالآيات تتحدث عن القانون، سواء القانون الذي هو غيب عن الإنسان أو ما نقول عنه أنه مجرد، أو القانون الذي يظهر للإنسان أو ما نقول عنه أنه مقيد. فالتجريد أن الله وراء كل شيء، لا تحدث على هذه الأرض حادثة إلا الله وراءها، سواء كانت هذه الحادثة قد تجلت بمعنى الخير على ما نعرفه، أو بمعنى الشر على ما نعرفه. كذلك هداية الإنسان فهي من الله، وضلال الإنسان فهو أيضا من الله. هذا قانون مجرد يعلمنا كيف أن الله بالغ أمره، وأن هناك إرادة واحدة على هذه الأرض، وفي هذا الكون. أما إذا نظرنا الى الوجود المقيد فلا نعرف إذا كان أراد الله بنا أو بأي إنسان الهداية أو الضلال، فهذا أمر غيب علينا. الظاهر لنا هو قانون العمل، وقانون الجهاد، وقانون الاجتهاد. الظاهر لنا أن الإنسان يوم يعمل عملا صالحا فهو يهيئ نفسه لرحمات الله ولنفحاته، ويوم يعمل عملا طالحا فإنما يهيئ وجوده للظلام وأعوانه. فأنت تؤمن تجريدا أن الهادي هو الله، وأن من يضل لا يضل إلا لأن الله أراد ذلك، وتؤمن تقييدا أنك يجب أن تعمل عملا صالحا لأن هذا ما ترى فيه الخير، وترى فيه الهداية. إيمانك بالتجريد يجعلك في خشية من الله (إنما يخشى الله من عباده العلماء إن الله عزيز غفور)، (أنا أقربكم من الله وأخوفكم منه) (لا يدخل الجنة أحدكم بعمله، حتى أنت يا رسول الله، حتى أنا ما لم يتغمدني الله برحمته)، (ها أنا رسول الله بينكم ولا أدري ما يفعل بي غدا). إن الاستقامة في كمالها، والخشية في جمالها، أن يكون الإنسان في استقامة وفي صلاح، ولكنه يخشى الله. خشيته لله هي في إدراكه لقانون الحياة، أنه اليوم في حال ولا يدري ماذا يحدث له غدا. ونحن نرى في تاريخنا الإسلامي أحداثا كثيرة تبين لنا ذلك. نرى كثيرا من الصحابة الذين أبلوا بلاء حسنا وقاموا بأعمال جليلة، ليسوا على نفس المستوى من العطاء والفهم والإدراك في مواقف لاحقة، نرى الدنيا وقد غرتهم. إن ما حدث في تاريخنا هو تعليم للإنسان، لأن ما حدث كان سيحدث إن عاجلا وإن آجلا، فهذا حال الأرض بما فيها من شياطين، ومن مظلمين، ومن ظالمين، يظهرون في كل عصر فيقلبون الحق، ويجعلونه كما يريدون بظنهم، ويجعلون الباطل حقا بقولهم وبحججهم وبتخريجاتهم. الناس في بعض الأحيان قد تتساءل كيف يقتل أحفاد رسول الله صلاة الله وسلامه عليه؟! كيف ينتصر الباطل على الحق؟! كيف يعلو الباطل؟! وتكون له دولة ويكون له ملك باسم الدين كيف يحدث ذلك؟! كيف يسمح الله بذلك؟! حاشى لله، فالله بالغ أمره، وما حدث حادث إلا بأمره، ولكن علينا أن نتعلم، ولا نخلط الأوراق، فنقول أنه طالما أراد الله ذلك فهذا هو الحق، فهذه ليست استقامة في المفهوم، فكم من الجرائم ترتكب كل يوم ونرفضها، مع إدراكنا المجرد أنه لو أراد الله غير ذلك ما حدثت، ولو اعتقدنا أنها حدثت بدون إرادة الله وقعنا في شرك أكبر. فلا يعني إدراكنا تجريدا أن الله بالغ أمره أن نقبل كل شيء. لأننا في وجودنا نتعامل بقانون التقييد الذي نقبل ما نرى أنه الخير، ونرفض ما نرى أنه الشر، مع علمنا وإدراكنا التام أن الله بالغ أمره. فليس هناك تعارض بين إدراكنا تجريدا أن لو شاء ربك ما فعلوه وبين أن نرفض تقييدا ما نرى أنه الشر. فحين نرى فريقا يدافع عما حدث في تاريخ الإسلام من حروب، قتال بين المسلمين بمنطق أن ما حدث هو الحق ولولا أنه الحق ما حدث، فهو منطق ضعيف لا يقبل. لأننا لو قبلنا ذلك لأصبحنا نرى اليوم في الذين لهم الغلبة على الأرض أنهم الحق، لأن لهم الغلبة ولأنهم غلبوا. وهذا ليس بمنطق، كما أوضحنا. إن هذه القضية لو أدركها الإنسان إدراكا صحيحا لحلت مشاكل كثيرة فيما يرى حوله وفيما يقرأ عنه في تاريخ البشرية. وفي مستقبلها لا يتوقع غير ذلك. فالإنسان الذي يقرأ التاريخ حقا ويقرأ الحاضر حقا، لا يمكنه أن يخدع نفسه بمستقبل سيكون غير ذلك. فالأرض كانت وتكون وستكون كما أراد الله لها أن تكون. قانونها الذي علمنا الله إياه يوم أخبر وأمر آدم وإبليس أن يهبطا إليها، أنه سيظل دائما هناك آدم، وسيظل دائما هناك إبليس، وسيظل هذا الحال طالما هذه الأرض قائمة الى أن يرث الأرض وما عليها، وتبدل الأرض غير الأرض، في ظل قانون إلهي أكبر من أن ندركه اليوم. وهو ما أشارت إليه الآيات بالقيامة، تتغير الأرض غير الأرض، وتدخل في مرحلة أخرى من مراحل وجودها بقانون إلهي، لا نعرف متى (يسألونك عن الساعة أيان مرساها فيم أنت من ذكراها إلى ربك منتهاها). ولا نعرف كيف فالله أعلم بقانونه الذي غيب علينا “(عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا إلا من ارتضى من رسول فإنه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصدا)، وغيبه لا ينتهي فكلما أطلعنا على جزء منه كان هناك غيب أكبر. هكذا هو قانون الحياة (لا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء وسع كرسيه السموات والأرض ولا يئوده حفظهما وهو العلي العظيم). هكذا نتعلم في ديننا، نتعلم أننا ما علمنا إلا القليل، ولكن علينا أن نعمل بما تعلمنا وهو القليل، ولا نهمل ما تعلمناه، فعمل بعلم قليل أفضل من إهمال لهذا العلم لأنه قليل، إن بعض الناس الذين يعتقدون أنهم يدافعون عن الإيمان فيقللون من قدر ما علم الإنسان حتى يجعلوه ييئس مما علم. وهذا عدم استقامة، لأن هذا القليل بالنسبة لله، هي حبة لا قيمة لها، ولكنها بالنسبة للإنسان هي بحر واسع يمكن أن يستقيد منه ويمكن أن ينمو من خلال ممارسته كما علم. لذلك فنجد أن الفريق الآخر الذي يدافع عن العلم المادي ويرى فيه كل شيء، هو قد أصاب في جزئية وهى الاهتمام بما يعلم الإنسان، وأخطأ في جزئية أخرى أنه اعتقد بأنه بهذه الجزئية الصغيرة سوف يستغني عن إيمانه بالغيب. كما أخطأ الفريق الأول حين تصور أن هذا العلم لا فائدة منه لأنه يؤمن بالغيب، وظن أن هذا هو الإيمان. لو أخذنا أمرا وسطا وأدركنا ما هو أحسن في كل فريق، لعرفنا أن هذا هو الإسلام. الأمر الوسط الذي يجمع بين الشهادة والغيب، بين المقيد والمجرد، بين ما أستطيع أن أفعله وبين أن أسلم للغيب فيما لا أستطيع أن أفعله. فأقوم أمرا وسطا في استقامة بين الغيب والشهادة، وبين المجرد والمقيد. إننا لو أدركنا هذه الكلمات لاستقام حالنا، ولاستقام فهمنا في ديننا وفي حياتنا وفى سلوكنا…”
تعليق:
هذا الحديث بدء بقانون الهداية المجرد وبدور الإنسان المقيد لفهم الآيات التي تنسب إلى الله الهداية والآيات الأخرى التي تشير إلى عمل الإنسان وتأثيره على ما سيؤول إليه. وانتقل الحديث بعد ذلك إلى تطبيق نظرية التجريد والتقييد للتأمل في أحداث الحياة في الماضي والحاضر. الجزء المنقول هنا طويل نسبيا عن الأحاديث الأخرى وكان يمكن اختصاره ولكن كان ذلك سوف يأخذ وقتا أطول فتركته كما هو.
مفاهيم دالة :
- ٢-٢-٧-١ التوافق بين القانون المجرد والقانون المقيد
- ٣-٢-١١-٤ لا يعني إدراكنا تجريدا أن الله بالغ أمره أن نقبل كل شيء
- ٣-٢-١١-٥ الأرض كانت وتكون وستكون كما أراد الله لها أن تكون وسيظل دائما هناك الخير، وسيظل دائما هناك الشر
١٣٦ - إحساس الإنسان بتجسيد ما سيكون عليه، يكون حائلا بينه وبين أن يكون خالصا لله
تاريخ الحديث: ١٩٩٨/١٠/١٦
“…حديث الحق يوجهكم ويرشدكم، حديث الحق يقول لكم في أنفسكم قولا بليغا. يحدثكم عن أمم قبلكم، وعن أمم بعدكم لتتعلموا مما حدث للسابقين، وما سيحدث للاحقين. يحدثكم عن حقائق الحياة، فيكلمكم عن الإنسان ووجوده في قصة آدم عليه السلام. هي قصة وجودكم، وقصة خلقكم. وفي الحديث عن آدم رموز كثيرة. ولكن الإنسان بطبعه يميل الى تجسيد كل رمز، وأن يضعه في صورة لحم وشحم ودم، وأن يجعله ذاتا مادية. مع أن الإنسان قبل أن يكون ذاتا هو قيام روحي. وما كان وجوده على هذه الأرض إلا مرحلة من مراحل حياته الحقية (يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم الذي خلقك فسواك فعدلك.. في أي صورة ما شاء ركبك). وحين يحدثنا الحق عن قادمنا، ويحدثنا عن الفالحين الصالحين الذين يتذكرون وعن الغافلين الذين لا يسمعون والذكرى يتجنبون فإنه يحدثنا عن قانون مجرد (ذكر إن نفعت الذكرى سيذكر من يخشى ويتجنبها الأشقى الذي يصلى النار الكبرى ثم لا يموت فيها ولا يحيى). ولكننا أيضا بطبيعتنا البشرية نريد أن نجسد كل شيء، فنجسد هذه الكلمات في صور وأشكال. ونتناقلها فنفقد أصلها، ونفقد رمزها، وتتحول عندنا الى أشكال مجسدة. نخشاها لذاتها فلا نقوم في الفعـل كما يجب أن نقوم فيه، لأن هذه الصورة تحول بيننا وبين القيام فيه بصدق. وهـذا ما عبر عنه القوم في قولهم (جلهم يعبدون من خوف نار، ويرون النجاة حظا جزيلا، ليس لي بالجنان والنار حظ، فأنا لا أبتغي بوجه ربي بديلا”). أدرك القوم حين أنشدوا هذا البيت كيف أن إحساس الإنسان بتجسيد ما سيكون عليه، يكون حائلا بينه وبين أن يكون خالصا لله. إنك لكي تتقن ما تكون فيه، عليك أن تكون مخلصا له إخلاصا كاملا، وقائما فيه قياما كاملا. فإذا انشغلت بما ستكون عليه، وبما ستؤول إليه، لن تقم فيما أنت فيه قياما صادقا. والقيام الصادق هو أن تكون مشغولا بذكر الله، أن تكون قاصدا وجه الله، أن تكون متعاملا مع الله، أن تكون محتسبا عند الله (من شغله ذكري عن مسألتي أعطيت له أفضل ما أعطي السائلين).إن انشغالك بذكر الله يجعلك أهلا لرحماته، ويجعلك أهلا لنعماته، ويجعلك أهلا لعلمه، ويجعلك أهلا لمغفرته، لأنك في هذا الحال تكون قياما غير قيام، ووجودا غير وجود، وحالا غير حال…….”
تعليق:
يتناول هذا الحديث قضية الانشغال بالمعنى والبعد عن تجسيد هذا المعنى في صورة حسية
مفاهيم دالة :
١٣٧ - كل الأديان هي تجليات لقانون الحياة: الرسالة المحمدية جاءت بالدعوة إلى هذا القانون الذي تعبر عنه بالكلمة السواء وإن عبادة الله هي في أن يقوم الإنسان في كل ما هو أحسن وأفضل وأقوم
تاريخ الحديث: ١٩٩٨/١١/٦
“…سر هذه الحياة هو القانون الذي وضع الله، والذي أحكم الله، وجعلكم تنظرون في حياتكم الأرضية فتجدوا القانون ساريا في كل شيء يحيط بكم، في أصغر ذرة على أرضكم، الى أكبر جرم تشهدونه بوسائلكم وبعيونكم، أرضكم تدور في مدارها، كل في فلك يسبحون، كل شيء عنده بمقدار، كل شيء عنده بحكمة وبعلم (وفي أنفسكم أفلا تبصرون)، وفي عالمكم أفلا تشهدون. لقد تجلى الله بقانونه عليكم. وجعل من قانونه الرحمة. فتجلى عليكم برحمته في تجليه برسله الذين كانوا يمثلون الرحمة لكم (أنا رحمة مهداه). وقد مثل كل رسول لقومه، وكل نبي لقومه، معنى الرحمة لهم (لا نفرق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير) لأن جميع رسله هم تجليات الرحمة على هذه البشرية. معنى الرحمة أنهم علموا الإنسان كيف يحيا، علموا الإنسان كيف يعيش، علموا الإنسان كيف يسلك طريق الحق، وهذه من رحمة الله. رحمة الله أن تجعلك في الطريق القويم، وأن تسير في الطريق المستقيم، وأن تكون إنسانا صالحا. فكان الرسل جميعا يمثلون رحمة الله للناس. لأنهم يعلمونهم، ويعظونهم، ويقولون لهم في أنفسهم قولا بليغا، ويصبرون معهم، ويسيرون فيهم بنورهم (وجعلنا له نورا يمشي به في الناس) بما وهبهم الله من طاقة روحية، وطاقة نورانية، تجعلهم يسيرون في الناس. فيهدون الناس ويؤثرون فيهم بنور الله بين أيديهم، في نظرتهم، وفي دعائهم، وفي استغفارهم (ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما) (واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه) فالرسل جميعا هم رسول واحد، هم معنى واحد، هم معنى الرحمة المهداة ( لا نفرق بين أحد من رسله ) (آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير). رسول واحد، وكتاب واحد، وإله واحد، وقانون واحد يسري على جميع من في الأرض (إن هذا لفي الصحف الأولى صحف إبراهيم وموسى) هذا القانون موجود مع وجود الأرض، وسيظل موجودا مع وجودها. لذلك فإن دين الفطرة يعلمنا أن ننظر الى جميع الأديان على أنها دين واحد. ورسول الله صـلوات الله وسلامه عليه في إشارات كثيرة، وفي مواقع كثيرة، أشار الى ذلك. فأخذ من شريعة موسى وطبقها، وقال نحن أولى بها، وكرم عيسى، وقال أنا أولى بابن مريم. ذلك فإن ما نعيشه اليوم من وجود ديانات متعددة، واختلافات أوجدها الناس بسوء فهمهم، وبسوء عقيدتهم، وبسوء إدراكهم، ليس هو الدين الواحد الذي جاء به إبراهيم وموسى وعيسى ومحمد عليهم الصلوات والسلام. إن ما نعيشه اليوم في جميع المجتمعات، إلا من رحم الله، هو صورة زائفة لكلمة الدين. أوجدها المحترفون بظن إيمان وعقيدة، وبظن اعتزاز وحب لرسولهم أو لدينهم. فالمسلم الحق من آمن بالرسل جميعا (لا نفرق بين أحد من رسله. ليس هذا باللفظ فقط، وإنما بالإدراك السليم، لأن في كل دين من الحقائق ما هو متوافق مع قانون الحياة. وإذا كان هناك ما يختلف عن قانون الحياة فهذا من سوء فهم من قاموا على هذا الدين. والمسيحي الحق هو من يدرك قانون الحياة ولا يرفض أن يخاطبه الله في كل رسالة. فيقبل ما جاء به الإسلام كمعنى مكمل لما بين يديه وإن ظل من ناحية الاسم والتصنيف على دينه) لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة). فليست القضية تغيير الأسماء ولكن أن يفهم كل إنسان أيا كان ظاهر دينه، قانون الحياة، وأن يأخذ من كتب الله، ومن رسل الله، ما يكمل به ما عنده، ويصحح به ما عنده، يصحح به فهمه في عيسى، ويصحح به فهمه في وجوده وحياته وسلوكه، وهنا تبقى الأسماء لأننا في عالم الأسماء. إنما في الحقيقة أن من نهل من كل علم، ومن كل معرفة، ومن كل رسالة، وسأل الله، وعبد الله، وآمن برسل الله (من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون) يكون من الناجين. إن هذه المعاني مع بساطتها، ومع أنها موجودة في كل دين، إلا أن الناس غافلة عنها، وفي حاجة الى من يذكر بها حتى يفهم الناس حياتهم، ويقدرون وجودهم، ويتقاربون بينهم، ويكون الحكم بينهم وبين بعضهم، هي كلمة الله وهي كل ما هو أحسن وما هو أفضل وما هو أقوم، لا ما ترى أهواؤهم، وإنما ما ترى عقولهم. ما هو أحسن لأرضهم ولوجودهم (قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا. عبادة الله هي الأحسن والأقوم والأفضل، هي أن تقوم في كل ما هو أحسن وأفضل وأقوم، لا تعبد حاكما، ولا مادة، ولا شهوة، إنما تعبد الله. عبادة الله ليست كلمة فقط يلوكها اللسان، إنما هي قانون حياة وأسلوب حياة. من عبد الله حقا كان أسلوبه مختلفا تماما عمن لا يعبد الله…”
تعليق:
حديث عن قانون الحياة وإن كل الأديان هي تجليات لهذا القانون، وإن الرسالة المحمدية جاءت بالدعوة إلى هذا القانون الذي تعبر عنه بالكلمة السواء وإن عبادة الله هي في أن يقوم الإنسان في كل ما هو أحسن وأفضل وأقوم، وإن من عبد الله حقا كان أسلوبه مختلفا تماما عمن لا يعبد الله.
مفاهيم دالة :
١٣٨ - كل قانون له جانب مفهومي وجانب سلوكي: الجانب المفهومي في قانون القبلة هو إدراك الإنسان لقرب الله منه في عالمه المادي بوجود البيت الموضوع
تاريخ الحديث: ١٩٩٨/١٢/٤
“………إن دين الحق يكشف لكم عن قانون الحياة، عن القانون الذي يجعلكم قياما أفضل، ووجودا أعظم. كل حدث على هذه الأرض يكشف عن قضية، ويكشف عن قانون، وكل قانون له أبعاد مختلفة. له جانب مفهومي وله جانب واقـعي وتطبيقي. فعلى سبيل المثال فإن الآية (إنا نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها) هذا القانون الذي كشفت عنه هذه الآية. هو قانون القبلة، قانون الهدف على هذه الأرض. إن الإنسان عليه أن يعلم أن الله قريب، أقرب إليكم من حبل الوريد، ، وأينما تولوا فثم وجه الله. القبلة ترمز الى كل هذه المعاني، فإذا كانت القبلة كبيت موضوع في مكان على هذه الأرض هي رمز نتجه إليه طلبا لصلة بالأعلى، فالقلب في الإنسان يرمز أيضا إلى بيت الله فيه (ما وسعتني أرضي ولا سمائي ووسعنى قلب عبدي المؤمن). فالمفهوم الأساسي الذي يحمله قانون القبلة هو قرب الله إليك متجليا ببيته. إذا أردت أن توصل به فلتتجه الى ما تجلى به عليك في ارضك. فما اتجاهك إلى القبلة الا اتجاه الى تجليه على أرضك، وما اتجاهك إلى قلبك إلا اتجاه لما تجلى به عليك في وجودك. فبيته هدفك ومقصودك سواء اتجهت الى خارجك، أو اتجهت الى داخلك. هكذا نتعلم الجانب المفهومي للقانون، وهو قرب الله من الإنسان، في أرضه، وفي نفسه. ونتعلم الجانب السلوكي يوم نمارس ذلك في عباداتنا، فنتجه الى القبلة في صلاتنا، ونتجه الى قلوبنا في ذكرنا. والاتجاه الى القبلة في الصلاة، ما هو إلا تدريب على أن يكون ذلك في كل حياتنا. فما الهدف من الاتجاه إلى القبلة إلا أن تقيم صلة بالله. وأنت تريد أن تكون في كل أعمالك موصولا بالله، متعاملا مع الله. فالقبلة هي رمز لهذه الحقيقة، لهذا القانون، الذي لو قمته لكسبت كل لحظة من لحظات وجودك، ولأضفت الى قيامك الروحي في كل لحظة إضافة جديدة…”
تعليق:
هذا الحديث يوضح أن كل قانون له جانب مفهومي وجانب سلوكي وطبق ذلك على قانون القبلة فالجانب المفهومي هو إدراك الإنسان لقرب الله منه في عالمه المادي بوجود البيت الموضوع وفي وجوده الروحي بوجود سر الله في قلبه. والجانب السلوكي هو في إقامة الصلاة في اتجاه بيت الله الموضوع وفي ذكر الله الدائم بالتوجه إلى سر الله وبيته في قلبه.
مفاهيم دالة :
١٣٩ - الدين يكشف لنا عن هدف وجودنا والمنهج الذي ننتهجه لتحقيق هذا الهدف
تاريخ الحديث: ١٩٩٨/١٢/٢٥
“……إذا نظرت الي دينك، وجدت أن الله قد خاطبك في آياته، وخاطبك بلغتك وبقدرتك، كذلك فعل رسول الله صلوات الله وسلامه عليه (أمرت أن أخاطب الناس علي قدر عقولهم). فجاءت الآيات لتبين للإنسان قانون الحياة، وجاء حديث رسول الله صلوات الله وسلامه عليه وفعله، ليوضح للناس كيف يسلكون ويطبقون هذه القوانين. فوجب علي الإنسان أن يفكر فيما أعطاه الله وفيما أمره به. هذا البحث وهذا التأمل هو الذي يقوده الي الحقيقة التي يجب أن يلتزم بها، لذلك فإنا نقول دائما أن الدين منهج حياة، وليس شكلا وليس صورة. وهناك فارق كبير بين أن أفهم الدين كمنهج، وبين أن أفهمه كصورة جامدة، وآيات الحق تعلمنا أن الدين منهج (لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا). وما معني الشريعة إلا أنها منهج يسير الإنسان عليه. وأن أنظر الي الصوم كمنهج، يختلف أن أنظر إليه كصورة وكشكل. وأن أنظر إلي الصلاة كمنهج يختلف أن أنظر إليها كصورة وكشكل. وهكذا في كل الأوامر والنواهي. وكيف يكون الفرق في النظرة، وما هو تأثير النظرة والفهم علي عمل الإنسان وسلوكه. لنجيب علي هذه الأسئلة علينا أن نرجع إلي هدف وجودنا. إن الهدف الرئيسي الذي كشفه لنا دين الحق، هو شهادة لا إله إلا الله وشهادة أن محمدا رسول الله. والمنهج هو الوسائل لتحقيق هذا الهدف. وهذا ما نراه ظاهرا في دنيانا كعلاقة بين الهدف والمنهج في كل عمل دنيوي. ونضرب مثلا ليقرب هذا الي أذهاننا. أي عمل دنيوي تريد أن تحققه، تضع له هدفا. مثل أن تبني بنيانا كبيرا أو تصنع آلة، أو تزرع أرضا، هذا هدف تريد أن تحققه. المنهج هو الأسلوب الذي سوف تحقق به هذا الهدف. لذلك وجب عليك أن تتعلم العلوم التي لها علاقة بهدفك، وتضع خطة، توصلك الي هذا الهدف. في حياتك المعنوية هناك هدف واحد لوجود الإنسان علي هذه الأرض وهو أن تكون عبدا لله، (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) (وألقيت عليك محبة مني ولتصنع علي عيني ). وأن تكون عبدا لله هو أن تشهد أن لا إله إلا الله حقا، شهادة بالقلب وبالعمل وبالسلوك، وليس فقط باللسان. وانعكاس هذا الهدف في حياتنا المادية يظهر في أشياء كثيرة (لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقي لا انفصام لها والله سميع عليم) (يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم) (يا بني إنها إن تك مثقال حبة من خردل فتكن في صخرة أو في السموات أو في الأرض يأت بها الله إن الله لطيف خبير). هدف الإنسان أيضا أن يكمل باقتدائه برسول الله صلوات الله وسلامه عليه، وهذا معني شهادة أن محمدا رسول الله (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا) (فلا وربك لا يؤمنون حتي يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما). هدف شهادة لا إله إلا الله، وشهادة أن محمد رسول الله، هو هدف واحد، لأن القيام الأمثل لمن شهد أن لا إله إلا الله، هو أن يكون مقتديا برسول الله، (أأجعل لك كل صلاتي يا رسول الله، إذن يكفي همك ويغفر ذنبك يا عمر) (لن تؤمن يا عمر حتي أكون أحب إليك من مالك وولدك ونفسك التي بين جنبيك). فهدف الإنسان أن يصل إلي حال يتعامل فيه مع ما يري أنه الحق وأنه الخير، وأن يكون قائما في كل صفة حميدة. ، لذلك نجد أن أركان الإسلام تبدأ بهدف، والأربعة الأركان الأخري هي وسائل نريد أن نحقق بها هذا الهدف. هذه الوسائل هي المنهج. بعض الناس يري أن العبادات هي طاعات مجردة، وليست وسائل، والواقع أن معني الطاعة، لا يؤدي الي إلغاء معني الوسيلة، فأنت تطيع لأن في هذه الطاعة كسبك ولأن في هذه الطاعة إدراكك لخضوعك لقانون الحياة، وهذا ما نعرف به الإسلام دائما. فالإسلام أن تسلم لقانون الحياة. ونجد في حياتنا الظاهرة المثل الذي يوضح لنا ذلك. فالذي يعرف العلم الذي يناسب ما يهدف إليه، يكون أفضل من الجاهل به. فحين يخضع الإنسان لأسباب الحياة وعلومها فهو في طاعة لقانون الحياة، وطاعته تؤدي به إلي أن يصل الي هدفه بصورة أفضل. أما إذا تمرد الإنسان علي قانون الحياة، فكيف سيصل الي هدفه؟ إذا أراد أن يزرع هل يستطيع أن يخترع قوانين أخري لنمو النبات؟ إن طاعته لقانون الحياة هي التي تجعله قادرا أن يزرع وأن يحصد ثمرا، لأنه عرف القانون. فالطاعة هي الطريق الوحيد الذي يسلكه الإنسان، ولا يجد أي إنسان عاقل غضاضة أن يخضع لقانون الحياة. وإنما يكون هدفه أن يبحث عنه، وأن يتعلمه وأن يعرفه. هكذا العبادات التي أمرنا بها، فالصوم هو طاعة من الطاعات لقانون الحياة، الصوم هو أن تتجرد عن ذاتك أن تتجرد عن شهواتك، أن تكبر إرادتك، أن تحيي حقيقتك، أن تعيش بقلبك، أن تعيش بروحك، أن تعيش بنورك، أن تعيش بأمانة الحياة فيك، أن تعيش بسر الله فيك، أنت تعيش بروح الله فيك، وأن تضع ذاتك جانبا، لتكون أهلا لرحمات الله ونفحاته، إنك لا تستطيع أن تجابه ظلام نفسك، وأن تقهر شيطانك، إلا بعون من الله، وبرحمة من الله، وبفيض من الله، وبنور من الله، وبقوة من الله، فرسول الله صلوات الله وسلامه عليه يقول (كان لي شيطان ولكن الله أعانني عليه فأسلم فهو لا يأمرني إلا بخير). فكيف تكون أهلا لرحمات الله وأنت قابع في ذاتك المظلمة، وشهواتك النفسية المظلمة، كيف تكون أهلا لرحمات الله إلا بأن تلقي هذا الجلباب المظلم وتعيش مجردا (إني أنا ربك فاخلع نعليك إنك بالواد المقدس طوي). إن النعلين يرمزان إلي نفس الإنسان وظلامها، إن الصوم منهج لو قمت فيه وفعلته لتغير حالك، ولتغير قيامك. من صام رمضان قياما واحتسابا غفر الله له ما تقدم من ذنبه. آلية الوصلة الدائمة بالله، وبالتعرض لنفحات الله، تغيره دائما الي الأفضل والي الأحسن. هل عرفنا معني الصوم لنا منهجا نعيش به في كل حياتنا، ونرمز له في شهرنا، حتي تكون رسالة لمن بعدنا دائما…..”
تعليق:
حديث عن أن الدين يكشف لنا عن هدف وجودنا وهو أن نكون عبادا لله والمنهج الذي ننتهجه لتحقيق هذا الهدف. وأن الأركان الخمسة للإسلام تمثل الهدف والمنهج. فشهادة لا إله إلا الله وشهادة أن محمدا رسول الله هما الهدف الذي نريد أن نحققه. وأن تحقيق هذا الهدف هو أن يكون الإنسان علي خلق عظيم. والمنهج هو الوسائل التي تمكننا من الوصول إلي الهدف هي القيام في العبادات بمعرفة ما ترمز إليه وممارستها.
مفاهيم دالة :
١٤٠ - ما جئنا الى هذه الأرض في هذا الزمان وفي هذا المكان إلا لحكمة أرادها الله
تاريخ الحديث: ١٩٩٩/١/٢٩
“…… إننا اليوم نعيش عصرا غير مسبوق في تاريخ البشرية التي نعرفها. وواجب علينا حتى نكسب حياتنا ونكسب كرتنا أن نتفكر ونفكر بطريقة غير مسبوقة تتناسب مع ما نحن عليه وما نعيشه من حياة تغيرت عن السابق تغييرا كبيرا. وما جئنا الى هذه الأرض في هذا الزمان وفي هذا المكان إلا لحكمة أرادها الله. هناك قانون حاكم لحركة الإنسان على هذه الأرض، ولحركة كل كائن عليها. وما نراه اليوم هو رسـالة لنا نتعلم منها، وفي نفس الوقت نختبر فيها. إن تفاعل الإنسان مع أحداث الحياة هو تجربة له في الله. علينا أن نتأمل فيما يدور حولنا. فإذا وجدنا خيرا تفاعلنا معه بالخير، وتفاعلنا معه بالمساندة وبالدعاء، وإن وجدنا شرا تفاعلنا ضده بأن نشحذ همتنا، وأن نشحذ أفكارنا وقدراتنا لنجابهه بالحق الذي نرى والذي نعتقد. نجتهد فإن أخطأنا فلنا أجر، وإن أصبنا فلنا أجران. إنما علينا أن نحاول، وألا نقف ساكنين، وأن نبذل كل ما في طاقتنا من فكر وذكر. فجهاد اليوم هو جهاد العقل، جهاد الكلمة، جهاد المنطق، جهاد العلم، جهاد المعرفة. يتبع ذلك جهاد القلب بالذكر والدعاء، ويتبع ذلك جهاد اليد في تنظيم أمور حياتنا، وفي إعداد كل ما يلزم لنا في حياتنا، وبأن نكون قادرين أن نعيش اعتمادا على أنفسنا، وأن ندافع عن أنفسنا معتمدين على قدراتنا وطاقاتنا وإمكاناتنا. فهل نستطيع ذلك؟ أم أننا استسلمنا لليأس، وتقاعسنا عن أن نبذل كل طاقاتنا. إنا نارانا وقد استسلمنا وتقاعسنا، ورضينا بالذي هو ادنى. نحن في حاجة الى صحوة في كل المجالات، في أفكارنا وفي معتقداتنا وفي أعمالنا وفي كل أحوالنا حتى نخرج من هذا الظلام الذي أحكم حلقاته حولنا. ولا يكون ذلك بالتمني فقط، إنما بالعمل الجاد، والدعاء الجاد، والدعاء لا يغني عن العمل. أن ندعو بعملنا وبجهادنا وبأفكارنا، وبشحذ هممنا، وبتغيير نفوسنا، وبتطوير قيمنا في شتى المجالات. نحن اليوم نرى نظاما جديدا يحكم علاقات المجتمعات بعضها ببعض. وهذا النظام له أهدافه التي يريد أن يحققها. فما هو موقفنا تجاه هذا النظام؟ هل نكون راضين عنه أم غير راضين. لنجيب على هذا السؤال علينا أن نرجع الى ديننا، والى قانون الحياة، والى فطرة الحياة، التي فطرنا عليها، وعن الهدف من قيامنا ووجودنا. إننا بوجودنا في هذا المجتمع، ووجود كل فرد فيه، وفي هذه الأمة التي تنتسب الى الإسلام اسما وشكلا، مسئولون عما بين أيدينا من حكمة. ولكننا كأمة لم نقدم الى اليوم هذه الحكمة بصورة مناسبة لهذا العصر الذي نعيشه. نحن نرى اليوم أفكارا ومعتقدات وقيما تغزو البشرية لا تريد انتشار القيم الروحية التي تخاطب الإنسان في وجوده، وتعلمه عن قيامه الروحي، وعن وجوده الحقي، وتربط بين قيامه المادي، وقيامه الروحي. إن هذه الأمة عليها أن تجاهد لتخرج هذه المفاهيم بصورة تناسب هذا العصر. إنا في حاجة الى جهاد فكري يمكننا أن نخرج ما بين أيدينا، في صورة تجيب على تساؤلات هذا العصر. وأن نقيم مجتمعا يحمل هذه القيم، ويكون عنوانا لهذه المعاني، ودعوة لها، وحفاظا عليها. مع إدراكنا أن الله بالغ أمره وأن ما صار إليه حال هذه الأمة من ضعف وراءه حكمة، ولكن الإنسان يطمع أن يكون أداة خير لما يرى أنه الأفضل. وهذا أمر جلل يستحق من كل فرد أن يجاهد ليدرك قيمة ما بين أيدي هذه الأمة، وما جاء به دين الفطرة من منهج يخاطب الإنسان، ويكبر عقل الإنسان، ويقول للإنسان في نفسه قولا بليغا. إن دين الفطرة هو القانون الذي خلق الله به هذه الأرض، وخلق به الإنسان، وفطره عليه. إنه الحجة البالغة، إنه ما يقبله كل عاقل (ما شاد هذا الدين مشاد إلا جذبه..)، لأنه موجود في كل إنسان بفطرته، في الشرق أو في الغرب، في الشمال أو في الجنوب. وكل المطلوب من أي داعية أن يساعد الإنسان في أي مكان أن يجلى ما على قلبه من ظلام، ليجد دين الفطرة في نفسه (وفي أنفسكم أفلا تبصرون). إن الدين أساسه العقيدة المبنية على العقل، والمبنية على احترام الإنسان، وعلى إكبار علاقته بربه، وتنزيهه عن المادة. إن استقامة العقيدة هي الأساس الذي يبنى عليه، والذي يغير حال الإنسان من حال الى حال، يخرجه من الظلام ويدخله الى النور، يخرجه من الجهل ويدخله الى العلم. إنا في حاجة الى صحوة فكرية، وإلى تأمل في كل ما أتى به ديننا، وأن نعمل عقولنا، ونتواصى بيننا بالحق وبالصبر، حتى نصل الى عمق في ديننا يمكننا من أن نكون أهلا لحمل هذه الدعوة، أن نكون أهلا للإسلام دين الفطرة، ودين الحياة، وأن نحول كل ما نتوصل إليه إلى منهج عمل، والى أسلوب حياة، يغير أحوالنا، ويجعلنا في صورة أفضل وأقوم في دنيانا التي هي وسيلة لكسب أخرانا، فلا فصل بين الدين والدنيا، لا فصل بين الآخرة والأولى. إن استقمنا اليوم استقمنا غدا، وإن فشلنا اليوم فشلنا غدا…”
تعليق:
هذا الحديث يدعو كل إنسان قادر على أن يقدم إجابات لكثير من التساؤلات التي تطرح في هذا العصر نتيجة بعض المفاهيم التي نسبت إلى الأديان من أصحاب كل دين والتي لا تقبلها العقول المفكرة. عدم تقديم إجابات مقبولة عقليا ممن يتصدون للدعوة يؤدي إلى انصراف كثير من الناس عن طريقهم الروحي.
مفاهيم دالة :
١٤١ - الحج عرفة: عرفة ترمز الى الصعود، ترمز الى العروج، ترمز الى الارتفاع، ترمز الى المعرفة
تاريخ الحديث: ١٩٩٩/٣/٢٦
“……. في هذا اليوم الكريم، يوم عرفة، يوم التلبية، يوم المغفرة، نتأمل في هذا اليوم العظيم لنقرأ رسالة الله لنا، ونتأمل في معنى (الحج عرفة). إن الوقوف بعرفة هو أحد الشعائر الرئيسية التي تميز الحج، وفيه معان كثيرة، وأحاديث كثيرة، ولكن الناس كعادتهم في تجسيد كل حديث، جسدوا هذه المعاني أيضا. فظنوا أنهم بوقوفهم بأجسادهم ينطبق عليهم الحديث الذي يعد بالمغفرة لمن وقف بعرفة، ولمن صام عرفة. فظنوا أنهم بآدائهم لهذا الشكل ينطبق القول عليهم، وفي واقع الأمر، فإن القول ينطبق على من عرف عرفة، وقام عرفة، وصام عرفة، معرفة حقيقية. إن عرفة ترمز الى الصعود، ترمز الى العروج، ترمز الى الارتفاع، ترمز الى المعرفة. في هذا اليوم بعد أن يكون الإنسان قد أحرم وطاف، وأعد نفسه لتلبية ربه، ولأن يكون إنسانا أعلى، ولأن يكون إنسانا أرقى، يبدأ في الرقي، ويبدأ في التلبية، ويبدأ في الصعود. هذا هو أمل الإنسان الحقيقي على هذه الأرض، أن يعد نفسه ليكون أعلى، أن يرتقي ويرتفع عن كل ما هو أدنى، ويصعد الى كل ما هو أعلى، ملبيا نداء ربه له. فالذي يعد نفسه لرحمة الله، ولنعمة الله، ولنفحات الله، ولسر الله، يساعده الله ويأخذ بيده، ليرقى ويعلو. والذي ينسى وجوده، وينسى رسالته، وينسى إعداد نفسه، يكون في أدنى وأدنى (خلقنا الإنسان في أحسن تقويم ثم رددناه في أسفل سافلين إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم أجر غير ممنون) (والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر). هذا اليوم يعبرعن هذه المعاني، يلبي الإنسان ربه، ويعلوا الى أعلى عليين. وهذا هو الهدف من الحج، أن تعلو الى أعلى عليين، لتأخذ قوة، ولتأخذ زادا (الحج عرفة). بعد أن يتزود الإنسان بهذه القوة الروحية، وبعد أن يرتفع مستواه الروحي، ينزل مرة أخرى، يهبط الى الدنيا، وقد أصبح أكثر قدرة على مجابهة الظلام فيه، وعلى مجابهة الشيطان فيه. يذهب بعد ذلك لرجم إبليس رمزا على إدراكه لحقيقته، ومعرفته لرسالته، بقوة روحية كسبها، تمكنه بعد ذلك من مواصلة الحياة، وهو على الصراط المستقيم، وهو في الطريق القويم. هذا مفهوم يعيشه الإنسان وهو يؤدي مناسك الحج في الواقع. فإن لم يتحول الحج الى هذا المفهوم الذي عاشه الإنسان في الواقع، فما حج بالمعنى الحقيقي، وإنما حج بالمعنى الظاهري. والحج بالظاهر هو تبليغ لرسالة دون كسب حقيقي. هكذا نتدبر أمرنا، ونتأمل أحوالنا، ونتفكر في ديننا، ونذكر أنفسنا أن القضية ليست قضية صورا وأشكال، إنما قضية قيام. وأن تتحول هذه المعاني والرموز، الى واقع في حياتنا، وفي سلوكنا، وفي معاملاتنا. الحج بقيامه الحقيقي هو الذي يغفر الذنوب، وهو الذي يحرم جسد الإنسان على النار، لأنه يتحول فعلا الى إنسان صالح، الى وجود طاهر. ولكن أن نأخذ الحديث بكلماته وحروفه، ونجعل الشكل هو الذي ينطبق على القول، نكون بذلك غير صادقين، وغير مدركين لمعنى الدين، ولحديث الدين، ولآيات الدين. فرب إنسان لم يتمكن بجسده أن يقف بعرفة، يقف كل يوم بعرفة، ورب حاج يقف كل عام في عرفة بجسده، وما وقف بعرفة، وما عرف عرفة، وما قام عرفة…..”
تعليق:
حديث مركز على الوقوف بعرفة ومعنى الحج كمفهوم عام.
مفاهيم دالة :
١٤٢ - الإسلام هو أن يسلم الإنسان لقانون الحياة، مع فهم مستقيم، وهو يسلم، وهو يتبع هذا القانون
تاريخ الحديث: ١٩٩٩/٥/١٤
“…الإسلام هو أن يسلم الإنسان لقانون الحياة، مع فهم مستقيم، وهو يسلم، وهو يتبع هذا القانون. والتسليم هو طاعة مع إدراك، وليست طاعة بلا إدراك. فكما نشهد في القوانين على هذه الأرض أن إدراك معنى القانون، هو إدراك قائم على بحث كشف عن هذا القانون. فإذا كنا نعلم أن الماء ضروري لنمو النبات، فإن الزيادة منه قد تضر النبات ولا تنفعه. فالذي يطبق القانون هو الإنسان الذي يعلم الى أي درجة يجب أن يطبقه. كل ما أمرنا به في ديننا له علاقة بنمونا الروحي، وارتقائنا المعنوي. الصلاة لها تأثيرها، وكل المناسك لها تأثيرها، كما أن الاستقامة في السلوك لها تأثيرها. ولكن إذا لم يدرك الإنسان الى أي حد يطبق هذه الأوامر، فقد يكون تأثيرها عليه تأثيرا سلبيا (كم من مصل لم يزدد بصلاته من الله إلا بعدا) (وكم من تال للقرآن والقرآن يلعنه) (وكم من صائم لم يأخذ من صيامه إلا الجوع والعطش). نرى في تاريخنا أن كثيرا من الذين كانوا سببا في الفتن فعلوا ذلك باسم الدين. فالذي اغتال الإمام علي كرم الله وجهه، كان يقوم الليل ويصوم الدهر، ولم تؤثر فيه هذه العبادات إلا ظلاما حجب عنه الرؤية الصحيحة لما يجب أن يكون عليه. فالناس حين يعتقدون أن تمسكهم بالحرفية، والتزود فيها بدون ضابط ولا رابط، ودون فهم لما يقومون به، قد يؤثر ذلك عليهم تأثيرا سلبيا (هذا الدين القيم أوغل فيه برفق، فإن المنبت لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى). إياكم والغلو في دينكم. إن كل أمر له حد يصلح به الإنسان، فإذا لم يدرك الإنسان هذا الحد، فإنه ينقلب الى غلو يكون سببا في عدم إدراكه لكيفية الاستفادة من وجوده. لذلك أمر ديننا بالوسطية (خير الأمور الوسط). والأمر الوسط هو أن نكسب من حياتنا في كل اتجاه نسير فيه، في كل أمر نقوم فيه، ومن كل عمل نؤديه، من كل نظرة، ومن كل قول، ومن كل كلمة، من كل دقة قلب، ولمحة فكر. نقوم فيما هو أفضل وفيما هو أحسن وفيما هو أقوم، بأن نعمل ما أعطانا الله من نعم أنعم بها علينا، نعمة العقل ونعمة القلب، ونعمة العمل والجهاد والاجتهاد، أن نأخذ من كل شيء بقدر، وأن نتفاعل مع ما نرى أنه الحق، ولا نغالي في أي اتجاه على حساب اتجاه آخر. نعلم أن القضية ليست في كثرة عددية من العبادات، بقدر ما هي في كيفية تأديتها، وفي إتقانها، وفي القيام بها بصورة تؤدي الغرض منها، فليست العبادات هي مجرد حركات بدنية، إنما هي قيام روحي، يربط الإنسان بربه، حتى يفيض عليه، وحتى يمده بقوة ونور من عنده، فيجعله أكثر صلاحا وأكثر فلاحا وأكثر نورا، يجعله أهلا لرحمات الله، ولمغفرة الله، ولكرم الله، نعلم أن وجودنا على هذه الأرض هو لنكسب في الله من كل ما خلق الله، ومن كل ما أوجد الله لك. فكان الأمر القرآني ولا تنسى نصيبك من الدنيا، لا تنسى أن تكسب في الله من عملك ومن معاملاتك ومن كل أفعالك. وكان سلوك رسول الله صلى الله عليه وسلم هو عدم المغالاة. ونهي المسلمين عن أن يغالوا في دينهم، أوان يتركوا حياتهم الدنيوية بظن العبادة، لأنهم يمكن أن يكسبوا من خلال عملهم كما يمكن أن يكسبوا من خلال عباداتهم لأن كل كسب له نوعه وطبيعته، التي تساعد الإنسان على ارتقائه في عالمه الحقي.…”
تعليق:
حديث عن القيام في كل عمل وعبادة أمرا وسطا طبقا لقانون الحياة. فلا يجب أن يطغى أداء المناسك على عمل الإنسان ولا أن يطغى عمل الإنسان على أن أداءه لمناسكه بفهم عميق لها وليس مجرد أداء شكلي.
مفاهيم دالة :
- ٢-٢-١٥-١ يأخذ الإنسان من كل شيء بقدر ويتفاعل مع ما يرى أنه الحق
- ٣-٢-١١-٦ التمسك بحرفية الأوامر الدينية والتزود فيها دون فهم لمقاصدها قد يؤثر تأثيرا سلبيا على القائم بها
١٤٣ - الجانب الغيبي محجوب عن الإنسان. أما الجانب المشهود لعمل الإنسان فيمكن بظاهر إرادته أن يقدره
تاريخ الحديث: ١٩٩٩/٧/٢٣
“….. الهداية من الله والتوفيق من الله. هذا ما نفهمه ونعتقده. وهذا الفهم يجب ألا يزيد الإنسان إلا عملا، وجهادا لأن الجانب الغيبي محجوب عن الإنسان. أما الجانب المشهود لعمل الإنسان فيمكن بظاهر إرادته أن يقدره كخير أو شر. وهذا ما نشرحه دائما في معنى الغيب والشهادة، في معنى الإطلاق والتقييد، في معنى التجريد والأسباب. فكل ما نفهمه عن الغيب والتجريد هو إدراك عقلي بما وهبنا الله من نعمة التعقل والتفكر والتفهم. أما واقع حياتنا ومعاملاتنا فهو يخضع للشهادة، يخضع للأسباب، يخضع للتقييد الذي نحن قائمون فيه. فالإنسان إذا نظر الى وجوده، ووجد أنه في هداية على ما يدرك من معنى الهداية، فسوف يقول إن الهداية من الله. ولا يزيده هذا إلا محاولة أكثر لأن يكون في هذا المعنى قائما. وإذا نظر الإنسان لنفسه فوجد أنه قد ضل السبيل، فإذا كان في استقامة في مفهومه فإنه سوف يطلب الهداية من الله، ولا يزيده هذا الطلب إلا محاولة جادة ليكون في الطريق القويم. أما الإنسان الذي لا يدرك قوانين الحياة فسيكون حاله غير ذلك. لأنه لا يدرك قانون وجوده. فإذا وجد نفسه في هداية على ما يعتقد نسب ذلك الى نفسه فهما، وقال إنني الذي فعلت ذلك، وإنني الذي استطعت أن أقوم كذلك. وإذا وجد نفسه في ضلالة، قال لقد فعل الله بي ذلك، فلا أستطيع أن أرد ذلك، أو أن أجاهد لأغير ما أنا عليه. لذلك يعلمنا القرآن المفهوم الصحيح، وكيف نكون في استقامة في مفهومنا فيعلمنا (ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك.. قل كل من عند الله). هذه الآية تشرح ما نحن بصدده. الإنسان الذي سوف يقول وقد رأى أنه قد أصابته حسنة أو اهتدى قال إنها من الله، لا يغتر ولا يختال (إن الله لا يحب كل مختال فخور) (إنك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولا). ماذا سوف يقول الإنسان الضال؟ سيقول أوتيته على علم عندي، الهداية التي أنا فيها، والحسنة التي أصابتني، جاءتني لعلمي ولمعرفتي، لكفاحي وجهادي. لن يقول إن الهداية من الله، لن يقول إن الحسنة من الله. الإنسان المستقيم إذا أصابته سيئة وهو يعلم قانون الحياة، ويعلم أن وجوده يلازمه وجود نفسه الأمارة بالسوء (إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم) (وما أبريء نفسي إن النفس لأمارة بالسوء) (أعدى عدوك نفسك التي بين جنبيك) (كان لي شيطان ولكن أعانني الله عليه فأسلم فهو لا يأمرني إلا بخير). فهل أعانه الله على شيطانه؟ أم أن شيطانه لا زال فيه. فكيف يبرئ نفسه؟ إن الاستقامة والفهم المستقيم يجعل الإنسان ينظر الى ما يفعل، فإذا وجد إساءة أدرك أن سببها من هذه النفس المظلمة، فيحاول أن يقومها، ويحاول أن يتجه بالدعاء الى الله ليعينه عليها، لا يبرئ نفسه، ولا يقول أن نفسه بريئة مما هو عليه. الإنسان الضال سوف يبرئ نفسه، ويقول كلمة حق يريد بها باطل، يقول لو أراد الله ما فعلت ذلك، ولو أراد الله ما أخطأت، ولو أراد الله ما أذنبت. لن يأخذ الاتجاه الصحيح المناسب للموقف بأن يدعو الله أن يعينه على نفسه. فهذا هو الأسلوب المناسب لمن يرى نفسه في ظلام وفي خطيئة وفي ذنب (لو أنهم جاءوا الرسول فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما). هذا هو الموقف الذي يجب أن يكون عليه الإنسان في هذا الحال، أن يستغفر الله، وأن يستغفر له رسول الله، اتبع السيئة بالحسنة تمحها. الذين إذا فعلوا فاحشة رجعوا الى الله، وبكوا على أنفسهم، وعلى ذنوبهم، واستغفروا الله كثيرا، ومن يغفر الذنوب إلا الله (يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا)، (إن الله لا يغفر أن يشرك ويغفر دون ذلك لمن يشاء) هذه هي الاستقامة. ليست الاستقامة في أن أبريء نفسي، وأعتقد بأني مؤمن وأقول لو أراد الله ما فعلت ذلك. ومع أن هذا حق إلا أن الاستقامة ألا يبرأ الإنسان نفسه (وما أبرأ نفسي إن النفس لأمرة بالسوء). وليعلمنا الحق قانون التجريد نجد الآية تعلمنا ذلك بقوله تعالى (قل كل من عند الله) لأن من ناحية الفهم المستقيم نعرف أن كل شيء من عند الله (ولو شاء ربك ما فعلوه) ….”
تعليق:
يدور هذا الحديث حول التأمل في الآية: (ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك.. قل كل من عند الله) والتي تصف حال الإنسان في استقامته وفهمه لقانون التجريد والتقييد.
مفاهيم دالة :
١٤٤ - الإنسان له جانبه الحقي، الروحي، المعنوي، الرحماني، كما أن له جانبه المظلم، الشيطاني، المادي
تاريخ الحديث: ١٩٩٩/٩/١٠
“… إن الدين لواقع، إن الدين هو قانون الحياة، إن الدين هو استقامة الإنسان في طريق الحياة، استقامته في كل أمر من أمور حياته، في كل كلمة يقولها، وفي كل فعل يفعله، وفي كل ذكر يذكره، وفي كل فكر يتفكره. كتاب الله يذكرنا دائما بكل الأحوال التي نمر بها، يعلمنا كيف نستقيم في هذه الأحوال، وكيف نتعامل معها. الإنسان له جانبه الحقي، الروحي، المعنوي، الرحماني، كما أن له جانبه المظلم، الشيطاني، المادي. الإنسان قائم بين الحالين. فهو في لحظات يعيش بروحه، ومعنوياته، ومثله العليا، وفي لحظات أخرى يتدنى الى مادي قيامه، الى شيطانه، الى ظلماني وجوده. وآيات الحق تصف لنا الإنسان في أحواله المختلفة (إن الإنسان لربه لكنود وإنه على ذلك لشهيد وإنه لحب الخير لشديد) (والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات) (خلقنا الإنسان في أحسن تقويم ثم رددناه في أسفل سافلين إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات). الإنسان في غفلته في أسفل سافلين، في خسر، في تدني، في ظلام. فإذا وجد الإنسان نفسه كذلك فهذا أمر غير مستغرب. وإنما عليه أن يتذكر التوجيه الحقي حين يجد الإنسان نفسه كذلك. إن التوجيه الحقي (يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا) (إن الحسنات يذهبن السيئات) (اتبع السيئة بالحسنة تمحها) (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر دون ذلك لمن يشاء). ذكر الله، استغفار الله، الرجوع الى الله، التعرض لنفحات الله هي الوسائل التي يجب أن يتبعها الإنسان حين يجد ظلام نفسه وظلمانية وجوده. لا يقنط من رحمة الله، ولا من مغفرة الله. إنما يستغفر الله، ويتجه الى الله، ويزيد من تعرضه لنفحات الله. بهذا يمسح ظلام نفسه، ويطهر وجوده من ظلماته. إنك إذا أردت الاستقامة، وإذا أردت أن تغير ما فيك من ظلام، لا تعتقد أن ذلك يكون بأن تقول إني أريد أن أتغير، ولكن التغيير يكون بأن تتطهر من هذه الظلمات، بأن تتعرض لنفحات الله، ورحمات الله. هكذا يعلمنا رسول الله صلوات الله وسلامه عليه وهو يحدثنا عن الصلاة، فيعلمنا أنها تطهر، وأنك تتطهر في اليوم خمس مرات. فإن كانت صلاتك متجهة حقا الى الله متعرضا فيها لرحمات الله، فإنك تغتسل في اليوم من ذنوبك خمس مرات. تتخلص من كل أدرانك وظلماتك. فإذا لم تؤد الصلاة الى ذلك فما صليت وما اغتسلت وما تطهرت (من لم تنهه صلاته فلا صلاة له). فليحاول الإنسان إذن أن يصلي أكثر، وأن يصلي أفضل، وأن يكون متطهرا حقا، متعرضا لنفحات الله حقا. إن كل العبادات التي أمرنا بها في ديننا هي وسائل لنطهر وجودنا، ونطهر نفوسنا حتى نكون خالصين لله، وحتى نكون عبادا لله حقا…”
تعليق:
هذا الحديث يتناول تعامل الإنسان بشقه الروحي مع شقه المادي وأساس هذا التعامل هو طلب العون والرحمة والمغفرة من خلال ممارسة كل العبادات التي أمرنا بها في ديننا بإخلاص وفهم لمقاصدها.
مفاهيم دالة :
١٤٥ - ليلة القدر هي رمز دائم للحظات تعرض من يجاهد نفسه لنفحات الله، وفيوضاته
تاريخ الحديث: ١٩٩٩/١٢/٣١
“…. إنا في هذه الأيام المباركة، العشر الأواخر من رمضان، نتعرض لنفحات الله ورحماته إن أحسنا إعداد وجودنا وإعداد قيامنا للتعرض لهذه النفحات. في هذه الأيام المباركة، أخبرنا عن ليلة القدر، وليلة القدر هي معنى قبل أي شيء، (ليلة القدر خير من ألف شهر تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر)، إنها رمز دائم لمن يتعرض لنفحات الله، لمن يجاهد نفسه حتى يكون أهلا لفيوضات الله. وكما نتذاكر في شهر رمضان عن معنى الصوم، وأنه في المقام الأول أن يعيش الإنسان بروحه ومعنوياته حتى يكون أهلا لاصطفاء الله ولرحمة الله، يجيء رمز ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان ليعبر عن هذه الحقيقة. فالذي أعد نفسه جيدا يكون أهلا لهذه الليلة المباركة. إن في وصف هذه الليلة معان كثيرة، فوصفها بأنها خير من ألف شهر، يعلمنا أن القضية هي بالكيف، وليس بالكم. لأن الإنسان الذي يقوم ليلة القدر، هو الإنسان الذي عرف معنى العبودية لله، وهو قائم على هذه الأرض، في هذا الجلباب البشري، وفي هذا الوجود المادي، وفي هذا القيام الإنساني. ومن هنا ندرك أن الإنسان عليه أن يحسن يتقن ما يقوم فيه، وأن يفهم قبل كل شيء ما يقوم فيه. ففهم الإنسان لعمله يجعله قادرا على أن يتقنه، وفهم الإنسان لعبادته يجعله قادرا أن يحسن فيها، وأن يقوم في معناها الصحيح. هذا اتجاه أساسي ندعو إليه دائما، وهو أن العبادة ليست حركات شكلية فقط، ولكنها نية قبل كل شيء، وفهم قبل أي شيء. وما ليلة القدر إلا قيام الرجل الصالح العابد في ذكره، وقد فهم ذكره فهما صحيحا، وقام فيه قياما صحيحا. إن على الإنسان أن يعبد وجوده لله. وتعبيد الإنسان لوجوده لله هو في إدراكه لقانون الحياة وفي الالتزام به لأن في ذلك كسبه في الله. بذلك يكون الإنسان في معنى ليلة القدر حقا، وبقيامه فيها يعرج عروجا كبيرا ويكون أهلا لأن تتنزل عليه الملائكة (الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون) (تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر). والملائكة هي الرباط بين الأرض والسماء، بين الدنيا والآخرة، فالإيمان بالملائكة هو جزء من الإيمان بالغيب كما نفهم من آيات الله في كتابه العزيز (آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله) كما نجد في أماكن كثيرة أن هناك إشارة الى الملائكة، والرسالات جاءت من الوحي، ومن خلال جبريل عليه السلام الذي هو أداة وسبب لحمل رسالة من الغيب الى الشهادة. ملك الموت، هو سبب من أسباب الله لينتقل الإنسان من الدنيا الى الآخرة بعد تمهيد الطريق إليها، بحيث يكون الإنسان أهلا للانتقال من الدنيا للآخرة بيسر وسلام. فتنزل الملائكة يرمز الى ربط الإنسان بالغيب وتهيئته لتلقي مددا روحيا من الله. والروح في الآية هي رمز لهذا المدد الروحي، هي رمز للاستمرارية، رمز لأن يتعرض لنفخة من الله (نفخنا فيه من روحنا) تغيره ليصبح خلقا آخر، آداما آخر، كلمة لله وروحا منه. إنه بذلك يعد إعدادا عظيما لا يستطيع أن يناله بعمله. هذا المقام الأعلى لا يناله إلا بإذن الله، وبأمر الله، وبملائكة الله، وروح الله وهذا هو قانون الله في خلقه كما نتأمله في هذه الآيات. فليلة القدر ترمز الى قيام الإنسان كعبد لله في ليل، في حجاب ويتعرض لكل هذا الإعداد وهو في هذا الحجاب. فتكون حياتك كلها منذ هذه اللحظة هي ليلة قدر، تعد للرقي في كل ما تقوم به، فالملائكة تحف بك، وروح الله تحيط بك، تساعدك، وتساندك، وتخلصك من أوزارك، ومن ظلماتك، وتحل محلها نورا، وقوة، وسرا من أسرار الله، يسري في وجودك. تعيش في سلام، وتعيش في رحمة، وفي سكينة، وفي كسب في الله حتى مطلع الفجر، حتى تخرج من هذه الأرض، تخرج منها وأنت في سلام، وقد كسبت حياتك وكرتك، تخرج الى عالم، هو فجر ونور، وقد أعددت لهذا اليوم العظيم، فتكون في مقام عظيم، وتكون في موضع كريم (يا أيتها النفس المطمئنة إرجعي الى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي). هكذا يكون الإنسان الذي أعد نفسه على هذه الأرض، وأصبح أهلا لرحمات الله، ونفحاته، ولملائكة الله، ولروح الله، يعد إعدادا جيدا ويغير ما به، فقد غير ما بنفسه من ظلام، فغير الله ما به من ظلمات أكبر (الذين آمنوا نخرجهم من الظلمات الى النور) (لا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم).
تعليق:
حديث عن ليلة القدر أثار كثيرا من المعاني بالتأمل في سورة القدر.
مفاهيم دالة :
١٤٦ - الإسلام كما جاء في الرسالة المحمدية هو تعبير عن قانون الحياة وهو مرسل للكافة لا ليغيروا ظاهر شريعتهم وإنما ليأخذوا منه ما ينفعهم كقانون للحياة
تاريخ الحديث: ٢٠٠٠/٢/٢٥
“…. إنا نعيش اليوم في عالم قربت فيه المسافات، وسقطت فيه الحدود، وأصبح العالم كله قرية صغيرة، يتواصل ويتصل، ويتحاور ويتناقش في كل القضايا وفي كل الأمور. علينا ونحن ننتمي الى هذه الأمة، ونحن ننتمي الى دين الفطرة، أن نكون أهلا لأن ندعو بما جاء به دين الفطرة من معان ومفاهيم. وأن يكون حديثنا مناسبا لمخاطبة العقول في كل بقعة من بقاع الأرض، دعوة تتسم بالعقلانية، وبالأفضل والأحسن والأقوم (لا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن) (وادعو الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة) (ما شاد الدين مشاد إلا جذبه) (هذا الدين القيم أوغل فيه برفق فإن المنبت لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى) (يسروا ولا تعسروا). كل هذه الأوامر في الأحاديث والآيات تحثنا أن نعمل عقولنا حتى نخرج مما بين أيدينا، مفاهيم تدعو الناس الى الحق، وتدعو الناس الى الخير والى الصلاح والفلاح، دعوة الفطرة، دعوة العقل (العقل أصل ديني)، دعوة الأحسن والأقوم. فهل مجتمعنا اليوم قادر على هذه الدعوة؟ أم أن الماضي بكل رواسبه وبكل أفكاره يجرنا الى الوراء؟ ويكبلنا بأغلال لا نستطيع فكاكا منها بظن دين، وبظن يقين، وبظن إيمان. هذا هو التحدي الذي نجابهه اليوم. هل تستطيع هذه الأمة أن تخرج من هذا الحال؟ أم أنها ستظل جامدة على ما هي عليه؟ تدور في فلك الماضي وقضايا الماضي واختلافات الماضي التي كانت في وقتها أمر يختلف فيه، أما اليوم فهناك قضايا أخرى أكثر عمقا يمكن أن نتحاور حولها. إن دين الفطرة جاء ليعلم العالم أن القضية هي أن يقوم الإنسان في توافق وتناغم مع قوانين الحياة، وأن القضية ليست أسماء وليست صورا وليست أشكالا، وإنما هو قانون إن اتبعه الإنسان نجى وإن خالفه الإنسان هلك. هذا هو قانون الحياة الذي نعيش في ظله وفي إطاره وفي أحكامه. إن هذا القانون لا يعرف صورا ولا أسماء ولا أشكالا لأنه يتعامل ويتفاعل مع الإنسان، وما ينتج عنه. لذلك عبرت الآيات عن ذلك في كثير من المواضع، فأشارت الى أن (من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلا خوف عليه)، وأشارت الى تواصل الرسالات، وأن جميعها يهدف الى قضية واحدة، وهي كشف القانون للإنسان (آمن الرسول بما أنزل إليه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير)، (وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون)، (من يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره). إن الخطاب لكل إنسان في كل مكان وفي كل عصر وزمان. وما كان الإسلام إلا دعوة إبراهيم وإسماعيل وموسى وعيسى وكل الأنبياء. جاء الإسلام ليوضحها وليشرحها (أنا أولى الناس بابن مريم) وفي موضع آخر (أنا أولى الناس بتطبيق شريعة موسى). بما يدل في هذه المواضع وفي هذه الأحداث عن معنى واحد هو أن الإسلام يوم جاء، جاء ليعلم الناس جميعا أن الدين واحد، وأن الدين عند الله الإسلام بمعنى الفطرة، وبمعنى القانون. إن الإسلام يتكلم عن المبادئ والمفاهيم أولا قبل أن يتكلم عن التعبير عنها في الشرائع. وما كانت الشريعة إلا تعبير عن الحقيقة. وما كان القيام في التشريع إلا تعبير عن التحقيق. وما كان التشريع إلا الرسالة المتصلة التي تتناقلها الأجيال، لتعبر عن الحقيقة في كل جيل، من بعد جيل. وهذا هو قيمة التشريع لذلك قال القوم (من تحقق ولم يتشرع فقد تزندق) لأنه حرم الذين من بعده في أن يتعلموا من خلال الرسالة التي أرسلها الله للإنسان في شريعته. كما قالوا (ومن تشرع ولم يتحقق فقد تفسق) لأنه يوم قام في ظاهر الأمر أو في التشريع دون أن يعرف أنه تعبير عن الحقيقة، فهو لم يفهم ما جاءت من أجله الشريعة ولم تبلغه الرسالة ولم يقرأها، مثله كمثل الحمار يحمل أسفارا، لا يعرف ماذا يحمل، ولا ماذا يفعل. فإذا قامت أمة أو جماعة أو مجتمع أو مجتمعات بتشريع سماوي فهي بذلك تعبر عن الحقيقة للأمة، وللمجتمعات كلها، وللأرض كلها. فإذا كانت مجتمعات أخرى وأمما أخرى تعبر عن حقيقة بمظهر آخر من التشريع، فهذا التشريع يعبر أيضا عن حقيقة أراد الله لها أن تقوم على الأرض، حفاظا على معرفة جاءت، وعلى رسالة قامت. إنه تواصل مستمر، وتعبير مستمر، عن قوانين الحياة، وعن مفاهيم أساسية في الحياة. الكل يعيش على هذه الأرض ويعبر عن الحق بشريعته. والمفهوم الذي يجب أن يسود هو مفهوم دين الفطرة، وقانون الحياة، الذي يشمل الناس جميعا. فما كان الدين بحقيقته سببا في حروب وصراعات. ولكنها النفوس البشرية التي رأت في الدين عصبية، ورأت في الدين مصالح مادية ومكاسب دنيوية، أرادت أن تحققها من خلال استغلال ما في القلوب، من إكبار لمعنى الدين. فأفسدت وفسدت، وكانت مثالا غير محبب للقلوب، والنفوس الزكية. وأخرجت أناسا كثيرين من أن يفكروا في معنى الدين كقانون للحياة، وأن يرفضوا الدين في الصورة التي استخدمها هؤلاء المتعصبون. فكان ذلك سببا في أن يخرج الكثيرون من معاني حقية، ومن قيم روحية، كما كان ذلك أيضا أداة ظلام وإظلام…….”
تعليق:
الإسلام كما جاء في الرسالة المحمدية هو تعبير عن قانون الحياة وهو مرسل للكافة لا ليغيروا ظاهر شريعتهم وإنما ليأخذوا منه ما ينفعهم كقانون للحياة. كما أن المتابعين للشريعة المحمدية يمكن أن يأخذوا من الشرائع السابقة إذا وجدوا فيها ما يفيدهم، لأن كل الشرائع مصدرها واحد. فكل الشرائع هي تعبير عن حقيقة الحياة في صور مادية يمكن الحفاظ عليها.
مفاهيم دالة :
١٤٧ - كتاب الله يعلمكم كيف لغيب وجودكم تعرضون، وكيف معه تتصلون، وكيف له تسمعون. يعلمكم ذلك من خلال ما شرع لكم من مناسك بها تتعبدون، ومن آيات لها تقرأون
تاريخ الحديث: ٢٠٠٠/٤/٢١
“……إن كتاب الله يعلمكم كيف لغيب وجودكم تعرضون، وكيف معه تتصلون، وكيف له تسمعون. يعلمكم ذلك من خلال ما شرع لكم من مناسك بها تتعبدون، ومن آيات لها تقرأون. فاقرأوا آيات الله قراءة عميقة، حتى تدركوا ما فيها من معاني ومفاهيم أكبر من الصور والأشكال. إن هذا الإدراك العميق هو الذي يحييكم، ويخرجكم من الظلمات الى النور، ويجعلكم عبادا لله صالحين. يعلمكم كيف تتعاملون، وكيف تسلكون. كما يعلمكم ماذا تقصدون وما هو هدفكم الذي إليه تهدفون. فتكون لكم رسالة لها تؤدون، ويكون لحياتكم معنى فيه تقومون، وتكون كل لحظة من لحظات حياتكم هي كسب لكم في الله، وتعامل مع الله. يكشف الله لكم كل يوم ما أنتم عليه، إن وجدتم أنفسكم في ظلام فاسألوا الله عونا أكثر، وإذا وجدتم في أنفسكم نقطة مضيئة فاحمدوا الله أكثر. لا يغركم ما فيكم من نور، بل تخشون الله (إنما يخشى الله من عباده العلماء)، (وأنا أقربكم من الله وأخوفكم منه). ولا ييئسكم ما فيكم من ظلام، بل تطمعوا في رحمة الله، ولا تقنطوا من مغفرة الله (يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا..)، (لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون). كما يعلمكم الهدف الذي إليه تهدفون، يوم يحدثكم عن وجودكم في قادمكم وما إليه تصيرون، وما عليه ستصبحون. يضرب لكم مثلا في الشهداء (لا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون). يعلمكم أن هدفكم أن تكونوا أحياء عند ربكم ترزقون (خلقتك لنفسي ولتصنع على عيني)، (ما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون)، وبعبوديتهم يحيون وبعبوديتهم يعرجون. هكذا يعلمنا ديننا الطريق القويم والصراط المستقيم، يعلمنا ما فوق الأسماء والأشكال، يعلمنا أن الإنسان يوم يستقيم في هذا القانون الذي كشفه لنا يكون عبدا لله، أيا كان جنسه وأيا كان شكله وأيا كانت صورته (لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى). الكل سواسية لا فرق بين إنسان وإنسان إلا بعمله. بعمله يكون أهلا لرحمة الله، ولتوفيق الله. بعمله يتحرك الى الأمام ويعرج إلى أعلى. بعمله يستقبل فيوضات السماء ويستقبل رحمات السماء ويكون أهلا لنور رسول الله صلوات الله وسلامه عليه (جعلنا لك نورا تسري به في الناس) (واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه) (ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا). إن الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجه الله، هم أهل لأن يصبر رسول الله معهم، لأن يسري فيهم بنوره، لأن يساعدهم لأنه رحمة الله، ونور الله، وكلمة الله، ورسول الله. إن الله لا ينظر الى صوركم، وأشكالكم، ولكن ينظر الى قلوبكم، ينظر الى ما فيكم من الحق. لا يشفع لكم ولا لأي إنسان لاسمه، ولا لدينه الذي ولد عليه، وإنما يشفع للإنسان لما وصل إليه بقلبه، ولما أدركه بعقله ولما فعله بجوارحه. فالزم الطريق الذي به تحيى، والذي به تكون عبدا لله. وسيجيئ يوما يكشف عما في الصدور، ويظهر المكنون.، فعد نفسك لهذا اليوم، ليظهر الجميل منك. ولتكن لك جماعة، فيها تجتمع على ذكر الله، وتقصد وجه الله، حتى تكون مع هذه الجماعة تتساندون، وبيد بعضكم البعض تأخذون. الناجي منكم يأخذ بيد أخيه لأنكم متحابون. أما الذين على الدنيا يجتمعون ففي هذا اليوم يتفرقون (الأخلاء بعضهم لبعض عدو إلا المتقين). فلتكن من المتقين، حتى تكون في جماعة فيها محبة، وفيها قوة تعينك، وتأخذ بيدك في طريق الحق وطريق الصلاح.……”
تعليق:
حديث عن سلوك الإنسان الذي يحييه في تواجده الدنيوي والأخروي وقيمة التواجد في جماعة لها هدف ومقصود واحد هو وجه الله.
مفاهيم دالة :
- ١-١-٧-٢ عمل الإنسان يؤهله للتعرض لرحمة الله وتوفيقه
- ٢-٢-٢١-٥ ألا يغتر الإنسان بما فيه من نور فيحول ذلك بينه وبين أن يستمر في التذكر
- ٣-١-١ الحمد لله
- ٣-١-٥-٣ الاجتماع على مقصود وجه الله فيه قوة تعين أفراد الجماعة وتأخذ بأيديهم في طريق الحق والصلاح
- ٣-١-٦-٦ كتاب الله يعلم الإنسان كيف يعرض وجوده للغيب وكيف معه يتصل من خلال ما شرع له من مناسك بها يتعبد
- ٣-١-٧-٥ لا ييئس الطالب بما فيه من ظلام، بل يطمع في رحمة الله ولا يقنط من مغفرة الله
- ٣-٢-١٢-١٠ يقدر وجوده، ويعرف نفسه، ويعرف الهدف مما أمر به
١٤٨ - الإنسان مكلف بأن يبحث فيما هو قادر على أن يشهده وأن هذا جزء من الجهاد الأكبر
تاريخ الحديث: ٢٠٠٠/٦/٣٠
“…. إننا نتذاكر بيننا بما جاء به ديننا، وبما هو موجود في أرضنا من تراث حقي، ومن معارف كثيرة ظهرت وتظهر وستظهر. كلها تشرح وتوضح وتبين طريق الإنسان على هذه الأرض. وستظل رسالة الله دائمة قائمة في معنى (إذا قرأناه فاتبع قرآنا ثم إنا علينا بيانه). إن البيان مستمر وسيظل كذلك الى أبد الآبدين (ولو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفذ البحر قبل أن تنفذ كلمات ربي ولو جئنا بمثله مددا). هذا الوجود البشري وما فيه من أسرار تكشفت، وهناك أسرار لا زالت تتكشف في حاضر وفي قادم. إن المعرفة عن القيام المادي لا تزال تحبو في هذا البحر من الأسرار الذي يتكشف يوما بعد يوم. فها نحن نرى هذه الاكتشافات عما يحمله الإنسان من جينات تحمل صفاته وقدراته الجسمانية، والأمراض التي يمكن أن تصيبه وأشياء أخرى، مما سيفتح الباب الى معارف أكثر لا حدود لها، في التعامل مع هذا الجسد البشري. وما نراه اليوم كذلك من معارف عن المواد وأسرارها واستغلالها، وعن الموجات واتصالها وبثها واستقبالها، وعن المعلومات وتنظيمها وحفظها، وعن أمور كثيرة في حياتنا، كل ذلك يكشف لنا ويجعلنا ندرك أننا أمام قوة هائلة، ومعنى لانهائي، دبر فأحكم، وأن هناك الكثير الذي لا نعرفه. هذا في حياتنا المادية، فما بال حياتنا الروحية وما بعد هذه الحياة. إنها أسرار كثيرة يقف العقل عاجزا أمامها، ويقف الإنسان مسلما لها، مدركا أن لا قبل له بها، فيدرك أن هناك غيبا لا يستطيع أن يحيط به، وهو مطالب بأن يتعلم مما يحيط به، وأن يؤمن بهذا الغيب الذي لا يحيط به (ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون). وفي نفس الوقت نؤمر بأن لا نتقاعس عن معرفة ما نستطيع أن نعرفه، فيجيء التوجيه الإلهي (قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق) توجيه إلهي للبحث وللمعرفة. إن الدين ليس فقط فيما نعبر عنه بالفقه، أو بالشريعة، أو باللغة، أو بأسباب التنزيل، وإنما الدين هو كل الحياة، كل العلوم، كل ما نستطيع أن نعرفه. لا يجب أن نحصر الدين في علوم تاريخية، أو في علوم لغوية، وإنما الدين أن نستقيم فى هذه الحياة، واستقامتنا في هذه الحياة، هي في إعمال كل ما أعطانا الله من قدرات لنعرف ونتعلم ونبدع ونعمر ونطور، ونكتشف أسباب الحياة. إن هذا هو الاختبار الأكبر الذي نكسب منه على هذه الأرض. قدرتنا على كشف أسرار الحياة. هذه القدرة هي التي تجعل الإنسان مسلما حقا. إن الإسلام ليس في أناس متقاعسين، لا يعملون عقولهم ولا جوارحهم، ويعتقدون أنهم في دين الحق، لأنهم يرددون بألسنتهم بعض الأدعية، أو يقومون بجوارحهم ببعض العبادات. إن كل هذا الذي يقومون به هو وسيلة وليس غاية في حد ذاته. إنها وسائل لتنمية الناحية الروحية في الإنسان حتى لا تطغى المادة عليه. وهو يغوص في هذه الوسائل ويبحث فيها.، ولكن عليه أيضا أن يغوص في أسباب الحياة المادية متسلحا بالإيمان، وبالصلة بالغيب. فهذا هو الجهاد الأكبر. فلا يقل المؤمنون (اذهب أنت وربك فقاتلا فنحن هنا قاعدون) فلا تقول إني قاعد هنا أذكرك يا ربي فاذهب وارزقني، اذهب فاكشف لي عن علوم هذه الأرض، فأنا هنا قاعد أذكرك وأسبح باسمك. إن هذا ليس دين، وليس عبادة. لقد تعلمنا في ديننا أن نجاهد، وأن نحاول، وأن نكتشف، وأن نطور، وأن نستحدث، وأن نبحث عن الأقوم، والأفضل، والأحسن. لو الإنسان يكسب بالبعد عن هذه الأرض ما جاء إليها، وإنما جاء إلي هذه الأرض ليكسب من خلال وجوده عليها. فوجوده نعمة يجب أن يقدرها، ويجب أن يستفيد من قيامه فيها. هذا ما نتعلمه في ديننا، وهذا هو الدين، الجهاد الأكبر، جهاد النفس. وجهاد النفس لا يعني فقط جهادا على مستوى الإنسان، وإنما كيف تعمل بكل طاقتك ولا تكون ناظرا الى نفسك، لا تكون أنانيا، أو تكون نفسك هي المحور؟ كيف تعطي بقدر ما تستطيع؟ وتأخذ أيضا؟ ولكن تعاملك أولا وقبل كل شيء هو تعامل مع الله. ليس جهاد النفس فقط أن تحرمها من مأكل أو مشرب فهذا أقل شيء. وإنما جهاد النفس الأكبر هو كيف تكون عاملا بقدر طاقتك لخير الآخرين، ويكون تعاملك مع الله، لأنك لا تستطيع أن تفعل غير ذلك (إنما نطعمكم لوجه الله لا نسألكم جزاء ولا شكورا) ……”
تعليق:
يبدأ الحديث بالتذكير بما لا يستطيع الإنسان أن يحيط به وما يمكن أن يحيط به. ثم يوضح أن الإنسان مكلف بأن يبحث فيما هو قادر على أن يشهده وأن هذا جزء من الجهاد الأكبر بالإضافة إلى عمل الإنسان وتعامله الدنيوي.
مفاهيم دالة :
- ١-١-١٣-٥ استمرارية البيان فيما يتكشف من معارف في هذا الكون
- ٢-٢-١٨-٤ إعمال كل ما أعطى الله الإنسان من قدرات ليعرف ويتعلم ويبدع ويعمر ويطور
١٤٩ - وما القلم إلا ما في الكون من أسرار كتبت في قانون هذا الكون، الظاهر، والباطن. وأمر الإنسان أن يقرأها، وأن يتعلمها ويتدبرها
تاريخ الحديث: ٢٠٠٠/٧/٢١
“….. إن ديننا يعلمنا ويرشدنا ويوجهنا الى الطريق القويم والى الصراط المستقيم. هذا الإرشاد موجه لمن يقرأه ولمن يتأمله، ويتدبره (اقرأ باسم ربك الذي خلق، خلق الإنسان من علق اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم..). وما القلم إلا ما في الكون من أسرار كتبت في قانون هذا الكون، الظاهر، والباطن. وأمر الإنسان أن يقرأها، وأن يتعلمها ويتدبرها. ونحن في هذا العصر، وفي هذا القرن بالذات، قرأ الإنسان الكثير مما هو مكتوب في أسباب هذه الحياة المادية. ولا زال يكتشف يوما بعد يوم أن أمامه الكثير الذي يستطيع أن يقرأه. وأنه في حاجة الى أدوات متعددة حتى يقرأ ما في هذا الكون المادي من رسالة من الله له. لذلك أمر الإنسان أن يبحث ويبحث (قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق). وهذه هي الاستقامة كما تعلمناها في ديننا. استقامة في التعامل مع الداخل وفي التعامل مع الخارج (سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق). دين الفطرة يعلمنا أن نجتهد في كل المجالات، جهادنا مع أنفسنا هو الجهاد الأكبر، وجهادنا مع الناس هو الجهاد الأصغر. وجهاد النفس لا يعني فقط مقاومة الشهوات وإنما يعني أيضا الجد في العمل، والاستمرار في البحث، وعدم التكاسل والتقاعس والتسليم بما هو أدنى. وهذا يحتاج من الإنسان الى قدر كبير من الدفع الذاتي الذي يمكنه من أن يواصل المسيرة، وأن يظل يبحث ويبحث ويتعلم طالما هو قائم على هذه الأرض (أطلب العلم من المهد الى اللحد) أطلب العلم في أي مكان وأي زمان، واعمل الى آخر لحظة في حياتك، بل الى آخر لحظة تعتقد أن بعدها ليس حياة (إن قامت القيامة وفي يد أحدكم فسيلة فليزرعها). إنها دعوة الى العلم والى العمل المستمر وهذا من الجهاد الأكبر، حتى لا تركن النفس الى التقاعس والتكاسل والتسليم بما هو أقل. كل إنسان له رسالة على هذه الأرض، ورسالته أن يدفع بالتي هي أحسن، على ما يرى أنه الأحسن، وهذا هو الجهاد مع الناس الذي يدخل تحته أي صراع بأي صورة، وبأي شكل. سواء كان صراعا ماديا أو صراعا فكريا وثقافيا وحضاريا. لذلك لقد أمر دين الفطرة بالمجاهدة المستمرة، وبالرباط، إما النصر وإما الشهادة، لا تخاذل ولا تراجع، وفي نفس الوقت على الإنسان أن يراجع ما يفكر فيه، وما يقوله، وما يعتقده، ويزنه بميزان الفطرة السليمة، ولا يسير وراء خيالات، أو وراء كلمات، أو وراء صور، أو أشكال، أو وراء معتقدات لم يفحصها جيدا ليعرف الخبيث من الطيب فيها ليعرف الغث من الثمين. إن كل إنسان مسؤول عما يقول. وعليه أن يفكر جيدا فيما يقول، ولا يكتفي بأن يردد مقولة الآخرين، حتى ولو كانت هذه المقولة في اعتقاده من إنسان أعلم منه. لأن العبرة ليست بالترديد. فقد تردد قولا لإنسان صالح، ولكن ترديدك له يفسده. وإنما عليك أن تقول ما تؤمن به حقا، ما نتج عن تفكير عميق عندك، وعن فهم مستقيم لمعاني الحياة كما استوعبتها، ورأيتها، وتفهمتها. لذلك فدين الفطرة يعلمنا أن العبرة ليست بالأشكال والصور والكلام. ولكن العبرة بالمنهج الذي تنتهجه لتصل الى ما تصل إليه. فمنهج الصدق، ومنهج العلم، ومنهج البحث في كل أمر من أمور الحياة، وفي كل علم من علوم الحياة، وفي كل مجال من مجالات الحياة. وهذه هي الاستقامة (الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا لا خوف عليهم ولا هم يحزنون) ………”
تعليق:
يبدأ الحديث بتأمل في معنى “علم بالقلم” في الآية (اقرأ باسم ربك….. الذي علم بالقلم) وهو ما كتبه الله في الكون من قوانين وأن القراءة هي بحث الإنسان في أسرار هذا الكون المشهود له. وأن هذا البحث هو الجهاد الأكبر. أما الجهاد الأصغر فهو في التعامل مع الناس.
مفاهيم دالة :
١٥٠ - المغفرة هي جزء من القانون الكلى الذى أحكم الله في هذا الكون فبها تعطى الفرصة لتصحيح ما اسأت فيه، ولمن أسأت إليه
تاريخ الحديث: ٢٠٠٠/٩/٢٢
“….. دين الفطرة فتح لنا باب المغفرة، وعلمنا قانون الاستغفار. إنه القانون الذي من خلاله نعمل ونتحرك. فإن لم يكن هناك استغفار ما تجرأنا ان نتكلم، أو أن نفعل شيئا، أو نتحرك حركة. ولكننا تعلمنا أن نعمل، وأن نجتهد، وأن نجاهد. إن أخطأنا فلنا أجر، وإن أصبنا فلنا أجران. وربما تعلمنا من خطأنا اكثر مما تعلمنا من صوابنا، فنرجع إلى الله، ونتوب إليه، ونستغفره (ومن يغفر الذنوب إلا الله..)، (يا عبادي الذين اسرفوا على انفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا)، (إن الله لا يغفر ان يشرك به ويغفر دون ذلك لمن يشاء). والمغفرة على ما نتعلمها هي مقام كبير، اختص الله نفسه بها. فالمغفرة ليست كما نفهم بين إنسان وإنسان يوم يتغاضى عن فعل لمن أساء إليه. فنحن لا نسئ إلى الله، فالله اكبر، والله غنى عن العالمين. وإنما نسئ إلى أنفسنا (وما ظلمناهم ولكن كانوا انفسهم يظلمون). من هنا ندرك أن المغفرة هي جزء من القانون الكلى الذى أحكم الله في هذا الكون. المغفرة هي ان تعطى فرصة لتصحيح ما اسأت فيه، ولمن أسأت إليه. هذا بقانون (من يعمل مثقال ذرة خير يره ومن يعمل مثقال ذره شرا يره) (اتبع السيئة بالحسنة تمحها). فالإنسان يوم يذكر الله فهو يأخذ قوة روحية تغسل ما فيه من ظلام. والحديث الشريف الذى يتحدث عن الصلاة بان الإنسان يغتسل بها خمس مرات في اليوم فلا تبقي ظلاما في نفسه لو أنه أقام الصلاة حقا (فمن لم تنهه صلاته فلا صلاة له) (إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر). فحين يهيئ الله للإنسان عملا صالحا فهو بذلك يغفر له، حين يهيئ الله للإنسان ان يرد الحقوق إلى اصحابها إذا كان قد أخذها عدوانا وظلما فانه يكون بذلك قد غفر له. ومن هنا ندرك أن المغفرة هي أن يكون الإنسان قائما في عمل صالح، يغسل به جميع ظلماته، ويتطهر به من سيئات اعماله. إن علينا أن ندرك أن نعمل كل ما أنعم الله به علينا من نعمة ومن قدرة ومن طاقة في أن نأخذ قوة تعيننا أن نصحح طريقنا، وأن نصوب وجهتنا، وأن نقوم سلوكنا، وأن تكون كل معاملاتنا مع الله، فنكون بذلك في استغفار دائم لله. إذا ظننا أننا اخطأنا استغفرنا ورجعنا وحمدنا الله أن كشف لنا خطأنا. وإن ظننا أننا قد اصبنا حمدنا الله، واستغفرنا الله أيضا، طالبين ألا نغتر وأن يكشف لنا إذا كان ظلامنا هو الذى هيأ لنا ذلك.. فنحن دائما في استغفار وحمد، وحمد واستغفار……”
تعليق:
عن الصواب والخطأ والاستغفار والأجر كان هذا الحديث
مفاهيم دالة :
- ١-١-٥-١ يعطى الإنسان الفرصة لتصويب ما أخطأ فيه
- ٣-١-٧-٦ قانون الاستغفار هو القانون الذي من خلاله يعمل ويتحرك الإنسان فإن لم يكن هناك استغفار ما تجرأ ان يتكلم أو أن يفعل شيئا
١٥١ - الهدف من التواجد الدائم للرسل والأنبياء هو لكشف قانون الحياة والتذكير بأمانة الحياة التي حملها الإنسان والتي هي محور أساسي من قانون الوجود
تاريخ الحديث: ٢٠٠٠/١٢/١٥
“…. إن الصلاة والتسليم على رسول الله ليست مجرد كلمات نرددها، وإنما هي معنى نقوم فيه (إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما). إن رسول الله هو قيام دائم يحمل رسالة الحق إلى البشرية (وما كنا معذبين حتى نبعث رسول). ولاستمرار هذه الرسالة قال رسول الله صلوات الله وسلامه عليه (علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل) لأن الأنبياء كانوا في دوام تواجد في بني إسرائيل، نبي بعد نبي لتعليم الناس، وإرشادهم، وتوجيههم، وإنارة الطريق أمامهم. فرسالة الرسل هي كشف قانون الحياة، وتطبيقه، والقيام فيه، ليكونوا مثالية، وقدوة للبشر جميعا. وقضية الأنبياء هي التذكير الدائم بهذا القانون. كشف الرسل للبشرية بقيامهم قانون الحياة في حياتهم، وفي سلوكهم، وفي معاملاتهم. وأصبحوا بذلك نقطة إشعاع، ومركز مدد للحقيقة، على هذه الأرض. قاموا جميعا بتأدية الرسالة، وأصبحوا بذلك قياما واحدا، وبنيانا واحدا، هو معنى رسول الله. وأصبح كسب الإنسان على هذه الأرض هو من خلال صلة الإنسان برسول الله فعبر القوم عن هذا المفهوم بقولهم:( فكان غيبا من غيبك وبدلا من سر ربوبيتك حتى صار بذلك مظهرا نستدل به عليك). وكما نتذاكر دائما فإن كل كلمة موجهة إلينا، يجب أن تتحول الى قيام فينا، وإلا أصبحت كلمة مثل أي كلمة نرددها ولا نستفيد منها. الفائدة الحقيقية هي فيما يؤمن به الإنسان، ويقوم فيه. يريد أن يصل لهدفه ولقبلته، ولمقصوده، ولأعلاه (سبح اسم ربك الأعلى الذي خلق فسوى والذي قدر فهدى والذي أخرج المرعى فجعله غثاء أحوى….. وذكر اسم ربه فصلى). إنا نريد، ونطلب، وندعو أن نحول كل كلماتنا الى طاقة في قلوبنا، تدفعنا الى طريق الحق والفلاح، تدفعنا الى الصلاح، تدفعنا الى العمل الصالح، الى القيام الصالح، الى القيام الذي نهيئ فيه وجودنا لنفحات الله، ولرحمات الله، ولفيوضات الله. نقوم حقا في تفكر، وتدبر، وتذكر في آيات الله، وفي خلق الله (الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السموات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار). ندرك أن وجودنا له هدف، وله مقصود، وله رسالة. وعلينا أن نؤدي الرسالة، وعلينا أن نقوم بما أودع الله فينا من أمانة، أمانة الحياة لا نفرط فيها، فهي حياتنا، وهي نجاتنا، وهي طريقنا، وهي معراجنا. أمانة الحياة التي أودع الله فينا (إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا). قبل أن يحمل الإنسان هذه الأمانة لم يكن شيئا مذكورا (إنه كان ظلوما جهولا). كان مصيره الظلام، وكان مصيره الجهل. كان مثل أي كائن آخر يدور في فلك الحياة، من صورة الى صورة، دون أن يكون له قيام مميز. إن الإنسان على هذه الأرض هو الكائن الوحيد الذي له كيان مميز، بعد أن حمل الأمانة، بعد أن نفخ الله فيه من روحه، بعد أن صوره، فأحسن تصويره، وبعد أن خلقه فأحسن خلقته. إن الإنسان كائن مميز في هذه الأرض، وبعد هذه الأرض (إني جاعل في الأرض خليفة) (خلق الله آدم على صورته) (ما ظهر الله في شيء مثل ظهوره في الإنسان). بهذا حمل الإنسان الأمانة، بهذه الأمانة يستمر في معنى الإنسان، وبتفريطه في هذه الأمانة يرجع ظلوما جهولا، لا وجود له، ولا قيمة له، ولا كيان له. يدخل في دورة الحياة، ما بقى فيه من طاقة يرجع الى مصدر آخر، ويدخل في إعادة تأهيل، وتشكيل بقانون الله الذي أحكم، والذي أوجد (فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة أعدت للكافرين). وما كان التعبير عن النار في كل آيات القرآن إلا تعبيرا عن هذه الحقيقة، بصور مختلفة، وفي مقامات مختلفة. وما كانت الجنة إلا تعبيرا عن قيام الإنسان بأمانة الحياة فيه، في معراج أعلى، وفي وجود أكرم، وأفضل، وأجمل. يقوم فيه الإنسان في معنى العبودية لله، بأمانة الحياة التي حملها، وصانها، وحافظ عليها ولم يفرط فيها. استقام في طريق الله، وطبق قانون الحياة، فنمت هذه الأمانة فيه، فجعلته إنسانا آخر، وخلقا آخر، ووجودا آخر، أكثر رقيا، وأكثر جمالا، وأكثر ارتقاء في معراج لا ينتهي…”
تعليق:
بدأ الحديث بتوضيح عن الهدف من التواجد الدائم للرسل والأنبياء لكشف قانون الحياة والتذكير به. ثم تتطرق إلى أمانة الحياة التي حملها الإنسان والتي هي محور أساسي من قانون الوجود. تعرض الحديث أيضا إلى تأمل في معنى النار والجنة وعلاقته بفشل الإنسان أو نجاحه في تحقيق هدف وجوده المدرك له.
مفاهيم دالة :