٢-١-الانسان في أسفل سافلين
المفاهيم تحت هذا الموضوع أغلبها إن لم يكن كلها هي الصفات التي تؤدي بالإنسان إلى الارتداد إلى أسفل سافلين. يتكون هذا الجزء من عشرة مفاهيم توضح هذه الصفات. بدأت بالمفاهيم التي تحتوي على فقرة واحدة وكل مفهوم منها يمكن اعتباره صفة من الصفات التي أشرنا إليها في بداية الفقرة. وهذه الأربع صفات هي: التجمد وعدم طلب التغيير، تثاقل الإنسان الى الأرض، يرى نفسه أنه الأفضل، انحراف الإنسان عن الأمر الوسط. المفاهيم التي تحتوي على أكثر من فقرة سوف يتم توضيح أبعاد كل صفة في الموضوع الفرعي الخاص بها. إذا استطاع الإنسان أن يعالج هذه الصفات التي تعبر عنها هذه المفاهيم يمكن أن يخرج من طريق الارتداد إلى أسفل سافلين.
٢-١-١-التجمد وعدم طلب التغيير
اللهم إنا نمر في هذه الأيام في حال وفي مجتمع اختلطت به المفاهيم وكثر الجدل كل متمسك بما هو فيه لا يرجو تغييرا، ولا يسأل توجيها، ولا يطلب نصحا، ولا يستمع لقول، ولا يتجه لرب، ولا يتوسل بجاه رسول، ولا يأتلف على أخ له في الله لوجه الله قاصدا، ولعلاقة في الله أكبر طالبا. تدانت المطالب واتجهت كلها إلى ما ترجو نفسه، وما تشتهي ذاته، ناسيا ربه، ناسيا حقه، ناسيا نوره… (١٩٧٦/٤/٢)
٢-١-٢-تثاقل الإنسان الى الأرض
فهل عرف الإنسان وجوده الذي يبقى، وشعر به وقامه، وتعامل به وسلك، وتحدث عنه وأكبر، وأمل فيه وعظم، وجاهد من أجله وحارب، وزاد عنه ودافع، أم أنه لم يراه، ولم يعرفه، ولم يشعر به إطلاقا، لم يشعر إلا بذات تتثاقل، وبرغبات تتزاحم، وبدنيا تتكاثر، لم يشعر إلا بالدنيا، ونسى وجوده الحقي، لم يشعر به أو يراه. (١٩٧٨/٨/١١)
٢-١-٣-يرى نفسه أنه الأفضل
إن أغلب الناس يرون أنفسهم الأفضل في كل زمان وفي كل مكان، بما في هذه النفوس من ظلام وكبرياء وتكبر. فإذا نظرنا الى حالنا نظرة متأملة صادقة لنصلح ما فينا، لنقوم أمرنا، لنعكس ما نراه في خارجنا الى داخلنا، فما نراه في الناس هو فينا، وما نراه في التاريخ هو فينا، بما في نفوسنا من ظلام.. (١٩٨٥/٤/١٢)
٢-١-٤-انحراف الإنسان عن الأمر الوسط
… نجد أن الكثيرين جعلوا أهدافهم أهدافا مادية محدودة، لأنهم فقدوا الثقة في أي أهداف أخرى، يخبرهم عنها رجال الدين. نجد أن الكثيرين بفقدهم لثقتهم في رجال دينهم، وجدوا أن الطريق الذي عليهم أن يتخذوه هو طريق دنياهم وعاجلتهم. كما نجد على طرف النقيض، أن هناك الذين تطرفوا في مفهومهم في دينهم، وفي علاقتهم بربهم، فتركوا دنياهم، وتركوا أسباب حياتهم، وظنوا أنهم يوم يتجهون بعباداتهم لربهم أنه سيتكفل بهم وبأحوالهم، وإذا لم يحدث ذلك، لم يفيقوا إلى أسباب الحياة، وإلى قانون الله. لم يدركوا أنهم خرجوا عن هذا القانون، إنما يقولون سنزيد من هذا التطرف في مفهومنا، وفي عباداتنا، حتى يصلح الله أحوالنا. والذين ينتسبون الى ما يدعون أنه الوسطية، لا يتركون أمور دنياهم، ويمارسون طقوس دينهم بشكلية وحرفية، ويفرقون بين الدين والدنيا، فيعتقدوا أن الدين محصور في عباداتهم، وفي ظاهر معاملاتهم، وفي إقامة الشكل المناسب لشرعهم، وينتهي الدين عندهم عند ذلك. الدنيا عندهم هي أي عمل يؤدونه بحرفية شديدة، فليس عندهم دافع حقي أن فعلهم في دنياهم هو عبادة لله… (٢٠٠٣/١٢/٥)
٢-١-٥-كنود الإنسان
كنود الإنسان يمكن أن نفهمه على أنه عدم تقدير الإنسان لما أعطاه الله من نعم وقدرات. الفقرتان التاليتان متشابهتان إلى حد كبير ويمكن ضمهما معا ليعبران عن أن بداية جهاد الإنسان لنفسه أن يشهد كنوده لربه وحبه الشديد للدنيا حيث يرى فيها الخير كل الخير.
… هذا هو الإنسان في مراحله المختلفة وفي أطواره المتعددة من كنود يشهده، ومن خير يحبه، ومن أمل ينشده. فهل نظر كل الى أعماقه، هل نظر كل الى ما يدور في داخله من فكر وإحساس وتساؤل عن كنه وجوده، وعن قائم حاله وسلوكه، ونظر الى إخوانه مرآة صدق يرى فيها أحواله شاهدا فيهم طريقه… (١٩٧٧/٨/٥)
إن الإنسان لربه لكنود وإنه على ذلك لشهيد وإنه لحب الخير لشديد. حين نتأمل في هذه الآيات وننظر الى نفوسنا نعرف أن هذه الآيات تصف حال الإنسان في بداية سلوكه، وفي بداية إفاقته، فندرك أن علينا أن نسلك طريق الحق والحياة وأن نجاهد أنفسنا… (١٩٨٩/١٢/٢٩)
٢-١-٦-طغيان الإنسان بالاستغناء
طغيان الإنسان بالإستغناء له نتيجتان. النتيجة الأول أنه يزداد تثاقله إلى الأرض يوم لا يعرف له أعلى. والنتيجة الثانية أنه ييسر للعسرى فلا يكون أهلا لرحمة الله.
٢-١-٦-١-يزداد تثاقل الإنسان إلى الأرض يوم لا يعرف له أعلى
… أما الإنسان بنفسه فهو الى الأرض يتثاقل، كلا إن الإنسان ليطغى أن رآه إستغنى1 إن الى ربك الرجعى2، إنه يطغى يوم يعتقد أنه قد إستغنى، يوم لا يعرف له أعلى، يوم لا يرتضي له ربا، لا يعرف ولا يريد أن يعرف أنه ما خلق إلا ليرجع الى ربه في قادم أمره… (١٩٧٧/٨/١٩)
٢-١-٦-٢-ييسر الإنسان للعسرى فلا يكون أهلا لرحمة الله
… وأما من بخل واستغنى، أما من لم يعطي ولم يعرف كيف يعطي، ولم يعمل بما أعطاه الله، وبما وهبه الله من عطاء وأسرف على نفسه، ولم يرى عطاء الله له، لم يرى كيف يكون مجاهدا باذلا ساعيا ذاكرا عاملا، إستغنى عن معاني الحق إليه، عبد نفسه، وعبد وجوده، مستغنيا عن أعلاه، مكذبا بما هو أحسن، بما هو أفضل، بما هو أقوم، طلب العاجلة وقام فيها، ولم يدرك أن وراءها لوعرف، يجب أن يكون مقصوده وجه لله، وكسبا في الله. يكون بذلك قد كذب بالحسنى3 وييسره للعسرى4، لن يكون أهلا لرحمة الله، ولا لإصطفاء الله، ولا لأن يصبر رسول الله نفسه معه… (١٩٨٨/١٢/٢)
٢-١-٧-يحكم على الناس بالظن
الحكم على الناس بالظن يؤدي إلى نتائج سلبية خطيرة على الإنسان وعلى المجتمع ولذلك فيجب أن يراجع الإنسان نفسه في أي حكم. الفقرة الأولى تبين أن حكم الإنسان يجب أن يقوم على ما يحيط به علما يقينيا وعلى ما يراه بعينيه ويسمعه بأذنيه ويدركه بعقله. الفقرة الثانية توضح أن البعض يحكم على الناس بما فهمه بعض السابقين من آيات الله ويظن أن ما يحكم به هو حكم الله مع أنه لا يستطيع أحد أن يعرف على وجه اليقين ما هو حكم الله.
٢-١-٧-١-حكم الإنسان يجب أن يقوم على ما يحيط به علما يقينيا
إن على الإنسان أن يفرق بين حكمه على نفسه، وحكمه على الآخرين، فآداب دين الفطرة تعلمه أن يحكم على الناس بالظاهر، لا لشيء إلا لأن هذا هو معنى الاستقامة بالنسبة له، والظاهر هو ما يحيط هو به علما، الظاهر هو ما هو منه على يقين حقا، الظاهر هو ما يعلمه ويشهده، ويراه بجوارحه، يراه بعينيه، ويسمعه بأذنيه، ويدركه بعقله مسببا بأسباب محيط هو بها، وليست أسبابا من خياله أو ظنه… (١٩٨٣/٣/١١)
٢-١-٧-٢-يظن الإنسان أن ما يحكم به هو حكم الله مع أنه لا يستطيع أن يعرف على وجه اليقين ما هو حكم الله
ظهرت جماعات كثيرة تعبد الله على حرف. فتجيء جماعة وتردد الآية (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون5)، ويحاولون أن يصبغوا على هذه الكلمات ما ليس فيها من أبعاد حقية، فيبترونها ويقفون عند مفرداتها، ويطبقونها على مجتمعاتهم، ويكفرون حكامهم، ويكفرون كل فرد في المجتمع، لا يفعل في نظرهم ما أمر الله كما يعتقدون. وليس هذا هو المعنى الوحيد، الذي يمكن أن يفهمه الإنسان منها. لأننا يمكن أن نفهم أن حكم الله هو قانون الحياة، ومن لم يتبع قانون الحياة، فلن يتقبل منه. الذي لا يسقي زرعا لن ينمو زرعه، والذي لا يعرض وجوده لنفحات الله لن يتطهر قلبه، فهذه قضية عامة تشمل كل مناحي الحياة. الذي لا يعرف قانون الله لن يكسب في الله، وهذا هو الكفر، لأن الكفر ليس مجرد صفة تنسب لإنسان لمجرد كلمات يقولها، وإنما لأن أفعاله وتصرفاته وسلوكه لا تؤدي به الى النجاة، وهذه زاوية أخرى لفهم الآية … (٢٠٠٣/٥/٩)
٢-١-٨-حب الدنيا
حب الدنيا سبب من أسباب اتجاه الإنسان إلى أسفل. يتجلى حب الدنيا في سلوكيات الإنسان كما توضحها الفقرات التالية. يستبدل ما هو خير بما هو أدنى متخليا عن المثل العليا. يتخذ الطاغوت وليا طمعا في الدنيا. ينسى جوهر قيامه وهدف خلقه. يصبح الدين جزءا من مادي وجوده.
٢-١-٨-١-يستبدل الإنسان ما هو خير بما هو أدنى متخليا عن المثل العليا
إنا في زمان ظهرت الدنيا فيه ظهورا، تزينت للناس فكانت في أبهى صورة، فتابعها الناس منقادين لها، متخلين عن علي قيامهم وآجل وجودهم، مستبدلين ما هو خير بما هو أدنى، إلا من رحم الله وجعل له مخرجا.. (١٩٧٨/٨/١٨)
فمن آثر الحياة الدنيا، من كانت الحياة الدنيا في قلبه، من كان عبدا للحياة الدنيا، فهو للحياة الدنيا، والحياة الدنيا فانية… (١٩٨٧/٢/٦)
٢-١-٨-٢-يتخذ الإنسان الطاغوت وليا
… نتذاكر بيننا أن الذين آمنوا وليهم الله وأن الذين كفروا وليهم الطاغوت6. نتذاكر بيننا أن نكون حقا من الذين آمنوا، الذين نزعوا ما في قلوبهم من حب لمادي قيامهم، وزرعوا بدلا منه حبا لربهم فكان الله وليهم، ولم يعرفوا الطاغوت أبدا وليا لهم. إن الناس يتصارعون، وفي صراعهم يتدانون، لأن صراعهم على دنيا رأوها ربا لهم، وعرفوها أملا لهم، وارتضوها مقصودا لهم، فجذبتهم لأدنى نفوسهم، جذبتهم لغرائز أجسادهم، ولشهوات أبدانهم، فنسوا الله ربا، وعرفوا الدنيا إلها.. (١٩٨١/٨/٤)
المؤمنون وليهم الله، والذين كفروا وليهم الطاغوت. فالعمل الصالح لا يصدر إلا من إنسان صالح، فلتكون من الذين يعملون الصالحات، عليك أن تصلح نفسك وأن تكون من الذين آمنوا.. (١٩٨٩/١٢/٢٩)
٢-١-٨-٣-ينسى الإنسان جوهر قيامه وهدف خلقه
إن الناس على هذه الأرض يضعون الدنيا هدفهم، والغلبة فيها مقصودهم. نسى الناس أساس دينهم، وجوهر قيامهم، وسر خلقهم، وهدف وجودهم، وأمل قيامهم. نسوا أن الدين دعوة إنسان لإنسان، دعوة حق لطالبه، ودعوة صلاح لراغبه، ودعوة طريق لطارقه… (١٩٨١/١٢/١٨)
٢-١-٨-٤-يصبح الدين جزءا من مادي وجود الإنسان
ينظر الى نفسه فيجدها في الدنيا لاهية، لعاجل أمرها به متمسكة، في حركة الدنيا سائرة. وينظر الى الناس حوله فيجدهم على مثال منه في فلك الدنيا سائرون متحركون، لها يعبدون، ولها يقدسون، ولها يقدرون، ولها يكبرون، وعليها يتصارعون. وفي صراعهم معاني الحق فيهم يفقدون، وقيام الحياة بهم ينسون. ويرى الناس وهم عن الدين يتحدثون، دينهم جزء من مادي قيامهم، ومن ظاهر حركتهم، لمناسكه بأجسادهم يؤدون، وبعصبية به يتمسكون، ولمصالح مادية يقدرون، وللسلطان يطلبون، ولجاه الدنيا يعبدون. دول تتصارع على الدنيا وما فيها، والدين عندهم هو أداة كسب، وأداة تميز لوجودهم كجنس وكعنصر… (١٩٨٦/١١/٢١)
٢-١-٩-المنع إذا مسه الخير والجزع إذا مسه الشر
هذا سلوك إنساني له تأثير سلبي على رقي الإنسان. الفقرات التالية تبين الأبعاد المختلفة لهذه السلبيات وطرق علاجها. البعد الأول هو أن أنه كما خلق الله في الإنسان من صفات تعيقه عن النمو الروحي فإنه قد أعطاه قدرة على تغييرها، وعملية التغيير هذه مطلوبة لرقيه. البعد الثاني يربط بين من لا يستجيب لداعي الحق وبين عدم إعمال ما أعطى الله الإنسان من نعم وهذا نوع من منع الخير عن نفسه.
٢-١-٩-١-كما خلق الله في الإنسان من صفات تعيقه عن النمو الروحي فإنه قد أعطاه قدرة على تغييرها
… وأخبر الله الإنسان عن أحواله التي عليه أن يقومها (إن الإنسان خلق هلوعا إذا مسه الشر جزوعا وإذا مسه الخير منوعا إلا المصلين7) … (١٩٨١/٤/٣)
… دين الحق يصف له سلوكه، ويصف له وجوده، ليتعلم الإنسان من هذا الوصف. ليعرف أنه إذا كان قد خلق في حال فهذا هو قانون الحياة، وليصبح في حال آخر عليه أيضا أن يتبع قانون الحياة. فنرى هذه الآيات التي تصف حال الإنسان (إن الإنسان خلق هلوعا إذا مسه الشر جزوعا وإذا مسه الخير منوعا إلا المصلين8) حين نتأمل في هذه الآيات وننظر الى نفوسنا نعرف أن هذه الآيات تصف حال الإنسان في بداية سلوكه، وفي بداية إفاقته، فندرك أن علينا أن نسلك طريق الحق والحياة وأن نجاهد أنفسنا.. (١٩٨٩/١٢/٢٩)(١٩٩٩/٩/١٠)
٢-١-٩-٢-لا يستجيب الإنسان لداعي الحق ولا يعمل ما أعطاه الله من نعم
… وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا، بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا، في دوام فاعلون بظن دين، وبظن يقين، وبظن طريق قويم. فأين هو الدين يا من تعلمون الدين؟ أين هو الدين في قلوبكم، وفي عقولكم، وفي نفوسكم، وفي فعلكم وعملكم، وفي استقبالكم لقضاء الله بكم، وفي رضائكم بحياتكم؟ أين هم الناس؟ أين هو الإنسان؟ أين هو عبد الرحمن؟ أين هو المستعيذ من الشيطان؟ أين هو طالب الإحسان؟ هل وجدتموه في قلوبكم، وفي حياتكم وسلوككم، وفي تفاعلكم مع ظاهر أمركم؟ … (١٩٨٢/٣/٢٦)
وأما من بخل واستغنى، أما من لم يعط ولم يعرف كيف يعطي، ولم يعمل بما أعطاه الله، وبما وهبه الله من عطاء وأسرف على نفسه، ولم ير عطاء الله له، لم ير كيف يكون مجاهدا باذلا ساعيا ذاكرا عاملا، استغنى عن معاني الحق إليه، عبد نفسه، وعبد وجوده، مستغنيا عن أعلاه، مكذبا بما هو أحسن، بما هو أفضل، بما هو أقوم، طلب العاجلة وقام فيها، ولم يدرك أن وراءها لو عرف، يجب أن يكون مقصوده وجه الله، وكسبا في الله… (١٩٨٨/١٢/٢)
٢-١-١٠-يتمسك بقشور الدين
التمسك ببعض المظاهر الدينية قد يؤثر سلبا على الإنسان إذا زاد عن حد معين. سوف نحاول أن نلقي الضوء على بعض هذه المظاهر. التمسك ببعض الأقوال بحرفية شديدة دون محاولة فهم الجوهر. اتخاذ السلف أربابا من دون الله. التركيز على المسائل الشكلية وترك القضايا الخاصة بوجود الإنسان وعلاقته بربه. عدم إعمال العقل بظن إيمان. التمسك بشكل العبادات دون النظر في مقاصدها. عدم الاهتمام بالتفكر والتدبر بخلق السماوات والأرض. ظن بعض الناس أن عبادة الله تعني ترديد بعض الأدعية، وأداء مناسك، وتقليد أشكال وحركات لسيدنا محمد (صلعم)
٢-١-١٠-١-التمسك ببعض الأقوال بحرفية شديدة دون محاولة فهم الجوهر
… ولكنا غفلنا عن معاني الحياة في ظل أحداث الحياة المتلاحقة، وما أخذنا من الدين إلا القشور، وتركنا الجوهر، تركنا المعاني الحقية، فأصبحنا ظاهرا بلا باطن، وقشرة بلا جوهر، لا أساس لنا، ولا رسوخ للعلم عندنا، إلا أقوالا نتداولها، وكتبا نتناقلها، وحروفا نرسمها، وأقوالا نرددها، وأحاديثا نسترجعها، كآلات تنقل ولا تعي، تحفظ ولا تدرك… (١٩٨٥/٤/١٢)
الدين فيه معان عميقة تجمع القلوب وتدعو الإنسان أن يسلك الصراط المستقيم، ولكن الناس وقد أخذوا من الدين قشرته، ورفضوا قلبه ولبه، ونحن نتساءل هل يمكن لهذه المعاني العميقة أن تكون هي حال الناس بدلا من قشور اخذوها، وكلمات عبدوها.. (١٩٩٢/١/١٧)
.. الذين لا يستوعبون ما يذهب إليه البعض، من تفسير شديد الحرفية، فيه غلو، وفيه رؤية أحادية، يريدون أن يبعدوا الدين تماما، لأن الدين بالنسبة لهم، هو أفكار هؤلاء الذين استقوها من مصادر قديمة، ورأوا فيها أنها الدين، كل الدين. والجانب الآخر، يرى في هذه الأفكار، المستقاة من هذه المصادر، ذات الرؤية الأحادية، أنها الحق كل الحق، مستخدمين آيات الله في غير موضعها، وغير مدركين لمقاصدها. وهناك من يريدون أن يوفقوا بين هذا وذاك، والرؤية غير واضحة لديهم. فهم في داخلهم، بمنهجهم، ربما يميلون إلى هذه النظرة الأحادية، ولأنهم يرون أن المجتمع رافض لهذه النظرة، فإنهم يحاولون أن يأخذوا مواقف وسطية مرحلية. وقد يقولون إن المجتمع غير صالح، لتطبيق هذه المفاهيم، فعلينا أن نأخذ وقتنا، حتى نحوله، ثم نطبق هذه المفاهيم. (٢٠١١/٤/٨)
هناك اتجاهان ظهرا على هذه الأرض، الاتجاه الأول يتذوق معاني الدين محبا للحياة ولكل الكائنات، يسأل الخير له ولكل كائن فيه ذرة حياة، وإتجاه آخرلم ير من الدين إلا كلمات محدودة، يقرأها قراءة حرفية، ينظر إليها ككلمات جامدة ويظن أنه باتباعه لهذا الجمود، يكون أكثر إيمانا. قام ويقوم كل إتجاه بدوره فإتجاه الجمود يحفظ الشكل ليتأمل فيه التيار المتأمل المتذوق لهذا الشكل… (٢٠١٢/١٢/٢٨)
٢-١-١٠-٢-اتخاذ السلف أربابا من دون الله
نفوس الناس المظلمة فى كل زمان وفى كل مكان تحب أن تخلق الأصنام وتعبدها، وأن تتبع ما لا يعقل، وأن تقول هذا ما وجدنا عليه آباءنا، وإنا على آثارهم مقتفون إلا من رحم الله، وإلا من كان قلبه حيا بنور الله فإنه لا يرضى بذلك، وينشد الحق ويبحث عنه فى كل مكان وزمان.. (١٩٩٢/٧/١٧)
الناس يرون الدين الآن صورا وأشكالا، زمانا ومكانا، وعلينا أن نتعلم كيف نقرأ آيات الله، وكيف نقرأ أحاديث رسول الله صلوات الله وسلامه عليه، لأننا لم نتعلم كيف نقرأ، وإنما تعلمنا فقط كيف نقف عند الحروف والأشكال، وكيف نحول كل قول الي وثن وصنم، وهذه طبيعة الإنسان ببشريته المظلمة الجاهلة الظالمة. كان في قديم ينحت الأصنام من الحجارة، والآن ينحت الأصنام من الكلمات. نحن نعيش في مجتمعنا جاهلية جديدة، نحتاج أن نعود الى إسلامنا، والى كتاب الحق بيننا، لنتعلمه ولنقرأه. إنا في حاجة الى دعوة الى الإسلام بمعناه الحقيقي، الذي يخرج الإنسان من الظلمات الى النور، ومن الجهل الى المعرفة، ومن الباطل الى الحق.. (٢٠٠٤/١٠/٢٩)
٢-١-١٠-٣-التركيز على المسائل الشكلية وترك القضايا الخاصة بوجود الإنسان وعلاقته بربه
نحن حين نتأمل فى تاريخنا نجد أن الفقهاء والعلماء قد ركزوا في بحوثهم وفى كتبهم ومذاهبهم على المسائل الشكلية التى لها علاقة بحياة الإنسان اليومية. وهذا جانب من الجوانب التي يجب أن يتأمل فيها الإنسان، ولكنها ليست كل الجوانب. فهناك قضايا أخرى يجب أن يتأمل فيها المسلم، وأن يتفقه في مضمونها. من هذه القضايا: قضية وجود الإنسان، قضية علاقة الإنسان بربه، قضية علاقة الإنسان بكونه، قضية ما سيئول إليه الإنسان، قضية ما كان عليه الإنسان، قضية ما هو الإنسان كائن عليه اليوم، قضية خلق الإنسان، ولماذا خلق الإنسان، قضية ما أمر به الإنسان، ولماذا أمر به. كل هذه القضايا لا يرى الناس فيها إلا قولا واحدا وهذا القول هو أننا أمرنا ويجب أن نفعل، ولا يجب ان نفكر. إن هذا القول وإن كان يريح الكثيرين الذين لايريدون أن يعملوا أو أن يفكروا أو أن يتدبروا، وهم الكثرة إلا أنه يقلق الكثيرين أيضا وقد يكونون أقل عددا… (١٩٩٦/٤/١٢)
٢-١-١٠-٤-عدم إعمال العقل بظن إيمان
بعض الناس يعتقد أن عبادة الله هي في طاعة جسدية عمياء دون تفكر وتدبر وتعلم. وكثير من الذين ينتسبون الى العلماء يقولون إن عليك أن تفكر الى أن تؤمن بالله وتؤمن بأن هذا كتاب الله وبعد هذا لا تفكر. فهل هذه هي عبادة الله؟ هل هي هذه عبادة الأحرار، عبادة العلماء، عبادة الأتقياء؟ إنهم لا يفرقون بين الطاعة وبين أن ينظر الإنسان الى ما يقوم به في طاعته، وماذا نتج عنها. هل هو أطاع فعلا ؟ وهل الطاعة هي شكل وصورة؟ ما هي الطاعة؟ وكيف تكون الطاعة؟ هذا هو السؤال. لأن الطاعة لا تتعارض مع فكر، مع علم، مع بحث، مع مراقبة للنفس، مع تقويم لما يقوم به الإنسان وتقييم له… (٢٠٠٢/٢/١)
٢-١-١٠-٥-التمسك بشكل العبادات دون النظر في مقاصدها
إن الناس ينظرون الى الدين كجانب يختص فقط بشكل العبادات، وبأماكنها، وبمواقيتها. ويتعمقون في هذا الشكل بصورة مغالى فيها، ولا مانع من ذلك، ولكن لا يجب أن يكون على حساب التعمق في المضمون، والنظر الى الجوهر، والى ربط حياة الإنسان الحاضرة بحياته الأخروية. وألا يقتصر هذا الربط على الجانب التعبدي، وإنما كل شيء في حياة الإنسان هو مرتبط بحياته الأخروية، وهذا هو الإسلام في صورته الحقيقية، التي ربطت الإنسان بكل وجوده، مع امتداد حياته، ومع استمراريتها… (٢٠٠٥/٣/٤)
٢-١-١٠-٦-عدم الاهتمام بالتفكر والتدبر بخلق السماوات والأرض
… الذين يذكرون الله حقا قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والأرض يجب أن يكون راسخا عندهم أن ربهم ما خلق هذا الوجود باطلا9، وما خلقهم باطلا، وما أوجد فيهم عقولهم باطلا، وما أوجد فيهم قلوبهم باطلا، وما وهبهم من قدرة على العمل باطلا، وكل ما أعطاهم لم يعطه لهم باطلا، حتى ما أوجد فيهم من رغبات وشهوات ما أوجده فيهم باطلا، إنها حكمته، وإنها إرادته. لكن كثيرا من الناس يرون أن وجودهم باطل وكل ما يحدث حولهم باطلا.. (٢٠٠٦/١٠/١٣)
٢-١-١٠-٧-ظن بعض الناس أن عبادة الله تعني ترديد بعض الأدعية وأداء مناسك وتقليد أشكال
كما تعلمنا في ديننا أن كل هذه الأوامر هي لنفكر فيها ولنتأمل فيها ونتدبرها، لا أن نجسدها أو نجمدها، وإنما لنتعلم منها ونقرأها. ولكن نفس الإنسان في أي مكان على هذه الأرض تريد أن تخلق أوثانا وأصناما. ووجدنا في أسلافنا من يريد أن يضيف الى هذه المناسك صورا جديدة، وأشكالا جديدة، يقدسها ويختلف حولها لأن النفس البشرية بظلامها وبسريان الشيطان فيها تريد أن توثن وتصنم وتجمد وتعبد شكلا واحدا. لا تريد أن تفكر أو أن تتأمل وتتدبر… (٢٠٠١/١/٢٦)
حين ننظر حولنا نجد أن الكثيرين قد وصلوا إلى ظنون مختلفة في الله. الغالبية العظمى كما نراهم حولنا ظنوا في الله أنه يريدهم أن يرددوا كلمات، وأن يؤدوا، دون وعي ودون فهم. هذا ظنهم في الله. وظنهم في رسول الله أنه يريدهم أن يقلدوه في الشكل، وفي الحركة، أن يأخذوا كلماته حرفية شكلية… (٢٠٠٧/٢/٢٣)
٢-١-١٠-٨-استخدام لآيات الحق، بصورة ملتوية
وما يحدث، هو نتيجة طبيعية، لما مررنا به من أحداث، سواء في مجتمعنا، أو في المجتمعات حولنا. مفاهيم قديمة، لم تكن ظاهرة، بدأت في الخروج مرة أخرى، تراكمات من الماضي، وتكرار لأحداثه. فآفة أمتنا، وما أصابها في بداياتها، من استخدام لآيات الحق، بصورة ملتوية، كما قال الإمام علي ــ كرم الله وجهه ــ (كلمة حق يراد بها باطل10). على مر العصور، ظل هذا الاختلاف موجودا في مجتمعاتنا، مسببا لنزاعات ولحروب ولصراعات، في المجتمع الواحد، وفي الأمة الواحدة، ولازال الناس مختلفين، يتأرجحون بين هذا وذاك. (٢٠١١/٤/٨)
Footnotes
-
العلق: ٦ ↩
-
العلق: ٨ ↩
-
الليل: ٩ ↩
-
الليل: ١٠ ↩
-
المائدة: ٤٤ ↩
-
البقرة: ٢٥٧- الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون ↩
-
المعارج: ١٩-٢٢ ↩
-
المعارج: ١٩-٢٢ ↩
-
آل عمران ١٩١ ↩
-
كلمة وردت من الإمام علي في أثناء حديث رواه عن الرسول وأخرجه مسلم ↩