أحاديث الفترة من ١٩٨٦- ١٩٩٠
٧٣ - تواجدنا في زمان وفي مكان هو تقدير العزيز الحكيم لحكمة أرادها لنا
تاريخ الحديث: ١٩٨٦/٩/١٩
”… إن تواجدنا في هذا الزمان وفي هذا المكان هو تقديرالعزيزالحكيم لحكمة مرادة بنا لخيرنا ولكسبنا. جعل لنا في وجودنا إرادة الحياة، بنعمة العقل والقلب، وجعلنا نتفاعل مع الحياة فيما يقع علينا من أحداث، وفيما نريد من فعل بتفاعلنا مع الناس وتفاعلنا مع الطبيعة. فكانت الحياة التي نعيشها، والتي نتواجد في رحابها، تخلق وجودنا وحياتنا بإرادة الله (وما تشاءون إلا أن يشاء الله). فتجلت إرادة الله بالناس فأوجدوا بيئة لوجودهم وأسلوبا لحياتهم، وتجلت إرادة الله بالطبيعة فهيأت للناس ما أراد الله لهم. وها نحن اليوم نعيش في مجتمع هو نتاج لأعمالنا، ونتاج لأعمال من يحيطون بنا، فكان ما كان، وأصبحنا فيما نحن فيه قائمون غافلين عن الطريق القويم، وعن الأسلوب المستقيم، في أبسط أمور حياتنا، وفي نظام معيشتنا، وتنظيم علاقاتنا، وإدارة مجتمعنا. إعتل جسد مجتمعنا، فأصبح وسطا غير صالح لنمو الحق والحياة، وأصبح وسطا مهيأ لكل ماهو طالح. إن قوانين الحياة تعلمنا كيفما تكونون يولي عليكم، وتعلمنا حين ننظرالي الطبيعة فتجد أنك حين تهيء وسطا نظيفا طاهرا لا تنمو في هذا الوسط أي نوع من الكائنات التي تحارب وجود الإنسان بما تنقله إليه وما تسببه من مرض لوجوده المادي. أما إذا أهمل الإنسان في تهيئة هذا الوسط الصالح فهو معرض لكل هذه الكائنات التي تعطل من مسيرته علي هذه الأرض. فكذلك هو حال المجتمع حين ينحرف عن الجادة، ويعلو صوت الظلام، وتعلو شهوات الإنسان في عاجل أمره، دون النظر الي الهدف من وجود الإنسان، دون النظر الي القيم الحقية في أبسط صورها من إلتزام بصفات يعرف الجميع في الشرق والغرب إنها الحق وإنها الحياة. إن الإنسان في أي مكان علي هذه الأرض يعرف أن الحق في الصدق وليس في الكذب، في أن تعامل الناس كما تحب أن يعاملوك به، أن تتقن عملك (إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه). إنها الفطرة في الإنسان ولكننا نبتعد عن هذه المعاني، ولو إلتزمنا بهذه المعاني في بساطتها لتغير حالنا ولتغير قيامنا ولتغير مجتمعنا. ولكن الناس في غفلة عن هذا بظنون متعددة، ومن هذه الظنون ظن الدين، يبحثون عن الدين، ويتشدقون بألفاظ من الدين، ولا يعرفون أن الدين في صلاح نفوسهم، وفي إستقامة أفعالهم، وفي مراقبتهم لأقوالهم، وفي إحترامهم لعقولهم، وفي دعوتهم لماهو أحسن (أدع الي سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة)(لا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن). دين كل صفة تري فيها الجمال، وتري فيها الإحسان، وتري فيها الحق، وتري فيها الخير. إن أي إنسان علي هذه الأرض يدعو الي الحق والخير، يدعو الي ما هو أحسن، والي ما هو أقوم، هو في دين الفطرة. إن الإنسانية والبشرية في حاجة لكل داع الي الحق والحقيقة، لكل من يدفع عن هذه الأرض كيد الظلام، وكيد الشيطان. إن الجهاد اليوم هو في أن تجاهد في سبيل إصلاح نفسك، وإصلاح مجتمعك بكل ما تملك وبكل ما تستطيع، لا تتواني أن تفعل شيئا تري فيه خيرا، وتري فيه صلاحا وإصلاحا وإن كان قليلا وإن كان صغيرا. إن الجهاد اليوم أن تجعل نفسك في الطريق القويم، وأن تنظر متأملا متفكرا متدبرا ماذا تستطيع أن تقدم لمجتمعك ولوجودك علي هذه الأرض…”
تعليق:
هذا الحديث يركز علي إن كل ما يفعله الإنسان وتواجده في مكان وزمان يؤثر علي تكوينه وعلي البيئة التي تحيط به. وقوانين الحياة تتماثل علي جميع المستويات. فالوسط الذي يخلو من الكائنات الضارة يسمح بنمو كل ما هو جميل، كذلك فإن الأعمال التي يتوافق الناس علي حسنها تخلق مجتمعا صالحا. ويضرب الحديث من الأمثلة ما يوضح هذا المعني.
مفاهيم دالة :
- ١-١-١٠-٣ التواجد المكاني والزماني للإنسان مرتبط بإرادة الله به
- ٣-٢-١٠-١ الحياة التي يعيشها الإنسان والتي يتواجد في رحابها تشكل وجوده وحياته بإرادة الله
- ٤-٢-١-٢ يدفع الإنسان بالذي هو أحسن على ما يراه
- ٤-٢-٣-١ يقدر وجوده ويتفاعل مع أحداث الحياة
٧٤ - أسباب تدني بعض المجتمعات وما يجب أن يفعله الفرد المتواجد في هذه المجتمعات حين يشعر بقلة حيلته في استخدام جوارحه لتغيير هذا التدني
تاريخ الحديث: ١٩٨٦/١٠/١٧
“…إنا في حال نشعر فيه بقلة حيلتنا، في مشهود أمرنا، وفي ظاهر إرادتنا، وفي ظاهر فعلنا. وقد تعلمنا في ديننا إنك خلقتنا، وخلقت لنا أسباب الحياة ، وجعلت لنا عقلا وفكرا، لننظر الي الأمور ونتأمل فيها، ونختزن التجربة ونستفيد منها. فكان العلم، وكانت الحياة، وأصبح الناس الذين يعرفون كيف يستفيدون من تجاربهم، ويتعلمون من فكرهم وتأملهم، ويسخرون أسباب الحياة حولهم لنفعهم وإرتقائهم، أفضل حالا في حياتهم المادية. أصبح هؤلاء الناس يعيشون في ظاهر أمرهم بصورة أفضل، يدركها كل إنسان بما أودع الله فيه من حس لما هو أفضل ولما هو أحسن. فنجاح الإنسان وكسبه ناتج من أن يتعلم ويتأمل ويجرب ليعرف السبب، وليعرف الأداة التي بها يغيرويبدل، فيسخر الطبيعة لخدمته ولإرتقائه، ظاهرا وباطنا. فإذا نظرنا الي حالنا، وحال المجتمع حولنا، ونظرنا الي ما أعطانا الله من أسباب، فوجدنانا بظاهر أمرنا، وبظاهر إرادتناعاجزين، فإنا نتجه الي ما تعلمنا في ديننا أن ليس هناك عجز كلي، وإنما هناك في كل حال ما يمكن به أن نغير، وما يمكن به أن نبدل وما يمكن به أن نصلح فلا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون. أما المؤمنون فهم في دوام بحث عما يفعلون، وعما يعملون، وعما بهم من قوة ليغيروا بها ما يستطيعون، وليصلحوا بها ما إعوج من أمرهم، ومن أمر مجتمعهم. فنظرتهم الي عجزهم، هي نظرة يعلمون بها أن هذه الأداة وهي مشهود إرادتهم وجوارحهم، ليست هي الأداة المناسبة لإستخدامها فيما هم فيه وفيما هم عليه، فيفتشون في وجودهم، وفيما تعلموا في دينهم، وفيما يستشعروه بحسهم، وفيما هو أحسن بفطرتهم، وفيما هو أقوم بخلقتهم، وفيما هو أجمل في نظرتهم. ينظرون في وجودهم، ويعكسون أبصارهم الي داخلهم، باحثين عن قدراتهم وعن قوتهم، مدركين أنهم ما تواجدوا في ظاهر أمرهم في مجتمع بهذه الصورة، أو في أي مجتمع بأي صورة، أو في أي حياة بكل صورة، إلاوبين أيديهم وفي داخلهم ما به يغيرون، وما به يبدلون. يتجهون الي قلوبهم ويعلمون أنهم بقلوبهم، ودعائهم، وصدقهم، وإخلاصهم في أعمالهم، يستطيعون الكثير يستطيعون أن يفعلوا ما لا تستطيع الجوارح أن تفعله. وقد شرع لهم دين الحق الدعاء والرجاء، فعلموا وعرفوا أنهم يملكون قوة لا يستهان بها،هي قوة قلوبهم وإرادتهم. إنا نتذاكر بهذه المعاني ليكون كل فرد منا عبدا لله خالصا، عنده قوة حق تسير في الوجود فتزهق الباطل. نتجه صادقين مجتهدين مجاهدين في سبيل الله لنكسب معني الحياة (لا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون). إن هذا المعني غير قاصر علي من حمل السيف، وإنما هو لكل إنسان صادق لا يخشي في الحق لومة لائم، لكل إنسان عامل، لكل إنسان عاش حياته مجاهدا بقلبه، ومجاهدا بلسانه، ومجاهدا بيده. من أراد معني الحياة فلا طريق له إلا طريق الله، ولا سبيل له إلا سبيل الله، ولا وسيلة له إلا أن يكون مقاتلا في سبيل الله، مستشهدا في سبيل الله. شهادة الإنسان في سبيل الله أن يظل مرابطا غير يائس إلي أن يفارق هذه الحياة، وهو يأمل في وجه الله وفي رحمة الله وفي قدرة الله، وفي أن يغير الله، وهو يدعو الله، ويتجه الي الله، غير مفرط في أمره، وغير مفرط في حقيقته، وغير مفرط في إنسانيته. إنه ديننا الذي فقدناه في مجتمعنا، لا نعرف منه إلا شكلا، ولا نعرف منه إلا رسما وكسما، ونسيناه سلوكا وجهادا لا ينقطع، وعملا لا ينقطع، ورغبة في الله لا تنقطع. ديننا الذي يبشرنا بمعني الحياة، وألا نعبد الدنيا وما فيها، ونعبد الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم. نقصد وجه الله ولا نقصد وجها سواه، نطلب الله ولا نطلب إلا الله، ولا نرجو إلا الله، ولا نسأل إلا الله، ولا نريد إلا الله، بشهادتنا لا إله إلا الله وبشهادتنا محمد رسول الله. إنا نريد قلوبا حية تتفاعل مع الحياة، وتغير وتبدل هذا الظلام الي خير ونور. نتذاكر بذلك لعلنا بقيامنا نكسب معني الحياة في تغييرنا لما يحيط بنا من ظلام الي نور، وما يحيط بنا من فساد الي صلاح،وما يحيط بنا من باطل الي حق…”
تعليق:
يقدم هذا الحديث شرحا لأسباب تدني مجتمعنا والمجتمعات المماثلة ويجيب علي تساؤل فيما يجب أن يفعل الفرد المتواجد في هذه المجتمعات حين يشعر بقلة حيلته في استخدام جوارحه لتغيير هذا التدني. كذلك يوضح الحديث أن الاستشهاد ليس فقط في ميادين الحروب وإنما في استمرار الإنسان في دعاء الله وعدم اليأس.
مفاهيم دالة :
- ١-١-١٢-١ استمرار الحياة بعد الموت هو لمن أفنى هذه الحياة الدنيا في سبيل الله
- ٢-٢-١٠-١ عاش حياته مجاهدا بقلبه وبلسانه وبيده
- ٣-٥-٢-١ يتعلم الإنسان ويفكر ويجرب ليعرف أسباب الحياة
- ٣-٥-٢-٢ يبحث الإنسان عن قدراته التي يغير بها مجتمعه
٧٥ - بداية فهم الإنسان لدينه هي في بحثه عن الحقيقة، في بحثه عن الحياة، في بحثه عن معبوده،
تاريخ الحديث: ١٩٨٦/١١/٢١
” إن كثيرين من الناس يسألون ماذا أنتم فاعلون؟ وماذا تقولون؟ وفيماذا تتذاكرون؟ ونحن نتجه أيضا الي أنفسنا وقلوبنا متسائلين عما نحن فيه قائمون، وما نحن عليه مجتمعون، وما هو حالنا وما هو هدفنا وما هو مقصودنا. ولنعرف الإجابة علي هذه التساؤلات علينا أن ننظر إلي قيامنا ووجودنا، ونتأمل في حالنا وسلوكنا. هذه التساؤلات هي قضية الإنسان في كل عصر، وفي كل مكان. قضية الإنسان يوم ينظر الي وجوده فيسأل وجوده عن أناه، وعن مأواه، يسأل وجوده عن معني الحياة، يسأل وجوده عن خلقه وقيامه في هذه الأرض. أين هو من هذه القوانين؟ وأين هو من هذه الحياة؟ ينظرالي نفسه فيجدها في الدنيا لاهية، لعاجل أمرها به متمسكة في حركة الدنيا سائرة. وينظر الي الناس حوله فيجدهم علي مثال منه في فلك الدنيا سائرون متحركون، لها يعبدون، ولها يقدسون، ولها يقدرون، ولها يكبرون، وعليها يتصارعون، وفي صراعهم معاني الحق فيهم يفقدون، وقيام الحياة بهم ينسون. ويري الناس وهم عن الدين يتحدثون، دينهم جزء من مادي قيامهم، ومن ظاهر حركتهم، لمناسكه بأجسادهم يؤدون، وبعصبية به يتمسكون، ولمصالح مادية يقدرون، وللسلطان يطلبون، ولجاه الدنيا يعبدون. دول تتصارع علي الدنيا وما فيها، والدين عندهم هو أداة كسب ، وأداة تميز لوجودهم كجنس وكعنصر. لا تقدير عندهم للإنسان ومابه من نعمة الحياة. لقد تحول الدين في أرضنا الي عصبية، إلي مصالح إقتصادية وسياسية وإجتماعية، مع أن الدين في جوهره هو دعوة للإنسان للنظر لنفسه، للنظر لقيامه، للنظر لعبوديتة لربه. ولو تأملنا في حقيقة أمرنا، وفي جوهر سلوكنا، لوجدنا أن الدين هو كل الحياة. ولكن بداية فهم الإنسان لدينه هي في بحثه عن الحقيقة، في بحثه عن الحياة، في بحثه عن معبوده، في بحثه عن ربه، في بحثه عن حقه، في بحثه عن وجوده. أين هو الآن من هذا الحق؟ وكيف يكون غدا في قيام أفضل؟ وفي وجود الي معني الحق أقرب ؟ وفي قيام أكرم وأعظم لمعني الإنسان ؟ فلننظر الي جمعنا، ولننظر الي طريقنا، لنعرف إنا هنا لمعني الحق فينا لاقينا، ولمعني الحق فينا أكبرنا، ولمعني الحق فينا قدرنا، وفتح الله لنا أبوابا للعلم والمعرفة، وكشف لنا بعضا من المعاني الحقية الموجودة بين أيدينا في كتاب الفطرة، ولكن الناس عنها غافلون، ولهاغير مقدرين وغير مكبرين. تعلمنا معني الإنسان، معني العبودية لله، معني السلوك والعبادة، معني الصلة والصلاة، معني القبلة والبيت، معني الأخوة والجماعة، كيف يقدر الإنسان دينه حق قدره، وكيف يقدر الإنسان ما أمره به دينه حق قدره، فيعرف أن ما أمره به ليتقرب لمعني الحق فيه، وليكشف له الله في نفسه وعن نفسه ما غم علي الآخرين، يري آيات الله فيفيق لحق الله (سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتي يتبين لهم أنه الحق)(وفي أنفسكم أفلا تبصرون). إن الإنسان بما أوحي الله له في نفسه من معاني النور والظلام، من معاني الخير والشر، هو أهل بخيره لأنه يكون خيرا كاملا، وهو أهل بشره أن يكون شرا كاملا. (ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها …)( خلقنا الإنسان في أحسن تقويم ثم رددناه أسفل سافلين إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم أجر غير ممنون)(والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر). فلننظر الي وجودنا، ولنعلم أن لا نجاة لنا إلا إذا كنا من الذين آمنوا وعملوا الصالحات، وأن لا مخرج لنا إلا إذا كنا من الذين تواصوا بالحق وتواصوا بالصبر، وأن لا حياة لنا إذا لم نعرف معني الحياة في نفوسنا، ونعرف بذرة الحياة في وجودنا، فنعرض وجودنا لنفحات الحياة، فتنمو بذرة الحق فينا لتصبح شجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين. لا نجاة لنا، ولا فوز لنا، ولا حياة لنا، إذا لم نشهد أن الله ربنا، وأن محمدا رسولنا، وأنه السفينة والنجاة، وأنه البيت الذي نلوذ به، ونلجأ إليه، ونهرع إليه، نتجه إليه بقلوبنا وبأرواحنا، بكل ما فينا من معني الحق والحياة، نلوذ به، ونستنجد ونستعين بجاهه، مستعينين برحمته وقوته ومحبته وكرمه وجوده وعطائه علي ظلام نفوسنا وعلي غفلة قلوبنا وعلي سوء تفكيرنا. نتوجه إليه ونتوسل بجاهه مستغفرين في كل لحظة وحين، وفي كل قيام بيقين، لا حياة لنا إلابه معني الحياة، وأن لا نجاة لنا إلا به معني النجاة، مثلنا وقدوتنا وأعلانا. إنا نتذاكر بهذا لنري هذه المعاني واقعا في حياتنا، نري هذه المعاني في قلوبنا ووجودنا، نري هذه المعاني لنقوم فيهاكما قام فيه الصادقون وقالوا “لو غاب عني رسول الله طرفة عين ما عددت نفسي من المسلمين”.إنه الواقع الذي يغفل الناس عنه، إنها الحياة الموجودة بيننا، ولكن ما قدرنا وجودنا، ولا قدرنا ما أوجد الله فينا من معني الحق والحياة، وغفلنا عن هذه المعاني بظن الدين، وبقائم الدنيا، وما الدين والدنيا، وما الحياة كلها، إلا لكسب الإنسان في الله…”
تعليق:
يبدأ هذا الحديث بتساؤل عما نحن فاعلون؟ وما نقول؟ وفيما نتذاكر؟ ويجيب الحديث عن هذه الأسئلة ففعلنا هو إستقامة في السلوك، وقولنا هو ما فتح الله به علينا من علم، وتذاكرنا هو إكبارعلاقتنا بالله ورسوله
مفاهيم دالة :
- ٢-١-٨-٤ يصبح الدين جزءا من مادي وجود الإنسان
- ٣-١-٢ اللجوء إلى الله
- ٣-١-٦-٤ التنبيه على أن المناسك ليست مجرد حركات تؤدى بالجسد فإذا لم يكن لها أثر على حياة الإنسان لم يكن قد أداها
٧٦ - شهادة لا إله إلا الله لها تطبيق في حياة الإنسان فهي تجيب عن أسئلة الإنسان الأساسية: من يسأل ولمن يلجأ وكيف يفهم الاتجاهات المتعارضة في هذه الدنيا
تاريخ الحديث: ١٩٨٦/١٢/٢٦
-”… إن العقيدة هي أساس سلوك الإنسان، هي أساس عمل الإنسان، هي أساس عبادة الإنسان، إن لم تستقم هذه العقيدة في مفهوم الإنسان فلن يستقيم له سلوك، ولن يستقيم له عمل، ولن تستقيم له عبادة. وديننا يعلمنا ذلك، ويضع لنا أول ركن من أركان ديننا “شهادة أن لا إله إلا الله وشهادة أن محمدا رسول الله”. إن “شهادة لا إله إلا الله” ليست مجرد ألفاظ يلوكها اللسان، وليست مجرد فهم سطحي في معني الواحدية والأحدية، إنما هي قضية فهم عميق لمعني هذه الشهادة وإنعكاس هذا الفهم في حياة الإنسان. فشهادة لا إله إلا الله تعلمنا وتعرفنا إنه لا موجود بحق إلا الله، وأن إدراك هذه الحقيقة هو أول خطوات الفهم الصحيح لقضية الإنسان، ولسلوك الإنسان، ولمقصود الإنسان علي هذه الأرض. إنها إجابة لهذه الأسئلة: ماذا تريد؟ لمن تتجه؟ من تسأل؟ من تطلب؟ وقد أجاب لقمان الحكيم علي هذه الإسئلة بقوله: ( يابني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم إنها إن تكن مثقال حبة من خردل فتكن في صخرة أو في السموات أو في الأرض يأتي بها الله). إن هذه المعاني هي حقيقة واقعة أدركتها أو لم تدركها، عرفتها أو لم تعرفها، فليس الله بعيدا، وإنما هو قريب تنعكس إرادته في إرادة الناس، وفي إرادتك أنت أيضا (وما تشاءون إلا أن يشاء الله). فهذا فهم حقي لقانون الحياة، ولا يجب أن يؤخذ كما يأخذه بعض الناس فيطبقونه خطأ بجهلهم، وبتعليلهم لتقصيرهم ولجحودهم ولتكاسلهم، بقولهم ماذا نفعل هكذا أراد الله. إن الله يريد ما تريد، فانظر لما تريد، وانظر لما تشاء، إن شئت خيرا فسر في طريق الخير، وإن شئت إصلاحا فسر في طريق الإصلاح، إن رأيت ظلاما فسر في طريق كشف هذا الظلام، ففهمك وعقيدتك إن الله بالغ أمره لا يعني تعطيل إرادتك ومشيئتك، فإرادتك ومشيئتك هي أيضا من عند الله، وإرادة الله فوق كل إرادة، وإرادة الله أكبر من أن تحصرها في إتجاه. فإذا إنتقلت الي عالم التقييد، الي عالم وجودك، فتعامل بما تشهده في وجودك، بما تشهده في قلبك، بما تعقله بعقلك، وبما تحسه بضميرك، هذا هو الله لك، هذه هي إرادته بك، هذا ما خلقك لأجله، فلا تهرب مما خلقك لأجله بظن أنك تعبده، في وهم من وهمك، وفي خيال من خيالك، بظنك لإله لا وجود له، تصورته بعقلك المظلم وتفكيرك السقيم. الله أكبر دائما، تعالي عما يصفون ، وعما يرسمون، وعما يحددون، وعما يكسمون ويجسدون. إن ديننا يعلمنا ذلك، ويفقهنا في ذلك، يعلمنا أن التوحيد أساس الدين، وأن شهادة لا إله إلا الله أساس ديننا، ومن شهد أنه لا إله إلا الله خالصة بها قلبه دخل الجنة، من شهدها خالصة فلن يكون إلا إنسان حقي، لن يكون إلا إنسان خلص لله، وأسلم وجوده لله، عرف حقا أنه لا إله إلا الله. وهنا قد يسال سائل إن كان كل إتجاه الي الله فما هو الفارق وبين محسن ومسيء ؟ إنه الفارق بين الموت والحياة، إنه الفارق بين أن تكون البذرة شجرة أو أن ترجع البذرة الي مكوناتها الأساسية بتحللها، إنه الفارق بين أن تكون لك حياة ممتدة وبين أن تخرج من هذه الأرض وأنت جسد يتلاشي متحللا إلي مواد الأرض، إنه الفارق بين أن تلبي نداء ربك عارجا في معراجه الي أعلي وبين أن ترجع الي أسفل سافلين(خلقنا الإنسان في أحسن تقويم ثم رددناه أسفل سافلين إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم أجر غير ممنون). إنا في حاجة دوما أن نقوم عقيدتنا، وأن نتأمل فيما بين أيدينا من الكتاب ومن أحاديث الحق لنا في كل صورة، حتي نتعلم كيف نسلك، وكيف نقوم عقيدتنا، وكيف نحسن عملنا، وكيف نكون في طريق الحق…
تعليق:
هذا الحديث يوضح أن شهادة لا إله إلا الله لها تطبيق في حياة الإنسان فهي تجيب عن أسئلة الإنسان الأساسية فيمن يسأل ولمن يلجأ وكيف يفهم الاتجاهات المتعارضة في هذه الدنيا وإن الله بقانونه من وراء كل اتجاه بإحاطته.
مفاهيم دالة :
- ١-١-١٠-٢ يدرك الإنسان أن كل يفعله هو في إطار مشيئة الله في حال توفيقه أو فشله
- ١-٢-١٣-٣ الإنسان بقبوله لفطرته يمكنه أن يحيى
- ٣-١-٣-٢ يترك الاختيار لأعلاه آملا أن يكون أهلا لمعرفة أكبر وأن ما هو قائم به إنما هو حال وقيام ليكسب في الله
٧٧ - لا يوجد إنسان علي هذه الأرض أيا كانت قدراته يستطيع أن يحيط بعلم أرضي واحد، فما بالنا بعلوم مفرداتها لا وجود لها في عالمنا
تاريخ الحديث: ١٩٨٧/٢/٦
”… إن قضية الإنسان في كل عصر، وفي كل مكان، أن يبحث عن الحقيقة، وأن يفتش عنها في داخله وخارجه. إن الحقائق التي نعلمها اليوم والتي كشف عنها الإتصال الروحي من إستمرار الحياة، ومن نتائج توصل إليها العلم الحديث في فروع متعددة، وفي التأمل لقوانين الحياة بدءا من أصغر الكائنات الي الكون الفسيح بلانهائيته، يجعلنا ونحن نعيش في هذا العصر مكلفين أن ننظر الي تراثنا، وأن ننظر الي حاضرنا، نظرة حق، نظرة علم، نظرة تأمل، نظرة تفكر وتدبر. نبحث فيما بين أيدينا من التراث بما يتناسب مع ما كشف لنا من علم في حاضرنا، فما خلقنا وما تواجدنا في هذا الزمان وهذا المكان إلا لنكسب بما كشف لنا. إن دين الفطرة يعلمنا كيف نكون في هذا الحال (الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلي جنوبهم ويتفكرون في خلق السموات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار) يذكرون ويتأملون، يذكرون بلا إنقطاع، ويتأملون بلا إنقطاع، يعلمون أن الحياة ذكر دائم، وأن معيشتهم ذكر دائم، وأن عملهم ذكر، ونومهم ذكر، وقيامهم ذكر، وسيرهم في الأرض ذكر، كما أن صلاتهم ذكر، وصومهم ذكر، وكل عباداتهم ذكرلله. عرفوا إنهم المقصودون، إن وجودهم وكسبهم هو علة وجودهم، وعلة قيامهم، فما تراخواعن ذكر ربهم، وقد علموا أنهم للحق مخلوقون، وأنهم لأفضل قيامهم موجودون. إن دين الفطرة يعلمنا كيف نحيا، كيف نكون أحياء، نتعلم إن الحياة مستمرة، وإن وجودنا علي هذه الأرض هو كرة من كرات وجودنا، وحياة من حيواتنا، وتواجد من تواجداتنا، في عالم من عوالم الحق، لعوالم لا بدء لها، ولا إنتهاء لها، علمنا في ذلك قليل (..في أي صورة ما شاء ركبك…). إنا لو تأملنا في علومنا الظاهرية في مختلف فروعها، لوجدنا أنه لا يوجد إنسان علي هذه الأرض أيا كانت قدراته يستطيع أن يحيط بها، لا بل أن يحيط بعلم واحد منها، فما بالنا بعلوم لا نستطيع أن نتعلمها ،لأن مفردات تعلمها لا وجود لها في عالمنا (لا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء). فإذا تحدث الحق إلينا عن قادم أمرنا، فإن ذلك يتناسب مع تواجدنا وقدراتنا (أمرت أن أخاطب الناس علي قدر عقولهم). فالعلم عما لا نحيط به مجرد، فإذا عبرعنه بكلمات من لغتنا تجسد وتقيد، فإذا تأملنا فيه بفطرة الحياة فينا، وصل إلينا المعني مجتازا تقييد الكلمات الي إطلاق المعني في مدركنا المجرد، فوجودنا قبل تواجدنا بأجسادنا هو مطلق، تقيد وتجسد في هذا الوجود المادي، هذا التجسد لا يعني تحديده، وإنما هذا الجسد هو صورة من الصور، هو كلمة من الكلمات، التي يعبر بها المطلق الأكبر عن معاني الحياة بكلمات له، هي الناس جميعا في كل صورهم، وفي كل أشكالهم، فما كان الناس جميعا، إلا كلمات للعقل المجرد، العقل الأعظم، وما كان الناس جميعا إلا تجليا لمعني أكبر، وما كانت الدنيا بكل ما فيها، ومن عليها، إلا تجليا لهذا المعني الأكبر. فالقضية إذن هي قضية حال أكبر من أن نحيط به بظاهر وجودنا، ويمكننا أن نحيط بشئ منه بمشيئة الله بإطلاق قيامنا. فإذا تحدثنا عن الحياة بعد الموت، إذا تحدثنا عما يكون، وعما لا يكون، وكيف يكون، فحديثنا أيا كان لن يفي المعاني قدرها، لأننا نتحدث من خلال وجودنا المقيد، وبمفردات ذواتنا. فإذا تحدثنا فإنا نتحدث بما نستطيع أن نشهده في ظاهر الحياة آخذين منه مثلا لندرك باطن الحياة، وبذلك نستطيع أن نستلهم الحق في قولنا وفي عملنا وفي حديثنا. آيات الحق تحثنا أن ننظر في كيفية خلقنا ( فلينظر الإنسان مما خلق ..) (انظر هل تري في خلق الرحمن من تفاوت.. ). وتوجهنا أن نتأمل في صور خلقنا (يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم الذي خلقك فسواك فعدلك في أي صورة ما شاء ركبك) وتخبرنا عمن سبقونا إلي الحياة (لا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون) ، فهل تريدون الحياة أم تريدون الفناء (كونوا حجارة أو حديدا أو خلقا مما يكبر في صدوركم)، فمن آثر الحياة الدنيا، من كانت الحياة الدنيا في قلبه، من كان عبدا للحياة الدنيا، فهو للحياة الدنيا، والحياة الدنيا فانية. إنه قانون الحياة الذي كشف عنه ديننا برسالات السماء، فنتجه إلي عقولنا وقلوبنا لنتعلم هذا القانون حتي إذا جاء تبليغ يفصل قضية محددة نستطيع أن ندركه و نتدبره…”
تعليق:
يؤكد الحديث علي ضرورة أن نقرأ تراثنا بعين الحاضر وماكشف لنا من علوم روحية ومادية لم تكن متاحة في سابق مع العلم بأن هناك أمورا غيبية لانستطيع إدراكها بصورة حسية لتواجدها في عوالم أخري وراء عالمنا المقيد. وحين يحدثنا ديننا عن هذه الأمور الغيبية بلغتنا الأرضية فإن ذلك هي الوسيلة الوحيدة لنقل رسالة عن هذه الأمور و لكن معناها الحقيقي ينتقل إلي وعينا المجرد عن الصورة الحسية. تحدثت هنا عن الكرات والحيوات بصورة مجردة وأنا عادة لاأتحدث في هذا الموضوع لم يحيط به من لبس وقد فوجئت بإثارته وتركته مع إضافة هذا التعليق الذي يؤكد إنني لا أعني صورة محددة من ما قد يخطر ببال أي قارئ وقد تعرضت في مواضع أخري في هذه المذكرات لفهم مجرد في هذه القضية.
مفاهيم دالة :
- ١-١-١٢-٢ النظر إلى تراثنا في ضوء ما كشفه لنا الاتصال الروحي
- ١-١-٩-٢ يؤول إلى ما أحب في هذه الحياة الفانية إذا آثر الحياة الدنيا لذاتها
- ٢-١-٨-١ يستبدل الإنسان ما هو خير بما هو أدنى متخليا عن المثل العليا
- ٣-٢-٢-١ النظر إلى تراثنا في ضوء توصل إليه العلم من معلومات عن أصغر الكائنات وعن الكون بلانهائية إتساعه
- ٣-٢-٧-١ النظر في كيفية خلق الإنسان ومراحل تطوره وما سيئول إليه وكيف يكون في حياة دائمة
٧٨ - في معني القبلة وقضية تحويلها من المسجد الأقصى إلي المسجد الحرام
تاريخ الحديث: ١٩٨٧/٤/١٠
”… في هذا الشهر المبارك كان هناك حدث هام، رمز لقضية في الحياة، وهو تحويل القبلة من بيت المقدس الي البيت الحرام. وهنا يجدر بنا أن نقف قليلا، لنتأمل في معني القبلة وفي مدلولها، ولنتأمل الآية (فلنولينك قبلة ترضاها). إن الإنسان علي هذه الأرض يوم يدرك حقيقة الحياة، يعلم أنه بوجوده، ومكانه في هذا الكون، إن أي إتجاه ينظر إليه، هو إتجاه الي كائنات، وإلي أكوان، والي مخلوقات. وإنك يوم تتجه الي السماء إنما تتجه الي كواكب ونجوم أخري في هذا الفضاء الكوني. فهل هذا هو إتجاهك الي الله؟ فكل ما تراه هو خلق، وكل ما تتجه إليه هو خلق، والإتجاه لا يكون لخلق، وإنما يكون الي الأعلي، يكون الي الأكبر، يكون الي الأقوم، يكون الي الأحسن، يكون الي الأعظم. هل تريد أن توجه قلبك في إتجاه يؤدي بك الي خلق؟ أم إلي الحق الذي هو وراء كل شيء وأمام كل شيء؟ فلنولينك قبلة ترضاها، قبلة في داخلك، قبلة علي أرضك، قبلة تشهد فيها رمزا علي حقيقة الحياة، وعلي معني الحياة، لا حجرا ولا حجارة، وإنما رمز حقي، لقائم حقي علي هذه الأرض. إنها رمز دائم علي تجلي الحق علي الأرض، في إنسان حق، مثلا أعلي للإنسان. إنك يوم تتجه الي القبلة، فإنما تتجه الي رمز يدل علي قائم حي، ترجوه وتطلبه مثلا أعلي، وقياما أعلي، ولتكون دوما كذلك مهما أدركت، ومهما إرتقيت، وحتي وإن عرفت هذا المعني في إنسان مشهود لك، ستظل تتجه الي هذا الرمز لأنك في واقع الأمر أنت لم تعرف ولم تدرك إلا ظاهر ذات، ولكن لم تعرف ولم تدرك باطن هذه الذات. فالأجدر بك أن تظل تتجه الي قبلة أعطاه الله لك، لتكون علي مر العصور والأزمان رمزا دائما علي هذه الحقيقة. عرف الإنسان إنسانا أعلي أم لم يعرف في ظاهر وجوده إلا أنه يدرك وجود هذا الإنسان في باطن قيامه، إدراكا دائما معبرا عنه في هذه القبلة. إن هذا المثل الأعلي الذي نطلبه جميعا هو معني رسول الله (لكم في رسول الله قدوة حسنة..) ، هو نور رسول الله (جعلنا لك نورا تسري به في الناس..). إن الصلاة لا تصح إلا بالإتجاه إليه (يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما)(إن الله وملائكته يصلون علي النبي يا أيها الذين أمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما). فالقبلة كمعني قيمتها ليست في مكان، وإنما قيمتها في أي مكان أمرت أن تتجه إليه في الشرق أو في الغرب. فهي إن لم تكن في مكان فستكون في مكان آخر رمزا دائما، فالأرض جميعا قبضته(زويت لي الأرض مسجدا وطهورا). ولكن قضية تحويل القبلة تحدث بهذا الشكل وبهذه الصورة لنتعلم منها درسا، ولنتعلم منها ما يفيدنا في توجهنا، وفي إتجاهنا في صلاتنا. نتعلم منها إن أي إتجاه بأمر من الله هو معني القبلة. وإنك حين تتجه في أول أمرك تتجه الي ما هو خارج عنك، فإذا قمت في حق من أمرك وجدت ما تتجه إليه في وجودك. فكان المسجد الأقصي يرمز لما هو خارج الإنسان إذا نظرنا إلي من يتجه إليه في المسجد الحرام. أما المسجد الحرام فهو يرمزلما في داخل الإنسان القائم في المسجد الحرام (ما وسعتني أرضي ولا سمائي ووسعني قلب عبدي المؤمن)(القلب بيت الرب). فإذا كانت القضية ليست في السماء، وإن كانت القضية ليست في الأرض، فالقضية هي في قلبك ووجودك. إن كنا لا نريد أن ننظر الي الأكوان، فلننظر الي قائم علي هذه الأرض، والخطوة بعد ذلك أن نتجه الي قلوبنا، وأن نتجه الي أفئدتنا، رمزا فينا علي معني الحياة (واعلموا أن فيكم رسول الله)(لقد جاءكم رسول من أنفسكم)(إن في الجسد مضغة لو صلحت لصلح البدن كله ألا هي القلب)(إن القلوب لتصدأ كما يصدأ الحديد وإن جلاؤها لذكر الله). وها نحن نري إنسان الحق وهو يتجه الي السماء، فيؤمر أن يتجه الي قبلته في الأرض، ثم يؤمر أن يتجه الي قلبه، في تسلسل حقي رمزا لهذه القضية الحقية لتعيش أبد الدهر، رمزا حيا، وحدثا حيا، يتأمل فيه الطالب، ويأمل فيه الراغب، ويتأمل فيه من ينشد الحق. ويوم يتأمل فيما أمر به، فيري بيتا من حجارة، فيعلم أنه رمز للحقيقة في قائم وجوده، رمزا ومثلا ومثالا علي الحقيقة علي قائم هذه الأرض. إن حديثنا عن هذه القضية ليست سردا لحدث وقع علي هذه الأرض منذ عدة قرون، وإنما لنجعل لهذا الحدث واقعا نعيه في حاضرنا، وقياما نشعر به في حياتنا وفي سلوكنا…”
تعليق:
هذا الحديث هو تأمل في معني القبلة وتأمل في قضية تحويلها من المسجد الأقصى إلي المسجد الحرام. التأمل فيما ترمز له القبلة علي أنه المثل الأعلى للإنسان وأن هذا المثل الأعلى هو معني رسول الله قد يجده البعض صادما ولكن هذا الربط موجود في التراث الصوفي. أضفت جملة لأربط بين المثل الأعلى ومعني رسول الله حيث إن الحديث الأصلي لم يعبر عن هذا الربط بصورة مباشرة. التأمل في حدث تحويل القبلة علي أنه رمز علي التحول من الاتجاه إلي خارج الأرض إلي الاتجاه إلي بيت علي الأرض ثم إلي الاتجاه إلي داخل الإنسان قد يكون محتاجا لتفسير أكثر ولكني تركته علي ما هو عليه.
مفاهيم دالة :
- ٢-٢-٢٠-٢ إدراك معنى رسول الله في كل من هو أعلى منه إن وجده فإن لم يجد فليتجه إليه في داخله
- ٣-٣-٣-٢ القبلة هي رمز يدل على الحياة القائمة
٧٩ - إن حياتكم ووجودكم وقيامكم هو من أجل هدف حقي أوجده الله بحكمته وبقانونه
تاريخ الحديث: ١٩٨٧/٧/٣
”… إن حياتكم ووجودكم وقيامكم هو من أجل هدف حقي أوجده الله بحكمته وبقانونه وبتقديره، أوجده الله يوم أوجدكم، يوم خلقكم، يوم فطركم، وأرسل لكم رسلا تعلمكم وتنبئكم عن قانونه وحكمته، وعن سرخلقته لكم وللوجود حولكم. فهل تقبلتم رسالات الرسل لكم (آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير). وجاء الإسلام ليعلمنا أن محور الحياة هو الإنسان (عرضنا الأمانة علي السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا)(يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم الذي خلقك فسواك فعدلك في أي صورة ما شاء ركبك)(الرحمن خلق الإنسان علمه البيان…). نجد في كثير من آيات التنزيل الحكيم ما يربط بين الإنسان وبين الكون حوله، خلق كل شيء من أجل الإنسان ليكون حقا، ليكون وجودا أعلي وقياما أفضل. وجعل من الإنسان المحور الذي تدور حوله كل القوانين وكل الآيات. علم الإنسان ما لم يعلم. ولكن الناس كما هم في دوام أخذوا الأشكال والألوان، واختلفوا وتصارعوا وتجادلوا، ونسوا أن الأساس والمحور هو الإنسان. فخاطب الإسلام أمة العرفان (لا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن)(أدع الي سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة)(لكل جعلنا شرعة ومنهاجا). فالهدف من التشريع هو تعريف الإنسان عن نفسه، وعن القوانين التي تحكم نفسه. كيف يهذبها؟ كيف يحييها؟ كيف لمعاني الحق يعرضها؟ كيف تخرج من الظلمات الي النور؟ (الذين آمنوا نخرجهم من الظلمات الي النور). بهذا كان الإسلام دين الحياة، وكان الإسلام دين الوجود (إن الدين عند الله الإسلام)(إن كل من في السموات والأرض إلا آت الرحمن عبدا). إن كل من في السموات والأرض أدرك أو لم يدرك عرف أو لم يعرف هو في دين الإسلام، هو في قانون الإسلام، هو في معني الإسلام، لأن الإسلام بقانون الحياة يجمع كل من في السموات والأرض، كل علي مستواه، وكل علي ما هداه إليه الله في قائم وجوده، وفي قائم حاله، هذا هو معني (إن الدين عند الله الإسلام). في داخل هذا القيام، وفي إطار هذا القانون، هناك الذاكرون، وهناك الغافلون، هناك المصلحون، وهناك المفسدون، هناك العابدون، وهناك اللاهون، هناك رجال الله الصادقون، وهناك من هم في غفلة عن ذكر الله فيهم ولهم (دعهم في خوضهم يلعبون)، هناك الذين يسمعون (إنا سمعنا مناديا ينادي للإيمان أن آمنوا بربكم فآمنا)، وهناك الذين أصابعهم في آذانهم يضعون (ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا)، هناك من أعطي واتقي وصدق بالحسني وهناك من بخل واستغني وكذب بالحسني. وفي كل فريق من هؤلاء فرق متعددة، كل علي مستواه، وكل في قيامه ومبناه يفعل ما خلق من أجله (وما تشاءون إلا أن يشاء الله). إن هذه المعاني وهي قائمة في دوام، إلا أن الله قد جعل من قوانينه ما يحرك به قلوب كل طرف الي الآخر(ومن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز). وهناك الذين يجاهدون في طريق الحق، وفي لحظة عن جهادهم يغفلون، وللشيطان يتبعون، ولمعاني الباطل فيهم يكبرون(بئس الإسم الفسوق بعد الإيمان)، ولمعاني الغفلة فيهم يرتدون بعد أن عرفوا معاني الحق فيهم. حركة دائمة في الكون، وفي كل لحظة ينتقل أفراد من كل فريق الي الفريق الآخر. فإذا تحدثنا عن أي من الفرقتين نجد أن في داخل أي فريق تدرج من أعلي إلي أدني. هناك الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلي جنوبهم وهناك من يذكرونه بعض الوقت. هناك النفس اللوامة وهناك النفس الآمارة بالسوء. وقد تتطور النفس اللوامة إلي نفس مطمئنة فتخرج من فريق الغفلة إلي فريق اليقظة (يا أيتها النفس المطمئنة إرجعي الي ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي). إن الرب هو ما تعبد، وهو ما تنشد، وهو ما تطلب. فإن كنت تنشد دنيا فربك هو الدنيا. وإن كنت تنشد مالا فربك هو المال. وإن كنت تنشد سلطانا فربك هو السلطان. أما إن كنت تنشد حقا فربك هو الحق. أما إن كنت تنشد أعلي فربك هو الأعلي. أما إن كنت تنشد الذي ليس كمثله شيء في لانهائي معراج، تخرج من حال الي حال، ومن قيام الي قيام، فتقول كما قال من عرف “إن ربي الله”، وتدرك في دوام أن أملك في الحياة أن تكون عبدا لله (إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين). ومن هنا تدرك المفهوم الأساسي للإسلام وهو العبودية لله، و تعلم أن محور الحياة هو الإنسان، وأن كل من علي هذه الأرض إن أرادوا أن يدركوا حقيقة أمرهم عليهم أن يقدروا وجودهم، ويقدروا قيامهم، ويعرفوا نفوسهم، ويعرفوا الهدف مما أمرهم وأمرتهم به دياناتهم. فكل ما ظهر علي هذه الأرض من أديان، إنما هو في واقع الأمر أسلوب من الأساليب التي تدخل وتندرج في معني الإسلام، كدين الحق وكدين الحياة. الهدف هو الإنسان، كسب الإنسان، إرتقاء الإنسان، أن يطلب الإنسان أعلي، أن يكون الإنسان عبدا لله، أن يكون خالصا لله، أن يكون فاعلا وعاملا في طريق الله، أن يكون شاهدا أنه لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله حقا وقياما وفعلا وعملا وسلوكا، في كل ما يقوم به، وفي كل ما يفعله. يسأل الله ويطلب الله ويرجو الله، وفي طلبه ودعائه يعلم أنه إلي معني أعلي له سائر، هو ما أظهره الله له علي هذه الأرض في مثالية أوجدها، وفي بشرية إرتضاها، هي محمد رسول الله، يشهدها ويرتضيها مثلا أعلي، وقياما أعلي، ووجودا أعلي، في قائم وجوده، وفي قادم وجوده قياما متجددا. سيظل رسول الله هو المطلوب والمنشود في معراج رقي الإنسان فكما قال القوم مخاطبين ربهم مشيرين إلي رسول الله أنه: ” قائد ركب عوالمك إليك…”، و كذلك في قولهم “فكان غيبا من غيبك وبدلا من سر ربوبيتك حتي صار بذلك مظهرا نستدل به عليك فكيف لا يكون كذلك وقد أخبرتنا بذلك في محكم كتابك بقولك إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله…“.
تعليق:
هذا الحديث يقدم تأمل في هدف خلق الإنسان الذي دعت إليه جميع الأديان واختلاف الناس في فهمهم لهذا الهدف من رافض له تماما إلي مؤمن به. وهناك تدرج بين الناس في المفاهيم وتطبيقها كما أن هناك حراك للناس من أدني إلي أعلي والعكس بين المستويات المختلفة. كذلك ربط الحديث بين هذه المستويات ومفهوم الربوبية ومفهوم العبودية والمثالية التي ضربها الله لنا برسله التي أرسل.
مفاهيم دالة :
- ٢-٢-١٢-٣ خرجت نفسه من الغفلة إلى اليقظة
- ٢-٢-٢٠-٣ يدعو الله أن يرشده وأنه بهذا الدعاء يتجه إلى مثالية أعلى عبر عنها الحق في بشرية ارتضاها
- ٣-١-٣-٣ يطلب أعلى ويكون حقا عبدا لله فاعلا وعاملا في طريق الله
- ٣-٢-١٢-١٠ يقدر وجوده، ويعرف نفسه، ويعرف الهدف مما أمر به
٨٠ - ما كان إحساسنا بنعمة الله بنا إلا إحساس بطلب لمغفرة ورحمة الله التي تجعلنا دوما إليه مفتقرين
تاريخ الحديث: ١٩٨٧/٩/١٨
”… الحمد لله الذي أكرمنا بجمعنا، وجعل لنا بيننا ذكرا وصلة، وكان فضله علينا عظيما، هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله. وتعلمنا أن نكون طالبين لما هو أفضل ولما هو أحسن، كلما تعلمنا وعلمنا أدركنا أننا لا نعلم إلا القليل، وكلما أرشدنا عرفنا أن هناك ما هو أعظم يجب أن نتطلع إليه وأن نصبوا إليه. فما كان إحساسنا بنعمة الله بنا إلا إحساس بطلب لمغفرة، وبطلب لرحمة، فتعلمنا أن رحمة الله أكبر، وتعلمنا ألا يدخل الجنة أحدنا بعمله (لايدخل الجنة أحدكم بعمله حتي أنت يا رسول الله حتي أنا ما لم يتغمدني الله برحمته).رحمة الله بالإنسان أن يجعله إليه دوما مفتقرا، وأن يجعله دوما إليه طالبا، وأن يجعله دوما له عبدا يقصد وجهه، ويطلب عفوه، لأنه يعلم أن الكسب في الله لا نهاية له، وأن ما من كمال إلا وعند الله أكمل منه. إن معاني الحق ومعاني الحياة بين جوانحكم بسر الله فيكم، وبفطرة الله التي فطركم عليها، ومعني الإنسان الذي تحملوه. حملتم الأمانة بسر خلقك، فكنتم بذلك خلفاء الله علي أرضه، علي أرضكم، وعلي وجودكم، وأصبحتم بهذا المعني وبهذا التكليف مظهرا للحق، أصبحتم الشهادة، أصبحتم بوجودكم أسباب خلق، أصبحتم بوجودكم أدوات خلق، وأدوات حق، وأدوات خير أو شر. إذا نظرتم الي أنفسكم اليوم فانظروا الي ما تزودتم به، وانظروا الي ما حملتم إياه، إتجهوا الي قلوبكم، والي ضمائركم، والي عقولكم، ووجودكم، واسألوا هذا الوجود ماذا يريد؟ وماذا يطلب؟ وماذا يرجو ظاهرا وباطنا؟ شهادة وغيبا؟ إن طلب الغيب لا يستقيم إلا في إستقامة الشهادة، وإن طلب الشهادة لايستقيم إلا في الإيمان بالغيب. إن طلبك للحق غيبا لا يؤدي بك أن تغفل عن الحق ظاهرا مشهودا، إن طلبك للحق غيبا لا يحجب عنك أن تري ما علي الأرض من ظلم وظلام وغفلة وفساد، إن طلبك للحق غيبا لا يكون أبدا سببا لتقاعسك أو إهمالك في أمر نفسك، أو في أمر غيرك، أو في أمر عملك، أو في إصلاح دنيا الي ما تري أنه الخير. وإن رغبتك الجادة في إصلاح دنياك لا يمكن أن يكون أبدا سببا لأن تبعد عن طلبك للحق غيبا. أما ما نراه في غفلة الناس عن أمور حياتهم بالإنشغال بدنياهم، فهو ليس لأن الدنيا في حد ذاتها وإصلاحها يشغل الإنسان ،وإنما هو ناتج من ظلام الإنسان وظلمه، ومن عبادة الإنسان لشهواته، ومن عبادة الإنسان لدنياه. فهو لا يري الإصلاح للإصلاح وإنما يري نفسه وشهواتها أمامه في كل لحظة، يعبد نفسه، ويعبد جسده، وهذا ليس بإصلاح في دنيا ولا بصلاح لها. إن دور الإنسان في هذه الأرض يتناسب مع صدقه، ويتناسب مع قدراته وطاقاته، ويتناسب مع حاله ووجوده. ودين الحق يعلمنا و يخاطب كل فرد فينا، بما هو له أهل. فلا يمكن التعميم في فهم خطاب الدين لنا وإنما يجب أن نكون حريصين في فهمنا، حذرين في إدراكنا وأعمالنا. هذا الدين القيم أوغل فيه برفق. علينا أن نتعلم كيف نصلح وجودنا، وكيف نغير نفوسنا، وكيف نحيي قلوبنا، وكيف ننير عقولنا بالجهاد والمجاهدة ، كيف نكون مرابطين مجاهدين طالبين النصر علي أنفسنا وظلامها أو الشهادة، كيف نخرج من هذه الأرض ونحن نطلب الحق، ونحن نرجو الحق، ونحن لا نرجو إلا الحق، ولا نقول إلا الحق، ولا نسأل الا الحق. نجاهد أنفسنا، نجاهد ظلام أنفسنا، وظلام المظلمين حولنا، بالعمل والدعاء، بالقدوة والرجاء، بالقول والأمل، (والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر)(واصبر وما صبرك إلا بالله ولا تحزن عليهم ولا تك في ضيق مما يمكرون إن الله مع الذين إتقوا والذين هم محسنون)(والعقبة وما أدراك ما العقبة فك رقبة أو إطعام في ذي مسغبة يتيما ذا مقربة أو مسكينا ذا متربة ثم كان من الذين آمنوا وتواصوا بالصبر وتواصوا بالمرحمة أولئك أصحاب الميمنة). إن التواصي بالحق والصبر والرحمة يجعل الإنسان من الناجين، من الفائزين، من أصحاب الميمنة ، من الذين يخرجون من هذه الأرض وقد أعدوا أنفسهم، ورجوا ربهم، مقبلين غير مدبرين، محبين غير نافرين(من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه). عليكم أن تسيروا في الأرض مصلحين بمثالية في عملكم، بقول الحق في كل ما تقابلون، وفي كل ما تشهدون، وفي كل ما تنظرون. عليكم ألا تنسوا ربكم(أذكر ربك إذا نسيت)ألا تنسوا فضل الله عليكم، ورحمة الله بكم، لا تنسوا أنكم بمكنتكم أن تكسبوا كثيرا في الله بطلبكم ومقصودكم لوجه الله، وبإتقانكم لما فيه تقومون، ولما له تعملون، وجه الله دوما تنشدون، وتقصدون. …”
تعليق:
بدأ هذا الحديث بإقرار فضل الله علينا والإحساس بنعمة الله وبالتذكير بأن هذا الإحساس يجب أن يصاحبه إستغفار وحمد وطلب لرحمة الله. كذلك يركز الحديث علي أن رحمة الله هي الأساس وأن عمل الإنسان هو أن يهيئ نفسه لهذه الرحمة. باقي الحديث يركز علي رؤية لإستقامة سلوك الإنسان علي هذه الأرض.
مفاهيم دالة :
- ١-١-١١-٢ طلب الرحمة هو من نعمة الله على الإنسان
- ٢-٢-١١-٢ تأثير التواصي بالحق والصبر على إعداد الفرد في سلوكه وللقاء ربهم
- ٢-٢-٢٤-٣ مجاهدة النفس بالعمل والتفكر والذكر والدعاء
- ٢-٢-٨-١ رحمة الله بالإنسان أن يجعله إليه دوما مفتقرا وطالبا الكمال
- ٣-١-٧-٣ الإحساس بنعمة الله يؤدي إلى الإحساس بطلب المغفرة وبطلب الرحمة فلا يدخل الجنة أحدنا بعمله
- ٣-٥-٢-٣ طلب الإنسان للحق غيبا لا يجب أن يؤدى به أن يغفل عن إصلاح دنياه
٨١ - الله يذكر الناس دائما، ولكن لا يسمع هذا التذكير إلا من أعد وجوده لذلك
تاريخ الحديث: ١٩٨٧/١١/٢٠
”… إن في أيام دهركم لنفحات فتعرضوا لها، وإن في وجودكم علي هذه الأرض وسيلة لعلو مقامكم لوجود أفضل. جاء ديننا ليقول لنا في أنفسنا قولا بليغا، ليعلمنا كيف نحيي، وكيف نستمر أحياءا، وكيف نكون أهلا لما أراد الله بنا يوم أوجدنا. إن من جاء الي هذه الأرض ليتعلم، وليحيي، سوف يجد في حديث الحق ما له يصبو، وما إليه يتجه (ذكر إن نفعت الذكري سيذكر من يخشي ويتجنبها الأشقي). سيذكر من يخشي، سيذكر من هو أهل لمعاني الحق، وسوف ييسر لليسري (فأما من أعطي واتقي وصدق بالحسني فسنيسره لليسري وأما من بخل واستغني وكذب بالحسني فسنيسره للعسري وما يعني عنه ماله إذا تردي). إن الحق يوم يخاطب الإنسان إنما يخاطب الحق في داخله ومن داخله (وفي أنفسكم أفلا تبصرون)وفي أنفسكم أفلا تقدرون، ألا تقدرون الله في وجودكم، ألا تقدرون الله في كل لحظة من لحظات حياتكم. إن تقديركم لله هو في إكباركم لما أودع فيكم، ولإعمالكم لما أعطاكم من نعمة. إن أملكم في حياتكم أن يشرح الله صدوركم للحق وللحياة. ولكم في رسول الله صلوات الله وسلامه عليه قدوة وأسوة (ألم نشرح لك صدرك ووضعنا عنك وزرك الذي أنقض ظهرك ورفعنا لك ذكرك). إن أمل الإنسان أن يخاطب بذلك من الحق عليه، أن يخاطبه ويعلمه أن الحياة هي في أن يشرح قلبه وصدره للإيمان، أن يتسع قيامه للحق، وأن يعينه الله حتي يتخلص من أوزاره، حتي يتخلص من مادياته، حتي يتخلص من تثاقله الي الأرض، حتي يتخلص من إرتباطه بالأرض، حتي يكون ملبيا للنداء، ومستجيبا للدعوة. يسير علي الأرض معمرا وقلبه مملوء بالإيمان، وعقله كله تأمل في قضايا الحياة، وفي معني الحياة. يذكر الله قياما وقعودا، يذكر الله في كل حال وفي كل قيام، وقد أعانه الله علي مادي قيامه، وطلب الحياة، وسار في طريق الحياة، وأعانه الله أن يتغلب علي ما فيه، فجعله بذلك في مقام أعلي، وفي قيام أفضل، رفع له ذكره، وعلمه أن الطريق لا ينتهي، وأن ما من كمال إلا وعند الله أكمل منه، فكل عسر يصاحبه يسر، وما من عسر إلا وفي داخله يسر، وكل ليل مهما طال يتبعه نور وضياء، وهكذا في دوام، حال تلو حال. وعلي الإنسان أن يتذكر دوما هذه المعاني (ضاقت فلما إستحكمت حلقاتها فرجت وكنت أظن أنها لا تفرج)(إن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا)، فلا يشغلك العسرعن ذكرالله، فكل شيء عنده بمقدار وبتوقيت (فإذا فرغت فانصب والي ربك فارغب). إعلم أن هذه الحياة وما فيها لن ينتهي أبدا. فلا تنتظر أن تنتهي من هذه الحياة الدنيا ثم تبدأ في طريقك الحقي . إن فعلت ذلك لن تبدأ أبدا، فعليك أن تعلم وتعرف إذا فرغت، إذا فرغت مما أنت قائم فيه بظاهر حياتك، فاتجه الي ربك، واعلم أنك أولا وأخيرا لله، وأنك لوعملت أكثر، وأتقنت عملك أكثر، لعرفت أنك في كل لحظة عليك أن تكون متجها الي الله، في كل عمل وفي كل قيام في كل فعل. هذا أمل تصبو إليه، ولكن كواقع تجد أنك في كثير من الأعمال لا تري فيها ذكرا، فعليك أن تتجه الي ما تري فيه ذكرا، حتي تتطور لتري في كل شيء ذكرا. ولكن حتي تري ذلك، فأنت مطالب أن تكثر مما تري فيه ذكر الله، وما تري فيه قيام أمرك في الله، وصلاح حالك في الله، فإذا فرغت فانصب، والي ربك فارغب. أملك أن تكون كذلك، أملك أن تكون في لحظة إتجاهك الي الله لا تفكر إلا في كسبك في الله، ولا تطلب إلا الله ولا تقصد إلا وجه الله…”
تعليق:
إن الله يذكر الناس دائما، ولكن لا يسمع هذا التذكير إلا من أعد وجوده لذلك. ويمكن للإنسان أن يعد نفسه في كل لحظة من لحظات حياته يوم تكون كل تعاملاته هي تعامل مع الله. لكننا في الواقع لا نشعر بذلك في كل أعمالنا وإنما نشعر بتعاملنا مع الله في أحوال معينة فعلينا أن نكثر منها حتي يساعدنا ذلك علي أن تتسع دائرة أعمالنا التي نري فيها أننا نتعامل مع الله.
مفاهيم دالة :
- ٢-٢-٢٠-٤ أن يشرح الله صدره للحق وأن يعينه ليتخلص من وزره
- ٢-٢-٢١-٣ من هو أهل لمعاني الحق سوف ييسر لأن يتقبل الذكرى
- ٤-٢-٣-١ يقدر وجوده ويتفاعل مع أحداث الحياة
٨٢ - التأمل في الآيات التي توضح للإنسان هدف خلقه ووسائل تحقيق هذا الهدف الغيبي من خلال مركز ينتسب إليه فبمقدار قربه أو بعده من هذا المركز يكون تقدمه وإخفاقه
تاريخ الحديث: ١٩٨٨/١/١
”… إن الحق يعلمنا ويحدثنا عما نري ونشهد، فأوجد فينا ما نستشعر به الأحسن والأجمل، وما ندرك به الأقوم والأعظم بفطرة الحياة لنا وبسره بنا. يحدثنا عن قيامنا علي أرضنا، وهو في هذا الحديث يعلمنا عن أطوار وجودنا قبل أن نتواجد علي أرضنا، وبعد أن نخرج منها (كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم علي شفا حفرة من النار فأنقذكم منها). إنك تنظر الي نفسك اليوم كيف كنت، وكيف أصبحت، تذكر فضل الله عليك أن أخرجك من الظلمات الي النور، أن أخرجك من التشتيت الي التآلف، أخرجك من البغض الي المحبة، فأنت ما تواجدت علي هذه الأرض إلا لتحقق هدفا جئت وتواجدت من أجله. فأنت يوم تنظر الي مرحلة الغفلة بك، فهذا هو حالك جئت به الي هذه الأرض، فإذا صلح حالك، واستقام قيامك، ونظرت الي مرحلة اليقظة بك، وعلمت أنك قد حققت لوجودك ما جئت من أجله، تري في حاضرك مستقبلك، يوم تسير علي الدرب مجاهدا مصلحا، لظلامك مغيرا، ولنورك مثبتا. أنظر الي وجودك ،أنظر الي حالك (فلينظر الإنسان مم خلق خلق من ماء دافق يخرج من بين الصلب والترائب وإنه علي رجعه لقادر)،أنظر الي وجودك مما خلق، كيف كنت، وكيف أصبحت، لتدرك عظمة ما ستكون عليه (قل لهم في أنفسهم قولا بليغا)(سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتي يتبين لهم أنه الحق). فلننظر الي زماننا، ولننظر الي دورة أرضنا، لنتعلم أن الحياة هي حركة دائمة. في هذه الحركة يتغير كل شيء، ينمو ويكبر ويتبدل. وإنا إذا قمنا من الناحية الحقية في حركة حول مركز حقي فإن ما فينا من حق سوف ينمو، وما فينا من حياة سوف يكبر، وما فينا من نور سوف ينتشر، وهذا ما أشار إليه دين الحياة، ودين الحق، يوم أوجد لنا علي أرضنا مركزا نتجه إليه ونطوف حوله، رمزا علي الحق والحقيقة القائمة الدائمة علي الأرض، هذا الرمزهو بيت الله الموضوع (أأجعل لك كل صلاتي يا رسول الله إذن يكفي همك ويغفر ذنبك يا عمر) (لن يؤمنوا حتي يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما) (لن تؤمن حتي أكون أحب إليك من مالك وولدك ونفسك التي بين جنبيك). هذا ما حدثنا به رسول الحق، المركز الذي نتجه إليه، كما خاطبه من عرفوا الحق والحقيقة بقولهم (قائد ركب عوالمك إليك.. ) وكان غيبا من غيبك وبدلا من سر ربوبيتك حتي صار بذلك مظهرا نستدل به عليك فكيف لا يكون كذلك وقد أخبرتنا بذلك في محكم كتابك بقولك إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله…). إنك يوم تنظر الي الكون في إنتظامه وحركته، ويوم تنظر الي الكون في لانهائيته، لا تستقيم حركة في الكون إلا بنقطة يرتكز إليها الكائن، أيا كان، أرض كانت أو إنسان، كوكب كان أو نجم، كل في فلك يسبحون، يطوفون، يرتكنون الي الحق لهم يلجأون، تنتظم علاقاتهم بإنتظامهم في علاقتهم بالحق عليهم، وفي مركزالحياة بالنسبة لهم، لا وجود لأرض أو كوكب أو نجم إذا إنتسب الي إطلاق لا يدركه، علاقته بمركزه، ومركزه له علاقة بأعلي له، وكل يطوف ويدور ويسبح في هذا الكون اللانهائي. والله في لانهائيته أكبر وأكبر، وأعلي وأعلي، ويطول بنا إسناد عنعنة حتي الي الذات. إطلاق لا نهاية له، وإتساع لا حد له، وقيام لا عد له (لا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء) (وسع كرسيه السموات والأرض ولا يؤده حفظهما وهو العلي العظيم). إن هذا ما يوجبه إدراكك للحقيقة بشهادتك أنه لا إله إلا الله (لا موجود بحق إلا الله)لا وجود لشيء مع الله، وسع كرسيه السموات والأرض، فهم تدركه بعقلك الذي أودعه الله فيك، بسره وحكمته، وبجلاله وعظمته، وبسر خلقته. فإذا أردت أن تعرف لك قبلة، أن تعرف لك وجهة، تعرف لك مركزا تتجه إليه، وتنتسب إليه، كانت “شهادة أن محمدا رسول الله” هي قبلتك ووجاؤك، هي نقطة إنتسابك، تركن إليها، وتتجه إليها، وتعرف أنها معني الحق لك، معني قائم أبدا، معني موجود دائما، حي لا يموت، لقد علمك الحق ذلك في قوله (لا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحيا عند ربهم يرزقون) وعلمك رسول الله صلوات الله وسلامه عليه بقوله(من رآني فقد رآني حقا) (انا حي في قبري من حج ولم يزرني فقد جفاني). فقبره ليس مكانا علي هذه الأرض فقط محدد بنقطة عليها، إنما إتسعت له الأرض مسجدا وطهورا. يسري بنوره في الصادقين، في أولياء الله الصالحين، في كل قائم بيقين، في كل إنسان مستقيم، في كل صادق أمين (عباد الرحمن الذين يمشون علي الأرض هونا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما). إن إقتداءك برسول الله هو في رغبتك أن تكون في قيام أعلي، أن تكون أكثر صفاءا، وأكثر أدبا، وأكثر خلقا، وأكثر إستقامة، وأكثر حبا لله، وأكثر رغبة في لقاء الله (لكم في رسول الله أسوة حسنة وقدوة حسنة)، أن تكون ملبيا لمنادي الإيمان(ربنا إنا سمعنا مناديا ينادي للإيمان أن آمنوا بربكم فآمنا ربنا فاغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا وتوفنا مع الأبرار). دين الحق يعلمكم أن إنتسابكم لنقطة الحق هو في أن تكبروها في قلوبكم، وأن تقدروها في وجودكم، وأن يكون أملكم ورجاؤكم ومقصودكم وهدفكم أن يكون رسول الله وليكم، وحاكمكم، وقائدكم، من إليه تتجهون، وبه تسألون وتتوسلون وتتشفعون، بحصنه تلوذون، ولسفينته تركبون، ولركبه فيه تسيرون وتلحقون، لا يلهيكم هدف مادي، ولاوجود ذاتي، إنما كل حياتكم له، وله تسلمون (الرسول أولي بالمؤمنين من أنفسهم). هكذا تعلمنا في طريقنا، وكان فضل الله علينا عظيما، وكانت نعمة الله بنا كبيرة. نذكر نعمته وبنعمته نري ظلامنا أوضح، فنستغفر عن ظلامنا، ونستغفرعن غفلتنا، ونستغفرعن تقصيرنا، فنري نعمته أكثر، وبنعمته نري عيوبنا، وبإستغفارنا نشعر بنعمته علينا، فنكون بذلك في ذكر ودعاء دائم (أدعوني أستجب لكم)(قريب أجيب دعوة الداع إذا دعاني)…”
تعليق:
يدور الحديث حول التأمل في الآيات التي توضح للإنسان هدف خلقه، ووسائل تحقيق هذا الهدف، من خلال وجوده المادي. هذا الهدف هو أمر غيبي ولكن يمكن للإنسان أن يستدل علي أنه يسلك الطريق إلي هذا الهدف من خلال ما يمر به من أطوار في وجوده، ومن خلال مركز ينتسب إليه فبمقدار قربه من هذا المركز يكون في الطريق الذي يصل به إلي قيام أعلي وبمقدار بعده عن المركز يكون في اتجاه إلي أسفل.
مفاهيم دالة :
- ٢-٢-٩-٣ يكون أكثر صفاء وأكثر استقامة وملبيا لداعي الإيمان
- ٣-١-٧-٤ بنعمة الله يرى الإنسان ظلامه أوضح فيستغفر فيرى نعمته أكثر
- ٤-٢-٣-٢ يذكر الإنسان نعمة الله عليه فيرى ظلامه ويستغفر
٨٣ - الإسلام جاء ليعلمنا قوانين الحياة، جاء ليعلمنا من نطلب، وكيف نطلب، الي أين نتجه، ولمن نتجه، كيف نعيش في حياتنا ظاهرا وباطنا
تاريخ الحديث: ١٩٨٨/٤/١
”… إن الإسلام قد جاء بتجليه في الرسالة المحمدية ليعلمنا قوانين الحياة، جاء ليعلمنا من نطلب، وكيف نطلب، الي أين نتجه، ولمن نتجه، كيف نعيش في حياتنا ظاهرا وباطنا، كيف نذكر وندعو، وكيف نسأل ونطلب، كيف نقوم ونحيا (إنا نري تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها). تصف لنا هذه الآية حال الإنسان وهو يتجه الي الغيب بنظره الي السماء ولايعرف لمن يتجه علي الأرض، فجاء دين الفطرة ليعلمنا أنه في السماء إله، وفي الأرض إله (…وسع كرسيه السموات والأرض…). جاء دين الفطرة ليعلمنا أن نتجه الي بيت الله الموضوع علي أرضنا، جاء ليعلمنا أن صلاتنا وذكرنا لا تستقيم إلا بإتجاهنا لهذا البيت، رمزا لمعاني الحياة القائمة علي أرضنا، جاء ليعلمنا أن كوكبنا وأرضنا ليست إلا نقطة في بحر لانهائي، وأن السماء التي نتجه إليها هي فراغ كبيرتدور فيه الأفلاك والكواكب والنجوم (كل في فلك يسبحون)، وأن السماء بمعناها ليست في إتجاه نتجه إليه، إنما السماء هي معني حقي قائم فينا وبيننا، هذا المعني هوالإرتقاء الي أعلي في بعد لا ندركه بجوارحنا، ولنستقيم في مفهومنا علينا أن نتجه إليه في أرضنا. إن كل ما نراه بعيوننا، وكل ما نسمعه بآذاننا، وكل هذا الفراغ الذي نتحرك فيه بأقدامنا، ونلمسه بأيدينا، يوجد مثله الكثير الذي لا نراه ولا نشهده لأنه ليس في مدي عيوننا، ولا في المدي الذي نسمعه بآذاننا، هناك بعد آخر في الحياة لا نستطيع أن نحيط به بظاهر جوارحنا وإن كنا نستطيع أن ندرك ذلك بعقولنا. إن الناس في مرحلة معينة كانوا يتصورون نتيجة لقلة علمهم أن الأرض منبسطة وأن السماء كالسقف فوقها، وظل هذا شاغل الناس لقرون كثيرة. بل إذا تأملنا في أقوال البعض في قديم لوجدناهم يستخدمون هذه المقولة الخاطئة بظن أنهم يكبرون الله وكيف أنه رفع الله السماء بغير عمد. والآيات التي تعلمنا ذلك هي رمز للحق وليس تجسيد لمعاني محددة، ولكنهم في وقتهم كانوا يتصورون أنهم مدركين للحقائق، ويتغنون بعظمة الله علي جهل منهم والله أكبر والله أعظم مما يقدرون. إن الناس لا يعطوا لأنفسهم فرصة ليتفكروا ويتدبروا إنما لأصنام يعبدون، ولمفاهيم خاطئة يقدسون، أربابا من بينهم يعبدون، علماء لا يغيرون ولا يبدلون، ولا الحق يطلبون، ولا النور يسألون، ولا لما في أنفسهم من ظلام يغيرون. بالإسلام يتغنون، وبالدفاع عنه يتشدقون، والإسلام أكبر مما يدركون، وأعمق مما يتصورون. إن الإسلام هو الحياة في جوهرها، إنه الإنسان في عمقه، إنه الحياة في أحسنها، إنه القانون في عظمته، إنه نعمة الله التي أهداها للناس في خلقهم، وسره الذي أوجد فيهم، وروحه التي نفخ في أجسادهم. الحقيقة أمامهم ولكن لا ينظرون، والشمس ساطعة ولكن لا ينظرون، يغمضون عيونهم، ويضعون أصابعهم في آذانهم حتي لا يسمعون داعي الحق بينهم ويفيقون، لا يريدون إفاقة، ولا يريدون أن يتغيروا ويتحركوا، فكيف يحيون وكيف لمعاني الحق يدركون. هذا حالنا، وحال مجتمعنا، وحال الدنيا في دوام، لا نقول ذلك يائسين أو جاحدين أو ناكرين أو معترضين، إنما هو قانون الحياة الذي نقرأ ونتأمل ونتعلم. نتعلم أن نري بعيوننا، وأن نسمع بآذاننا، وأن نتأمل بعقولنا، وأن نعرض قلوبنا لنور الإيمان، وأن نعلم أن فوق كل ذي علم عليم، وأن ما من قيام إلا وهناك ما هو أحسن منه، وأن ما من كمال إلا وهناك ما هو أكمل منه. نسير في طريقنا مجاهدين، لظلامنا مغيرين، نطلب الحق في كل قيام بيقين، ونسأل الأحسن في كل حال نعيش فيه في حياتنا، وفي كل فعل نقوم به بجوارحنا، وفي كل قول ننطق به بألسنتنا، نتجه الي قبلتنا رمزا لمعاني الحق علي أرضنا، نستمد من هذا الحق بيننا قوة نغير بها ظلامنا، ونبدل بها سيئاتنا، ونغير بها وجودنا من أدني لأعلي، ومن ظلام لنور، ومن جهل لمعرفة. محاولتنا لفعل ذلك هو الإيمان وبتوفيق الله يتحقق التغيير (الذين آمنوا نخرجهم من الظلمات الي النور)…”
تعليق:
تناول هذا الحديث التأمل في معني: “إنا نري تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها” في مناسبة تغيير القبلة من المسجد الأقصى إلي المسجد الحرام، وأشار الي مفهوم السماء كرمز لكل ما هو غيبي وأنها ليست مكانا محسوسا. تناول الحديث أيضا أهمية التغيير والبحث المستمر عنما هو أفضل وعدم الجمود عند فهم محدد بظن الإيمان وضرب أمثلة لمفاهيم كان يظن أصحابها أنها الحق المطلق ثم كشف العلم بعد ذلك عدم صحتها وأن هذا هو قانون الحياة.
مفاهيم دالة :
- ٢-٢-٨-٢ يسأل الأحسن في كل حال يعيشه وفي كل فعل يقومه وفي كل قول ينطقه
- ٣-٢-٤-٢ الإنسان يتجه إلى الغيب يدعو ربه أن يرشده إلى القبلة التي يتجه إليها وإلى الطريق الذي يسلكه
- ٣-٣-٣-٢ القبلة هي رمز يدل على الحياة القائمة
٨٤ - الأنا في الإنسان يمثل معني التجريد و العقل والقلب والحواس يمثلون معني التقييد
تاريخ الحديث: ١٩٨٨/٧/١
”… إن وجودكم علي هذه الأرض وقيامكم في هذا الجلباب له شأن عظيم في حياتكم، وفي مستقبل وجودكم. فما أوجدكم الله علي هذه الأرض إلا لحكمة، خلقكم لتكونوا في معني أعلا (خلقتك لنفسي ولتصنع علي عيني)(ما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون)(وفي أنفسكم أفلا تبصرون). قوانين الحياة فيكم، في فطرتكم، في خلقتكم، في وجودكم، وفي قيامكم. إتجهوا الي قلوبكم، وانظروا لما فيها لعلكم ترشدون وتوجهون، إتجهوا الي قلوبكم، إتجهوا الي معاني الحق لكم فيما أوجد الله فيكم من نعمة العقل والفكر، لتجدوا كل ما تطلبون، وكل ما فيه ترغبون، وما له تسألون (وتحسب إنك جرم صغير وفيك إنطوي العالم الأكبر). فتش عن الحق فيك، وعن سر الله بك، لأن الله وهو نور السموات والأرض سري بهذا النور في وجودك، فكنت أنت، وقمت أنت، وحييت أنت، فانظر الي أناك لتتعلم قانون الحياة، ولتتعلم سر الحياة. إن هذا الأنا فيك الذي لا تدركه بحواسك، هوالذي يجعل حواسك تدرك (يلحق الأبصار ولا تلحقه الأبصار وهو اللطيف الخبير). بهذا الأنا فيك تري وتسمع، وتقوم وتفعل، تسعي وتتحرك، ولكن كل هذه الحواس الفعالة فيك لا تستطيع أن تصف هذا الأنا. بهذا الأنا أصبح لوجودك ولقيامك قوانين تحكمه، وأسباب تحركه، أصبح لهذا الأنا فيك القوة الكامنة التي لا تستطيع أن تعرفها ولكن تعرف تأثيرها فيك فيما تستطيع أن تشهد من علامات الحياة بك. إذا نظرت الي الكون بعد أن تنظر الي نفسك ستعرف أن وراء هذا الكون قوة كامنة، كما أن في أناك وسر الله بك، وستعلم أن كل الكون الذي تري ما هو إلا ذرة صغيرة في لانهائي هذا الكون بإمتداده المستمر، وستعلم أن وراء كل ما تري وما لا تري قوة تحركه، تستمد وجودها وقيامها وسرها من السر الأعظم، ومن الوجود الأكبر، ومن القيام الذي ليس كمثله شيء. فتشهد حقا أنه لا إله إلا الله، وتشهد حقا أن لا موجود بحق إلا الله، فلن تري إلا الله في كل أمر، وفي كل حال، وفي نفس الوقت تعلم أن ما تراه اليوم بجوارحك علي هذه الأرض هو إنعكاس لهذه القوة الكبري، لهذه القوة العظمي التي تعلم أن شهادتك لها هي شهادة إدراك، وليست شهادة حواس، شهادة بالأنا فيك الذي هو من سر هذه القوة، شهادة مجردة عن الشكل والصورة. فتعرف كيف تعمل ما أعطاك الله من سر التجريد، كما تعمل ما أعطاك الله من سر السببية والتقييد، فتعلم أنك بوجودك الحقي بأناك وجود مجرد، وتعلم أنك بوجودك السببي في هذه الأرض بما هو مشهود لك هو وجودك المقيد المحدد المسبب. لا يتعرض هذا مع ذاك لأنك صادق في وجودك، وصادق مع معاني الحق فيك، ومع إنعكاس الأنا بك في معاني العقل لك، وفي معاني الضمير معك(وتحسب أنك جرم صغير وفيك إنطوي العالم الأكبر). أنت بوجودك سر الحياة وأنت بقيامك معني الحياة. فإذا أردت أن تعرف الحياة، وقوانين الحياة، وأسرار الحياة، فاعكس البصر الي داخلك، واتجه الي سر الله فيك لتعرف الله، ولتعرف إسم الله لك، وإسم الله بك. إن ديننا يعلمنا أن نجاهد أنفسنا، وأن نصلح وجودنا، وأن نعمل عقولنا، وأن نذكر بقلوبنا، وأن نتعبد بجوارحنا، وأن نعمل بقيامنا، وأن نجاهد بنفوسنا وبأموالنا، وبكل وجودنا متحركين في كل إتجاه كل بقدر ما يستطيع(لا يكلف الله نفسا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما إكتسبت). أنظر الي نفسك، وقوم أمرك في وجودك وفي حالك، وفي إمكانات الله لك، وفي عطاء الله في وجودك وقيامك، واجتهد بقدرما عندك، بعقلك مفكرا، وبقلبك ذاكرا، وبجوارحك عاملا كما تفهم فيما شرع الله لك. لا تؤجل عملا الي الغد، إبدأ اليوم، إبدأ بنفسك بإمكاناتها وطاقاتها، إبدأ بكل ما أعطاك الله في قيامك، إبدأ وتأمل وتفكر وتدبر(كفي بنفسك اليوم عليك حسيبا)(حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا). إن الدين هو أن نصدق مع وجودنا، وأن نقدر إمكاناتنا، وأن نقوم وجودنا، وأن نعرف طاقاتنا فلا نبددها، وإنما نستثمرها في طريق الحق والحياة. إذا إنطلق فكرك وعقلك فاجعله ينطلق متأملا، إذا إنطلق قلبك ذاكرا فاجعله يذكر بلا حدود، إذا إنطلقت جوارحك تعمل لخير الناس ولخير نفسك فلا تقيدها واجعلها تنطلق وتتحرك، تحرك في طريق الحق والحياة بكل ما أعطاك الله، وكل نفس بما كسبت رهينة…”
تعليق:
معني الأنا في الإنسان وهو الذي يمثل معني التجريد في الإنسان، وما أعطي الله الإنسان من عقل وقلب وحواس لإدراك الواقع والتعامل معه وهو الذي يمثل معني التقييد في الإنسان، بهذيين المعنيين يشهد الإنسان الله شهادة تجريد وشهادة تقييد. والدين يعلمنا أن نعمل بما أعطانا الله من حكمة، فنعمل عقولنا، ونذكر بقلوبنا، ونتعبد بجوارحنا، ونجاهد أنفسنا، ونعمل عملا صالحا، ونجاهد بنفوسنا وبأموالنا. لاحظت في هذا الحديث أني أذكر “كما شرع الله لك..” فغيرتها إلي ” كما تفهم فيما شرع الله لك …“. وهذا ما أقصده في كل مرة يتكرر فيها هذا المعني.
مفاهيم دالة :
- ١-١-١٥-٢ تذكير الإنسان بما فيه من سر الله وبأنه مخلوق لهدف أعلى
- ١-٢-١١-٢ الإنسان الذي يفعل قدراته يصل إلى أفضل ما يمكن أن يصل إليه
- ٢-٢-٢٤-٣ مجاهدة النفس بالعمل والتفكر والذكر والدعاء
٨٥ - الباقيات الصالحات هي ما جاءت به رسالات السماء فإذا أعد الإنسان نفسه لاستقبالها تتجمع فيه الحقائق وتصدر منه الحقائق
تاريخ الحديث: ١٩٨٨/١٠/٧
”… الجهاد والمجاهدة، والسعي والعمل، والتأمل والتدبر، والتفكروالذكر الدائم، كل هذه المعاني نخاطب بها في ديننا، ونخاطب بها في رسالة الحق لنا في كل رسالة حق بلغنا بها (قل لهم في أنفسهم قولا بليغا) قل لهم أنهم مخلوقون للحق والحياة، وأنهم مكلفون أن ينظروا لما أودع الله فيهم، ولما أوجد الله بهم، ولما أفاض الله به عليهم، في وجودهم، وفي قيامهم. قل لهم أنهم بوجودهم قادرون أن يغيروا ظلامهم، وأن يحييوا قلوبهم، قل لهم أنهم سرمن أسرار الله، وأن لهم مكانة خاصة بين الكائنات في هذه الحياة، حملوا الأمانة، وبلغوا الرسالة، وملأ الله أرضهم برسالات الحق الدائمة الباقية، فكانت أرضهم محلا لرسالات السماء، ولرسل السماء، تحدثوا بنورالحق عليها، فملأوها نورا وقوة وحياة. كانت المعاني التي جاءت به هذه الرسالات هي الباقيات الصالحات،هي البذورالصالحة،هي الكلمات المنيرة لمن طلبها، ولمن أعد نفسه لها. قل لهم أنهم وهم يجاهدون، وهم لقلوبهم يحيون، ولوجودهم يطهرون، ولصلاتهم يقيمون، أنهم بذلك يكونون مركزا يتجمع فيه كل خير وكل فلاح، وكل حق وصلاح. قل لهم إنا سنريهم آياتنا في الآفاق حتي يأخذوا من هذه الآيات ما يثبتون به فؤادهم، وما يحيون به قلوبهم، وما ينيرون به عقولهم. قد خلقناهم ليروا آيات الحق حولهم، وليسمعوا حديث الحق لهم. خلقنا لهم عيونا وآذانا ليروا ويسمعوا، خلقنا لهم جوارح ليحولوا الحقائق حولهم الي حقائق في وجودهم، وحقائق في نفوسهم، وحقائق في قلوبهم. قل لهم إنا سنريهم آياتنا في أنفسهم، في وجودهم، وفي خلقتهم، ليحولوا هذه الحقائق في وجودهم الي حقائق تظهر عليهم، فيكونوا مثلا صالحا يحتذي به، مصابيح هدي، ومنارات حق. يخرجون ما فيهم من حقائق ونعم لتظهر علي وجودهم مثلا للصلاح والفلاح (وأما بنعمة ربك فحدث) (تكلموا تعرفوا) (كل إناء ينضح بما فيه). فالإنسان وهو قائم علي الأرض بين أخذ وعطاء، بين إستقبال وإرسال، تتجمع فيه الحقائق يوم يكون أهلا لها، وتصدر منه الحقائق يوم يكون أهلا لذلك. فيأخذ ويعطي كسبا في الله، وقصدا لوجه الله. إن كل إنسان مكلف، وإن كل إنسان مخاطب، وأن ليس للإنسان إلا ما سعي، ومن يعمل مثقال ذرة خيرا يره، ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره، وفي أنفسكم أفلا تبصرون، وفي قلوبكم أفلا تدركون، وفي عقولكم ألا تتفكرون. إنتبهوا الي الحياة فيكم وبينكم، إنتبهوا الي أوامر الحق لكم وانتبهوا الي تبليغ الحق بكتابه إليكم. لا تتركوه وتدعوه بعيدا عنكم، لا تغيبوه ولا تبعدوه، إقرأوه وتأملوه وتفقهوه وتدارسوه، واجعلوا لكم فهما في كل آية، عرضوا أنفسكم لنفحاته ولرحماته يوم تدركوه حيا يخاطبكم، يوم تدركوه معني يسري في وجودكم، لا حبرا علي ورق وإنما قيام حي يعلمكم ويفقهكم (إنه لقول رسول كريم ذي قوة عند ذي العرش مكين). إن الكسب في الله لا نهاية له، وإن الإستقامة لا نهاية لها، وإن الطريق في الله لا نهاية له، فاعملوا وتأملوا واتقوا الله حق تقاته، واعلموا أنكم للحق مخلوقون، وبما أودع الله فيكم من معني الحياة مكلفون، وبما أودع الله فيكم من طاقات مأمورون، وبما أودع الله فيكم من إمكانات يجب أن تكونوا لها معملون، عقولكم بها مفكرون، وقلوبكم بها ذاكرون، وجوارحكم بها عابدون، الحق له سامعون، والنورله طالبون. ترجون أن تكونوا عبادا لله خالصون، له شاكرون وفي رحمته طامعون، ولمغفرته سائلون. إن الدين لواقع، الدين ليس بعيدا عنكم، الدين قريب منكم، الدين في الأحسن والأقوم والأكرم، الدين حياتكم، الدين هوما هوخيرلكم، وأحسن لوجودكم، واصلح لقيامكم، الدين لكم، وأمرالحق لكم، وتوجيه الحق لكم، فلا تغيبوا الدين بعيدا عنكم، أعمالكم لكم، صلاتكم لكم، وعباداتكم لكم، ومعاملاتكم لكم، كسبكم لكم (ووجدوا ما عملوا حاضرا). قانون الحياة يخبركم أن الله لا يضيع أجر من أحسن عملا، قانون الحق يخبركم أن السماء وضعها ورفع الميزان، ميزان الحق والحياة بدقة متناهية (من يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره)..”
تعليق:
يربط هذا الحديث معني الباقيات الصالحات وهي ما جاءت به رسالات السماء والإنسان وهو قائم علي الأرض . إذا أعد الإنسان نفسه لإستقبال ما جاءت به رسالات السماء تتجمع فيه الحقائق وتصدر منه الحقائق لأنه أصبح أهلا لذلك. ما جاء في هذا الحديث يتكرر بصور مختلفة في أحاديث كثيرة لأنه خاص بالسلوك في طريق الحياة كما أفهمه.
مفاهيم دالة :
- ١-١-٧-١ الدقة المتناهية والتي هي مظهر من مظاهر العدل الذي باطنه رحمة
- ٣-٥-٣-١ نظر الإنسان لما أودع الله فيه ليغير ظلامه
٨٦ - تأمل في بعض آيات سورة الليل وربطها بأحوال الإنسان
تاريخ الحديث: ١٩٨٨/١٢/٢
أمرنا ديننا أن نقرأ كتابه إلينا، وأن نستمع لحديثه لنا متطهرين، لنستقبل فيوضات الحق، وكلمات الحق التي يلقيها إلينا فنتلقاها فنصلح ونذكرونحيا. أمرنا أن ننظر في ظواهر الحياة حولنا (والليل إذا يغشي والنهار إذا تجلي وما خلق الذكر والأنثي إن سعيكم لشتي). تأملوا في هذه الآيات، في هذه الكلمات، وهي حال في الإنسان، حال في سلوك الإنسان، وفي قيام الإنسان (إن ناشئة الليل أشد وطأ وأقوم قيلا). وها نحن اليوم في ناشئة الليل من وجودنا، في ليل علي أرضنا، في حجاب بوجودنا. فرؤيتنا علي أرضنا محدودة، لا نشهد بظاهر وجودنا إلا قياما محدودا(والليل إذا يغشي). نعلم أن كل ليل له نهار يتجلي لنري ونشهد ما لم نكن نري ونشهد في ظلام ليلنا. ونعلم أن الله خلق وجعل لكل شيء سببا، وجعل لخلقنا سببا، وجعلنا بقيامنا علي الأرض سببا (وما خلق الذكر والأنثي). وأشهدنا سبب وجودنا يتكرربلا إنقطاع. وكنا بما نفعل علي هذه الأرض في هذا الظلام أسبابا بحاضرنا لقادمنا. نتحرك ونسعي بما فينا من قوة في كل إتجاه. الحق يوضح لنا، ويعلمنا، ويوجهنا، ويرشدنا أن ننظرحولنا، فنري الناس في سعيهم شتي، ونري كل فرد في حاله، وفي قيامه، وفي سلوكه، وفي حركته، يعمل بما له أهل (فأما من أعطي واتقي وصدق بالحسني فسنيسره لليسر). أما من عرف ربه، وعرف حقه، وعرف طريقه، وعرف وجوده، أدرك أنه للحق مخلوق، وأنه للنور مطلوب، فعمل وجاهد، ودعي وصلي، وإتصل وإجتمع، وذكروأعطي. فالعطاء هنا كل عمل يصدر عنه، لم يبخل بعطاء الله له، وإنما تحرك بعطاء الله إليه، بذل جهدا، وسعي سعيا، وذكرا ذكرا، وصلي صلاة، ودعا دعاءا، وخشي الله خشية، وعلم أن أمامه الكثير، فأدرك العبودية لله (أنا أقربكم من الله وأخوفكم منه)(ها أنا رسول الله بينكم ولا أدري ما يفعل بي غدا). أعطي وأتقي وصدق بالحسني فيسر لليسري فكان أهلا لرحمة الله، وكان أهلا لعطاء الله، وكان أهلا لإصطفاء الله. وكان أهلا لأن يصبر رسول الله نفسه معه(واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي ولا تعدو عيناك عنهم.. ). وأما من بخل واستغني، أما من لم يعطي ولم يعرف كيف يعطي، ولم يعمل بما أعطاه الله، وبما وهبه الله من عطاء وأسرف علي نفسه، ولم يري عطاء الله له، لم يري كيف يكون مجاهدا باذلا ساعيا ذاكرا عاملا، إستغني عن معاني الحق إليه،عبد نفسه، وعبد وجوده، مستغنيا عن أعلاه، مكذبا بما هو أحسن، بما هو أفضل، بما هو أقوم، طلب العاجلة وقام فيها، ولم يدرك أن وراءها لوعرف يجب أن يكون مقصوده وجه لله، وكسب في الله. يكون بذلك قد كذب بالحسني ويييسره للعسري، لن يكون أهلا لرحمة الله، ولا لإصطفاء الله، ولا لأن يصبر رسول الله نفسه معه(لا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا). إنا ما نريد أن نتعلمه أن نقرأ كتابنا، وأن نسمع لحديث الحق لنا، وأن نربط بين أحداث الحياة ، وأن نطلب بيانه (هو الرحمن فاسأل به خبيرا)، (إذا قرأناه فاتبع قرآنه ثم إنا علينا بيانه). بيانه يوم يتقي ويخشي الإنسان ربه، يوم يقوم مستقبلا لفيوضات الحق عليه، يوم يقوم متأملا في حديث الحق إليه، يتأمل في آيات الحق، ويعرف أن كل آية ترتبط بالأخري، فلا يفرق بينها، فهي تشرح بعضها بعضا. إنا علي هذه الأرض في حجاب، ولكن في أنفسنا ما يذكرنا بقديمنا وقادمنا، إن كنا لا نري حولنا لوجودنا في ظلام علي أرضنا فإنا نستطيع أن نري يوم نعكس البصر الي داخلنا، والحق يعلمنا(وفي أنفسكم أفلا تبصرون). إتجهوا الي أعماقكم، والي قلوبكم، ستجدوا الحق بين جوانحكم، وستجدوا النورفي قلوبكم، وستجدوا الحياة في وجودكم، وستجدوا الدين في فطرتكم، وستجدوا العلم في تقواكم، فإذا كان ظاهركم ليلا فباطنكم نهارا، لأنكم تشهدون أنفسكم، تشهدون ضمائركم، تشهدون أفكاركم، تشهدون نياتكم، كل إنسان علي نفسه بصير. فانظروا وتعلموا أن تتجهوا الي قلوبكم، وأن تنظروا الي وجودكم، وأن تتعلموا من فطرتكم، وأن تتعرضوا لنفحات الحق حولكم فتساعدكم علي أنفسكم، وتعلمكم وترشدكم كيف تشهدون الحق فيكم. إن آيات الحق لنا تعلمنا الكثير في سلوكنا في حاضرنا، وتخبرنا عن قادمنا، كما أخبرتنا عن قديمنا، ولكن أكثر الناس لا يتعلمون من آيات الحق، يرددونها ولا يقرأونها، بآذانهم يسمعون، ولكن هم في حقيقة الأمرلا يسمعون…”
تعليق:
هذا الحديث هو تأمل في هذه الآيات ” والليل إذا يغشي والنهار إذا تجلي وما خلق الذكر والأنثي إن سعيكم لشتي…” ويربطها بآيات أخري. قمت بتصحيح كثير من الكلمات وحذفت بعضها لتكون الصياغة أكثر وضوحا في التعبير عن المفهوم.
مفاهيم دالة :
- ١-٢-٧-٢ التركيز في قراءة آيات الحق على ما أخبرنا به عن قديمنا وقادمنا باتجاهنا إلى قلوبنا
- ٢-١-٦-٢ ييسر الإنسان للعسرى فلا يكون أهلا لرحمة الله
- ٢-١-٩-٢ لا يستجيب الإنسان لداعي الحق ولا يعمل ما أعطاه الله من نعم
- ٢-٢-١٧-٢ العطاء هو كل ما يصدر عن الإنسان ليخرجه من الظلام إلى النور ومن الباطل إلى الحق
- ٢-٢-٢١-٤ يتأمل في آيات الحق له ويربط بينها
- ٣-٢-١٢-١١ يخشى ربه
- ٣-٢-٨-١ قيام الإنسان في حجاب لا يجعله يرى الحقيقة، ولكنه يستطيع أن يراها يوم يعكس البصر إلى داخله
٨٧ - تركت فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي ما إن تمسكتم بهما لا تضلون أبدا فإنهما لا يفترقان أبدا
تاريخ الحديث: ١٩٨٩/٢/١٧
”… إن دين الحياة يخاطبكم ويرشدكم ويوجهكم. يحدثكم حديثا مستمرا دائما فيما ترك فيكم وبينكم (تركت فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي ما إن تمسكتم بهما لا تضلون أبدا فإنهما لا يفترقان أبدا). وتركت فيكم هنا لا تعني فقط كتابا، أو سلوكا ظاهرا، وإنما تعني وجودكم وفطرتكم. فكل رسالة ظهرت علي هذه الأرض تركت في جوها، وفي أثيرها، وفي كل جزئية وجزييء عليها، في كل كائن يسيرعليها، قوة روحية، وقوة حقية. فيوم ظهر رسول الله (صلعم) علي هذه الأرض، وتلقي رسالة من ربه، ونطق بها وعلمها، كل كلمة نطق بها لم تذهب سدي. هي باقية علي هذه الأرض وباقية في كل مظهر من مظاهر الحياة علي أرضنا. إنا نتعلم اليوم بما أشهدنا الله، وعلمنا من علمه، ومن أسباب الحياة حولنا، نتعلم أن كل شيء باق، كل كلمة باقية محفوظة في أثيرهذه الأرض، وأن كل كلمة تسمعها اليوم باقية فيك، يوم تعرض نفسك لها، وتعرض وجودك لها، وباقية في ذريتك، وباقية في كل ما ينتج عنك، فقد أصبحت جزءا من وجودك، وجزءا من حياتك، وجزءا من قيامك، مندمجة في طاقاتك، وفي إمكاناتك، وفي وجودك. إنك يوم تنظر الي جوهرك، يوم تعكس البصر الي داخلك، يوم تتجه الي قلبك، يوم تفتش عن الحق فيك، سوف تجد كتاب الله فيك، وعترة رسول الله فيك، فحين تستمع الي حديث الله خارجك، وتعكس ما تسمع الي داخلك، تري له صدي في وجودك، وتري أنه قائم في حياتك، فلا تراه غريبا ولا تشعر به بعيدا، إنما تشعر به قريبا، أقرب إليك من حبل الوريد، ومعك أينما كنت. إنك يوم تتأمل في قضية آدم، وخلق آدم، وتداني آدم الي الأرض، تدرك هذه الحقيقة. تدرك أن الحق وهو يقص عليك قصة آدم عليه السلام، يعلمك قضية الإنسان. فيوم يقص عليك لحظة خلق آدم، والملائكة تتساءل (أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك..) فيجيب الحق (إني أعلم ما لا تعلمون). فإذا نظرنا الي تتالي الأحداث، والي سبب نزول آدم الي الأرض ندرك أن آدم لم يخلق ليكون بعيدا عن الأرض. فإذا جرت الأحداث وقلنا إن آدم عصي ربه، فقد عصي في إطار القانون، وكان ذلك هو السبب الذي من أجله نزل، والذي من أجله في نفس الوقت خلق، فكان نزوله علي الأرض هو بداية كماله ليكون خليفة لله علي أرضه. تلقي آدم من ربه كلمات فأدرك معني الحقيقة فيه، وتذكر ما كان عليه، فنظر الي داخله، فوجد ربه في قيامه، وجد قانون الحياة، قانون الوجود، وجد معاني الحياة في فطرته، وجد رسالة الحياة في قيامه، فاكتمل وجوده، واكتمل قيامه. إن قضية آدم هي قضية الإنسان. ورسالات السماء للإنسان هي تلقي آدم من ربه لكلمات. وقضيتنا اليوم أنا وقد خلقنا في هذا المكان والزمان فإن فينا سر الحياة، وسر الوجود(وفي أنفسكم أفلا تبصرون). إن قضيتنا أن نجاهد أنفسنا حتي نري ما أودع الله فينا، وحتي نشهد كتاب الله فينا، وعترة رسول الله فينا. نتجه الي قلوبنا، ونتجه الي أعماقنا، مستعينين بقوة من الله، وبقوة من رسول الله، طالبين غير جاحدين، سائلين غير مستكبرين، مجاهدين غير متقاعسين، مؤتلفين غير متنافرين، ملتقين غير متفرقين، داعين ربنا بالغداة والعشي نريد وجهه في أمرنا غير مفرطين، ولأمانة الحياة فينا مكبرين، ولمعاني الحق فينا مقدرين، آملين غير يائسين، نطلب الله في كل أمر، ونتعامل معه في كل عمل، ونسأله في كل سؤال، ونرجوه في كل رجاء…”
تعليق:
في معني تركت فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي كان هذا الحديث الذي شرح هذا المعني بصورة غير المتعارف عليها بأن كل كلمة حق هي كلمة حية تبقي علي هذه الأرض. وإن الإنسان حين يعد نفسه بذكر الله يستقبلها من خارجه ومن داخله. فهي باقية في أثير هذه الأرض كما هي باقية فيه من آبائه وأجداده. وربط الحديث بين هذا التأمل وقضية آدم الذي يعبر عن الإنسان الذي تلقي من ربه كلمات فأحييت داخله وعلم آدم الأسماء كلها ليقرأ آيات الله فيما يحيط به. تمت إعادة صياغة بعض الجمل، تم حذف بعضها للتكرار.
مفاهيم دالة :
- ١-١-١٣-٢ تبقى كل رسالة من الله في أثير هذه الأرض بمعانيها الحقية
- ٣-٢-٨-٢ قراءة الإنسان لكتاب الله ولحديث رسول الله وعرض ما قرأه على داخله ليرى إن كان له صدى في وجوده
٨٨ - البحث في مفاهيم ما وراء العبادات والمعاملات وكل أمر ونهي وكل ما جاء به دين الفطرة هو ما نطلق عليه تعبير “الفقه الحقي
تاريخ الحديث: ١٩٨٩/٥/١٩
”… دين الإسلام للكافة، دين الإسلام للإنسان في كل مكان وزمان، دين الإسلام حقيقة واقعة بالمفهوم الحقي للعقيدة في الإسلام، العقيدة التي هي وراء كل أمر، وكل منسك، وكل عبادة، وكل نهي. العقيدة التي تضفي علي المنسك قيمته، وتضفي علي الأمر رفعته، وتضفي علي النهي تحريمه. إن الفقه الحقي هو الأساس والجوهرالذي يستحق منا ومن علمائنا، ومن كل صاحب فكر وعقل، وطاقة تأملية وتعبدية، أن يبحث فيه، وأن يتأمل فيه، لأننا لم نؤمر لنتحرك مقلدين، أو نردد غير مفكرين، إنما أمرنا لنتفقه فيما به وإليه وجهنا (لكل جعلنا شرعة ومنهاجا)(كتب عليكم الصيام كما كتب علي الذين من قبلكم). إن المعاني الحقية موجودة علي الأرض بخلقتها، كما أن كل أسباب الحياة وعلومها موجودة علي الأرض بتواجدها، إنما نكتشف نحن أهل هذه الأرض كل يوم جديدا علينا. فالرسالات السماوية جاءت لتساعد الإنسان علي كشف أسرار الحياة الموجودة له. وبما جاءت به أضافت الي رصيد الأرض الحقي معان، يبدأ الإنسان منها ليضيف هو أيضا بإدراكه وتأمله وعبادته وذكره معان، لينتفع بها الناس في قادمهم، فيضيفوا هم أيضا بسر الله فيهم علي ما هو موجود، في لانهائي معرفة ولانهائي عطاء(إن هذا لفي الصحف الأولي صحف إبراهيم وموسي). فحديث الإسلام هو للإنسان في كل مكان والزمان. حديث الإسلام يعبر عن قوانين الحياة، يعبر عنها في أركانه وأوامره. شهادة لا إله إلا الله وشهادة أن محمدا رسول الله تعبران عن قضية في الإنسان وسلوكه وحركته وقيامه وسره. الصلاة تعبرعن قضية في سلوك الإنسان، وقيامه وتعامله. الصيام يعبرعن قضية في الإنسان وسلوكه، وإستقامته، وترفعه وتخلقه بأخلاق خالقه. الزكاة تعبرعن قضية في الإنسان وتعامله، وملكيته المخلف هو فيها، وكيف يؤديها ولمن يؤديها. الحج يعبرعن قضية علي الأرض في مركز الحياة عليها، وفي إتجاه الإنسان الي هذا المركز، وشد الرحال إليه حقا قبل أن يكون شكلا. إن الدعوة الي الإسلام تكليف لكل قادر أن يقول كلمة حق، وكلمة صدق، وإن القالب الذي يحتوي علي كل هذه المفاهيم هو رسالة وظيفتها الأساسية أن تحافظ علي جوهرها، لتصل الي طالب الحق في أي مكان وزمان، ليفتح هذه الرسالة ويقرأها. ولكن المجتمع الذي نعيش فيه أبي إلا أن يفرغ هذه الرسالة من مضمونها بجهله، وبسوء عمله وفكره ودعوته، فأفرغ المضمون من القالب، وأعطي القالب فارغا للطالبين، فأخذوه ولم يجدوا فيه شيء فتركوه. إن الأساس في الإسلام أن يحب الإنسان لأخيه ما يحب لنفسه، يحب الخير لأخيه لإنسان في أي مكان وفي أي زمان، في أي بيئة ومن أي جنس، في أي ملة ، كما يحب لنفسه. يدعو الي الحق ويدعو الي الخير. وإن الجهاد في الإسلام أشكاله متعددة. فإن كان هناك جهاد بالنفس ،المال، فهناك أيضا جهاد بالفكر والقلب. وما كان الإسلام في يوم معتديا أو مكرها أحدا أن يسلك أسلوبا معينا، إنما كانت الحرب في الإسلام من أجل نشركلمة حق يريد من آمنوا بها أن تصل لكل إنسان، وأن تكون لكل إنسان حريته في إختيار إسلوب الحياة التي يريد أن يعيشها، حريته في أن يقول قولا، وفي أن يظهر فكرا، وفي أن يعلم علما…”
تعليق:
تم في هذا الحديث استحداث تعبير “الفقه الحقي” الذي يبحث في مفاهيم ما وراء العبادات والمعاملات وكل أمر ونهي وكل ما جاء به دين الفطرة. وهذا التعبير هو مرتبط بمفهوم في العقيدة علي أنها وراء كل أمر، وكل منسك، وكل عبادة، وكل نهي.
مفاهيم دالة :
- ٢-٢-٢٤-٣ مجاهدة النفس بالعمل والتفكر والذكر والدعاء
- ٣-٣-٢-٣ الاستجابة لمؤذن الحج
- ٣-٥-٣-٢ جهاد بالفكر المستقيم والدعوة الصادقة
٨٩ - جعل الحق لنا صلاة الجمعة لتكون تذكرة علي اجتماع القلوب وترابط العقول وتآلف الأرواح
تاريخ الحديث: ١٩٨٩/٧/٢٨
”… لقد جعل الحق لنا هذا اليوم يوما جامعا ليكون رمزا علي الصلاة الجامعة، علي القلوب المتراصة. فيه نتجه الي الله، ونجأر اليه، نطلب صلة، ونطلب قوة، ونطلب رحمة. فيه نستمع لمعاني الحق فينا تنادينا لمنادي الإيمان فينا، يدعونا الي طريق الحق والحياة. نسمع في هذا اليوم قلوبنا بمعاني الحق فيها وهي تجأر من وطأة الظلام يحيط بها من كل جانب، تجأر الي بارئها طالبة عونا وقوة لتكون لها الغلبة في أرضها، وألا تتثاقل الي الأرض. إنه يوم يرمز الي تلبية النداء لا تلهينا فيه تجارة ولا بيع عن ذكر الله. نعيش ساعة نطلب وندعو بجمعنا وبقلوبنا أن تكون كرتنا رابحة. إن قلوبنا تجأر الي الله أن يكشف الغمة، تجأر الي الله أن يعم الخير والنور والحياة، تجأر الي الله وهي تري الظلام وقد إستشري وتردد ليس لها من دون الله كاشفة. تجأر بما فيها من معرفة أن الله قد جعل لكل شيء سببا وجعل من اللجوء إليه بالدعاء سببا، تدعو وتطلب الخير للناس أجمعين، بادئين بأنفسنا ونحن نري فينا ظلاما من ظلام مجتمعنا، ونري فينا تقاعسا من تقاعس بيئتنا، لا نستثني أنفسنا بظلامها، وإنما نبدأ بها، ونسأل الخير لها، فلا خير منا لمجتمعنا إن لم يكن فينا خير لأنفسنا ولجماعتنا ولإخواننا. إنا نجتمع في هذا اليوم لنجأر الي الله، ولنشكو ظلامنا وقلة حيلتنا، طالبين قوة، طالبين رحمة، طالبين حياة، طالبين أن نكون أكثر إخلاصا، غير راضين عن أنفسنا بظلامها، نريد لها أن تكون أفضل، وأن تكون أكرم، وأن تكون أرفع، غير ناسين فضل الله علينا أن جعلنا نجأر إليه، ونتجه إليه. لا يعني أن تذكر نعمة الله عليك أن تنسي أن كسبك في الله بلا نهاية، وأن أمامك الكثير الذي يجب أن تغيره في نفسك وظلامها. ولا يعني أن هناك الكثير الذي يجب أن تغيره أنك خال من نعمة الله، ومن فضل الله، ومن كرم الله. بل أن فيك طاقة كبري ونور كبير ولكننا نعلم أن الكسب في الله لا نهاية له وأن الإرتقاء في الله لا نهاية له…”
تعليق:
حديث عن معني صلاة الجمعة يعطي تـأملا في الآية ” إذا نودي للصلاة في يوم الجمعة …” وفي آيات أخري عن تلبية الإنسان لنداء الحق والتجمع للصلاة الجامعة التي يدعو المجتمعون فيها بأن تكون كرتهم رابحة وأن يساعدهم علي ظلام نفوسهم وأن دعآءهم هذا لايعني أنهم محرومون من نورالله. ولكن طلب الإنسان للصفاء والنقاء لاينتهي فدائما سوف يكون هناك ظلام يغيب ليحل محله نور.
مفاهيم دالة :
٩٠ - يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم الذي خلقك فسواك فعدلك في أي صورة ما شاء ركبك
تاريخ الحديث: ١٩٨٩/٩/٢٢
-”… إن الله قد خلق الإنسان ليجعله معني حيا (خلقتك لنفسي ولتصنع علي عيني)(خلق الله آدم علي صورته). فالإنسان يحمل أمانة كبري حمله الله إياها، وفضله علي جميع الكائنات، وخلفه علي الأرض(ما ظهر الله في شيء مثل ظهوره في الإنسان). فهل قدر الإنسان هذه الأمانة؟ هل قدر الإنسان وجوده؟ هل قدر الإنسان قيامه؟ هل عرف الإنسان أنه بطاعة ربه، وبإكبار حقه، يستطيع أن يكون قياما أعظم ووجودا أكبر وإنسانا أصلح؟ دين الحق يعلمه ذلك، ويكشف له ذلك (عبدي أطعني أجعلك ربانيا تقول للشيء كن فيكون). دين الحق يعلم الإنسان كيف يكون ربانيا كيف يكون متخلقا بأخلاق الله، كيف يكون أكبر، وكيف يكون أفضل، دين الحق يعلمنا كيف نصل الي هذا الهدف، وكيف نتعامل مع أنفسنا، ومع مجتمعنا، لنصل الي هذا الهدف (وفي أنفسكم أفلا تبصرون). يوجهنا أن ننظر الي أنفسنا، وأن نعكس البصر الي داخلنا، لنشهد ما هو موجود فينا، وما هو قائم بنا من معاني الحق والحياة. يعلمنا أن الإنسان قيام حقي (يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم الذي خلقك فسواك فعدلك في أي صورة ما شاء ركبك). أتظن أنك خلقت عبثا؟ أتظن أنك خلقت صدفة؟ أتظن أنك خلقت للاشيء وللاهدف؟ أتظن أن هذه صورتك فقط؟ إن لك صورا كثيرة، ولك أشكالا كثيرة، ولك مجالات كثيرة، وتواجدات كثيرة ومتعددة. إنك وإن كنت قد تواجدت اليوم في هذه الصورة فقد كان لك في قديم صورة، ولك في قادم صورة (في أي صورة ما شاء ركبك). فيا أيها الإنسان إن رحلتك في الحقيقة لا بداية لها ولا نهاية لها، فأنت سر عظيم، وفيك السرالأعظم، سراللابدأ واللانهاية، سرالأبدية والأزلية، سرالقديم والقادم، سر الغيب والشهادة، إن فيك يا إنسان قياما أكبر، ووجودا أعظم. يا أيها الإنسان أذكرربك، واذكر حقك، فقد عاهدت الله يوم خلقك بمعاني الحق فيك، وتلقيت معاني الحق في وجودك، إنك يوم ترجع الي داخلك تري الحقائق واضحة، فهي موجودة فيك، وليست بمستحدثة عليك، إن فيك فطرة الحياة، ونور الحياة، وقانون الحياة. علينا أن نقدر وجودنا، وأن نعرف أن فينا سرا كبيرا وأمرا عظيما. معني الحق فينا نكبر، ونتعامل مع الله في كل أعمالنا، ونحتسب عند الله كل أحوالنا، ونقصد وجه الله في كل حركاتنا، ونذكر الله قياما وقعودا وعلي جنوبنا، نحمد الله في كل أعمالنا، ونستغفر الله من ظلام نفوسنا، طامعين في رحمته وفي مغفرته وفي نعمته، متجهين إليه، متوكلين عليه، قاصدين وجهه…”
تعليق:
حديث عن الإنسان مركز ومختصر يعطي تـأملا في الآية ” يا أيها الإنسان ما غرك …” وفي آيات أخري عن هدف خلق الإنسان، وصور تواجده، وما في الإنسان من قيام أكبر، ووجود أعظم
مفاهيم دالة :
- ١-١-١٢-٣ الإنسان له صور كثيرة أوجده الله فيها في قديم وفي قادم
- ١-١-١٥-٢ تذكير الإنسان بما فيه من سر الله وبأنه مخلوق لهدف أعلى
- ٢-٢-١٦-٣ إدراك الإنسان لمعنى خلافته لله على هذه الأرض
٩١ - علي الإنسان أن يعمل ما أعطاه الله إياه ليعرف طريق الحق والحياة، وليعرف طريق الفوز والنجاة
تاريخ الحديث: ١٩٨٩/١٢/٢٩
”… نعلم بما تعلمنا أن كل شيء خلق من أجل الإنسان. وأن علي الإنسان أن يتأمل فيما أوجده الله عليه. وأن يعمل ما أعطاه الله إياه ليعرف طريق الحق والحياة. يتأمل في صفاته وفي أفعاله وفي حركاته وسكناته. دين الحق يصف له سلوكه، ليتعلم الإنسان من هذا الوصف. ليعرف أنه إذا كان قد خلق في حال فهذا هو قانون الحياة. وأنه ليصبح في حال آخرعليه أيضا أن يتبع قانون الحياة. فنري هذه الآيات التي تصف حال الإنسان (خلق الإنسان هلوعا إذا مسه الشر جزوعا وإذا مسه الخير منوعا إلا المصلين) (إن الإنسان لربه لكنود وإنه علي ذلك لشهيد وإنه لحب الخير لشديد). حين نتأمل في هذه الآيات وننظر الي نفوسنا نعرف أن هذه الآيات تصف حال الإنسان في بداية سلوكه، وفي بداية إفاقته، فندرك أن علينا أن نسلك طريق الحق والحياة وأن نجاهد أنفسنا. حين ينظر الإنسان الي نفسه ويجد تساؤلاته وظنونه في قراءته لهذه الآية (يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم الذي خلقك فسواك فعدلك في أي صورة ما شاء ركبك) وهي تخبره عن حاله وتجيبه عن سؤاله، يبدأ في رحلة في أعماق نفسه يبحث عن الإجابة الموجودة في فطرته. فكل سؤال يسأله الإنسان عنده إجابته، وكل خاطر يجول بعقل الإنسان عند الإنسان جوابه. فإذا ظهر السؤال فهذه بداية الجواب. لأن حين يظهر السؤال يبدأ الإنسان في محاولة جادة للمعرفة ولطلب الحق والحقيقة. وحين نتأمل في آيات الحق وهي تصف حال الإنسان فهي كذلك تصف ما يجب أن يقوم فيه الإنسان ليخرج من هذا الحال (والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر)(خلقنا الإنسان في أحسن تقويم ثم رددناه أسفل سافلين إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات)(خلق الإنسان هلوعا إذا مسه الشر جزوعا وإذا مسه الخير منوعا إلا المصلين). آيات الحق تصف للإنسان كيف يخرج من حال ظلام نفسه بالإيمان والعمل الصالح والصلاة. الإيمان لا يأتي إلا بالتأمل، إلا بالتفكر، إلا بالتدبر. وقصص الأنبياء توضح لنا ذلك حين يقص علينا الحق كيف يقوم الإنسان متسائلا، متأملا، متدبرا. نري الأنبياء جميعا عليهم السلام هم في مرحلة البحث عن الحقيقة يتأملون، يتساءلون، إلي ربهم يتجهون، يتدبرون، يتفكرون، يعقلون، لمعاني الحق فيهم يعملون، لمعاني الحق في فطرتهم يقبلون، لمعاني الباطل يميزون فلها لا يتابعون. هؤلاء هم من قالوا ربنا الله ثم إستقاموا (الذين قالوا ربنا الله ثم إستقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وابشروا بالجنة التي كنتم توعدون). إن قانون الحياة هو أن الله يجيب الداعي إذا دعاه. وإبراهيم عليه السلام يقول:(إن لم يهدني ربي لأكونن من الضالين). وهذا سر الإنسان أنه يستشعر بوجوده معني الغيب عليه فيتجه إليه غير مفرط فيما أودع الله فيه من طاقات، وإنما معمل لما أوجد الله فيه من إمكانات (الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلي جنوبهم ويتفكرون في خلق السموات والأرض). فأول طريق لخروجك من ظلام نفسك، وأن تكون من الفائزين، وأن تخرج من دائرة الذين هم مرتدون لأسفل سافلين، أن تكون من الذين آمنوا، ولتكون من الذين آمنوا عليك أن تعمل عقلك، وعليك أن تتجه الي الغيب سائلا داعيا، غير مفرط في أمر وجودك بما أشهدك الله من معاني الخير في دنياك. والإيمان درجات لا تنتهي. كلما آمنت كلما ادركت أنك تريد الإيمان أكثر، وأنك تريد أن تكون مؤمنا أكبر، وأقوم، وأفضل. ولا يستقيم عملك ولا تكون من الذين يعملون الصالحات إلا يوم تكون مؤمنا. لأن العمل ينسب الي الإنسان، والأعمال بالنيات، وإنما لكل أمريء ما نوي، فالحدة في الحق حمية مطلوبة، والتسامح مع الباطل مرفوض غير مطلوب. والمؤمن وليه الله، والذين كفروا وليهم الطاغوت. فالعمل الصالح لا يصدر إلا من إنسان صالح، فلتكون من الذين يعملون الصالحات عليك أن تصلح نفسك وأن تكون من الذين آمنوا. عليك أن تدرك أنك إن لم تقيم صلة بمعاني الحق عليك لتتزود بقوة تجعلك قادرا أن تجابه موجات الظلام في نفسك، فإنك لن تستطيع أن تستمر في حياتك في طريق الحق والحياة. هكذا نتعلم في ديننا كيف نخرج من دائرة الظلام الي دائرة النور، ومن دائرة الباطل الي دائرة الحق، ومن دائرة الجذع الي دائرة الإطمئان والسلام، ومن دائرة الأنانية الي دائرة الإيثار والعطاء…”
تعليق:
حديث عن الآيات التي تصف حال الإنسان وكيف يصلح هذا الحال مثل ” خلقنا الإنسان في أحسن تقويم …إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات” و” خلق الإنسان هلوعا إذا مسه الشر جزوعا …إلا المصلين” فهكذا تصف لنا الآيات الداء وتصف لنا الدواء.
مفاهيم دالة :
- ١-٢-١٣-٣ الإنسان بقبوله لفطرته يمكنه أن يحيى
- ٢-١-٥ كنود الإنسان
- ٢-١-٨-٢ يتخذ الإنسان الطاغوت وليا
- ٢-١-٩-١ كما خلق الله في الإنسان من صفات تعيقه عن النمو الروحي فإنه قد أعطاه قدرة على تغييرها
- ٢-٢-١٧-٢ العطاء هو كل ما يصدر عن الإنسان ليخرجه من الظلام إلى النور ومن الباطل إلى الحق
- ٣-٢-٤-٣ آيات الحق تصف للإنسان كيف يخرج من حال ظلام نفسه بالإيمان والعمل الصالح والصلاة
- ٤-١-٢ الدعاء والصلاة إذا مس الإنسان الشر وإذا مسه الخير
٩٢ - العيد هو اللحظة التي يشعر فيها الإنسان بصلته بالله منزها له عن أي صورة
تاريخ الحديث: ١٩٩٠/٤/٢٦
”… إن العيد هو معني لقيام الصلة بين العبد وربه، صلة تقوم علي فهم لمعني الإنسان، ولمعني العبودية لله، صلة تقوم علي إكبار معني الحق وتنزيهه عن أي صورة أو شكل، عن أي رسم أو تجسيد لمعني مطلق الحياة. إن الإنسان يوم يقوم مجاهدا متعبدا سالكا قاصدا وجه الله، متجردا عن معاني ذاته، قائما بحقيقته، متواجدا بمعناه، يكون قد قام شهر الصوم حقا. إن ذلك يجعله يحقق لنفسه معني الوصلة بربه، فيبدأ عيده بتكبير وإكبار لمعاني الحق عليه، مدركا أن ما قام فيه هو من فضل الله ونعمته. إن أمل الإنسان أن يكون أهلا لرحمة الله، وأهلا لكرم الله، مدركا أن الله إن لم يتغمد الإنسان برحمته ليكون من الضالين. عيدنا حقا هو يوم تحيا قلوبنا بذكر الله، وتنيرعقولنا بالتفكر في آيات الله وآلائه، وتتزكي نفوسنا فلا تأتي بفعل إلا في طريق الله. ألسنتنا تذكر الله، وأقدامنا تسعي في طريق الله، وأيدينا لا تقدم إلا ما هو خير يقربنا الي الله. نبصر ما أودع الله فينا من طاقات وإمكانات، وما أودع الله فينا من أسرار ومعنويات (وفي أنفسكم أفلا تبصرون). ولنا آذان نسمع بها، ومن خلالها نتبع الأحسن، ونتبع الأقوم (الذين يسمعون القول فيتبعون أحسنه). تحيا جوارحنا بذكر الله، وبالسعي في طريق الله. عيدنا حقا هويوم نعرف الطريق ،ونعرف المنهج الذي به نحول كل حياتنا وكل قيامنا وكل أفعالنا الي حياة والي بقاء (ووجدوا ما عملوا حاضرا). عيدنا حقا يوم تجتمع قلوبنا علي ذكر الله، وتتآلف قلوبنا في مقصود واحد، وفي طلب واحد، وفي إتجاه واحد، فنكون نواة خير وفلاح وصلاح وإصلاح. عيدنا حقا يوم نكون بقيامنا أداة خير وسلام ورحمة لأنفسنا ولمجتمعنا، فنكون نواة خير ومصدر حق (قل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا)، ونكون مصدر نور (الذين آمنوا نخرجهم من الظلمات الي النور)، ومصدر معرفة تنير للعقول طريقها، وتمهد للأفكار إتجاهها، تصوب المفاهيم وتضع أسسا صالحة لفهم مستقيم في دين الفطرة ودين الحياة. عيدنا حقا يوم يستيقظ الناس من غفلتهم ويفيقوا من كبوتهم، فيسألوا الله في أفعالهم وأعمالهم، ويتعاملوا مع الله في كل أحوالهم، نكون أمة وسطا تدعو للخير، وتأمر بالمعروف، وتنهي عن المنكر، وتؤمن بالله…”
تعليق:
حديث عن معاني كثيرة لما يرمز له العيد منها أنه اللحظة التي يشعر فيها الإنسان بصلته بالله منزها له عن أي صورة فيشعر أكثر بإحتياجه ليكون أهلا لرحمته . ومن هذه المعاني أيضا أن تحيا جوارح الإنسان فيبصر ويسمع آيات الله ويسعي في طريق الحياة، ويجتمع علي إخوان له يذكرون الله ويكونون أداة خير لأنفسهم ولمجتمعهم ولأرضهم.
مفاهيم دالة :
- ٣-٣-١-٣ تخلي عن ذاته وقام بروحه
- ٣-٤-١-١ تجتمع القلوب على ذكر الله
- ٣-٤-١-٢ يعرف الإنسان طريق الحياة
- ٣-٤-١-٤ ينتصر الحق في الإنسان على ما فيه من باطل وينتصر الحق في بيئتنا على ما فيها من باطل
- ٣-٤-١-٥ تقوم الصلة بين العبد وربه
٩٣ - لو أن الإنسان فعل ما أعطاه الله من أدوات في وجوده فأحسن في تعلم ما يري وأدرك معاني قادمه الذي لا يراه بما فيه من قدرة علي التجريد لقام في معني الآية “كشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد”
تاريخ الحديث: ١٩٩٠/٦/١٥
“…تعلمنا في ديننا أن أدعوني أستجب لكم، وإني قريب أجيب دعوة الداعي إذا دعاني. تعلمنا أن الإنسان بما أودع الله فيه من سر الحياة هو قيام حقي، هو قيام روحي، جاء الي الأرض ليؤدي رسالة، وليكون وجودا حيا دائما باقيا ممتدا. إن الإنسان قائم في وجود مقيد محدود علي هذه الأرض. يستطيع الإنسان أن يكسب الكثير، وأن يكون وجودا أفضل. وهذا هو سر وجوده في حجاب علي هذه الأرض. شاء الله أن يجعل الإنسان في هذا الحال، وأطلعه علي ما يفيده في حياته، وحجب عنه معاني وعلوم حتي لا ينشغل بها عنه، فكانت حدود الإنسان هي ما أرد الله له أن يعلم. إن دين الفطرة قد حدثنا عن حقائق الحياة مجردة منزهة عن التجسيد. حدثنا عن حقائق الحياة قديما وحاضرا وقادما. حدثنا عن خلق الإنسان وعن خلق الكون. حدثنا عن الإنسان في حاضره، عن القوانين التي تحكمه، عن صفاته، عن معني الحياة به، عن قادمه، عن قادم الكون. فحدثنا عن الساعة وعن الحشر، وعن الحساب والعقاب، وعن مستقبل الإنسان في أي صورة سيكون، وفي أي عالم سيعيش. حدثنا الله في رسالاته وفي كتبه ومن خلال رسله. حدثناعن كل شيء تجريدا حتي ندرك ما نؤول إليه. فوجب علي الإنسان أن يعمل بما أطلعه الله عليه، وأن يحسن فيما خلفه الله عليه حتي يهيء نفسه للقاء ربه، طامعا في رحمته، قائما بالحق فيه، مدركا للحياة به…”
تعليق:
هذا الحديث يتأمل في سر وجودالإنسان في حجاب علي هذه الأرض وإن الإنسان في هذا الحجاب له قدرة علي التعلم سواء كان ذلك تقييدا في العلوم التي يستطيع الإنسان أن يحيط بها، أو تجريدا كما أخبرفي الرسالات والكتب السماوية عن قادمه وقادم الكون. لو أن الإنسان فعل ما أعطاه الله من أدوات في وجوده فأحسن في تعلم ما يري وأدرك معاني قادمه الذي لا يراه بما فيه من قدرة علي التجريد لقام في معني الآية “كشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد”.
مفاهيم دالة :
٩٤ - كل إنسان هو عالم قائم بذاته في داخله الظالم الجبار المستغني، كما أن فيه المفتقر المتواضع الطالب
تاريخ الحديث: ١٩٩٠/٨/١٧
”… إن كل إنسان هو عالم قائم بذاته، إن كل إنسان في داخله الظالم الجبار المستغني، كما أن فيه المفتقر المتواضع الطالب القاصد. والإنسان بما فيه من طاقة الحياة ومن سر الله من وراء كل ما فيه بإحاطته. يتأمل فيما يحدث ويعرف أن وجوده كل واحد، وأن قيامه قيام واحد. فتكون أحداث الحياة قوة لما فيه من طاقة الحق والخير والجمال. يكبر معاني الحق فيه ويزهق معاني الباطل له وهو يدرك أن الله أكبر. يتجه الي الله طالبا قوة، طالبا طاقة وعزما، لتعلو معاني الحق فيه، وتنمو و تكبر لتكون لها اليد العليا في قيامه. إن الفلاح لا يكون إلا بالجهاد والعمل، والتفكر والتأمل، وبذل الطاقات والإمكانات، ومحاسبة النفس ومجاهدتها. علي الإنسان أن يحاول ويحاول أن يكون أفضل وأن يكون أقوم وأن يكون أحسن. علي الإنسان أن يجاهد نفسه بظلامها مغيرا ما فيها من معني الظلام ليكون قياما أكبر ووجودا أفضل، وليكون عبدا لله، عبدا لله صالحا ،ورجلا في الله صادقا، يعلم معني الحياة ويدرك قانون الحياة…”
تعليق:
يقدم هذا الحديث رؤية لوجود الإنسان في هذا التعبير ” إن كل إنسان هو عالم قائم بذاته، إن كل إنسان في داخله الظالم الجبار المستغني، كما أن فيه المفتقر المتواضع الطالب القاصد. والإنسان بما فيه من طاقة الحياة ومن سر الله من وراء كل ما فيه بإحاطته…”
مفاهيم دالة :
٩٥ - الجهاد ممكن أن يكون جهادا فكريا، جهادا علميا، جهاد دعوة، جهاد استقامة، جهاد أن تكون مثلا أعلي لتسمع الأمم منك ما تقول وما إليه تدعو
تاريخ الحديث: ١٩٩٠/١٠/١٢
”… إن ما يرجوه الإنسان الصادق أن يعرف دوره في هذه الحياة ويمارسه. لا يكون هذا إلا بأن يتجه الإنسان الي داخله، ويسأل قلبه ماذا أريد أن أكون وماذا أريد أن يكون المجتمع حولي. إن رغبة الإنسان في تغيير ما حوله الي ما يري أنه الخير هو دافع حقي لعمل الإنسان وجهاده. هي أساس كسبه، وأساس تحصيله. فهي قوة دافعة لحركته، وقوة دافعة لجهاده. كما أن رؤية الإنسان لنفسه، ورغبته أن يغير ما فيه من حال، هي دافع لكسبه في الله، ولتغيير وجوده الي ما هو أفضل. إن دين الفطرة وهو دين الحياة الذي جاء ليعلم الإنسان ذلك.. دين الفطرة علم الإنسان الحدود التي يجب أن يلتزم بها، وأن كسره لهذه الحدود، وخروجه عنها، يدخله في بحر من الظلمات لا يعرف كيف يرجع منه. دين الفطرة علم الإنسان أن يكون أداة خير لا يعتدي, فالله لا يحب المعتدين. من تواضع لله رفعه(يا أيها الناس أنتم الفقراء الي الله والله هو الغني الحميد). دين الفطرة علم الإنسان كيف يتعامل مع الناس(يا أهل الكتاب تعالوا الي كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا). دين الفطرة وهو يعلم طبيعة الناس وإختلافهم وتباينهم أمرهم أن يتأملوا فيما يؤمنون به، وما يتحدثون عنه، و ما يدعون إليه. وأمرهم ألا يجبر إنسان إنسانا علي أي شيء(من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر). ونظم العلاقة بين الناس جميعا فلا يحجر أحد علي أحد، إنما كل يتكلم بما عنده في حوار حر ليصل الناس الي ما هو أحسن. وما حارب المسلمون الأوائل يوما إلا لمن أراد أن يحجر علي قولهم، وعلي رأيهم، وعلي ما بين أيديهم من معاني الحق والحياة. فكان الإسلام بذلك هو رمز للأمة المتحضرة، التي يحترم فيها الإنسان أيا كان نوعه، وأيا كان شكله، وأيا كان جنسه، وأيا كان لونه (لا فضل لعرب علي أعجمي إلا بالتقوي). في مجتمع حر يقدر ويحترم فيه الإنسان تنمو قدرات الإنسان، ويبدع الإنسان في فكره، وفي عمله، وفي علمه، في كل مجالات الحياة. فيكون بذلك مثلا لكل أمة تريد أن تكون فيما هو أفضل وفيما هو أحسن. لقد قال فقيه في قديم رأيت الإسلام في الغرب ولم أجد مسلمين، كما وجدت المسلمين في الشرق وليس هناك إسلام. ولا زال هذا هو الحال في أمة المسلمين الذين ليس لهم من الإسلام إلا إسمه، لا يعملون بما جاء إليهم من فهم مستقيم في علاقة الإنسان بالإنسان. فكانوا بذلك أداة سوء وشر، يوم نفروا الناس من أن يقرأوا كتاب الإسلام بما فيه من معاني حقية، وبما فيه من قيم روحية ومعنوية، وجعلوا الأمم الأخري تظن أنها أفضل حالا، وأكثر قوة. من هذه الأمم من يظنون أنهم شعب الله المختار، فيفسدون ويعتقدون أنهم المصلحون. يقيمون المعبد وهم له يهدمون. فالمعبد ليس حجرا يضعون، وليس شكلا يقيمون، فالمعبد هو وجود الإنسان الطاهر الذي يذكر فيه إسم الله. ولو أنهم أدركوا كتابهم، وتأملوا فيه حقا، ووجدوا مثلا أمامهم يساعدهم أن يرجعوا الي ربهم، وأن يتجهوا الي حقهم، لغيروا مفاهيمهم، ولغيروا أعمالهم. ولكنهم بظلامهم وبظلام من حولهم يزيدون ظلاما علي ظلامهم، وكبرا علي كبرهم، وغفلة علي غفلتهم، وسوء فهم وعقيدة علي سوء فهمهم وعقيدتهم. والذين حولهم لا يفيقون، ولا الي ما بين أيديهم يتجهون، ولا إليهم بخطاب الحق يتوجهون، ولا يدعوهم الي حديث في الله لعلهم يفيقون (تعالوا الي كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا)(لا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن). إن الجهاد اليوم ليس فقط بالسلاح، وإنما بالفكر المستقيم، وبالدعوة الصادقة، وبالعلم الصالح، يوم يكون هناك مفهوم صادق، ودعوة صالحة، سيستجيب من عنده قلب سليم، ولن يستقيم الذي في قلبه مرض، وهذا أمر قائم في كل حال، وواقع في كل جماعة وأمة. ولكن علي الإنسان أن يبلغ الرسالة، وأن يدعو الي الحق، وأن يتكلم بإسم الحق علي ما يري أنه الحق، متجها الي الله، متوكلا علي الله، مستعينا بالله، أن يكون أداة خير وحق. هكذا يكون الجهاد، جهاد فكري، وجهاد علمي، جهاد دعوة، جهاد إستقامة، جهاد أن تكون مثلا أعلي لتسمع الأمم منك ما تقول وما إليه تدعو. إنه أمر متكامل أن يكون الإنسان مثلا صالحا ليسمع الناس منه. ولتكن الأمة أمة صالحة لتسمع الأمم منها. يوم تتوجه بإسم الحق وبحديث الحق وبالدعوة الي الحق علي ما تعلمناها في كتاب الحق والحياة. ..”
تعليق:
أفاض هذا الحديث في التعريف بدين الفطرة ويمكن تلخيص هذا التعريف في النقاط التالية: إن رغبة الإنسان أن يغير ما فيه من حال، هي دافع للعمل لتغيير وجوده الي ما هو أفضل وأقوم ، إن كسرالإنسان لحدود معينة يدخله في بحر من الظلمات لا يعرف كيف يرجع منه، أن يكون الإنسان أداة خيرلا يعتدي فالله لا يحب المعتدين ولا المتكبرين ولا الجبارين فمن تواضع لله رفعه، أن يتأمل الإنسان فيما يؤمن به وما يتحدث عنه و ما يدعوإليه، ألا يجبر إنسان إنسانا علي أي شيء، ألا يحجر أحد علي أحد، وأن يتكلم كل إنسان بماعنده في حوار حرليصل الناس الي ما هو أحسن. أشار الحديث أيضا إلي إنحراف المجتمع الإسلامي عن أن يكون مثلا تقتدي به المجتمعات الأخري التي إنحرفت أيضا عن إتباع دين الفطرة. كم تمت إثارة أن فكرة الجهاد هوأن يكون جهاد فكري، وجهاد علمي، جهاد دعوة، جهاد إستقامة، جهاد أن تكون مثلا أعلي لتسمع الأمم منك ما تقول وما إليه تدعو.
مفاهيم دالة :
٩٦ - الله أعطي الإنسان ما يمكنه أن يبحث عن الحق الموجود فيه
تاريخ الحديث: ١٩٩٠/١٢/٢٨
”… إن ما نحاوله في جمعنا هذا أن نجتهد فيما بين أيدينا، قاصدين الحق في إجتهادنا، مدركين أن الله أعطي الإنسان ما يمكنه أن يبحث عن الحق الموجود فيه. حين ننظر حولنا اليوم نجد مفاهيم كثيرة غير واضحة في الأذهان، مفاهيم كثيرة يغلب عليها التفكير السطحي، وعدم التعمق في مدلولها، وفي ماهيتها. فحين ننظر الي مفهوم الإنسان في علاقته بربه والذي ينعكس علي مفهومه للعبودية لله، وعلي مفهومه للهدف من عمله وعبادته، نجد المفاهيم السائدة تفصل بين العبد وربه، تفصل بين إرادة الإنسان وإرادة الحق به. المفهوم السائد يجسد صورة لهذه العلاقة، خلقها الناس بسطحيتهم، وبسوء فهمهم، وحاربوا كل إنسان يحاول أن يصل الي عمق في هذه العلاقة. يقوم المفهوم الذي يحاول بعض الناس أن يفرضوه علي إلغاء إرادة الإنسان وعقله عن أن يكون لها دور في هذه العلاقة. فيوم يغيب الإنسان إرادته، ويغيب عقله، ويغيب ضميره وحسه، فإنه يتحول من إنسان الي شبه إنسان، صورة متحركة لا روح فيها و لا عقل فيها ولا إرادة لها ولا حس بها. إن قضية الإنسان أن يحترم وجوده، ويحترم عقله، ويحترم ضميره وحسه، فيدخل دين الحق شاهدا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله بقلبه وعقله وبإرادته. وهذا ما يدعو إليه الإسلام، يدعو الإنسان في أي مكان وزمان الي معني الحق والحياة، يدعوه الي إكبار ما فيه من حقيقة، والي إكبار ما فيه من حياة، يدعوه الي شهادة أنه لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله الله، يدعوه الي أن يؤمن بمعني وجوده، ومعني قادمه. يؤمن بالله واليوم الآخر، يؤمن بأن قيامه قيام حقي، ووجوده وجود باقي. فيجد في دين الإسلام ملاذا وملجأ ونبعا ينهل منه ويوجهه الي طريق الحق والحياة. فما أرشد الدين الإنسان إلا الي ما فيه من حقائق. يعرف الدين الإنسان عن وجوده، ويقول له في نفسه قولا بليغا. يخاطب معني الإرادة فيه، ومعني العقل فيه، ومعني الحس فيه. يوجه نظره وعقله ليتفكر ويؤمن بإرادته (يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم الذي خلقك فسواك فعدلك في أي صرة ما شاء ركبك)(يا أيها الإنسان إنك كادح الي ربك كدحا فملاقيه). أنظر تأمل في خلق الله من حولك(أنظر هل تري في خلق الرحمن من تفاوت)(قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق)(الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلي جنوبهم ويتفكرون في خلق السموات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار) (سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتي يتبين لهم أنه الحق)(وفي أنفسكم أفلا تبصرون). (فلينظر الإنسان مما خلق خلق من ماؤ دافق يخرج من بين الصلب والترائب وإنه علي رجعه لقادر يوم تبلي السرائر فما له من قوة ولا ناصر)(والسماء ذات الرجع والأرض ذات الصدع إنه لقول فصل وما هو بالهزل إنهم يكيدون كيدا وأكيد كيدا فمهل الكافرين أمهلهم رويدا). قضية الإنسان أن ينطلق في طريق الحق والحياة. أن يكون إنسانا أكبر، وقياما أفضل، ووجودا أعظم. أن يطهر قلبه ونفسه وروحه. أن ينير عقله. أن يحيي قلبه. أن يكون عبدا لله صالحا، في طريقه سالكا، عليه متوكلا، ولوجهه قاصدا. قضية الإنسان أن يعرض وجوده لنفحات الله، ولنور الله، ولكرم الله، ولفضل الله، ولنعم الله. خلق الله الإنسان ليكون قياما كريما، وعبدا صالحا، وإنسانا طاهرا، ووجودا زكيا. هذا ما نتعلمه في دين الفطرة ودين الحياة نتعلم معني الإنسان، وقيمة الإنسان، ليكون كل منا عبدا لله صالحا، وعبدا لله ذاكرا، منارة علم ومعرفة، تهدي الضالين، وتنير الطريق للسائلين، وتفتح الباب للطارقين.
تعليق:
يوضح هذا الحديث ما نحاول أن نقدمه في جمعنا وهو أن نجتهد فيما بين أيدينا مدركين أن الله أعطي الإنسان ما يمكنه أن يبحث عن الحق الموجود فيه. وكذلك يوضح الدافع لهذه المحاولة وهو وجود مفاهيم كثيرة يغلب عليها التفكير السطحي، وعدم التعمق في مدلولها، وفي ماهيتها. ويضرب مثلا عن مفهوم الإنسان في علاقته بربه فنجد المفهوم السائد يجسد صورة تقوم علي إلغاء إرادة الإنسان وعقله عن أن يكون لها دور في هذه العلاقة. ثم يحاول الحديث أن يقدم مفهوما آخر لهذه العلاقة، إرادة الإنسان وعقله لها دور كبير في إقامتها.
مفاهيم دالة :