٢-٢-الإنسان في أحسن تقويم
المفاهيم تحت هذا الموضوع أغلبها إن لم يكن كلها هي الصفات والأحوال التي تؤدي بالإنسان إلى القيام في أحسن تقويم. هذه المفاهيم تعبر عن تطبيق الإنسان للقوانين الإيمانية التي تم توضيحها في جزء مفهوم الإيمان. يتكون هذا الجزء من أربعة وعشرين مفهوما توضح هذه الصفات. بدأت بالمفاهيم التي تحتوي على فقرة واحدة وكل مفهوم منها يمكن اعتباره صفة من الصفات التي أشرنا إليها في بداية الفقرة. وهذه الصفات الست هي: التعامل مع ما في الناس من حق، الاتزان والتناغم لأبعاض الإنسان، يكون مدركا لمعنى العبودية لله، ينشغل بذكر الله ولا يجسد، يؤمن بالله ويعمل صالحا، يقرأ آيات الله. المفاهيم التي تحتوي على أكثر من فقرة سوف يتم توضيح أبعاد كل صفة في الموضوع الفرعي الخاص بها. إذا استطاع الإنسان أن يقوم في هذه الأحوال التي تعبر عنها هذه المفاهيم يمكن أن يحافظ على قيامه في أحسن تقويم.
٢-٢-١-يتعامل مع مافي الناس من حق
فحين يتعامل الإنسان مع ما في الناس من حق أيا كان الزمان وأيا كان المكان فإنه يكون صائما قائما لأنه بذلك يكون في حال تخلي عن ذاته وقيام بروحه.. (١٩٧٩/٧/٢٧)
٢-٢-٢-يؤلف أبعاضه
… وهل ائتلفت وتآلفت أبعاض الإنسان فأصبح في إتزان. فرغب القلب فيما يريد العقل، واستجابت النفس لأمر العقل الذي هو عينه رغبة القلب. فأصبح الإنسان منسجما في وجوده في علاقة حب بينه وبين أبعاضه، وجود في تناسق واتساق لا في تنافر وابتعاد… (١٩٧٩/٨/٢٥)
٢-٢-٣-يدرك معنى العبودية لله
فالعبودية لله ليست كلاما يقال، وإنما قياما يقام، يصدر عن فهم مستقيم وعن قول قويم. فلننظر جميعا الى أنفسنا صادقين، ونقوم حالنا لنرى إن كنا عبادا لله خالصين، أم أن بنا من الشوائب الكثير من الدنيا وما فيها، ولآخرة في فهمنا عنها غير مستقيمين… (١٩٨٢/٧/٢)
تعليق : معنى العبودية لله له زوايا وأبعاد كثيرة. أنظر مفهوم التدبر في معنى العبودية لله. اكتفيت هنا بفقرة واحدة تشير إلى مفهوم إدراك معنى العبودية بوجه عام.
٢-٢-٤-ينشغل بذكر الله ولا يجسد
ولكننا أيضا بطبيعتنا البشرية نريد أن نجسد كل شيء، فنجسد هذه الكلمات في صور وأشكال. ونتناقلها فنفقد أصلها، ونفقد رمزها، وتتحول عندنا الى أشكال مجسدة. نخشاها لذاتها فلا نقوم في الفعـل كما يجب أن نقوم فيه، لأن هذه الصورة تحول بيننا وبين القيام فيه بصدق. وهـذا ما عبر عنه القوم في قولهم (جلهم يعبدون من خوف نار، ويرون النجاة حظا جزيلا، ليس لي بالجنان والنار حظ، فأنا لا أبتغي بوجه ربي بديلا1). والقيام الصادق هو أن تكون مشغولا بذكر الله، أن تكون قاصدا وجه الله، أن تكون متعاملا مع الله، أن تكون محتسبا عند الله (من شغله ذكري عن مسألتي أعطيت له أفضل ما أعطي السائلين2). إن انشغالك بذكر الله يجعلك أهلا لرحماته، ويجعلك أهلا لنعماته، ويجعلك أهلا لعلمه، ويجعلك أهلا لمغفرته، لأنك في هذا الحال تكون قياما غير قيام، ووجودا غير وجود، وحالا غير حال… (١٩٩٨/١٠/١٦)
٢-٢-٥-يؤمن بالله ويعمل صالحا
.. علينا أن نكون مؤمنين لنعمل عملا صالحا، كما أن صفة الإيمان لا نوصف بها إلا إذا أتبعناها بالعمل الصالح. وهذا ما نتعلمه من الآيات التي يجيء فيها الإيمان مقترن بالعمل الصالح، فلا نكون في معنى الإيمان الحق إذا لم يقترن بهذا الإيمان عمل صالح. والعمل الصالح هو العمل المثمر، العمل الذي يؤتي بنتيجة. فعلينا أن نحاول أن يكون عملنا عملا صالحا، عملا مثمرا، عملا متقنا عملا جادا. هذه رسالتنا وهذه قضيتنا، إن اعتقدنا بها، وفيها، وجاهدنا وحاولنا، لنا أجرنا. وإن قصرنا وفرطنا، فرطنا في أمر وجودنا، واتبعنا الهوى، ارتددنا إلى أسفل سافلين، وفقدنا معنى الحياة فينا… (٢٠٠٣/٩/١٩)
ونجد في بعض الآيات، أن التأمل والذكر، قد جمعا معا في معنى الإيمان (الذين آمنوا وعملوا الصالحات3..) فالإيمان أساسه العقل والقلب. العقل، هو أن تدرك أن هناك ما لا يمكن أن تدركه، وأن هناك ما لا يمكن أن تحيط به، وأن هناك غيبا أكبر منك. والقلب، هو التجرد، قلب الإنسان، جوهر الإنسان، ما في داخل الإنسان من فطرة ومن سر إلهي. تشعر هذه الفطرة بالحياة وامتدادها، تؤمن باليوم الآخر (رب أرني كيف تحيي الموتى.4..) أتشك يا إبراهيم في امتداد حياتك؟ (…قال بلى ولكن ليطمئن قلبي..)، فقلبي يشعر بامتداد الحياة، وأني لا أغادرها إلى فراغ، هذا ما يقوله قلبي، وإني أريد أن أطمئن إلى ما يقوله لي. هنا، الإشارة إلى القلب، إلى إدراكه وإحساسه بمعنى الحياة الممتدة. فالإيمان، يجمع بين العقل والقلب، أو محله العقل والقلب. (٢٠١٣/١٢/١٣)
٢-٢-٦-يقرأ آيات الله
-…إن أول خطوة يجب أن يخطوها الإنسان، هي أن يتعلم كيف يقرأ كتاب الله وحديث رسول الله قراءة يعلو فيها عن تجسيد صورة معينة لعلاقته بالله. وإنما دافع هذه القراءة هو القراءة في حد ذاتها، القراءة التي إن صدق الإنسان في طلبها، فإنها سوف تشكل وجدانه، وضميره، وفكره، وعمله. قراءة يبحث فيها عن معنى وجوده، وعن رسالة حياته، وعن هدف قيامه. ماذا قالت له الآيات عن وجوده، وعن نفسه، وعن حاضره، وعن قديمه، وعن قادمه… (٢٠١٠/٣/١٢)
٢-٢-٧-يفرق بين ما هو مجرد وما هو مقيد
كل ما يحدث في الكون هو فعل الله تجريدا، وتجلي هذا الفعل في ظاهر الحياة ينتج عنه ما يراه الإنسان كحق أو باطل بوجوده في قيام مقيد. تعرضت الفقرات لهذا المفهوم في أمرين: التوافق بين القانون المجرد والقانون المقيد، وإيمان الإنسان بأن الله من وراء كل شيء بإرادته يجب ألا يؤثر سلبا على عمل الإنسان واجتهاده.
٢-٢-٧-١-التوافق بين القانون المجرد والقانون المقيد
إن هذه الآيات (من يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا5)، (إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء وهو أعلم بالمهتدين6) قد تجعل الإنسان يعتقد أنه لا معنى لعمله ولجهاده واجتهاده، وقد يحتار الإنسان في فهمها حين يسمع آيات أخرى توجهه الى العمل والجهاد (وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون وستردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون7)، (فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره8) ، (وأن ليس للإنسان إلا ما سعى 9). فكيف يمكن للإنسان أن يوفق بين هذه الآيات التي فيها تقرير مصير الإنسان بقانون إلهي، وآيات أخرى أنه يملك إرادة حرة. إننا لو تأملنا بعمق لوجدنا أن هناك توافقا بين هذه الآيات وليس هناك تعارض بينها، فالآيات تتحدث عن القانون، سواء القانون الذي هو غيب عن الإنسان أو ما نقول عنه أنه مجرد، أو القانون الذي يظهر للإنسان أو ما نقول عنه أنه مقيد… (١٩٩٨/٩/٢٥)
٢-٢-٧-٢-إيمان الإنسان بأن الله من وراء كل شيء بإرادته يجب ألا يؤثر سلبا على عمل الإنسان واجتهاده
الهداية من الله والتوفيق من الله. هذا ما نفهمه ونعتقده. وهذا الفهم يجب ألا يزيد الإنسان إلا عملا وجهادا لأن الجانب الغيبي محجوب عن الإنسان، أما الجانب المشهود لعمل الإنسان فيمكن بظاهر إرادته أن يقدره كخير أو شر. وهذا ما نشرحه دائما في معنى الغيب والشهادة، في معنى الإطلاق والتقييد، في معنى التجريد والأسباب. فكل ما نفهمه عن الغيب والتجريد هو إدراك عقلي بما وهبنا الله من نعمة التعقل والتفكر والتفهم. أما واقع حياتنا ومعاملاتنا فهو يخضع للشهادة، يخضع للأسباب، يخضع للتقييد الذي نحن قائمون فيه… (١٩٩٩/٧/٢٣)
٢-٢-٨-يطبق مفهوم لانهائية الكمال
هذا المفهوم يركز على أن كمال الإنسان في الإيمان والعلم والعمل وكل الصفات الأخرى لانهاية له. تطبيق هذا المفهوم هو ما يساعد الإنسان على الاستمرارية في التقدم وعدم التراجع إلى الوراء. المفاهيم الفرعية التي تعرضت لها الفقرات المستخلصة هي: رحمة الله بالإنسان أن يجعله إليه دوما مفتقرا وطالبا الكمال، يسأل الأحسن في كل حال يعيشه وفي كل فعل يقومه وفي كل قول ينطقه.
٢-٢-٨-١-رحمة الله بالإنسان أن يجعله إليه دوما مفتقرا وطالبا الكمال
رحمة الله بالإنسان أن يجعله إليه دوما مفتقرا، وأن يجعله دوما إليه طالبا، وأن يجعله دوما له عبدا يقصد وجهه، ويطلب عفوه، لأنه يعلم أن الكسب في الله لا نهاية له، وأن ما من كمال إلا وعند الله أكمل منه… (١٩٨٧/٩/١٨)
٢-٢-٨-٢-يسأل الأحسن في كل حال يعيشه وفي كل فعل يقومه وفي كل قول ينطقه
نتعلم أن نرى بعيوننا، وأن نسمع بآذاننا، وأن نتأمل بعقولنا، وأن نعرض قلوبنا لنور الإيمان، وأن نعلم أن فوق كل ذي علم عليم، وأن ما من قيام إلا وهناك ما هو أحسن منه، وأن ما من كمال إلا وهناك ما هو أكمل منه. نسير في طريقنا مجاهدين، لظلامنا مغيرين، نطلب الحق في كل قيام بيقين، ونسأل الأحسن في كل حال نعيش فيه في أرضنا، نستمد من هذا الحق بيننا قوة نغير بها ظلامنا، ونبدل بها سيئاتنا، ونغير بها وجودنا من أدنى لأعلى، ومن ظلام لنور، ومن جهل لمعرفة. محاولتنا لفعل ذلك هي الإيمان، وبتوفيق الله يتحقق التغيير.. (١٩٨٨/٤/١)
٢-٢-٩-يتأهل للقاء الله
قد يتساءل البعض عن معنى ملاقة الله في هذا السياق ولتوضيح ذلك نقول إنه يعني تلقي نفحات الله. الخطوة الأولى ليؤهل الإنسان وجوده للقاء الله هي أن يسمو عن شهواته ويتجه إلى قبلة يرضاها. الخطوة الثانية أن يدعو ربه بالغداة والعشي يريد وجهه. الخطوة الثالثة أن يكون أكثر صفاء وأكثر استقامة وملبيا لداعي الإيمان.
٢-٢-٩-١-يسمو عن شهواته ويتجه إلى قبلة يرضاها
… فلنتآلف قلبا وقالبا فنشهد صلة لا تنقطع، ونشهد علما لا ينضب، ونشهد نورا ساريا يتقلب في المتقبلين، المتآلفين، المتحابين، الراجيين لقاء ربهم، الذين يحبون لقاء الله فيحب الله لقاءهم10، يلقوه قريبا، ولا يلقوه بعيدا، يلقوه حاضرا غير مسوفين لقاءه، يلقوه في قيامهم على ما هم، يلقوه في أعماقهم، يلقوه في صفائهم، يلقوه في ارتفاعهم عن ذواتهم، يلقوه في سموهم عن شهواتهم، يلقوه في انطلاقهم منتشرين حول قبلته، يلقوه مرشدا، يلقوه معلما، يلقوه حقا ساريا، ويلقوه نورا مضيئا… (١٩٧٦/٨/١٣)
٢-٢-٩-٢-يدعو ربه بالغداة والعشي يريد وجهه
وها هو الحق يخاطب رسوله بأن يصبر نفسه مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه، وأن يصبر نفسه مع هؤلاء الذين رضوا بالله ربا، والذين رضوا بالآخرة مقاما ومستقرا، الذين عرفوا حياتهم ممتدة، وعرفوا وجودهم باقيا، أن يصبر نفسه مع هؤلاء الذين يرجون لقاء ربهم… (١٩٨٥/٢/٨)
٢-٢-٩-٣-يكون أكثر صفاء وأكثر استقامة وملبيا لداعي الإيمان
إن اقتداءك برسول الله هو في رغبتك أن تكون في قيام أعلى، أن تكون أكثر صفاء، وأكثر أدبا، وأكثر خلقا، وأكثر استقامة، وأكثر حبا لله، وأكثر رغبة في لقاء الله (لكم في رسول الله أسوة حسنة وقدوة حسنة11)، أن تكون ملبيا لمنادي الإيمان (ربنا إنا سمعنا مناديا ينادي للإيمان أن آمنوا بربكم فآمنا ربنا فاغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا وتوفنا مع الأبرار12). (١٩٨٨/١/١)
٢-٢-١٠-يستشهد في سبيل الله
الإنسان الذي يستشهد في سبيل الله حافظ على قيامه في أحسن تقويم. الفقرات التالية تتحدث عن صفات هذا الإنسان. الصفة الأول هي أنه عاش حياته مجاهدا بقلبه وبلسانه وبيده. الصفة الثانية أنه حتى إن لم يحقق نصرا كاملا على ظلام نفسه إلا أنه خرج من الحياة الدنيا وهو لم يستسلم لهذا الظلام. الصفة الثالثة هي إدراك أن الاستشهاد يرمز إلى أن الهدف من هذه الحياة أن يكسب الإنسان حياته الروحية.
٢-٢-١٠-١-عاش حياته مجاهدا بقلبه وبلسانه وبيده
… أما المؤمنون فهم في دوام بحث عما يفعلون، وعما يعملون، وعما بهم من قوة ليغيروا بها ما لا تستطيع الجوارح أن تفعله، وقد شرع لهم دين الحق الدعاء والرجاء، فعلموا وعرفوا أنهم يملكون قوة لا يستهان بها، هي قوة قلوبهم وإرادتهم. إنا نتذاكر بهذه المعاني ليكون كل فرد منا عبدا لله خالصا، قوة حق تسير في الوجود فتزهق الباطل. نتجه صادقين مجتهدين مجاهدين في سبيل الله لنكسب معنى الحياة (لا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا، بل أحياء عند ربهم يرزقون13). إن هذا المعنى غير قاصر على من حمل السيف، وإنما هو لكل إنسان صادق لا يخشى في الحق لومة لائم، لكل إنسان عامل، لكل إنسان عاش حياته مجاهدا بقلبه، ومجاهدا بلسانه، ومجاهدا بيده… (١٩٨٦/١٠/١٧)
٢-٢-١٠-٢-خرج من الحياة الدنيا وهو لم يستسلم لظلام نفسه
…إن الذي يجاهد حتى وإن لم يصل إلى هدفه، ولم يحقق نصرا كاملا على ظلام نفسه، وخرج من الدنيا وهو كذلك، فإنه يكون كمن قتل في سبيل الله، كمن إ ستشهد، لأنه لم يفرط، ولم يسلم لظلامه، ولم يهرب من التحدي. ولم يول الأدبار، إنما جاهد وجاهد. وهو أمر ليس بالسهل أن تظل كذلك بعمرك كله. إنك في حاجة الى قوة دائمة تدفعك، والى أخوة في الله تساندك، والى رحمة من الله تحيط بك، ولا يكون ذلك إلا بأن تدعو وتدعو، وتذكر… (٢٠٠٢/٦/٢١)
٢-٢-١٠-٣-الاستشهاد يرمز إلى أن الهدف من هذه الحياة أن يكسب الإنسان حياته الروحية
… الشهادة ترمز إلى أكثر من أن تكون جهادا في حرب والاستشهاد فيها. إن الاستشهاد يرمز إلى أن الهدف من هذه الحياة كلها هو أن يكسب الإنسان حياته الروحية. الاستشهاد ينقل هذا المفهوم بصورة واضحة مجسدة مكبرة، حتى يكون هذا المفهوم هو المفهوم السائد في الأمة الإسلامية. الاستشهاد ليس القتال من أجل الفتح لنيل المغانم، ولامتلاك الأرض، وإنما هو من أجل أن يقول الإنسان كلمة حق، أن يسمح له بأن بقول كلمة حق. ولكنا يا للأسف لم نجد في تاريخنا الإسلامي إلا بعض النقاط المضيئة القليلة جدا، بينما أغلب النظم والحكام كانوا خارج هذه المعادلة الحقيقية للتوازن بين ما تريده الأمة وبين ما يريده الحاكم. لم يستطع الحاكم أن يكون خادما لأمته لتحقيق هدفها الأسمى، وهو أن تعمر الأرض بغرض كسب الآخرة. لا يهم من أين نعرف قانون الحياة، ولكن المهم أن نطبق قانون الحياة. إن الذين يطبقون قوانين الحياة وإن لم يحملوا لفظ مسلمين فهم مسلمون. وإن الذين لا يطبقون قوانين الحياة وإن كانوا يحملون لفظ مسلمين فهم غير مسلمين. فالقضية ليست أسماء نتعارف عليها، ولكن ما نؤمن به حقا وما نقوم به فعلا… (٢٠٠٧/٥/١١)
٢-٢-١١-يتواصى بالحق ويتواصى بالصبر
التواصي بالحق والتواصي بالصبر هو آلية ليصل أي مجتمع إلى أفضل ما يمكن أن يحققه لأفراده. وهذا التواصي يصلح الإنسان الذي هو المكون الأساسي للمجتمع. الفقرات التالية توضح أبعاد هذا المفهوم. البعد الأول هو البيئة الحاضنة لهذا المفهوم وهي الجماعة الصالح أفرادها والتي تجتمع قلوبهم على ذكر الله، وذكر الله هنا هو كل هدف نبيل. البعد الثاني هو تأثير هذا التواصي على أفراد الجماعة في سلوكياتهم في أرضهم وفي إعدادهم للقاء ربهم. البعد الثالث هو أن التواصي بالحق والتواصي بالصبر هو منهج حياتي يطبق للوصول إلى أسباب الظواهر وحل المشكلات وسن القوانين وكل قضية لها أحكام أو فيها آراء مختلفة.
٢-٢-١١-١-البيئة الحاضنة للتواصي بالحق والصبر هي الجماعة الصالح أفرادها
… وهذا هو سر الجماعة، وسر التواصي بالحق والتواصي بالصبر، وهذا هو المعنى الذي أشار إليه الحديث الشريف (لا تجتمع أمتي على ضلال14).. إن دين الفطرة يكبر معنى الجماعة وفضلها في التواصي بالحق والتواصي بالصبر. والجماعة هي اجتماع قلوب على ذكر الله وليس مجرد اجتماع ذوات.. (١٩٨٥/٧/١٩)(١٩٨٥/٨/٢)
٢-٢-١١-٢-تأثير التواصي بالحق والصبر على إعداد الفرد في سلوكه وللقاء ربهم
إن التواصي بالحق والصبر والرحمة يجعل الإنسان من الناجين، من الفائزين، من أصحاب الميمنة، من الذين يخرجون من هذه الأرض وقد أعدوا أنفسهم، ورجوا ربهم، مقبلين غير مدبرين، محبين غير نافرين (من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه15). عليكم أن تسيروا في الأرض مصلحين بمثالية في عملكم، بقول الحق في كل ما تقابلون، وفي كل ما تشهدون، وفي كل ما تنظرون… (١٩٨٧/٩/١٨)
٢-٢-١١-٣-التواصي بالحق والصبر هو منهج حياتي يطبق للوصول إلى أسباب الظواهر وحل المشكلات
… التواصي بالحق هو منهج حياتي، هو أن يحاول الإنسان بكل طاقاته أن يبحث عن الحقيقة فيما يحدث أمامه من أحداث، بتحليلها، وبقياس نتائجها، وبتجاربه الشخصية، وبتجارب مجتمعه، ويتواصى بهذا التحليل والنتائج التي وصل إليها مع إخوانه في المجتمع، ليعرفوا كيف يسيرون وكيف يتقدمون. هذا الأمر يحتاج إلى مداومة وإلى مثابرة وإلى استمرارية وإلى استدامة. والإنسان بطبعه عجول، يريد أن يصل إلى نتائج متسرعة، لا يعطي الوقت الكافي للتحليل والتدبر، ولذلك نجد الدعوة إلى التواصي بالحق والتواصي بالصبر. فالصبر هنا لا يعني فقط أن يصبر الإنسان على مصيبة ألمت به، وإنما يعني عدم التعجل وعدم التسرع في اتجاه لا يعرف حدوده فيه، وإنما يجب أن يعطي وقتا كافيا للتواصي بالحق، وللتواصي بالعلم وللتواصي بالمعرفة حتى يقول الخبراء كلمتهم، مع وجود المعايير والمقاييس التي تمكن المجتمع من مراجعة نفسه إذا أخطأ الطريق. فالصبر هنا هو صفة فيها صدق مع النفس، بحيث لا تأخذ قرارا إلا بعد أن تصبر نفسك في دراسة كل ما يحيط بك.. (٢٠٠٨/٨/٢٧)
٢-٢-١٢-يحاول أن تكون نفسه مطمئنة
يصل الإنسان إلى مقام النفس المطمئنة من خلال ذكره ودعائه وتجاربه. تبين الفقرات التالية بعض صفات الإنسان الذي وصل هذا المقام. الصفة الأولى هي أنه أعد قيامه للرحيل والانطلاق للخروج من هذه الذات. الصفة الثانية هي إدراكه أن الله ربه فكل الأحوال تقربه الى الله. الصفة الثالثة هي أنه خرجت نفسه من الغفلة إلى اليقظة.
٢-٢-١٢-١-أعد قيامه للرحيل والانطلاق
إن النفس المطمئنة في واقع الأمر هي النفس التي عرفت الله ربا، عرفت معنى العبودية لله، عرفت كيف يكون الإنسان عبدا خالصا لله، فأصبح كل رجائها، وكل طلبها، وكل عملها، ذكرا لله، فلم تر لها وجودا مع وجود الله، وكما قال القوم (وجودك ذنب لا يقاس به ذنب16). هي النفس التي أصبحت وأعدت قيامها للرحيل، للانطلاق، للخروج من هذه الذات، فاستحقت بذلك أن تخاطب من الحق بأن إرجعي الى ربك راضية مرضية… (١٩٨٣/٧/١٥)
٢-٢-١٢-٢-كل الأحوال تقربه الى الله
إن معنى النفس المطمئنة ليست هي هذه اللحظات التي قد يشعر البعض بها أنه مسلم أمره لله، إنها قيام يحوي في داخله أشكالا كثيرة، وأحوالا كثيرة. فلكل حال مقام، ولكل وضع حال، والإنسان يوم يطلب الله ربا، ويرجو أن يكون عبدا، فكل الأحوال تقربه الى الله… (١٩٨٣/٧/١٥)
٢-٢-١٢-٣-خرجت نفسه من الغفلة إلى اليقظة
هناك الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم وهناك من يذكرونه بعض الوقت. هناك النفس اللوامة وهناك النفس الأمارة بالسوء. وقد تتطور النفس اللوامة إلى نفس مطمئنة فتخرج من فريق الغفلة إلى فريق اليقظة (يا أيتها النفس المطمئنة إرجعي الى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي17) … (١٩٨٧/٧/٣)
٢-٢-١٣-يطلب العلم ويطبق ما يتعلمه
هذا المفهوم يركز على أن طلب العلم وتطبيقه أمر أساسي لارتقاء الإنسان. المفاهيم الفرعية التي تعرضت لها الفقرات المستخلصة هي: الإنسان مطالب بالبحث عن العلم أيا كان حاله والدعاء أن يوفقه الله في بحثه وأن يرسل له من يساعده إذا عجز، بداية العلم هو السؤال وطرق أبواب المعرفة، تطبيق العلم في واقعنا بالعمل هو ما يغير الإنسان إلى الأصلح.
٢-٢-١٣-١-الإنسان مطالب بالبحث عن العلم أيا كان حاله
إن الله قد وهب لنا الدعاء، وأمرنا بالرجاء في الآيات التي وصف لنا فيها حال هؤلاء الذين يرجون لقاء ربهم، الذين يذكرون ربهم قياما وقعودا وعلى جنوبهم18، الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه19، الذين لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله20، الذين يسمعون منادي الإيمان فيلبوا نداءه، الذين يسمعون مؤذن الحج فيهرولون ملبين، الذين يطلبون العلم، الذين يسألون خبيرا. إن الله ما ترك في الكتاب من شيء إلا وأجابه، إن قلت لا أعلم، فابحث عن العلم في أي مكان وفي أي زمان، إن قلت لا أجد في ظاهر أسبابي، وفي ظاهر حياتي، من يعلمني حقا، فادع الله أن يعلمك، وأن يرسل لك من يعلمك… (١٩٨٤/١/٢٧)
٢-٢-١٣-٢-بداية العلم هو السؤال وطرق أبواب المعرفة
إن البداية في دوام أن تسأل، إن البداية في دوام أن تطلب، إن البداية في دوام أن تطرق الأبواب وتسأل العارفين (… الرحمن فاسأل به خبيرا 21) (…فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون22) (أطلب العلم من المهد الى اللحد23) (أطلب العلم ولو في الصين24).. (١٩٨٥/٧/١٩)
٢-٢-١٣-٣-تطبيق العلم في واقعنا بالعمل هو ما يغير الإنسان إلى الأصلح
الدين هو قضية الإنسان الذي كرمه الله، والذي حمله الأمانة. علينا ألا ننظر إلى أي أمر أمرنا به في الدين بعيدا عن تطبيقه، وعن الواقع المعاش، وإنما ننظر إليه من خلال ممارساتنا له، من خلال عملنا به. ولكننا نرى مجتمعاتنا ونرى أغلب فقهائنا وعلمائنا يتحدثون عن الدين بعيدا عن الإنسان. يتحدثون عن الأعمال الصالحة كأنها أعمال في فراغ، نعملها لمجرد أننا أمرنا بها، دون أن نحاول تطبيقها لنكسب في الله، أو أن يكون لها تأثير علينا. فنحن نتعلم من توجيهات رسول الله أن أساس العمل الصالح هو ما ينتجه في الإنسان، ما يغيره إلى الأحسن. ومع أن الكثيرين يرون أن القيام بالأعمال الصالحة هو لإرضاء لله دون النظر إلى تأثيرها عليهم، ورضاء الله إذا لم يتحول إلى تجل على الإنسان في أن يكون أفضل وأحسن وأقوم فلا معنى له تجريدا، لأن الله غني عن العالمين، فرضاء الله هو في أن يكون الإنسان أفضل. فأي صفة لله هي في واقع الأمر صفة لتجلياته علينا، بقانونه وبأسبابه وبحكمته وبتقديره… (٢٠٠٦/١١/٣)
٢-٢-١٤-يخرج من الجاهلية الى الإسلام بإرادته
هذا المفهوم يركز على أن الخروج من الجاهلية إلى دين الفطرة هو حال مستمر، فالمسلم الحق هو من أدرك ما جاء به الإسلام بفطرته وليس من ولد في بيئة مسلمة شكلا وهكذا بالنسبة لكل الاديان الأخرى. المفاهيم الفرعية التي تعرضت لها الفقرات المستخلصة هي: فطرة الإنسان هي التي توجهه فينظر الى داخله، وينظر الى ما يحيط به متأملا حتى لا يجد مقصودا له إلا الله، دخول الإنسان إلى الإسلام لا يكون بما يفعل الناس بظن عبادة وإنما بإدراك مستقيم لمعنى الإنسان وعلاقته بالله، إن المسلم الحق هو من شعر بأنه دخل إلى الإسلام بإرادته فشعر بأنه يولد ميلادا جديدا. (١٩٧٨/٨/٢٥)
٢-٢-١٤-١-فطرة الإنسان هي التي توجهه
إن هذا يوضح لنا في سلوكنا قضية مهمة، قضية فطرة الإنسان التي توجهه، يوم يصدق معها، فينظر الى داخله، وينظر الى ما يحيط به، فيرى أمرا يكرس له حياته، ويظن أنه الهدف وأنه المراد، فحين يختفي هذا الأمر ويأفل، سوف يبحث عن أمر آخر، فيجد أمرا آخر، فيحدث كما حدث للسابق عليه، فيبحث عن أمر ثالث، الى أن يدرك ألا مقصود ولا هدف إلا وجه الله، وألا رجاء إلا في الله، وألا أمل إلا في طريق الله… (١٩٨٤/٤/٦)(١٩٧٧/٩/٢)(١٩٧٧/٩/٩)
٢-٢-١٤-٢-دخول الإنسان إلى الإسلام لا يكون بظن عبادة وإنما بإدراك مستقيم لمعنى الإنسان وعلاقته بالله
.. ففي قديم عبد الناس الشمس والقمر والنجوم، وظنوا أنهم بعبادتهم لها يتقربون الى معاني الحق والحياة، وعبد آخرون دواب من دواب الأرض بظنهم أنهم بفعلهم هذا الى الله يتقربون، وعبد آخرون آلهة من صنعهم ومن مسمياتهم معتقدين أنهم بذلك يتقربون إلى الله زلفى، وقام آخرون بإتخاذ آلهة من الطبيعة، فهذا إله الريح، وهذا إله الحصاد، وهذا إله النار، وظنوا أنهم بهذا الى الحق يتقربون. فإذا نظرنا الى كيف يخرج الإنسان من هذه الجاهلية، من هذا الظلام، كيف يخرج الى النور، لا يكون هذا بظاهر خروج مما يفعل الناس، ومما يظنون أنهم له يعبدون، إنما بإدراك مستقيم للسلوك القويم، ولمعنى الإنسان ولقائم الإنسان. إن القضية في الإنسان الذي يتأمل ويفكر ويتدبر، فيعرف أن هناك غيبا لا يستطيع أن يراه، هو الله، هو المعبود، هو المقصود… (١٩٨٤/٤/٦)
٢-٢-١٤-٣-إن المسلم الحق هو من شعر بأنه دخل إلى الإسلام بإرادته فشعر بأنه يولد ميلادا جديدا
إن المسلم حقا من خرج من الجاهلية الى الإسلام بإرادته، وبعقيدته، وبتأمله وفكره، وبإحساسه ومشاعره. إن المسلم حقا من شعر بأنه يولد في الإسلام ميلادا حقيا، ويبدل تبديلا من ظلام الى نور، ومن شر الى خير، ومن باطل الى حق، ومن جهل الى علم. إن الدين ليس بعيدا عن الإنسان، إن الدين هو فطرة الإنسان، ونقاء الإنسان، وصفاء الإنسان… (١٩٨٥/٧/١٩)
٢-٢-١٤-٤-المسلم هو من عرف كيف يسلك في هذه الحياة طلبا للأعلى، فسلم الناس من لسانه ويده
المسلم هو من عرف كيف يسلك في هذه الحياة طلبا للأعلى، فسلم الناس من لسانه ويده؛ لأنه عرف أنه يتعامل مع الله في كل معاملة. والإسلام الحقيقي أساسه الإيمان، والإسلام الشكلي لا يوجد به إيمان (قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم25)، فالإيمان والإسلام في حقيقتهما متداخلان، ولذلك فإن علينا أن نفرق بين استخدام كلمة الإسلام في سياقاتها المختلفة…(٢٠٢٠/٢/١٤)
٢-٢-١٥-يقوم أمرا وسطا
هذا المفهوم يركز على معنى أن يقوم الإنسان أمرا وسطا من زوايا مختلفة. المفاهيم الفرعية التي تعرضت لها الفقرات المستخلصة هي: أن يأخذ الإنسان من كل شيء بقدر ويتفاعل مع ما يرى أنه الحق ولا يغالي في أي اتجاه على حساب اتجاه آخر، أن يكون الإنسان لبنة في أمة وسط تأمر بما هو معروف أنه الأحسن وتنهى عما هو منكر، أي ما هو أسوء، وتؤمن بالله مجردا عن أي صورة أو شكل، لا يستطيع إنسان أيا كان أن يجعل من نفسه الداعي إلى الحق، والذي لا يتبعه يكون من الضالين والاستقامة التي يدعونا إليها ديننا هي الأمر الوسط، هي أن يكون الإنسان مدركا لجميع الأبعاد على هذه الأرض.
٢-٢-١٥-١-يأخذ الإنسان من كل شيء بقدر ويتفاعل مع ما يرى أنه الحق
والأمر الوسط هو أن نكسب من حياتنا في كل اتجاه نسير فيه، في كل أمر نقوم فيه، ومن كل عمل نؤديه، من كل نظرة، ومن كل قول، ومن كل كلمة، من كل دقة قلب، ولمحة فكر. نقوم فيما هو أفضل وفيما هو أحسن وفيما هو أقوم، بأن نعمل ما أعطانا الله من نعم أنعم بها علينا، نعمة العقل ونعمة القلب، ونعمة العمل والجهاد والاجتهاد، أن نأخذ من كل شيء بقدر، وأن نتفاعل مع ما نرى أنه الحق، ولا نغالي في أي اتجاه على حساب اتجاه آخر (١٩٩٩/٥/١٤)
٢-٢-١٥-٢-يكون الإنسان لبنة في أمة وسط تأمر بما هو أحسن وتنهى عما هو أسوء وتؤمن بالله مجردا عن أي صورة
المسلم هو الذي يصدق فيما يعتقد، ويبحث عن الحقيقة، ويبحث عن العلم، ويبحث عن المعرفة، حر في تفكيره، حر في عمله، حر في علمه. علينا أن نتعلم أن المسلم الحق هو الذي يسلم لنتيجة فكره، لنتيجة بحثه. المسلم الحق هو الذي له رؤية في كل ما يقوم به، وكل ما يفعله. يفكر ويتعلم، يبحث ويدقق، يغير ويبدل، يعمر ويطور، يخدم الناس جميعا بعلمه وعمله، مدركا أن وجوده هو كسب له في الله. لقد أمرنا أن نكون أمة وسطا، تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وتؤمن بالله، ولكننا نستخدم هذه المعاني اليوم، بصورة مختلفة عن معانيها الحقيقية. انحصر عندنا الأمر بالمعروف في صور شكلية، ونسينا أن الأمر بالمعروف هو الأمر بما فيه خير للناس، وأن نكون أكثر علما، وأكثر عملا، وأكثر إتقانا، وأكثر تكافلا، وأكثر محبة وأكثر نظاما… (٢٠٠٤/٥/٢١)
إننا في حاجة إلى التجارب الدنيوية لكل إنسان، ولكل جماعة، ولكل مجتمع على هذه الأرض حتى نستطيع أن نقرأ ما بين أيدينا من كتاب الله، قراءة أعمق، توضح لنا أشياء كثيرة وهذا هو معنى: (كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله …26) لأن المعروف ـ كما نعرفه في تأملنا، وتفكرنا، وتدبرنا ـ هو كل ما هو معروف، ويؤدي إلى صلاح وإصلاح، في الشرق أو في الغرب. كل ما هو معروف أنه يؤدي إلى الأحسن والأقوم، واجب على الأمة أن تأخذ به، حتى تستفيد وتتعظ من تجربة الغير، فتكون في حال أفضل، وفي قيام أفضل (٢٠١١/١/٢٨)
٢-٢-١٥-٣-التوازن بين الاستقامة في الدعوة، وبين مراعاة الغيب، هي ما يجب أن يكون عليه الإنسان
لا يستطيع إنسان أيا كان، أن يجعل من نفسه الداعي إلى الحق، والذي لا يتبعه يكون من الضالين، وإنما عليه أن يدعو بما يرى أنه الخير، دون أن يكون حاكما على نفسه بأنه الخير المطلق، وعلى غيره بأنه الشر المطلق. هذه الاستقامة التي يدعونا إليها ديننا، هي الأمر الوسط، هي أن يكون الإنسان مدركا لجميع الأبعاد على هذه الأرض، فهو لا يفرط فيما يعرف ويدرك أنه الحق، بل عليه أن يبلغه، وفي نفس الوقت لا يحكم على ما يبلغه بأنه الحق المطلق. هذا التوازن بين الاستقامة في الدعوة، وبين مراعاة الغيب، هي ما يجب أن نكون عليه. إدراكنا لهذا المعنى هو أمر مجرد، لا يمكن أن ننزل به إلى مقام التقييد الذي يتحدد في أشكال، أو في معتقدات، أوفي انتماءات، فيما نطلق عليه أديانا مختلفة. وإنما يكون هدفنا جميعا أن نكون في معنى المتابعة لقانون الحياة، وأن تكون دعوتنا إلى هذا الأمر في تجرد كامل عن أي شكل أوعن أي صورة. هذا ما نرى أن رسالة محمد ـ عليه الصلاة والسلام ـ قد جاءت به، وهذا ما نرى أنه معنى الدعوة الشاملة، الدعوة للكافة، الدعوة لكل الناس، لجميع الأجناس، لكل إنسان في أي مكان على هذه الأرض. جاءت دعوة الإسلام لتحرر الإنسان من أن يكون عبدا لخرافة أو لمقولة أو لإنسان آخر، إنما ألزمته أن يفكر بما أعطاه الله من طاقة للفكر وللتدبر وللتأمل… (٢٠١٠/١/١٥)
٢-٢-١٦-يفعل ظهور الله فيه
تقدير الإنسان لما تجلى الله به عليه من صفات هو معنى ظهوره فيه. إدراك الإنسان لهذه الصفات ينعكس في قيامه في أحوال تساعده على المحافظة على وجوده في أحسن تقويم. الحال الأول هو إدراك الإنسان لمحدودية قيامه في هذه الذات وأن هذا لا يعني أنه ليس فيه قدرات عالية عليه أن يطورها ليلاقي ربه. الحال الثاني هو تقدير الإنسان لوجوده وأنه انعكاس لما لا يمكن أن يرى فيما يمكن أن يرى. الحال الثالث هو إدراك الإنسان لمعنى خلافته لله على هذه الأرض. الحال الرابع هو إدراك الإنسان أنه عالم قائم بذاته فيه قديمه وقادمه بما يقدم في حاضره، فيه الحق وفيه الباطل، فيه النور وفيه الظلام كما فيه الإرادة التي هي وراء كل فعل يفعله.
٢-٢-١٦-١-إدراك الإنسان لمحدودية قيامه في هذه الذات لا يعني أنه ليس فيه قدرات عالية عليه أن يطورها
فكيف أنت بذاتك تريد أن تحكم على اللامحدود وأنت في قيامك محدود، كيف تريد أن تعرف حكمة الله في عاجل لأمرك، وأنت لا تعرف أمسك ولا يومك ولا غدك، ولكن مع هذا فهذه صفاتك، وهذا هو حالك، ليس المطلوب أن تهرب من حالك، أو تتنكر لصفاتك، وإنما المطلوب أن ترى هذه الصفات، وتعرفها، وتدركها، لأن مع ظهور هذه الصفات فيك ففيك أيضا من الصفات ما هو سام وعالي، وما هو حق، فما ظهر الله في شيء مثل ظهوره في الإنسان.. (١٩٧٦/٦/٥)
إن الإنسان هو وحدة هذا الكون ما ظهر الله في شيء مثل ظهوره في الإنسان. إن الرسالة في دوام للإنسان، وإن الهدى في دوام للإنسان. قل لهم في أنفسهم وهم معنى الإنسان قولا بليغا، قل لهم إنهم للحق خلقوا، وإنهم لمقصود وجه ربهم تواجدوا، وإنهم ملاقوا ربهم إذا أرادوا وطلبوا.. (١٩٧٧/٨/١٩)
٢-٢-١٦-٢-تقدير الإنسان لوجوده وإنه انعكاس لما لا يمكن أن يرى فيما يمكن أن يرى
إن تقدير الإنسان لقائم حاله، ولشهادة عينه، وإحساس قلبه، ولتفكير عقله، هو احترام لوجوده، وتقدير لخلقته وإكبار لخالقه فيه (ما ظهر الله في شيء مثل ظهوره في الإنسان27). فكان الإنسان ظاهر الغيب، كان الإنسان هو انعكاس لما لا يمكن أن يرى فيما يمكن أن يرى، فشهد الإنسان أن لا إله إلا الله يوم شهدها في وجوده، وعرفها في قيامه… (١٩٧٨/٤/٧)
٢-٢-١٦-٣-إدراك الإنسان لمعنى خلافته لله على هذه الأرض
فكان الإنسان تعبيرا عن هذا الوجود، وكان الإنسان خليفة الله على الأرض بما أوجد الله فيه من سره، وكان الإنسان الذي حمل الأمانة28 عنوانا على قانون الحياة، وعلى سريانه… (١٩٨١/١٢/١٨)
إن الله قد خلق الإنسان ليجعله معنى حيا (خلقتك لنفسي ولتصنع على عيني29) (خلق الله آدم على صورته30). فالإنسان يحمل أمانة كبرى، حمله الله إياها، وفضله على جميع الكائنات، وخلفه على الأرض. فهل قدر الإنسان هذه الأمانة؟ هل قدر الإنسان وجوده؟ هل قدر الإنسان قيامه؟ هل عرف الإنسان أنه بطاعة ربه، وبإكبار حقه، يستطيع أن يكون قياما أعظم ووجودا أكبر وإنسانا أصلح؟ … (١٩٨٩/٩/٢٢)
إن أي إنسان عاقل، يخشى أن يقول إنه يتكلم باسم الدين. إن علينا أن نكبر الدين كمفهوم حقي، فوق أي مفهوم أرضي. إن الدين، هو أن يراعي الإنسان ضميره، وأن يحترم عقله، وأن يحترم عقل غيره، وأن يقبل آراء الآخرين، إنه ممارسة خاصة بالإنسان. هذا الإنسان، الذي يراعي ربه، والذي يتعامل مع ربه، والذي يقرأ كتاب ربه لن يقول أبدا، إني أحكم باسم الدين، أو أن ما أرى هو الدين، لأنه يخشى أن يكون مخطئا، فكيف ينسب شيئا إلى الدين، ليس فيه؟ فالدين بمعناه الكبير، هو أكبر من أن يحيط به أي إنسان، إنما هو مصدر للإنسان، وملهم للإنسان، في أن يكون متوائما مع ما يرى أنه الحق، وما يرى أنه الصدق، وما يرى أنه الأصلح والأفلح. إنه مراقبة الإنسان لنفسه، فيما يحب وفيما يختار… (٢٠١١/٦/١٧)
ما جاءت به الرسالات السماوية، هو موجود في فطرة الإنسان، وفي داخل الإنسان. وما جاءت الرسالات السماوية، إلا لتؤكده، وإلا لتكشف عنه، وإلا لتساعد الناس الذين هم في غفلة عن الحق، أن يرجعوا إليه، وأن يتجهوا إلى داخلهم، وأن ينهلوا من فطرتهم. علينا، أن نفرق بين أمرين، بين الإنسان بفطرته النقية، والإنسان وهو موجود بذاته على هذه الأرض المادية، منشغل بأحواله، بمأكله ومشربه، بمسكنه وملبسه، بمتطلباته الحياتية، التي قد تشغله عن أن يفكر في فطرته النقية، والتي قد تنسيه مبادءه الحقية، لكن كل إنسان في أعماق وجوده، إنسان فيه سر الله، وفيه نفحة من الله… (٢٠١١/٩/٢٣)
٢-٢-١٦-٤-إدراك الإنسان أنه عالم قائم بذاته فيه قديمه وقادمه بما يقدم في حاضره
الإنسان بسر خليقته وبسر خلقه وبسر وجوده هو عالم قائم بذاته تجلى الله بقدرته في الإنسان. فكان الإنسان بذلك هو خليفة الله على الأرض.. إن الإنسان ليس هذه الذات فقط. إنه قيام قديم وقيام قادم. خلقتك ولم تك شيئا، ثم أصبحت شيئا، ثم عدت وقد تخليت عن شيئيتك. إنها معارج الإنسان، ومستويات الإنسان، وطبقات الإنسان… (١٩٩١/٨/٢)
الإنسان بوجوده، وهو كيان قائم بذاته، وعالم فيه كل أسرار الوجود، فيه الخير وفيه الشر، فيه الحق وفيه الباطل، فيه النور وفيه الظلام، كما أن فيه الإرادة التي هي من وراء كل فعل له.. (١٩٩٢/٩/٤)
٢-٢-١٧-يعطى ويتقى ويصدق بالحسنى
هذا مفهوم مركب من العطاء والتقوى والتصديق بالحسنى تم التعرف على أمرين يرتبطان به. البعد الأول هو الربط بين القيام في هذا المفهوم وبين تيسير طريق الصلاح والكسب في الله للإنسان. البعد الثاني هو أن العطاء هو كل ما يصدر عن الإنسان.
٢-٢-١٧-١-الربط بين القيام في العطاء والتقوى والتصديق بالحسنى وبين تيسير طريق الصلاح والكسب في الله
لقد أمر الإنسان أن ينظر في حاله وقيامه، وأن ينظر فيما حوله من ظواهر طبيعية وأحداث زمنية يرى فيها حديثا من الله متصلا، ويرى فيها رسالة من الله لا تنتهي. هذه الرؤية سوف تساعد الإنسان أن يعمل عملا صالحا (فأما من أعطى وأتقى وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى وأما من بخل واستغنى وكذب بالحسنى فسنيسره للعسرى…31). هذا قانون في الحياة. إن اليسرى والعسرى يمثلان طبيعة علاقة الإنسان بربه… (١٩٧٧/١٢/٣٠)
فمن أعطى واتقى وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى، ولا يكون فيمن بخل واستغنى وكذب بالحسنى فسنيسره للعسرى وما يغني عنه ماله إذا تردى. وإن اليسر هو كسبك في الله وإن العسر هو أن تتعثر في طريقك في الله. المقصود وجه الله، المطلوب وجه الله، والمراد وجه الله، ووجودك وما حولك لله، وسعيك وعملك لله، وجدك واجتهادك في الله..
٢-٢-١٧-٢-العطاء هو كل ما يصدر عن الإنسان ليخرجه من الظلام إلى النور ومن الباطل إلى الحق
أما من عرف ربه، وعرف حقه، وعرف طريقه، وعرف وجوده، أدرك أنه للحق مخلوق، وأنه للنور مطلوب، فعمل وجاهد، ودعي وصلى، واتصل واجتمع، وذكر وأعطى. فالعطاء هنا كل عمل يصدر عنه، لم يبخل بعطاء الله له، وإنما تحرك بعطاء الله له، بذل جهدا، وسعى سعيا، وذكرا ذكرا، وصلى صلاة، ودعا دعاء، وخشى الله خشية، وعلم أن أمامه الكثير، فأدرك العبودية لله… (١٩٨٨/١٢/٢)
هكذا نتعلم في ديننا كيف نخرج من دائرة الظلام الى دائرة النور، ومن دائرة الباطل الى دائرة الحق، ومن دائرة الجذع الى دائرة الاطمئنان والسلام، ومن دائرة الأنانية الى دائرة الإيثار والعطاء… (١٩٨٩/١٢/٢٩)
السعي يشمل كل عمل، وكل فعل، وكل معاملة على هذه الأرض. لو تذكر الإنسان في كل معاملة وفي كل عمل أن يكون باذلا كل جهده، معطيا كل ما يستطيع؛ لأنه يرى أن ذلك واجبه، أن يعطي بإخلاص، وأن يكون متعاملا مع الله، فيكون بذلك قائما في معنى: (..من أعطى واتقى…)، وهو يدرك تماما أن كل ما يفعله على هذه الأرض له صلة بحياته الروحية وبحياته الأخروية. يصدق أن التعامل مع الله، وهذا معنى: (..صدق بالحسنى)، صدق بالحياة، صدق ببقاء الحياة، صدق باستمرار حياته وباستمرار وجوده، فهو لا ينظر إلى كسب عاجل وإلى دنيا زائلة، إنما هو يتعامل مع الله. وطريق الله هو اليسرى، طريق الكسب في الله هو اليسرى، تيسير هذا الطريق للإنسان هو اليسرى، تمكين الإنسان من أن يكون كذلك هو اليسرى. (٢٠١٧/٦/١٦)
٢-٢-١٨-يسير في الأرض وينظر في كيفية الخلق
السير في الأرض والنظر في كيفية الخلق هو توجيه إلهي لإصلاح الإنسان وإدراك اسباب الحياة. الفقرات التالية توضح الطرق لتطبيق هذا المفهوم. الطريقة الأولى هي التدبر في خلقه وفي خلق البيئة المحيطة به في الماضي والحاضر. الطريقة الثانية هي التوجه بالدعاء للتوفيق في إجابة تساؤلاتنا عما نشاهده في أرضنا. الطريقة الثالثة هي التفاعل مع الثقافة والتراث والحضارة الإنسانية. الطريقة الرابعة هي إعمال كل ما أعطاه الله من قدرات ليعرف ويتعلم ويبدع ويعمر ويطور.
٢-٢-١٨-١-التدبر في خلق الإنسان وفي خلق البيئة المحيطة به في الماضي والحاضر
إن دين الفطرة هو أن ننظر حولنا، ونتأمل في قديم تاريخنا، وفي قانون الحياة من ظواهر طبيعية وأحداث زمنية نرى فيها حديثا من الله متصلا، ونرى فيها رسالة من الله لا تنتهي … (١٩٧٧/١٢/٣٠)(١٩٧٨/٨/٢٥)
.. يوجه نظره وعقله ليتفكر ويؤمن بإرادته (يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم الذي خلقك فسواك فعدلك في أي صورة ما شاء ركبك32) (يا أيها الإنسان إنك كادح الى ربك كدحا فملاقيه33). أنظر تأمل في خلق الله من حولك (الذي خلق سبع سماوات طباقا ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت …34) (قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق…35) (…ويتفكرون في خلق السماوات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار..36) (فلينظر الإنسان مما خلق، خلق من ماء دافق…37).. (١٩٩٠/١٢/٢٨)
إن الله قد جعل لنا في حياتنا، أمورا وأحداثا يخاطبنا بها، ويضرب لنا الأمثال في كل ما يدور في عالمنا من أحداث، ومن ظواهر، وأمور كثيرة مما يحدث في الطبيعة، ومما يفعله أناس، بل فيما يفعله البشر جميعا، في الشرق أو الغرب، في الشمال أو الجنوب، في كل بقعة من بقاع الأرض، وأمرنا أن نتدبر هذه الرسائل وأن نقرأها (الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار38). وخلق السماوات والأرض، يشمل كل من على هذه الأرض، يشمل الناس جميعا، والكائنات جميعها، يشمل تصرفات البشر، وما يفعلون، ما يعتقدون، وما به يقومون، فيما يفهمون، وفيما يقدمون…(٢٠١٤/١٠/١٠)
كل إنسان يتفاعل مع آيات الله بما هو له أهل، وهذا التفاعل هو تفاعل نسبي وليس مطلقا، فليس هناك حد يجب أن يصل الناس كلهم إليه، وليس هناك حد أعلى لا يجب أن تتجاوزه، كل بما هو له أهل. فكلما اتسعت مقدرتك، كلما أخذت أكثر، لذلك فأنت في حاجة إلى التفكر، وإلى الذكر قبل ذلك، لتتسع مداركك، فتأخذ من فيوضات الله، ومن رحمات الله، ومن نور الله، ما يجعلك أكثر إدراكا لمعنى حياتك ووجودك. أما الذين تضيق مداركهم ويقل ذكرهم، وينعدم تفكرهم، فلن يستطيعوا أن يتفاعلوا مع هذه الفيوضات الإلهية، ومع هذه المعاني الكلية، وسيكون رد فعلهم ردا مختلفا عكس ما تتصور كإنسان يذكر الله ويتفكر في خلق السماوات والأرض، ردهم سيكون مختلفا تماما، فالذي سوف يجعلك تؤمن بأن (…ربنا ما خلقت هذا باطلا…)، سيكون رد فعلهم هو: ربنا لقد خلقت هذا باطلا. فهم قد يؤمنون بقوة وراء هذا الكون، ولكن يرون ما يحدث على هذا الكون أمرا عبثيا. وبين هؤلاء وهؤلاء تتراوح المفاهيم وتختلف وتتنوع… (٢٠١٥/١٠/٩)
٢-٢-١٨-٢-التوجه بالدعاء للتوفيق في إجابة تساؤلاتنا عما نشاهده في أرضنا
إنكم لو نظرتم لما يحيط بكم متوجهين صادقين لوجدتم ما عنه تتساءلون، وما فيه تختلفون، لوجدتم إجابة لحيرتكم تتناسب مع سؤالكم ورغبتكم. إن قانون الحياة يعلمنا أن الحق قريب يجيب دعوة من دعاه، وأن نسير في الأرض لننظر كيف خلق الخلق، وأن الله بالغ أمره في وجودنا، وقيامنا، وفي كل فعل يقع لنا.. (١٩٨٢/٢/٥)
٢-٢-١٨-٣-التفاعل مع الثقافة والتراث والحضارة الإنسانية
دين الفطرة ليس شكلا، وليس رسما، وليس جمودا، وليس كلمات جوفاء، وليس شعارات ترفع، وليس كلمات تقال فى المناسبات، وليس أنماطا تتحرك. إن دين الفطرة هو حياة، هو تفاعل، هو إدراك وفهم وعمل، يتفاعل الإنسان مع نفسه، ومع مجتمعه، ومع الطبيعة، ومع فلسفات الشرق والغرب، ومع كتاب الله بين يده قبل كل ذلك، ومع عترة رسول الله التي تركها فينا (تركت فيكم الثقلين، كتاب الله وعترتي، ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا أبدا فإنهما لا يفترقان أبدا39).. (١٩٩٦/٩/٢٧)
إن دين الفطرة هو دين متجدد متفاعل، لا بمعنى أن يطرأ عليه جديد، وإنما بإحساسك أنت به، فأنت تعرف عن الحياة اليوم أشياء لم تك تعرفها من قبل، ولكن هل يعنى هذا أن شيئا طرأ على هذه الحياة. قوانين الحياة موجودة منذ الأزل وستظل إلى الأبد، إنما نكتشف منها كل يوم ما نستطيع أن نصل إليه بعلمنا وبحثنا واجتهادنا… (١٩٩٧/١/٣١)
٢-٢-١٨-٤-إعمال كل ما أعطى الله الإنسان من قدرات ليعرف ويتعلم ويبدع ويعمر ويطور
…نؤمر بألا نتقاعس عن معرفة ما نستطيع أن نعرفه، فيجيء التوجيه الإلهي (قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق40) توجيه إلهي للبحث وللمعرفة. إن الدين ليس فقط فيما نعبر عنه بالفقه، أو بالشريعة، أو باللغة، أو بأسباب التنزيل، وإنما الدين هو كل الحياة، كل العلوم، كل ما نستطيع أن نعرفه. لا يجب أن نحصر الدين في علوم تاريخية، أو في علوم لغوية، وإنما الدين أن نستقيم في هذه الحياة، واستقامتنا فى هذه الحياة، هي في إعمال كل ما أعطانا الله من قدرات لنعرف ونتعلم ونبدع ونعمر ونطور، ونكتشف أسباب الحياة. إن هذا هو الاختبار الأكبر الذي نكسب منه على هذه الأرض؛ قدرتنا على كشف أسرار الحياة. هذه القدرة هي التي تجعل الإنسان مسلما حقا.. (٢٠٠٠/٦/٣٠)
خلق الإنسان ليبحث في هذه الأرض وليتعلم من قوانين هذه الأرض، وليتدبر ما أوجد الله على هذه الأرض، لا بالاستحسان أو الاستعجاب، ولكن بالعلم والمعرفة، والتأمل والبحث والعلم الجاد… (٢٠٠١/١٢/٧)
٢-٢-١٩-يجتهد ويتعلم من التجربة
هذا المفهوم يركز على التعلم من التجربة سواء كانت تجربة إنسانية أو تجربة علمية أو تجربة شخصية. المفاهيم الفرعية التي تعرضت لها الفقرات المستخلصة هي: كل إنسان في مجاله يستطيع الاجتهاد ليبين مدى إمكانية تطبيق ما تعلمه من تجربته في الواقع المعاش. الإنسان يستفيد من التجربة إذا كان مستعدا لها. الإنسان محصلة لتجارب ولمعارف، يتعرض لها بقيامه على هذه الأرض، ولا يجب أن يتجمد الإنسان عند لحظة محددة، ولا ينمو فهمه، ولا تنمو معارفه في مراحل حياته المختلفة. الإنسان ممكن أن يفشل في تجربته، ولكن ما فيه من إمكانات وطاقات، تمكنه من أن يرجع إلى الطريق القويم. (١٩٩٢/١١/٢٧)
٢-٢-١٩-١-كل إنسان في مجاله يستطيع الاجتهاد ليبين مدى إمكانية تطبيق ما تعلمه من تجربته في الواقع المعاش
وظيفة ودور العلماء في كل عصر أن يجتهدوا ليبينوا الأصل الحقيقي لمفاهيم الناس في عصور سابقة وأن يبينوا إن كانت هذه المفاهيم تحتاج إلى تغيير في العصر الحالي. كل إنسان قادر أن يجتهد، عليه أن يميز بين القديم والحديث ويشهد كلمة الحق التي يراها.. (١٩٩٢/٧/١٧)
٢-٢-١٩-٢-الإنسان يستفيد من التجربة إذا كان مستعدا لها
الإنسان لا يتعلم إلا من التجربة التي يمر بها ويمارسها. فإن كان مستعدا لها مهيئا وجوده لخوضها، كان مروره فيها إضافة لمعنوياته ولحياته النورانية، أما إذا كان غير معد نفسه لها، فهو يخسر هذه الفرصة التي أتيحت له. التجربة الكبرى التي نعد وجودنا لها، هي تجربة خروجنا من هذه الأرض. الكل يعد وجوده لهذه اللحظة الفائقة، لحظة الانتقال من هذه الأرض. ما يمر به الإنسان من أحوال على هذه الأرض يساعده على الاستعداد لهذه اللحظة. فالإنسان يرى في حياته أنه قادر على أن يفعل الكثير، وفى لحظات أخرى يعجز عن أن يفعل شيئا ويشعر بقلة حيلته وأنه غير قادر أن يغير من حوله، أو أن يعطيهم ما يرى أنه الخير لهم. إن ذلك تدريب للإنسان لإعداده للحظة الانتقال من الأرض حين ينظر إليها ويرى ما لا يحب، ويرى أنه غير قادر أن يوصل ما يريد، هل سيكون ذلك عائقا له عن انطلاقه الروحي، أم أنه سوف يترك كل ذلك ويتجه إلى الأعلى .(١٩٩٢/١١/٢٧)
٢-٢-١٩-٣-الإنسان محصلة لتجارب ولمعارف، يتعرض لها بقيامه على هذه الأرض، ولا يجب أن يتجمد الإنسان عند لحظة محددة
إن الناس يوم فهمت الدين بالصورة التي نراها اليوم، فهمت زاوية معينة، وتجمدت فيها، ولم تعرف كيف تنمو في فهمها. إن فهم الإنسان يتطور مع تقدمه الفكري والعلمي والمعرفي. إن ما يعرفه اليوم سيعرف أكثر منه بكثير غدا. وإن ما يعرفه اليوم هو أكثر بكثير مما كان يعرفه في الأمس. فالإنسان محصلة لتجارب، ولمعارف، يتعرض لها بقيامه على هذه الأرض، ولا يجب أن يتجمد الإنسان عند لحظة محددة، ولا ينمو فهمه، ولا تنمو معارفه في مراحل حياته المختلفة. إن ما يصلح للإنسان في بدايات عمره من مفهوم له في الدين، عليه أن يتطور ليتناسب مع مراحل عمره المختلفة، ونموه المعرفي. إن الطفل في بداية حياته لا يستطيع أن يدرك الأبعاد بعمقها، وإنما الإنسان يوم ينمو فكره يستطيع أن يرى بعدا آخر في حياته، وفي سلوكه… (٢٠٠٣/٥/٩)
٢-٢-١٩-٤-الإنسان ممكن أن يفشل في تجربته، ولكن ما فيه من إمكانات وطاقات، تمكنه من أن يرجع إلى الطريق القويم
لقد نسيتم ما عاهدتم الله عليه بانشغالكم في أحوالكم، في معيشة أجسادكم، وهذا ما رمزت له الآية (ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي ولم نجد له عزما41). إنه القانون الذي يتكرر في كل آدم يوجد على الأرض، في كل ابن لآدم يوجد على الأرض، فكل ابن لآدم هو آدم لأنه يرث صفات آدم. ولكن لا يجب أن تيأسوا من ذلك فقد تلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه (فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه..42) (ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى43). فهذا طبيعي أن ينسى الإنسان، ولكن ما فيه من إمكانات وطاقات، وما فيه من نعم وقدرات تمكنه من أن يرجع إلى الطريق القويم، وأن يسلك الطريق المستقيم (٢٠٠٦/١٠/١٣)
٢-٢-٢٠-يقتدي برسول الله
الاقتداء برسول الله قد يمتد ليشمل كل مناحي الحياة، ولكن نركز هنا على ما تم ذكره بطريقة مباشرة في هذا المفهوم. الرسول هنا هو معنى ممتد من قديم في كل ما جاء به الرسل إلى الحاضر في كل رسائل الله للإنسان في الآفاق وفي نفسه. الفقرات التالية تبين سبعة أبعاد للاقتداء بمعنى رسول الله. البعد الأول هو أن يقيم الإنسان العدل في كل تصرفاته. البعد الثاني هو إدراك معنى رسول الله في كل من هو أعلى منه إن وجده، فإن لم يجد فليتجه إليه في داخله. البعد الثالث أن يدعو الله أن يرشده، وأنه بهذا الدعاء يتجه إلى مثالية أعلى، عبر عنها الحق في بشرية ارتضاها، هي محمد رسول الله. البعد الرابع هو أن يشرح الله صدره للحق، وأن يعينه ليتخلص من وزره، كما شرح صدر رسوله ووضع عنه وزره. البعد الخامس هو أن يعمل الإنسان عقله ويتدبر في كل ما جاء به رسول الله الذي عبر عن قانون الحياة في أفعاله وسلوكه. البعد السادس هو أن يقرأ الواقع كما هو وما يقبله يكون ما يحكم به على الأمور. البعد السابع هو أن الاقتداء يكون في المنهج لا في التقليد.
٢-٢-٢٠-١-يقيم العدل في كل تصرفاته
إن الله يأمر معنى الحق فيكم بالعدل والإحسان، إنه يخاطب معانيكم أن تقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان. إن العدل أن تكون متزنا، أن تكون مقيما للوزن بالقسط. فهل عرفنا الميزان؟ وعرفنا معايير الميزان لنعدل في ميزاننا، ولنعدل في قيامنا؟ هل عرفنا كيف نزن اعمالنا؟ وكيف نقيمها؟ وكيف نحدد إنها على طريق الصواب؟ لقد كشف لنا ديننا ذلك فيما أمرنا به أن يكون لنا فى رسول الله أسوه حسنة. إنه المثالية، إنه قمة الاتزان، إنه العدل والميزان، إنه النور للأنام، إنه الحق للعيان، إنه الصدق فى البيان، إنه العنوان.. (١٩٨٠/١٢/٥)
٢-٢-٢٠-٢-إدراك معنى رسول الله في كل من هو أعلى منه إن وجده فإن لم يجد فليتجه إليه في داخله
عرف الإنسان إنسانا أعلى أم لم يعرف في ظاهر وجوده إلا أنه يدرك وجود هذا الإنسان في باطن قيامه، إدراكا دائما معبرا عنه في معنى القبلة. إن هذا المثل الأعلى الذي نطلبه جميعا هو معنى رسول الله (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا44)، هو نور رسول الله (جعلنا لك نورا تسري به في الناس..45). (١٩٨٧/٤/١٠)
٢-٢-٢٠-٣-يدعو الله أن يرشده وأنه بهذا الدعاء يتجه إلى مثالية أعلى عبر عنها الحق في بشرية ارتضاها
. يسأل الله ويطلب الله ويرجو الله، وفي طلبه ودعائه يعلم أنه إلى معنى أعلى له سائر، هو ما أظهره الله له على هذه الأرض في مثالية أوجدها، وفي بشرية ارتضاها، هي محمد رسول الله، يشهدها ويرتضيها مثلا أعلى، وقياما أعلى، ووجودا أعلى، في قائم وجوده، وفي قادم وجوده قياما متجددا… (١٩٨٧/٧/٣)
٢-٢-٢٠-٤-أن يشرح الله صدره للحق وأن يعينه ليتخلص من وزره
إن أملكم في حياتكم أن يشرح الله صدوركم للحق وللحياة. ولكم في رسول الله صلوات الله وسلامه عليه قدوة وأسوة (ألم نشرح لك صدرك ووضعنا عنك وزرك الذي أنقض ظهرك ورفعنا لك ذكرك46). إن أمل الإنسان أن يخاطب بذلك من الحق عليه، أن يخاطبه ويعلمه أن الحياة هي في أن يشرح قلبه وصدره للإيمان، أن يتسع قيامه للحق، وأن يعينه الله حتى يتخلص من أوزاره، حتى يتخلص من مادياته، حتى يتخلص من تثاقله الى الأرض، حتى يتخلص من إرتباطه بالأرض، حتى يكون ملبيا للنداء، ومستجيبا للدعوة… (١٩٨٧/١١/٢٠)
٢-٢-٢٠-٥-أن يعمل الإنسان عقله ويتدبر في كل ما جاء به رسول الله الذي عبر عن قانون الحياة في أفعاله وسلوكه
إن الإنسان على هذه الأرض مكلف بما أودع الله فيه من سر الحياة أن يبحث وأن يتأمل ويتدبر. يعلم أن الله قد خلقه حرا، وأرسل إليه رسل الحق ليبينوا له سر الحياة. فالأساس هو عقل الإنسان وحريته. وتجيء الرسالات السماوية لتخاطب هذا الإنسان الحر. فتجيء له بالبينات التي تجعله يؤمن بأن وراء هذه الكلمات قوة غيبية تعرف ما لا يعرف، وتحيط بما لا يحيط به. لذلك فالمرجع الذي نرجع إليه في كل منسك نقوم به هو رسول الله صلوات الله وسلامه عليه، الذي عبر عن قانون الحياة في أفعاله وسلوكه، وفيما أرشدنا إليه وعلمنا إياه. أي تزود في أي اتجاه، وأي مغالاة في أي اتجاه بظن عبادة، أو بظن أفضل وأحسن لا تستقيم، لأن الأساس هو المصدر الحقي الذي نرجع إليه وننتسب إليه… (٢٠٠١/١/٢٦)
٢-٢-٢٠-٦-يقرأ الواقع كما هو وما يقبله هو مصدر أساسي للحكم على الأمور
… ينظر نظرة حقيقية، تقرأ الواقع كما هو، نظرة ترى أن الإنسان، وما يستسيغه، وما يقبله هو مصدر أساسي للحكم على الأمور. فرفض الناس لأمور، يقول البعض أنها من الدين، لا تعني أنهم على خطأ، وإنما هي إشارة، أن الفطرة في الإنسان، قد لا تقبل مثل هذه الأمور، ولا يكون نتيجة ذلك، أن نقول إنهم يرفضون الدين. إنما هم يرفضون مفهوم البعض في الدين، وهذا وارد. لذلك، فنحن في حاجة إلى تأصيل فكري منهجي لواقعنا، ولواقع مجتمعنا، ولواقع أمتنا. فالدين يشد الإنسان، (ما شاد هذا الدين مشاد إلا جذبه47) لأنه يدعو إلى ما هو أفضل وأحسن وأقوم. (٢٠١١/٤/٨)
ورسول الله علمنا، أن في أمور دنيانا، التي نحيط بها، والتي تخضع لتفكيرنا ولتقديرنا، أن الشورى هي أساس أي قرار نصل إليه (…وأمرهم شورى بينهم…48)، (أنتم أعلم بشؤون دنياكم..49). فكل أمر دنيوي يخضع لقياس، يمكن أن نقيسه بمعايير دنيوية، هو خاضع للإنسان، ولتفكير الإنسان، ولتقدير الإنسان. بل أن الدين يعلمنا ذلك، ويحثنا على ذلك، يحثنا على أن نتدبر في خلق السماوات والأرض، ويحثنا أن نميز بين الخبيث والطيب، ويحثنا أن نأمر بالمعروف، وننهى عن المنكر، ونؤمن بالله. لذلك، فإن كل الأمور الدنيوية، التي جاءت فيها آيات حقية، علينا أن نفهمها ونتفهمها، في إطار مقصدها وهدفها، وأن نتعامل مع مفرداتها، بحكمة وبفهم عميق لهذه المفردات ودلالاتها، وأن يكون مقصودنا، هو أن نفهم مقصد هذه الآيات وأهدافها، حتى نستطيع أن نطبقها في مجتمعنا، بوعي وفهم وإدراك، لدلالاتها ولأهدافها (٢٠١١/٦/١٧)
٢-٢-٢٠-٧-القدوة ليست في التقليد، ولكن في إتباع منهج رسول الله
لذلك، كان رسول الله هو القدوة، لم تكن القدوة، في كلمات منزلة فقط، وإنما في فهم الرسول لهذه الكلمات، وفي قيامه بها، (كان خلقه القرآن50)، (أدبني ربي فأحسن تأديبي51)، (وإنك لعلى خلق عظيم52). كان رسول الله ــ صلوات الله وسلامه عليه ــ لا يبحث في ضمائر الناس، ولا يريدهم أن يظهروا ما فيهم من ظلام، وإنما كان ينظر إلى ظاهرهم، ولا يحكم على أحد، ولا يعسر على أحد، إنما كان ييسر (ما خير رسول الله بين أمرين قط إلا أخذ أيسرهما..53)، (أنتم أدرى بشئون دنياكم54)، (… وأمرهم شورى بينهم55 …). وكان الأمر الإلهي: ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر56 هذه الأمة، هي التي تأمر، بعد أن تتواصى بالحق، وتتواصى بالصبر… (٢٠١١/٤/٨)
لا يمكن لإنسان أيا كان، أن يحتكر الحقيقة المطلقة، وعليه أن يقبل تفسيرا آخرا، غير الذي يفسره هو. لا مانع من أن يفسر إنسان أمرا، أيا كانت طريقته، وأيا كان منهجه، ولكن لا يفرض هذا على الآخرين، وكان الأمر الإلهي لرسول الله: فذكر إن نفعت الذكرى، سيذكر من يخشى، ويتجنبها الأشقى57. إن علينا، مهما تباينت الآراء، واختلفت، ألا يطغى أحد على أحد، وألا يقصي أحد أحدا، وإنما يكون الحوار بالحجة، وبالموعظة الحسنة، وأن يكون الأمر، في نهاية الأمر للناس، يختارون طريقهم، إن خيرا أو شرا، إن حقا أو باطلا، فهذا حق الإنسان، وهو حق المجتمع، ليتعلم الإنسان، وليتعلم المجتمع كله من أخطائه، وأن يكون قادرا على التغير، والرجوع إلى الحق، فالرجوع إلى الحق فضيلة.. (٢٠١١/٤/٨)
…. هناك فارق بين أن تتبع منهجا، يؤدي بك إلى نتائج، أو أن تتبع نتائج، وصل إليها آخرون. إنك إذا أردت أن تكون من الذين يقتدون برسول الله ــ صلوات الله وسلامه عليه ــ وبأصحاب رسول الله ــ رضوان الله عليهم ــ وبالمتابعين لأصحاب رسول الله، فالمتابعة والاقتداء هنا، هو بالمنهج، وليس بما وصلوا إليه… (٢٠١١/٦/١٧)(٢٠١٥/٢/٢٠)
٢-٢-٢١-يتذكر دعوة الحق
تذكر دعوة الحق هي التي تنفع الإنسان. النقطة الأولى في هذه الفقرات هي أن من يخشى هو الذي سيتذكر. النقطة الثانية هي ان التذكير يكون مما سطر التاريخ من أحداث ونقلت لنا. النقطة الثالثة أن من هو أهل لمعاني الحق سوف ييسر لأن يتقبل الذكرى. النقطة الرابعة أن يتأمل في آيات الحق له ويربط بينها فالآيات تشرح بعضها بعضا. النقطة الخامسة هي ألا يغتر الإنسان بما فيه من نور فيحول ذلك بينه وبين أن يستمر في التذكر.
٢-٢-٢١-١-من يخشى هو الذي سيتذكر
فإن كان هناك من هم بعيدون عن معنى الحق في أنفسهم فلندعوهم الى الحق، ولنظل ندعوهم الى الحق، مدركين أن من يخشى سيتذكر، وإن الأشقى سيتجنب، متذكرين ألا نيأس من روح الله. (١٩٨١/١٢/١٨)
٢-٢-٢١-٢-ان التذكير يكون مما سطر التاريخ من أحداث ونقلت لنا
إنا نعيش أياما مباركة فيها ذكرى وتذكير لمن يخشى، ولمن يطلب، ولمن يسمع، أياما سطر بها الحق رسالة لنا على مر العصور لنتفكر ونتدبر أمرنا، لنتأمل في علاقة الحق بالباطل، وفي صراع الخير والشر، في قانون الحق، وقانون الحياة58. (١٩٨٥/٦/٧)
٢-٢-٢١-٣-من هو أهل لمعاني الحق سوف ييسر لأن يتقبل الذكرى
إن من جاء الى هذه الأرض ليتعلم، وليحيى، سوف يجد في حديث الحق ما له يصبو، وما إليه يتجه (ذكر إن نفعت الذكرى سيذكر من يخشى ويتجنبها الأشقى59). سيذكر من يخشى، سيذكر من هو أهل لمعاني الحق، وسوف ييسر لليسرى (فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى وأما من بخل واستغنى وكذب بالحسنى فسنيسره للعسرى وما يغني عنه ماله إذا تردى60).. (١٩٨٧/١١/٢٠)
٢-٢-٢١-٤-يتأمل في آيات الحق له ويربط بينها
إنا ما نريد أن نتعلمه أن نقرأ كتابنا، وأن نسمع لحديث الحق لنا، وأن نربط بين أحداث الحياة، وأن نطلب بيانه (هو الرحمن فاسأل به خبيرا61)، (إذا قرأناه فاتبع قرآنه ثم إنا علينا بيانه62). بيانه يوم يتقي ويخشى الإنسان ربه، يوم يقوم مستقبلا لفيوضات الحق عليه، يوم يقوم متأملا في حديث الحق إليه، يتأمل في آيات الحق، ويعرف أن كل آية ترتبط بالأخرى، فلا يفرق بينها، فهي تشرح بعضها بعضا.. (١٩٨٨/١٢/٢)
٢-٢-٢١-٥-ألا يغتر الإنسان بما فيه من نور فيحول ذلك بينه وبين أن يستمر في التذكر
لا يغركم ما فيكم من نور، بل تخشون الله (إنما يخشى الله من عباده العلماء63)، (وأنا أقربكم من الله وأخوفكم منه64) (٢٠٠٠/٤/٢١)
٢-٢-٢٢-يقصد وجه الله
هذا الجزء يبين بعض الزوايا لمفهوم مقولة أن المقصود وجه الله وانعكاسها في سلوك الإنسان وإدراكه. الزاوية الأولى هي أن ينزع الإنسان ما في قلبه من حب مادي لذاته ويستبدله بحب لربه. الزاوية الثانية هي أن تكون كل تعاملات الإنسان تعاملا مع الله. الزاوية الثالثة هي تعبير عن إكبار الهدف من الحياة أن يكون خوفا من نار أو طمعا في جنة ليكون تسليما كاملا لله. الزاوية الرابعة هي إدراك أن هدف كل عبادات الإنسان أن يكون في معية قبلته التي علمه الله أن يتجه إليها. الزاوية الخامسة هي عدم ربط وجود الإنسان بذاته. الزاوية السادسة هي إدراك الإنسان لمعنى الحب في الله فيقوم فيه ليخرج من محدود قيامه إلى انطلاقة ربانية وحياة روحية.
٢-٢-٢٢-١-ينزع الإنسان ما في قلبه من حب مادي لذاته ويستبدله بحب لربه
المقصود وجه الله، المطلوب وجه الله، والمراد وجه الله، ووجودك وما حولك لله، وسعيك وعملك لله، وجدك واجتهادك في الله… (١٩٧٩/٨/٣)
إنا نتذاكر بيننا أن مقصود الإنسان وجه الله، وأن قبلة الإنسان بيت الله، نتذاكر بيننا أنه لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله. نتذاكر بيننا أن الله ربنا، والحق طريقنا، وكسب الله سلوكنا، وشهادة الله معاملتنا. نتذاكر بيننا أن الذين آمنوا وليهم الله وأن الذين كفروا وليهم الطاغوت65. نتذاكر بيننا أن نكون حقا من الذين آمنوا، الذين نزعوا ما في قلوبهم من حب لمادي قيامهم، وزرعوا بدلا منه حبا لربهم، فكان الله وليهم، ولم يعرفوا الطاغوت أبدا وليا لهم… (١٩٨١/٨/٤)
٢-٢-٢٢-٢-تكون كل تعاملات الإنسان تعاملا مع الله
إن الدين لا ينتظر، كما إن الحق لا ينتظر، إن معاني الحق مع الإنسان في دوام، في كل لحظة يعيشها، في كل شيء يراه ويسمعه، في كل عمل يقدمه، في كل خطوة يخطوها، في كل لحظة يعيشها. املأوا قلوبكم بالإيمان، وعقولكم بالعلم والمعرفة، وتسلحوا بالتعامل مع الله، وخوضوا الحياة، وجاهدوا في الله، واسألوه كثيرا، وادعوه بكرة وأصيلا، أدعوه في كل لحظة، وفي كل نبضة من نبضات قلوبكم، سبحوا باسمه الأعلى، الذي خلق فسوى، والذي قدر فهدى66… (١٩٨٣/١٢/٣٠)
إن قانون الحياة الدائم هو أن التعامل مع الله، وأن الرجاء في الله، وأن السؤال لله، وأن الطلب لله وأن المقصود وجه الله. إن الله لا يضيع أجر من أحسن عملا67 وإنا في دوام لله وإنا في رجوع لله. إنا في دوام لله في كل حال وفي كل قيام، وفي كل قول، وفي كل دعاء، وفي كل رجاء… (١٩٨٥/٨/٢)
٢-٢-٢٢-٣-إكبار الهدف من الحياة أن يكون خوفا من نار أو طمعا في جنة ليكون تسليما كاملا لله
…جسد معظم الناس النار والجنة بظن إيمان. وآخرون تعمقوا قليلا قالوا: أنا أريد وجه الله، أنا أقصد وجه الله (جلهم يعبدوك من خوف نار.. ويرون النجاة حظا جزيلا.. ليس لي بالجنان والنار حظ.. أنا لا ابتغي بغير وجه ربي بديلا 68)، المقصود قانون الله، المقصود أن أحيى، أن أستجيب لله ولرسوله وهو يدعوني لما يحييني. وأدركوا أن الحياة تكون بالاستجابة لقوانين الحياة، ظنهم بالله أنه يريد لهم الحياة، وأن الحياة قد أوجدها فيهم، كما أوجد الموت فيهم أيضا (فألهمها فجورها وتقواها69)، فجورها الموت، وتقواها الحياة. ماذا تريد أنت؟ وماذا تطلب أنت؟ لا تهرب من داخلك، فلن تكون إلا ما يريده داخلك… (٢٠٠٧/٢/٢٣)
٢-٢-٢٢-٤-هدف كل عبادات الإنسان أن يكون في معية قبلته التي علمه الله أن يتجه إليها
… أدرك القوم أن كل شيء يفعلوه هو ليتجهوا إلى قبلتهم، فخاطبوا قبلتهم بأن كل وجودهم لها بقولهم: أنتم فروضي ونفلي، أنتم حديثي وشغلي، يا قبلتي في صلاتي، إذا وقفت أصلي، جمالكم نصب عيني، إليه وجهت كلي 70. أدرك القوم هدفهم ومقصودهم، أدركوا أن كل عباداتهم ليكونوا في معية قبلتهم، ورسول الله لهم، ووجه الله لهم، ونور الله لهم، وأن كل حياتهم وحديثهم هي ليكونوا في هذه المعية. أدركوا أن قبلتهم ليست حجرا، وليست شكلا، وليست صورة، وإنما هي معنى حي، أدركوا أن القبلة هي وجود الحق على أرضهم، هي تجلي الحق على وجودهم، وأن مطلوبهم من صلاتهم أن يكونوا موصولين بهذه القبلة، أدركوا معنى الحق فيهم، أدركوا سر الله بهم، وعرفوا أن هذا السر كان قبل أن يقوموا على هذه الأرض، وهو كائن في قيامهم اليوم، وأنه سوف يكون بعد رحيلهم من هذه الأرض، فعرفوا من هم.. (٢٠٠٨/١١/١٤)
٢-٢-٢٢-٥-عدم ربط وجود الإنسان بذاته
… عرفوا أن هذه الذات ما هي إلا أداة، ما هي إلا مطية، ما هي إلا جلباب يسيرون به على هذه الأرض لفترة وجيزة، ثم يتركونه ويرحلون. فلم يربطوا وجودهم الحقي بوجود هذه الذات، وإنما ربطوا وجودهم الحقي، بأصل وجودهم، بأصل قيامهم، بأصل حياتهم، بخالقهم، بربهم، بنور ربهم، بوجه ربهم، برسول ربهم. عرفوا أن هذه الذات قيمتها موقوتة، وأن عليهم أن يعرفوا كيف يكسبون من خلال وجودهم في ذواتهم، لكن لا يجب أن يضعوا هدفهم فيما تحب وفيما تشتهي وفيما ترجو هذه الذوات، فهي وسائل ليتحركوا على هذه الأرض ويكسبوا في الله. يستعملوها لأداء رسالة، ولأداء مهمة أرادها الله بهم من خلقهم، ولم يربطوا حقيقتهم بذواتهم، إنما جعلوا هناك بعدا بين معنى الحق فيهم وبين ذواتهم، نظروا إلى هذه الذوات وهم متعالون عليها، فلم يجعلوها تجذبهم إلى أسفل، وإنما ارتفعوا هم بها إلى أعلى. أدركوا أن كسبهم الحقيقي هو في لحظات يعيشونها في ذكر الله، في تعامل مع الله، في تركيز على كل جوانب الكمال والجمال التي يتجلى بها الله على خلقه، فنظروا إلى هذا الجمال والكمال وركزوا عليه، ووجهوا كلهم إليه، فشهدوا أن المقصود وجه الله، فكانوا بذلك هم المسلمون حقا، هم المؤمنون حقا، هم المحسنون حقا… (٢٠٠٨/١١/١٤)
٢-٢-٢٢-٦-إدراك الإنسان لمعنى الحب في الله فيقوم فيه ليخرج من محدود قيامه إلى انطلاقة ربانية وحياة روحية
… أدركوا معنى الحب في الله وقاموا فيه فخرجوا من محدود قيامهم إلى حياة أبدية، خرجوا من قيد إلى حرية، إلى انطلاقة ربانية، إلى حالة روحية معنوية، شعروا فيها بجمال ما صاروا إليه وفيما أصبحوا عليه. هكذا نتعلم مما جاء به القوم من أحوال، ومن أقوال عرفوها وخبروها، وعبروا عنها بقولهم وشعرهم وحديثهم، وأحوالهم وسلوكهم، لينقلوا إلينا معنى من معاني الحياة، معاني الحب في الله، معاني الرقي في الله، معاني أن يعيش الإنسان بسر الله فيه، وأن يتواصل مع ذاته من خلال هدف حياته وهدف وجوده. يعلم أنه كان، وأنه كائن، وأنه سيكون، فلا يخشى مغادرة هذه الأرض، لأنه كان قبل أن يكون عليها، له الآن كيانه وله وجوده الذي يسمع ويرى، والذي هو أناه الحقي الذي سيبقى بعد مغادرته لهذا العالم.. (٢٠٠٨/١١/١٤)
٢-٢-٢٣-يؤمن بالغيب ويستقيم في الشهادة
الإيمان بالغيب والاستقامة في الشهادة مفهوم أساسي في دين الفطرة وليكون الإنسان في أحسن تقويم عليه أن يكون مدركا لهذا المفهوم وقائما في مفهومي الإيمان بالغيب والإيمان بالشهادة. بعض الأحوال التي أمكن ملاحظاتها من الفقرات التي تم تجميعها تحت هذا المفهوم هي: أن يؤمن بأن ما فيه من صفات متناقضة لها هدف واحد لا يستطيع أن يعرفه وإن كان في الظاهر يستطيع أن يفرق بين هذه الصفات فيستحسن بعضها ويقبح بعضها. إدراك الإنسان أنه انعكاس لما لا يمكن أن يرى فيما يمكن أن يرى. الاستقامة في الحكم على النفس وعلى الناس فما في داخل الناس غيب عليه وما في داخله ظاهر له. الإيمان بالغيب يساعد الإنسان أن يتعلم من الشهادة. جعل الله من الدعاء سببا للعلاقة بالغيب وجعل من العمل سببا للعلاقة بالشهادة. التوازن بين الإيمان بالغيب والقيام في الشهادة.
٢-٢-٢٣-١-يؤمن بأن ما فيه من صفات متناقضة لها هدف واحد لا يستطيع أن يعرفه
.. والإنسان في تكريم الحق له يمنحه أمانة الحياة، وسر الحياة، سر الحركة والقدرة، سر الإرادة والفعل، سر التأمل والذكر، سر الشهادة والغيب، سر القبول والرفض، سر الاتجاه إلى أعلى أو الاتجاه إلى أسفل، سر الصفات في اجتماعها فيه، وفي ظاهر تناقضها به، سر التسليم إلى أعلى، والإكبار لما هو أعلى، سر المحبة، وسر الخشية… (١٩٧٦/٦/٥)
٢-٢-٢٣-٢-إدراك الإنسان أنه انعكاس لما لا يمكن أن يرى فيما يمكن أن يرى
إن تقدير الإنسان لقائم حاله، ولشهادة عينه، وإحساس قلبه، ولتفكير عقله، هو احترام لوجوده، وتقدير لخلقته وإكبار لخالقه فيه (ما ظهر الله في شيء مثل ظهوره في الإنسان71). فكان الإنسان ظاهر الغيب، كان الإنسان هو انعكاس لما لا يمكن أن يرى فيما يمكن أن يرى، فشهد الإنسان أن لا إله إلا الله يوم شهدها في وجوده، وعرفها في قيامه… مكرره(١٩٧٨/٤/٧)
٢-٢-٢٣-٣-الاستقامة في الحكم على النفس وعلى الناس فما في داخل الناس غيب عليه وما في داخله ظاهر له
آداب دين الفطرة تعلمه أن يحكم على الناس بالظاهر، لا لشيء إلا لأن هذا هو معنى الاستقامة بالنسبة له، والظاهر هو ما يحيط هو به علما، الظاهر هو ما هو منه على يقين حقا، الظاهر هو ما يعلمه ويشهده، ويراه بجوارحه، يراه بعينيه، ويسمعه بأذنيه، ويدركه بعقله مسببا بأسباب محيط هو بها، وليست أسبابا من خياله أو ظنه… (١٩٨٣/٣/١١)
حين يتكلم إنسان ويصف ما هو عليه، أو يخبرنا من هو، أو يخبرنا أن صفاته كذا وكذا، أو يحدثنا عن كمال صفات الله فيه بصورة مطلقة، أو يخبرنا عن حال له يتعالى به عن أنبياء ورسل الله، (خضت بحرا، وقف الأنبياء بشاطئه72) ربما هو يقصد أمرا فيه مبالغة لما يرى فيه حاله مع الله وإحساسه بالله، وهذا شأنه. ولكن إن نظرت إلى هذه الكلمات على أنها ما تحمله بحرفيتها، فليس هناك رد. فكيف أحاط بكل الأنبياء والرسل، وكيف عرف مقاماتهم، بل وكيف عرف مقامه، وكيف يتوافق ذلك مع ما أمرنا به من أن نتواضع لله، ومع ما أمرنا به من خشية الله. فهنا ندرك أننا لا يجب أن ننبهر بهذه الكلمات، أو أن نرددها دون وعي ودون فهم، بل أن علينا أن نتبع منهج رسول الله، منهج قائم على العبودية لله، على التواضع لله، على خشية الله، على أن ندرك معنى (…ويحذركم الله نفسه 73). وحين نتحدث عن نفس الله في هذه المقولة، فإنها قوانينه، وقوانينه فيها كل شيء، فيها أن يشعر الإنسان بالتواضع لله وأن يشعر الإنسان بالعظمة، فيجب على الإنسان أن يتعامل مع كل هذه القوانين. تعامله مع هذه القوانين هو في أن يتوازن بينهم، أن يتعلم حين يرى نفسه في عظمتها أن يتواضع لله (…إن الله لا يحب كل مختال فخور 74) وفي نفس الوقت إذا شعر الإنسان بضآلته وافتقاره يتذكر أن الإنسان حمل الأمانة، وأن بما فيه من ضآلة إلا أنها تمكنه من أن يفعل الكثير… (٢٠١٦/٣/٤)
٢-٢-٢٣-٤-الإيمان بالغيب يساعد الإنسان أن يتعلم من الشهادة
إن أمل الإنسان في الحياة أن يكون عبدا من عباد الله، أن يكون بيتا يذكر فيه اسم الله، أن يكون رجلا في الله، أن يكون قلبا عامرا بالحياة، وضميرا يقظا لكل ما يحيط به في قيامه على هذا الأرض. إن الجهاد في طريق الله هو أن يجاهد الإنسان ليكون كذلك، ومن فضل الله على الإنسان أن يعرفه مثلا أعلى، ويكشف له هذا المعنى، بما أوجد الله من طاقة في الإنسان لأن يعرف ويتفقه، بما جعل الله في الإنسان من قدرة على الإيمان بالغيب، من قدرة أن يدرك الإنسان أن هناك أعلى وأعلى، وأن يطلب الإنسان هذا الأعلى… (١٩٨٣/٩/٢٣)
إن ديننا قائم على العلاقة بالغيب طلبا للحق في واقع الإنسان، وليس ظنا أو تخمينا (إن الدين لواقع 75) لأنك يوم تتجه الى الغيب مؤمنا، سترى الغيب واقعا فيما يلهمك به، ويدفعك إليه. إنها الاستقامة، إنه الصراط المستقيم، إنه الطريق القويم، إنه الأمر الوسط، إنه الإنسان الذي يأخذ من الغيب والشهادة… (١٩٨٥/٤/١٢)(١٩٩٧/١/٣)
إدراكك للغيب هو أن كل شيء الله وراءه بإحاطته (إن كل من في السماوات والأرض إلا آتي الرحمن عبدا76)، إرادة كلية، وإحاطة كلية، ومشيئة كلية. وشق الشهادة في العبودية هو أن تصدق فيما تجلى الله به عليك، في قوانينه الأرضية، وفي أسبابه الحياتية، ويدركون أن ربهم ما خلقهم باطلا ويدعونه أن يقيهم عذاب النار 77. وعذاب النار هو ألا يكونوا أحياء، لا يستجيبون لله ولرسوله وهو يدعوهم لما يحييهم. هذا هو عذاب النار الذي تشير إليه الآيات في تأملنا وتدبرنا لها. وهؤلاء الذين استجابوا لله ولرسوله وهو يدعوهم لما يحييهم، هم الذين يعملون، هم الذين يغيرون، هم الذين يتعلمون، هم الذين يبحثون عن الحقيقة، هم الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم، يذكرونه غيبا، ويذكرونه شهادة في أحوالهم، هم الذين يتحابون، يتألفون، يرجون الخير لهم ولكل إخوانهم، لا يحقدون ولا يكرهون، قلوبهم صافية وعقولهم منيرة، يبحثون عما هو أفضل لهم ولغيرهم، يتجهون ويتعاملون مع الله في كل أحوالهم، لا يرجعون إلا لله، ولا يطمعون إلا في الله، ولا يسألون إلا الله… (٢٠١٦/٤/١)
٢-٢-٢٣-٥-جعل الله من الدعاء سببا للعلاقة بالغيب وجعل من العمل سببا للعلاقة بالشهادة
جعل الله له من الدعاء سببا، فاتبع سببا، وجعل الله له من العمل في دنياه سببا فاتبع سببا. إن التفريط في أي من الحالين، وفي أي من القيامين، وفي أي من الوجودين، هو تفريط الإنسان لما أوجد الله بين جوانحه ليكسب معنى الحياة، فقام الدين على الشهادتين، وعلى الحضرتين، فقال القوم يوم أدركوا ذلك، (أدعو الى الحضرتين بالحضرتين78) وخاطبوا حضرة الشهادة لهم بقولهم، وهم يقرون قانونا من قوانين الحياة (فكان غيبا من غيبك، وبدلا من سر ربوبيتك، حتى صار بذلك مظهرا نستدل به عليك، فكيف لا يكون كذلك، وقد أخبرتنا بذلك، في محكم كتابك، بقولك، إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله 79) … (١٩٨٥/٤/١٢)
ندرك أن الله هو (رب العالمين)، مما يجعلنا نشعر بارتباطنا بكل من على هذه الأرض وأن الجميع عباد لله وخلق الله، وعلاقتنا بالله هي علاقة رحمة، (…الرحمن الرحيم)، رحمن، هي رحمة لا يمكنك أن تحيط بها، وتفرد بها الله عن خلقه، ورحيم صفة تجلى بها في خلقه، فأمرنا أن نكون رحماء بيننا. لا يستطيع إنسان أن يحكم على إنسان، وإنما الملك لله، وأن هناك قانونا يحكم ما سيلاقيه كل إنسان، فنفهم (ملك يوم الدين)، فإذا أدركنا ذلك، أصبح علينا أن نغير ما في داخلنا من أحاسيس تجاه الآخرين. فنحن نعلم أننا جميعا عباد الله ؤأن تذكر نفسك بقانون الحياة (إياك نعبد…)، وتدرك أن الله قد تجلى عليك بأسبابه وقانونه، فأنت تقر بذلك في معنى إقرارك بعبوديتك له. ولكنك تعلم أن التغيير المطلوب في السلوك، وفي الشعور، وفي المعاملة، ويحتاج إلى قوة فبمن تستعين؟ (إياك نستعين). فماذا نطلب أن نكون؟ نطلب الصراط المستقيم، (اهدنا الصراط المستقيم، صراط الذين أنعمت عليهم…). ومن هؤلاء الذي أنعم الله عليهم؟ هم الذين لا يكذبون بالدين … 80 (٢٠١٦/٢/٥)
٢-٢-٢٣-٦-التوازن بين الإيمان بالغيب والقيام في الشهادة
هذا التوازن بين الإيمان بالغيب والقيام في الشهادة هو الصراط المستقيم. وهو أمر ليس بالسهل. فالإنسان تختلط عليه الأمور في كثير من الأحيان. فقد يفرط في أسباب الحياة بظن إيمان بالغيب، وقد يفرط في إيمانه بالغيب بظن أنه يتمسك بأسباب الحياة. وليس هناك حدود فاصلة تفصل بين هذا وذاك. إنما الأمر يرجع في الأول والآخر الى تقدير الإنسان ولنيته، وهو طريق مليء بالمزالق التي يمكن أن ينزلق فيها الإنسان. وهذا ما عبر عنه القوم بحر الاختيار والتدبير، لأنك في دوام تفكر ماذا تفعل في أي أمر؟ هل إذا ا تخذت قرارا ما تكون قد فرطت في إيمانك بالغيب؟ أم أنك تكون قد فرطت في أسباب الحياة التي أعطاك الله إياها؟ من السهل أن يدرك الإنسان هذه القضية، ولكن من الصعوبة بمكان أن يقوم فيها خاصة إذا كان الأمر له صلة به، وهنا يكون الاختبار الأكبر… (٢٠٠١/٤/٢٧)
أوجدنا الله على أرضنا، وأودع في قلوبنا محبته ودعوته، وأصبحنا بوجودنا قائمين في الحياة بشقيها، شقها الظاهر لنا، وشقها الباطن علينا. ظاهر وباطن، شهادة وغيب، تثاقل إلى أرض وتلبية لدعوة من السماء. وصرنا بوجودنا نجمع بين الأمرين، وبين الحالين، وبين الحضرتين. علمنا ديننا كيف نتعامل مع ما هو مشهود لنا، وكيف نتعامل مع ما هو غيب علينا. علمنا ديننا كيف نحيا على أرضنا، ونحيا بعد مفارقتنا لأجسادنا. علمنا معنى الحياة الذي هو سابق لوجودنا، والذي هو حاضر في وجودنا، والذي هو قادم في آخرتنا (وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم…81). ألست بخالقكم؟ ألست بموجدكم؟ فعلموا وأقروا، فأشهدهم على ذلك وقال لهم عليكم أن تتذكروا ذلك، وألا تقولوا (…إنا كنا عن هذا غافلين)، فالعلم موجود فيكم، في فطرتكم وفي أعماق وجودكم… (٢٠١٧/٤/٧)
٢-٢-٢٣-٧-علاقة الإنسان بالغيب هو بما يستطيع أن يقوم به في الشهادة
هناك جانب غيبي في حياة الإنسان، وهناك جانب مشهود على أرضه. الجانب الغيبي أساسه أننا جميعا ندرك أننا لا يمكن أن نحيط بكل شيئ. والجانب المشهود هو أننا إذا تعاملنا فيجب أن يكون عملنا قائما على الصدق والأمانة والإخلاص والعدل في كل معاملاتنا، بما نستطيع أن نطبقه من هذه القيم الكلية. وأن أساس علاقة الإنسان بالغيب هو بما يستطيع أن يدركه وبما يستطيع أن يقوم فيه، وبأن يكون صادقا مع ما يعتقده. فإذا كان يعتقد حقا أن الله غيب، حاول أن تكون علاقته بهذا الغيب من خلال قيامه في أمر تعبدي، أو في حال تعبدي، يتجه فيه إلى هذا الغيب بكل حواسه، بعقله، وقلبه، ودعائه، ونيته، مدركا أن خالقه يسمعه، (…أبصر به وأسمع82…) (…ادعوني أستجب لكم.83..) ، وهذا أمر يخصه، لا يستطيع أحد أن يفرض عليه شيئا، فما في داخل الإنسان هو ملك الإنسان، لا يستطيع غير الإنسان أن يدخل إلى ما في الإنسان من أسرار وأفكار ونيات. وفيما يخص الإنسان على أرضه في معاملاته، فالمجتمع هو الحاكم لذلك، بما يسنه من قوانين وبما يضعه من قواعد للتعامل بين أفراده، وما يضع من أحكام لمن يخرج عن هذا القانون. (٢٠١٦/١/١)
٢-٢-٢٤-يحاسب نفسه
محاسبة النفس لها زوايا كثيرة تعبر عنها الفقرات التالية. الزاوية الأولى هي محاسبة النفس ومجاهدتها والتي سوف يتم الحديث عنها بتفصيل تحت مفهوم الجهاد. الزاوية الثانية هي أن مجاهدة النفس مع الدعاء له أثر في تعلم قراءة كتاب الوجود. الزاوية الثالثة هي مجاهدة النفس بالعمل، والتفكر، والذكر، والدعاء. الزاوية الرابعة هي أن يميز بين العمل الذي يقربه من الله، وبين العمل الذي يبعده عن ذكر الله. الزاوية الخامسة هي أن يتساءل هل يرى الله دائما في معاملاته وفي أحواله؟ الزاوية السادسة هي أن نتيجة أعماله وسلوكه وعبادته معه وفيه. الزاوية السابعة أن النفس تحول بين الإنسان وقلبه فلا تكون هناك صلة بينه وبين داخله فلا يصبح قادرا على التمييز بين الحق والباطل.
٢-٢-٢٤-١-محاسبة النفس ومجاهدتها
الذين اتقوا والذين هم محسنون هم المجاهدون الذين جاهدوا أنفسهم ويجاهدون شيطانهم الذي يظهر لهم بالعلم والمعرفة. يجادلهم هل الله معكم يا من له تدعون وحول ذكره تجتمعون؟ هل أنتم في استقامة قائمون؟ أم غيركم الذين لا يعرفون ما تعرفون، والذين لا يذكرون مثل ما تذكرون، والذين يأمرون بما به لا تأمرون هم من معهم الله يرشدهم ويوفقهم؟ بأي مقياس تقيسون؟ … (١٩٧٦/١٠/١)
… فجاءت الأوامر المنسكية لتجعلنا في مقاومة لنفوسنا ومقاومة لرغبات النفس الأمارة بالسوء (حسب إبن آدم من لقيمات يقمن منه صلبه84).. (١٩٨١/٢/٦)
٢-٢-٢٤-٢-مجاهدة النفس مع الدعاء له أثر في تعلم قراءة كتاب الوجود
إن جاهدنا أنفسنا، واتجهنا الى ربنا، وسألناه فضلا وعلما، لعلمنا أن نقرأ في كتاب الوجود فنعلم، وحين نريد جوابا نفتح كتاب الوجود فنجد الجواب أمامنا… (١٩٨٢/٢/٥)
٢-٢-٢٤-٣-مجاهدة النفس بالعمل والتفكر والذكر والدعاء
نجاهد أنفسنا، نجاهد ظلام أنفسنا، وظلام المظلمين حولنا، بالعمل والدعاء، بالقدوة والرجاء، بالقول والأمل، (والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر85).. (١٩٨٧/٩/١٨)
إبدأ بنفسك بإمكاناتها وطاقاتها، ابدأ بكل ما أعطاك الله في قيامك، ابدأ وتأمل وتفكر وتدبر (كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا86) (حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا87) … (١٩٨٨/٧/١)
فإن كان هناك جهاد بالنفس والمال، فهناك أيضا جهاد بالفكر والقلب… (١٩٨٩/٥/١٩)
إن الفلاح لا يكون إلا بالجهاد والعمل والتفكر والتأمل وبذل الطاقات والإمكانات ومحاسبة النفس ومجاهدتها على الإنسان أن يحاول ويحاول أن يكون أفضل وأن يكون أقوم وأن يكون أحسن… (١٩٩٠/٨/١٧)
٢-٢-٢٤-٤-يميز بين العمل الذي يقربه من الله، وبين العمل الذي يبعده عن ذكر الله
أعطى الله الإنسان القدرة على التمييز وجعله مسئولا (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته88). فليميز هو بين العمل الذي يقربه من الله، وبين العمل الذي يبعده عن ذكر الله، ليقدر وليزن الأمور بميزان سليم وصحيح، ويكون عادلا فى ميزانه، ميزانه الحقي الذي يزن به أموره بين ما له وما عليه. والآية الكريمة (ويل للمطففين الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون، وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون89) التي تصف هذا الحال في دنيانا وفى حالنا المادي، وهي أيضا تطبق على حالنا الحقي. يجب أن نتعظ بها وأن نكون متخذينها دستورا لنا فى تعاملاتنا مع الناس ومع أنفسنا. إنه الميزان، إنه الحساب. فليحاول كل إنسان أن يحاسب نفسه، وأن يكون عادلا فى ميزانه، فى كل أعماله، وأحواله، وأفعاله، وأقواله، وكلماته وكل حياته … (١٩٩٦/٩/٢٧)
.. وعلمنا أنه أعطى لنا البصر والسمع والفؤاد، وأن لكل عطاء دوره ومسئوليته. أعطانا سره الذي هو وراء كل جوارحنا. فنفس الإنسان التي هي وراء هذه الذات عرفها الله، وألهمها فجورها وتقواها. تعرف ما يبعدها عن الحق، وما يقربها إليه. فهذا معنى موجود فيها بفطرة الله التي فطر الناس عليها، وبصبغته التي صبغهم بها.. (٢٠٠٢/٨/٢٣)
٢-٢-٢٤-٥-يتساءل هل يرى الله دائما في معاملاته وفي أحواله
… فلنتساءل هل نرى الله دائما في معاملاتنا؟ هل نتعامل مع الله في أحوالنا، وفي كل ما يصيبنا، وفي كل ما يحيط بنا. هل نرى تصريف الله في كل ما يحدث لنا؟ قد نجد الإجابة بلا، نحن لسنا كذلك، ولم نصل بعد إلى ذلك، فهل هذا مطلوبنا؟ فهل هذا مقصودنا؟ أم أن هذا ليس أملنا وليس هدفنا. إنه سؤال نسأله للمعنى القائم فينا بظاهر الإرادة. الله من وراء كل إرادة بإحاطته، ولكن هذه الإرادة ظاهرة لنا، والانا فينا هو الذي يحركها، هو الذي يفعلها. مثاليات يذكرها الحق لنا لنسأل أنفسنا هل هدفنا أن نكون من الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهة90، ومن الذين سمعوا مناديا ينادي للإيمان أن آمنوا بربكم فآمنوا91. هل شعر الإنسان بأنه يصبو إلى ذلك؟ أم أنه ارتضى بالأدنى وبالأقل، وبالدنيا ومتاعها، وأصبحت الدنيا هي كل ما يهتم به وهي كل ما يريد وهي كل ما يعلم… (٢٠٠٢/٦/٢١)
٢-٢-٢٤-٦-إن نتيجة أعمال الإنسان وسلوكه وعبادته معه وفيه
… إن أي شكل تتصور أنك يجب أن تكون عليه، حتى تشعر بثمرة جهادك، هو في حد ذاته بعد عن الحقيقة. إن الحقيقة واقعة فيما أنت عليه وفيما أنت قائم به. إن في أنفسكم، في داخلكم نتيجة أعمالكم وسلوككم وعبادتكم. كتابكم معكم وفيكم، وفي يوم سيظهر لكم ذلك جليا (اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا92). إلا أنك اليوم تستطيع أيضا أن تقرأ بعضه، تستطيع أن تقرأ ما يهفوا إليه قلبك، وما يفكر فيه عقلك، ما يحزنك، وما يفرحك. فإن وجدت قلبك يهفو إلى دنيا تصيبها، أو إلى مادة تحصل عليها، إن وجدت عقلك يفكر فقط في معاشك، وفي حالك الدنيوي، دون أن يربط ذلك بحالك الروحي، وبقيامك المعنوي، إن وجدت ذاتك لا تتحرك إلا إلى منفعة مادية، كن صادقا وأعلم أنك في سجين، لا تيأس من رحمة الله. وإذا وجدت قلبك يهفو إلى لقاء الله وعقلك يفكر في كيف تربط وجودك بقيامك الروحي، وذاتك تريد أن تتحرك لمجلس علم وذكر، فاعلم أن دعاءك قد أثمر. لا تغتر بما أنت عليه، وإنما اطلب الله أكبر واستغفر الله أكثر … (٢٠٠٥/١/٢٨)
٢-٢-٢٤-٧-النفس تحول بين الإنسان وقلبه فلا تكون هناك صلة بينه وبين داخله فلا يصبح قادرا على التمييز بين الحق والباطل
كل إنسان إذا عكس البصر إلى داخله لاستطاع أن يتبين الرشد من الغي، الحق من الباطل، النور من الظلام، العلم من الجهل، ولكن هل نرجع الأمور الى قلوبنا، والى سر الله فينا، والى فطرتنا التي فطرنا عليها، أم أن نفوسنا تحول بيننا وبين قلوبنا، نفوسنا المظلمة، التي لا ترى الا عاجل أمرها، الا لحظة وجودها. لذلك يختلط الأمر على الإنسان حين لا تكون هناك صلة بينه وبين داخله، وبين قدرته على التمييز. ولا يكون ذلك إلا بإحياء القلب. فما هو الرشد وما هو الغي؟ يكفر بالغي أي لا يرى الا الله، لا يشهد الا الله، يكفر بأن أي كائن يملك له امرا. انما ربه الله، معبوده الله، إله الله، حاكمه الله، مرشده الله. إن أي هدف تقصده هو رب لك، إذا قصدته لذاته، فإنك تتخذه ربا من دون الله، أما إذا اتخذته وسيلة لتكسب في الله، فإنك تكون قد اتخذته بالله. الله وراء كل هدف ترجو ان تحققه، مقصودك وجه الله، وتعاملك مع الله. لا يقوم هذا المعنى فينا إلا بإرادتنا، ليس باستماعنا لكلمات، وإنما بالتفكر فيها، والتعمق في مفهومها، وبذكرنا الدائم لها، وبتحويلها الى سلوك نسلكه، والى عمل نعمله، والى قيام نقومه… (٢٠٠٥/٤/١)
٢-٢-٢٥-يدعو إلى الله ويعمل صالحا
كتاب الله هداية لكل إنسان، كل إنسان يأخذ منه بقدر سعته، وبقدر استطاعته، كل يأخذ بما هو له أهل، ليتذاكر بما تلقاه مع إخوانه بما تلقوه، بما هم له أهل ) ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله93)، فكل يدعو إلى الله بما تعلم، وبما علم، الذين أدركوا قانون الحياة، وعلموا أن الله قد أودع فيهم أمانة الحياة، فجعلهم يعرفون ويفرقون بين الحق والباطل، وبين النور والظلام، وبين الحياة والموت، فقالوا إننا من المسلمين (…وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين94). فالإسلام ليس مجرد لفظ، أو كلمة نطلقها على أسلوب حياة فقط، وإنما هو منهج كامل لكل حياة الإنسان في أبعادها المختلفة. في بعدها الداخلي في تعامله مع نفسه، وفي بعدها الخارجي في تعامله مع الناس، عرف الحسنة والسيئة، عرف الحق والباطل، عرف النور والظلام… (٢٠٢٠/١/٣١)
Footnotes
-
قول مشهور عن السيدة رابعة العدوية ↩
-
حديث مذكور في صحاح السنة، ولكنهم يصنفوه على أنه ضعيف، ولكن معناه عميق. ونحن لا نفهمه على أنه ترك للأسباب، ولكن أن ينشغل الإنسان دائما أن يكون متعاملا مع الله. ↩
-
الرعد: ٢٩ ↩
-
البقرة: ٢٦٠ ↩
-
الكهف: ١٧ ↩
-
القصص: ٥٦ ↩
-
التوبة: ١٠٥ ↩
-
الزلزلة: ٧، ٨ ↩
-
النجم: ٣٩ ↩
-
حديث: البخاري- من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه ↩
-
الأحزاب: ٢١ ↩
-
آل عمران: ١٩٣ ↩
-
آل عمران: ١٦٩ ↩
-
حديث: الترمذي ↩
-
حديث: البخاري ↩
-
قول ردده كثيرون من الصوفية مثل رابعة العدوية والجنيد ↩
-
الفجر: ٢٧- ٣٠ ↩
-
آل عمران: ١٩١ ↩
-
الكهف: ٢٨ ↩
-
النور:٣٧ ↩
-
الفرقان:٥٩- “الذي خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام ثم استوىٰ على العرش الرحمٰن فاسأل به خبيرا” ↩
-
النحل:٤٣ ↩
-
قول جيد يحث على طلب العلم ↩
-
قول جيد يحث على طلب العلم ↩
-
الحجرات: ١٤ ↩
-
آل عمران:١١٠ ↩
-
لم أستدل على هذا القول وإن كانت الآية “عرضنا الأمانة …” الأحزاب :٧٢ تعطي المعنى المراد ↩
-
الأحزاب:٧٢ ↩
-
طه: ٣٩ ↩
-
حديث: البخاري ↩
-
الليل:١٠ ↩
-
الانفطار: ٦-٨ ↩
-
الانشقاق: ٦ ↩
-
الملك: ٣ ↩
-
العنكبوت: ٢٠ ↩
-
آل عمران: ١٩١ ↩
-
الطارق: ٥-٨ ↩
-
آل عمران: ١٩١ ↩
-
حديث: إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي [ما أن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدا] ولن يفترقا حتى يردا على الحوض: النسائي، ملاحظة: لم يذكر الحديث بهذا النص في كتب الأحاديث الأخرى. ونحن هنا لانرجح نصا على نص آخر. وكل ما يهمنا هو الإستدلال علي إستمرارية الرسالة ↩
-
العنكبوت: ٢٠ ↩
-
طه: ١١٥ ↩
-
البقرة: ٣٧ ↩
-
طه: ١٢٢ ↩
-
الأحزاب: ٢١ ↩
-
لم أجد لها مرجع ↩
-
الشرح: ١-٤ ↩
-
حديث: البخاري: “إن الدين يسر، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه…” ↩
-
الشورى: ٣٨ ↩
-
حديث: صحيح مسلم ↩
-
حديث: مسلم ↩
-
حديث: الحديث صحيح، ولكن سنده ضعيف ↩
-
القلم:٤ ↩
-
حديث: صحيح البخاري ↩
-
حديث: صحيح مسلم ↩
-
الشورى: ٣٨ ↩
-
آل عمران: ١٠٤ ↩
-
الأعلى: ٩-١١ ↩
-
هذا الحديث كان في ذكرى السابع عشر من رمضان ↩
-
الأعلى: ٩-١١ ↩
-
الليل: ٥- ١٠ ↩
-
الفرقان: ٥٩ ↩
-
القيامة: ١٩،١٨ ↩
-
فاطر: ٢٨ ↩
-
حديث: البخاري ومسلم “… إني لأعلمهم بالله، وأشدهم له خشية…” ↩
-
البقرة: ٢٥٧ - الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات أولٰئك أصحاب النار هم فيها خالدون ↩
-
الأعلى: ٣ ↩
-
الكهف:٣٠ ↩
-
مقولة عن السيدة رابعة العدوية ↩
-
الشمس: ٧ ↩
-
شعر لابن الفارض ↩
-
راجع الملاحظة رقم ٢١٧ ↩
-
مقولة لأبي يزيد البسطامي ↩
-
آل عمران: ٣٠ ↩
-
لقمان: ١٨ ↩
-
الذاريات: ٦ ↩
-
مريم: ٩٣ ↩
-
آل عمران: ١٩١ ↩
-
ورد الياقوتة الشاذلية ↩
-
نفس المصدر السابق ↩
-
تأمل في آيات فاتحة الكتاب ↩
-
الأعراف: ١٧٢ ↩
-
الكهف: ٢٦ ↩
-
غافر: ٦٠ ↩
-
حديث: الترمذي “ما ملأ آدمي وعاء شرا من بطن، بحسب ابن آدم أكلات يقمن صلبه، فإن كان لا محالة فثلث لطعامه، وثلث لشرابه، وثلث لنفسه” ↩
-
العصر: ١ -٣ ↩
-
الإسراء: ١٤ ↩
-
مقولة تنسب إلى عمر بن الخطاب ↩
-
حديث: البخاري وآخرون ↩
-
المطففين: ١ - ٣ ↩
-
الكهف: ٢٨ ↩
-
آل عمران: ١٩٣-.”…ربنا إننا سمعنا مناديا ينادي للإيمان أن آمنوا بربكم فآمنا …” ↩
-
الإسراء: ١٤ ↩
-
فصلت: ٣٣ ↩
-
فصلت: ٣٣ ↩