الإسلام كتعبير عن دين الفطرة
المواضيع المثارة في هذه االوثيقة تتناول ٤٩٩ مفهوم مفهوما، لكل مفهوم أبعاد متعددة. وقد عانيت كثيرا في تصنيف هذه الفقرات ووضعها في إطار موضوعي إلى أن وصلت إلى نقطة البدء وهي الإسلام كتعبير عن دين الفطرة والذي جاء ليعلم الإنسان كيف يؤمن بالغيب والشهادة، ويحي وجوده بالعبادة، ويتعامل مع نفسه ومع مجتمعه بما هو أحسن. وقد تم التعبيرعن دين الفطرة في الديانات السماوية كما جاء في هذه الفقرات التي وجدت أن أفضل مكان تذكر فيه هو في هذا السياق:
“فجاءت الآيات لتبين للإنسان قانون الحياة، وجاء حديث رسول الله صلوات الله وسلامه عليه وفعله ليوضح للناس كيف يسلكون ويطبقون هذه القوانين. فوجب على الإنسان أن يفكر فيما أعطاه الله وفيما أمره به. هذا البحث وهذا التأمل هو الذي يقوده الى الحقيقة التي يجب أن يلتزم بها. لذلك فإنا نقول دائما إن الدين منهج حياة، وليس شكلا وليس صورة. وهناك فارق كبير بين أن أفهم الدين كمنهج، وبين أن أفهمه كصورة جامدة. آيات الحق تعلمنا أن الدين منهج (لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا1). وما معنى الشريعة إلا أنها منهج يسير الإنسان عليه. لذلك نجد أن أركان الإسلام تبدأ بهدف، والأربعة أركان الأخرى هي وسائل نريد أن نحقق بها هذا الهدف. هذه الوسائل هي المنهج. بعض الناس يرى أن العبادات هي طاعات مجردة، وليست وسائل. والواقع أن معنى الطاعة لا يؤدي الى إلغاء معنى الوسيلة. فأنت تطيع لأن في هذه الطاعة كسبك، ولأن في هذه الطاعة إدراكك لخضوعك لقانون الحياة، وهذا ما نعرف به الإسلام دائما “(١٩٩٨/١٢/٢٥)
كل إنسان عليه ألا يقوم في أمر إلا إذا قبله عقله بشكل ما، وبصورة ما. لا نقول إن العقول متساوية أو متكافئة. ولكن نقول إن كل إنسان عنده قدر من الفهم والإدراك عليه أن يقوم بتفعيل هذا الإدراك والفهم فيه. ومن هنا نقول إن الإسلام هو منهج وليس شكل، هو منهج يقوم على احترام الإنسان، وما أعطى الله الإنسان، وما أنعم الله به على الإنسان. الإنسان الذي يقدر الله، هو الذي يقدر عطاء الله له، هو الذي يقدر نعم الله عليه، وأول هذه النعم هي عقله. فهو محاسب على ما يدرك، والحساب هو القانون الطبيعي الذي كشف الله لنا إياه في رسائله السماوية، من أن الإنسان هو نتيجة عمله، وأنه يكتب على لوحه بقلمه بما يفكر ويفعل، وبما ينوي ويشعر، بكل خلجة من خلجات صدره، وبكل لمحة من لمحات فكره، وبكل نبضة من نبضات قلبه، وبكل خطوة تخطوها قدماه، وبكل فعل تؤديه يداه، وبكل نظرة تنظر بها عيناه، وبكل كلمة تسمع لها أذناه… (٢٠٠٦/٩/٢٢)
وما كانت الديانات السماوية إلا كشف لقانون الحياة، الذي يمكننا من التعامل مع ما فينا من ظلام وما فينا من نور. خاطب الله الإنسان بما في الإنسان من سره، فكان هذا السر في الإنسان فوق الظلام وفوق النور، هو الأنا الذي استمع لقول الحق، هو معنى الحق في الإنسان، هو سر الله في الإنسان، هو المعنى الإلهي الذي استوى على عرش هذا الوجود الإنساني… .(٢٠٠٩/١٠/٢٣)
نحن نشير دائما للإسلام بمعناه الشامل، ونعتقد أن كل ما قيل في الإسلام هو إشارة لهذا المعنى الشامل، كما في الآية (ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين2). ومن يفسر الأمر بمعنى الإسلام برسالة محمد بما جاء به من تشريع ومن نظام تعبدي، ويقصره على هذه الصورة، يجعل الذين يتمسكون بهذه الصورة هم فقط المسلمون، مما يعني أن كل من على هذه الأرض من غير هؤلاء من الخاسرين، مما يؤدي إلى ما نحن فيه من صراعات، ومن قتل، ومن تدمير بظن دين. وهذا لا يتوافق مع معان كثيرة جاءت في آيات متعددة، من التعايش مع الناس جميعا، ومن اختلاف الناس وتعددهم، ومن حرية الإنسان في أن يعتقد ما يشاء، ومن عدم الاعتداء عليه، فالاعتداء على أي كائن حي سواء نبات أو حيوان دون داع، أمر فيه حرمة وعدم احترام للحياة، فما بالنا من كائنات إنسانية قد تكون في حالها لا تعتدي، فيعتدى عليها لمجرد اعتقادها المختلف. كيف يتوافق ذلك، مع هذا التسامح وهذا السلام الذي جاء به الإسلام في الشريعة المحمدية؟ كيف يتوافق ذلك، مع معنى الدعوة بالموعظة الحسنة، بما هو أحسن، بالكلمة السواء، بإمكانية الاختلاف؟ فإذا اختلفنا نقول: (وإن كان طائفة منكم آمنوا بالذي أرسلت به وطائفة لم يؤمنوا فاصبروا حتىٰ يحكم الله بيننا وهو خير الحاكمين3). هذا يجعلنا دائما مسالمين محبين للحياة، لا نعتدي، وإنما دائما ندعو إلى السلام والإسلام بمعناه الحقيقي. إن دعوة الإسلام للناس جميعا، في الشرق أو الغرب، في الشمال أو الجنوب، لكل الأجناس ولكل الألوان، لكل الثقافات وكل الحضارات. إن الإسلام هو دين الحياة، ودين العقل، ودين الأحسن، ودين الأقوم، ودين التعامل بالحسنى، ودين الترابط، ودين التراحم، ودين التكافل. دين يقدر الإنسان كمعنى، ويقدر الإنسان كجسد، ويقدر كل كائنات هذه الأرض، يدعو الناس جميعا أن يتعاونوا على البر والتقوى، ولا يتعاونوا على الإثم والعدوان، وستظل هذه الدعوة قائمة، يؤمن بها من يؤمن ويكفر بها من يكفر، إلى ما شاء الله (٢٠١٥/٦/٥)
لكل مفهوم عدة أبعاد أو زوايا أو وجوه في هذا التصنيف. لا يعني أن الأبعاد المذكورة هي كل الأبعاد في المطلق وإنما هي الأبعاد التي تناولتها الأحاديث فقط. سوف أحاول أن أضيف مقدمة لكل مفهوم توضح الأبعاد المختلفة له وقد أعيد صياغة كل مفهوم لربط الفقرات التي تعبر عنه في إطار متماسك.